الجانب الديني للوجود الاستعماري البرتغالي في عمان من بداية القرن السادس عشر حتى منتصف القرن السابع عشر.
الباحث المراسل | د. سليمان بن سالم الحسيني | مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية، جامعة نزوى |
Date Of Publication :2023-05-29
الجانب الديني للوجود الاستعماري البرتغالي في عمان من بداية القرن السادس عشر حتى منتصف القرن السابع عشر.
د. سليمان بن سالم الحسيني
ملخص:
تعنى الدراسة بالوجود الديني الكاثوليكي المصاحب للاستعمار البرتغالي لعُمان الذي بدأ بوصول الأسطول الذي يقوده أفونسو دي ألبوكيرك في 1507م وانتهى بتحرير العمانيين لمسقط في 1650م. تناقش الدراسة أهمية الدين ممثلا في الكاثوليكية في الحملات الاستعمارية البرتغالية، والمحاولات الأولى للرهبان البرتغاليين في تأسيس وجودهم في مسقط، وانتقال المهمة الدينية إلى رهبان مسلك أوغسطين الذين أنشأوا دير القديس أوغسطين في مسقط وجعلوه منطلقا لأنشطتهم الدينية في عمان وخارجها، وتناقش جهودهم التنصيرية والطبية والعسكرية. تعتمد الدراسات الوثائق البرتغالية المنشورة في كتاب (البرتغاليون في بحر عمان: الدين والسياسة)، تحرير عبدالرحمن السالمي ومايكل جانسن، مصدرا رئيسا للمادة التاريخية التي تتناولها بالبحث والتحليل. خلصت الدراسة إلى أن الرهبان الأوغسطين البرتغال الذي صاحبوا الوجود الاستعماري البرتغالي في عمان كانوا يخدمون الأهداف الاستعمارية البرتغالية، وكانوا يقيمون تحت حماية الأسطول الحربي البرتغالي ويقدمون خدامتهم لجنوده وقادته، ولم يرتبطوا بالعمانيين بأي شكل من أشكال العلاقات الثقافية والاجتماعية، وإنما كانت تسود بين الجانبين علاقة المحتل الغاصب الذي خرج مدحورا يجر أذيال الهزيمة إثر تحرير العمانيين أرضهم وإخراج عدوهم من بلادهم.
The religious aspect of the Portuguese colonial existence in Oman from the beginning of the sixteenth century until the mid-seventeenth century.
Abstract:
Abstract: The study deals with the Catholic religious’ presence accompanying the Portuguese colonization of Oman, which began with the arrival of the fleet led by Afonso de Albuquerque in 1507 and ended with the liberation of Muscat by Omani forces in 1650. The study discusses the importance of religion as represented by Catholicism in Portuguese colonial campaigns, and the Portuguese friars' first attempts to establish their presence in Muscat; the devolution of the religious mission to the Augustine Order, who established St. Augustine's Convent in Muscat which became the starting point for the Order’s religious, medical and military activities in Oman and beyond. The study relies on the Portuguese documents that were published in Al-Salimi, Abdulrahman & Jansen, Michael. (2015). The study concludes that the Portuguese friars who accompanied the Portuguese colonial presence in Oman served Portuguese colonial goals and resided under the protection of the Portuguese naval army. The Portuguese priests did not associate with Omanis in any form of cultural and social relations. They looked at Omanis as enemies and stood up against their wishes to liberate their land from the Portuguese.
Key words: Portuguese militant occupation, Augustine order, convent of Saint Augustine, Muscat.
المقدمة
الدراسة الحالية تسلط الضوء على الجانب الديني للوجود الاستعماري البرتغالي في عُمان الذي بدأ في مطلع القرن السادس عشر وانتهى في منتصف القرن السابع عشر. تتناول الدراسة موضوعها من خلال مناقشة أهمية الدين ودوره في العقلية الاستعمارية البرتغالية. ثم تَتَّتبَع الدراسة المحاولات الأولى للرهبان البرتغاليين لتأسيس وجودهم في مسقط، والظروف التي حالت دون استمرارهم، ثم انتقال المهمة إلى (مسلك الرهبان الأوغسطين- Augustinian order) الذي بدأ وجوده في عُمان في نهاية القرن السادس عشر واستمر حتى تحرير العمانيين لأرضهم من الاستعمار البرتغالي في منتصف القرن السابع عشر. تبحث الدراسة في الأصول التاريخية للمسلك وفلسفته الدينية والسياسية، وعلاقته بملوك البرتغال وبالكرسي البابوي في الفاتيكان، والأسباب التي دفعت ملوك البرتغال إلى إسناد المهمة إلى رهبان المسلك الأوغسطيني.
تقدم الدراسة كذلك تحليلا للمكانة التي تمتع بها الدير الذي أنشأه البرتغاليون في مسقط وأطلقوا عليه في وثائقهم ومراسلاتهم اسم (دير القديس أوغسطين - conuento de Santo Agostinho)، ومهامه وأدواره وعلاقته بأديرة الأوغسطين الأخرى التي أنشأها البرتغاليون في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم ، مثل: مدينة جوا الهندية التي اتخذها البرتغاليون عاصمة لهم في الشرق، وفي بلاد فارس والعراق، ودور الرهبان البرتغاليين الكاثوليك في ذلك الدير وفي عُمان بشكل عام. تناقش الورقة موقف القيادة البرتغالية من أداء الرهبان الأوغسطين بشكل عام ورهبان الدير بمسقط وما واجهه رهبان المسلك من تحديات في هذا الجانب. تناقش الدراسة كذلك دور رهبان الدير في الدعم العسكري والروحي والمادي لجنود الاحتلال البرتغالي لمواجهة الثوار العمانيين الساعين لتحرير أرضهم. تناقش الدراسة كذلك النهاية التي آل إليها دير الأوغسطين بدحر العمانيين للقوات البرتغالية المحتلة وتحرير مسقط وقلعة الميراني في 26 يناير 1650م.
من حيث المنهجية؛ تعتمد الدراسة في مصادرها الأولية على الوثائق البرتغالية المنشورة تحت عنوان (البرتغاليون في بحر عمان: الدين والسياسة- Portugal in the sea of Oman: religion and politics)، تحرير عبدالرحمن السالمي ومايكل جانسن، الناشر دار (جورج اولمز فيرلاج) الألمانية، عام 2015 ( ). تحتوي المجموعة على ما يقارب من 1500 وثيقة مرقونة كتبها البرتغاليون في أثناء احتلالهم لعمان والمناطق الأخرى في الهند وفارس وشرق إفريقيا. يعرض الكتاب الوثائق باللغة البرتغالية مع وجود ترجمة إلى العربية والإنجليزية. الدراسة الحالية تعتمد النص الإنجليزي بتلك الوثائق؛ فأينما وجدت إشارة إلى تلك الوثائق في هذا الكتاب فهي إشارة إلى النص الإنجليزي، وأينما وردت عبارات موضوعة بين علامتي تنصيص في سياق هذه الدراسة فإنها ترجمة المؤلف للنصوص الإنجليزية. وأينما وردت الأقواس المعقوفة وبداخلها ثلاث نقاط [...]، فذلك يعني أن المؤلف حذف محتوى من النص المترجم، وأينما وردت الأقواس المعقوفة وبها نص، فإن ذلك النص إضافة وضعها المؤلف لتوضيح المعنى. الأسماء البرتغالية الواردة في تلك الوثائق ترد في هذه الدراسة باللغة العربية حسب تقدير المؤلف لنطق تلك الكلمات وترد كذلك باللغة البرتغالية أو الإنجليزية كما كتبت في النص المترجم منه.
الدين وأهميته في الحملات الاستعمارية البرتغالية:
الدين ممثلا في الكاثوليكية الرومانية الفاتيكانية مُكون محوري في الحملات الاستعمارية البرتغالية التي بدأت في نهاية القرن الخامس عشر ومطلع القرن العشرين، وشملت أقطارا كثيرة في إفريقيا وآسيا والأمريكيتين، ووصلت عُمان في 1507م برئاسة (أفونسو دي ألبوكيرك- Afonso de Albuquerque)( )، قائد الأسطول الحربي الذي أنشأ ملك البرتغال (إيمانويل الأول- Manuel I)( ) و أُطلق عليه (الأسطول البرتغالي في بحر العرب والخليج الفارسي). كانت المهمة الأساس لذلك الأسطول قطع طرق التجارة البحرية بين الهند وبحر العرب والخليج العربي والبحر الأحمر، بالسيطرة على المدن الساحلية الواقعة على هذه البحار وتدمير موانئها وأساطيلها البحرية. عين الملك إيمانويل الأول قائدا عاما له قائده العسكري أفونسو دي ألبوكيرك، ولما كان البعد الديني مكونا محوريا في الحملات الاستعمارية البرتغالية، كان حاضرا في عقلية القادة العسكريين البرتغال وكانت أرواحهم مشبعة بالعداء للديانات غير الكاثوليكية لا سيما الإسلام، فقد وضع البوكيرك ضمن قائمة أهدافه هدم الكعبة المشرفة ونهبها ثم الذهاب إلى المدينة للاستيلاء على جسد النبي محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، وحرقه علنا أمام الناس ثم يقوم بالاستيلاء على القدس من أيدي المسلمين ليجعلها بديلا لمكة والمدينة( ). ولتحقيق أهدافهم الدينية أنشأ البرتغاليون الأديرة والكنائس في معاقلهم الحصينة وقلاعهم التي شيدوها في المدن الواقعة تحت سيطرتهم، وأسندوا مهام إدارة تلك الأديرة إلى رجال الدين والرهبان الكاثوليك الذين يشرف على تعينهم في مواقعهم ملوك البرتغال ويرسلونهم إلى المنطقة في سفن الأساطيل الحربية والتجارية البرتغالية.
ومما يبرز أهمية الدين وحضوره في الحملات الاستعمارية البرتغالية، كان القادة العسكريون ونواب الملك في المستعمرات البرتغالية في الشرق ورؤساء المسالك الدينية الكاثوليكية يختتمون رسائلهم إلى الملك بالدعاء: "حفظ الرب جلالتكم كاثوليكا مخلصا حتميا للمسيحية ولأتباعك"( ).
ومما يؤكد أهمية الدين ودوره في الحملات الاستعمارية البرتغالية، تضمين القرارات التي يصدرها ملوك البرتغال بتعيين المسؤولين والقادة عبارة تنص على أن يقوم الشخص قبل مباشرة عمله بالقسم على الكتاب المقدس بأن يكون مخلصا للملك طائعا له. فقد نص قرار الملك فيليب الثاني في 15 مارس 1617م بمنح (مغيل دي ليما دي توريس- Miguel de Lima de Torres) قبطانية قلعة مسقط على أن يقسم على الكتاب المقدس بأن يؤدي خدماته بإتقان وأمانة، واضعا نصب عينيه مصالح الملك: "عليه القسم على الكتاب المقدس في مبنى المستشارية بأنه سيقوم بأداء مهامه بإتقان وأمانة، وأن يضع دائما نصب عينيه خدمة مصالحي"( ). وورد في رسالة الملك جواو الرابع التي نصت على إنعامه بمنصب كاتب الجمرك في مسقط على (فرنسيسكو مرتينش – Francisco Martins) في 19 مارس 1643م أن يقوم بالقسم على الكتاب المقدس: "على كبير الأمناء أن يستنطقه القسم على الكتاب المقدس بأنه سيقوم بخدمتي بإتقان وأمانة، وأن يضع دائما نصب عينيه خدمة مصالحي"( ).
بداية الوجود الديني الكاثوليكي المصاحب للاستعمار البرتغالي في عمان:
تعود المحاولات الأولى للرهبان البرتغاليين المرافقين للأسطول البرتغالي لتأسيس وجودهم في عُمان إلى (الرهبان اليسوعيين- Jesuits)( ) الذين أنشأوا بيتا في مسقط في 1549م. كان أول الرهبان اليسوعيين وصولا إلى مسقط الهولندي (جاسبار بارزوس -Gaspar Barzeus) وذلك في عام 1549م، إلا أنه غادرها بعد شهرين ربما بسبب المرض. ولم يكن نصيب الراهب (الأب ميجول دا نوبرجا - Father Miguel da Nóbrega) الذي خلف جاسبار بارزوس في مسقط، أوفر للبقاء في عمان؛ إذ وقع في عام 1552م أسيرا في أيدي القوة البحرية العثمانية بقيادة أحمد محيي الدين بيري المعروف باسم (بيري ريس) التي هاجمت البرتغاليين في مسقط ذلك العام، واقتادته إلى القاهرة ومعه ستين جنديا برتغاليا ومئة شخص آخرين من الجالية البرتغالية المقيمة في مسقط( ).
غادر الرهبان اليسوعيون المنطقة بشكل نهائي في عام 1567م محملين بقدر كبير من الإحباط من نجاح جهودهم التنصيرية في المجتمع المسلم في الجانبين العربي والفارسي. قال الراهب اليسوعي (الأب انتونيو دي كوادروس - Father António de Quadros) في رسالة كتبها من هرمز في عام 1563م: "إننا لم نحصل على أي شيء من المورز [المسلمين]، ولا يبدو أن لنا أي أمل في الحصول منهم على شيء"( ). تسلم العمل التنصيري في المنطقة بدءا من عام 1560م (رهبان المسلك الدومينيكاني- Dominicans)، لكن وجودهم تركز في هرمز، ولم يكن لديهم الاستعداد لإنشاء مراكز أخرى في المنطقة؛ مما أدى إلى فراغ في المؤسسة الدينية البرتغالية في المواقع التي احتلها البرتغاليون في عُمان وذلك حتى تأسيس رهبان مسلك الأوغسطين وجودهم في مسقط عام 1596م( )، بتكليف من ملك البرتغال (سيبشتياو الأول- Sebastião I) (ملك البرتغال من 1557 إلى 1578م)( ).
المسلك الرهباني الأوغسطيني: التاريخ والفلسفة الدينية والسياسية:
ينتسب المسلك الرهباني الأوغسطيني إلى الراهب أوغسطين أوغسطينوس (عاش: 354- 430) المعروف بأسقف هيبو (مدينة عنابة الجزائرية، حاليا) ( ). أوغسطين من كبار الفلاسفة اللاهوتيين المؤثرين في الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى؛ لذلك، فإنه أب روحي لهذا المسلك الرهباني الكاثوليكي وليس المؤسس له؛ إذ أن تأسيسه جاء بعد أمد طويل من وفاة أوغسطين وذلك في مطلع الألفية الثانية عندما أراد مجموعة من الرهبان الكاثوليك الأوربيين العمل بحِكَمِ أوغسطين التي سطرها في تراثه المكتوب الذي كان في ذلك الوقت متقبلا ومنتشرا بشكل كبير في الوسط الديني في أوربا بين الكاثوليك الرومانيين، لا سيما في إيطاليا.
ساهم في تشكل الهوية الدينية للمسلك الأوغسطيني الكتابات التي قام بها مجموعة من المؤلفين الأوغسطين الإيطاليين الذين وضعوا أسس المسلك التنظيمية وفلسفته السياسية منهم (جايلس- Giles) (1243- 1316م) و(جيمس- James) (1255-1308م) و(أوغسطين- Augustinus) (1270-1328) ( ). ومن حيث الرعاية الفاتيكانية، انتظم الكاثوليك الأوربيون اللذين تبنوا الأوغسطينية تحت مظلة قرار أصدره بابا الفاتيكان (إنوسنت الرابع- Innocent IV) في عام 1243م، لمَّ شتاتهم في جماعة واحدة، ومنحهم صبغة بابوية رسمية كمسلك كاثوليكي تابع للبابوية اليونانية. وفي 1256م أصدر بابا الفاتيكان (أسكندر السادس- Alexander VI) قرارا بابويا آخر أسهم في إضفاء المزيد من التجانس بين المجموعات والأفراد الذين شملهم القرار السابق، وأضاف إليها مجموعات كاثوليكية أخرى. وفي عام 1327م أصدر بابا الفاتيكان (يوحنا الثاني والعشرون- John XXII) قرارا ينص على أن اتباع المسلك هم الأبناء الحقيقيون للقديس أوغسطين وأنه معلمهم وأبوهم وقائدهم ورئيسهم؛ مما أعطى المسلك الإحساس بأن سلطته يستمدها من شخصية تُعد روحيا فوق سلطة بابا الفاتيكان نفسه؛ ألا وهو القديس أوغسطين.
الرعاية الفاتيكانية المبكرة لجماعة الأوغسطين أفادت المسلك من جوانب عدة. فقد تشكلت بذلك الهوية الكاثوليكية الرومانية للمسلك؛ مما ساعد في نيل الجماعة ثقة ملوك أوربا الكاثوليك، بما فيهم ملوك شبه القارة الإيبيرية: البرتغال وإسبانيا، واعتمادها كتوجه ديني متجانس مع الكاثوليكية الفاتيكانية وليس منفصلا عنها؛ لأن الكاثوليكية هي السائدة في أوربا في ذلك الوقت ولا يقبل من أي فرقة أخرى منافستها.
مواقف الأغوسطين من الإسلام والمسلمين تشكلت في ضوء صدام الكاثوليكية بالإسلام ودعم الفاتيكان الصريح والمطلق لذلك الصدام. فقد كان الفاتيكان داعما قويا للملوك البرتغاليين في عدوانهم على العالم الإسلامي سواء بإصدار القرارات البابوية المشرعة لذلك العدوان أو بتمويل الجيوش وإرسال الفرسان للمشاركة في المعارك. فقد أصدر البابا (نيقولا الخامس- Nicholas V) في 1452م القرار البابوي الذي عرف باسم (دوم ديفرساس - Dum Diversas) بهدف دعم ملك البرتغال (الفونسو الخامس- Alfonso V) في عدوانه العسكري على العالم الإسلامي وشمال إفريقيا والمغرب الأقصى. أعطى البابا، انطلاقا من سلطته الرسولية، الملك الفونسو الخامس السلطة الكاملة والمطلقة لغزو العالم الإسلامي وإخضاع المسلمين للدولة البرتغالية واستعبادهم والاستيلاء على ممتلكاتهم واستباحة حرماتهم، نص البابا على ذلك في القرار بقوله:
"إلى الابن الأعز في المسيح، ألفونسو المتألق ملك البرتغال والغربيين، التحية والبركة الرسولية، [...]. لقد تفهمنا رغبتكم الورعة المسيحية بإخضاع أعداء المسيح، تحديدا الساراكينوس [المسلمين]، وإعادتهم بقوة السلاح إلى دين المسيح، إن نلتم لذلك الفعل دعم سلطة الكرسي الرسولي. [...]. إننا من خلال السلطة الرسولية لهذا المرسوم نمنحك السلطة الكاملة والمطلقة لغزو الساركينوس والوثنيين وغيرهم من الكفار وأعداء المسيح، ومحاربتهم وهزيمتهم وإخضاعهم أينما كانوا وفي جميع ما أنشأوا من ممالك ودوقيات وقصور ملكية وإمارات وولايات وأراض وأماكن وعقارات ومخيمات وأي ممتلكات أخرى، وسلع ثابتة ومنقولة وجدتموها في سائر الأماكن [...] وأن تقود رعاياهم عبيدا أذلاء، وأن تحتفظ بما تراه مناسبا من هذه الممالك والدوقيات والقصور الملكية والإمارات والعقارات والسلع ونحوها لنفسك ولاستعمالاتك ولورثتك من ملوك البرتغال" ( ).
من هذا المنطلق، ولقرب الرهبان الأوغسطين من عرش الملك في لشبونة، ولتفانيهم في خدمة الملوك البرتغاليين، ومشاركتهم في الحملات الصليبية التي استهدفت شمال إفريقيا، وما تمتعوا به من حماس في نشر النصرانية بين المسلمين، ولما يتمتع به مسلك الأوغسطين من تنظيم وقيادة وعلى درجة عالية من المسؤولية؛ أصبحوا مؤهلين لإرسالهم إلى المستعمرات البرتغالية في الشرق، تحديدا عُمان والعراق وفارس والهند.
يقول الراهب (سيماو دا جراسا- Friar Simão da Graça)- أحد مؤرخي مسلك الأوغسطين: "رفع النائب العام المعروف بولائه وغيرته إلى الملك سيبشتيو مقترحا يقول فيه بما أن أساقفة المسالك الدينية المقدسة الثلاثة: الفرانسيكان واليسوعيين والدومينكان قد أرسلوا رجال الدين لتحويل المورز [المسلمين] والوثنيين الشرقيين إلى المسيحية، وأصبح لكل هذه المسالك الثلاثة أديرة في جوا، فمن الأفضل أن لا يحرم رجال الدين الأوغسطين من شرف الرب وتجلياته التي تتحقق لهم من هذا الفتح الروحاني. وبما أن المسالك الثلاثة السابق ذكرها تقوم بالتبشير في بارديز وسالسيت وفي جزيرة جوا فيتعين كذلك السماح لرجال الدين الأوغسطين الذهاب للتبشير في مضيق هرمز ومسقط وفارس والجزيرتين العربيتين: العربية السعيدة والعربية البترائية، وفي أرمينيا"( ).
سنحت الفرصة لإرسال الرهبان الأوغسطين إلى الشرق في عام 1571م؛ وذلك عندما أرسل القبطان العام البرتغالي في هرمز (لويس دي سلفا - Luis de Melo Silva) طلبا إلى الملك (سيبشتيو الأول) راجيا منه إمداد كنيسة هرمز بالرهبان بعد فشل (اليسوعيين) (والدونيميكانيين) في مهمتهم. أمر الملك سيبشتيو الأول الكاهن (اوغسطينو دي كاسترو - Agostinho de Castro) بتنفيذ الطلب، فرشح على الفور أحد عشر من رجال الدين الأوغسطين، ليبدأ بذلك رهبان مسلك الأوغسطين مهمتهم التنصيرية المؤازرة والمصاحبة للوجود العسكري البرتغالي في المنطقة وذلك حتى تصفية الاستعمار البرتغالي نهائيا على أيدي قوى التحرر الوطنية التي ثارت في معاقل البرتغاليين في الشرق.
وأصبح للأوغسطين بين عام 1574م وعام 1626م وجودا في معظم المناطق الخاضعة للاستعمار البرتغالي في الشرق، وأصبح لهم مراكز ثابتة يقيم فيها رهبان معينون وتؤدى فيها الطقوس الدينية في مسقط، وصحار، وكوتشين، وتشاول، وهوجلي، وكولومبو، ومتوي دامان، والبنجال، وملقة، وماكاو، وممباسا، وهرمز، وأصفهان، وبندر عباس، والبصرة، وجورجيا وغيرها من المناطق( ). وفي تقرير بعثه نائب الملك في الهند إلى ملك البرتغال في عام 1622م ذكر أن رهبان مسلك الأوغسطين يعملون في مسقط وهرمز وممباسا، في حين أن رهبان مسلك الفرنسيسكان يعملون في أراضي البارديز الواقعة شمال جوا، ويعمل الدومينيكان في جزيرة سولور بأندونيسيا ( ).
دير القديس أوغسطين في مسقط:
بدءا من عام 1596م أصبح لمسلك الرهبان الأوغسطين دير في مسقط عرف باسم (دير القديس أوغسطين)- يرد في الوثائق والنصوص البرتغالية بعبارة: ( convento de Santo Agostinho) وفي النصوص المكتوبة باللغة الإنجليزية بعبارة: (convent of saint Augustine). يعتقد عالم الآثار البرتغالي (إدواردو كول دي كارفالو - Eduardo Kol de Carvalho) أن دير القديس أوغسطين هو المبنى الذي أصبح يعرف بعد ذلك باسم (بيت الجريزة) ويقع في الجهة الغربية من المنطقة الواقعة داخل سور مسقط آنذاك. يبني كارفالو رأيه على أن لفظة (الجريزة) مأخوذة من الكلمة البرتغالية igreja)) التي تعني الكنيسة؛ مما يوحي بأن ذلك المبنى كان كنيسة في أثناء الوجود البرتغالي( ). ويوجد داخل قلعة الميراني دير صغير لا يزال قائما إلى الآن.
ومما يؤكد بأن دير القديس أوغسطين يقع داخل التحصينات التي أنشأها البرتغاليون في مسقط وليس خارجها، أن المجلس الذي شكله القبطان العام للقلعة (جيل إيناس دي نورونا- Gil Eanes de Noronha) لمناقشة توقيع اتفاقية السلام مع سلطان بن سيف قائد جيش الإمام ناصر بن مرشد الذي حاصر البرتغاليين في مسقط في عام 1648م كان يعقد اجتماعاته في دير القديس أوغسطين، وكان القبطان العام نفسه يترأس تلك الاجتماعات، ويحضرها مسؤولون عسكريون وتجار ورئيس الدير ورهبان آخرون. وكان القبطانُ العام قد كلف رئيسَ الدير الأب (لويس دي مادر دي ميوس- Luis de Madre de Deus) بكتابة محاضر الاجتماعين الأول والثاني وورد في محضر الاجتماع الأول أن الدير يقع داخل تلك التحصينات: "في الحادي عشر من سبتمبر ألف وستمائة وثمانية وأربعين في هذه القلعة بمسقط، في دير الأوغسطين، وفي اجتماع للمجلس أمر به وترأسه القبطان العام دوم جيل يناس دي نورونا[...]"( ).
الأهمية الاستراتيجية لدير القديس أوغسطين في مسقط للمحتل البرتغالي:
كان لدير القديس أوغسطين في مسقط أهمية استراتيجية للمحتل البرتغالي تأتي من أهمية الكنيسة ذاتها كمؤسسة دينية في الدولة البرتغالية ومستعمراتها في الشرق، ومن الأهمية الاستراتيجية لموقع مسقط الجغرافي للمحتل البرتغالي الذي بسط سيطرته على المنطقة بشكل عام. من هذا المنطلق فقد شكل دير القديس أوغسطين في مسقط نقطة ثقل مركزية في الوجود الديني البرتغالي ليس في عمان وحدها وإنما في المنطقة بأكملها بما فيها فارس والعراق. يقف خلف هذا الدور الديني المركزي لدير مسقط عاملان أساسان هما: أن رهبان مسلك الأوغسطين العاملين في الدير كانوا هم الجماعة المسيحية البرتغالية الرئيسة العاملة في المستعمرات البرتغالية في عُمان وفارس والبصرة وأماكن أخرى بالجزيرة العربية. والعامل الثاني يتمثل في الدعم السياسي والديني واللوجستي الذي تتلقاه هذه الجماعة من السلطات البرتغالية. يقول الراهب سيماو دا جراسا: "كنا نحن المسؤولون عن قلعة مسقط التي يقع فيها الدير برهبانه الستة، بل وفي بعض الأحيان أكثر من ستة. رهبان الدير كانوا يقومون على إدارة المتطلبات الروحية للناس المقيمين هناك. وكان الراهب رئيس الدير هو النائب الإقليمي للجماعة هناك وأب للمسيحيين كلهم"( ). ووردت الإشادة بالدير ومكانته ونشاط رهبانه الأوغسطين في التقرير الصادر في عام 1628م بالقول: "الدير الموجود في مسقط يترأسه أب المسيحيين وهو النائب الأبرشي في تلك الديار كلها. ويقوم الرهبان الأوغسطين بتقديم الطقوس جميعها في تلك البلاد، وفي الأماكن الأخرى الواقعة على طول مضيق هرمز، وفي الأساطيل المبحرة فيه بشكل مستمر؛ إذ أنهم يسافرون مع القطع البحرية لهذه الأساطيل في ذلك المكان، ولا يوجد هناك رجال دين غيرهم عدا الرهبان الكرمل المقيمون في البصرة"( ).
وضح النائب العام الإقليمي لكنيسة الأوغسطين في الهند في الرسالة التي وجهها إلى زميله في العمل الراهب الأب (فرنسيشكو دي سانتو أجوشتينيو- Francisco de Santo Agostinho) بتاريخ 29 مارس 1631م رؤيته للمكانة الإقليمية لدير القديس أوغسطين في مسقط والدور الذي يمكن أن يلعبه في ترسيخ الوجود المسيحي البرتغالي، ليس في عُمان وحسب وإنما في المنطقة بشكل عام، إذ قال في تلك الرسالة: "نفوذ الدير سيشمل جورجستان والبصرة وبندر كُنج الذي سننشئه قريبا. إنني أرى أن ذلك الدير من أهم القواعد للحفاظ على الإرساليات كلها وإدارتها بفاعلية. إنني أرى بأنه مفتاح المراكز الأخرى جميعا وبوابة لها: منه يمكن كتابة الملاحظات وإرسالها، أو العبور من خلاله بأمان كل ما دعت الحاجة. في نيتنا أن نجلب إلى هذا المركز بعض الفتيان من سكان المناطق الأخرى لتعليمهم جيدا وتربيتهم ثم إعادتهم إلى مناطقهم. ولهذا الغرض فإنني أنوي نقل كلية القديس يوحنا لتكون على مقربة منه. إن الاستثمار في هذا المكان مهم للغاية، والقبطان العام فرير، الذي ساهم بالكثير، أعرب بإصرار أنه يرى ذلك التوجه في غاية الأهمية وسيكون مثمرا أكثر من أي شيء آخر، والجهود بالمبذولة فيه ستصب في خدمة دين الرب؛ لأن المقيمين في هذا المكان من البرتغاليين والأسرى المسيحيين يمكن إرسالهم بفاعلية إلى المناطق الأخرى، وكذلك بالنسبة للسكان الأصليين الذين يختارون السكن في هذا المكان، إضافة إلى خدمات أخرى كثيرة ستطلعون عليها في ورقة أخرى سأرسلها إلى فضيلتكم"( ).
وقد تعاظمت أهمية دير القديس أوغسطين بمسقط للمحتل البرتغالي بعد فقدان البرتغاليين السيطرة على هرمز في عام 1622م وما ترتب على ذلك من خروج جميع الرهبان الأوغسطين البرتغال من الكنيسة التي شيدوها في قلعة هرمز؛ وبالتالي تهاوي مكانة تلك الكنيسة ونهاية دورها كمركز إقليمي لكنائس البرتغاليين وأديرتهم في المنطقة. فإثر تحرير هرمز نقل الرهبان الأوغسطين الريادة الدينية في المنطقة إلى ديرهم في مسقط، وأصبح رئيس الدير هو النائب الإقليمي لكنائس وأديرة الأوغسطين في عُمان والخليج والعراق والسند. أكد (الأب جاسبر أوريوم- Gaspar de Amorim) النائب العام الإقليمي لرهبان مسلك الأوغسطين في الهند في رسالة بعثها في 8 يناير 1636م إلى الملك على الدور المحوري لدير مسقط في مناطق نفوذ البرتغاليين في المنطقة بقوله: "رئيس دير مسقط هو قس الأبرشية والنائب الإقليمي للمضيق بأكمله وجميع معاقل المسيحية في البحر الفارسي"( ).
انعكست الأهمية الدينية الاستراتيجية لدير القديس أوغسطين في مسقط على الجوانب التنظيمية للدير والقوانين والتشريعات التي أطرت عمل الرهبان وعلاقتهم بالمؤسسات الأخرى في الشرق وفي الوطن الأم، وأنشطتهم ومهامهم وأعمالهم.
الجانب التنظيمي والطبيعية الإدارية:
تبعية المسالك الرهبانية الكاثوليكية وتنظيمها ينقسم إلى شقين. الشق الأول سياسي أو وطني يتبع من خلاله المسلك الدولة التي ينتمي إليها ويذعن بالولاء لملكها ونظامها الحاكم. لذلك، مسلك الرهبان الأوغسطين، كسائر المسالك والإرساليات البرتغالية، يتبع ملك البرتغال ويقع تحت حكمه وإدارته. ينوب عن الملك في إدارة شؤون المستعمرات البرتغالية نائب الملك في جوا بالهند التي اتخذها البرتغاليون عاصمة لمستعمراتهم في آسيا وشرق إفريقيا. تشمل مسؤوليات نائب الملك الإرساليات الكاثوليكية البرتغالية بمختلف مسالكها الرهبانية بما فيها مسلك الأوغسطين البرتغال وفرعه في مستعمرتهم بمسقط( ).
والشق الثاني ديني يقوم على هرمه بابا الفاتيكان مباشرة ويأتي تحته الأساقفة والرهبان. من حيث الإدارة الدينية يتبع دير مسلك الرهبان الأوغسطين في مسقط (كنيسة سيدة الرحمة) المقر الرئيس لمسلك الأوغسطين في لشبونة، ويقع تحت سلطتها وإشرافها المباشرين. إقليميا يتبع دير القديس أوغسطين في مسقط (النائب العام لكنيسة الأوغسطين في جوا بالهند – general vicar of Augustinian order in India) الذي يُعَّد المرجعية الإقليمية للمسلك في الشرق( ). تقع على عاتق النائب العام المسؤولية عن الرهبان في دير القديس أوغسطين في مسقط ومتابعة أدائهم وعملهم والمخصصات المالية للدير والعاملين فيه، ويقوم بزيارات تفقدية إلى الدير. أكد ملك البرتغال جواو الرابع في رسالة وجهها في 15 نوفمبر 1646م إلى نائبه في الهند أن تعيين الرهبان في مناصبهم بالأديرة والكنائس التابعة للمستعمرات البرتغالية في الشرق هي مهمة دينية؛ لذلك تقع على عاتق الأساقفة البرتغاليين في الهند. وقد أمر الملك أولئك الأساقفة بتعيين الأشخاص الأكفاء في تلك المناصب تفاديا لما يجلبه تعيين الأشخاص غير المؤهلين في مناصب كنسية من ضرر كبير بمصالح الملك وأذى لرعاياه وكثرة الشكاوى( ).
الموارد المالية للدير:
تكفلت حكومة البرتغال بالموارد المالية التي يحتاج إليها الرهبان الأوغسطين في مسقط، وغيرها من الأماكن التي أقاموا وعملوا فيها. يقول الراهب سيماو دا جراسا: "أمر الملك نوابه بمنح الرهبان التمويل الذي يحتاجونه في إرساليتهم ومنحهم الرواتب الملكية الاعتيادية للعمل في هرمز ومسقط"( ) . وورد في وثيقة صادرة في 1621م، عنيت بالمخصصات المالية للرهبان الأوغسطين "أن ستة رهبان يقيمون في الدير بمسقط يستلمون رواتبهم من خزينة صاحب الجلالة كل أربعة أشهر على غرار المعمول به في هرمز لكل راهب مائة باردوس فضي. ويقيم راهبان في قلعة صحار يستلمون العلاوة الربعية نفسها بواقع مائة باردوس في السنة لكل راهب"( ).
صدر في 12 فبراير 1636م "القانون المنظم لقلعة مسقط ووكالتها التجارية" الذي أعده (بلتزار مارينو- Baltasar Marinho) مراقب المالية في القلعة واعتمده الملك (فيليب - Phelippe) وشمل من ضمن فقراته تحديد آلية صرف المخصصات المالية للرهبان العاملين في مسقط. فَصَل بلتزار مارينو الأموال المسلمة للرهبان عن المصاريف العامة للقلعة، وورد نص في القانون بعدم جواز تسجيل الأموال المسلمة للرهبان في السجل العام للمصاريف سواء كانت تلك الأموال رواتب أو مصاريف يومية، بل ينشأ لها سجل خاص. ومنع القانون صرف أي مبالغ للرهبان ما لم يكن أمين الخزانة حاضرا ودُوِّن في أثناء حضوره المبلغ المصروف في سجل الراهب. وأفرد بلتزار لكل راهب سجلا خاصا يحتوي على قرار تعيينه وراتبه والمبالغ أو المعونات الأخرى التي يستلمها( ).
إلى جانب الرواتب التي يمنحها الملك للرهبان وترسل إليهم بواسطة نائب الملك في الهند والنائب العام الإقليمي لكنيسة الأوغسطين في الهند، تأتي الموارد المالية للدير من التبرعات العينية التي تجمع خلال الصلوات والمراسم الدينية التي تقام في الدير وخارجه. وتأتي موارد مالية أخرى من أعمال تجارية يقوم بها الرهبان مثل التجارة والديون الربوية وبيع السلع لا سيما المصدرة عبر البحر من وإلى الهند وغيرها من المراكز التجارية؛ فقد ورد ذكر عدد من تلك المصادر المالية في الرسالة التي بعث بها النائب العام الإقليمي لكنيسة الأوغسطين في الهند إلى (الأب فرانسيسكو ريبيرو- Friar Francisco Ribeiro) المسؤول عن الدير في مسقط"( ).
التنصير:
نشر النصرانية وتمكينها في عُمان وتحويل المجتمع المسلم إلى النصرانية أحد أهم الأدوار التي أراد البرتغاليون أن يضطلع بها دير القديس أوغسطين في مسقط. فقد أكد نائب الملك في الهند (جواو كوتينو - João Coutinho) في رسالة بعث بها في 15 فبراير 1619م إلى الملك فيليب الثاني أن الرهبان الأوغسطين المقيمين في مسقط يقومون بتحويل الناس إلى المسيحية( ). وقال الراهب سيما ودا جراسيا: "أقام الرهبان الأوغسطين على طول سواحل الجزيرة العربية وفارس. وفي مسقط كانوا هم رهبان القلعة ونواب المسلك. لقد تحول إلى ديننا الكثير من الوثنيين والمورز [المسلمين]، والشكر يعود إلى أولئك الرهبان"( ). وورد في تقرير للنائب الإقليمي لمسلك الأوغسطين في الهند صدر في جوا في 1628 "أن المبشرين المقيمين في مسقط وصحار بالجزيرة العربية قد عمدوا ثمانمائة وستة وعشرين متحولا"( ).
صدر في شهر أغسطس 1626م كشفا بأسماء نحو 107 من الرجال والنساء والأطفال عمّدهم رهبان دير القديس أوغسطين في مسقط. كتب الكشف الراهب (جواو دا كوستا- Joao da Costa) كاتب الشؤون الدينية بأمر من الراهب الأب (فرانسيشكو دا إكسبكتاكاو- Francisco da Expectacao) رئيس دير (سيدة الرحمة- Lady of Grace)، وأكد أن الكشف مبني على أسماء وُجدت في وثائق الدير لأشخاص عمدهم رهبان الدير خلال ثلاث سنوات: بين شهر سبتمبر 1623 وأغسطس 1625. البيانات الواردة في الكشف شملت أسماء الأشخاص المعمدين وأصولهم ونوعهم الاجتماعي وأعمارهم ودياناتهم السابقة( ).
أطلق على جميع الأشخاص المذكورين في الكشف أسماء نصرانية برتغالية بغض النظر عن أصولهم العربية أو الفارسية أو الهندية مثل: (جرايسا- Gracia) مسلمة من جزيرة لار الفارسية، و(فرناندو- Fernando) العربي. إطلاق أسماء نصرانية برتغالية على هؤلاء الأشخاص المنتمين لعرقيات وثقافات ولغات مختلفة قد يدل على أن البرتغاليين كانوا يغيرون الأسماء الأصلية للأشخاص الذين يقعون في أيديهم بعد تنصيرهم وتعميدهم لطمس هويتهم وفصلهم عن جذورهم وتاريخهم.
الأشخاص الواردة أسماؤهم في الكشف لم يكن جميعهم عُمانيون فضلا عن كونهم من سكان مسقط التي يقع فيها الدير، بل لم يرد في الكشف إلا اسم شخص واحد من مسقط وهي امرأة أطلق عليها (ماريا- Maria) ذُكر أنها عُمدت في شهر ديسمبر 1625 وأنها عربية من مواليد مسقط تبلغ من العمر ستة وعشرين عاما. من بين الشعوب والعرقيات والمناطق الأخرى غير عُمان التي ينحدر منها الأشخاص الوارد ذكرهم في الكشف: أرمينيا، وفارس، وجوا، والكاناري، وهرمز، وجزيرة لارك، وجزيرة قشم، وساحل الملبار، وكورمبين، والبصرة، وتركيا، وديو، والسند، والبنغال واليونان. ويوجد بالكشف بعض الأشخاص لم تذكر أصولهم أو دياناتهم أو الأماكن التي جيء بهم منها إلى مسقط.
الأماكن الساحلية التي ينحدر منها المعمدون الواردة أسماؤهم في الكشف كانت آنذاك تقع تحت هيمنة الاستعمار البرتغالي كليا أو جزئيا مثل ساحل الملبار، أو أنها كانت في حالة عداء وحرب مثل هرمز وقشم الفارسية. وبُعْدُ الأماكن الأصلية التي ينحدر منها الأشخاص الورادة أسماؤهم في الكشف عن مسقط التي يقع فيها دير القديس أوغسطين، حيث جرت مراسم تعميدهم يثبت ممارسة البرتغاليين للإتجار بالبشر ونقلهم من مكان إلى آخر في أساطيلهم الحربية والتجارية التي كانت تجوب البحار. فالبصرة كانت تتبع الدولة العثمانية المناوئة للوجود الاستعماري البرتغالي، وهرمز تحررت من الاستعمار البرتغالي في 1622م. واشتمال الكشف على أسماء ما يقارب من خمسين شخصا من أصول فارسية- واحد وعشرين امرأة وتسعة أطفال وعشرة رجال- قد يدل على تكثيف البرتغاليين أعمال القرصنة في الجانب الفارسي واختطاف الرجال والنساء والأطفال. ذلك ما أكده الراهب سيما دا جراسيا في سرده لتاريخ الأوغسيطيين ووجودهم في المنطقة، إذ قال: "لقد استاء البرتغاليون كثيرًا بضياع مملكة هرمز؛ ما دفعهم إلى القيام بغارات على طول شواطئ المضيق والأراضي التابعة للشاه. هاجم الأسطول بقيادة القبطان العام (روي فريرا دي آندريد- Rui Freire de Andrade) أماكن كثيرة وألحق أضرارا بالغة بالعدو بقتل وأسر وتدمير كل ما وجدوه في هذه الموانئ. كان من بين الأسرى ثلاثة أو أربعة مور [مسلمين] من أقارب سلطان شيراز، وهو أحد الشخصيات القيادية في فارس. قِيد الأسرى إلى مسقط ومن هناك رُحلوا إلى الهند"( ). وأكد القبطان العام للمضيق روي فريرا دي آندريد في تقرير رفعه من مسقط في 28 مايو 1624م إلى الملك فيليب الثالث بأنه رابط بأسطوله قبالة هرمز وهاجمها، واستولى على عدد كبير من الطرادات العابرة بالبحر وقتل أشخاصا كثيرين، وحرق السفن المحملة بالبضائع القادمة من سورات وساحل الملبار، وهاجمت سفنه جوادر وعادت منها بالغنائم، وأوقف التجارة البحرية بين السند والخليج، وهاجم البصرة والبحرين( ). وجاء في تقرير للنائب الإقليمي لمسلك الأوغسطين في الهند صدر في جوا في 1628م "أن المبشرين المرافقين للأسطول البحري بقيادة القائد روي فريرا دي آندري حولوا إلى المسيحية وعمدوا مائتين وخمسة وخمسين بالغا وطفلا ممن أسرهم الأسطول خلال الهجوم الذي شنه في مضيق هرمز"( ).
إضافة إلى تأكيد البرتغاليين لتصعيدهم الأعمال العدوانية تجاه هرمز وأسرهم للنساء والأطفال والرجال، ورد في التقرير السابق أن بعض المعمدين هم أسرى كان يملكهم بعض العسكر العاملين في الأسطول البرتغالي، إذ ورد أن (مارجارديا- Margarida) فارسية الأصل، أسيرة لدى (مانويل ريبيرو – Manuel Ribeiro). وذكر الكشف أن بعض الأشخاص عمدوا في أثناء وجودهم على متن الأسطول الحربي منهم (مانويل- Manuel، ودومينجوش- Domingos) اللذان عمدا مرتين: مرة على متن الأسطول والأخرى في الدير في مسقط.
ومما قد يدل على أن الواردة أسماؤهم في الكشف كانوا من ضحايا الإتجار بالبشر الذي مارسته البرتغال أن أغلبهم من النساء والأطفال القصر: من بينهم نحو خمسة وعشرين طفلا أعمارهم بين الخمسة أشهر والثمانية عشر سنة، ومن بينهم خمسون امرأة أغلبهن في سن الشباب؛ مما قد يدل كذلك على أن البرتغاليين كانوا يتعمدون اختطاف الفتيات والنساء الشابات. وتعميد رهبان الدير بعض النساء مع أطفالهن قد يدل على أنهم كانوا يختطفون النساء المتزوجات ويفرقوهن عن أزواجهن، فمن النساء المختطفات مع أبنائهن بندارا التي أشار التقرير أنها كانت كافرة وعمدت مع ابنها، وآنا الفارسية عمدت وابنتها.
استعمال الكشف كلمة (كافر أو كافرة- cafre/cafra) وكلمة (موور- moura/moor) للتعبير عن الديانة السابقة لبعض الأشخاص الواردة أسماؤهم في الكشف وتجنب استعمال كلمة (مسلم/مسلمة أو إسلام)، حتى مع العمانيين قد يدل على العداء المتأصل الذي حمله البرتغاليون ضد الإسلام، لا سيما وأن الكشف ورد به ذكر الديانات السابقة لبعض المعمدين مثل (فيلبا- filipha) التي ذكر التقرير أن ديانتها السابقة اليهودية.
ورد في الكشف تعميد شاب أرميني أطلق عليه اسم (أجوستينو- Agostinho) ذُكر أنه "مسيحي ينتمي إلى طائفة (القديس يوحنا- St. John) عمره 13 عاما"( ). تعميد هذا الأرميني المنتمي إلى طائفة القديس يوحنا يثبت العداء المتأصل الذي حمله الأوغسطين البرتغال ضد الطوائف والمذاهب المسيحية غير الكاثوليكية التي التقوها في الشرق. فقد عمد رهبان الدير هذا الأرميني لأن طائفة (القديس يوحنا) في نظر الأوغسطين الكاثوليك البرتغاليين طائفة مهرطقة منحرفة عن النصرانية، أعضاؤها بحاجة إلى التعميد والعودة بهم إلى الدين المسيحي الصحيح المتمثل في الكاثوليكية الرومانية. ويبرز موقف الأوغسطين البرتغال المعادي لطائفة القديس يوحنا في نص الرسالة التي بعث بها ملك البرتغال (فيليب الثالث - Filipe III) في 3 فبراير 1635م إلى نائبه في الهند يحذره من السماح لأتباع طائفة القديس يوحنا من الإقامة في الهند، جاء فيها: "لا أعتمد قراركم باستقبال لاجئين في الهند من الأرمن القاطنين في البصرة المعروفين باسم مسيحيي القديس يوحنا، فما أعرفه عنهم أنهم جميعا مهرطقون تابعون للكنيسة الإغريقية، فليس من الرأي إسكانهم في وسط المسيحيين غير الناضجين، الذين لا يزال عودهم طري؛ خشية عليهم من تبني طرائقهم الخاطئة"( ). وقال الأب (جاسبر أموريم- Gaspar Amorim) النائب العام الإقليمي لمسلك الإوغسطين في الهند في رسالة بعثها إلى الملك فيليب الثالث في 8 يناير 1636: "إن المسيحيين المعروفين باسم جماعة القديس يوحنا ليس لهم من المسيحية إلا الاسم وهم غير معمدين"( ). لذلك أدرج الأوغسطين هذه الطائفة بين المجتمعات التي استهدفوها بنشاطهم التنصيري.
لم يكتف الأوغسطين بالعمل وسط هذه الطائفة النصرانية الشرقية في وطنها ببلاد الرافدين، بل عمدوا إلى تهجيرها إلى دبا الواقعة على بحر عُمان التي كانت كذلك تحت الاحتلال البرتغالي وبها دير تابع للأوغسطين يترأسه الراهب منويل دو أنجوش( ). جاءت تفاصيل هذه الإجراءات في التقرير الصادر في 1628 وورد فيه: "الآن الكثير من هذه الأسر العربية المسيحية من أتباع يوحنا المعمدين الذي كانوا يعيشون تحت إدارة رزا مبارك وفي غيرها من الأراضي التابعة للدير هجرناهم منها بهدف إسكانهم في كنيسة دبا التي يديرها رهبان جماعة أوغسطين. تقع دبا في مضيق فارس بالقرب من هرمز"( ).
وقد ساهم رهبان دير القديس أوغسطين في مسقط والقبطان العام للقلعة روي فريرا في نقل أبناء طائفة القديس يوحنا من البصرة إلى دبا، حسبما ورد في الرسالة التي بعثها النائب العام الإقليمي للأوغسطين في الهند إلى الراهب الأب (جواو لوبو- JoaoLobo) في مسقط في 28 مارس 1631 وأعرب فيها عن أسفه من فشل القبطان المسؤول عن تنفيذ نقل أعضاء طائفة القديس يوحنا: "الفشل في نقل مسيحيي القديس يوحنا إلى دبا يعد خسارة عظيمة. وكان لدى القبطان العام روي فريرا المقيم في ديرنا معنويات مرتفعة في المجيء بهم مهما كانت الكلفة. وعلى كل حال فإنني لا أعلم ماذا ستكون نتيجة هذا الفشل إن اندلعت الحرب مرة أخرى [في البصرة]"( ). ويقول سيماو دي جراسا: "في عام 1631 عندما كان الأب (مانويل دوس انجوش- Manuel dos Anjos) هو الراهب بدبا وكان الأب )مانويل دي آسونساو - Manuel de Assuncao) هو الراهب في مسقط، جاء ثلاثمئة من أتباع القديس يوحنا وطلبوا من الراهب تعميدهم وفق طقوس الكنيسة الرومانية. فعمدهم القس ومنحهم من الصدقات والعطايا"( ).
ونصت رسالة موجهة من المجلس الحاكم في الهند إلى الملك جواو الرابع في 23 ديسمبر 1651م وجود أفراد من أعضاء طائفة القديس يوحنا في مسقط ( )، بعد أن رحلهم البرتغاليون من البصرة وشتتوا شملهم في مستعمراتهم في هرمز ومسقط ودبا والهند وغيرها بذريعة أن هذه الطائفة النصرانية الشرقية ليست صحيحة الإيمان وأن على البرتغاليين إدخالهم من جديد إلى النصرانية.
منع البرتغاليون دخول الناس إلى الإسلام وأقاموا محاكم التفتيش لمحاكمة أي شخص يثبت أنه اعتنق الإسلام سواء كان ذا أصول برتغالية أو من المقيمين في المستعمرات البرتغالية. فقد أدانت محكمة التفتيش شخصا أطلق عليه (ماونيل - Manuel) ذكر التقرير "أنه مور [مسلم] مولود في الجزيرة العربية، مقيم في مسقط، أعزب، وأبواه موور [مسلمين]، ترك ديننا عندما كان يعيش في أرض المور [المسلمين] واعتنق نحلة محمد"( ). حكمت المحكمة على هذا الشخص بالسجن والنفي والتوبة عما ارتكبه. وللسبب نفسه وبتهمة اعتناق الإسلام في أثناء الإقامة بمسقط، قُدم لمحكمة التفتيش شخص يدعى (جواو جونسالفيش- Joao Goncalve) وآخر يدعى (منويل جورج- Manuel Jorge). كذلك قدم البرتغاليون للمحاكمة بتهمة اعتناق الإسلام جنودهم الذين وقعوا في أسر القوات العمانية، فحضر أمام محكمة التفتيش في كنيسة المسلك الفرانسيسكاني البرتغالي (خوزيه دي فجريدو- Jose de Figueiredo) الذي كان مقيما في مسقط وكانت تهمته اعتناق الإسلام بعد وقوعه أسيرا في أيدي المسلمين( ). وقدم للمحاكمة أمام محكمة التفتيش "(بيرو نونس - Pero Nunes)، ذكر التقرير أنه من الملونين، أعزب، [...] ومقيم في قلعة مسقط، وحوكم بتهمة "التحول إلى نحلة محمد وأنكر ديننا بشكل كامل في أثناء إقامته بأرض المورز"، وقد حُكم عليه بالسجن والتوبة والنفي إلى جزيرة سيلان( ).
مهام رهبان دير الأوغسطين في مستشفى القلعة:
أُسند إلى رهبان دير القديس أوغسطين المقيمين بقلعة مسقط القيام بمهام وأعمال في المستشفى الذي أنشأه البرتغاليون في القلعة نفسها لمعالجة جنودهم ورعاياهم. نظم القانون الذي عرف باسم "القانون التنظيمي للمستشفى"، الصادر باسم ملك البرتغال في 11 فبراير 1631م في جوا بالهند، آليات العمل في المستشفى، وأدوار الرهبان، ووظائفهم ومسؤولياتهم. التعليمات الواردة بالقانون التنظيمي للمستشفى نصت على أن يكون للمستشفى كاهن اعتراف (confessor) من بين رهبان الدير، يجب على كل مريض أدخل المستشفى أن يعترف أمام ذلك الكاهن وأن يحضر العشاء المقدس (confession and communion). ولا يسمح للمرضى الذين لم يقوموا بالاعتراف ولم يحضروا العشاء المقدس بتلقي العلاج والحصول على التغذية في المستشفى( ).
وكان المستشفى يستقبل الجنود البرتغاليين المصابين في المعارك داخل عُمان وخارجها. وعندما هاجم الفرس قلعة هرمز لتحريرها من البرتغاليين، نقل البرتغاليون في أثناء فرارهم من هرمز جرحاهم إلى مستشفى مسقط بصحبة أحد الرهبان المقيمين في هرمز الذي مات بعد ذلك في مسقط، في حين بقي ثلاثة رهبان في قلعة هرمز يعتنون بالجرحى هناك، وحسب ما ذكر الراهب سيما ودا جراسيا أنهم جميعا قتلوا في تلك الحرب( ).
ورد في تقرير النائب العام الإقليمي لرهبان المسلك الأوغطسين في جوا أن رهبان دير الأوغسطين في مسقط لا يكتفون بتقديم الخدمات الروحية لأتباعهم وإنما كذلك "يعتنون باحتياجاتهم المادية. هم يعتنون بالمرضى والجرحى المشاركين في الأسطول الذي يقوم بالدوريات في المضيق، ويقدمون للجرحى المصابين في حصار هرمز مستوى العناية نفسها التي كانوا يحصلون عليها قبل سقوط هرمز، رغم أن هؤلاء الرهبان لا يتلقون إلا الدعم القليل من الخزانة الملكية بسبب الظروف القاهرة التي تعانيها تلك الخزينة. ويقدم الرهبان العناية نفسها للجرحى القادمين من المعارك التي تخوضها سفننا ضد أعدائنا القادمين من أوربا. لقد كان عدد الجرحى كبيرا يفوق الطاقة الاستيعابية للمستشفى؛ مما جعلنا نؤويهم في ديرنا، فبفضل حسن تدبيرنا وجهودنا عالجنا جميع الجرحى سواء الذين كانوا في المستشفى أو الذين آويناهم في الدير"( ).
مشاركة رهبان الدير في المعارك الحربية التي يخوضها الجيش البرتغالي:
من بين أهم الأدوار التي أبرزتها الوثائق البرتغالية لرهبان دير الأوغسطين في مسقط المشاركة في المعارك الحربية التي يقوم بها الأسطول البرتغالي داخل عُمان وخارجها. يقول الراهب سيماو دا جراسا: "بعد أن ضاعت منا هرمز واصلنا العمل في مسقط إلى أن سقطت تلك القلعة هي الأخرى. لقد قمنا بالمهام نفسها التي كنا نقوم بها في هرمز. ورغم جسامة تلك الخسائر، لم نتوانَ من المشاركة في جميع الحروب في ذلك المضيق بالجزيرة العربية، وفي كل المواقع التي كان لنا فيها أبرشيات مثل صحار وخصب وبندر كونج. وعندما استرد البرتغاليون قلعة صحار التي استولى عليها العرب مات خلال تلك العملية الراهب الأب (نيكولاو دي نازاري- Nicolau de Nzare) راهب الأسطول آنذاك. وعندما استرد العرب منا مسقط قتلوا أربعة من رجال الدين الذين كانوا موجودين في الدير وهم (رئيس الدير الراهب فريار لويس دا مادري دي ديوس- Luis da madre de Deus) والراهب الأب (برنادينو دي سانتو أنتونيو-Bernadino de Santo Antonio ) والراهب الأب (ماجويل دي جيسيس- Miguel de Jesus) والراهب (أنتونيو دا إنكارناكاو- Antonio da Encarnacao)( ).
وقف رهبان دير القديس أوغسطين في مسقط إلى جانب القوات العسكرية البرتغالية المحتلة، وصمدوا معها في مواجهة القوات العمانية التي فرضت حصارا على مسقط في 1648م لأجل تحريرها من البرتغاليين. وشارك رهبان الدير في الاجتماعات التي عقدها المجلس الذي شكله القبطان العام لقلعة مسقط للبحث في الآلية التي يمكن بها مواجهة القوات العُمانية المحاصرة، بل إن المجلس عقد اجتماعاته الثلاثة الأولى في الدير، وكان رئيس الدير هو مقرر الاجتماعين الأول والثاني للمجلس، حيث كتب في نهاية محضر الاجتماع الأول: "أمر القبطان العام بعد أن اتفق مع ما تداوله المجتمعون بإثبات هذا القرار، وقد أثبته أنا الراهب لويس دي مادري دي ديوس رئيس دير الأوغسطين في القلعة، وكنت حاضرا في الجلسة التي عقدها المجلس لخدمة جلالة الملك بأمر من القبطان العام"( ). شارك في عضوية هذا المجلس وحضر اجتماعاته بمعية رئيس الدير رهبان آخرون هم: الأب الراهب (مانويل آنتينوس- Manuel Antunes) والأب الراهب (أنتوينيو دا إنكارناكاو-Antonio da Encarnacao ) والأب الراهب (مانويل دي ساو ميجويل- Manuel de Sao Migeul) والأب الراهب (أنتونيو دو سلفادور- Antonio do Salvador) والأب الراهب (أنتاو دي جيسيس- Antao de Jesus)() .
وكان رئيس الدير أحد ممثلي القبطان العام لقلعة مسقط في توقيع اتفاقية الهدنة التي أبرمها البرتغاليون مع سلطان بن سيف، القائد العام لقوات الإمام ناصر بن مرشد، في مسقط في الثلاثين من أكتوبر 1648م. وقد ورد اسم الكاهن في نص الهدنة بالقول: "في اليوم الثالث عشر من الشهر القمري شوال لسنة ألف وثمان وخمسين، الموافق في التاريخ البرتغالي للثلاثين من أكتوبر لسنة ألف وستمائة وثمان وأربعين، عُقد اجتماع في شاطي ريام بين الشيخ سلطان بن سيف بن مالك اليعربي القائد العام للقوات المسلحة كافة، وبمعيته اتباع الإمام: راشد بن سالم وعلي بن عبدالله الرستاقي والشيخ يوسف بن علي بن صالح القاسمي وكلهم يمثلون الإمام. بينما مثل اللورد القبطان العام أمين المال (فالنتم كوريا- Valentim Correia) وفضيلة الأب رئيس الكنيسة الأم بالقلعة (مانويل آنتونس- Manuel Antunes)، و(مانويل فاريلا- Manuel Varela) قبطان البوابة الرئيسة للمستوطنين المتزوجين و(أنتونيو باربوس- Antonio Barbosa) وهو متزوج مقيم بالقلعة( ).
لم يقف البرتغاليون عند تعهداتهم التي تضمنتها اتفاقية الهدنة؛ إذ كان هدفهم من توقيع تلك الاتفاقية إطالة أمد التفاوض مع الإمام تحسبا لقدوم إمدادات من الهند تقلب موازين القوى لصالح البرتغاليين. وقد نبه القبطان العام في القلعة جيل إيناس دي نورونا منذ الاجتماع الأول للمجلس إلى تلك الغاية ووجه أمين الخزانة الذي أسند إليه قيادة فريق التفاوض مع ممثل الإمام تجنب تقديم أي تنازلات تخل بسلامة القلعة وتحصيناتها. لذلك؛ عندما شن العمانيون الهجوم الأخير الذي سقطت على أثره القلعة في أيديهم كان رهبان الدير في مقدمة المدافعين عن القلعة، فسقط منهم أربعة قتلى ذكرهم سيما ودا جراسا في سرده التاريخي لدور الرهبان الأوغسطين في المنطقة، بالقول: "عندما استرد العرب منا مسقط قتلوا أربعة من رجال الدين الذين كانوا موجودين في الدير وهم (رئيس الدير الراهب فريار لويس دا مادري دي ديوس- Luis da madre de Deus) والراهب الأب (برنادينو دي سانتا أنتونيو-Bernadino de Santo Antonio ) والراهب الأب (ماجويل دي جيسيس- Miguel de Jesus) والراهب (أنتونيو دا إنكارناكاو- Antonio da Encarnacao)( ).
لم تقتصر مشاركة الرهبان الأوغسطين في المعارك الحربية ضد العمانيين على عمان نفسها والمناطق البحرية القريبة، بل انتقلوا مع الأسطول البرتغالي إلى شرق إفريقيا لمنع العمانيين من التجارة هناك وإقامة العلاقات مع شعوب المنطقة. كانت ممباسا بشرق إفريقيا أحد المواقع التي وقف فيها الرهبان الأوغسطين ضد العمانيين، وخاضوا الحرب إلى جنب القوات البرتغالية التي كانت تقاتل العمانيين والسكان المحليين الذين استعانوا بالقوات العمانية لتحريرهم من الاستعمار البرتغالي. يقول الراهب سيما ودا جراسا عن تلك الأحداث: "في عام 1661 ذهب عدونا العربي إلى ممباسا على متن ثلاث سفن جاليوت وثمانية مراكب ظو وسفينة بينس وعبارتين، يساعده ملك بيت، وقد تزود بثمانمائة بندقية من نوع مسقطي، وأربعة آلاف من المورز [المسلمين] إلى جانب عدد كبير من الكفار من قبائل الموسنجولو الذين جاء بهم من البر. وعندما دخلوا المستعمرة، فر بعض السكان إلى القلعة التي كان بها أربعة من رجال الدين التابعين لنا هم: رئيس الكهنة الأب الراهب (ماتيوس دا ترينداد- Mateus da Trindade) والأب الراهب (مانويل دي سانتا كاتارينا – Manuel de Santa Catarina) والأب الراهب (جواو دا مادري دي ديوس – Joao da Madre de Deus) والأب الراهب (أجوستينو دي جيسيس – Agostinho de Jesus). لم يكن بالقلعة مؤونة، وهو حال الكثير من تحصيناتنا في الهند، وغير مجهزة بتاتا؛ إذ كان بها تسعة مدافع فقط وهي بحاجة إلى إصلاحات، وكان البارود متحجرا ومتصلبا مثل الفحم، ولم يكن بالقلعة رئيس للمدفعية. وقد سلط علينا العرب ثلاث بطاريات مدفعية تدكنا ليل نهار لمدة خمسة وأربعين يوما. لعب الرهبان الموجودون في القلعة دورا محوريا: يطوفون بالمكان ليل نهار، يرفعون المعنويات، ويطلبون من الناس الاعتراف الكنسي، ويعانون الجوع الشديد والأسى مع ثلاثين جنديا. ولما قرر القائد (جوس بيتيلو- Jose Botelho) إرسال رسالة إلى موزمبيق لم يجرؤ أحد على مغادرة القلعة، فتطوع الأب الراهب مانويل دي سانتا كاتارينا المخاطرة بنفسه والذهاب في طوافة. ولما وصل إلى ميناء أبومبا سرقه ملكها وجرده من ثيابه، ولولا أن أحد المورز [المسلمين] ساعده لكان الملك قد قتله. فذهب، وهو على حالته تلك: عاريا منزوع الثياب، ليس عليه إلا مئزر، إلى موزمبيق لطلب المساعدة من قائد القلعة (مانويل ماسكارنس- Manuel Mascarenhas) الذي انتشى غيرة وأرسل المساعدة التي ما أن سمع بها العربي حتى رفع الحصار"( ).
مواقف السلطتين الدينية والسياسية من أداء رهبان دير القديس أوغسطين في مسقط:
أعرب الملك (فيليب الأول- Philip II) في رسالة بعث بها إلى نائبه في الهند (إيريس دي سالدانا- Aires de Saldanha) بتاريخ 23 فبراير 1605م عن رضاه عن أداء رهبان مسلك الأوغسطين العاملين في مسقط جاء فيها: " لقد علمت أن رجال الدين الأوغسطين المنوط بهم مسؤولية المسيحية في هرمز ومسقط وممباسا وساحل مالندي يقومون بواجبهم بأكمل وجه، وأنهم حققوا تقدما كبيرا بين المورو [المسلمين] وبين المشركين"( ). هذا الثناء ما لبث أن انقلب إلى عدم رضا شديد ونقد لاذع من هرم السلطتين الدينية والسياسية في البرتغال، تمثل في وصف الرهبان الأوغسطين المقيمين في مسقط بالفساد المالي والإداري وعدم الشفافية في تقديم التقارير المالية، والإسراف في المصروفات، وادعاء الفقر، وعدم تحقيق أي تقدم ذا شأن في تحويل المجتمعات المسلمة إلى النصرانية، وإفساد جنود الاحتلال البرتغالي بتحويلهم من الجندية إلى الرهبنة.
النائب العام الإقليمي لكنيسة الأوغسطين في الهند الأب (لويس كوتشينو- Luis Coutinho) انتقد أداء رهبان الدير في رسالة وجهها إلى (الأب فرانسيشكو ريبيرو- Friar Francisco Ribeiro) المسؤول عن دير الأوغسطين في مسقط مؤرخة في 29 مارس 1631م. عُنيت رسالة النائب العام الإقليمي بافتقار رهبان الدير إلى الشفافية ورفضهم الإفصاح عن حجم الأموال التي لديهم( ).
يبدو أن امتعاض النائب العام الإقليمي لكنيسة الأوغسطين في الهند من الفساد المالي لرهبان دير الأوغسطين في مسقط بلغ درجة عالية تفصح عنه الرسالة التي بعثها إلى الأب الراهب (فرنيسشكو أجوشينيو- Francisco de Santo Agostinho) في 29 مارس 1631م. وصف الأب لويس كوتشينو دير القديس أوغسطين في مسقط بأنه لا يخضع لأي قانون، وأن الرهبان يتصرفون كما يشاؤون؛ ولا يطيعون الأوامر، ولا ينفذون التعليمات، ولا ينصاعون للتوجيهات( ).
يرى النائب العام الإقليمي لكنيسة الأوغسطين في الهند أن الفساد المالي الذي يمارسه رهبان دير القديس أوغسطين في مسقط وصل إلى درجة الفضيحة وأن وضع الدير بسبب ذلك السلوك مزرٍ وبائس، يقول عن ذلك الوضع: "لم يرسلوا الإيصالات ولا قائمة المشتريات التي طلبتها منهم، وذلك يمثل فضيحة كبرى لهم. إن بؤس هذا الدير تسيل له الدموع وستبقى تسيل. لم أر منذ توليت المسؤولية ديرا بائسا مثله. رغم الأموال الكثيرة التي وفرناها لهم، لديهم رغبة دائمة في إخفاء تلك الأموال"( ).
لم تقف الانتقادات التي تلقاها رهبان دير الأوغسطين في مسقط عند تلك التي وجهها إليهم رئيسهم الديني النائب العام لمسلك الأوغسطين في الهند، بل جاءت الانتقادات من هرم القيادة السياسية للبرتغال ممثلة في الملك ونائبه في الهند. فقد رفع (بيرو دا سيلفا - Pero da Silva) نائب الملك في الهند تقريرا إلى الملك (فيليب الثالث- Filipe III) اقترح عليه أن يأمر بتقليل عدد الرهبان الأوغسطين العاملين في المستعمرات البرتغالية في عُمان والهند وفارس وغيرها من الأديرة. يرى نائب الملك أن عدد الرهبان والأديرة يفوق الحاجة ويستنزف أموالا كثيرة من الدولة مقابل إنجازاتهم المتواضعة في نشر النصرانية، إضافة إلى أن الأديرة أصبحت تفتح المجال لكثير من الجنود لترك الجندية للعمل رجال دين بالأديرة والتحول من العسكرية إلى الرهبنة( ).
لم تكن العلاقة بين رهبان دير القديس أوغسطين والقباطنة في مسقط دائمة حسنة. وقد أشار النائب العام الإقليمي للأوغسطين في الهند في رسالة بعثها في 28 مارس 1631 إلى الراهب الأب (جواو لوبو- Joal Lobo) جاء فيها "إن لم يقم القبطان العام في مسقط بأمور ذلك الميناء كما يتوقع منه، وفق الشائع عن الوضع هناك، فإن سماحتكم ستعانون الكثير من الإخفاق. فمع هذا النوع من القيادة التي يجد لها القبطان دائما ما يبررها ويدعي أنها متوافقة مع مصالح الملك، قد تصل بكم المعاناة، لا سمح الرب، إلى ما عاناه زملاؤنا رجال الدين في فارس"( ).
رفع رهبان مسلك الأوغسطين العالمين في المستعمرات البرتغالية في الشرق التماسا إلى ملك البرتغال في 2 يونيو 1638م ، كتبه بالنيابة عن الرهبان، الراهب (جوسيه دا فيسيتاساو) الذي شغل سابقا منصب رئيس الرهبان في دير مسلك الأوغسطين في مسقط، ووقع عليه أكثر من خمسة وسبعين راهبا من مختلف الأديرة بالهند والجزيرة العربية وشرق إفريقيا وفارس وشرق آسيا. وقع الالتماس من دير المسلك في مسقط الراهب الأب (مانويل دا ريسوريسا- Manuel da Ressurreicao) والراهب (مانويل دا أسونساو- Manuel da Assuncao). أخبر الرهبان الملك أن الإشكال الرئيس الذي يواجه الرهبان العاملين في أديرة المسلك بالمستعمرات البرتغالية في هذه المناطق تتمثل في تولي المسؤولية أشخاص جدد لم يعملوا من قبل في المستعمرات البرتغالية وإنما يجري تنصيبهم بواسطة مجلس يعمل في البرتغال ثم يرسلوا إلى المنطقة. يرى الرهبان المشتكون أن هذا الإجراء غير منصف؛ لأنه يحرم من الترقية والمكافئة الكثير من العاملين في الميدان المخلصين في عملهم القائمين بواجباتهم حسب المطلوب منهم، ويعطي الأولوية لأشخاص لا خبرة لهم في العمل الميداني بالمستعمرات. طالب الرهبان الملك باتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الوضع القائم والتشاور مع بابا الفاتيكان في هذا الشأن وأكدوا له القول: "إننا نرفع الالتماس ضد هذه الشرور التي ليست مجحفة بحقنا وحسب وإنما فوق ذلك كله مجحفة بحق الخدمة التي نقدمها لمولانا"، ( ).
الخاتمة:
الدين ممثلا في الكاثوليكية الفاتيكانية كان مكونا رئيسا في الوجود الاستعماري البرتغالي في عُمان وغيرها من المناطق التي وقعت تحت الهيمنة الاستعمارية البرتغالية. كان رهبان المسلك الأوغسطيني الذين أسسوا وجودهم في مسقط في عام 1596م أحد أذرع الاستعمار البرتغالي للمنطقة؛ يحدد لهم ملوك البرتغال المستعمرات البرتغالية التي يذهبون للعمل فيها ويُعينونهم في مناصبهم ومواقعهم، ويمنحونهم الرواتب والمخصصات المالية. جاء الرهبان الأوغسطين البرتغاليون إلى عُمان على متن سفن الأسطول الحربي البرتغالي، وعاشوا تحت حماية الجيش البرتغالي المستعمر يخدمون جنوده وينفذون أوامر قادته ويشاركون معهم في المعارك والحروب التي خاضوها ضد المواطنين وأصحاب الأرض.
ولاء الرهبان الأوغسطين الشديد للسلطة الدينية والسياسية والعسكرية التي ينتمون إليها لم يعصمهم من توجيه الاتهام إليهم من قمة الهرم الديني والسياسي والعسكري بالفساد المالي وعدم النجاح في تحقيق الأهداف المتمثلة في نشر الكاثوليكية وهزيمة الإسلام وتنصير المجتمع. ثم إن الرغبة الشديدة في كسب الأموال من التجارة والمعاملات الربوية والهبات والعطايا أدخل الرهبان الأوغسطين في منافسة شديدة بل وصراع مع المؤسسة العسكرية وقادة الأسطول البرتغالي في المنطقة.
تقوقع الرهبان الأوغسطين البرتغاليون في الأديرة التي بنوها في القلاع والتحصينات البرتغالية في مسقط وصحار وقلهات، ولم يرتبطوا بالسكان المحليين وأهل الأرض إلا بعلاقة المستعمر الغاصب للأرض والممتلكات، ولم يتعرفوا على الثقافة الإسلامية العربية التي ينتمي إليها العُمانيون، ولم ينظروا إلى العُمانيين إلا أنهم (مورو) يتبعون (الدين الكاذب الذي جاء به محمد)، ولم يصفوهم إلا باسم (عدونا العربي). لذلك لم يعش الرهبان الأوغسطين البرتغاليون في عُمان إلا كما عاش سائر البرتغاليين، من قادة وجنود وتجار وأتباع، في حال عداء دائم مع العُمانيين وصراع وحرب حتى اللحظة الأخيرة التي سجل فيها العُمانيون في صفحة التاريخ انتصارهم المؤزر على المحتل البرتغالي؛ ففتح العُمانيون مسقط وخرج الرهبان الأوغسطين منها ولم يتركوا وراهم إلا ذكريات المحتل الغاصب المكتوبة بدماء الأبرياء والشهداء ومعاناتهم وجهادهم.
المراجع:
Al-Salimi, Abdulrahman & Jansen, Michael. (Eds.) (2015). Portugal in the sea of Oman: religion and politics, T 4/T 5/T 6/T 7/T 8/T 9/T 10. George Olms Verlag AG, Germani.
Birch, Walter de Gray. (2010). The commentaries of the Great Afonso Dalboquerque, second viceroy of India: Translated from the Portuguese edition of 1774, Volume 1 & 4. New York, Cambridge University Press.
Carvalho, E. K. de. Saint Augustine’s Convent. https://hpip.org/en/Heritage/Details/1676. (accessed September 11, 2022).
Carvalho, E. K. de. Fort Mirani. https://hpip.org/en/Heritage/Details/218. (accessed September 11, 2022).
Cunha, J. T. E. (2013). Oman and Omanis in Portuguese Sources in the Early Modern Period (ca.1500-1750). In Michaela, H-R. & Abdulrahman, A. S. (eds.). Oman and Overseas. Hildesheim/Zurique/Nova Iorque: Georg Olms Verlag, p. 227-263.
Flannery, John. (2013). The Mission of the Portuguese Augustinians to Persia and Beyond (1602-1747). Brill, Plantijnstraat.
Morgan, Jim (2012). The Text of Dum Diversas. https://jimmorgan.wordpress.com/2012/06/07/the-text-of-dum-diversas/ (accessed August 28, 2022).