التطور الحضاري في شرق أفريقيا خلال حكم السيد سعيد بن سلطان (1806-1856م)

الباحث المراسلد. سليّم الهنائي قسم التربية - جامعة نزوى
فاطمة الكعبي وزارة التربية والتعليم
سميه المنذري وزارة التربية والتعليم
أفراح الحربي وزارة التربية والتعليم
الريان الجساسي وزارة التربية والتعليم

Date Of Submission :2023-12-31
Date Of Acception :2024-01-20
Date Of Publication :2024-04-02
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share

التطور الحضاري في شرق أفريقيا خلال حكم السيد سعيد بن سلطان (1806-1856م)

 

 

 

 

 

 

الملخص

تعود العلاقات بين عمان وشرق إفريقيا إلى القرن الثاني الميلادي، حيث استقر العمانيون على امتداد الساحل الشرقي لأفريقيا؛ ويعزى ذلك إلى الكثير من العوامل التي ساعدت العمانيون للوصول إلى شرق إفريقيا، منها الظروف المناخية المتمثلة في هبوب الرياح الموسمية وكذلك القوة البحرية والأسطول في عهد السيد سعيد بن سلطان.

كان اتصال العمانيين بشرق أفريقيا في بدايتها بهدف التجارة وكذلك عمليات تبادل السلع والبضائع المختلفة، ولكن لاحقاً توسعت العلاقات بين عمان وشرق إفريقيا في فترة حكم السيد سعيد بن سلطان لتشمل الكثير من المجالات المختلفة من أهمها الجانب الحضاري بمختلف مجالاته، وذلك مع ظهور الإسلام وتفوق العمانيون في الملاحة البحرية لشرق إفريقيا، فقد ساهم كل ذلك في ترسيخ العلاقات بين عمان وشرق إفريقيا. 

الكلمات المفتاحية: عُمان، شرق أفريقيا، سعيد بن سلطان، حضاري

هدف البحث : يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على الأثر الذي خلفه العمانيون في شرق أفريقيا في المجال الحضاري في فترة حكم السيد سعيد بن سلطان وكيف ساهم العمانيون في نقل الإرث الحضاري إلى سكان شرق أفريقيا بالتحديد في عهد السيد سعيد بن سلطان .

منهج البحث : يقوم هذا البحث على المنهج التاريخي الوصفي في الكشف عن أثر التواجد العماني في شرق إفريقيا في العديد من الجوانب المختلفة منها الجانب الحضاري وأثره الذي يمتد ليشمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية ودور السيد سعيد بن سلطان في توطيد العلاقات بين عمان وشرق إفريقيا.

ينقسم البحث إلى ثلاث محاور رئيسة :

*المحور الأول  بدايات التواجد العماني في شرق إفريقيا

المحور الثاني  دور السيد سعيد بن سلطان في تطوير شرق إفريقيا حضارياً .

المحور الثالثأثر التطور الحضاري في شرق إفريقيا على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والنتائج المترتبة على ذلك.

المقدمة

كانت منطقة شرق إفريقيا من أوائل المناطق التي وصلت إليها هجرات المسلمين من الجزيرة العربية، ورغم ذلك لم يتعمق التواجد العربي في شرق إفريقيا إلا بوجود العمانيون، فقد كان لهم دور فعّال في خلق الكثير من البيئات التي تمتزج فيها الحضارات العربية مع الإفريقية وذلك يرجع إلى العديد من العوامل التي ساهمت في ذلك، والتي عملت على تعميق  العلاقات مع الكثير من المناطق، مما ساهم في وصول تلك الهجرات إلى شرق إفريقيا.

كان للعمانيين في عهد السيد سعيد بن سلطان علاقات متعددة مع الكثير من الدول والمناطق، بالإضافة إلى الدور الحضاري البارز الذي ظهر في تلك الفترة على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي، يأتي البحث خصيصاً ليلقي نظرة على الدور الذي لعبهُ العمانيون في التطور الحضاري بمختلف مجالاته في منطقة شرق إفريقيا ومن ذلك خلال فترة حكم السيد سعيد بن سلطان والذي لعب دوراً بطولياً رائعاً في تحقيق الكثير من الانتصارات والإنجازات العظيمة على مستوى عمان وشرق إفريقيا.

 قام العمانيون بأدوار في تاريخ شرق إفريقيا وذلك لما يتمتع به العمانيين من قوة وإرث حضاري عريق ساهم في امتزاج الحضارتين الإفريقية والعمانية مع بعضهما، بالإضافة إلى ما تحظى به عُمان من مكانة مرموقة في تاريخها العريق مما أسهم في نقل الكثير من الملامح والمتغيرات والتطورات العمانية إلى شرق إفريقيا، فقد تأثرت المجتمعات الأفريقية حضارياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً بالحضارة العمانية؛ حيث تمّ كُل ذلك خلال فترة تأسيس سلطنة زنجبار واتخاذها عاصمة ثانية لعُمان.

 

المحور الأول: بدايات التواجد العماني في شرق إفريقيا

في ضوء المنظور الثابت تاريخياً للهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا، فإن أغلب المصادر ذات الإرث القديم تؤكد أن عُمان كانت على تواصل مع شرقي أفريقيا منذ القدم؛ و ذلك لما للعمانيين من معرفة وخبرة في ركوب البحر منذ القدم، إذ ساهمت الرحلات البحرية التي قام بها العمانيون لساحل إفريقيا إلى استقرارهم في تلك المنطقة حيث أصبح وجودهم يمثل إشعاعاً حضارياً وفكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافياً؛ ومن بين تلك المناطق هي: جزر القمر، ممباسا، الصومال، زنجبار، أوغندا، جزيرة مدغشقر، كلوة، تنزانيا، وكينيا، كما توغلوا للمناطق الداخلية فقد وصلوا إلى: البحيرات الاستوائية، بحيرة ناسا، الكونغو، منابع نهر الزمبيزي، بحيرة تنجانيقا، موزمبيق، فكتوريا وغيرها ( الزدجالي،2015؛ الفريحي،2019)

اتسم شرق إفريقيا في تلك الفترة بزيادة عدد السكان الناتجة عن الهجرات العمانية؛ مما ساهم بأن يكون مركز شرقي أفريقيا ذو تأثير قوي على جميع الأصعدة؛ وذلك لأنه يعتمد على عاملين مهمين رئيسيين هما: النشاط الملاحي البحري والتجاري الاقتصادي، ومن جهة أخرى لعبت الهجرات العمانية دوراً مهماً في نشر الدين الإسلامي في شرق إفريقيا وتبادل الثقافات، وامتزاج الحضارة العمانية مع حضارات ساحل شرق أفريقيا. نتج عنها تجانس وتوثيق للعلاقات والروابط بين العمانيون والسكان في ساحل شرق أفريقيا لعدة أسباب منها التجارة والملاحة والاستيطان العربي في إفريقيا. ( ستودارد،1988؛ الزدجالي،2015)

 فكما أوضح حامد (2019) أن السيد سعيد كانت سلطته تقتصر على بعض المقاطعات التابعة لزنجبار مثل كلوة ومافيا وأيضا بمبا فقط، أما ممباسه فقد تولى حكمها عبدالله المزروعي وذلك في عام 1814 م، حيث كانت إحدى طموحاته التفرد بها وذلك ليستولي على الساحل بأكمله، فرفض أن يقدم الأموال والهدايا لسعيد بن سلطان، وقام باستبدال كل ذلك بالاكتفاء بإرسال درع وبعضاً من قطع الرصاص؛ حيث كان هذا بمثابة التحدي له. (الفريحي، 2019؛ قاسم، 2000)

 بحسب ما أشارت الفريحي (2019) أن السلطان سعيد  أراد السيطرة على أحدى المدن التابعة لزنجبار وهي مدينة لامو وذلك بطلب من أهالي مدينة لامو بسبب مهاجمة المزارعة لها في عام 1811م. عين محمد البوسعيدي والياً على مدينة لامو بالإضافة إلى محاولة إخضاع مدينة باتي بسبب الصراعات التي أخذت تدُب بين الأهالي، حيث أن المزروعي الذي كان يحكم مدينة ممباسة توجه لمد يد العون لأحد الأقسام المتصارعة، فكانت النتيجة أنه تمكنَ من السيطرةِ على المنطقة، لكن السيد سعيد لم يكن راضياً عن ذلك فأمر بإفراغ  المدينة إلا أن المزروعي لم يُعر ذلك أي اهتمام يُذكر؛  فعزم السيد سعيد بن سلطان على أن يحسم الأمر بإرسال أسطول قوي يضم  ثلاثين سفينة  تحمل أربعة آلاف جندي بقيادة حماد بن أحمد البوسعيدي  في عام 1822 م فتمكن السيد سعيد من السيطرة بالكامل على المدينة، أما المزروعي فقد عاد إلى ممباسة. (حامد،2019؛ الخريجي ،1993)

لم يكن السيد سعيد بن سلطان حاكماً فحسب بل كان تاجراً، فقد كان يمتلك العديد من السفن التجارية التي تعمل لحسابه الخاص، استطاع أن يتوقع بأن زنجبار هي المكان الملائم لممارسة التجارة على نطاق أوسع لما لها من موقع استراتيجي لتصدير واستقبال السلع التجارية. (وزارة الإعلام ،1995؛ بيربي،2002)

من أبرز الدوافع التي شجعت السيد سعيد بن سلطان لاختيار زنجبار على الرغم من كثرة المدن المزدهرة على ساحل شرق إفريقيا:

أولاً: الدوافع سياسية:

أجمعت أغلب الدراسات أن السيد سعيد قرر الاتجاه إلى شرق إفريقيا نظراً لكثرة المشاكل والصراعات الداخلية في عمان، أما بعض الدراسات كدراسة ستودار(1988) فقد أشارت إلى أن السيد سعيد ترك مسقط وذهب لشرق إفريقيا فراراً من سلطة النفوذ البريطاني عليه في عمان، لكن هذا مُغايراً للحقيقة التي أشار إليها كيلي (1979) حيث يشير إلى أن بريطانيا ترى استقرار السيد سعيد في شرق إفريقيا بشكل عام وزنجبار بشكل خاص وابتعاده عن مسقط يؤدي إلي إحداث خلل في توازن قوة الخليج العربي بأسرها؛ ومن المؤكد أن بريطانيا لا ترغب في ذلك.

منذ أن تولي السيد سعيد الحكم في عُمان عانى من الأوضاع السياسية الغير مستقرة، فقد كثر المنافسين على تولي الحكم من أفراد أسرته، بالإضافة إلى ذلك كان يتعرض لهجمات بين فترة وأخرى من الوهابية ومن القواسم أيضاً، من المؤكد أن السيد سعيد لم ينتقل إلى زنجبار من أجل الابتعاد عن الصراعات المنتشرة في أرجاء عُمان فحسب لأنه تعرض لمواجهة العديد من الحركات الانفصالية في شرق إفريقيا وتمكن من التغلب عليها وإخضاعهم تحت حكمه في سنة 1837م، كما واجه العديد من المشكلات الانفصالية بين قبيلة الحرث الواقعة في جزيرة زنجبار وقبيلة النباهنة في بته، بالإضافة إلى العديد من الثورات القوية في مدينة سيوا التي تقع في منتصف جزيرة بته الواقعة في شرق إفريقيا فقد كان يصل عدد القتلى ما بين ألفين ونصف إلى ثلاثة ألاف قتيل من العمانيين، وإنما لما تتمتع به زنجبار من مميزات اقتصادية وسياسية قلما توجد في مكان آخر (السيابي، 1988). إن انتقال السيد سعيد بن سلطان إلى زنجبار لم يمنعه من التردد على عُمان للاطمئنان عليها وعلى أوضاعها، فقد كان يتردد ما بين عُمان وزنجبار وكان دائم التنقل بينهما لحل النزاعات التي تحدث في أي منهما، بل إن وفاته كانت في عرض البحر وهو عائد من عُمان إلى زنجبار. (لوريمر، 1995).

فالصراعات الداخلية في عمان والهجمات الخارجية التي تتعرض لها بين الحين والآخر كانت أحد الدوافع المهمة التي دفعت بالسيد سعيد بن سلطان إلى الانتقال إلى زنجبار لكنها لم تكن السبب الرئيسي في ذلك وإنما ساهمت جنباً إلى جنب مع دوافع أخرى. (المحذوري، 2006)

ثانياً: الدوافع الجغرافية:

تحتل زنجبار المرتبة الثانية من حيث كبر مساحتها الجغرافية كأكبر جزيرة في الساحل الشرقي لإفريقيا بعد جزيرة مدغشقر، وتبعد عن الساحل قرابة 25 ميلاً أي أنها تقع بعيدة عن غارات بعض القبائل الإفريقية العدائية؛ إن موقعها المميز جعلها محل اهتمام الكثير من الحكام، بالإضافة إلى مناخها الجميل الذي تتمتع به فمناخها يختلف تماماً عن مناخ مدينة مسقط المعروف بشدة حرارته طوال أيام السنة وشدة هبوب الرياح فيه، أما مناخ زنجبار فيمتاز بطبيعته الخلابة الجذابة بالإضافة إلى وجود المياه العذبة على امتداد خط ساحلها بأكمله، كما أنها أصبحت مركزاً تجارياً رئيسياً للساحل شرق إفريقيا نظراً لقربها من الساحل. (حسن، 1984)

ثالثاً: الدوافع الاقتصادية:

 كان للسيد سعيد نظرة بعيدة المدى لزنجبار؛ حيث أنه كان يراها بأنها ستصبح في يوم من الأيام مركزاً تجارياً مُهماً للساحل الشرقي لإفريقيا لإيراد وتصدير السلع من شرق إفريقيا وإليها، من المؤكد أن موقعها المميز الذي تحظى به هو ما جعلها منفذاً طبيعياً لحاصلات المناطق الداخلية، عندما انتقل السيد سعيد بن سلطان إلى زنجبار كان يشجع قُبطان الّسفن الكبيرة على أن يرسوا بسفنهم في ساحل زنجبار؛ لما له من دورٍ كبيرٍ في تنشيط الحركة التجارية فيها. (المحذوري، 2006)

كما أن شواطئ زنجبار تمتاز بكثرة تعرجاتها التي تجعلها صالحة ومناسبة لبناء وإنشاء موانئ تجارية عليها فهو ييسر عملية نقل وتفريغ السلع التجارية، بالإضافة إلى ذلك فيمكن لزنجبار أن تسهل عملية التبادل التجاري ما بين مختلف الدول، إضافةً إلى تجارة المرور المعروفة بمسمى "الترانزيت" في كافة أرجاء شرق إفريقيا. ونظراً لكثرة الصراعات والحروب التي انتشرت في شبة الجزية العربية والمناخ الجاف الذي يسودها فقد تسبب في إرهاق كاهل الاقتصاد في تلك المنطقة فهاجر تجار شبة الجزيرة العربية بشكل عام وتُجار عمان بشكل خاص إلى شرق إفريقيا بحثاً عن مجالات أكثرَ سعةً لممارسة التجارة وبعض الأنشطة الاقتصادية الأخرى. ولعل وجود بعض التجار العرب في شرق إفريقيا أحد الأسباب التي أسهمت في انتقال السيد سعيد بن سُلطان إلى زنجبار. (غنيمي، 1980)

كذلك أحد أهم أبرز الأسباب التي دفعت بالسيد سعيد بن سُلطان للانتقال إلى زنجبار هي خصوبة الأراضي ومناخها الحار الرطب المناسب لزراعة أنواع متعددة من التوابل في تلك المنطقة الحارة؛ وبالتالي باستطاعته استثمارها اقتصادياً لغاية التنويع في الموارد المالية، وزيادة الأرباح التجارية بشكل مضاعف لما يخدم مصلحة البلاد. (الزين، 2006)

 

 

المحور الثاني: دور سعيد بن سلطان في تطوير شرق إفريقيا حضارياً

فترة السيد سعيد بن سلطان تعد نموذجاً لازدهار الحضارة العربية في شرق أفريقيا والتي اتسمت بملامح ثقافية وإنسانية أسهمت في اثراء الجوانب الحضارية، فوجود العمانيين في شرق إفريقيا يُعد مؤشراً لاكتمال ملامح الدولة العصرية بجميع جوانبها المختلفة كالجانب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. (وزارة الاعلام،1995)

امتدت التأثيرات الحضارية العمانية في شرق إفريقيا لتشمل:

الجوانب السياسية والإدارية:

أ- نظام الحكم: 

الأنظمة السياسية والإدارية التي سادت في شرق إفريقيا نظم عربية جديدة تأثرت في جوهرها بما اعتاد عليه العرب في بلادهم من أنظمة وتقاليد مطبوعة بطابع عربي وإسلامي. فالحاكم هو شيخ القبيلة يساعده صفوة من القوم لتولي شؤون الحكم، فالسيد سعيد بن سلطان سعى جاهداً لإرساء الحكم العربي الإسلامي فوصفته المصادر الأجنبية والمحلية بأنه من أفضل الحُكام لما يتصف به من حنكة وقيادة راشدة وأنه صاحب همة عظيمة وعزم وإصرار، وهذا ما يؤهله ليكون من أبرز الرواد السياسة لتاريخ إفريقيا وآسيا في القرن 19. (المحذوري،2006؛ وزارة الاعلام، 1995)

فترة حكم السيد سعيد بن سلطان في شرق إفريقيا لها مميزات تميزها عن غيرها؛ كاتباعه لنظام حكم بسيط غير معقد ويحيط به الكثير من الاستشاريين والعلماء في كافة الجوانب المختلفة وعددٌ من القضاة وكبار قادة الجيش والولاة وضباط البحرية ليساعدوه في توصيل الحكم إلى الديار الإفريقية بغض النظر عن عرقهم أو مذهبهم؛ وهذا يدل على أن السيد سعيد شديد الحرص على نقل نظام الشورى الإسلامي لشرق إفريقيا فكان قليلاً ما يقدم على أمر ما من دون أن يأخذ بمشورة مستشاريه، كما ذكرت الدراسات المحلية أن في شرق إفريقيا ظهرت مظاهر لممارسة نظام الشورى فوجدت تقاليد قديمة توجب الحضور في مجلس السلطان المسمى "البرزة" ويحضر كل من السلطان والذكور من أبنائه ومستشاريه ووزرائه وموظفيه وكل من يريد أن يلتقي بالسلطان ويسلم عليه، إن لكل فرد الحق بأن يقدم للسلطان حاجته ويجيبه السلطان إما أن يطلب بقضائها أو أن يرسلها إلى القاضي أو أحد من الحاشية ليدرسها ثم يقوم السلطان بإعلان النتيجة شفهياً فلا داعي إلى أوراق أو وثائق... إلخ. (قاسم، 1986؛ المحذوري،2006)

كما تميز عهد سعيد بن سلطان في نظام الحكم بتفويض حكام العرب المحليين ليحكموا مناطقهم من خلال تعيين القضاة والولاة في المدن فكان منهم عمانيون وهنود وقمريون وحضارمة، فبعد أن ضم السيد سعيد مدن ساحلية لشرق إفريقيا عين فيها حكام ووضع فيها حاميات عسكرية، حفاظاً على هيبته، حيث كان هدفه ابقاء الحاميات قوية خوفاً من الثورات والاضطرابات التي قد تؤثر على النشاط الاقتصادي ولم يبقي في زنجبار قوات عسكرية الا قوة صغيرة للحفاظ على الأمن والنظام، كما أن السيد سعيد لم يحابي قومية على أخرى، بل إن الجميع سواسيه معه، وحتى أصحاب الديانات الأخرى سمح لهم بممارسة معتقداتهم دون أن يتعرضوا لأي نوع من الأضهاد أو الأذى (المحذوري،2006؛ غانم،2017-2018)

كما اتبع سياسة حكيمة تتميز بالرفق واللين مع مختلف الأجناس في زنجبار مثال عندما خص "الشاطريين" بالاحترام ولم يتدخل في شؤونهم وأيضاً عفى عن بعض القبائل في ممباسا مثل "الونيكة" و"المطافيين" من دفع الرسوم؛ كانت سياسته تهدف إلى حماية المدن من أي هجوم خارجي، واتبع السيد سعيد نظام سياسي إداري يحفظ له الأمن والاستقرار فعندما يكون في عُمان يعين السيد "محمد بن سالم بن سلطان البوسعيدي" ينوب عنه في حكم شرق إفريقيا. (المحذوري،2006؛ المغيري، 2001؛ الفارسي، 1982)

والمجتمعات الإفريقية الداخلية تأثرت بالنشاط الاقتصادي من خلال بعض التطورات السياسية فيها فنشأت دويلات متفاوتة الحجم من منطقة البحيرات إلى غرب تنزانيا حالياً، مع نزوح السكان إلى مناطق لم تكن أهلة بالسكان كما أدى النشاط التجاري إلى دخول مناطق داخلية في إفريقيا لدائرة الاقتصاد العالمي مما أدى إلى زيادة المصالح والضغوط الأوربية في شرق إفريقيا، فأصبحت زنجبار مصدر قوي لتجارة القوافل فمن خلالها يحصلون على الأسلحة، حتى أصبح بعض هؤلاء التجار من المستشارين والمقربين من الملوك الأفارقة فهذا النشاط التجاري ساهم في زيادة النفوذ السياسي في الممالك الإفريقية. (المحذوري، 2006؛ وزارة الاعلام، 1995).

ب- الجيش والأسطول:

اتسعت الإمبراطورية العمانية في عهد البوسعيديين فهذا الامتداد سبب في وجود الأمن والاستقرار من خلال تكوين جيش قوي قادر على أن يخوص المعارك البحرية والبرية وكان السيد سعيد يقود الجيش بنفسه في كثير من الأوقات مثل حركات العصيان واخضاع الإمارات المتمردة مثل ما حدث في الحرب لإخضاع ممباسا وملحقاتها، وبسبب توسع الدولة وتعدد القتال فوكل قيادة الجيوش لبعض القادة العسكريين مثل الشيخ محمد جمعة البرواني فتمكن من طرد الملاجاشيين المستولين على مواني سواحل مريما. (المحذوري،2006؛ وزارة الاعلام، 1995؛ الفارسي، 1982).

 ومن أشهر القادة العسكريين السيد حماد بن أحمد البوسعيدي الذي استولى على الموانئ التي سيطر عليها المزاريع.  ذكر المغيري أن السيد سعيد لديه جيش حربي بري في زنجبار ويتألف من البلوش والعجم ومن مختلف الأجناس وبعض التقارير تقول أن جيشه يتكون من 3000 جندي نظامي وأيضا 10000 شخص في الحالات الطارئة. (الفارسي، 1982؛ المحذوري،2006؛ كيلي، 1965).

أما بالنسبة للأسطول فكانت كل سفنه التجارية والحربية سفن شراعية ولم تكن في البداية بخاريه لأنها لم تظهر بعد، فالأسطول كان يقوم بمهمتين هما الحرب والتجارة فالسفن الشرعية المبنية تكون قادرة للإبحار في بحر العرب والمحيط الهندي فمن خلال السفن العملاقة قام العمانيين بربط الشواطئ العمانية مع الشواطئ الإفريقية عند هبوط الرياح الموسمية. (وزارة الاعلام، 1995)

الجوانب الاقتصادية:

1- النشاط الملاحي والتجاري:

النشاط الاقتصادي في شرق إفريقيا مهم جداً له حاجة علمية لأن بعض الكتابات الأوربية تذكر كثيراً تجارة الرقيق لدرجة أن القارئ قد يعتقد أن هذه هي التجارة الوحيدة في شرق إفريقيا، الأهداف الاقتصادية في عصر البوسعيدي في شرق إفريقيا في عهد السيد سعيد بن سلطان على وجه الخصوص الذي اتخذ من زنجبار عاصمة ثانية له ومقراً لحكمه في شرق إفريقيا وحرص على أخذ التجار الهنود الذين أسهموا بشكل كبير في توسيع التجارة في مسقط، فكانت تجارة الهنود منتشرة بشكل واسع في عصر السيد سعيد فاستعان بهم في الأعمال الإدارية والاقتصادية، فتمتد مراكزهم ومؤسساتهم إلى مدغشقر وجزر الكومور وموزنبيق. لقد مارس الهنود نشاط ضر اقتصاد شرق إفريقيا فكثر عددهم وبدأوا بالاستيلاء على الممتلكات من خلال الشراء أو الرهن مما أدى إلى دفع السيد سعيد أن يجلب تجار من عمان لديهم خبرة في التجارة ونجح بعضهم، ولم يكتفي بالاستيطان في السواحل وإنما امتد إلى داخل إفريقيا، كما وضع السيد سعيد نظام ضرائبي كان موجود في مسقط وله نجاح باهر خاصة في ما يتعلق بالنظام الجمركي فالضريبة المفروضة للواردات القادمة إلى الموانئ الإفريقية لا تتجاوز 5% أما الصادرات فعفيت عن الضرائب والهدف من هذا هو تنشيط التجارة من خلال فرض أقل الضرائب للتجارة الخارجية. (وزارة الاعلام، 1995؛ قاسم، 1986؛ الحسيني، 2010)

قام السيد سعيد ببناء أسطول تجاري كبير، كما كانت تساند هذا الأسطول قوة بحرية لتكوين علاقات تجارية مع الصين والهند وسيلان وشرق آسيا وإيران وغيرها، ففي أوائل ق 19 كان الأسطول العماني وأيضاً الحربي ثاني أكبر أسطول فكان للأسطول قواعد رئيسية في كلوة وممباسة  ولامو وزنجبار ومقديشو، وأصبحت الموانئ العمانية مزدحمة بالسفن من كل الدول وكانت معاملتهم معاملة طيبة كما ذكر القادة الأساطيل الألمانية والهولندية والبرتغالية والأمريكية والانجليزية والفرنسية فخلال عام واحد زارت 34سفينة أمريكية ميناء زنجبار. (حمزة، 2019؛ البوسعيدي، 2013).

كان سعيد بن سلطان يقضي فترة طويلة في السفن ليتفقد البلدانِ، ذكرت دراسة أحد التجار الأمريكيين أن سعيد بن سلطان كان يتنقل بين البلدانِ بسفينة فيها 64 مدفع و3 من فرقاط في كل واحدة 36مدفع وأيضا سفينتان كل واحده فيها 14 مدفع وحوالي 100 مركب فيهم 6000 مقاتل. وبما أن الممتلكات العمانية بعيدة عن إفريقيا أكثر من الفين ميل، لكن الأسطول العماني من قوته الممتدة بين زنجبار وبندر عباس، وأيضاً حرص على تشييد العشرات من الموانئ على كل من السواحل الإفريقية والسواحل العربية، وعشرات من الجزر في كل من الخليج العربي والمحيط الهندي،و أشارت بعضٌ من المصادر إلى أن السيد سعيد كان مهتماً بالأسطول وتقويته فقد أحضر خُبراء ومختصين من بريطانيا والبرتغال وهولندا ليتفقدوا السُّفن. تطورت شرق إفريقيا كثيرا في عهد السيد سعيد وأصبحت تُشكل عامل جذب للقوة الأجنبية؛ ومن الجدير بالذكر أن انجذاب الأمرييكين إلى عُمان لم يكُن مُنحصراً على موقعها فقط بل لشُهرة الصادرات من إفريقيا كالعاج والقرنفل والذهب. (حمزة، 2019)

قام السيد سعيد بعدة بمعاهدات تجارية، حيث كانت أول معاهدة يوقعها سعيد بن سلطان مع دوله غريبة كانت مع الولايات المتحدة وهي من أقدم المعاهدات للولايات المتحدة مع العرب. فهذه الاتفاقية أدت الى تدفق البضائع إلى شرق إفريقيا وكثرة السفن الأمريكية في زنجبار ومعها البضائع الأمريكية مثل البنادق والأواني المنزلية والبارود والأحذية والساعات والملبوسات القطنية، وتعود محملة من زنجبار العاج والقرنفل والصمغ وغيرها، فكان لهذه المعاهدة أثر على الجانب التجاري حيث أدت إلى توسع النشاط التجاري الأمريكي في ممتلكات السيد سعيد الإفريقية والآسيوية، وأيضاً لها فائدة كبيرة في البلد حيث أن الأمريكيين هم أنشط التجار في أراضي السلطان، بالإضافة إلى ذلك فقد عقدت معاهدة بين بريطانيا والسيد سعيد فكانت المعاهدتان لم تختلفا كثيراً عن بعضهما البعض؛ فمعاهدة بريطانيا جلبت الهنود إلى سواحل شرق إفريقيا، فعمل الهنود في التجارة واستقر الكثير منهم في زنجبار فعرفوا في شرق إفريقيا بالبانيان. هكذا قام السيد سعيد بعقد معاهدات بين الدول وعقد معاهدة مع فرنسا كما سمح لهم بإنشاء قنصليات لهم في بلده، فمن خلال هذه المعاهدات مع الدول الغربية الكبرى جعلت زنجبار مركزاً رئيسياً للتجارة في شرق إفريقيا، فمن خلال السياسة الاقتصادية التي اتبعها السيد سعيد تحولت زنجبار من ميناء صغير إلى أكبر وأعظم ميناء غربي في المحيط الهندي حتى أنها أصبحت مركزاً أساسياً للتجارة الأسيوية الإفريقية. (الفريحي، 2019؛ غانم، 2017-2018)

2- النشاط الزراعي والصناعي:

اهتم السيد سعيد بالزراعة وجعلها من ضمن المواد المهمة لخزانته واستغل تربة جزيرة بمبا وزنجبار الخصبة فقام بتشجيعهم على زراعة شجرة القرنفل، حيث كان له الفضل في إدخالها في زنجبار، فأصبحت زراعة القرنفل ثروة رئيسية للبلاد، وأكبر منتج عالمي للقرنفل كانت زنجبار فكانت تنتج في أواخر ق 19 ما يقارب 90 % من محصول العالم كله. (الفريحي، 2019؛ البوسعيدي، 2013)

كما قيل أن السيد سعيد قد فرض على رعاة السواحيلية والعرب من زنجبار أن يقوموا بزراعة ثلاث شجيرات من القرنفل مقابل كل شجرة من شجرات جوز الهند وأن أي مزرعة تخالف هذا القرار سوف تصادر، وعندما توفي السيد سعيد أصبح القرنفل ثالث سلعة للتصدير في زنجبار، فالسيد سعيد لديه مزارع من القرنفل لا تقل عن 50 مزرعة واعتمد في زراعتها على الرقيق. (المغيري، 2001؛ الفريحي، 2019)

فزراعة القرنفل كانت عاملاً رئيسياً في ازدهار تجارة الرقيق فكانت تستلزم وجود أيدي عاملة رخيصة في مواسم الحصاد والزراعة وشجعت على حيازة مساحات كبيرة من الأراضي بمختلف الطرق إما بشراء الأرض أو الاستيلاء على الأراضي الخالية أو استئجار الأراضي من السكان الأصليين في البلد مبنياً على اتفاقات؛ فهذا أدى إلى نمو العلاقة بين السكان العمانيين والافريقيين فكان نادراً ما يحدث نزاعات في ملكية الأراضي أو العمل. وفي أواخر عهد السيد سعيد كان في زنجبار حوالي مليون شجرة قرنفل اشتهرت باسم بستان إفريقية الشرقية، فالكثير من الرحالة الأجانب وصفوا الواقع الزراعي المزدهر في زنجبار وممباسا من هؤلاء الرحلة فيزو نزو جاء الى مسقط بداية القرن 19 وكتب عن زنجبار قائلاً تتوافر فيها الفاكهة والخضروات مثل الليمون والبرتقال وأيضاً فيها اللحوم من الدواجن والمواشي بأرخص الأسعار والبحر يومياً يزودها بأطنان من السمك، ولشدة الحر في مسقط يخرج السلطان وقومه إلى زنجبار حيث يكون الجو فيها ألطف، كما جاء الرحالة عالم النبات الفرنسي إلى زنجبار فزار نزوى والجبل الأخضر وبعد ذلك انتقل إلى ممباسا من خلال البحر وأعجب بالنخيل في نزوى وبمزارع السكر وأشجار الفاكهة في ممباسا، فكان الهدف من رحلة هذا الرحالة هو البحث عن نباتات نادرة وصفت له في الوديان وشرق إفريقيا ووجد 250 نوع من نباتات، بالإضافة إلى نباتات رآها في رحلته وسجلها حوالي ما يزيد عن 15000 نوع، ومن جانب آخر فكر العمانيين في تجارة البحرية لذلك اتجهوا إلى صناعة السفن والاعتماد على أنفسهم في البناء بدل من استيرادها من الخارج، فكان العمانيين في صناعة السفن يتبعون المحيط الهندي في صناعتها. في النصف الأول من ق 19 تم بناء أسطول تجاري حربي في عهد سيد سعيد وأهم الموانئ التي بنَت سفن مطرح وصور ومسقط وكما تعاهد السيد سعيد على بناء سفن في الهند وخاصة بومباي. فمن أشهر السفن في الأسطول العماني كارولين وسلطانة وتاج بكس وتاجه وشاه علم، كما أهدى السيد سعيد البارجة ليفربول إلى ملك بريطانيا وليم الرابع عام 1824م وسميت (الإمام) تكرماً لسيد سعيد بن سلطان. (حمزة، 2019)

الجوانب الثقافية والدينية: 

لقد انتشرت الثقافة العربية في شرق إفريقيا وقد جابهت الثقافة العربية ثقافة السكان الأصليين مما أدى بتأثر الأفارقة الذين كانوا أقل ثقافة بالثقافة العربية القوية والمزدهرة، وبهذا ظهرت ثقافة مشتركة عربية إفريقية، ونتجت اللغة السواحيلية نتيجة اندماج العرب بالأفارقة وبلغاتهم، لقد تميزت هذه اللغة برقتها حيث أنها تطرب المستمع واستمدت حركاتها من اللغة العربية كما تأثرت اللغة السواحيلية لاحقاً باللغة الإنجليزية، وتعتبر هذه اللغة هي اللغة الرسمية القومية لشرق إفريقيا. (غانم،2017؛ العيدروس، د.ت)

ومن الجدير بالذكر أن علماء زنجبار وإفريقيا لاقوا اهتمام ورعاية بالغة في عهد السيد سعيد بن سلطان على الرغم من اختلاف مذاهبهم، وتم تعيين العلماء في مختلف المناصب وأخذهم كمستشارين له ولأبنائه بعده، وقد أسهم العلماء في زيادة انتشار الثقافة العربية الإسلامية سواء بالتأليف أو التدريس وغيره، وكان للعلماء مكانة رفيعة فكانوا هم المحرك في مجالات عدة فكانوا مثلاً يطبقوا حكم الشرع كذلك أُعطوا مهام التربية والتعليم والتوجيه فكانوا يشرفون على التعليم ونشر القيم الإسلامية في كلاً من زنجبار وشرق إفريقيا. (وزارة الاعلام، 1995)

يُعد انتشار الدين الإسلامي من أبرز الإسهامات التي قام بها العمانيون لشرق إفريقيا، فقد بزغ نور الإسلام في شرق إفريقيا حيث وصل أولاً في اوغندا وأعالي نهر الكونغو وأيضاً في بوروندي و رواندا، وفي فترة حكم السيد سعيد بن سلطان جعل زنجبار مركز الحكم العماني عام 1832م في شرق أفريقيا، وبهذا أصبحت زنجبار مركز الدين الإسلامي لشرق إفريقيا، وقد اخبرنا أحد العاملين في الدعوة الإسلامية في عصرنا هذا بأنه عند زيارته الجزيرة عام 1973م قد رأى جميع السكان مسلمين وأن الدين الإسلامي هو الدين السائد في الجزيرة ،كما أدرك مميزات زنجبار عن المناطق الأخرى في شرق إفريقيا، حيث أن زنجبار تبرز بها المظاهر الإسلامية أكثر وبروز الطابع العربي متمثلاً في المباني والطرقات كما ضمت زنجبار وبيمبا 375 مسجداً بالرغم من صغر مساحتهما، وبالنسبة للعهد البوسعيدي فقد انتشر الإسلام عن طريق القوافل التجارية العمانية التي تأتي من زنجبار والمناطق الساحلية الأخرى وقد أُطلق عليهم (الزنجباريين) وذلك في المصادر المحلية والأجنبية وسبب إطلاق هذا اللقب هو التسرب السلمي في دعوة أُسست على الاقناع الذي قام به مجموعة دعاة منفصلين ليس لديهم الا إيمانهم العميق، ولاشك أن العرب العمانيين من رجال السيد سعيد بن سلطان هم من بنوا المراكز في البر الافريقي وسيطروا على الطرق وأيضاً بنوا المستعمرات وأصبحت مراكزاً لنشر الإسلام و السلطة، ومن الجدير بالذكر أن عرب عمان لم يستخدموا الضغط السياسي ولم يفرضوا دينهم وحضارتهم ، حيث كان إسلامهم سلمياً وذلك بسبب مكانة العرب في نظر الافارقة وبسبب ما أبداه العرب من تسامح والدليل على ذلك هو التساهلات التي قدمها السيد سعيد للبعثات المسيحية بالرغم من انه مسلم. (وزارة الاعلام، 1995؛ نور،2017)

الجوانب الاجتماعية: 

تُعد زنجبار ملتقى لجماعات متعددة خاصة بعد أن أصبحت مركز تجاري وحضاري في عهد السيد سعيد بن سلطان، حيث تنوعت فيها الأصول العرقية وتعددت مما أدى لتكوين مجتمع شرق افريقيا في ظل حكم سعيد بن سلطان، كذلك سكان الوطن ومنهم المخاديم والتمباتو والرقيق، حيث أوصى السيد سعيد بأن يُعاملوا هؤلاء القبائل بالرفق والاحترام وأيضاً نجد أوروبيين وبعضاً من العجم والعرب والحبشة والصين ومصر ولكن دون أدنى شك فإن الشريحة الغالبة هم الافارقة والآسيويين، ولهذا التنوع أصبحت زنجبار ملتقى الشعوب حيث أنها إفريقية بموقعها الجغرافي ومناخها وعربية بقادتها وسكانها، حيث أصبح العرب يتوافدوا لها بشكل أكبر بعد إنتقال السيد سعيد لها فقد زاد العدد من 1000 لحوالي 5000نسمة. (المحذوري، 2006) وتشير أحد الإحصاءات الرسمية لسكان زنجبار لسنة 1948م أن عدد السكان بلغ 264 ألف نسمة موزعة على هذا النحو:


 

 


 

لقد امتاز العمانيون بارتباطهم الوثيق بعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم الإسلامية وآدابهم العربية وتمسكهم بلباسهم الذي أكسبهم الفخر والانتماء لهويتهم وثقافتهم العربية، حيث كانوا يرتدون "القفطان وهو عبارة عن جوخ اسود مطرز بالحرير والقصب مفتوح من الامام وتحته قميص ابيض طويل يسمى كانزو ويلبس تحته إزرار ويلف على رأسه عمامة ملونة او بيضاء، وخنجر محلى بالفضة في وسطه يربط عليه بحزام من قماش كشميري الممتاز..." ، ولقد ظهر على السواحليين تقليدهم للعرب بخاصة العمانيين من حيث تقليدهم للدين  والباس والعلاقات الاجتماعية فلازالت أزياء سكان زنجبار تشابه الطراز العربي حيث ان الرجال يرتدون الدشداشة وكمة بيضاء على رؤوسهم وبالنسبة للنساء فهن يرتدن السروال والثوب الذي يصل للركبة وأيضاً يلبسن من الحلي الذهب والفضة كما يضعن الزعفران للتطيب وللزينة يستخدمن الحناء والكحل. (المحذوري، 2006)

ولا شك في ان التجار العرب نقلوا معهم عاداتهم وتقاليدهم لشرق افريقيا، وتداخلوا مع الافارقة بشكل كبير حتى انهم اعتادوا على مصاهرة الافارقة حيث تزوجوا من نساء المدن الصغيرة او من بنات شيوخ القبائل الافريقية عن طريق "الصفقات التجارية"، أيضاً كلما زادت فترة استقرار العمانيين في شرق إفريقيا أصبحت حالتهم المادية أفضل وبهذا يتمكنوا من الزواج من نساء أقاربهم سواء من عمان أو الساحل الشرقي لإفريقيا، وقد كان للإسلام تأثير على عادات وتقاليد شرق إفريقيا كما حقق الوحدة الاجتماعية نتيجة عبادتهم لإله واحد، ولابد أن نفخر باندماج العمانيين وانسجامهم الرائع مع الأفارقة دون تمييز عنصري والذي قد جعل الأفارقة يفخروا بالنسب العربي حيث أنه لاتزال هناك جماعات متمسكة بقوة بهويتها العربية، ونذكر أيضاً أن الإسلام له الإسهام في تنظيم الزواج وبناء الأسرة، فقد حدد للرجل أربع زوجات وبالنسبة للمرأة فقد عزز مكانتها كما قد أعدل في توزيع التركة بين أفراد الأسرة وهذه الأنظمة من أهم الآثار الاجتماعية التي نتجت من انتشار الإسلام في شرق إفريقيا. (المحذوري، 2006)

ونرى أنه يوجد تشابه بين نساء إفريقيا والعمانيات من حيث الزينة واللباس كذلك من حيث التجوال لقضاء حاجة منازلهن نهاراً، ولكن بالنسبة للمخضرمات الاتي يتحجبن كثيراً فلا يخرجن من منازلهن في النهار أبداً فقط ممكن أن يخرجن للترفيه عن أنفسهن قليلاً في الليل وهذا يدل على اندماجهم وتمسكهم بعادات وتقاليد النساء العربيات. (غانم، 2017؛ العيدروس، د.ت)

 

 

المحور الثالث: أثر التطور الحضاري في شرق إفريقيا على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والنتائج المترتبة على ذلك

الاثار السياسية:

مع تولي السيد سعيد بن سلطان الحكم تغيرَ النظام السياسي والإداري السائد في البلاد؛ وانعكس ذلك التغير ليُحدثَ تغيراً وتطوراً في كثير من الجوانب الأخرى، حيث سعى جاهداً لتحسين شؤون الدولة والارتقاء بها أي أن الخطوات التي خطاها السيد سعيد بن سلطان في تغيير النظام السياسي والإداري كان لها دور كبير في تألق النشاط الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من الجوانب الأخرى. (المحذوري وآخرون، 2006)

1-العلاقات الخارجية:

بفضل ما تحلى به السيد سعيد بن سلطان من صفات كالحكمة والعدل (الهاشمي، 2013) في إدارة شؤون الدولة سياسياً وسعيهُ في توطيد العلاقات مع الدول الأخرى مثل مصر وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول شرق آسيا؛ أدى ذلك إلى إحداث تغير في عدة مجالات مختلفة في البلاد. (البحراني، د.ت؛ الطائي،2008)

أ-المجال التجاري: أدت العلاقات القوية ما بين شرق إفريقيا والدول الأخرى إلى وجود خطوط تجارية بحرية وبرية تربطها بجميع أنحاء العالم؛ الذي أدى بدورهِ إلى رفع المستوى الإقتصادي فيها. (المحذوري وآخرون، 2006)

ب-المجال الأمني: تميز حكم السيد السعيد بن سلطان بالعدالة؛ والذي أدى إلى نشر المحبة والأُلفة بين أبناء شعبها وبالتالي أدى إلى توحيدها. (وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، 1992)

ج-المجال العمراني: امتزج الفن المعماري بمختلف الفنون المعمارية التي يرجع أصلها إلى دول مختلفة في زنجبار بشكل خاص ومدن شرق إفريقيا بشكل عام؛ وذلك بسبب وفود شعوب مختلفة إليها. (المحذوري وآخرون، 2006)

د-المجال المهني: أخذ سكان شرق إفريقيا من عُمان الكثير من المهن المختلفة مثل الزراعة والصناعة والزخرفة والحرف اليدوية بشتى أنوعها المختلفة وغيرها من المهن. (د.جمال، 2000)

ه-المجال الثقافي: اختلاط شعب زنجبار وشرق إفريقيا مع عمان أكسبهم بعض الثقافات المختلفة مع إتاحة الفرصة لأخذ الكثير من العلوم من هذا الشعب الأصيل والعريق والمثقف، إضافةً إلى ما نقله أهل زنجبار ومدن شرق إفريقيا إلى الشعوب الأخرى من صورة حسنة للدين الإسلامي ونشر تعاليم الإسلام للحضارات الأخرى. (المحذوري وآخرون، 2006)

2-العاصمة زنجبار:

يعد الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به زنجبار أحد الأسباب التي جعلت السيد سعيد بن سلطان أن يتخذها عاصمة ثانية لإمبراطورتيه (الطائي، 2008)، حيث حولها من جزيرة صغيرة مجهولة إلى مركزاً سياسياً مهماً ومعروفاً في جميع أقطار العالم (د. حسين، د.ت)؛ وهذا ما جعلها هدفاً للكثير من الدول لمحاولة الاستيلاء عليها، ولكن بسبب امتلاك السيد سعيد بن سلطان أحد أقوى الأساطيل الحربية في زمانه جعل زنجبار هدفاً صعباً يستحيلُ الاستيلاء عليه (فاضل محمد، 2011)، حيث كان يطلق عليها (المملكة الأفريقية) (رودلف،1983). وقد قام السيد سعيد بن سلطان بتوثيق العلاقات مع الدول الأخرى مما ساعده على التقليل من أعداءه وامتلاك الكثير من الحلفاء في صفه. 

3-الجيش:

امتلك السيد سعيد بن سلطان جيوش حربية قوية ساهمت في نشر الأمن والاستقرار والقضاء على النزاعات الداخلية والتصدي للهجمات والتهديدات الخارجية، كان السيد سعيد حريصاً في اختيار قواد الجيوش العسكرية بعناية شديدة وقد أسهم ذلك في تحقيق العديد من الانتصارات (الفارسي، د.ت)، كما أسهم في جعل الخطوط والموانئ التجارية آمنة ولاسيما أنه قام بالوقوف في وجه القراصنة والقضاء عليهم مما أدى إلى إنعاش الحركة التجارية آنذاك. بالإضافة إلى ذلك فقد ساهم الجيش أيضاً في توسع رقعة البلاد وقوتها لتمتد على طول ساحل الشرقي لقارة إفريقيا وسواحل شبه الجزيرة العربية وأجزاء من بلاد فارس. (المحذوري وآخرون، 2006)

4-نظام الحكم:

يعد نظام الحكم الذي اتخذه سعيد بن سلطان أحد الأسباب في جعل البلاد مزدهرة فقد قام بترسيخ ملامح الحضارة العمانية في شرق إفريقيا (المغيري، 2001)، حيث اعتمد على نظام الشورى في اتخاذ القرارات التي تزود الدولة بالكفاءات المميزة وتجنب العيوب والتفرد في اتخاذ القرارات. قام السيد سعيد بن سلطان بفرض الضرائب على الموانئ، وقد استخدم السيد سعيد المال الذي يتم جنيه من الضرائب في تحسين البلاد وتطوير الجيش الذي بدوره أدى إلى رفع مستوى الأمان. وقد كان السيد سعيد بن سلطان يتبع أسلوب الرفق واللين بغض النظر عن العرق وهذا ما منع حدوث أي حروب أهلية داخلية والتي من شأنها أن تدمر البلاد. (المحذوري وآخرون، 2006)

الخطط السياسية :

اتساع رقعة البلاد وقواتها وذلك بفضل خطط السياسية التي اتبعها السيد سعيد بن سلطان وبفضل القوة التي يملكها السيد سعيد بن سلطان استطاع مد نفوذه في شرق إفريقيا (العيدروس، د.ت). ومن الأعمال التي كان يذكر فيها السيد سعيد بن سلطان أنه كان همزة وصل وصلح للكثير من الخلافات بين القبائل والزعماء مما أدى إلى الاستقرار السياسي في تلك المنطقة (النخلي،1998). تمكن السيد سعيد بن سلطان من توطيد العلاقات السياسية وتقوية الروابط بين شبة الجزيرة العربية و شرق إفريقيا وساهم ذلك إلى ازدهار تلك العلاقات، وبفضل جميع ما تميز به السيد سعيد بن سلطان من الحكمة السياسية نجح في تكوين إمبراطورية قوية. (العيدروس ، د.ت)

التطور التجاري في شرقي أفريقيا: 

كان السيد سعيد كثير الاهتمام بالتجارة فعمل على تشجيعها، وذلك لكي يحقق هدفه بالانتقال إلى زنجبار وأن يأخذ برفقته التجار الهنود والعرب بشكل عام وطائفة البانيان من الهندوس بشكل خاص لما كان لهم من اسهام كبير في العمليات التجارية في محافظة مسقط، كما أنهم كانوا يديرون زمام التجارة الدولية في دول الشرق. كما اهتم السلطان سعيد بن سلطان بالجانب الاقتصادي اهتماها كبيرا ، وربما كان اهتمام السيد سعيد بها أكثر من اهتماماته بالجانب السياسي ، ولهذا لم يجد السيد سعيد بن سلطان غضاضة في التصريح بان وعلى الصعيد التجاري ، فايقن بعدها السلطان سعيد بن سلطان أن " الثروة تعنيه أكثر من الحكم " فإن التجارة هي عصب الاقتصاد ، فهو الذي يشكل بدوره عصب الحياة ، وثبات الدولة ، فإن التجارة هي محور الاقتصادي مهم، وذلك باعتبار التجارة مصدر من المصادر الأساسية لجمع الأموال للدولة. ( أمبوسعيدي، د.ت؛ العيدروس، 1958)

كما قام السيد سعيد بتشجيع الهنود بالذهاب إلى زنجبار، حيث اعتادوا من السيد سعيد معاملةً طيبةً وتسامحاً كبيراً، فقد أعطاهم السيد سعيد الحرية الدينية لهؤلاء الهندوس وذلك لكي يتمكنوا من ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية، بالإضافة إلى ذلك فقد منحهم ما كانوا يتوقون إليه من مكانة عالية في المجال الاقتصادي؛ كما أنه استعان ببعض الأكفاء والموهوبين منهم في انجاز بعض الأعمال الاقتصادية والإدارية. (العيدروس، 1958؛ حسن، د.ت )

وعلى الرغم من علاقة الهنود القديمة بشرق إفريقيا، إلا أن أعداد الهنود أخذت تتزايدُ بشكلٍ كبير في عهد السلطان سعيد، حيث بلغ عددهم أربعة آلاف نسمة، فإن أربعة أخماس التجارة الخارجية كانت في إيدي الهنود. كما امتد الهنود بمراكزهم التجارية الكبيرة حتى جزيرة موزمبيق وجزيرة مدغشقر وجزر القمر. (د.محمد حسن العيدروس،1958؛ غنيمي،1980  )

ومع تقدم الزمن كثر عددهم بشكل كبير، وأخذوا الهنود يستولون على ممتلكات العرب عن طريق الرهن والشراء. بلغ عدد التجار الهنود في زنجبار وحدها حوالي ألف تاجر هندي ينعمون بحماية السيد سعيد بن سلطان، كما قام بإعفائهم من الرسوم الجمركية وعهد إليهم بشؤونه المالية. . ( د. جمال زكريا قاسم ، 1985 ؛ المحذوري، 2014 )

 وفد إلى زنجبار أعدادٌ غفيرة من المسلمين القادمون من الهند الذين نعموا بنفس المعاملة الطيبة التي عهدوها من السيد سعيد، في ذلك الوقت لم تكن تخلو أي مدينة من مدن شرق إفريقيا من وجود أفراد من الجالية الهندية، الذين أخذت تجارتهم تنتشر إلى جميع مدن إفريقيا وبدأوا يجمعون ثروات هائلة، أخذت أعداهم تتزايد بدرجة واضحة حتى أصبح عددهم أكثر من ستة آلاف في عام 1860م. وقد ساعدهم في ذلك الانتشار هو إعفاء السيد سعيد بن سلطان من القيود الجمركية، وتشجيعهم على التجارة؛ ولم يقم السيد سعيد باحتكار أية سلعة من السلع. (د.حسن إبراهيم حسن ،1984؛ مصلحي، 1987)

كما وفد مع السيد سعيد بن سلطان مئات من العرب وخاصة عرب حضرموت وعُمان. فازدهرت التجارة وتوسعت وانتعشت بقدومهم، واستمر ذلك لدرجة لم تكن معهودة من قبل. وفي الوقت الذي اقتصر فقط النشاط التجاري للهنود في المدن الساحلية والموانئ في شرق أفريقيا، كما استطاع التجار العرب أن يغامروا في التعمق إلى المناطق الداخلية في القارة الأفريقية التي لم يكن قد ارتادها أحد من قبل. واستقر الكثير منهم في الداخل، كما أنهم قاموا بتأسيس المراكز التجارية التي سعوا جاهدين من أجل تقويتها، حتى تحولت تلك المراكز التجارية إلى مدن. بدأت المدن بالظهور وأخذت تشع بشيءٍ من السيطرة والنفوذ للدولة العربية – الأفريقية في الداخل، واشتهر المثل السواحلي الذي يقول: " إذا دقت الطبول في زنجبار رقص الناس طرباً في البحيرات". ( د. جمال زكريا قاسم ، 1985، ص. 220؛ العيدروس،1958)

تعد تلك السيطرة الداخلية مرتبطة بقوافل التجارية، وهي التي شجعت على وجود صلات التجارية بين الأفريقيين والعرب، خاصةً بين سكان الداخل في وسط القارة الأفريقية وسكان الساحل في شرق إفريقيا، حيث تم ذلك بعدما انتشروا التجار العرب وتوغلوا بحثاً عن السلع التي تشتهر بها تلك المناطق، حيث أصبحت تصل إلى البحيرات الإستوائية منها بحيرة تنجانيقا وبحيرة نياسا وبحيرة فكتوريا ونهر الكونغو وأعالي نهر النيل(العيدروس، 1958؛ مصلحي، 1987)

وبعد ذلك قام السيد سعيد بن سلطان بإنشاء طرقٍ جديدة منتشرة في شرق إفريقيا للمواصلات، كما قامت العديد من المدن العربية على هذا النهج على خطوط القوافل التجارية وذاع صيتها فيما بعد: "جيجي" أو "طابورة" و " كاراجوي" ولم يكن يهدف السيد سعيد بن سلطان لاستغلال هذه المناطق استغلالاً طبيعياً، وإنما كان اهتمام السيد سعيد مُنصباَ في القيام بدور الوسيط بين الجماعات الساحلية في كلٍ من شرق إفريقيا والمناطق الاستوائية الداخلية. (د.حسن إبراهيم حسن ،1984؛ غنيمي،1980 )

 يُمكننا القول أن نفوذ التجار العرب امتد إلى معظم أركان شرق أفريقيا وأيضا إلى وسطها تقريبا، كما امتدت المجاري العليا للأنهار الكبرى وإقليم البحيرات العظمى، وذاع صيتهم من البحيرات الاستوائية غرباً حتى سواحل المحيط الهندي شرقاً، بدون أن تظهر لدى التجار أية أطماع أو محاولة السيطرة على مقاليد الحكم بشكل اجباري. (د.محمد حسن العيدروس،1958 ؛ د. جمال زكريا قاسم ، 1985)

مقابلاً لذلك ما قام به التجار العرب في القارة الأفريقية من نشاط اقتصادي، حيث أخذت الشعوب الأفريقية تحمي هذه الأنشطة العربية التجارية التي تعبر بأراضيهم، مما أدى إلى ازدهارها وبذلك ازدادت استفادة العرب من الموارد الزراعية التي اشتهرت بها في تلك الأنحاء في التنمية التجارية والاقتصادية. فاتضحت لهم الآثار الأفريقية على التجارة العربية في وقت لاحق، وبعد ذلك تم نقل هذه البضائع على السفن العربية التجارية إلى العديد من الأسواق في أوروبا وآسيا، وذلك عبر موانئ  شرق إفريقيا.  (العيدروس،1958 ؛ المجبوري، 1981  )

كما يمكن أن نرى بوضوح الآثار التي نتجت عن علاقة الدول العربية بشرق الإفريقيا وعن تواجد السيد سعيد بن سلطان في شرق أفريقيا، وبعد ذلك توطدت لتكون العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الأفارقة والعرب. (المجبوري، 1981؛  مصلحي، 1987)

الحماية الاقتصادية:

كان السيد سعيد بن سلطان مدرك لضمان الازدهار الاقتصادي في شرق إفريقيا، فكان يعمل على حماية التجارة في شرق إفريقيا من المنافسات التي كانت تتعرض لها. وبالرغم إيمان السلطان سعيد بأهمية الحرية الاقتصادية، إلا أنه وجد نفسه مجبراً على تطبيق سياسة احتكارية وذلك لضمان المركز الاقتصادي لشرق إفريقيا؛ لذلك تم منع تصدير العاج والمطاط على طويل الساحل الشرقي لإفريقيا والذي يمتد من مصب نهر البانجاني إلى كلوة؛ لا نجد احتكارات أخرى باستثناء ذلك. ( د. جمال زكريا قاسم ، 1985؛ وزارة الاعلام، 1995)

بدأ السيد سعيد بسلطان ببناء أسطول بحري ضخم في سنة 1834م، يضم بعض الطرادات والمدمرات وذلك من أجل توفير الحماية لطرق المواصلات بين بلاد العرب وبلاده، كما أخذ يُأمن طرق الملاحة، وأيضا يجني أرباحه التجارية التي تأتي من الموارد المختلفة والمتعددة التي تغنيه عن فرض الضرائب المباشرة. (د.حسن إبراهيم حسن ، 1984؛ البوسعيدي، 2013)

 

فتح أسواق على نطاق خارجي:

قام السيد سعيد بفتح موانئ شرق إفريقيا للدول الأجنبية، وبعدها تحولت زنجبار إلى أكبر ميناء في الأطراف الغربية الجنوبية للمحيط الهندي، حتى أصبحت مدينة زنجبار المستودع الرئيسي للتجارة الآسيوية – الأفريقية. وخلال عشرين سنة من جعل السيد سعيد بن سلطان زنجبار كعاصمة ثانية لامبراطوريته فقد أصبحت زنجبار واحدة من ثلاث أو أربع من المراكز الرئيسية للتجارة في المياه الغربية للمحيط الهندي. كما شجع السلطان سعيد بن سلطان التجار العمانيين على الهجرة إلى شرق افريقيا والاستقرار فيها ، فمنذ استقرار السلطان سعيد في زنجبار بصفة دائمة لوحظ زيادة عدد التجار العرب الذين قاموا بدور ملحوظ وكبير في التجارة بين شرق افريقيا وجنوب شرق آسيا. (د. جمال زكريا قاسم ، 1985؛ مصيلحي، 1987)

كان السيد سعيد بن سلطان يهتم كثيراً بفتح أسواق جديدة خارجية مختلفة لمنتجات سلطنته، فبعدما كانت الأسواق التقليدية مقتصرة على الساحل المحيط الهندي الذي يمتد من عدن إلى مومباي والجزيرة العربية ومصر والخليج؛ لذلك اتجه السيد سعيد بن سلطان ببصره إلى اسواق أمريكا وأوروبا وذلك نظراً لأهمية هذه الأسواق في ترويج تجارة شرق إفريقيا، كما رحب السلطان سعيد بالتجار الأمريكيين والأوربيين الذي زاروا زنجبار، حيث تم عقد معاهدات مع الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1833م، ومع بريطانيا في عام 1839م، بالإضافة إلى المعاهدات التي عقدت مع فرنسا في عام 1844م، وقد سمح بإنشاء قنصليات لهذه الدول التي تمت معها المعاهدات في بلاده. وعندما توفي السيد سعيد بن سلطان كانت أسواق أمريكا وأوربا تستهلك مقدار أكثر من المنتجات الأفريقية المارة في زنجبار، وكان قد دخل ميناء زنجبار تسعون سفينة أمريكية وأوربية في سنة 1857م. (الفريحي، 2019؛ د.حسن إبراهيم حسن، 1984)

 كما عرف عنه حبه للتجارة وممارسة التجارة، وكان ذلك إلى جانب كونه رجل سياسة وحاكماً، بالإضافة إلى كونه تاجراَ ماهراَ فقد جعل من تجارة بلاده على اتصال بالعالم الخارجي. استخدم السيد سعيد أسطوله في نقل البضائع، وحمل منتجات مقديشو وممباسه وزنجبار وباقي المناطق الأفريقية إلى موانئ العالم الخارجي، وبهذا فقد أخذ السيد سعيد يتاجر بشكل مباشر مع الدول الأوربية، فقد كان يرسل سفنه إلى جنوة ولندن ومرسيليا وغيرها، فقد أثر ذلك في ازدهار مدينة زنجبار ونموها بعدما كانت مجرد قرية صغيرة في القرن الثامن عشر، حيث تعد ثالث دولة تجارية في المحيط الهندي. (د.حسن إبراهيم حسن ، 1984؛ مصيلحي، 1987)

 

الخاتمة

ان التواجد العماني في شرق أفريقيا كان نتيجة لدهاء وحنكة السيد سعيد بن سلطان في استغلال الموقع الجغرافي لزنجبار لإنشاء مركز للتجارة والتي بدورها وصلت الى العالم الخارجي خاصة الدول الأوروبية. فالصراعات الداخلية التي عانت منها زنجبار من جهة والتنافس على السلطة في عمان من جهة أخرى كانت هي أحد اهم الأسباب التي جعلت السيد سعيد بن سلطان ينتقل الى زنجبار.

إن تغيير النظام السياسي والإداري في زنجبار كان العامل الأبرز في تألق النشاط الاقتصادي والاجتماعي. كذلك بعدما وضع السيد سعيد بن سلطان حجر الأساس للزراعة تم ادخال محاصيل زراعة جديدة أهمها نبات القرنفل حيث أصبح أهم الصادرات التجارية للبلاد. وقد اتصف السيد سعيد بالحكمة والعدل والتي اخذت منحنى رائع في توطيد علاقات البلدان الأخرى مع زنجبار فأصبحت زنجبار مكان آمن للتجارة.

 

 

المصادر والمراجع:

البوسعيدي، سالم. (2013). صناع التاريخ العماني. مكتبة الضامري للنشر والتوزيع.

الخريجي، ناجية محمد. (1993). التاريخ الإقتصادي و الاجتماعي و الثقافي لسلطنة زنجبارالاسلامية في شرق أفريقيا [رسالة دكتوراه منشورة، جامعة أم القرى].قاعدة معلومات دار المنظومة.

الزدجالي، هدى عبد الرحمن. (2015). الهجرات العمانية إلى شرق أفريقيا وأبعادها السياسية والحضارية والثقافي. مجلة جامعة عين شمس،3(43).148ـ129.

السيابي، حمود. (1988). تاريخ عمان (عبد المجيد حسيب القيسي، مُترجم). دار العربية للموسوعات. (العمل الأصلي نشر في 1986).

السيد، فاطمة. (1989). التاريخ السياسي لسلطنة زنجبار الإسلامية1832-1890م [رسالة ماجستير]. جامعة أم القرى.

الطائي، عبدالله بن محمد. (2008). تاريخ عمان السياسي. مكتبة الربيحان للنشر والتوزيع.

العيدروس، محمد حسن . (د.ت). السلطان سعيد والعلاقات العربية –الأفريقية. دار المتنبي للطباعة والنثر.

الفارسي، عبد الله بن صالح. (1982). البوسعيديون حكام زنجبار (ط.2). وزارة التراث لقومي والثقافة.

الفريحي، فاطمة محمد. (2019). زنجبار وساحل إفريقية في عهد السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي: 1273ـ1248هـ /1856ـ 1832.مجلة جامعة الملك خالد للعلوم الإنسانية،6(1)، 80ـ83.

الكيومي، سليمان. (2018، ديسمبر 26ـ27). الآثار الاجتماعية والاقتصادية لزراعة القرنفل في زنجبار خلال القرن 19م في يونس بن جميل النعماني. (الرئيس)، قراءات في التاريخ الاقتصادي العماني السلع العمانية أنموذجا[ندوة]. الجمعية العمانية للكتاب والأدباء. سلطنة عمان.

المجبوري، عصام محسن. (1981). العلاقات العربية الأفريقية. وزارة الثقافة والإعلام.

المحذوري، سليمان بن عمير. (2006). الأوضاع الاقتصادية في شرق إفريقيا في عهد السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي 1804 – 1859م [رسالة ماجستير منشورة، جامعة السلطان قابوس]. قاعدة معلومات دار المنظومة.

المغيري، سعيد بن علي. (2001). جهينة الاخبار في تاريخ زنجبار (ط.4). الفردوس للطباعة وصناعة الطب الكرتونية. 

النجار، مصطفى عبد القادر. (2010).  صفحات مشرقة من تاريخ عمان. مكتبة بيروت.

النخلي، حميد  بن محمد. (1998). الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيدين. مكتبة الإسكندرية.

الهاشمي، د. سعيد بن محمد. (2013). دراسات في التاريخ العماني (ط.2). النادي الثقافي، مسقط دار الفرقد.

أمبوسعيدي، عبدالله بن مسعود. (د.ت.). الدور العماني في العلاقات التجارية الدولية عبر التاريخ [رسالة ماجستير، كلية العلوم التطبيقية بنزوى]. المقصورة.  

بيربي، جان جاك. (2008). جزيرة العرب أرض الإسلام المقدسة وموطن العروبة وامبراطورية البترول( محمد خير البقاعي، مُترجم ). منشورات مكتبة العبيكان. (العمل الأصلي نشر في 2002).

حامد، فرحه محمود. (2019).  التكالب الإستعماري على زنجبار في عهد السلطان برغش بن سعيد 1888ـ1970 م [رسالة ماجستير منشورة، جامعة النيلين]. قاعدة معلومات دار المنظومة.

حسن، إبراهيم. (1984). انتشار الإسلام في القارة الإفريقية (ط.3). مكتبة النهضة المصرية.

حسن. (2000). انتشار الإسلام في القارة الأفريقية. مكتبة النهضة المصرية.

حمزة، عمار فاضل. (2019). النشاط الاقتصادي العماني في شرق افريقيا في عهد السلطان سعيد بن سلطان (1804-1856 للميلاد). مجلة حولية المنتدى، (39)، 343-371.

ستودارد، لوثروب. (1988). العمانيون في شرق إفريقيا. مجلة حاضر العالم الإسلامي،2(2)، 100-119.

غانم، نور كمال. (2018). السيد سعيد بن سلطان ودوره في عمان (1806—1856م) [رسالة ماجستير غير منشورة]. جامعة دمشق.

غباش، حسين. (1997). عمان الديمقراطية الإسلامية: تقاليد الإمامة والتاريخ السياسي الحديث 1500 – 1970. دار الجديد.

غنيمي، رأفت. (1980). دور عمان في بناء حضارة شرقي افريقية. حصاد ندوة الدراسات العمانية (ص ص. 155-168). وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان.

فليبس، وندل. (2012). تاريخ عمان (محمد أمين، مترجم). وزارة التراث القومي والثقافة. (العمل الأصلي نشر في 1981).

قاسم، جمال زكريا. (1985). الخليج العربي 1507-1840 (ط.2). دار الفكر العربي.

كيلي، جون. (1979). بريطانيا والخليج 1795-1870م (محمد أمين، مُترجم). وزارة التراث القومي والثقافة. (العمل الأصلي نشر في 1960).

لوريمر، جاك. (1995). السجل التاريخي للخليج وعمان وأواسط الجزيرة العربية. دار غارنت للنشر.

مصيلحي، محي الدين. (1987). النشاط التجاري العربي في شرق افريقيا في القرن التاسع عشر حتى بداية السيطرة الأوربية على المنطقة. دار الحكمة. 

وزارة الإعلام. (1995). عمان في التاريخ. دار أميل للنشر المحدودة.