مفهوم "الوقف النسائي" وأنواعه وتطوره التاريخي في العالم الإسلامي وسلطنة عُمان

الباحث المراسلأ. سجاء بنت سعيد بن خميس الفريسية وزارة التربية والتعليم

Date Of Publication :2025-02-25
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

مقدِّمة البحث

        يُعَدُّ الوقفُ الإسلاميُّ أَحَدَ أهمِّ أساليب التنمية المجتمعية التي يتميَّز بها النظام المالي في الإسلام، خاصَّةً في مجال التنمية الاجتماعية، فالوقفُ نموذجٌ على العمل الخيري التَّطوُّعي الذي يدعو إليه الدِّين الإسلامي؛ لتحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم بِعَدِّهِ صدقةً جاريةً لا ينقطع نفعُها وأَثَرُها بوفاة صاحبها. وينطلق الوقف في الفقه الإسلامي من دعوة القرآن الكريم إلى البَذْل والإحسان، كما في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (سورة المائدة: 2)، وقوله تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (سورة آل عمران: 92). أيضًا أَكَّدَتِ السُّنَّةُ النبوية على أهمية الوقف كما في قوله : "إذا مات الإنسان انقطع عملُهُ إِلَّا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتَفَع به، أو وَلَدٍ صالحٍ يدعو له"([1])؛ فالمقصودُ بالصدقة الجارية في الحديث الوقف بمعناه المقرَّر الثابت، وثَبَتَ أيضًا بإجماع الصحابة أَنَّ الكثير منهم أَوْقَفُوا جزءًا من أملاكهم لِذُرِّيَّاتِهم؛ حمايةً لهم من ظروف المعيشة الصعبة.

    وانتقلت إدارةُ أوَّل وقفٍ في الإسلام لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه- بعد وفاتِهِ إلى ابْنَتِهِ حفصة - رضي الله عنها، وهي الإدارة النِّسَــائِيَّة الأولى للوقف في الإسلام، ولم يقتصرِ الإسهامُ النِّسَائِيُّ في إدارة الأوقاف فحَسْبُ؛ بل كانتِ المرأةُ تحرِصُ على الإسهام في الوقف إذا توفَّرت لها الثروة؛ لحرصِها الشديد على التَّقرُّب من الله عَزَّ وَجَلَّ (القحطاني، 2017)، فتنوَّعَ هذا الإسهامُ بين الإيقاف والإدارة والاستفادة من العائد الوقفي (لوري، 2019). ويأتي هذا البحث لبيان نماذج من الوقف النِّسَائِي في العالم الإسلامي بصورة عامة، ونماذج لأوقاف المرأة العُمَانِيَّة بصورة خاصة؛ مع بيان الدور التنموي لأوقاف النساء على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والتَّطوُّر الذي رَافَقَهُ عبرَ العصور الإسلامية.

مشكلة البحث

    إِنَّ توجيه اهتمام المُخْتَصِّين لإفراد الوقف النِّسَائِي بالبحث والدراسة أصبح أَمْرًا ضروريًّا؛ لاعتباراتٍ عِدَّةٍ منها وجودُهُ تاريخيًّا في الحضارة الإسلامية، وَلِأَثَرِ الوقف النِّسَائِي ولأهمِّيَّتِه في شَتَّى ميادين التنمية المُستدَامة، ولِأَنَّ دراسة التَّجرِبة النِّسَائِيَّة في الوقف الإسلامي لايمكن تحديدُها، وتحليلُها دُونَ بيانِ طبيعة الموضوع، وتأطيرِهِ في ضوء الدراسات المعاصرة ذات الصِّلَة؛ لذلك تركَّزت مشكلة البحث في دراسة إسهام المرأة المسلمة في نظام الوقف الإسلامي بعيدًا عن أَيِّ إقصاءٍ، أو تهميشٍ تاريخيٍّ لدورِها التنموي في أعمالِ البِرِّ والإحسان في الإسلام.

ويأتي البحث الحالي للإجابة عن التَّساؤُلات التَّالية: 

  1.  ما المقصود بالوقف النِّسَائِي؟
  2. ما هي أهمُّ أنواع الوقف النِّسَائِي في في العالم الإسلامي، وسلطنة عُمَان؟
  3. كيف تَطَوَّرَ الوقفُ النِّسَائِيُّ في في العالم الإسلامي، وسلطنة عُمَان؛ تاريخيًّا؟

أهداف البحث

يهدُفُ البحث لِلتَّعَرُّف إلى مفهوم "الوقف النِّسَائِي"، وأنواعه، بالإضافة إلى متابعة التَّطوُّر التاريخي للوقف النِّسَائِي في العالم الإسلامي وسلطنة عُمَان.

منهجية البحث

تنوَّعتِ المنهجية العلمية لتشملَ المنهج الوصفي التحليلي والمنهج التاريخي من خلال تَتَبُّع إسهامات المرأة المسلمة في الوقف الخيري من الكتب التاريخية، والدراسات والأبحاث العلمية، والمواقع الإلكترونية المُتَخَصِّصَة على شبكة الإنترنت.

 

أهمية البحث 

تَكْمُنُ أهمية البحث في تسليطِهِ الضوء على الوقف النِّسَائِي عبرَ التاريخ الإسلامي، بالإضافة إلى بيان أوقاف المرأة العُمَانِيَّة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ثم الوقوف على دور وَقْفِ المرأة الخيري البارز في التنمية، كما يُوَضِّحُ التَّطوُّر التاريخي للوقف النِّسَائِي في العالم الإسلامي وسلطنة عُمَان. 

مَتْنُ/ عَرضُ البحث

المقصود بالوقف النِّسَائِي

      يُعَرَّفُ الوقفُ في اللُّغَة: بفتح الواو وسكون القاف، بالحبس والمنع. ويُجْمَعُ على أوقاف؛ يُقَالُ: وَقَفْتُ الأرضَ على المساكين أَيْ حَبَسَتُها (ابن منظور، د.ت). وفي الاصطلاح([2]):  حَبْسُ الأصل (المال)، وتسبيل الثمرة، أَيْ: صَرْف منافعِهِ في سبيل الله (سابق، 2004). ومن هنا يمكن القول: إِنَّ الوقف عبارة عن عَقْدٍ من عُقُود التَّبرُّع، ونوع من أنواع الصدقات التي نَدَبَ إليها الشَّرعُ، وحَثَّ عليها، وجَعَلَ فعلَها قُرْبَةً خالصة لله وحدَه. 

وتُعَرِّفُ الباحثةُ الوقفَ النِّسَائِيَّ أَنَّهُ: ما تَحْبِسُهُ النِّسَاءُ من أموالها في سبيل الله؛ بُغْيَةَ تحقيق منفعة دينية، أم اجتماعية، أم علمية.

أهمُّ أنواع الوقف النِّسَائِي في العالم الإسلامي وسلطنة عُمَان

    يُعَرَّفُ أصلُ الوقف كونُهُ عملًا خيريًّا بِعَدِّ وَصْفِهِ الشرعي؛ لعموم قوله e لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه- عندما استشارَهُ في أرضٍ له بِخَيْبَرَ: "إِنْ شئتَ حَبَسَتَ أصلَها وتصدَّقتَ بها"([3])، وقوله e أيضًا: "إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ المؤمنَ من عملِهِ وحسناتِهِ بعد موته علمًا عَلَّمَهُ ونَشَرَهُ، وولدًا صالحًا تَرَكَهُ، ومُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أو مسجدًا بَنَاهُ، أو بيتًا لابن السبيل بَنَاهُ، أو نهرًا أَجْرَاهُ، أو صدقةً أخرجَها من مالِهِ في صِحَّتِهِ وحياتِهِ؛ يَلْحَقُهُ من بعد موتِهِ"([4])

        إذن الوقفُ نوعٌ من أنواع الصدقات؛ التي دَعَتْ إليها النصوص الشرعية، ولم يختصّْ به رجلاً أم امرأةً، فلا فَرْقَ في ذلك بينهما؛ فهو عمل يتقرَّب به العبد لله -U- من خلال الإنفاق في وجوه البِرِّ سواءً أكانت جِهَةً عامَّةً كالفقراء والمحتاجين، أم الأقارب من الذُّرِّيَّة والأهل لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ} (سورة البقرة: 267)، وقوله تعالى: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} (سورة آل عمران: 92)، وغيرها من الآيات التي تَحُثُّ على الإنفاق الخيري على العموم؛ لذا لم يُمَيِّزِ الفقهاءُ بين أنواع الوقف بِعَدِّ جنس الواقف ذكرًا كان أم أنثى، فكان للنساء نصيب من الوقف بأنواعه كما كان للرجال أيضًا، كما إِنَّ المرأة تتساوَى مع الرجل من وَجْهَيِ الثواب، أم العقاب في الحساب الأُخروي.

     ثَبَتَتْ مشروعية الوقف النِّسَائِي بالأُسُس الشرعية التي منها ما كان خطابًا عامًّا للرجل والمرأة على السَّواء، ومن هذه الأُسُس الشرعية قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (سورة النحل: 97). تَجْدُرُ الإشارة أَنَّ الإسهامات الوقفية النِّسَائِيَّة الأولى تعود إلى أُمَّهَات المؤمنين رضي الله عَنْهُنَّ؛ فَهُنُّ أُوَلُ مَنْ أَوْقَفَ من النِّسَاء، وأَوْرَدَ العلماءُ مجموعة من التقسيمات للوقف؛ فقد قُسِّمَ الوقف إلى ثلاثة أنواع (فداد، 2008)، هي:

  1- الوقف الخيري أو الوقف العام: سُمِّيَ هذا النوع من الأوقاف خيريًّا؛ لاقتصارِ نَفْعِهِ على المجالات الخيرية العامة وأهدافها، سواءً أكانت لأشخاص مُعَيَّنِين: كالفقراء والمساكين وطَلَبَة العلم، أم جهات بِرٍّ عامة: كالمساجد والمدارس والمستشفيات، وأمثال ذلك من وجوه الخير. 

     ويُعَدُّ وَقْفَاْ أسماء بنت أبي بكر وأم سلمة -رضي الله عنهُمَا- لِدَارَيْهِمَا من أوائل أوقاف النساء في الوقف الخيري. كما يُمَثِّلُ وَقْفُ ضنُوه الخفيريَّة النزوية مدرستَها؛ لِيُدَرَّسَ فيها العلم الشرعي؛ من أشهر ما بُذِلَ في الوقف الخيري العماني، وكذلك وَقْف زيانة الأمبوسعيدية لمكتبة علمية زَخَرَتْ بالكتب والمخطوطات النفيسة؛ وتأتي هذه الأوقاف رغبة في نيل أجر نَشْرِ العلوم الدينية.

 2-الوقف الأهلي أو الخاص: يُطْلَقُ عليه أيضًا الوقف الذُّرِّي، ويَقْصِدُ الواقِفُ منه الوقفَ على الذُّرِّيَّة كالأولاد والأحفاد، وغيرهم من الأقارب. ويضيف مرجي (2022): إذا انقرضتِ الذُّرِّيَّةُ يَؤُولُ كل ما أوقف لهم إلى وَقْفٍ خيريٍّ، ومن أمثلتِهِ وَقْفُ حفصة -رَضِيَ الله عنها- لِحِلْيَةٍ تُقَدَّرُ بعشرين ألفًا على نساء آل الخطاب (ابن قدامة، 1997)، ومن ذلك أيضًا ما رُوِيَ في أوقاف أُمِّ حبيبةَ وصفية ابنة حَيِيّ - رضي الله عنهُمَا-؛ فقد أَوْقَفَتَا الدُّورَ والبساتين بين مَوَالِيهِمَا وأهلِهِمَا (الخصاف، د.ت). 

    وأضاف بعضُ الفقهاء نوعًا آخَرَ من الوقف بالوضع في الحُسْبَان صفةَ الجهة الموقوف عليها؛ يُسَمَّى بالوقف المُشترَك([5]): يتميَّز باشتراك الذُّرِّيَّة وجهة بِرٍّ معًا في الاستفادة من منافعِ وقفٍ ما، كوقفِ عائشة -رَضِيَ الله عنها؛ فقدِ اشترتْ دارًا، وجعلتْها لِمَا اشترتْها له من العمل الخيري، ثم يُرَدُّ بعد ذلك إلى آل أبي بكر (حافظ، 2009)([6]). وعليه، اشتملتْ أوقافُ النِّسَاء بدايةً من القرن الثاني الهجري تنوُّعًا مقبولًا اقتضت إليه المصالح العامة والخاصة بين الوقف الذُّرِّي أو الأهلي؛ فلم تَكُنْ إسهاماتُهُنَّ قاصرةً على نوعٍ مُحَدَّدٍ دُونَ آخَرَ، فكان وَقْفاً عامًّا شاملًا بنفعِهِ فئات المجتمع الإسلامي جميعها.

   ويمكن القول: إِنَّ رعاية التكافل الاجتماعي من خلال الوقف أظهرَ حضورًا نِسَائِيًّا مُمَيَّزًا في الوقف الخيري العام؛ فقدِ اشتملَ على الحياة الاجتماعية والعلمية والدينية، وظَهَرَ خاصَّةً في مجالَيْن هُمَا: مجال تشييد دُورٍ سكنية متكاملة الخِدْمَات مُخَصَّصَة لإقامة النِّسَاء اللَّاتي لا مُعِيلين لَهُنَّ، مع توفير التغذية والكساء والرعاية الصحية والتعليم الديني، وأَمَّا المجال الثاني: فَتَمَثَّلَ في تشييد المنشآت العلمية، كالمدارس، والمكتبات؛ بغرضِ نَشْرِ العلوم الدينية (حافظ، 2009؛ معروف، 1959).

التَّطوُّر التاريخي للوقف النِّسَائِي في العالم الإسلامي وسلطنة عُمَان ([7])

    يُعَدُّ التَّاريخُ الإسلاميُّ خَيْرَ شاهدٍ على أَنَّ المرأة المسلمة أَسْهَمَتْ في أعمال البِرِّ في العصور الإسلامية المختلفة، وتَطَوَّرَتْ إسهاماتها الوقفية مع اتِّسَاع الدولة الإسلامية من ناظرةٍ للوقف الخيري، إلى واقفةٍ، أو مُنْتَفِعَةٍ من الوقف الخيري، فمع زيادة مصادر الدخل فيها انتقل دورُ المرأة من إدارة (ناظرة) الوقفيَّة الأولى التي حَظِيَتْ بها أُمُّ المؤمنين حفصة -رَضِيَ الله عنها-([8]) إلى الإسهام بالوقف في مشروعات حيوية مُهِمَّة ذات نفع عام؛ شمل الكثير من المجالات العلمية والاجتماعية والدينية، فانطلقت من الوقف التقليدي المُتَمَثِّل في رعاية الفقراء والمساكين والمَوَالِي والصدقة عليهم، إلى رعاية التعليم ومعالجة المَرْضَى وتوفير احتياجات المرأة الخاصة؛ فكانت إسهاماتها تنموية، خدمتِ المجتمعاتِ ونَشَّطَتِ الاقتصادَ فيها. 

     ولم تَكُنْ هذه الأوقافُ شيئًا عابرًا أم استثنائيًّا لامرأة هنا أم هناك؛ بل كانت عادةً تتنافَسُ عليها زوجات الحكام والأمراء بينهُنَّ في الإكثار من أعمالِ البِرِّ (الأرناؤوط، 2014)، ولا تزال الإسهاماتُ مستمرَّةً حتَّى عصرِنا الراهن من خلال الأدوار الثلاثة: الناظرة، والواقفة، والموقوف عليها. وفي التَّالي نُورِدُ بعض المجالات والأمثلة التي تعكس مستوى التَّطوُّر التاريخي للوقف النِّسَائِي واختلافِهِ من عصرٍ إلى آخَرَ؛ وفقًا للعوامل الاقتصادية، ومستوى احتياجات المجتمع في كُلِّ مدةٍ زمنيَّةٍ (خفاحي، 2003) على سبيل الأمثلة لا الحصر: 

أَوَّلًا: التَّطوُّر التاريخي للوقف النِّسَائِي في العالم الإسلامي عامَّةً:

في المجال الديني: شَكَّلَتِ الأوقافُ النِّسَائِيَّةُ في المساجد أعظمَ الأوقاف التي أَسْهَمَتْ فيها المرأة بشكل واضح، ولا غرابةَ في ذلك؛ فَوَقْفُ المساجد هو الصورة الأكثر انتشارًا وحجمًا في البلاد الإسلامية كافَّةً على مدار التاريخ، والصورة الوحيدة التي لم تنقطع منذ فجر الحضارة الإسلامية إلى يومنا الحاضر، فأغلبُ المساجد تأسست من أموال الأوقاف؛ بل إِنَّ ما يحتاجُهُ المسجدُ وملحقاتُهُ من كتاتيب التعليم وخزانات للكتب وأماكن للوضوء وفُرُشٍ وتنظيف كُلِّهِ، وأحيانًا سَكَنِ ورِزْقِ القائمين عليه؛ كان مدعومًا بهذه الأوقاف (السدلان، 1995)، ولعلَّ السَّببَ يرجع في ذلك؛ إلى مكانة المساجد بِعَدِّهِ إحدى أهمِّ الشعائر المكانية في الإسلام التي تؤدى يوميًا، بالإضافة إلى أدوارِهِ الدينية والعلمية الجليلة من التَّعَبُّد والاعتكاف والدراسة، كذلك تحفيز الرسول e  لعمارتها؛ فقال: "مَنْ بَنَى مسجدًا يبتغي به وجهَ الله، بَنَى الله له مثله في الجنة"([9])

وبطبيعة الحال حملت أغلبُ أوقاف النِّسَاء في المساجد والجوامع أسماءَ مَنْ أَسَّسَها، أو اسْمَ المكان الذي أُنْشِئَتْ فيه، ومن أشهرِها: وَقْفُ الخيزران لمسجد مولد الرسول e الذي بَنَتْهُ في مكة([10])، وجامع القرويِّين وجامع الأندلس من أوقاف الأخوات فاطمة ومريم ابْنَتَيْ عبدالله الفهري في المغرب ([11])، وجامع السيدة في الجزائر الذي هَدَمَهُ الاستعمار الفرنسي سنة 1832م (لطيفة، 2016)([12])، ومسجد فاطمة سيد أحمد، وجامع القرافة، ومسجد سِتِّ غزال، ومسجد الخفافين في بغداد([13])، وجامع كوسم ماه بيكر سلطان، وجامع ذو الخزف، كما يُعَدُّ مسجدُ السيدة رقية، ومسجدُ النارنج ([14])، ومسجدُ باب دكالة؛ من أوقاف المساجد التي تكفلت بها السيدة علم الآمرية (عمر، 2023). 

      ولايفوتنا التطرق إلى دور المراة في بناء مساجد قرطبة حاضِرَةُ الأَنْدَلُسِ الكُبْرَى، فقد ظهرت مساجد عُرِفَتْ بأسماء مَنْ أوقفَها كمسجد طروب، ومسجد فخر، ومسجد الشفاء، وغيرها (أحمد، 2014). كما أقامت جميلة الحمداني مسجدَ النبي يونس في الموصل، وأنشأت فيه دارًا يأوي إليها الزُّهَّادُ والمُتَعَبِّدُون، ولابد من التأكيد على أن هذه الأوقاف اُستثمر فيها لتستمر في خدمة ما أُوقفت لأجله لأطول مدة ممكنة، فلا تزال تــُؤَدَّى الصلاة إلى يومِنا هــذا في وقفيــة فاطمــة خاتــون في الجامع الكبير في مدينة جنين (الزفتاوي، 2013)، أيضًا بَنَتِ الملكةُ أروى الصلحية ([15]) جامعًا سُمِّيَ بِذِي جلة الكبير دُفِنَتْ فيه بعد وفاتها (حميد، 2011)، من جانب آخر، نلاحظ أن أوقاف المساجد التي بَنَتْها السيدة زينب بنت محمد علي باشا بلغت 14 مسجدًا (علي، 2007) ([16]). وهذا يدل على حرصها على الأجر والثواب، ورغبتها في تقوية علاقات المحبة والترابط بين المسلمين، وتعرُّفهم على بعضهم البعض من خلالها؛ فالمسلم يلتقي بأخيه المسلم في المسجد خمس صلوات في اليوم والليلة، وبطبيعة الحال لا تخلو هذا اللقاءات من التعارف والتواصل، بالإضافة إلى معرفتها أن الغالب في حلقات القرآن، وفي دروس العلم أن تكون في بيوت الله، وفي هذا مقصد عظيم لرسالة المسجد في الإسلام.

     وفضلًا عن ذلك، تَعَدَّتْ دائرةُ الاهتمام في الوقف النِّسَائِي بالمجال الديني بناءَ المساجد، لِتَتَّسِعَ منفعتُهُ نحو توفير الخِدْمَات المتطوِّرة للحُجَّاج والمُعتمِرين على امتداد الطُّرُق المُؤَدِّيَة إلى الأماكن المقدسة؛ وذلك بحفرِ الآبار وتوفير المياه والاستراحات المجهزة بالخِدْمَاتِ كافَّةً (الدهاس، 2000). 

     فنالت أوقافُ مواسم الحج والعمرة الجزءَ الأعظم من الأوقاف النِّسَائِيَّة في هذا المجال؛ لضخامة ما أُنْفِقَ فيها، ولأَثَرِها العظيم على الجانب الديني، فقد أوقفت رملةُ بنت عبد الله ابن عبد الملك بن مروان دارًا بمكة؛ ليسكنَها الحُجَّاجُ والمعتمرون (مرجي، 2022). كما تسابقت زوجاتُ الخلفاء في العصور الإسلامية المختلفة في حَفْرِ الآبار وإجرائها؛ لتَسُدَّ حاجة أهلها؛ فأسهمت زوجةُ أبي جعفر المنصور هيلانة، وزوجة الخليفة المهدي خيزران ([17]) في وَقْفِ الآبار والأحواض والأنهار، فَكُنَّ من أوائل النِّسَاء اللواتي يُبَادِرْنَ في أبواب الخير في زمانِهِنَّ خاصَّةً في مواسم الحج (بني حمد، 2015)، كذلك أَسْهَمَتِ السيدة زبيدة بنت جعفر بن المنصور وزوجة هارون الرشيد في توصيل المياه إلى مكة، واجتهدت في تسخيرِ الإمكاناتِ المُمْكِنَةِ كُلِّها لمعالجة قضية ندرة الماء، فَتَضَمَّنَ وَقْفُها شبكةً مُتَّصِلَةً من الآبار والبِرَك والعيون المائية؛ لتوفير الماء خلال مسير الحُجَّاج في المشاعر المقدسة، بالإضافة إلى إنشاء أماكن مُخَصَّصَة للوضوء([18]) في مكة، ومنازل متكاملة الخِدْمَات لاستراحة حُجَّاج بيت الله الحرام، ولا تزال آثار قنوات الوقف والطريق ماثلةً للعيان؛ فكان هذا الوقفُ أعظمَ الأعمال الوقفية التي تَسَابَقَ إليها المسلمون في زمانها([19])، وقبلَها أوقفت أُمُّ عبد الله بن عامر بن كريز أمير البصرة في أيام عثمان بن عفان من الأموال ما يكفي لحفرِ نهرٍ عُرِفَ بنهرِ أُمِّ عبد الله  بالبصرة (الحموي، 1993). 

        ويرجع السبب في الاهتمام بتوفير الموارد المائية إلى سرعة نُضُوب الآبار الموقوفة، ومحدودية استخدام الآلة وعدم توفُّرها، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الإنشاء. كذلك أوقفت أُمُّ القاسم المرادية السفيانية استراحات على طول الطريق بَدْءًا من المغرب، وانتهاءً بمكة المكرمة؛ لتزويد حُجَّاج المغرب العربي بالطعام والماء والدواء، ولاستراحة دَوَابِّهِم وتعليفِها (حميد، 2011). 

       تَجْدُرُ الإشارةُ إلى أَنَّ الخدمة الدينية لم تقتصر على زوجات السلاطين والوزراء، أم بناء المساجد وتوفير المياه؛ فقد ظهرت خِدْمَاتٌ جليلةٌ أخرى لجواري الخلفاء، منها: إِنَّ الجاريةَ فَضْلَ القيروانية التي كانت مولاةً لأبي أيوب قد خَطَّتْ مصحفًا بِيَدِهَا وأوقفتْهُ على القُرَّاء، كما أوقفت صفيَّةُ زوجة السلطان مراد الثالث أموالًا؛ لختمِ القرآن في الحرم المكي والمدني على مدار أوقات اليوم الواحد (حسين، 2021). يُذْكَرُ أيضًا أَنَّ خالصة خادمة الخيزران قامت بتسهيل الطريق بين الأجفر (الكوفة) والمنزل (مكة المكرمة)؛ فقدِ اشترت مئة عبدٍ، وطلبت بناء رصيفين من الحجارة بَدْءًا من منطقة الأجفر إلى منطقة المنزل، فإذا فَرَغُوا من المَهَمَّة، أَعْتَقَتْهُم؛ ليصبحوا أحرارًا (لوري، 2019). 

         ومن ناحية أخرى، حَظِيَتِ الأربطةُ([20]) باهتمام نِسَائِي واضح، بَدْءًا من أمهات المؤمنين عائشة وأسماء ابْنَتَيْ أبي بكر -رَضِيَ الله عنهم- اللَّاتي أَوْقَفَتَا دورًا للمحتاجين، أيضًا أوقفت تذكارَ باي خاتون ابنة الملك الظاهر بيبرس رباط البغدادية، وأقامت فيه شيخةً تَعِظُ النِّسَاء وتُذَكِّرُهُنَّ وتُفَقِّهُهُنَّ، ومن الأوقاف أيضًا رباط الطواويسية للخاتون صفوة الملك السلجوقي، ورباط الأرامل المُسَمَّى الفقاعية في مكة المكرمة لجارية الخليفة العباسي المقتدي شمس النهار، ورباط بنفشا في بغداد لجارية الخليفة العباسي المُستضِيء بنفشا (مرجي، 2022). 

      وأُوْقِفَتِ العديدُ من المحلات والدُّور لتكون رافدًا لاحتياجات المساجد والجوامع والاربطة، كما تَمَيَّزَتْ بعض أوقاف النساء في المساجد بإضافة مكتبات علمية وأربطة متعدِّدة. ولا بُدَّ من الإشارة إلى إحصائية أوقاف جامع الأزهر في مصر التي أوضحت أَنَّ النساء أَوْقَفْنَ 48 وقفًا من أصل 163 وقفًا لصالح جامع الأزهر؛ لكنَّ نسبةَ إسهامِها في الإيرادات كانت أضخمَ من عددِها (خفاجي، 2003).

أَمَّا في مجال العناية بنشرِ العلوم والمعارف وخدمة طلبة العلم: اتَّجَهَتْ أوقاف النساء في مجال خدمة العلم اتِّجَاهًا جديدًا نحو إيجاد أماكن تدريس منفصلة عن مَقَرِّ العبادة؛ لتدريس مختلف العلوم وليس العلم الشرعي فقط، بعد أَنِ اقتصرَ طَلَبُ العلمِ في صدرِ الإسلام على تَعَلُّم القرآن والسُّنَّة بأنواعها في المساجد ومدارس القرآن، كما اتَّسَمَتْ جُلُّ الأوقاف النسائية في هذا المجال بالاقتصار على الكتب ومكتباتها كالكتب التي أوقفتها فاطمة الفضلي وفاطمة الحاضنة التي بقيت أجزاءٌ منها في مكتبة جامع القيروان حتَّى الآن (حميد، 2011)، كذلك أوقفت مامة بنت سليمان في الجزائر كُتُبَها لطلبة العلم (الشقصية، 2000). وأَدَّى وجودُ مكان مستقل مختص ينصرف إليها الطلبة إلى ظهور تطوُّر في طبيعة الوقف المستقل من خلال إضافة خِدْمَات خاصة متكاملة؛ إِذْ أوقفتِ النِّسَاءُ العديدَ من الدُّور والعقارات والأراضي الزراعية، وَوَجَّهَتْ بصرفِ رَيْعِها في بناء المدارس واحتياجاتها كالكتب والمكتبات، ورواتب أهل العلم فيها، بما يؤدي إلى حِفْظِ الدين ورعاية العلم وأهلِهِ من الطلبة والمعلمين؛ ومن الأمثلة عليها: المدرسة الحجازية التي أوقفتها السيدة خوند تتر([21]) التي تدريس مذاهب أهل السُّنَّة كالمذهب الشافعي والمالكي؛ وتَمَيَّزَتْ هذه المدرسة بِتَضَمُّنِها مكتبة ومنبر لخطب الجمعة ودار للأيتام (السرجاني، 1999؛ صداح، 2005). فضلًا عن المدارس التي أنشأتها أميرات الأسرة الأيوبية؛ فقدِ اشْتُقَّتْ تَسمياتُها من اسْمِ زوجة صلاح الدين الأيوبي وبناته وأخواته، هي: المدرسة الشامية الجوانية، والشامية البرانية، والعذراوية، والخاتونية، والعادليــة، والمعتصمية (لوري، 2019). ولا تزالُ بعضُ هذه المدارس قائمةً في دمشق وحلب. بالإضافة إلى المدرستَيْن اللَّتَيْنِ بَنَتْهُمَا خُرَّم سلطان في مكة المكرمة والمدينة المنورة (باشطح، 2023). وأيضًا هنالك المدرسة الشمسية والمدرسة السابقية في اليمن (حميد، 2011). ومنها كذلك المدرسة الصولتية التي أَسَّسَتْها في مكة سيدة من الهند تُسَمَّى صولت النساء بيغم في 1292هـ (عمر، 2023). 

 كما أَسَّسَتِ الأميرةُ عفت الثنيان آل سعود في 1955م المدرسة الأولى للبنات في السعودية تُسَمَّى دار الحنان؛ وهي مدرسة داخلية تعني باليتيمات، وأضافت مدرسة أخرى حَرِصَتْ على إدارتها بنفسِها في قصرها (العمر، 2003). كما أظهرتِ الأوقافُ في المغرب تطوُّرًا كبيرًا؛ فقد أوقفتِ السِّيِّدَةُ مسعودة الوزكتية مجموعة من الكراسي العلمية ملحقة ([22]) بجامع باب دكالة بمراكش سنة 995 هــ (مرجي، 2022). 

       وبذلك أَدَّى الاتجاه الجديد في الوقف التعليمي إلى وجود حركة علمية تَمَيَّزَتْ بوفرة الإنتاج العلمي وانتشار العلم الشرعي بين النساء، كما أَسْهَمَ في تطوير طرائق تَلَقِّي العلوم التي تطوَّرت تطوُّرًا كبيرًا؛ فمن حِلَق الكتاتيب والمساجد، إلى المدارس والجامعات كجامعة القرويِّين التي أنشأتها فاطمة الفهري بِعَدِّها جامعًا ثم اتخذه العديد من العلماء مَقَرًّا لدروسهم، وتُعَدُّ جامعة القرويِّين وفقًا لمنظمة اليونسكو، وبناءً إلى تصنيفات كتاب غينيس للأرقام القياسية أقدمَ مؤسسة تعليم عال،ٍ والجامعة الأولى التي كانت تَمْنَحُ إجازةً في الطِّبِّ في العالم، ولا تزال الجامعة تُدَرِّسُ حتى الآن([23])، أيضًا أوقفت فاطمة بنت الخديوي إسماعيل أرضًا لبناء جامعــة القاهرة، وتكفَّلت بتكاليف البناء([24]) (علي، 2007). 

       وأوقفتِ النِّسَاءُ على هذه المدارس والجامعات مــا يكفي من الأوقاف التي تُعِينُ على إدارتها ونفقة مُرْتَادِيها من طلبة العلم وكفلت للمعلمين أرزاقهم كَيْ يتفرَّغُوا لشؤونهم العلمية، ودَرَّسَ بها كبارُ العلماء، وتخرَّجَ فيها العشرات من طلبة العلم، والفقهاء، والمُحَدِّثِين (الدريوس، 2000؛ عقيلة، 2022).

أَمَّا في مجال العناية بالصحة العامة فلم يتوفَّرْ للمَرْضَى في صدر الإسلام مكانٌ مستقلٌّ لعلاجهم؛ بلِ اقتصر الأمرُ على خيمة رُفَيْدَة - رَضِيَ الله عنها- التي عملت على مداواة الجرحى، كما حَدَثَ يومَ معركة الأحزاب (الدريوس، 2000)، واستمرَّ الحال على المبادرات الفردية لعلاج المرضى إلى أَنْ توسَّعتِ الفتوحات الإسلامية نحو الغرب، وأدَّى هذا التَّوسُّع إلى ازدهار العلوم، وتَطَوُّر دراسة الطب، فتخرَّجَ الأطباء المَهَرَة، وتوجَّهت أوقاف النِّسَاء إلى إنشاء دُورٍ خاصة لمداواة المرضى، كمستشفى شغف الذي أوقفتْهُ أُمُّ الخليفة المقتدر في بغداد([25])، وتُعَدُّ المستشفى الأولى التي بَنَتْها امرأةٌ (الأرناؤوط، 2014). 

    وعلاوة على ذلك، واكَبَ التَّطَوُّرَ في طبيعة ونوعية الخِدْمَات الصحية زيادةُ أوقاف المحلات والعقارات من أجل استمرار الإنفاق بسخاءٍ على المستشفيات التعليمية التي خرَّجت أطبَّاءَ يجمعون بين الدراسة النظرية والسريرية، أو لتوفير الخِدْمَات الطبية بمستشفيات قائمة؛ كتوفير الأطباء وقابلات التوليد والصيادلة وجرَّاحِين للعمليات، حتَّى أصبح ذلك تقليدًا عامًّا مُتَّبَعًا بين زوجات السلاطين، وأهمِّ من ساهم في إنشاء المستشفيات الموقوفة: خرّم خاصكي سلطان([26])، وبزم عالم سلطان، وكولنوش سلطان، وبرتفنيال سلطان، ونبيهة، وحنيفة السلحدار (الأرناؤوط، 2014) والسلطانة توربانة (حميد، 2011).([27]) كذلك أوقفتِ السيدة عزيزة عثمانية جزءًا كبيرًا من أملاكها لبناء مستشفى في تونس سُمِّيَتْ لاحقًا بِاسْمِها، وأَوْلَى هذا الوقفُ اهتمامًا بالجوانب الصحية للفقراء والمساكين كَخِتَان الفقراء وإكسائِهِم في كُلِّ يوم عاشوراء (عبدالله، 1995)، وما زالتِ المستشفى تعمل حتَّى يومنا هذا؛ حيث تخصصت في علاج الحروق البليغة. وقد تميَّزت أوقاف المؤسَّسات الصحية في عهد زوجات السلاطين والحكام بكونها تُقَدِّمُ خِدْمَاتٍ علاجيَّةً مجانية في مناطق الفقراء، كما ظهرتِ المستشفيات المُتَخَصِّصَة كمستشفى علاج الأطفال(الأرناؤوط، 2014).

أَمَّا في مجال الخِدْمَات الاجتماعية العامة؛ فَتُوْصَفُ أوقافُ النِّسَاء في صدر الإسلام وفق ما نَقَلَتْهُ المصادر بالبساطة ذات المنافع المُحَدَّدة؛ فهي لا تتعدَّى توفير السكن، أو حَبْسَ الحُلِيِّ للاستخدام العائلي، إِلَّا أنَّهُ تَطَوَّرَ تدريجيًّا عبرَ الزمن، ليشملَ رعاية ذَوِي الاحتياجات الخاصة، والإسهام في حَلِّ المشكلات التي تعاني منها المرأة؛ كصعوبة توفير مستلزمات الزِّواج، وإنجاب البنات دُونَ الذكور، وتأخُّر الزِّواج، والأُمِّيَّة الدينية، بالإضافة إلى أوقاف تقدم خِدْمَات عامة للمجتمع؛ كتوفير الجسور التي تُسَهِّلُ عملية التَّنقُّل بين المناطق، وتوفير وجبات غذائية يومية للفقراء، والاهتمام بالثروة الحيوانية وتطويرها وغيرها، ويمكن استعراض هذا التَّطَوُّر من خلال النماذج التَّالية: أوقفتِ السيدة خرم سلطان في القدس تكيَّة ([28]) تُعْنَى بتوفير الوجبات المجانية للفقراء، وما زالت التكية تُقَدِّمُ خِدْمَاتِها للأسر الفقيرة إلى الآن، وأوقفت خوندتتر الحجازية ما يضمن توفير مؤنة يومية للأيتام المسلمين؛ تتكون من خمسة أرغفة ومبلغًا ماليًّا لكلّ يَتِيمٍ. كذلك أوقفتِ السيدة جليلة طوسون عوائد أملاكها الزراعية على دار مَلْجَأٍ سُمِّيَ بِاسْمِ "السِّتِّ جليلة"، اشترطت فيها تحفيظ فتيات الملجأ جزأين من القرآن على الأقل، وتعليمَهُنَّ الكتابة والقراءة، والحساب ومهارات الحياة من طبخ وخياطة وغيرها، كما بَنَتْ فاطمة خاتون برج الساعة في مدينة موســتار البوسنية، وأوقفــت عليه أوقافــًا كثيرة، ولا يزال برج الســاعة قائمًا إِلَّا أَنَّ الساعة تعطَّلت في عام 1926م، كما أوقفت عزيزة عثمانة في تونس وفاطمة إسماعيل في مصر وَقْفًا يُسْهِمُ في إعانة البنات الفقيرات واليتيمات على شراء مستلزمات الزِّواج، ومِثْلُهُ وَقْفٌ خاصٌّ بزينة العروس ولباسها لأسرة بلحاج في تطوان بالمغرب. أيضًا خَصَّصَتْ أروى القيروانية ([29]) وَقْفًا سكنيًّا وتعليميًّا تَسْكُنُهُ الأرامل مِمَّنْ يَلِدْنَ الإناث من دُونِ الذكور، بالإضافة إلى النِّسَاء غير المتزوجات، وحرصت على تدريب المُنتسِبَات في هذا الوقف على امتهانِ صَنْعَةٍ وحرفةٍ ما؛ ما يُعَزِّزُ تعليمَهُنَّ الاستقلال المالي بشكل تدريجي بعيدًا عن إعانة الوقف الدائمة لَهُنَّ (حميد، 2011؛ خفاجي، 2003؛ الرديني، 2023؛ السرجاني، 1999؛ العمر، 2010؛ عمر، 2023).

     ومن زاوية أخرى، نَصَبَتِ الجاريةُ بنفشا جسرًا من الحديد في الرَّقَّة لِلرَّبط بين ضفَّتَيِ النهر، وأوقفت أروى الصليحية في اليمن أوقافًا كثيرةً؛ للعناية بالثروة الحيوانية شملت خِدْمَاتُها مجالات متعددة من توفير أراضي الرعي إلى شراء الفحول، وأوقفتِ السيدة مسعودة شاؤول([30]) ثروتها جميعها، وما وَرِثَتْهُ من زوجها لإدارة الأوقاف السُّنِّيَّة في مملكة البحرين، ولتشجيعِ حفظِ القرآن الكريم ورعاية اليتامى؛ بما في ذلك منزلها الذي كانت تسكن فيه، وأوقفت منيرة أحمد محمد العويض في مصر؛ أوقافًا يُوَجَّهُ رَيْعُها لرعاية المُعَوَّقِين، بالإضافة إلى أَنَّ الأميرة العنود بنت عبد العزيز([31]) أوقفت ثُلُثَ مالِها؛ لِتُصْرَفَ في مجالاتٍ عِدَّةٍ في المملكة العربية السعودية، منها: توفير الأضاحي، والسُّقيا، وعمارة المساجد، والصدقة على الفقراء، وتم تنظيمها لاحقًا لِتُعْرَفَ حاليًّا بمؤسسة العنود الخيرية في الرياض([32](حميد، 2011؛ خفاجي، 2003؛ الرديني، 2023؛ السرجاني، 1999؛ العمر، 2010؛ عمر، 2023).

ثانيًا: التَّطوُّر التاريخي للوقف النِّسَائِي في سلطنة عُمَان خاصَّةً:

       يُظْهِرُ التَّتَبُّعُ التاريخي لِتَطَوُّر الوقف النِّسَائِي في سلطنة عُمَان؛ وجودَ الكثير من الوصايا التي تَظْهَرُ مبادراتٍ فرديَّةً للمرأة العُمَانِيَّة في مجال الأوقاف ([33])، والتَّالي يوضح سَرْدٌ مُبَسَّطٌ لأوقاف المرأة العُمَانِيَّة: 

فمثالًا في المجال الديني: بَنَتْ عائشة العبرية ([34]) مسجدَ الصاروج بولاية الحمراء([35])، كما أوقفت نصيبًا لها من ماء فلج العراقي بولاية عبري؛ لصيانتِهِ ولتوفير وجبات إفطار الصائمين لِمُصَلِّي المسجد في شهر رمضان. كما أوقفت موزة بنت بلعرب اليعربية مسجدَيْن، وأوقفت فاطمة المزروعية من أهل الرستاق رَيْعَ بستان تَمْلِكُهُ يُسَمَّى بستان القبَّة لمسجد جامع العلاية بالرستاق. أَمَّا السيدة ثريا البوسعيدية([36]) فقد أوقفت غرفة ([37]) الرمامين الجميلة لمسجد الوكيل([38]) الذي احتضن حلقات لطلبة العلم لدراسة علوم القرآن واللغة والفقه والتوحيد وغيرها، كما أوقفت أيضًا غرفة أخرى لمسجد المقحم في ولاية بوشر(الشيباني، 2004؛ الشقصية، 2000؛ العدوي، 2016). 

أَمَّا مجال العناية بنشرِ العلوم والمعارف: أوقفت ضنُوه بنت راشد بن عمر الخفيريَّة ([39]مدرسةً لِيُدَرَّسَ فيها العلم الشرعي في ولاية نزوى، مع خزانة كتب مخطوطة  ([40])، واهتمَّت زيانة ابنة سلوم بن سعيد الأمبوسعيدية بتأسيس مكتبة علمية([41])؛ يَقْصِدُها طلبة العلوم الشرعية خاصَّةً عِلْم الميراث، وتُمَثِّلُ المكتبةُ الوقفية بِبَهْلَا للفقيهة عائشة الريامية مصدرًا رئيسًا لطلبة العلوم الشرعية بِبَهْلَا، أَمَّا الشيخة نضيرة الريامية ([42]) فقد أوقفت مدرسةً علميَّةً بها مكتبة علمية تَضُمُّ عشرات المخطوطات النفيسة، كما خَصَّتْ طلبةَ العلم بالصدقات، وعَيَّنَتِ السَّيِّدَةُ ثُرَيَّا البوسعيدية وكيلًا عنها مَهَمَّتُهُ توزيعُ ما أوقفتْهُ من أموال على الدارسين وطلبة العلم يُدْعَى الشيخ سليمان الريامي. كما اهتمَّتِ العالمةُ الجليلة عائشة العامرية بوقفٍ من نوعٍ آخَرَ هو نَسْخُ الكتب العلمية للطلبة، فقد كتبت بِخَطِّ يَدِها كتابًا في الميراث([43])؛ وكذلك نهجت الشيخة زوردة بنت عبدالله بن محمد الكندية منهجها في نَشْرِ العلم، فانطلق من المكان الذي اتَّخَذَتْهُ مُصَلّى مركزًا علميًّا نِسَائِيًّا يهتمُّ بالأمور الدَّعَوِيَّة والإصلاحية؛ وتأتي هذه الأوقاف إيمانًا مِنْه صاحباتها بأهمِّيَّة توسيع ثقافة طلب العلم على النِّسَاء(الشيباني، 2004؛ الشقصية، 2000؛ العدوي، 2016). 

أَمَّا في مجال الخِدْمَات الاجتماعية العامة: أوقفتِ السَّيِّدَةُ ثُرَيَّا البوسعيدية أرضًا لها لتكون مقبرة، كما أوقفت غرفة خاصة في بيتها لإعداد نوع تقليدي من الأسماك يُعَدُّ بطريقة تُسَمَّى "خرس المالح" لِيُوَزَّعَ على الفقراء([44])، أَمَّا شمسة الخليلية ([45]) فقد ورثت عن أبيها الأموال الكثيرة؛ صَرَفَتْها على شراء البساتين ووَقْفِها؛ لكفالة الفقراء والمساكين، وأوقفت أيضًا موزة اليعربية أرضًا لتكون مقبرة، وتبرَّعت بأكثر من عشرين نخلة مع مائِها لوجوه الخير المختلفة (الشيباني، 2004؛ الشقصية، 2000؛ العدوي، 2016). 

ولعل سبب تسابق النساء العمانيات في رعاية الفقراء وإطعامهم ومساعدتهم حتى تسد حاجتهم وتكون لديهم الكفاية، رغبتهن في الدخول ضمن الفئة التي مدحها الله -عز وجل- بإطعام الطعام، ووصفهم بأصحاب الميمنة، كما في قوله -تعالى-: { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ؛ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ؛ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ؛ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ؛ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} (البلد:14-18). كما عدّهم من الأبرار الذين يدخلون الجنة؛ قال -تعالى-: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}سورة الإنسان:8-9).

       بناءً إلى ما سَبَقَ، ومع شُـحِّ المصادر الدقيقة لإسهامات المرأة العمانية في المجال الصحي؛ إِلَّا أَنَّ ما تَوَفَّرَ من معلومات في المجالات الأخرى أَكَّدَتْ جهود النِّسَاء في سلطنة عُمَان على دَعْمِ وتمكينِ الوقف الخاصة بالمرأة العُمَانِيَّة في مختلف المجالات بما تَيَسَّرَ لَهُنَّ من الأموال، ومما لاشك فيه تَمَيَّزَتْ تجرِبتُها الوقفية في النهوض بأحوال النِّسَاء الدينية والتعليمية والاجتماعية، وكذلك الاهتمام برعاية الفقراء والمحتاجين؛ ما جَعَلَها نموذجًا يُحْتَذَى به، وجدير بالذكر تَمَثَّلَ جُلُّ هذا العطاءُ في خدمة الدين وطلبة العلم، كَوْنُ الواقفات من العالمات الزاهدات، فما تَحَقَّقَ من حركة علمية ومعرفية واقتصادية في سلطنة عُمَان يُشَكِّلُ رسائلَ مُلْهِمَةً تبعث بالكثير من الأمل للفتيات والنِّسَاء في سلطنة عُمَان والإقليم على حد السواء؛ لتكونَ الأعمالُ الوقفية أولويَّةً في حيواتِهِنَّ، كما استفادتِ النِّسَاءُ في سلطنة عمان من الأوقاف التي يعود رَيْعُها للمرأة كتعمير الحمَّامات العامة ([46]) التي يتم إنشاؤُها لِلنِّسَاء على الأفلاج في ولايات محافظة الداخلية (العمر، 2010).

ثالثًا: الأوقاف التي خَصَّتِ النِّسَاءُ بمنافعِها ورَيْعِها ما ذَكَرَهُ القدومي (2016)

مُلَخَّصُهُ على النَّحو التَّالي: تم تخصيصُ وَقْفٍ لِلزِّوَاجٍ؛ ليتكفَّلَ بتزويج الشباب والفتيان العُزَّاب مِمَّنْ ضاقَ بهم الحال، أو عَجِزَ أولياؤُهُم عن توفير نفقات الزِّواج وتقديم المُهُور، ووَقْفُ تزويج المكفوفين؛ كوقفِ دار الشيوخ في فاس، ووَقْفِ إعارة الحِلْيَة؛ الذي يستعير الفقراء منه ما يَلْزَمُهُم في أفراحهم وأعراسهم من حُلِيٍّ، أَمَّا وَقْفُ الغاضبات الذي تأوي إليه النساء اللَّاتي يقع نفورٌ بينَهُنَّ وبُعُولَتِهِنَّ؛ كدارِ الدقة في مراكش، فَلَهُنَّ أَنْ يَقُمْنَ به حتَّى يَزُولَ النفور والخلاف مع أزواجِهِنَّ. ويعطي وَقْفُ الأواني الإماءَ والخدمَ بديلًا عن الأواني التي تَسَبَّبُوا بكسرِها، ليتجنَّبُوا العقاب من أسيادهم، ووَقْف المُرَابِطَات الذي يقع في القدس؛ الذي خُصِّصَ لِلنِّسَاء الزائرات للمسجد الأقصى، وفَقَدْنَ مَنْ كان برفقتِهِنَّ من مَحَارِمِهِنَّ؛ فَيَبْقَيْنَ فيه حتَّى يأتي من محارِمِهِنَّ مَنْ يأخذُهُنَّ لِدِيَارِهِنَّ، ومن أجمل الخِدْمَات التي خُصَّتْ بها النِّسَاءُ هو وَقْفُ الحليب للمُرْضِعَات، وهو وقفٌ أسبوعي وُضِعَ على أحد أبواب قلعة صلاح الدين في القاهرة يكفلُ حاجة الأمهات من الحليب والسكر. 

     ويُلَاحَظُ أَنَّ الأوقاف النِّسَائِيَّة في أغلب الدول الإسلامية مَرَّتْ على مدار مُدَدٍ زمنيَّةٍ مختلفةٍ بحالات من الازدهار والانتعاش، تَلَتْهَا حالات الركود والتراجع عن تأسيس أوقاف جديدة ذات قيمة استثمارية، كما اقتصر الدور التنموي للأوقاف على الـدور التقليدي الذي عُرِفَتْ به في الغالب، الذي هو تمويل بعض المساجد والمدارس القرآنية، أو الانتفاع ببيعِها بصفة مباشرة؛ ويعود الأمر لأسبابٍ عِدَّةٍ، لعلَّ أهمَّها: طَمَعُ الحكومات المتعاقبة في السيطرة على الحجم الكبير من الأملاك الوقفية؛ ما أدَّى إلى تراجُع كبير في حجم وأداء الوقف النِّسَائِي في هذه الدُّوَل (عبد اللطيف، 2014). أيضًا أَحْجَمَ عددٌ كبير من الرجال والنِّسَاء على حَدِّ السَّواء عن إنشاء أوقاف جديدة؛ نتيجةَ اعتقادِهِم أَنَّ الوقف ما هو إِلَّا نشاط حكومي تُنْفِقُ الدولة عليه بسخاء، وتقوم من خلالِهِ على إنشاء المدارس والمساجد والمستشفيات والجامعات وغيرها، بالإضافة إلى ارتفاع قِيَمِ الأراضي والعقارات؛ لذلك فَإِنَّ غالبية الأوقاف القائمة هي من تراث الأجداد (وزارة التربية والتعليم العُمَانِيَّة، 2018). إِلَّا أَنَّ عصرَنا الراهن شَهِدَ استثمار مبادرة الأسهم الوقفية، وصناديق الوقف الخيرية في خدمة المجتمع؛ التي تهدُفُ إلى مشاركة أكبر عدد من عموم أفراد المجتمع على اختلاف قدراتهم الاقتصادية في تأسيس الأوقاف الجديدة عبرَ المساهمة بالتَّبرُّع النقدي في وَجْهٍ من أَوْجُهِ التكافل الاجتماعي. الجدير بالذكر أن مشروع الأسهم الوقفية بدأ في سلطنة عُمَان([47])، والكويت في العام  1999م([48])، أَمَّا مبادرة الصناديق الوقفية، فنجحت في ماليزيا والكويت والسودان بإنشاء أوقاف إسلامية ضخمة (أحمد، 2014؛ عليان، 2013؛ مهدي، 2003). 

       بناءً إلى ما سَبَقَ، تَدُلُّ نماذجُ أوقاف النِّسَاء كلُّها في العالم الإسلامي وسلطنة عُمَان؛ على وجود مُؤَشِّر واضح لِتَطَوُّر الوقف النِّسَائِي عبرَ التاريخ الإسلامي الذي تَمَيَّزَ بالعديد من المزايا مَكَّنَتْهُ من البقاءِ والنُّمُوِّ منذ عهد الرسول e إلى يومنا المعاصر، ما يعكِسُ تَنَامِي مكانة المرأة في المجتمعات الإسلامية المختلفة، وما النماذج التي استعرضناها إِلَّا دليل على ما قَدَّمَتْهُ المرأة من خِدْمَات مجانية من خلال نظام الوقف الإسلامي (الأرناؤوط، 2014) )؛ فقد بَلَغَ عددُ الوثائق في العهد العثماني التي وَثَّقَتْ نشاط  النِّسَاء الوقفي 2500 وثيقة وقفية (مداح، 2010؛ القدومي، 2016).

      كما إن دورُ المرأة لم يكن محصورًا على البذل في الوقفِ بذاتِهِ، بل انطلقت في مجال إدارة الأوقاف؛ حيث بلغت نسبة الأوقاف التي عُيِّنَتِ النِّسَاءُ لإدارتِها 14% (العمر، 2010). كما أطلقت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عُمَان في العام 2023م مبادرة السَّهم الوقفي (وَقْف المرأة)([49])؛ حيث تهدُفُ المبادرة إلى تأسيس مركز نِسَائِي تتوفَّر فيه البيئة التعليمية والإرشادية المناسبة لطبيعة المرأة واحتياجاتها، كما تهدُفُ إلى السماح للمرأة بالمشاركة في إدارة واستثمار أموال الأوقاف النِّسَائِيَّة الخاصة، والعامة، ويأتي ذلك بسبب تراجُع دَوْرِ المرأة الناظرة للوقف؛ نتيجة بعض العادات والموروثات الثقافية المُخالِفة للمنهجية الشرعية السَّمحة([50]). 

خاتمة البحث

من خلال هذه الإطلالة السريعة التي أغفلتِ الباحثةُ فيها - خشية الإطالة- الاهتمام بالجانب الزمني في توقيت أوقاف النساء المسلمات التي كانت الغاية من وجودها ابتغاء الأجر والثواب من الله عَزَّ وَجَلَّ، والتَّالي أَبْرَزُ النتائج والتَّوصيات:

 يعرف الوقف النِّسَائِي بما تحبسُهُ النِّسَاء من أموالِهِنَّ في سبيل الله؛ بُغْيَةَ تحقيق منفعة دينية، أم اجتماعية، أم علمية.

- اتصفت المشاركة الوقفية النِّسَائِيَّة خلال التاريخ الإسلامي كما رَجَّحَتْها الأمثلة العديدة بالمشاركة الواسعة؛ فهي إمَّا: واقفة، أم ناظرة، أم مُنْتَفِعَة؛ فكانت أوقافُها ضخمةً متنوِّعةَ المجالات: من إقامة القناطر والمستشفيات والمدارس؛ إلى تخصيص الأراضي للمقابر والرعي، وغيرها.

تَمَيَّزَتْ أوقاف النِّسَاء بالتنظيم الإداري والمالي في إدارة الوقف، لضمان استمرارية الوقف؛ فأوقافُ النِّسَاءِ لم تكن تختلف عن أوقاف الرجال من وَجْهِ الإجراءات الشكلية إِلَّا أَنَّ بعضَها تفوَّقت عليهم من وَجْهِ ضخامة الإنفاق عليها وأَثَرِها على المحتاجين.

اتَّجَهَت أغلب الأوقاف النِّسَائِيَّة؛ لخدمة الناس في المُدُن والعواصم؛ لِتَصِلَ منافعُها لشريحةٍ كُبرى من المحتاجين في المجتمعات آنذاكَ، ولأنَّ المرأةَ كانت دائمًا جزءًا من منظومة الوقف الشاملة، حَرِصَتْ أَنْ تكون أوقافها اجتماعية وعلمية بالدرجة الأولى؛ ليكونَ أَثَرُها التنموي مستمرًّا في المجتمعات الحالية، والمستقبلية.

-وَفْقَ ما وَثَّقَهُ المُؤَرِّخُون فَإِنَّ أغلب نشاط الوقف الخيري لِلنِّسَاء في التاريخ الإسلامي كان يغلب عليه انتماؤُهُنَّ إلى أُسَرِ الحُكَّام والأمراء والوزراء، ولم تُسْعِفْنَا المصادرُ المتوفرة كثيرًا في دراسة الأوقاف التي أوقفتْها عامَّةُ النِّسَاء سوى أَنَّ نسبةً منهُنَّ كُنَّ عالماتٍ فُضْلَيَاتٍ، وما اشتهرت من أوقافِهِنَّ كان لأثرِها العظيم ومنفعتِها العامة، ولعلَّ الأمرَ يعود إلى رغباتِهِنَّ عند إنشاء الأوقاف في إخفاء هُوِيَّاتِهِنَّ، أم لعدمِ الاهتمام بالتوثيق الكتابي لِمَا تمَّ وَقْفُهُ، أم لحفظِ وصايا الوقف بعيدًا عن التَّداوُل والاطِّلاع العام، أم لِتَلَفِها وعدم حفظِها للأجيال اللاحقة، لكنْ يكفينا أَنَّ عطاءَ واحدة يعني وجود العشرات من أمثالِهَا.

تَطَوَّرَتْ طبيعةُ الوقف النِّسَائِي ونوعيَّتُهُ بعد اتِّسَاع الدولة الإسلامية، وتنوُّع مصادر الدخل فيها، وارتفاع المستوى المعيشي لدى أفرادها من التَّوجُّه إلى رعاية الفقراء والمساكين والموالي والصدقة عليهم؛ لتشملَ توفير المياه للحُجَّاج وتسبيلها سواءٌ في الطُّرُق المُؤَدِّية لِلْحَجِّ أم المشاعر المقدسة، والاهتمام بالتعليم والصحة العامة، والعناية بالفقراء في المناسبات المختلفة كالأعراس والأعياد.

لاحظنا عدم اهتمام المؤسَّسات الدينية الحالية بعملية توثيق أعمال المرأة الوقفية وإعلانها في زمننا الحاضر بصورة تُسْهِمُ في تشجيع مثيلاتِهِنَّ من النساء على البذل والعطاء؛ بل ظلَّ التركيز الإعلامي غائبًا عن فعَّاليَّات وأنشطة الوقف النِّسَائِي بشكل عام، مع إِنَّ متوسط المشاركة النِّسَائِيَّة في الأوقاف تُمَثِّلُ، وَفْقَ دراسة حافظ (2009)؛ نَحْوَ 25% من حجم الأوقاف الحالية في العالم الإسلامي، كما ترتفع النسبة في الدول الخليجية لتصلَ إلى 40 %؛ الأمر الذي يعكِس الدَّوْرَ الإيجابي لرغبة المرأة نحو تفعيل مسؤوليتها الاجتماعية التي تُخَفِّفُ احتياجاتِ الفقراء في المجتمع. 

- تُعَدُّ مبادرةُ السَّهم الوقفي من أهمِّ المبادرات الحديثة لإحياءِ سُنَّةِ الوقف؛ من خلال التَّبَرُّع بمقدارٍ ماليٍّ مُحَدَّدٍ؛ لإقامة مشروعات يعود رَيْعُها للفقراء والمساكين وغيرهم، وتتميَّزُ سلطنةُ عُمَان بالانفراد بتخصيص سَهْم "وقف المرأة الديني" لدعمِ مشروعات تعليم المرأة وإرشادها دينيًّا.

- تُوصِي الباحثة بتمكين المرأة للإسهام بفعَّاليَّة في تطوير المجتمع الذي تنتمي إليه متى استطاعت إلى ذلك سبيلًا؛ بصورةٍ لا تتعارض مع دورِها الأساسِ في الأسرة، ولا ينبغي أَنْ يَنْحَصِرَ فيه؛ بل لا بُدَّ أَنْ تجتهد في القيام بدورها الحيوي للإسهام الاجتماعي من خلال إنشاء الأوقاف المتنوعة التي تنطلق من مقاصد الشريعة الغَرَّاء، وَفْقَ الضوابط الشرعية الصحيحة التي تنهض بإسهامات المرأة الوقفية في إثراء التكافل المجتمعي، والعمل على إنمائِهِ وتطويرِهِ.

- كما تُوصِي بضرورة اجتهاد النِّسَاء من خلال الاقتداء بِمَنْ سَبَقْنَها من المُسْلِمَات خلال العصور الإسلامية المختلفة في توفير الأموال لِتُشِيدَ أوقافًا في المجالات المختلفة ولو كان على هيئةِ سَهْمٍ وَقْفِيٍّ؛ عِوَضًا عن التَّبَاهِي بشراء المجوهرات الباهظة، والألبسة ذات العلامات التجارية، والسيارات الفارهة التي لا تُغْنِي ولا تُسْمِنُ من جوع. 

المراجع

ابن قُدَامَة؛ عبد الله بن محمد بن قُدَامَة. (1997). المُغْنِي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي؛ عبد الفتاح الحلو، الجزء الخامس، ط3، دار عالم الكتب.

ابن منظور، أبو الفضل محمد بن مكرم. (د.ت). لسان العرب، صَحَّحَهُ: أمين عبد الوهاب ومحمد العبيدي، ط2، دار إحياء التراث العربي.

أحمد، عمر عبد الله حميدة. (2014). المرأة والأوقاف في السودان. مجلة الدراسات السودانية، 20، 73 -98.

الأرناؤوط، محمد. (2014). وَقْفُ المرأة في عالم الإسلام: مقاربة جديدة لمكانة المرأة في المجتمع، جداول للنشر والتوزيع.

باشطح، فوزية. (2023). أوقاف المرأة في الحضارة الإسلامية: الوقف العلمي، مركز المسبار للدراسات والبحوث. 

بني حمد، فيصل عبد الله. (2015). دور السيدة زبيدة في العمل الخيري في مكة. العرب، 51 (5)، 261 -300.  

حافظ، فاطمة. (2009). أوقاف النِّسَاء: رُؤْيَةٌ في الدَّور الحضاري. الوعي  الإسلامي، 46 (532)، 33.

حسين، عقيلة رابح. (2021). إسهامات الوقف النِّسْوِي في التَّطوُّر العلمي: دراسة تاريخية تقييمية. المجلة الدَّوْلِيَّة للآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، 36، 141-165. 

الحموي، ياقوت بن عبد الله. (1993). معجم البلدان، الجزء الخامس، دار صادر للنشر.

الخصاف، أبو بكر أحمد بن عمرو الشيباني. (د. ت). أحكام الأوقاف، مكتبة الثقافة الدينية.

خفاجي، ريهام أحمد. (2003). أوقاف النِّسَاء: نماذج لمشاركة المرأة في النهضة الحضارية: دراسة للحالة المصرية في النصف الأول من القرن العشرين. أوقاف، 3(4)، 11-40.

الدريويش، أحمد بن يوسف. (2000، فبراير 25-26). الوقف: مكانتُهُ وأهمِّيَّتُهُ الحضارية. [عرض ورقة] ندوة مكانة الوقف وأَثَرُهُ في الدعوة والتنمية المُنعقِدَة بمكة المكرمة في الفترة بين 18 -19 شوال 1420هـ، منشورات الشؤون الإسلامية والأوقاف، 146-237.

الدهاس، فواز. (2000، فبراير 25-26). الوقف: مكانتُهُ وأهمِّيَّتُهُ الحضارية. [عرض ورقة] ندوة مكانة الوقف في الدعوة والتنمية المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة بين 18 -19 شوال 1420هـ، منشورات الشؤون الإسلامية والأوقاف، 1-42.

الرديني، ريم سعود سالم. (2023). أوقاف المرأة المسلمة في مصر زمن سلاطين المماليك "648-923 هـ. / 1250-1517 م.": دراسة تاريخية. حوليات آداب عين شمس، 51، 359 -378. 

الزفتاوي، صفاء محمد. (2013). دور المرأة في النشاط الاقتصادي- نموذج: أوقاف النساء" مُقَرَّر الاقتصاد الإسلامي"، جامعة زايد.

السدلان، صالح بن غانم بن عبد الله. (1995). أحكام الوقف والوصية والفرق بينهما، ط 2، دار بلنسية.

السرجاني، راغب. (1999). روائع الأوقاف في الحضارة الإسلامية، دار الورَّاق، بيروت.

سيد سابق (2004). فقه السنة. دار الفتح للأعلام العربي.

الشقصية، بدرية بنت حمود. (2000). السيرة الزكية للمرأة الإباضية. مطابع العالمية.

الشيباني، سلطان بن مبارك بن حمد. (2004). معجم النساء العُمَانِيَّات: دليلٌ تاريخيٌّ في تراجم أشهر النِّسَاء في تاريخ عُمَان المَاجِدَة. مكتبة الجيل الواعد.

صداح، أميرة بنت علي. (2005). الأوقاف العثمانية بمكة ودور المرأة فيها: وقفية كولنوش والدة سلطان نموذج. مجلة رسالة المشرق، 16(3)، 373 -436.

عبد اللطيف، ياسين هشام ياسين. (2014). دور الوقف الإسلامي في التنمية العمرانية [رسالة ماجستير غير منشورة]. جامعة القاهرة.

عبد الله، محمد بن عبد العزيز. (1995). الوقف في الفكر الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية. 

العدوي، خميس بن راشد بن خميس..(2016)  الوقف العلمي في بَهْلَا: ماضِيهِ وحاضرِهِ، مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية بجامعة نزوى.

عقيلة، حسين. (2022). دور أوقاف النِّسَاء في النهضة العلمية في المجتمع المسلم مَشْرِقًا ومَغْرِبًا، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر.

علي، هند. (2007). الأميرة فاطمة بنت إسماعيل: الوقف كمشروع إصلاحي، مجلة أوقاف، 13، 93- 108.

عليان، إبراهيم خليل. (2013، يوليو 5-6). تطوير الأوقاف الإسلامية واستثمارها. تجارب الدول الأخرى [عرض ورقة] مؤتمر بيت المقدس الرابع: الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي.

عمر، بتول إبراهيم سعيد. (2023). إسهامات المرأة في الوقف. المجلة العربية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، 17، 1-22.

العمر، فؤاد بن عبد الله. (2022). الوقف وتمكين المرأة اقتصاديًّا. مجلة وقف، 5،        57 -123.   

العمر، فؤاد عبد الله. (2011). إسهام الوقف في العمل الأهلي والتنمية الاجتماعية. الأمانة العامة للأوقاف ط2. دولة الكويت. 

فداد، العياشي الصادق. (2008، مارس 16-18). مسائل في فقه الوقف: دورةُ دَوْرِ الوقف في مكافحة الفقر، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، نواكشوط.

القحطاني، منى بنت حسین بن علي آل سهلان. (2017). أوقاف المرأة المسلمة في الأندلس وأثرها الحضاري في العصر الأموي (138-422هـ/ 756-1031م): دراسة تاریخیة حضاریة. حولية كلية اللغة العربية بجرجا،21(3) ، 27-50.

القدومي، عيسى صوفان. (2016). أوقاف النساء وإشراقاتها الحضارية.

لطيفة بورابة. (2016). جامع السيدة المندثر في مدينة الجزائر العثمانية: دراسة تاريخية وأثرية، مجلة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، 30(3)، 515 -543.

لوري، ناصر محمد. (2019). "دور المرأة في الوقف في الإسلام: إشراقات مضيئة وإسهامات حضارية" الهداية، 41(353) ، 151 -160.

مداح، أميرة علي محمد. (2010). أوقاف النِّسَاء في مكة المكرمة في العصر العثماني ودور المرأة فيها، مكتبة دار القاهرة للنشر.

مرجي، أمل سمير نزال. (2022). قراءة مقاصدية في الدور التنموي للمرأة المسلمة بين الواقع والمأمول: الوقف الخيري أُنموذجًا. المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، 18(4)، 261 -298. 

معروف، ناجي. (1959). تاريخ علماء المستنصرية. مطبعة العاني.

مهدي، محمود أحمد. (2003). نظام الوقف في التطبيق المعاصر: نماذج مختارة من تجارب الدول والمجتمعات الإسلامية. البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب.

موسوعة الحديث الشريف. (2016). وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. دولة قطر.

وزارة التربية والتعليم. (2018). كتاب مادة التربية الإسلامية للصف العاشر للفصل الدراسي الثاني. سلطنة عُمَان.

 


 


[1] - أَخْرَجَهُ مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، رقم: 1631.

[2] - تنوَّعتِ التعريفات للوقف بين الفقهاء والقانونيِّين والاقتصاديِّين تَبَعًا لاختلافهم في إثبات نوع الملكية. 

[3] - أَخْرَجَهُ البخاري في كتاب البيوع، باب الوقف، رقم: 2772.

[4] - أَخْرَجَهُ ابن ماجه في كتاب المقدِّمة، باب ثواب معلم الناس الخير، رقم: 242. 

 

[5] - يشير مصطفى (2007) إلى أَنَّ تقسيم الوقف إلى أهليٍّ وخيريٍّ، ومُشترَكٍ، هو تقسيم غير معروف في فقهِ الوقف؛ إِنَّمَا هو تقسيمٌ عُرْفِيٌّ ثَبَّتَتْهُ المؤسَّسات الرسمية لتسهيل إدارة الأوقاف. 

[6]- أضاف قانونُ الأوقاف العُمَانِي الصادر في عام 1421هـ / 2000 م نوعًا آخَرَ من الوقف يُعْمَلُ به ويُمَيَّزُ به بين أنواع الوقف في سلطنة عُمَان، كما ذَكَرَ في الفصل الأول من المرسوم، وذلك وَفْقَ وقت اعتبار تنفيذ الوقف، ويَضُمُّ: أَوَّلًا، الوقف المُنْجَز: الذي يُنَفَّذُ في الحال وَفْقَ صياغته، والوقف المُضَاف: الذي يُؤَجَّلُ تنفيذُهُ إلى وقت وفاة الواقف.

 

[7] - نظرًا لقلة المراجع العلمية التي تيسر للباحثة الاطلاع عليها؛ اتجهت إلى الاعتماد على ما ذُكِرَ عن أوقاف النِّسَاء في المؤلَّفات التاريخية من كُتُب السِّيَر والتراجم، والكتب الفقهية.

[8] - السيدة حفصة – رضي الله عنها- عَهَدَ إليها والدُها الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بِمَهَمَّة الإشراف على بعض الأوقاف التي يملِكُها في حالِ وفاتِهِ.

[9] - أَخْرَجَهُ مسلم في كتاب المساجدومواضعالصلاة، باب:  فضل بناء المساجد والحث عليها. وذَكَرَهُ أيضًا في الزهد والرقائق، باب: فضل بناء المساجد، رقم: 533.

[10] - برزت أوقاف الخيزران أُمِّ الخليفتَيْن العبَّاسيَّيْن موسى وهارون في العصرالعباسي أثناء حَجِّها عام 171 هـ، الموافق 787م بشراء الدار التي وُلدَ فيها الرسول e من وَرَثَةِ محمد بن يوسف الثقفي، وجعلتْها مسجدًا يُصَلَّى فيه؛ حيث يُطِلُّ على طريق ضيق عُرِفَ بطريق المولد، وفي عام 1951م قام الملكعبد العزيزبنعبد الرحمنآلسعود بتحويل الدار من مسجد إلى مكتبة سُمِّيَتْ مكتبة مكة المكرمة، ولا تزال هذه الدارُ قائمةً في موضعها حتى الآن.

[11] - وَجَّهَتْ مريم الفهري ببناء جامــع الأندلسيِّين في مدينة فــاس المغربية في العام 859م، ويُسَـَّـمى هــذا الجامع الشــقيق الأصغر لجامع القرويِّين (لوري، 2019)؛ مما يجعلُهُ من أقدم مساجد العالم، كما يَضُمُّ الجامعُ مجموعةً من القِطَع الفنية التي صُمِّمَتْ خِصِّيصًا من أجلِهِ؛ كالإسطرلاب المسطح المُعَدِّ من قِطَع متراكبة منقوشة ومنحوتة لقياس الكواكب، وجهاز ضبط مواقيت الصلاة، ومنبر الجامع يُعَدُّ ثاني أقدم منبر في المغرب العربي الكبير بعد منبر مسجد عقبة في القيراون (https://www.marefa.org).

[12] - تُعْرَفُ المرأة التي بنت جامع السيدة بِاسْمِ "لالة فاطمة نسومر"؛ اشتهرتْ بِنِضَالِها الكبير في القرن الـثامن عشر ضِدَّ المستعمرين.

[13] - تُعَدُّ منارةُ مسجد الخفافين أقدمَ منارة عُرفت في بغداد.

[14] - أُطْلِقَ على مسجدُ النارنج هذا الاسمُ؛ لأنَّ نارنجَهُ لا ينقطع أبدًا، والنارنج عبارة عن شجرة معمرة دائمة الخضرة تنتمي إلى جنس الحمضيات

[15] - أروى بنت أحمد الصليحي هي ملكة الدولة الصليحية في اليمن، وهي الملكة الأولى في الإسلام؛ تُلَقَّبُ بـ "السيدة الحرة" الذي عُرِفَتْ به أكثر من اسْمِها في كتب التاريخ.

[16] - تُعَدُّ السَّيِّدَةُ زينب بنت محمد علي باشا من أشهرِ واقفات الأسرة العلوية في مصر؛ فقد أوقفت ما يُدِرُّ على الأزهر عشرين ألف جنيه، وكَفَلَتْ 400 أسرة من الفقراء والمحتاجين (علي، 2007).

[17] -  نافستِ الجاريةُ خالصة خادمة الخيزران سيِّدَتَها في وَقْفِ ماء السبيل وإنشاء البِرَك والسُّدود وتعبيد الطُّرُق في بعض محطات طريق الحَجِّ وفي المشاعر المقدسة؛ فكانت أُوْلَى مَنْ أَحْدَثَ سقَّاياتٍ في المسجد النبوي.

[18] - عُرِفَتْ خلال تلك الحِقْبَة الزمنية بِاسْمِ "ميضات"، ومنها ما أُنْشِئَ على باب أجياد على مدخل الحرم المكي.

[19] - جمعتِ السَّيِّدَةُ زبيدة العلماء والمهندسين في 194 للهجرة، وأمرت بإجراء المياه من بغداد إلى مكة، فأنشأت شبكة تاريخية من قنوات المياه في مكة المكرمة - استغرق بناؤُها 10 سنوات - وظلت تَمُدُّ الحجيج والمعتمرين بالماء لِمَا يقارب 1200 عام على طريق الحج بين العراق ومكة، وسُمِيِّ الجزءُ الواقع من هذا المشروع الضخم في العراق بــــ "درب زبيدة"؛ الذي امتدَّ إلى مسافة 1400 كيلومتر، وتَمَيَّزَ بقيمة استثنائية بِعَدِّ إسهامِهِ في تقريب البلدان والثقافــات على طــول الطريق، بالإضافة إلى تصمـيـِمِه الهندسي الدقيق، أَمَّا في مكة فُسُمِّيَ بــ" عين زبيدة"؛ فهي تَسُـدُّ العينَ مــن قناة مكــة إذا اقترب وقــت الحج، وتُوَجَّهُ إلــى قنــاة عرفة ومزدلفة ومِنَى ثم تُفْتَحُ العينُ مع نهاية موسم الحج لتعود إلى مكة، بالإضافة إلى ذلك أمرت زبيدة أيضًا بعددٍ من الأوقاف الإسلامية في مكة المكرمة؛ من أجل ضمان استمرارية عطائِها في سَقْيِ الحجاج والمعتمرين بعد وفاتها، وهذه الأوقاف لا تزال موجودة إلى يومنا هذا، وقــد بلــغت تكلفــة هذا المشــروع مليــون وســبع مئة ألف مثقــال ذهــب (بني حمد، 2015؛ الخياط، 1982؛ السرجاني، 1999؛ الدهاس، 2000؛ لوري، 2019).

[20] - الأربطة؛ جَمْعُ الرِّبَاط: وهي الأماكن التي يتم إعدادُها على الثغور للمجاهدين، وتحوَّلت مع الوقت إلى أماكن للمتفرِّغين للعبادة.

[21] - السيدة خوند تتر ابنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون.

[22] - تُعَرَّفُ الكراسيُّ العلميَّةُ أنَّها وحدة أكاديمية تنشأ في الجامعة بهدف تهيئة البيئة البحثية لِلنُّمُوِّ في مجال علمي متخصِّص.

[23]. (https://web.archive.org)- 

[24] -  قـُـدِّرَتْ تكاليف البناء بـ 18 ألف جنيه، وكان مبلغًا ضخمًا حينها. 

[25] -بُنِيَتِ المستشفى على نهر دجلة في منطقة سوق يحيى، وعُيِّنَ فيها مسؤولَ الأطباء والمشرفَ عليهم سنانُ بن ثابت، ورَصَدَت أُمُّ الخليفة المقتدر نفقاتٍ شهريَّةً على أعمال المستشفى والعلاجات والرَّواتب بلغت 600 دينار.

[26] - خاصكي السُّلطان أو خاصكي سُلْطَان: هو لقَبٌ عثماني يشير إلى الزوجة الرَّئيسة لِلسُّلطان، وأُولَى مَنْ حصلت عليه هي خُرَّم سُلطان.

[27] - حَوَّلَ كمالُ أتاتورك مستشفى السلطانة توربانة إلى مخازن لِلتَّبغ.

[28] - التكيَّة جمع تَكَايَا؛ وهي من المنشآت الدينية في العصر العثماني التي تخصص لإقامة المنقطعين للعبادة، كما تُقَدِّمُ المساعدة لعابرِي السبيل.

[29] - تشتهر أروى القراونية بِأُمِّ موسى الحميرية.

[30] - بنت تاجر يهودي أسلمت في النصف الثاني من القرن العشرين، وتزوَّجت من تاجر بحريني اسمه محمد علي أمين.

[31] - أوقفتِ الأميرة العنود بنت عبد العزيز آل ســعود -رحمها الله - زوجــة الملك فهد بن عبد العزيز آل ســعود -رحمه الله؛ ثُلُــثَ مالِهــا، وهي في عُمُـِـر 36 عامـًـا؛ على أَنْ يُسـْـَتثْمَرَ ثم يُصْرَفَ عائــده في الأعمال الخيرية التي تُدِيرُها مؤسســة العنــود الخيرية (لوري، 2019).

[32]. http://alanood.org.sa/Ar/Pages/home.aspx-

[33] - منها: مخطوطات الأوقاف والوصايا الموجودة في مكتبة الشيخ المُؤَرِّخ سيف بن حمود البطاشي.

[34] - والدُها محمد بن يوسف بن طالب العبري؛ كان واليًا زمن اليعاربة، وقد تزوَّجت من الفقيه سالم بن خميس العبري؛ صاحب كتاب «فواكه البستان».

[35] - سُمِّيَ مسجدُ الصَّاروج بهذا الاسم؛ لأنَّه بُنِيَ بالصَّاروج والحجارة، والصَّاروج هو نوعٌ من الطين المحروق عند درجة حرارة معيَّنة؛ يتم تحضيرُهُ من خلال تجميع التربة التي تكون خالية من الأملاح والشوائب كتربة ولايةنخل ذات اللون المائل إلى الاحمرار، وبالأخصِّ بالقرب من المناطق الجبلية، فتتحوَّل التربة إلى مادة أشبه بالإسمنت. وتتميَّزُ المباني الصَّاروجية بِقِلَّة تأثير عوامل التَّعرية عليها كالأمطار، وطول بقائها، كما إِنَّ البناء بها يَدُلُّ على فخامة المبنى ويُسْرِ الباني وجُودِهِ؛ يُسَمَّى حاليًّا بمسجد السحمة.

[36] - السيدة ثريا بنت محمد بن عزان البوسعيدية، ابنةُ عَمِّ الإمام عزان بن قيس (ت: 1287هـ)؛ أقامت في بوشر، ثم في بيت الوكيل. 

[37] - تُعْرَفُ في المصطلح المُوَثَّق محلِّيًّا بالمقصورة؛ وهي عبارة عن غرفة صغيرة أفقية مرتفعة، منفصلة عن حجرات البيت، وتُسْتَخْدَم في الغالب لتخزين الأغراض.

[38] - كان وكيلُ المسجد في ذلك الوقت الشَّيْخَ سليمان الريامي.

[39] - بَلَغَ من شِدَّةِ حِرْصِها على العلم أَنَّ الناس كانوا يضربون بها المَثَلَ لبناتِهِم على صورة التوبيخ؛ قائلين للبنت: "تَرَاكِ لَسْتِ ضنوه".

[40] -  المخطوطة: هي عمل كتابي أصيل، وتكون إِمَّا مكتوبةً بِخَطِّ اليد، أم بالآلة الكاتبة، وما يُمَيِّزُها عن غيرها من المصادر هو كونُها النسخة الأصلية الأولى من عمل المؤلِّف.

[41] - زَخَرَتِ المكتبةُ بمكنونات الكُتُب النفيسة، والمخطوطات الثرية؛ كبيان الشَّرع، والمُصَنَّف، والضياء.

[42]وُلِدَتْ ببلدة مَعْمَد في ولاية منح؛ اشْتُهِرَتْ بطلبِ العلم، وحفظِ القرآن، ونَظْم الشَّعر، والأراجيز الفقهية.

[43] - اسْمُ الكتاب "المُهَذَّب المُتَخَصِّص في علمِ الميراث".

[44] - يُطْلَقُ على طريقة تخزين السَّمك المُمَلَّح "المَالِح"، وقديمًا كان المالِحُ يُصْنَعُ؛ لِيُخَزَّنَ في أوانٍ فخَّارِيَّةٍ تُسَمَّى (خُرُوس)، والواحدُ منها يُسَمَّى (خَرْس).

[45] - اتَّصَفَتْ بالكرم والسَّخاء؛ والدُها العالِمُ المُحَقِّقُ الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، وتزوَّجتِ الأمامَ عزان بن قيس البوسعيدي. 

[46] - يُطْلَقُ عليها محلِّيًّا "المَجَائِز" أيضًا.

[47] - حَدَّدَتْ وزارةُ الأوقاف والشؤون الدينية العُمَانِيَّة مقدارَ السَّهم الوقفي بعشرة ريالات عُمَانِيَّة.

[48] - وفي الإمارات منذ عام (2001م)، كما أَطْلَقَتِ النَّدوةُ العالمية للشباب الإسلامي بمنطقة مكة المكرمة في عام (2006م)؛ مشروعَ الأسهم الوقفية.

[49] - يأتي السَّهمُ الوقفي (وَقْفُ المرأة) في سلطنة عُمَان تَزَامُنًا مع تخصيص عام 2023م عامًا للوقف.