أوقاف النساء عبر التاريخ الإسلامي (تطورها، مساهماتها، وسُبل تمكينها)

الباحث المراسلأ. داؤد بن سليمان بن خميس الظفري

Date Of Submission :2025-03-12
Date Of Publication :2025-03-12
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

أولًا: مقدمة

يُعتبر الوقف من الأعمالِ الصالحة التي يتقربُ بها المسلم إلى ربه سبحانه وتعالى، وهو من الصدقات الجارية التي ينتفع منها الموقِف الأجر في حياته وبعد مماته، وقد حثَّ القرآن إلى ذلك لقوله جل وعلا: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}[آل عمران:92]، وقوله سبحانه وتعالى { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ}[البقرة: 280]، كما دلت السنة النبوية على ذلك بروايات كثيرة منها، ما رواه أبو هريرة  قوله  "إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلالث: وذكر منها صدقة جارية" أخرجه مسلم (1631)،  وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى النبي ﷺ يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضًا بخيبر، لم أصب قط مالًا أنفس عندي منه، فما تأمرني فيها؟ فقال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث" أخرجه البخاري عن ابن عمر (2737) (الزفتاوي، 2013). وقد اهتم المسلمون بالوقف قديمًا وحديثًا، وأولوه عناية فائقة في العمل به والترغيب إليه فالوقف يلعب دورًا أساسيًا في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ويمثل نظامًا إسلامًا أسهم بشكلٍ كبير في مختلف مجالات الحياة سواءً أكانت في المجال الديني، أو التربوي، أو التعليمي، أو السياسي، أو الاجتماعي، فهو يمكّن الإنسان من أن يكون له دور في المشاركة في سدِّ حاجات الآخرين، وإخراجهم من الضيق المادي والمعنوي إلى سعة الاكتفاء، والقدرة على العيش في الحياة بسلام وطمئنينة.

ولم يقتصر الوقف في دعمه الإنمائي والاقتصادي لمصالح المجتمع وتوفير احتياجاتهم على أماكن العبادة ورعاية فئات الفقراء والمحتاجين وغيرهم، بل امتدّ نفعه ليشمل الكثير من المجالات الإنمائية التي تخدم البشرية، ليشارك الرجل والمرأة بأدوارهما الاستخلافية تحقيقًا لقوله تعالى {وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَـٰىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی ٱلأَرضِ خَلِیفَة}[البقرة: 30]، إذ حظيت المرأة بمكانة رفيعة مع بداية العهد الإسلامي، وازدادت مكانتها مع ازدهار الحضارة الإسلامية، ومن أهمِ المجالات التي تُظهر مكانة المرأة وتُساهم في نشر الرسالة المحمدية في المجتمعات هو المجال الوقفي باعتباره العمل الصالح الذي أثنى الله تعالى عليه فقال:{ وَمَن یَعمَل مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤمِنࣱ فَأُولَـٰىِٕكَ یَدخُلُونَ ٱلجَنَّةَ وَلَا یُظلَمُونَ نَقِیرا}[النساء: 124] (مرجي، 2022). وقد سجّل التاريخ نماذج مضيئة لإسهامات المرأة في العمل الخيري بشكلٍ عام، وفي مجال الوقف بشكلٍ خاص، حيث كان لها دورٌ أساسي في المشروع الحضاري للوقف، وهذا ما وثقته كتب السنة والفقه والتاريخ، فظلّت المرأةُ المسلمةُ قائدة في مجالات العمل الاجتماعي، سبّاقة إلى عمل الخير، مبادرة إلى التخفيف من معانات الآخرين، ومساهمة في نماء مجتمعها ونهضته، وهذه هي طبيعتها التي جُبِلت عليها من رحمة وشفقة وحنان وحب للخير(الحميدان، 2016).

ويُعد دخول المرأة المسلمة بنية خالصة وقصدٍ سامٍ وطلب لرضا الله عز وجل في هذا المجال الخيّر -مجال الوقف- دافعًا قويًّا للتحضّر والتقدم في الأوساط النسائية المهمشة، التي تظهر بأن المرأة قاصرة وغير قادرة على المشاركة بشكلٍ فعّال في المجالات المختلفة. فقد أسهمت الكثير من النساء المسلمات منذ بداية الإسلام كأمهات المؤمنين رضي الله عنهن والصحابيات الجليلات ونساء السلف الصالحات، وإلى عهدنا هذا يوجد الكثير من الأمثلة على ذلك، اللواتي كان لهن الفضل الكبير والجهد العظيم في الوقف، سواءً أكان يختص بالوقف في المال والعقار، أو الأراضي والمدارس والمساجد وغيرها من أنواع الوقف؛ إذ كان لهنَّ استجابة واسعة وعملًا مشهودًا في هذا المجال(أحمد، 2011).

لذلك ينبغي الاهتمامُ بالوقف النسائي في هذا العصر، وتمكين المرأة المسلمة بشكلٍ كبير وإفساح المجال لها في مشاركتها الفعّالة في مجال الوقف وما يحتويه، وتسهيل العوائق التي قد تُصعّب على المرأة المشاركة والمساهمة في مختلف أنواع الوقف المتاحة، وبالأخص في هذا العصر الذي يُشوَّه فيه صورة المرأة بشكلٍ عام والمسلمة بشكل خاص، وما ينادي به البعض من الحرية المطلقة للمرأة للإنفلات من الأخلاق والقيم الإسلامية والحضارية، والتوجه نحو ممارسات تُبعد المرأة المسلمة من المشاركة الحقيقة والفعّالة في التكاتف والتعاون في بناءِ الوطن وتحقيق النماء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

 

ثانيًا: التطور التاريخي للوقف النسائي في عمان والعالم الإسلامي

- الوقف النسائي قبل الإسلام وبعد الإسلام

لقد كان الوقف معروفًا قبل الإسلامِ وله مجالات متعددة، فكان هناك الوقفُ على أماكنِ العبادة والأصنام، وغيرها من الأوقاف التي تُناسب ذلك الزمن والمجتمع الجاهلي، إلا أنَّ تلك الأوقاف تختلف عن الأوقاف في الإسلام، حيث إن الأوقاف في الإسلام كان هدفها التقرب إلى الله تعالى، أما وقف الجاهلية عند العرب كان غرضُه في الغالب التفاخر والتباهي، أو من أجل عقائد منحرفة كعبادة الأصنام والتقرب إليها. بعد ظهور الإسلام وانتشاره بين الناس والمجتمعات، ظهر الوقفُ معه، إذ كانت التعاليم الإسلامية تحثُّ على الوقف باعتباره قربة إلى الله عز وجل، وله دورٌ كبير في التنمية الاجتماعية، وكان المصرفَ الأول للأوقاف هي المساجد التي بناها الرسول ، إذ تُعتبر أول وقفٍ في الإسلام، وتبِعه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم. فأصبحت المساجد، وسقيا الماء، وأبناء السبيل، ودور السكن، من أهم مجالات الوقف في ذلك الوقت. وكان إسهام النساء من أُمهات المؤمنين والصحابيات نصيبٌ وافر في ميدان الأوقاف؛ ومن أشهر ما ورد في ذلك وقف الدار للسيدة عائشة، ووقف الصدقة لأم سلمة، ووقف الصدقات لأم حبيبة على مواليها وأعقابها وعلى أعقاب أعقابهم حبسًا، وغيرها من الأوقاف للنساء الصحابيات رضي الله عنهنّ اللاتي كان لهنَّ الدور البارز في إظهار الصورة الواضحة للإسلام، وما يحتويه من التكافل الاجتماعي، وتفشّي الرحمة والعاطفة الإنسانية بين المجتمع الإسلامي، فقد وقفت حفصة رضي لله عنها حليًا ابتاعتها بعشرين ألفًا، فحبستها على نساء آل الخطاب للبسه وإعارته، فكانت لا تخرج زكاته، ولم يتوقف دور حفصة رضي الله عنها عند وقفها للحلي، بل قامت أيضًا بإدارة أوقاف أبيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بناءً على وصيته، وبذلك تُعدُّ أول ناظرة على الأوقاف في الإسلام (الحميدان، 2016).

 

الوقف النسائي في العهود التي ظهرت بعد الإسلام

في عهدِ الخلافةِ الأموية اتسعت مساحة الدولة الإسلامية، ودخل الناس في الإسلام أفوجًا، فعرفوا حقيقة الإسلام وما يدعوا إليه، وما يعود به للإنسان من الخير والبركة والرحمة، وقد تزامن مع اتساعِ الإسلام في هذا العهد انتشار الأواقف وظهوره في المجتمعات الإسلامية بصورةٍ بارزة، وحَرَص الجميع من الخاصة والعامة على المشاركة في الأوقاف، وتنوّعت مجالات الأواقف وتعددت حسبما تقتضيه حاجات الناس (السرجاني، 2010). وقد كان للمرأة في ذلك العهد إقبالًا مشهودًا له في إسهامها للوقف؛ إذ ذكرت كتب التاريخ بعضَ الأمثلة التي تدل على مشاركة المرأة حتى في الأوقاف الكبيرة والبارزة في الدولة، منها: "وقفت أم موسى الحميرية زوجة الخليفة أبي جعفر المنصور الضيعة المسماة ب"الرحبة" التي أقطعها لها المنصور، فوقفتها قبل موتها على المولِّدات؛ الإناث دون الذكور، فهي وقف عليهنَّ إلى هذا الوقت. كما ذُكر بأن البهاء بنت عبد الرحمن الثاني بنت مسجدًا جامعًا في الرصافة بالأندلس، وبنت فاطمة الفهرية في فاس (المغرب) جامع القرويين في في 245هـ، الذي تحوّل إلى مركز إشعاع علمي في الغرب الإسلامي، وبنت اختها مريم جامع الأندلس المقابل له" (الحميدان، 2016، ص36-37).

وفي العهد العباسي نشأت دول كثيرة وبصورة مستقلة، ورغم ذلك كانت الأمة على اتفاق وتوحّد فيما يتعلق بالأوقاف والاهتمام بها، فمن أهم الأوقاف في العهد العباسي الوقف الصحي وما يتعلق به من مستشفيات واستقطابِ كبار الأطباء وتوفير ما يحتاجون إليه من أدوات وكتب، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل امتدّ اهتمام مؤسسة الخلافة بإنشاء الأوقاف الخيرية والاجتماعية والاقتصادية، فكان للمرأة في ذلك العصر النصيب الوافر من إنشاء الأوقاف؛ إذ اشتهرت بعض النساء بمشاركتهن في هذه العبادةِ العظيمة، "كأوقاف السيدة زبيدة بنت جعفر بن المنصور زوجة الخليفة هارون الرشيد، فقد ذكرت المصادر التاريخية بأنها اهتمت ببناء دور السبيل بمكة، واتخاذ المصانع والبرك والآبار بها، وما أحدثته من الدور للتسبيل بالثغر الشامي وطرسوس وما أوقفت على ذلك من الوقوف، ومن أوقافها الملفته للانتباه أنها حفرت عين المشاش بالحجاز، ومهدت الطريق لمائها حتى أخرجتها من مسافة اثنى عشر ميلًا إلى مكة، فكان إسهامها عظيمًا، وكذلك كانت أم الخليفة العباسي المقتدر التي أوقفت الكثير على أبواب البر والقرب من مكة والمدينة وعلى الضعفاء والمساكين" (السرجاني، 2010، ص99).

أما في العهد الأيوبي فقد شهِد الوقف بشكلٍ عام والوقف النسائي بشكلٍ خاص تطورًا ملحوظًا، وشهدت بلاد الشام ازدهارًا في حركة المجتمع بشتى صوره، وأصبحت دمشق قلب العالم الإسلامي، وتنافس القادة الأيوبيين ونسائهم في تشييد المؤسسات الوقفية، واهتمت الخلافة الأيوبيِة بشكلٍ رسمي في إدارة مؤسسة الأوقاف لعوامل سياسية واجتماعية وخيرية، ونتيجةً لذلك شاركت النساء في ذلك العهد في تنميةِ العُمران الاجتماعي والاقتصادي، وساهمت سلطانات وأميرات الأسرة الأيوبية "الخاتونيات" في بناء المؤسسات التعليمية، وأوقفًا عليهن أوقافًا كثيرة، وأنشأن مدارس للصبيان لتعلم الأحاديث النبوية والمسائل الفقهية، فتنوعت أوقاف النساء الأيوبيات في بلاد الشام، ومن أبزر النساء اللاتي أوقفن، عصمة الدين خاتون زوجة صلاح الدين، فقد ذكر ابن طولون، بأنها كانت من أحسن النساء، وأوقفت مدرسة الخاتونية الجوانية في دمشق، كذلك أخت صلاح الدين ربيعة خاتون، إذ أوقفت المدرسة الصاحبية للحنابلة، وأوقفت قرية جبة العسل، والبستان الذي تحت المدرسة، والطاحون، وجعلت للمدرسة في كل يوم درهمين، وللمعيد درهمًا، وللطلبة كل واحد نصف درهم، ويكون طلبة العلم عشرين، وغيرها الكثير من النساء اللاتي كان لهن الفضل العظيم في الأوقاف (دغيم).

واهتمت الخلافة العُثمانية بالأوقاف بشتى أنواعه ومجالاته، ونٌظِّمت هذه الأوقاف وفقًا لمجموعةٍ من القوانين والإجراءات التي وضعها ونظَّمها كبار الفقهاء والعلماء في ظل هذه الدولة، فكان نشاط الإسهامات والمشاركات الوقفية في العهد العُثماني تعدَى ما كان في العهود السابقة؛ إذ بلغ عدد إسهامات الأوقاف مبلغًا كبيرًا في التوسع والانتشار نتيجة ما حققته الخلافة العثمانية في البلدان العالمية، ونتيجةً لذلك تنوعت مجَالاَت الأوقاف ومصاريفها، واختلفت باختلاف المكان وثقافة المجتمع، بل استُحدثت أوقاف ومصاريف جديدة للأوقاف (السرجاني، 2010). وأسهمت النساء في العهد العثماني إسهاماتٍ كثيرة في الأوقاف، فمن أشهر النساء اللاتي اشتهرن بالمشاركة في الأوقاف، زوجة السلطان سليمان القانوني، فقد أوقفت مسجدًا في البلدة القديمة من مدينة القدس في عقبة المفتي، وأوقفت على المسجد وقوفات متعددة من أرضٍ وعقاراتٍ وضياع وقرى في فلسطين خاصة، وبلاد الشام عامة. وأنشأت المحسنة فاطمة خاتون جامعًا في مدينة جنين بفلسطين وأن يُعيِّن فيه خطيب حسن الصوت، ويخصص رواتب وأعطيات لتعيين خطيب وأئمة من ربع الوقفيات، وكانت فاطمة خاتون تُشجّع على تلاوة القرآن الكريم وحفظه، وذلك بتخصيص إكراميات نقدية للمُحفِّظين وللقارئين، فمن خلال هذه الأمثلة يتَضح جليًا بأن الأوقاف لم تنحصر على الرجال فقط، بل كان للنساء الإسهامات الكثيرة والعظيمة في شتى مجالات الأوقاف، وكانت الإسهامات من مختلف الطبقات الاجتماعية (حميد، 2011).

- الوقف النسائي في سلطنة عمان

أشار الرحبي والريامي (2016، ص29) إلى أن " عمان لم تكُن بمعزلٍ عمَّا كان يحدث في الدول الإسلامية الأخرى، ففي سلطنةِ عُمان ظهر الوقف وتطوّر مكتسبًا الملامح العمانية التي أثّرت في تكوينها طبيعة الآراء الفقهية للمذهب الإباضي الذي يُعد الركيزةَ الأساسية للنشاط الفكري والساسي في سلطنةِ عُمان في العصر الإسلامي وما تلاه، إضافةً إلى الظروف السياسيِّة والاقتصادية للبلد". فكانت المدرسة الفقهية الإباضيّة في مراحلها الأولى في العراق، تميلُ إلى عدمِ جواز الوقف، وكانت هناك بعض الاستثناءات فيما يختص بمسائل الوقف، إلا أنه لم تستمر النظرة للوقف عند الفقهاء في سلطنةِ عُمان بعدم الجواز، فبدأ يبرُز ذكر الوقف في القرن الثالث الهجري في آثار الفقهاء في سلطنةِ عُمان ومدوّناتهم ولو بشكلٍ بسيط.

لقد ساهمَ في الوقف مُختلف أجناس المجتمع العماني ومختلف الطبقات العمانية، من الحاكم والقاضي، والغني والفقير، ولم تكن المرأةُ العمانية بعيدةً عن المشاركة في هذه العبادة العظيمة، طامعةً في الخير والثواب في الدنيا والآخرة، فقد ذكرت كُتُب التاريخ الكثير من الأمثلة على النساء اللاتي كان لهنّ الإسهامُ الأول في الوقف، منها: وقف الصالحة مريم بنت محمد بن سعيد الشجبية الساكنة في محلة الشجبي من قرية نزوى؛ إذ ذُكر في وصيتها أنها قد جعلت النخلة الملعق التي لها في العثمانية بجميع حقوقها وحدودها وجميع أرضِها وشربها من الماء وقفًا على الفقراء، وأوصت بالنخلة المستب وقفًا على المسجد الذي بمحلة العقر الأعلى من نزوى لجميع ما يحتاج إليه من مصالح عماره، وشهد في هذه الوصية الشيخ الحسن بن أحمد وتلميذه الشيخ محمد بن إبراهيم الكندي في القرن الخامس هجري (السيفي، 2017). 

واستمر بعد ذلك بُروز إسهامات النساء في الوقف في سلطنةِ عُمان على مدار القرون،  وظهر ذلك بشكلٍ كبير مع بداية القرن الحادي عشر والثاني عشر، ففي القرن الحادي عشر هجري أوصت موزة المزروعية مع أختها فاطمة من أهل الرستاق بوقف المال المسمى " بستان القبة" لمسجد جامع العلاية بالرستاق، ولا يزال هذا الوقف معروفًا إلى اليوم(الشيباني، 2004). وفي القرن الثاني عشر أوصت راية بنت سعيد بن حمزة الرَّوحيًّة العقرية النزوية بأثر ماء لفقراء المسلمين إلى يوم الدين، ويقصد بأثر ماء هو "نصيب الفرد أو حقه من ماء الفلج"، وفي وصية أخرى أوصت أن المال الذي لها من محلة العقر ، هو للمحتاجين من طلبة العلم، كما أوصت بثلاثة آثار ماء التي ورثتها من زوجها الهالك، فجعلتها أوقافًا لبعض المساجد في نزوى(السيفي، 2017). 

فستمرَّ تطوّر وانتشار الوقف  في سلطنةِ عُمان بين المجتمعات العُمانيَة، وأصبحت المرأة العمانية سابقةً ومنافسةً على المستوى العالم العربي والإسلامي في إسهامها في الوقف، وأضحت الجهات الحكومية والخاصة المسؤولة عن الأوقاف، تُسهّل الإجراءات المتبعة في الأوقاف التي تختص بالنساء وتضع القوانين واللوائح التي تُعزّز وتشجّع النساء في مشاركتهنَّ في الوقف بشتى مجالاته. فقد بادرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في هذه السنة بتاريخ 06/04/2023 بإطلاق السهم الوقفي "وقف المرأة"، الذي يهدف إلى بناء وتشغيل مركز تتوفر فيه البيئة التعليمية والإرشادية المناسبة للمرأة، ودعم برامج تعليم القرآن الكريم، ودعم مشاريع تعليم المرأة وإرشادها دينيًّا. ويسعى السهم الوقفي "وقف المرأة" إلى دعم المشاريع والفعاليِّات الدعوية للأسرة والمجتمع عامة، وتفعيل كل ما يضمن استدامة الوقف من خلال إنشاء أصول وقفية هدفها التعليم والإرشاد الديني، بالإضافة إلى المشاركة في إدارة واستثمار أموال الأوقاف النسائية الخاصة والعامة، بما يتلاءم مع اختصاص هذا الوقف.

ويتيح وقف المرأة الشراكة المجتمعية وتوفير سُبُل الاستقرار للمجتمع، من خلال السعي إلى إحداث نقلة نوعية في مجال التعليم والإرشاد الديني للمرأة والأسرة في كافة مستوياته، بما يُسهم في إرساء بناء حاضر مشرق للمرأة ومجتمعها الذي ينشأ في كنفها ورعايتها، إلى جانب إيجاد مصادر متنوعة ومستدامة لخدمة التعليم. ويأتي السهم الوقفي "وقف المرأة" تزامنًا مع تخصيص هذا العام "عام الوقف" وإبراز دوره الحيويّ في النهوض بمختلفِ القطاعات وبإسهامات المرأة في إثراء التكافل المجتمعي، والعمل على إنمائه وتطويره (غير معروف، 2023).

 

 

ثالثًا: إسهامات الوقف النسائي في تنمية وتطوير مختلف جوانب الحياة المعاصرة

أبدعت النساء المسلمات في قُدرتِهنّ على احتواء كافة المجالات التي من شأنِ الوقف أن يرقى بهذه الجوانب الحياتية، وهذا يُعبّر عن مدى الوعي والفهم لِعلّة الوقف ومقاصده السامية في الشريعة الإسلامية(مرجي، 2022). فكان لأوقاف المرأة الأثر الملموس في دعم المجتمعات الإسلامية، وتوسّع مبدأ التكافل الاجتماعي، ونشر مبدأ التراحم والتودد والتعاطف بين فئات المجتمع وطبقاته، فأسهمت المرأة المسلمة بشكلٍ كبير في تنمية وتطوير مختلف جوانب الحياة الاجتماعية في الدول الإسلامية، ومن هذه الإسهامات البارزة في مجالات الوقف:-

المساهمة في مجال العلم والتعليم:

استطاعت المرأةُ المسلمة أن تُنفق مالها في الوقف الذي يختصُ بالعلمِ وما يتعلق به من إنشاء المدارس ورعايتها، وتزويد الطُلاب بالحاجات التعليمية، ووقف الكتب والمكتبات لهم، فكان للمرأةِ المسلمة الفضل العظيم في مجال هذا النوع من الوقف، مما كان له الأثر الإيجابي في نشر العلم والمعرفة، ودورًا بارزًا في دفع الحركة التعليمية والثقافية في البلاد. وتمتلئ المصادر التاريخية بالكثير من الأسماء للنساء المسلمات اللاتي ساهمن في وقف المدارس والكتب وما يتعلق بها، وأنّهنّ شاركن في هذا المجال الخيري المؤثر في تطور الحضارة الإسلامية بشكلٍ كبير، مما سهّل سُبل الوصول إلى المعلومات وأخذها من المصادر الأصلية والموثوقة(المحضار، 2022).

 إذ كان للنساء دورٌ كبيرٌ ومُميّزعلى مرِّ العصور في مجال الوقف للعلم والتعليم وما يتعلق به من بناء وإنشاء المدارس، وجعلها وقفًا لله تعالى عن رغبة واختيار. ومن الأمثلة على ذلك؛ إقبال النساء المسلمات بدمشق على إنشاء المدراس وبالأخص في القرنين السادس والسابع الهجري، حيث كانت تُعد هذه المدارس في مدينة دمشق مركزًا ثقافيًّا وعلميًّا مهمًّا خلال فترات طويلة من تاريخ الإسلام، وكان لها الأثر الكبير في تعزيز التقدم المعرفي، وتنمية الحركة العلميِّة فيها، حيث كانت تُعقد فيها الدروس والحلقات العلميِّة والوعظيِّة والتثقيفيِّة التي تُسهم في الارتقاء الفكري والمعرفي. وقد تردد لمثل هذه المدارس الكثير من العُلماء الأفذاذ وطُلاب العلم الذين نشروا في الدنيا الخير والبر والفضل وملؤها علمًا ومعرفةً وثقافة، مثل ابن الصائغ الشيخ عماد الدين عبد العزيز الدمشقي، وعماد الدين ين الشماع المارديني، وشرف الدين بن الزكي الدمشقي، وغيرهم الكثير من العلماء الذين كانوا يدرّسون في مدارس دمشق (أحمد، 2011).

فالوقفُ النسائي أسهم إسهامًا بارزًا في تحقيق النهضة العلمية والفكرية الشاملة، وتهيئة الظروف الملائمة للإبداع الإنساني، وذلك بما وفّره واقفوا المدارس من تسهيلٍ وتيسيرٍ للعلماء وطلاب العلم، الذين كانوا ينتقلون بين البُلدان وهم يثقون بأنّهم سيجدون من يُيسّر لهم طريق طلب العلم ويوفّر لهم حاجات الحياة اليومية، فكان لهذه المدارس النسائية الأثر العظيم في التعليم وتخريج العلماء والدعاة المؤهلين الذين تعلّموا العلم الشرعي الصحيح، وقاموا بأداء واجبهم في نشر الإسلام وتعليم علومه المتنوعة في مجال العقيدة الصافية، والعبادات الصالحة والتعريف بالأحكام الشرعية والمعاملات الاجتماعية والاقتصادية والآداب الخُلُقيّة، فنشطة الحركة العلمية، واتضحت أحكام الحلال والحرام من خلال مجالس الفتوى المنتشرة، وتخرج الكثير من العلماء الذين كان لهم دورٌ في نشر الإسلام(أحمد، 2011).

كما بَرز دور المرأة المسلمة في إسهامها في وقف الكتب، حتى تصل لطلبة العلم والعلماء والمعلمين في المدارس والمساجد، ممن لا يستطيعون الحصول عليها بسبب الوضع المادي الذي يُصعّب عليهم مسألة شراء الكتب أو استعارتها، فكان لهذا النوع من الوقف دورٌ كبير في تسّهيل عملية نشر العلم، وتفقيه الناس، وسهولة تعلُّم العلوم، وتوسيع المدارك، والتفقّه في الدين من المصادر الحقيقيِّة والموثوقة، فكانت هناك الكثير من الأمثلة على النساء اللاتي كان لهنَّ الدور الكبير في مثل هذا النوع من الوقف على مستوى العالم الإسلام بشكلٍ عام، وعلى مستوى الجزيرة العربية بشكل خاص. فمن المناطق التي برز فيها الوقف النسائي في الكتب، منطقة نجد والمناطق المجاوره لها في شبه الجزيرة العربية كسلطنةِ عُمان، فحَرَصت الكثير من النساء في أن يكون لهنَّ النصيب الطيب، والجزء الأكبر في إسهامهِنَّ في وقف الكتب بشتى أنواعها، وبشكل خاص وقف الكتب التي تتعلق بالشريعة الإسلامية، والتفقّه في الدين التي كان يكثر إستعمالها بين طلبة العلم في أرجاء العالم الإسلامي، ولم يقتصر الإسهام في هذا الوقف من النساء اللاتي كانت لهنّ المكانة في الأسر الحاكمة أو اللاتي يمتلكن الأموال الكثيرة، بل تعدَّى الأمر إلى إسهام النساء حتى من الطبقات الأدنى(الحربي، 1999). وقد ذكر السيفي (2017) أمثلةً من النساء العمانيّات اللاتي أسهمن في هذا المجال، وكان لهن دورٌ بارز في تسهيل نشر العلم وطلبه وهن كالتالي:

أ- كان للعالمة الفقيهة ضَنُّوه بنت راشد بن عمر الخفيرية الريامية النزوية من سلطنة عمان خزانة كتب مخطوطة، وقفتها بعد وفاتها لطلبة العلم؛ إذ وقفت على الجزء الرابع والعشرين من كتاب المصنف، لمن أراد أن يتعلم من أهل الملة الإباضية. وفي الجزء الثلاثين من كتاب المصنف، كتب على غلافه: "هذا الكتاب المبارك للشيخة الرضية الزكية ضَنُّوه بنت راشد الخفرية النزوية اشتريته لها من سوق المسلمين بنزوى المحروسة". ومن آثار الشيخة ضَنُّوه: مدرسة مرابطات عقر نزوى، فكانت تدرس بها العلوم الشرعية. وفي نفس هذا الكتاب "المصنف" قامت الصالحة المنفقة منيرة بنت سليمان بن عامر البطرانية بوقف الجزء السابع عشر وقفًا مؤبدًا إلى يوم القيامة.

ب- اعتنت الشيخة العالمة زريد بنت عبد الله بن أحمد العوفية العقرية النزوية بطلب العلم وتحصيله وشراء الكتب وتعليم المجتمع، ووقَّفت الكتب من بعدها، إذ وقفت على مخطوط الجزء السابع والأربعين من كتاب بيان الشرع، وهي من عقر نزوى سلطنة عمان.

ج- كان للشيخة الصالحة زيانة بنت سلوم بن سعيد أمبوسعيدية مكتبة بها عدد من الكتب القديمة والمخطوطات من بيان الشرع، والمصنف، والضياء، وقد وقفتها جميعًا في حياتها لمن يطلب العلم.

 

 

المساهمة في المجال الاقتصادي والتكافل الاجتماعي:

مُنذُ فجر الإسلام قامت المرأة المسلمة بدورٍ مهم في بناء الأمّة وإرساء قواعدها وفي المساهمة في إقتصاد الدول والتكافل الاجتماعي الذي يهدف إلى تحقيقِ الأمنِ والإستقرار الوطني، وهذا عكس من يتصوّر أنَّ المرأة العربية المسلمة هي حبيسة الجدران والسلّطة الذكوريّة، فهذا ليس لهُ أدنى دليل من عصور التنوير الإسلامي التي نعمت بفهم ديني صحيح. والمرأةُ قد تحصل على المال من المصادر الشرعيّة كالميراث، أو المهر والنفقة من الزوج، أو نتيجة للعمل والتجارة، فينتج عنه استثمار هذا المال في عدّة وجوه مختلفة ومنها الوقف، فقد حفظ الإسلام الذمة المالية للمرأة المسلمة، وحقها في التملك والتصرف بالمال(الزفتاوي، 2013). 

كان إسهام المرأة المسلمة بشكلٍ عام والمرأة العمانيّة بشكلٍ خاص في الأوقاف، الأثر الكبير في تحسين الأوضاع الاقتصادية في مختلف الدول التي تنتمي إليها، وتعزيز الجانب الأخلاقي في المجتمع من خلال رعاية النساء المطلقات والأرامل والأيتام وغيرهم، وبالتالي كان للمرأة الدور العظيم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وجعل الفقير كالغني في تمكًنه من الحصول على حقه في المتطلبات الأساسية من خلال نظام الوقف، وهو ما عزز روح الانتماء في المجتمع الإسلامي. وشكلّت الأوقاف النسائية الركن الأساسي للتآلف والتكافل الاجتماعي، لأنها تهدف إلى إلى أهداف إسلامية موحّدة وسامية، فالهدف منها الإرتقاء بالوطن والأمة، وتعزيز الجانب الاقتصادي والثقافي والعلمي، وتحقيق الأمن الاجتماعي، فلعِبت الوقفيّات النسائية دورًا مهمًا في بناء نهضة إقتصادية "إنمائية" على مستوى الفرد والجماعة، وتَمثل هذا الدور من خلال ما يتقاضاه العلماء والطلاب من رواتب هيأت لهم مستوًا لائقًا من العيش، وفي ذاتِ الوقت استفادت كل فئات المجتمع الغنية والفقيرة، وهناك أمثلة كثير لأوقاف النساء التي ساهمت في المجال الاقتصادي والتكافل الاجتماعي، ومنها أوقاف النساء في بلاد الشام عمومًا، وفي العهد الأيوبي خصوصًا، فشاركت سلطانات وأميرات الأسرة الأيوبية "الخاتونيات" في بناء المؤسسات التعليمية، وأوقفن الكثير من الأوقاف المتنوعة، بل تعدّى الأمر إلى مشاركة الطبقات العامة الميسورة ، والعالمات الجليلات، إذ كان للمؤسسات الوقفيّة النسائية الأثر الاجتماعي والاقتصادي والعلمي في حياة المجتمع والدولة(الدغيم).

ففي سلطنةِ عُمان قامت المرأة العمانية عبر مرِّ التاريخ بالمشاركة في تنمية وتطوير مختلف مجالات الحياة، ومنها مجال الاقتصاد والاستقرار والتكافل الاجتماعي، فقد ذكرت الكتب التاريخية والمخطوطات المحفوظة الكثير من الوقوف النسائية العمانية المختلفة، كوقف المساجد، ووقف المزارع والأشجار والمياه، ووقف الكتب والمكتبات، بل توجد الكثير من الوقوفات لصالح إمرأة واحدة موزعة لعدة مصارف مختلفة. إذ اهتمت النساء العمانيات بالمشاركة في أوقاف المياه وما يتعلق بها من أفلاج وآبار، والأشجار كالنخيل وغيرها، وتعددت مصارف هذه الأوقاف حسبما تقتضيه المصلحة العامة في القرية أو المدينة، وذلك لما له أثرٌ كبير في مساعدةِ الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل وغيرهم ممن يقطنون في تلك البلدة، ويعتبر هذا النوع من الوقف مشهورًا في الزمن الماضي والحاضر، لأنه يتعلق بالتاكتف والتعاضد الاجتماعي، وتيسير الحياة اليومية على الناس. ولهذا الوقف أمثلة كثيرة في سلطنة عمان، خصوصًا بين القرن الحادي عشر والرابع عشر. كما أسهمت الوقوف النسائية العمانية في النمو الاقتصادي للدولة من خلال جعل الوقف لصالح مسجد ما، والاهتمام بصيانته وإطعام المساكين والمسافرين والصائمين، وبطلبة العلم الذين يدرسون فيه، وكذلك جعلها لصالح الأيتام والأرامل والمطلقات والإنفاق عليهم، وغيرها من المجالات التي ساعدت في نشر الاستقرار والتآخي والتآلف بين المجتمع، وفي الإنماء الوطني وتطويره ومساعدته في الاهتمام بالمواطنين وما يحتاجون إليه، سواءً الأغنياء منهم أوالفقراء، وفي الاكتفاء الذاتي لدى المواطنين من الفقراء والمساكين وطلبة العلم، مما يجعلهم يعيشون في أجواءٍ من الأمن والآمان والاستقرار والطمئنية، والرحمة والمحبة، وقد ذكر الشيباني (2004) أمثلة للنساء العمانيات اللاتي أسهمن بشكل كبير في ذلك وهنَّ كالتالي:

أ- وقوفات المرأة الفاضلة عائشة بنت محمد بن يوسف العبرية التي بذلت أموالًا طائلة في سبيل الله، ومن آثارها التي ما زالت موجودة في ولاية الحمراء وغيرها: بناء مسجد الصاروج المسمى الآن بمسجد السحمة، ووقف أثر ماء من فلج العراقي بعبري لإصلاح المسجد المذكور، ووقفها بستان كثير النخل مع ما يحتاجه من الماء لعمل خلٍّ يكفي أهل الحمراء عامة، ووقف ما يفضُل من ثمر ذلك البستان من الخل لمسجد الصلف في بلدة الحمراء لفطرة الصائمين، ولإصلاح مسجد الصاروج أيضًا.

ب- قامت امرأة تسمى "قيقا" من سلطنة عمان بقرية "منح" ببناء مسجد قيقا قي بدبد، وبعد أن أصاب منح مَحل شديد حتى جفت الآبار، ولم يوجد فيها ماء للشرب، انتقل أهلها إلى الباطنة لطلب الرزق، وبنت لهم هذا المسجد في منطقة المعبيلة الشمالية ويسمى الآن (جامع فيقا).

ج- وقوفات المرأة الفاضلة ثريا بنت محمد بن عزان بن قيس ابن أحمد بن سعيد البوسعيدية. اتصفت السيدة ثريا بالسخاء والإنفاق، وكان لها دور في الإسهام في مجال الاقتصاد ودعم طلبة العلم، فوقفت أموالًا كثيرة منها: مقصورة الرمامين؛ وقفتها لمسجد الوكيل، ووقفت مقصورة خرس المالح وأخرى بجانبها لصالح مسجد المقحم في بوشر، وتذكر المصادر أنها عيّنت الشيخ سليمان بن زهران الريامي وكيلًا لها بمسجد الوكيل، يوزِّع النفقة على الدراسين فيه من طلبة العلم، وقد تخرج في هذا المسجد جُملةً من العلماء والمشايخ الذين انتفعوا بهذه النفقة ونفعوا من جاء بعدهم. 

كما ذكر السيفي (2017) نماذج كثيرة وعظيمة للنساء العمانيات ومنهنّ: 

أ- المنفقة الخبازة عيدوه بنت سعيد بن عمر التي هي من أولاد ابن عمر النزوية، أوصت بغالة أثر ماء من مائها من فلج الغنتق من نزوى؛ يشترى بغلة هذا الماء تمر فرض يُؤكل هجورًا بعد صلاة الصبح في مسجد جامع السوق من عقر نزوى وقفًا مؤبدًا إلى يوم القيامة. وأوصت بنصف أثر ماء وسبع قياسات ماء لمسجد السَّنود، ومسجد الشرع المسمى مسجد الرَماحة، ومسجد الجامع من عقر نزوى، ومسجد الشَّواذنة. وقال الكاتب الثقة خلفان بن محمد بن سالم بن عبدالله بن نعمان: "أوصت عيدوه بنت سعيد بن عي التي هي من أولاد ابن عمر بنصف أثر ماء من مائها من فلج الغنتق من قرية نزوى، تنفذ غلة الماء دراهم لفقراء سكة حمامة من حارة الوادي الشرقية يوم الحج الأكبر وقفًا مؤبدًا إلى يوم القيامة. وأوصت الفاضلة عيدوه بغالة أثر ماء من مائها يشترى بهذه الغالة الأثر تمر ليفطرن به النساء الصائمات في المجائز اللواتي هن غربي حارة الوادي الغربية، وإن فضل شيء من هذه الغالة يوزع على من رزقه الله من فقراء المسلمين وقفًا مؤبدًا إلى يوم القيامة. كما أوصت بغلة نصف أثر ماء من مائها لتنظيف وُقُبات مسجد بني إد"

ب- أوصت سالمة بنت سعيد بن عبد الله الفرقانية بنخلة نشو وشجرة أمبا لمسجد الشواذنة بعقر نزوى، وأوصت بمثلها لجامع عقر نزوى، وكذلك بأثر ماء لفقراء حوائر عقر نزوى.

ج- روي عن الصالحة فاطمة بنت محمد بن عيسى باللاريات العقرية النزوية، أنها أقرّت بنصف أثر ماء من مائها من فلج ضوت للكتب التي وقفتها لمدرسة الرحبة من عقر نزوى، وأوصت لمسجد مزارعة بأربعة آثار ماء من فلج أبي ذؤابة، وكذلك أوصت بربع أثر ماء من مائها من فلج أبي ذؤابة لفطرة مسجد الفرض من عقر نزوى.

د- وقوفات السيدة المنفقة عفيفة بنت الإمام العدل بلعرب بن سلطان بن سيف اليعربية العقرية، فقد كانت نهرًا متدفقًا للفقراء والمحتاجين بالصدقات الجارية، وباعت كثيرًا من أموالها للصدقات الجارية، ومنها: تصدقت بجنة من نخيل تزيد عن الثلاثين نخلة مع مائها من فلج دارس لعز دولة الإسلام، وجعلت عاضد نخل لها بالغنتق وقفًا مؤبدًا رطبها وتمرها لتفطير صائم بشهر رمضان المبارك، وأوقفت في وجوه الخير المختلفة من طرق، ومساجد، ولمدارس القرآن الكريم، وأوصت بعدد من المنافع التي تخدم المجتمع، ومنها: أوصت باثر ماء من مائها من فلج دارس من سمد نزوى لعمار الرحى التي في مالها المسمى المقصرة من سقي فلج الغنتق من نزوى؛ وليشترى تمر يجعل خلًا في الخروس الصينية، وإن ضاعت هذه الخروس والرحى التي أوصت بهن، فيشترى من غلة هذا الاثر وقفًا مؤبدًا إلى يوم القيامة.

هـ- الصالحة المنفقة منيرة بنت سليمان بن عامر البطرانية العقرية النزوية، كانت تملك الأموال الطائلة والأمتعة الفائضة بذلت هذه الأمول لوجوه الخير في حياتها وبعد مماتها. أوصت قبل وفاتها بثلث أموالها إلى عدة مصارف، فمن ذلك: بناء مساجد أرض أباريق المعروفة بمساجد العُبَّاد، وهذه المساجد في مواضع القعاب التابعة للغَنتق، وبترميم مساجد العّبَّاد وإصلاحها، وفطرة لبعض المساجد. كما أوصت بمال القعود ومعه ثلاثة آثار ماء يقسم لأربعة حوائر، وهي: العقر، وحارة الوادي، وسُعال، وخَرَاسين، ومعها قبيلة البطرانيين. أوصت الفاضلة منيرة لسكة حمامة من حارة الوادي الشرقية بالنغائل التي لها في بستان الدرار من فلج الغنتق تنفذ غالتهن لفطرة شهر رمضان. 

و- اشتهرت المنفقة موزة بنت سالم بن سعيد العامرية الخراسينية النزوية بالتبرعات والنفقات والوصايا الخيرية؛ فمن ذلك: أوصت باثر ماء من مائها من فلج العنتق من نزوى بجميع ما يستحقه من المصالح الشرعية، تنفذ غلته في كل سنة تدور يوم تاسع الحج الأكبر لوقف محلة خَرَاسين من نزوى وصية منها لهم بالسوية. وقد جعلت موزة أخاها المر وابنها عبدالله أوصيائها فيما أوصت به هنا؛ وأوصت لهما بعشرين قرشًا فضة أجرة لهما على قيامهما بأمر هذه الوصية، واجازت لهما في مالها كل ما يجوز لها إجازته فيه.

يتبيِّنُ من خلالِ ذكر الأمثلةِ السابقة لتلك النساء الصالحات المنفقات، مدى قوة المنافسة والمسابقة إلى فعل الخيرات، وصرف الأموال في وجوه الخير كالأوقاف، ويتضحُ مدى روعة التعدد في وقف الأوقاف وصرفها في أماكن مختلفة، ساهمت بشكلٍ كبير في التنمية الاقتصادية والتكافل الاجتماعي، ونشر الوعي الثقافي لمدى أهمية الأوقاف في الحياة الاجتماعية والدولية، وفي إثبات الحق الشرعي والقانوني للمرأة في مشاركتها في هذه العبادة العظيمة.

 

رابعًا: سُبُل تمكين الوقف النسائي وتطويره وإنمائه واستدامته

في بدايةِ العصرِ الإسلامي كان للمرأة دورٌ فعّال في شتى مجالات الحياة ومنها المشاركة في الوقف النسائي، وجسّدت هذا الدور النساء من أمهات المؤمنين، والصحابيات والنساء الصالحات اللاتي فهمن ووعين الرسالة المحمدية، لكن عند النظرِ إلى  سيرة الوقف النسائي في تعاقُب الحضارات الإسلامية، نجدُ التفاوتَ الواضح واللافت في مشاركة المرأة لهذا العمل، وهذا بسبب مواجهة المرأة عددًا من العوائق المختلفة وخاصة في وقتنا الحاضر الذي سهُلَ فيه تداخل الثقافات، والابتعاد عن الوعي الديني، والاهتمام بمجالات أخرى بعيدة عن هذا الفكر، لذلك يجبُ تمكين المرأة للمشاركة في الوقف بشكلٍ فعّال وكما أمرت به الشريعة الإسلامية. وذكر مرجي (2022) بعض النقاط التي تعتبر عائقًا قي الوقف النسائي، ويمكن أن نستخلصَ منها بعض النقاط التي من خلالها نستطيع السعي إلى تطوير الوقف النسائي وتمكينه وإنمائه واستدامته، وهي كالتالي:-

1- التمكين الشخصي: ويتمثل ذلك من خلال ما يلي:-

أ- إلقاءُ المحاضراتِ والدورات الإرشادية النفسية لإكساب المرأة الثقة بنفسها وبدورها التنموي، ولإدراكها لما تملك من معارف ومهارات تجعلُها قوية الشخصيّة أمام نفسها والمحيطين بها، وامتلاكها المعرفة التامة بدورها الاستخلافي ليجعلها مؤثّرة على النطاق الاجتماعي والعالميّ ولا تتأثر بالفكر الخارجي. كما يمكن من خلال هذه المحاضرات والدورات، اكساب المرأة المهارات والأدوات الوقفيّة في كيفية إدراة المال وعدم الخوف من ضياعه.

ب- تثقيفُ النساءِ في المجتمعات لمفهوم الوقف وأبعاده ومجالاته، إذ تعتقد بعض النساء أن الوقف محصورٌ بين العبادة والكُتُب وحفر الآبار، وعدم استيعابهنَّ بأنَّ الوقف نطاقه واسع ومستوعبٌ لكلِّ مجالات الحياة.

ج- إقامة الدروس والمحاضرات للنساء بشكل مكثّف وخاصّة بالثقافة في الوقف وما يتعلق به، حتى تتضح الصورة الحقيقة لدى النساء، بأنَّ الوقف هو مسؤوليّةُ مشتركة بين الرجال والنساء، وليس محصورًا على أحدٍ دون أخر، بل إنَّ الله تعالى أودع للمرأة الإمكانات والقدرات التي تجعلها صاحبة بصّمة وأثر في الخير وفي بذل العطاء.

2- التمكين الاجتماعي: والتمكين هنا يختلف باختلاف ثقافة المجتمع ووعيه بالأدوار والمسؤوليّات لأفراده، وبالمجمل يمكن تفعيل ذلك من خلال:-

أ- القيام بالمحاضراتِ والورشِ التوعوية للمجتمعات رجالًا ونساءً، وذلك لإخراجهم من دائرة العادات والتقاليد الخاطئة والبعيدة عن شرع الله تعالى، فكثرٌ من المجتمعات التي تُبعد المرأة عن دورها التنموي وتقتصره على حدود أركان بيتها، ويعتبرون المرأة الوقفية خارجة عن أعراف المجتمع وتدعو إلى التحرر، فيحرمونها من التعليم والمشاركة في التنمية. كما يجب توعية المجتمعات والأسر في تصحيح نظرتهم للمرأة بشكل دوني، وعدم ثقتهم بقدرتها على الإصلاح والبناء، وأنها في أصلها قاصرة وغير قادرة على إدارة شؤونها، فكيف تستطيع تحمّل أعباء تنمية المجتمع ومشاقه، وهذا لا يمتُّ صلة بالشرع، وهو بعيد كل البعد عن المقاصد الشرعيّة والدين الإسلامي الحقيقي.

ب- تثقيف الأباء والأزواج وغيرهم عن أهمية عمل المرأة التنموي وقدرتها التنموية، وتصحيح الفكر لديهم بأنَّ مجال عمل المرأة واسع وليس محصورًا على بيتها، والقيام من قبلهم ومن قبل النساء الأخريات في مساعدة المرأة الوقفية والتعاون معها في حمل رسالتها والقيام بمسؤوليتها، وعدم التعنُّت من قبل الأولياء والأزواج وتعسِّفهم في سلطتهم المكتسبه من الأفكار والمعتقدات الخاطئة، التي تؤدي إلى عزف النساء عن المشاركة في مجال الوقف. كما ينبغي أيضًا تصحيح الأفكار والمعلومات المغلوطة والناتجة عن الفهم الضبابي في حق المرأة بأنها ناقصة عقل ودين، والقيام بمحاربتها وتهميشها، وضعف الوعي بالدور الرئيسي للمرأة في البناء الحضاري للأمة، وعدم الاقتداء بسيرة الصحابيّات.

3- التمكين الاقتصادي: هناك عدة عوامل اقتصادية لها الأثر الكبير في تطوير وإنماء الوقف النسائي، وهي كالتالي:-

أ- يجب تقديم الدعم المادي للعمل التنموي للمرأة والاهتمام من قبل الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بالعمل التنموي، وأن يُجعل لها دخل ثابت ومورد مستقل، ويمكن أن يكون ذلك بتبني المؤسسات لأبرز الأعمال التنمويِّة المتعلقة بالمرأة؛ فهذا يُفعّل دور المؤسسات والأفراد في الإسهام في توضيح الصورة المشرقة للإسلام ودعم الأفراد الواعيين ليكونوا الوجه الأمثل في تشكيل الصورة التنموية عن عَظَمة الإسلام ومحاسنه، وعدم الخوف من الفقر والعوز والإفلاس؛ بسبب الأحداثة الواقعة والمشاهدات التي تعصف بالأمّة.

ب- عدم حصر الوقف من قبل المؤسسات والأفراد في بناءِ المساجد والمدارس وما يتعلّق بها، وإنّما يجب توسيع دائرة هذا العمل الخيري بما يُحقق التنمية الاقتصادية المنشودة، والتكفل بمجالات أخرى تختلف من زمنٍ إلى أخر.

ج- عمل دورات وورش للنساء فيما يختص بالأعمال التنموية والاقتصادية، لإكسابها المهارات التسويقيِّة والاقتصادية، حتى تمتلك القدرة في جذب الدعم الماديِّ لعملها الوقفي، وبيان الميزانية المقترحة والمصروفات وكيفية الترويج لمشروعها الوقفي لتتلقى الدعم المادي من الفئات المستهدفة، وتستقطب الجهات المعنية في مشروعها التنموي.

د- إعداد المشاريع الوقفية المهمة للمجتمع بما يتناسب مع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية التي تُعاني منها المرأة، وذلك عن طريق الاستغلال الأمثل للوسائل الوقفيّة التي تستهدف أكبر قدر من النساء ليُنصّب العمل الوقفي النسائي على حل أبرز الأزمات التي تُعاني منها المرأة، أو تُركّز على تنمية مهارات المرأة وتطويرها.

هـ- التعزيز الرسمي من قبل الدولة، وغير الرسمي من مؤسَّسات المجتمع المدني والأفراد للجهود النسائية التنموية وخاصّة الوقفية، وإن كان مقصدها ربانيٌّ أّخرويّ إلا أنه لا ضير إن قُدّمت نماذج ناجحة في العمل الوقفي التنموي لتحفيز النساء الأخريات وشحذ همتهنَّ للإقدام على العمل التنموي النسائي، وما لهذا التعزيز الأثر البالغ في نفوسهن.

4- التمكين الإدري والتنطيمي:

أ- تفعيل عملية التعاون بشكل أكبر وغير محدود من الناحية الإدارية والتنظيمية بين المؤسسات ووزارة الأوقاف، وتكاتف الجهود وتوحيدها، وعدم العمل بشكلٍ فردي لأنّه يُعيق ويصعّب عملية تفعيل دور المرأة في إجراءاتها بما يختص بالعمل الوقفي.

ب- عمل دورات وورش للنساء في كيفيِّة وضع آليّات التنفيذ والدراسات المسبقة، والخطط البديلة للبدء في الوقف وضمان ديمومته واستمراريّته، فالكثير من الأعمال التنمويّة للنساء، قائمة على الدافع الوجداني، والحماس النهّضوي وينقصه المهارات الإدارية والتنظيمية.

ج- الإشراف الحقيقي من قبل الجهات الحكومية للمؤسسات المشرفة على العمل الوقفي وتوجهها في عدم التعقيد والمماطلة في إجراءات التراخيص والتصاريح في العمل الوقفي، وإنما تسهيل هذه الإجراءات بشكلٍ يَجعل النساء لا يعكفن أو يُعرضن عن هذا العمل بسبب المتاهات التنظيمية الإدارية، وخاصة النساء اللاتي ليس لديهنَّ المعيل والمعين في ذلك.

د- التأكيد على إيجاد آليّة لتبادل الخبرات بين الجهود النسائيّة في المشاريع الوقفية، ممَّا يؤدي إلى توطيد العلاقة بين العاملين والعاملات في الوقف، فينتِج عنه وحدة الصف، وتكوين رأي عام مبني على الكتاب والسنة مستصّحبًا لظروف الواقع، وتعميق البناء التكامليّ في الجهود الوقفية، بحيث تتوزع الجهود على محافل متنوّعة لا ينصب العمل الوقفي والتنموي على محفل دون آخر، وهذا هو مَناطُ العمل الوقفي المرجو لتحقيق التنمية والديمومة للأجيال القادمة.

5- التمكين العلمي والفكري:

أ- إيجاد السُبُل التوعوية للأسر وأولياء الأمور من أجل الاهتمام بالمحاضن الوقفية النسائية، ورفدها بالنساء بُغية ترسيخ الوعي والشعور بالمسؤولية لديهنَّ للتفاعل مع الأنشطة التنموية النسائية وخاصة الوقفية منها.

ب- ضرورة عقد ورش عمل بين المهّتمّات بالوقف، وحثّ غير المهتمات ولفت نظرهنّ لدور الوقف، حيث يتم من خلال هذه الورش تطبيق بعض البرامج والدورات المهمّة، والاهتمام بالمحاضرات العامّة وتفعيلها.

ج- نشر الثقافة المجتمعيّة بين النساء بشكل دائم، حتى يُصبحن قريبات ومطّلعات على مستجدات القضايا ومستحدثات العلوم التي لها أثرها ووقعها في المجتمع، فتكون المرأة قريبةً إلى الحاجات في الحياة الواقعية، وتضمن نجاح رسالتها وملامسة وقفيّتها لتلبي الحاجات وترتقي بالمعطيات.

6- التمكين الإعلامي والتقني:

أ- تفعيل الخطاب الإعلامي وتكثيف الحديث عن المواضيع التي تتعلق بالعمل التنموي للمرأة ومشاركتها في شتى الأعمال الخيريّة ومنها الوقف، فذلك له الأثر الكبير في تكوين الرأي العام في المجتمع الإسلامي عامّة، والنسائي خاصّة، ومواجهة العالم بالحقيقة الواقعيّة لعدل الدين الإسلامي والحقوق التي شرعها للمرأة في مشاركتها لمختلف المجالات التنموية مع الرجل، فهُناك الكثير من منظريّ المنظمات الحقوقية، يرفعون شعارات رفع الظلم والتخلّف والإقصاء عن المرأة المسلمة، ويكوِّنون قيادات نسائية معادية للمنهج الإسلامي ومهملة له، لا تلتفت إليه على المستوى السلوكي ولا على المستوى الفكري والثقافي، مما ينتج عنه توجّه الكثير من النساء إلى بعض المنظمات ليصبحن متحدِّثات باسمها عن جهل بحقيقة عدالة الشريعة وسماحتها.

ب- العمل على توجيه المؤسسات الإعلامية  لإظهار وإبراز الدور الذي تنشط فيه المرأة عبر التاريخ الإسلامي في الماضي والحاضر وخاصة أوقاف النساء، وتوضيح صورة المرأة الوقفية الناجحة المحتكمة إلى شرع الله تعالى، حتى تكون قدوة للنساء الأُخريات، ويحجب هذا ظهور المرأة بصورة مغايرة، وتكوين صورة عن المرأة وفق الطريقة والرؤية التي تؤدي لفقدان الهوية الإسلامية.

ج- العمل على مواكبة التطوّرات التكنولوجية الحديثة وخاصة فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماع بشتى أنواعها، والاستفادة منها بشكل كبير، فهي أبلغ تأثيرًا، وأكثر متابعةً، وأوفر وقتًا وجهدًا ومالًا، فالتفاعل الإيجابي فيها يعدُّ عاملًا تحفيزيًا وجاذبًا للعمل الخيري للمرأة، مما يُسرّع تحقيق الهدف في هذا المجال.

د- إصدار الدوريِّات والمجلات التي تخدم القضايا التنموية النسائية والتي تخاطب فئة معينة، فلا يُنتظر من بعض المنظمات الحقوقية لتتحدث على لسان المرأة المسلمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة

- يُستنتج من خلال الرجوع إلى الإطار النظري وكتب التاريخ والمخطوطات القديمة، بأنَّ الإسلام دعا إلى التنافس والتسابق في وجوه البر والخير كالصداقت والأوقاف، وحثَّ الناس جميعًا على فعل ذلك سواءً من الرجال أو النساء، وأعد لهم أجرًا عظيمًا، وثوابًا جزيلًا، وحفظ الإسلام حق المرأة في تملكها للأموال والتصرف فيها كيفما تشاء.

- ساهمت النساء المسلمات منذ بزوغ فجر الإسلام في وقف الأوقاف، فكانت أمهات المؤمنين، والصحابيات الجليلات من السابقات في هذه العبادة العظيمة، فمنهنّ من أوقف الدور، ومنهنّ من أوقف الأموال والحلي للفقراء والمساكين والمحتاجين.

- مر وقف النساء عبر التاريخ الإسلامي بتطورات كثيرة حسبما تقتضيه المصلحة العامة في كل عصر، وأبدعت النساء في مشاركتهن في الأوقاف في كل عهدٍ من العهود، ففي بداية ظهور الإسلام وما تلاه من عهد ، كانت الأوقاف مقتصرة بشكلٍ أكبر على أماكن العبادة والأموال النقدية ودور السكن، وفي العهد العباسي ازدهرت الأوقاف وتنوعت، فكان للوقف الصحي اهتمام كبير، أما في العهد الأيوبي، والعهد العثماني فنتعش الوقف وتتطور بشكلٍ ملحوظ، ونعكس ذلك على المجال الاجتماعي والاقتصادي في الدول الإسلامية.

- كان للنساء النصيب الوافر في مشاركتهنَّ في شتى مجالات الوقف، فهناك من النساء من أوقفن المساجد، ومنهن من أوقف البساتين والآبار والأفلاج، ومنهن من أوقف المكتبات والكتب، والمسشفيات وأماكن الرعاية، وغيرها من الأوقاف التي تلائم حياة المجتماع وثقافته.

- أصبحت المرأة المسلمة لها دور بارز في  نمو الاقتصادى الدولي في العالم الاسلامي، ولها دور في تسهيل وتذليل الصعاب على الأفراد في مختلف مجالات الحياة، وساهمت في نشر مبدأ الرحمة والتكافل الاجتماعي، وفي سد حاجات المجتمعات والأفراد.

- لم تكن عمان بعيدة عمَّا كان يحدث في الدول الإسلامية الأخرى، ففي عمان ظهر الوقف وتطور مكتسبًا الملامح العمانية، وبرزت نماذج كثيرة وعظيمة للنساء العمانيات اللاتي شاركن بأموالهنّ من نقود وممتلكات في شتى مجالات الأوقاف.

- أسهمت المرأة العمانية في وقف الأوقاف على مر التاريخ بشكلٍ كبير، وشاركت الرجل في هذه العبادة العظيمة بشتى أنواعها، وكان لها الأثر الكبير في تنمية اقتصاد الدولة، وفي مساعدة الناس من الأغنياء والفقراء، فكان لها دور في تسهيل طلب العلم، وتثقيف المجتمع، ولها دور بارز في نشر مبدأ التكافل الاجتماعي، وفي تلبية حاجات الحياة اليومية للفقراء والمساكين.

 

 

 

المراجع

أحمد، كرم. (2011). دور الوقف النسائي في نشأة المدارس العلمية في دمشق في القرنين السادس والسابع الهجري. مؤتمر أثر الوقف الإسلامي في النهضة العلمية، جامعة الشارقة. 

جناحي، نجوى عبداللطيف. (10 يونيو، 2023). نساء سبقت أفعالهن أقوالهن: المرأة والوقف الخيري. جريدة الوطن. https://alwatan.com/details/492561.

حميد، عفاف. (2011). مساهمات المرأة في الوقف الإسلامي العلمي نماذج عبر التاريخ. مؤتمر أثر الوقف الإسلامي في النهضة العلمية، جامعة الشارقة. 

الحربي، دلال. (1420، محرم، 25-27). إسهام المرأة في وقف الكتب في منطقة نجد. ندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية. مكتبة الملك عبد العزيز-المدينة المنورة. 

الحميدان، إيمان محمد. (2016). المرأة والوقف..العلاقة التبادلية (المرأة الكويتية أنموذجًا). ط2. الأمانة العامة للأوقاف، الكويت.

الدغيم، طالب. كيف نهضت المرأة بمؤسسة الوقف في المجتمع الإسلامي. إسلام أون لاين. استرجعت في يونيو15، 2023. https://tinyurl.com/yw69meur .

الرحبي، خالد والريامي، علي. (2016). الوقف في نزوى وأثره في الحياة الثقافية والاجتماعية خلال الفترة (ق4 هـ - 12 هـ / 10 – 18م). [رسالة ماجستير منشورة، جامعة السلطان قابوس]. http://search.mandumah.com.masader.idm.oclc.org/MyResearch/Home.

الزفتاوي، صفاء محمد. (2013). دور المرأة في النشاط الاقتصادي-نموذج:أوقاف النساء. [رسالة ماجستير منشورة، جامعة زايد]

https://www.researchgate.net/publication/264672875_dwr_almrat_fy_alnshat_alaqtsady_-_nmwdhj_awqaf_alnsa.

السيفي، محمد. (2017). نساء نزوانيات. ط2. 

السرجاني، راغب. (2010). روائع الأوقاف في الحضارة الإسلامية. نهضة مصر للطباعة والنشر.

غير معروف. (6 أبريل، 2023). الأوقاف تطلق سهمًا وقفيًا للمرأة. جريدة عمان. https://www.omandaily.om/

 المحضار، رجاء سيد. (2022). الأوقاف النسوية في الفكر الإسلامي "المؤسسات التربوية أنموذجً". المجلة الإلكترونيةالشاملة متعددة التخصصات، (51)، 1 – 26.

مرجي، أمل سمير. (2022). قراءة مقاصدية في الدور التنموي للمرأة المسلمة بين الواقع والمأمول: الوقف الخيري أنموذجًا. المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية،18(4). 261 – 298.