مساهمة وقف المرأة في الأمن والسلم الاجتماعي أثناء العهد العثماني: دراسة تاريخية من خلال سجلات المحاكم الشرعية بالجزائر

الباحث المراسلأ.د. ودان بوغفالة جامعة ابن خلدون

Date Of Submission :2025-03-12
Date Of Publication :2025-03-12
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

مقدمة:

يتوفر الأرشيف الوطني بالجزائر على رصيد هام من سجلات المحاكم الشرعية التي تعود للفترة العثمانية (1519-1830م)، وتعتبر وثائق الأوقاف منها على وجه الخصوص مصدرا هاما لكتابة تاريخ المجتمع وتطوراته؛ فهي تتضمن جزئيات وتفاصيل وأخبارا عرضية لا تتوفر عليها المصادر التقليدية. وقد زودتنا هذه الوثائق بمعلومات في غاية الأهمية عن وقف المرأة ودوره في التكافل الاجتماعي على مستويات متعددة في مدن الجزائر والمدية ومليانة ومازونة وقسنطينة[1].             

الوقف هو عمل خيري ديني "صدقة جارية[2]" يتوجه للإنسان وللحيوان أيضا، ويشارك فيه الإنسان؛ وهو بذلك يسمح للفرد بالمشاركة في التنمية البشرية في إطار المجتمع المدني من خلال إبرام عقد قضائي تؤطره المحاكم. والأوقاف النسائية التي سنقدمها في هذا البحث هي أوقاف أهلية ذرية في الأساس مرجعها في الغالب يعود للحرمين الشريفين كما هو ثابت في معظم الوثائق الأرشيفية للفترة الحديثة « ... فإن انقرضوا عن آخرهم وأتى الحِمام[3] على جميعهم رفيعهم ووضيعهم يرجع ذلك حبسا ووقفا على فقراء الحرمين الشريفين مكة المشرفة والمدينة المنورة زادهما الله شرفا وتعظيما ومهابة وتكريما ... ... ... [4]».

لقد لعبت المرأة الجزائرية على سبيل المثال - وحسب سجلات المحاكم الشرعية - من خلال أوقافها دورا لا يستهان به في رعاية الأبناء وهم صغار وفي مساعدتهم على العيش وهم كبار، كما امتد إحسانها لذوي القربى والمعوزين والأيتام، وهو ما رفع من مستوى العلاقات الاجتماعية وزاد في التماسك الأسري والأمن الاجتماعي في المدن الجزائرية[5]. لقد استفادت المرأة من الوقف بوصفها بنتا وزوجة وأختا، كما كانت بهذا الوصف أيضا مُنشِئة للوقف. وفي الحالة الأولى كما في الحالة الثانية، ترتبت الحقوق وتحددت الواجبات وفق شروط مسبقة جرى العمل بها، جعل بعضها المرأة مساوية للرجل في الاستحقاق.

ونعني بـ: "وقف المرأة" ذلك الوقف الذي كان يخص المرأة، وكانت هي أحد أطرافه، إما مستفيدة منه أو مُنْشِئة له. أي: إما موقوف عليها والذكر هنا هو الواقف، أو هي الواقفة والذكر هنا يكون مستفيدا مع الأنثى. فحينما يقال مثلا، أوقاف "أهل الأندلس" أو "الأشراف"، فهنا الطائفة هي المستفيدة ويعود إليها الريع، وعندما يقال وقف "السلطان" أو وقف "المريض"، أو وقف "النصراني" أو وقف "المرأة"، فهنا التسمية تحدد الطرف الذي أنشأ الوقف[6]. وسواء عاد مردود الوقف لصالح المرأة من طرف الرجل، أو نقلته هي لغيرها من النساء والرجال، فإن العملية التبرعية كانت تُساهم في تنمية المجتمع وتحقيق الحماية والأمن له بصور رائعة. 

فإلى أي مدى يمكن استغلال المادة التاريخية التي تتضمنها وثائق الأوقاف في سد ثغرات الدراسات التاريخية، واستدراك ما أغفلت الحديث عنه المصادر المعروفة، والتأسيس لبحوث جادة بمادة أصلية بعيدا عن إعادة تدوير المتعارف عليه؟ وهل كانت المرأة الجزائرية في التاريخ الحديث تتمتع بمكانة مميزة اجتماعيا، انتفعت بحقوقها في التملك والتصرف، وأدت واجبها في إرساء دعائم الأمن والسلم الاجتماعي في إطار سياقه التاريخي.     

- وقف المرأة مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني:

أالتأمين الاجتماعي في الاستحقاق التفاضلي للأفراد: 

كانت المرأة المستحقة في الغالب هي البنت وأولادها وأحفادها، البنت الصلبية، أو بنت القريب، كبنت الأخ أو بنت الأخت أو بنت الربيب. وكان استحقاقها يترتب ضمن استحقاقات إخوتها الذكور والإناث، وبعد وفاة المحبس أحيانا، أما المرأة بوصفها زوجا، فاستحقاقها كان يتصل بمناب أبنائها عموما. وكانت قاعدة الميراث الشرعية هي أساس تقسيم غلة هذه الأوقاف، فبالنسبة للبنات: « يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ِللذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ ِنسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ »، وبالنسبة للزوجة: « وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدُُ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدُُ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ»[7].

كما نصت سجلات المحاكم الشرعية على الوعد بالحق للأنثى، وهي لم تولد بعد. وهذا ما نقرأه في تحبيس السيد عبد القادر بن السيد هني المؤرخ في شهر شعبان عام ستين ومائة ألف 1160هـ / 1747م بواسطة وكيله الذي أشهد على نفسه أنه: « ... وقف لله تعالى جميع الأماكن المذكورة ]بمليانة وخارجها[ ابتداء على مالكها السيد عبد القادر ... مدة حياته ... ثم على بناته الموجودات الآن، وهن خديجة ويمونة وفاطمة والزهراء، وما يتزايد له بقية عمره من ذكر وأنثى، على أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وعلى ذريتهم وذرية ذريتهم ... ... ... ».[8]

ولم يقتصر التفاضل في الاستحقاق على الحالة التي يجتمع فيها الذكور والإناث فحسب، بل كان التفاضل يتم حتى ما بين الإناث لدواع إنسانية تأمينية بحتة، وهن أخوات. فلقد جاء في إحدى الوثائق المؤرخة بشهر محرم من عام سبعة وتسعين ومائة ألف 1197هـ/1782م ما يلي:« ... وبعد وفاته ]عثمان التركي[ يرجع لبنات ربيبه المرحوم أحمد بن المرحوم السيد حسين بن أحمد باي، وهن عائشة ورقية وخديجة وأم الحسن، على نسبة النصف لعائشة والنصف الآخر لرقية وخديجة وأم الحسن، ثم على أولادهن ذكورا وإناثا... ... ... »[9].

وعلى أساس قاعدة الميراث، خص بعض الواقفين زوجاتهم بأسهم بمناسبة التحبيس على الأبناء، وفيما فضلت نصوص تحديد هذا النصيب بالأرقام، اكتفت أخرى بالإشارة إلى ما تقتضيه قواعد الميراث حسب الأحوال. فالسيد أحمد بن وكميش، حبس دارا بحومة باب الأقواس قرب مسجد العباد بمدينة المدية على نفسه أولا، ثم لفائدة أولاده على الفرائض، أما زوجه فاطمة بنت ابن التونسي، فقد تعين نصيبها بالثمن مسبقا بموجب قاعدة الميراث، بما أن للمُحبس أولاد. غير أن السيد بن وكميش قد يفقد أبناءه قبل زوجته، وبالتالي تتغير الأوضاع وتتغير معها استحقاقات الميراث، بينما يبقى سهم الثمن 1/8 ثابتا للزوجة كما تحدد في البداية:« ... وزوجه الولية فاطمة بنت ابن التونسي بنسبة أن للزوجة الثمن مدة حياتها فقط ... ... ... »[10].          

أما إذا كانت عبارة التخصيص عامة على شاكلة "بقدر الميراث"، فهي تستجيب لما قد يطرأ من تغيرات على مستوى بنية الأسرة، ومن ثم على ما يترتب من استحقاقات. وهو ما يتجلى بوضوح في وقف الباي جعفر عام 1229هـ/1814م لأرض زراعية اشتراها بتراب صنهاجة في وطن ريغة[11]. حيث جمع الباي أولاده في هذا التحبيس ذكورا وإناثا، وخص أمهم "بقدر الميراث" وألحقها بهم وذكرها باسمها ونسبها:« ... ثم على أولاده الموجودين، وهم السيد علي والسيد محمد والسيد صالح والسيد مصطفى، وبناته وهن آمنة وعايشة وخديجة، وعلى من سيولد له إن قدر الله بذلك، وأمهم السيدة طومة ابنة (كذا) المرحوم المنغمس في رحمة الله السيد عمر بن العزوني بقدر ميراثها على فرائض الله ... ... ... »[12].

وقبل عام من تاريخ هذا التحبيس، كان الباي جعفر قد خص عقيلته السيدة طومة وبناتها الثلاث، بوقف نصف دار تقع بديار أمراد بالمدية. وأعطى للبنات حق التمتع بالعين الموقوفة مناصفة بينهن، دون مشاركة إخوانهن الأشقاء، وعلى أن يعود للأم نصيب على قدر الميراث:« ... على نفسه أولا مدة حياته ... ... ... ثم بعده على بناته الموجودات، وهن آمنة وخديجة وعائشة، ومن سيولد له من البنات إن قدر الله بذلك، وأمهن طومة ابنة المرحوم المكرم محمد بن العزوني بقدر ميراثها، ثم على أعقابهن، ثم أعقاب أعقابهن ما تناسلوا وامتدت فروعهن في الإسلام، ومن ماتت عن عقب فعقبها بمنـزلتها، ومن ماتت منهن عن غير عقب رجع حظها للباقين، فإن انقرض عقب البنات كلهم ولحق بالله رفيعهم ووضيعهم، رجع لعقب الذكور على النمط المسطور ... ... ... »[13]. 

إنه لا يمكن بأي حال، اعتبار هذا الوقف قد جسد الصورة التي تفاضل فيها الإناث على الذكور في الاستحقاق، وأعطى نموذجا معكوسا تظهر فيه الأنثى صاحبة امتياز. لأن الباي جعفر حبس النصف الثاني من الدار التي كان يعنيها تحبيس البنات لصالح أبنائه الذكور فقط، وكانت هذه الدار تُنسب إلـى اليهودي بن دومة قبل أن يشتريها الباي وتصير من أملاكـه التي شـملها الوقف[14].

وهو ما يعني أنه ساوى في حقيقة الأمر بين الإناث والذكور ولم يفاضل بينهم، وذلك بفصل الاستحقاق وتقسيم العين الموقوفة بينهم ابتداء، وقد تمت العملية في تاريخ واحد[15] وبرسمين "عقدين" مستقلين، حررهما نفس العدول وصادقت عليهما هيئة قضائية واحدة بمدينة الجزائر، فجاء نصهما متشابها:« ... على نفسه أولا مدة حياته ... ... ... ثم على أولاده الذكور الموجودين دون الإناث، وهم علي ومحمد ومصطفى وصالح، ومن سيولد له من الذكور إن قدر الله بذلك، ثم أعقابهم، ثم أعقاب أعقابهم ما تناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام، ومن مات منهم عن عقب فعقبه بمنـزلته، ومن مات عن غير عقب رجع حظه للباقين على النمط المذكور، فإن انقرض الذكور كلهم ولحق بالله رفيعهم ووضيعهم، رجع للبنات وذريتهن ذكورا وإناثا ... ... ... »[16].               

ب- العدالة الاجتماعية في الاستحقاقات المتساوية للمستفيدين: 

نشأ في بعض الحالات حق البنت مساويا لحق الابن، وتم التنصيص على ذلك، دون قيد[17] أو شرط. ومثال ذلك ما ورد في وقفية السيد إبراهيم باي بايلك الغرب الجزائري المؤرخة بأوائل شهر رمضان عام ستة وسبعين ومائة وألف 1176هـ/1763م[18]، والتي نصت على أن بلاده في وطن شلف من عمالة مليانة هي حبس:« ... ابتداء على أولاده الموجودين الآن، وعلى من سيولد له بعد إن قدر الله بذلك، ذكورا وإناثا، وأولادهم، وأولاد أولادهم ما تناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام[19]، الذكر والأنثى في ذلك سواء ... ... ... »[20]

وبالتاريخ السابق نفسه، نجد تحبيسا ثانيا تتحقق فيه المساواة في المناب، وهو للباي إبراهيم كذلك، لبلاد أخرى له في شلف. وقد قام بالتحبيس نيابة عنه وكيله السيد إبراهيم بن السيد الحاج محمد بن صيام، وهذا ما تضمنه صك الوقف الذي حدد أرباب الاستحقاق المنتفعين دون أن يميز بينهم على أساس الجنس، وهم: « ... أولاد موكله المذكور الموجودين الآن، وعلى من سيولد له من الذكور والإناث إن قدر الله بذلك، وعلى أولادهم، وأولاد أولادهم ما تناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام، الذكر والأنثى سواء في ذلك ... ... ... »[21]. 

وظهر لبعض الواقفين أن المساواة بين الجنسين، تقتضيها ظروف اجتماعية استثنائية، قد تشكل مرحلة خاصة في حياة الأنثى مستقبلا. وعليه فلا بد على الأخ الذكر على سبيل المثال، أن يقبل مشاركة أخته له في الانتفاع بالحبس على قدم المساواة، بعدما كان حقها قد تحدد بنصف حصته في البداية. وهذه الظروف هي فقرها واحتياجها أثناء حياتها الزوجية، أو فقدانها للزوج وغياب النفقة التي تتطلبها الحياة اليومية. ولذلك اقتضت العناية الأبوية رفع حصة الأنثى من نصف سهم "للذكر مثل حظ الأنثيين" إلى سهم كامل، بغية مساعدتها على تلبية ضروريات المعيشة ومستلزماتها، والتغلب على نصب الحياة ومتاعبها.     

وتتجسد هذه الصورة من المساواة في التمتع بالوقف، والمعلقة على الشرط الذي يمليه الواقف[22]، فيما حمله كتاب التحبيس الذي صدر من محكمة مدينة المدية بتاريخ شهر رجب 1199هـ/1785م[23]. وهو تحبيس الأخوين سي مولود وسي العربي ابني محمد بن كوجك، لما ورثاه عن والدهما من دار في أمراد بالبطحة خارج سور المدينة والجنان الذي يقع بثنية الحجر وثنية قامبري: « ... أولا مدة حياتهما ... ... ... ثم على أولادهما، وأولاد أولادهما، ذكورا وإناثا، على فرائض الله، ثم على أعقابهم، وأعقاب أعقابهم، ما تناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام، وإن احتاجت الأنثى مما ذكر أو تأيمت، فتكون قسمتها في الحبس كالذكر سواء ... ... ... »[24].                        

وكانت البنت تسّوى مع غير أخيها أيضا في المناب، فبموجب تحبيس عقده السيد محمد بيت المالجي وباش بلوك باشي بمدينة مليانة قبل تاريخ شهر رجب عام أربعة وثمانين ومائة ألف 1184هـ/1770م، وهو تاريخ تجديد الحبس وتأكيده بعد ضياع وثيقته، قد اشتركت ابنة المحبس "خديجة" القاصرة مع ابن السيد إبراهيم باي الغرب "علي" في وقف دار كبيرة قرب ضريح الولي الصالح سيدي بن عبد الله الصامت على نسبة النصف لكل واحد منهما.[25] 

وقد شملت المساواة في مثال آخر أقرباء وشركاء من الجنسين، وهم من عائلة واحدة بلا شك حسبما يظهر ذلك من الألقاب، وكانت تقيم بمدينة مليانة، حيث استحقت السيدة خديـجة حصة ربـع واحد (1/4) على قدم المساواة مع حصص أبناء عمها محمد بلوك باشي ومحمد الانجشايري ومصطفى، وهذا من حبس كان للآباء والأجداد في التاريخ السالف قبل 1184هـ/1771م.[26] وحسبما ورد في وقف السيد بن عيسى بن مجوعة لبيت له وغرفة بحومة الوسطية بالمدية عام 1153هـ/1740م، استفادت الأم وابنتها من هذا الوقف بالتساوي بينهما:« ... تنتفعان بغلة ذلك مدة حياتهما، يكون ذلك سواء بينهما من غير مزية لواحدة منهما على الأخرى مدة حياتهما ... وإن ماتت واحدة منهما عن الأخرى، ترجع منفعة منابها للأخرى تنتفع بغلة جميع الوقف المذكور مدة حياتها ... ... ... »[27].   

وإذا كان بعض الواقفين قد اعتمد قاعدة الميراث "للذكر مثل حظ الأنثيين" كأساس لتوزيع عائدات الوقف، واعتمد البعض الآخر مبدأ المساواة، فان عددا آخرا من الواقفين سكت عن هذا الأمر ولم يفصح عنه. ويظهر هذا المثال في وقف السيد الحاج عبد القادر قائد وطن مليانة وأخيه الحاج محمد بتاريخ شهر ذي الحجة من عام سبعة وثلاثين ومائة وألف 1137هـ/1725م[28]، وفي وقف السيد محمد بن الجيلاني بن ديديش المازوني لداره الواقعة أمام ضريح الشيخ أحمد بن يوسف بتاريخ شهر محرم عام ستة وأربعين ومائة ألف  1146هـ/1733م.[29]

لقد حظيت المرأة بالوقف أيضا كأخت، ولكن بدرجة أقل وفي رتبة متأخرة في تدرج الوقف وتسلسل الطبقات وتعاقبها، أي: قبل انتقال الوقف إلى المؤسسات الخيرية الدائمة "جهة البر الدائمة"، وبعد انقراض نسل الأخ كما عبر بذلك أحدهم بالمدية « ... وإن لم يكن له عقب أو انقرض، يرجع لأولاد شقيقته آمنة ... ... ... »[30]. وتستفيد الأخت المتزوجة من الحبس عندما تكون على قيد الحياة، وتنتقل الاستفادة بعد وفاتها إلى أولادها وأحفادها. وبهذا التخصيص غير الأولي الذي عنى الأخت، لم تظهر هذه الأخيرة في رتبة الند النظير للبنت، ولا حتى بمنـزلة تقترب فيها منها أو من الزوجة، وهي التي قد تكون ربما مزاحمة لأخيها في وقف أُنشِئ لفائدتهما، وعليه، فاستثناؤها مفهوم وحرمانها أمر متداول.       

وذلك ما نص عليه بمدينة مليانة، عقد تحبيس مؤرخ بشهر رجب عام ثلاثة وخمسين ومائة ألف 1153هـ/1740م، حيث اشترط الأخ المحبس انقراض نسله فردا فردا لتتمكن أخته من الانتفاع بالوقف:« ... حبس ووقف محمد الشريف جميع داره الكائنة بقرب كوشة الحوكة ... ... ... على ذريته طبقة بعد طبقة، والأخيرة بعد الأولى، والطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى، ما تناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام، وإذا انقرض نسلهم ولم يبق منهم أحد، رجع الحبس على أخته آمة الله رقية زوجة علي بن علي آغا، وإذا انتقلت من دار الفناء إلى دار البقاء، رجع الحبس على ولدها محمد بن علي وعلى ذريته ... ... ... ».[31] وفي عقد آخر شبيه بهذا مؤرخ بشهر شوال عام خمسة وثلاثين ومائة وألف 1135هـ/1723م حرره عدول مليانة، تحدد نصيب ابن الأخت بالثلث (1/3) مع أبناء الأخ الذين حازوا الثلثين (2/3).[32]

- استنكار العلماء لاستثناءات التأمين الاجتماعي للوقف:

لقد استنكر علماء الإسلام عبر التاريخ، ما أقدم عليه بعض الواقفين حين فاضلوا بين أبنائهم في الاستحقاق، وطالبوا المسلمين بالعدل في العطية، واعتبروا حرمان الإناث من الوقف واستبعادهم من الانتفاع به إلى جانب الذكور غير جائز شرعا[33]. فالمالكية حسب العلامة سيدي خليل، يبطل عندهم كل وقف يخص به الواقف أولاده الذكور دون الإناث[34]، والحنفية باستثناء أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة، قالوا منذ البداية عن الوقف أنه يعطل الفرائض الشرعية وهو غير لازم[35]. غير أن توسع الإمام يعقوب بن إبراهيم الأنصاري أبو يوسف في أحكام الوقف الخاص أو الأهلي[36]، والتسهيلات التي قدمها بشأنه، جعلته ينتشر بشكل عاطفي أدى إلى تفضيل بعض الورثة على بعض، وحرمان البعض الآخر من الاستحقاق في الأصل أو بشرط غير شرعي، وهي الظاهرة التي عرفتها مدن جزائرية عديدة على غرار باقي مدن العالم الإسلامي، وأدى ذلك إلى بروز النزاعات العائلية وخصومة الأقارب وتفشي العداوة بينهم، فأفتى بعض الفقهاء ببطلان هذه الأوقاف، وفسخ عقود كل ما من شأنه أن يُفضي إلى التعدي على حدود الله كما ذهب إلى ذلك في الجزائر الشيخ إبراهيم بيوض (1899-1981م) في فتاويه[37].                     

 إن دواعي التفاضل والاستثناء غير المصرح بها من لدن الواقفين، تجعلنا نطرح عدة فرضيات في محاولة لاستكشاف واستطلاع هذا المخفي. فأما الأولوية التي حظي بها الذكور، فلأنهم قد حظوا بها كذلك في الميراث بموجب الشريعة الإسلامية، وهم مسئولون عن الأسرة ومطالبون بالنفقة. ثم إن بعضهم، كان ينصرف إلى طلب العلم ولا يتفرغ للكسب[38]، كما كان الآباء يخشون على أبنائهم الذكور من الفقر وضيق الحال. وأما انقطاع نصيب من تتزوج من البنات وانحصار منابها، فلأن البنت كانت مطلوبة للزواج، بكرا وأرملة، وهي مستغنية به ومحمية بنفقة زوجها الواجبة عليه[39].

- دور وقف المرأة في السلم الأهلي والتنمية البشرية: 

لقد خصت المرأة نفسها أولا بالحبس:« ... على نفسها أولا مدة حياتها، معتمدة في ذلك على مذهب الإمام أبي يوسف ومشايخ بلخ من أئمة الحنفية رضي الله عن الجميع، من أن تحبيس المرء على نفسه أولا لا يخرجه عن معنى القربى ... ... ... »[40]. وكانت تشترط في أغلب الأحوال مثل الرجل الانتفاع بالغلـة مدى الحياة؛ وهذا بموجب ترخيص المذهب الحنفي "أبو يوسـف"[41].

وفي أمثلة أخرى حظيت المرأة كبنت للواقفة أو كأخت لها بالأولوية دون اشتراط الانتفاع الشخصي، كما في تحبيس السيدة عيشوشة بنت عبد الوهاب على ابنتها "نايجة"[42] [ناجية] وذريتها بمدينة مليانة المؤرخ في شهر رجب عام خمسة وعشرين ومائـة وألف 1125هـ/1713م:  « ... محل الأماكن المذكورة داخل البلد وخارجها، المذكورة في الرسم أعلاه، حبسا ووقفا على ابنتها نايجة [ناجية]... ... ... »[43]، وكذلك تحبيس السيدة مريم بنت السيد الحاج مولود على أختها وذريتها المؤرخ في 1127هـ/1715م: « ... على أختها، وعلى أولاد أختها، وعلى أعقابهم، وأعقاب أعقابهم ما تناسلوا وامتدت فروعهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ... ... ... »[44]. 

ومن الشروط الأخرى التي حاكت فيها المرأة الرجل وهي بصدد التحبيس، شرط "بيع الحبس عند الحاجة"[45]، وكان المُحَبِّسون من الرجال والنساء يُضَمِّنون مثل هذه الشروط في رسوم الأحباس ويُعَلِّلُونها بدعوى الاحتياج، ويخصون بهذا الامتياز أنفسهم فقط أو بعض المستحقين. فإحدى السيدات بالمدية، نص رسم تحبيسها عام 1201هـ/1787م على هذا الشرط بالمفردات التالية:« ... واشترطت المُحبسة المذكورة أنـها إن احتاجت هي فقط باعـت ... ... ...»[46]، فيما زاد رسم السيدة قرقاش توضيحا آخرا مفاده أن الحاجة هي الإنفاق الشخصي: « ... واشترطت المحبسة المذكورة في التحبيس أنها إن احتاجت باعت الحبس، لتنفق منه وقت الاحتياج ... ... ... » وقالت أخرى:« ... وهي مصدقة في دعواهـا ... ..  »[47].

إن ما جعل الأوقاف التي أنشأتها المرأة أكثر تميزا عن تلك التي وضعها الرجل، هي الحظوة التي خُصت بها المرأة كطرف موقوف عليه، وهي ليست بالبنت ولا بالأخت. وهو ما يجسده تحبيس السيدة فاطمة بنت جان أحمد، زوج السيد الحاج عثمان باي الناحية التيطراوية، المؤرخ في عام اثنين وسبعين ومائة وألف 1172هـ/ 1758م، وكان لصالح السيدة خديجة بنت محمد بن سالم آغة وعلى ذريتها، وكان موضوع الحبس دارا وبْحيـرة وقسمتين من جنان بمليانة[48]. ومما يثير الاستغراب والاندهاش،  والتساؤل عن الهدف من تحبيس كهذا يتقدم فيه الغير على الأبناء، هو أن السيدة المستفيدة، هي زوجة السيد القائد إبراهيم حاكم مليانة، ولم تكن بحاجة إلى الإحسان، خاصة وأنها قامت في عام 1175هـ/ 1762م بتحبيس محلين تجاريين خارج مدينة مليانة كانا قد استقرا في ملكيتها[49].

لم تكن المرأة تهتم بغيرها من النساء سوى من خلال الوقف وبمناسبته، فهذه السيدة فطومة بنت السيد أحمد بن غالب أوصت بثلث (1/3) تركتها لأم زوجها بختة بنت موسى، كما أوصت بعتق أمة، وهذا ما تضمنه عقد فريضة إرث من أملاك خارج الباب الجديد لمدينة الجزائر وحوانيت بمدينة مليانة بإشراف قاضي الجزائر في عام 1064هـ/1654م: « وأوصت الهالكة المذكورة بثلث مخلفها (كذا) كاملا موفورا لأم بعلها المذكور، وهي الولية بخته بنت موسى، حسبما [جاء في] الوصية المذكورة، المسطرة في رسم بشهادة اللفيف الثابت، لدى من يجب أعزه الله، بواجب الثبوت التام، وصحة الفريضة بين من ذكر بوصيتها ... ... ... وأمة أوصت بعتقها قدرت بثلاثة وأربعين ريالا ... ... ... »[50]. 

كما حظي الرجل هو الآخر عند المرأة بالوقف ابتداء، أو بعد الانتفاع الشخصي، بوصفه زوجا للواقفة أو ربيبا لها أو حفيدا، أو طفلا صغيرا تحت الرعاية. فلقد أظهر نزاع نشب عام 1227هـ/1812م - بعد وفاة سيدة -  بين ناظر أوقاف الحرمين الشريفين بمدينة مليانة من جهة، والسيد محمد حاكم المدينة ممثلا لبيت المال والسيد ابن علي الزوج الذي توفيت عنه المورثة من جهة أخرى، أن السيدة الزهرة المتوفاة، حبست الدار الواقعة بحومة شنقور والجنان الموجود بالمقرنات على زوجها الأول الحاج أبركان[51]. وفي تحبيس السيدة فاطمة  بنت جان أحمد زوجة السيد عثمان باي بايلك التيطري الذي تم عام 1172هـ/ 1758م نقرأ في الوقفية ما يلي: « ... كما حبست على ربيبها محمد الكبير ولد السيد الحاج عثمان المذكور، جميع بلادها الكائنة بزجالة، مع جميع دارها الكائنة بحومة الولي الصالح سيدي علي العباسي، داخل محروسة الجزائر المحمية بالله تعالى، ثم على أولاده، ثم أولاد الذكور، ثم أولادهم، ثم أعقابهم وأعقاب أعقابهم، ما تناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام ... ... ...»[52].

وإذا كانت العلاقة العائلية واضحة وقائمة بين المرأة الواقفة والرجل الموقوف عليه في هذين المثالين، وفي أمثلة أخرى[53]،  فإن هذه العلاقة في مثال آخر مختفية ومجهولة، كما في وقف السيدة حليمة بنت محمد العطافي المؤرخ في شهر جمادى الثانية عام ستة وستين ومائة وألف 1166هـ/1753م، لدارها الواقعة بالرياض بمدينة مليانة، وخصت بهذا التحبيس« ...  الطفل الصغير محمد ولد  المسن المكي الحاج ولد الدهلوك، ثم على أولاده إن قدر الله بذلك، ثم أولاد أولاده، وأعقباهم، وأعقاب أعقاب أعقابهم ما تناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خيـر الوارثين، وتقسم غلة الدار المذكورة بينهم على فرائـض الله... ... ... »[54].

أما إذا كان الموقوف عليه رجلا وكان ابنا للواقفة، فإن استحقاقه لم يخرج عن قاعدة التفضيل الشرعية "للذكر مثل حظ الأنثيين"، مثل ما جاء في تحبيس مشترك بين زوجة وزوجها بمدينة مليانة، يعود إلي تاريخ شهر شوال عام ستة وثمانين وألف 1086هـ/1675م[55]، ومثل ما هو كذلك في الأوقاف التي أنشأتها الأم بمفردها، وحتى ولو كان الذكر منتظرا بالميلاد أي: الوعد للذكر بالأفضلية وهو لم يولد بعد. 

وفي المثال التالي بمدينة مليانة، تتجسد صورة هذه الأفضلية في وقف السيدة خديجة بنت سالم آغا، التي نصت وقفية حبسها المؤرخة عام 1175هـ/1762م على أن أرباب الاستحقاق بعدها هم: « ... أولادها الموجودين الآن، وهم السيد محمد والسيد أحمد وفاطمة، وعلى ما يتزايد لها بقية عمرها، من ذكر وأنثى، على أن يكون ذلك للذكر مثل [حظ] الأنثيين، ومن مات منهم عن ذرية رجع نصيبه لذريته، ومن لم يخلف ذرية رجع نصيبه لمن هو في درجته من المحبس عليه، ولا تدخل الطبقة السفلى مع وجود العليا، ولا الأبناء مع وجود الآباء، ثم على ذريتهم، وذرية ذريتهم، وأعقابهم، وأعقاب أعقابهم، ما تناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام على النحو المسطور ... ... ... »[56].

ويبدو أن المرأة لم تختلف في نظرتها إلى جنس الذكر والأنثى عن نظرة الرجل إليهما، خاصة عندما نتـتـبع تدرج الوقف على الطبقات، ولم تُضِف شروطا متميزة فيما يعني حصص الاستحقاق. حيث استثنت المرأة الواقفة هي الأخرى الأنثى استثناء مطلقا من التمتع بالعين الموقوفة، كما دل على ذلك وقف السيدة قمرة بنت الحاج مصطفى: « ... على نفسها أولا مدة حياتها ... ثم على أولادها الأربع وهم محمد وعلي وعبد القادر وأحمد، وعلى أعقابهم، وأعقاب أعقابهم ... ولا مدخل لبنت الصلب منها ومن عقبها[57] في المحبس عليهم ... ... ... »[58].

ومما يلاحظ كذلك على شكل الوقفيات، ونص التحبيس من الديـباجة إلى الخاتمة؛ هي أنها نفسها التي كان يستعملها الرجل، ومنه لا يمكن اعتبار ما ورد فيها من مقاطع اصطلاحية للإيضاح شروطا للواقفين، مما تقتضيه الصيغة من مثل تعبير: « ... بجميع منافعهم ومرافقهم وكافة حقوقهم، وما نسب إليهم وعرف في القديم والحديث إليهم ... ... ... »[59]، « ... حبسا ووقفا دائما سرمدا، لا يبدل عن حاله، محفوظا بشروطه حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، ومن بدل أو غير فالله حسيبه ... ... ... »[60]،« ... ومن مات منهم عن عقب، فعقبه بمنـزلته، ومن لم يخلف عقبا، رجع حظه لأقرب عصبته ... ... ... »[61].

خاتمة:

لم يبرز بشكل جلي في وقف المرأة ولا حتى في وقف الرجل بالمدن الجزائرية مثل التحبيس على الآباء والأمهات رغم جوازه شرعا[62]، ورغم أن الوقف الذي نشأ كان كله أهليا! فما حقيقة هذه الظاهرة؟ وهل تعتبر مسألة هامة في دراسة متوسط العمر؟ أم أن ذلك هو نتيجة طبيعية لظاهرة الأوقاف الذُرية وغياب تقاليد اجتماعية للعملية في متمع المدينة، ولطبيعة الأسرة المسلمة التي يعيش فيها الوالدان في كنف أبنائهم "البر بالوالدين"، ومن ثم فلا حاجة إلى الإحسان إليهما عن طريق الوقف « وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا »[63]   

إن وحدة الأحكام والمبادئ العامة للشريعة الإسلامية، وهي التي خضعت لها أحكام الوقف في أوطان العالم الإسلامي شرقا وغربا، جعلت أوقاف النساء تتحد في معظم أهدافها وتتشابه في كثير من مظاهرها وحيثياتها رغم اختلاف البيئة وبعد المسافة. ومثال ذلك ما تؤكده دراسة الأستاذة راندي ديغيلام حول وقف السيدة حفيظة خانوم المورهلي بدمشق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلادي عام 1880م، وذلك من حيث حجم الأملاك الموقوفة وطبيعتها وتحديد أرباب الاستحقاق.[64]   

لقد أسهمت المرأة في العالم الإسلامي من خلال أوقافها المتنوعة في تأمين تربية الأطفال في كنف الأسرة، ومدت يد العون للبالغين المحتاجين لمواجهة شظف العيش، كما شمل برها الأقرباء والفقراء والأرامل والأيتام وطلبة العلم[65]، وارتقت العلاقات الاجتماعية بفضل هذه المساهمة إلى مستويات عليا من التكافل والتضامن والأمن الاجتماعي.[66] وقدمت الحضارة الإسلامية أروع الأمثلة في هذا المجال، وحققت سبقا تاريخيا جعل مفكري الحضارة الغربية في الوقت الحاضر يشيدون به ويدعون شعوبهم إلى النسج على منواله.

التوصيات:

ينبغي تشجيع البحوث العلمية وتأطيرها في مادة الوقف، ولابد للمشتغلين في حقل التاريخ من العودة إلى الوثائق الوقفية واستغلال معطياتها الثرية؛ التي تعني الأسرة والمجتمع والثقافة، والاقتصاد والتجارة وعالم الشغل، من خلال صورة جديدة غير تلك التي رسمتها المصادر التقليدية. ويعكس الوقف النسوي في هذا الإطار، الصور المشرقة للحضارة العربية الإسلامية في نشر قيم التضامن والتسامح، وتفعيل الدور الحيوي للمرأة في المجتمع، لتسجيل حضورها الإيجابي غير النمطي باعتبارها قوة تغيير، ودون الحاجة في ذلك إلى محاكاة التجربة الغربية في الأداء.

وتمثل هذه التجارب التاريخية لوقف المرأة نموذج المؤسسات الناشئة التي يمكن تأسيسها في مدننا حاليا، وذلك لتلبية الحاجات وحلحلة عديد المشاكل مثل السكن والبطالة والعنوسة، والاستثمار والقروض، وبناء المدارس والمستشفيات، وإصلاح الطرق وتوفير النقل، وخلق الثروة. على أن يتحقق ذلك باجتهادات فقهية مرنة ومتطورة، ومتفتحة على تسيير إداري عصري قائم على تكنولوجيا فعّالة.

يحتاج العمل الخيري للمرأة في الوطن العربي إلى ترشيد الممارسة وتأمين المصادر التمويلية، وتعتبر مؤسسة الوقف النسوي الإطار الأمثل لاحتواء المبادرات وتنظيم عملها، بدافع الاستثمار وتنمية رأس المال. وأي نشاط خيري للمرأة ينتظر الاعتماد المالي من الغير، من شأنه أن يؤثر سلبا على طبيعة الدور واستقلالية القرار، وقوة التأثير وحجم الانتشار.   

 

 

       

 

ملحق: تحبيس السيدة عيشوشة بنت عبد الوهاب في مدينة مليانة

« الحمد لله

هذه نسخة رسم تحبيس ينقل هنا للحاجة إليه والتوثق به، نص أوله الحمد لله، صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما 

الذي شهد له من سيذكر أسماؤهما وتوثقه شهادتهما اثر تاريخه ... الولية عيشوشة بنت عبد الوهاب .. من عاينها وعرفها وأشهدتهما على ذلك وهي على أكمل حال من صحة وطوع وجواز أنها حبست ووقفت جميع بلادها الكاينة ... خارج محروسة مليانة المشتملة على مقاسم عدة ... ... ... محل الأماكن المذكورة في الرسم أعلاه. حبسا ووقفا على ابنتها نايجة وأولادها الذكور والإناث ما تناسلوا وأعقاب أعقابهم وامتدت فروعهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، على حسب فرائض الله.

ولا مدخل للأبناء مع الآباء وإن بقي أحد منهم يختص به ولو كانت أنثى، وإن انقرض فرع من الفروع المحبس عليهم رجع الوقف إلى أخيه أو إلى أقرب الناس إليه. فإن انقطع أثرهم واندرس خبرهم رجع الوقف وقفا على فقراء مكة والمدينة على ساكنهما أفضل وأزكى التسليم، أي تصرف غلته (كذا) عليهم ... 

حبسا صحيحا دائما مؤبدا خالدا مخلدا بعد توفر شروطه ... فالمحبسة ... حازت جميع الأماكن المذكورة وتصرفت فيها متى شاءت وكيف شاءت، لأن المحبسة قصدت بذلك وجه الله العظيم ورجاء ثوابه الجسيم والله لا يضيع عمل المحسنين، فمن بدل فيه أو غير فالله حسيبه وسائله يوم الوقوف بين يديه، فمن علم الأمر كما ذكر وعلى نحو ما سطر شهد بذلك شهود يتحققون ذلك ولا يرتابون ... ... ...        »

المصدر: أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.171.

 

 

المصادر المراجع: 

ـ الأرشيف الوطني الجزائري، سجلات المحاكم الشرعية: 

العلبة رقم: 34، الوثائق رقم: 10، 15، 18، 20، 25، 29، 36، 39، 40، 90، 99، 108، 112، 113، 114، 115،  118، 160، 162، 171، 172، 176، 179.  

العلبة رقم: 52، الوثائق رقم: 6، 9، 26، 27، 43، 46، 47، 48، 57، 122، 150. 

ـ أبو زهرة محمد. (1971). محاضرات في الوقف. القاهرة، مصر: دار الفكر العربي.

ـ الزرقا مصطفى أحمد. (1998). أحكام الأوقاف. عمان، الأردن: دار عمار. 

ـ السيد رضوان. (2003). نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي. «فلسفة الوقف في الشريعة الإسلامية»ص ص 43-73. بيروت، لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية. 

ـ الشيخ خليل ابن إسحاق المالكي. (د.ت) مختصر خليل. تحقيق الشيخ طاهر أحمد الزاوي. د.م.، مصر: دار إحياء الكتب العربية.

ـ العمر فؤاد. (2006). «دور مؤسسات الوقف المعاصرة في رعاية قضايا المرأة، إشكاليات وتجارب»، مجلة أوقاف. ع 10، ص ص 137-155.

ـ الكيرانوي حبيب أحمد. (1989). أبو حنيفة وأصحابهبيروت، لبنان: دار الفكر العربي. 

- النووي أبو زكرياء يحي بن شرف بن مري . (1987). تحرير ألفاظ التنبيه. ط 1. دمشق، سوريا: دار القلم. 

- بوغفالة ودان. (2016). «مصطلح "عقب" و"أعقاب" في وثائق الوقف المحلية: دراسة آرنست مارسيي (Ernest MERCIER)». مجلة الناصرية، ع. 7، ص ص 101-117.   

- بيوض ابراهيم بن عمر. (1990). فتاوى الإمام الشيخ بيوض. تقديم وتخريج بكير محمد الشيخ بلحاج، ط 2. السيب، سلطنة عمان: مكتبة أبي الشعثاء. 

- حسين عقيلة. (2010). «دور أوقاف النساء في النهضة العلمية في المجتمع المسلم مشرقا ومغربا»، بحث مقدم إلى مؤتمر "أثر الوقف الإسلامي في النهضة العلمية"، جامعة الشارقة، الإمارات العربية المتحدة.  ص ص 1-32.

- سعيدوني ناصر الدين. (2013). الوقف في الجزائر أثناء العهد العثماني من القرن 17 إلى القرن 19، مجموعة دراسات أكاديمية وبحوث علمية. ط 2، الجزائر العاصمة، الجزائر: دار البصائر للنشر والتوزيع.

ـ شلبي محمد مصطفى. (1982). أحكام الوصايا والأوقاف. بيروت، لبنان: الدار الجامعية. 

ـ غطاس عائشة. (1997). « إسهام المرأة في الأوقاف في مجتمع مدينة الجزائر خلال العهد العثماني ». المجلة التاريخية المغاربية. ع. 85-86، ص ص 99-131

ـ مفيد خديجة. (2006). « المرأة والوقف-التجربة المغربية »، مجلة أوقاف. ع. 10، ص ص 156-167.      

ـ منصور سليم هاني. (2004). الوقف ودوره في المجتمع الإسلامي المعاصر. بيروت، لبنان: مؤسسة الرسالة. 

ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي محمد بن مكرم بن على أبو الفضل جمال الدين. (1981). لسان العرب. تحقيق عبد الله علي الكبير ومحمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي. القاهرة، مصر: دار المعارف. 

 الدردير أبو البركات أحمد بن محمد بن أحمد. (1972). الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك. تحقيق مصطفى كمال وصفي، ج 4. القاهرة، مصر: دار المعارف.

ـ  BILICI Faruk. (2006) « Les Waqfs constitués par les femmes à Istanbul dans la première moitié du XVIe siècle », in Awqaf. n° 10, pp. 11-34.   

ـ  DEGUILHEM Randi. 

  1. (1986). History of waqf and case studies from Damascus in late ottoman and fren mandatory. thèse de doctorat, New York University, USA.
  2.  (1995). Le Waqf dans l’Espace Islamique, Outil de Pouvoir Sociopolitique. « Naissance et mort du waqf damascain de Hafîza HÄNÜM AL-MÜRAHLÏ (1880-1950) ». pp. 203-225. Damas, Syrie : IFEAD.
  3. (2001). »Self-consciousness : the muslim woman is creator and manager of waqf, foundations in late ottoman Damascus «, in Dirassat Insania (Études Humaines). n° 1, 2001, pp. 3- 19. 

ـ  DULOUT Fernand. (1938). Le Habous dans le droit musulman et la législation nord-africaine (doctrine, jurisprudence et procédure). Alger, Algérie : M. L.

ـ  KHALIL Ibn Ish'âq al-Mâlikî. (1995). Le Précis de KHALÏL, trad. par Ahmed HARKAT. Beyrouth, Lyban : Dar El-Fiker. 

 


 


[1] اشتهرت هذه المدن في الجزائر خلال الفترة العثمانية، فمدينة الجزائر كانت هي عاصمة الإيالة العثمانية ومركز دار السلطان، وكانت مدينة قسنطينة عاصمة لبايلك (مقاطعة) الشرق الجزائري، أما بايلك الغرب، فاشتهرت منه مدينة مليانة في أقصى حدوده الشرقية، وكانت عاصمته الأولى مدينة مازونة، ثم تحولت إلى مدن معسكر فوهران، بينما تولت مدينة المدية قيادة بايلك التيطري جنوب مدينة الجزائر.       

[2]  الصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف؛ وهي الواردة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )، رواه مسلم (1631).

[3] الحِمام هو قضاء الموت وقدره

[4]  الأرشيف الوطني الجزائري، سجلات المحاكم الشرعية، العلبة رقم 34، الوثيقة رقم 10. نشير إليه لاحقا بالمختصرات التالية: (أ.و.ج، س.م.ش، ع.، و.)

[5]  معظم الأمثلة الواردة في هذا المقال تخص مدن الجزائر والمدية ومليانة الواقعة في الإقليم الشمالي للجزائر.  

[6]   عن الأوقاف التي أنشأتها المرأة في مدينة الجزائر مثلا، ينظر: 

 ناصر الدين سعيدوني، الوقف في الجزائر أثناء العهد العثماني من القرن 17 إلى القرن 19، مجموعة دراسات أكاديمية وبحوث علمية، ط 2، دار البصائر للنشر والتوزيع، الجزائر، 2013، ص ص 214-222؛

عائشة غطاس، «إسهام المرأة في الأوقاف في مجتمع مدينة الجزائر خلال العهد العثماني»، المجلة التاريخية المغاربية، ع. 85-86، ماي 1997، زغوان، ص ص 99-131

استخدم مصطلح "وقف المرأة" أستاذ اللغات والحضارات الشرقية بالمعهد الوطني بباريس السيد فاروق بيليتشي في حديثه عن وقف المرأة بمدينة إستانبول في القرن السادس عشر، ينظر: 

Faruk BILICI, « Les Waqfs constitués par les femmes à Istanbul dans la première moitié du XVIe siècle », in Awqaf, n° 10, mai 2006, Koweit, pp. 11-34.   

ينظر كذلك: خديجة مفيد، «المرأة والوقف- التجربة المغربية»، مجلة أوقاف، ع. 10، ربيع الآخر 1427هـ/مايو 2006م، الكويت، ص ص 156-167    

[7]   القرآن الكريم، سورة النساء، الآيتان رقم 11و 12، رواية ورش عن الإمام نافع.

[8] أ.و.ج، س.م.ش، ع.34، و.112.

[9] أ.و.ج، س.م.ش، ع.34، و.115.

[10]  أ.و.ج، س.م.ش، ع.52، و.46.

[11]  تولى الباي جعفر بايلك التيطري بين عامي (1813-1814م) وكانت عاصمته مدينة المدية.

[12]  أ.و.ج، س.م.ش، ع.34، و.90.

[13] أ.و.ج، س.م.ش، ع.52، و.9.

[14]  أ.و.ج، س.م.ش، ع.52، و.6.

[15]  تاريخ التحبيس هو أواخر جمادى الأولى عام ثمانية وعشرين ومائتين وألف 1228هـ/أواخر ماي 1813م ، وتاريخ مصادقة قضاء مدينة الجزائر على العقدين هو أواسط جمادى الثانية عام تسعة وعشرين ومائتين وألف 1229هـ/جوان 1814م. ينظر: المصدر نفسه. 

[16]  المصدر نفسه. 

   ينظر مثالا آخرا شبيها بهذا بمدينة المدية قدمه تحبيس السيد الحاج حسين بن صاري في تاريخ سابق يدنو من نصف قرن 1185هـ/1771م في:

   أ.و.ج، س.م.ش، ع.52، و.43

بخصوص مصطلح "العَقِب": عقب الشخص هو ولد الصلب ذكرا وإناثا ثم أولاد الذكور دون الإناث، ما تناسلوا من أولاده الذكور ما لم ينفصل بينهم بأنثى، ينظر:

ابن منظور محمد بن مكرم بن على أبو الفضل جمال الدين، لسان العرب، تحقيق عبد الله علي الكبير ومحمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي، دار المعارف، القاهرة، 1981،م4، ج34، ص 3023. 

أما مصطلح "الذُرِّية" ومفهوم الطبقة السفلى والعليا، فهو نسل الواقف ذكورا وإناثا على مدار الأجيال المتعاقبة، ينظر:

ودان بوغفالة، « مصطلح "عقب" و"أعقاب" في وثائق الوقف المحلية: دراسة آرنست مارسيي (Ernest MERCIER)»، مجلة الناصرية، جامعة معسكر، ع. 7، 2016، ص ص 101-117. 

[17] القيد: بفتح حرف القاف، وسكون حرف الياء، جمع قيود وأقياد: والقيد هو حبل أو نحوه يوضع في الأرجل ليعيق حركتها. وللمحبس أن يضع شروطا وقيودا محددة ليتعين بها نظام إدارة الوقف وتسييره وتوزيع الاستحقاق على المستفيدين، ينظر:

  مصطفى أحمد الزرقا، أحكام الأوقاف، دار عمار، عمان، 1998، ص ص 141-161.

[18] كان السيد إبراهيم قائدا على مدينة مليانة وصار بايا على بايلك الغرب بمدينة معسكر بعد ذلك، توفي عام 1776م.   

[19] أي تظل ذريته من نسله تدين بالإسلام ولا تغير دينها، ومن يبدل منهم دينه يسقط حقه. 

[20]  أ.و.ج، س.م.ش، ع.34، و.18.

[21]  أ.و.ج، س.م.ش، ع.34، و.39.

[22]  عن شروط الواقفين وأنواعها ومشروعيتها، راجع: 

  محمد مصطفى شلبي، أحكام الوصايا والأوقاف، الدار الجامعية، بيروت، 1982، ص ص 371-379. 

 سليم هاني منصور، الوقف ودوره في المجتمع الإسلامي المعاصر، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2004، ص ص 27-31

[23]  أ.و.ج، س.م.ش، ع.52، و.48

[24]  المصدر نفسه. 

[25]  أ.و.ج، س.م.ش، ع.34، و.162

[26]  أ.و.ج، س.م.ش، ع.34، و.40.

[27]  أ.و.ج، س.م.ش، ع.52، و. 57.

[28] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.172.

[29] أ.و.ج، س.م.ش، ع.52، و. 122.

[30]  أ.و.ج، س.م.ش، ع.52، و. 27.

[31]  أ.و.ج، س.م.ش، ع.34، و.113.

[32]  أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.25.

[33]  انظر بعض الآراء والأقوال الاستدلالية في:   

     الزرقا، المصدر السابق، ص ص 153-154.

[34]   ابن إسحاق المالكي الشيخ خليل، مخنصر خليل، تحقيق الشيخ طاهر أحمد الزاوي، دار إحياء الكتب العربية، مصر، د.ت ص 285.

Ibn Ish'âq al-Mâlikî  KHALIL, Le Précis de KHALÏL, trad. par Ahmed HARKAT, Dar El-Fiker, Beyrouth, 1995, p. 403. 

Fernand  DULOUT, Le Habous dans le droit musulman et la législation nord-africaine (doctrine, jurisprudence et procédure), M. L., Alger, 1938, p. 136. 

[35]   الزرقا، المصدر السابق، ص ص 22-25.

[36]   عن الإمام أبي يوسف، ينظر ترجمة له في: 

    حبيب أحمد الكيرانوي، أبو حنيفة وأصحابه، دار الفكر العربي، بيروت، 1989، ص ص 95-99.   

 [37] ابراهيم بن عمر بيوض، فتاوى الإمام الشيخ بيوض، تقديم وتخريج بكير محمد الشيخ بلحاج، ط 2، مكتبة أبي الشعثاء، السيب، سلطنة عمان، 1990، ص ص 553-566.

[38]   قد يكون التفضيل بسبب موجب معقول، كما لو فُضِل من كان عاجزا أو من كان منصرفا إلى طلب العلم غير متفرغ للكسب، انظر: 

    الزرقا، المصدر السابق، ص 153. 

[39]  الشيخ خليل، مصدر سابق، ص ص 185- 186.

Le Précis de KHALÏL, op. cit., pp. 257-260.

[40]  أ.و.ج.، س.م.ش، ع.52، و.26.

[41] أجاز بعض الفقهاء الوقف على النفس واستنكره البعض الآخر لبطلان شرطه، يراجع:

    محمد أبو زهرة، محاضرات في الوقف، دار الفكر العربي، القاهرة، 1971، ص 215

 [42]  ورد اسم "نايجة" بهذا التركيب والترتيب للحروف في عقد المحكمة الشرعية، ويحتمل أن يكون الموثق "كاتب عدل" أو الناسخ قد وقع في خطأ، والاسم البديل والأقرب إلى الثقافة المحلية والإسلامية هو "ناجية".                     

[43] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.171.

[44] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.179.

[45]  اختلف الفقهاء في ملكية الموقوف، فقال أبو حنيفة إنه يبقى في ملك صاحبه، ولذلك يمكن الرجوع عنه وبيعه، ويتفق المالكية مع أبي حنيفة في بقاء الوقوف بملكية الواقف وعدم تأبيده. أما أبو يوسف ومحمد من أصحاب أبي حنيفة والشافعية والحنابلة فيقولون بانقطاع الملكية وانتقاله إلى ملكية الله، بمعنى أنه على التأبيد وأنه لا يباع ولا يورث. ينظر: 

أبو البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، تحقيق مصطفى كمال وصفي، 4 ج، دار المعارف، القاهرة، 1972، ج 4، ص 106؛

رضوان السيد، «فلسفة الوقف في الشريعة الإسلامية»، صمن كتاب نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2003، ص 46.   

[46]  أ.و.ج.، س.م.ش، ع.52، و.26

[47]  أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.108، ع.52، و.47.

[48] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.29.

[49] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.118.

[50] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.99.

[51] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.20.

[52] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.29.

[53] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.114.

[54]  أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.176.

[55]  أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.160.

[56] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.118.

[57] البنت الصلبية هي البنت الشرعية المباشرة للهالك المورّث، خارجة من صلبه ليس بينه وبينها واسطة ولد آخر، والصلب هو سلسلة الظهر. ينظر:

يحي بن شرف بن مري النووي أبو زكرياء، تحرير ألفاظ التنبيه، ط 1، دار القلم، دمشق، 1408هـ/1987م، ص 76. 

[58] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.15.

[59] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.52، و.47.

[60] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.52، و.150.

[61] أ.و.ج.، س.م.ش، ع.34، و.36.

[62] الجواز هو الإذن والإباحة، بمعنى أنه يجوز شرعا بالأحكام الاجتهادية التحبيس لفائدة الوالدين أو الأصول، مادام أنه يحقق قربة إلى الله، ينظر:

    الزرقا، المصدر السابق، ص ص 19-20.

[63]  القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآيتان رقم 23 و24.

[64] الباحثة راندي ديغيلام (Randi DEGUILHEM) هي مستشرقة أمريكية مقيمة بفرنسا، وتنتسب إلى جامعة آكس-مارسيليا، تعتبر رائدة الدراسات الوقفية في الجامعات الغربية بما نشرته من أبحاث في الموضوع، وبما أشرفت عليه من باحثين من مختلف دول العالم، علاوة على تنظيم وتنسيق المؤتمرات والندوات المتخصصة. اشتغلت على الأرشيف السوري ووثائق المحاكم الشرعية، ووثائق الأوقاف على وجه الخصوص، ونشرت دراسة في غاية الاهمية عن وقف المرأة بدمشق خلال القرن التاسع عشر، ينظر:

Randi DEGUILHEM, « Naissance et mort du waqf damascain de Hafîza HÄNÜM AL-MÜRAHLÏ (1880-1950) », in Le Waqf dans l’Espace Islamique, Outil de Pouvoir Sociopolitique, IFEAD, Damas, 1995, pp. 203-225. 

Randi DEGUILHEM, History of waqf and case studies from Damascus in late ottoman and fren mandatory, thèse de doctorat, New York University, 1986, pp. 183-297. 

[65]  عن دور الوقف النسوي في رعاية طلبة العلم وشيوخه وتشييد مدارسه، ينظر:

عقيلة حسين، «دور أوقاف النساء في النهضة العلمية في المجتمع المسلم مشرقا ومغربا»، بحث مقدم إلى مؤتمر "أثر الوقف الإسلامي في النهضة العلمية"، جامعة الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، 9-10 ماي 2010، ص ص 1-32. 

[66]  عن دور المرأة في التنمية، ينظر:

  فؤاد العمر، « دور مؤسسات الوقف المعاصرة في رعاية قضايا المرأة، إشكاليات وتجارب»، مجلة أوقاف، ع 10، ربيع الآخر 1427هـ/مايو 2006م، الكويت، ص ص 137-155

وعن هذا الدور في المجتمع الدمشقي، ينظر كذلك دراسة أخرى عن نموذج المرأة المسلمة منشئة ومسيرة لمؤسسات وقفية بدمشق أواخر العهد العثماني في: 

Randi DEGUILHEM, » Self-consciousness: the muslim woman is creator and manager of waqf, foundations in late ottoman Damascus «, in Dirassat Insania (Études Humaines), Revue d’Histoire de la Faculté des Sciences Humaines de l’Université d’Alger, Alger, n° 1, 2001, pp. 3- 19.