الإسهامات الوقفية للنساء في نيابة الحوقين بالرستاق في العصر الحديث والمعاصر
الباحث المراسل | د. خلفان بن علي بن خلفان الكيومي | جامعة السلطان قابوس |
تاريخ نشر البحث :2025-03-12
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله مفيض النعم، وأشهد أن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- سيد الإحسان وقدوة الأنام، أما بعد:
فلا تخفى الآثار الإيجابية الكبرى للأوقاف في واقع المجتمعات، وقد امتدت أيدي العطاء لتضع لبصماتها موضوعاً في قائمة شرف الوقف الخيري، وإن من أهم بصمات العطاء والإحسان تلك الأدوار الحضارية التي قامت بها المرأة في الحضارة الإسلامية عموماً، وفي الجانب الوقفي خصوصاً، وجاء هذا البحث ليميط اللثام عن بعض الإسهامات للمرأة في نيابة الحوقين بولاية الرستاق.
ويسعى البحث للإجابة عن عدد من الأسئلة المركز حول موضوع الدراسة:
- إلى أي مدى كانت للمرأة إسهامات في الجانب الوقفي بنيابة الحوقين؟
- ما طبيعة تلك الأوقاف التي وقفتها المرأة، وهل لها خصوصية؟
- ما هي الأدوار الحضارية التي قامت بها أوقاف النساء في نيابة الحوقين للواقع؟
فالحدود المكانية للبحث هي نيابة الحوقين بولاية الرستاق، وأما الزمانية فهما العصر الحديث والمعاصر، وسبب اختيار العنوان لكون الباحث من نيابة الحوقين نفسها، فجاء هذا البحث بحكم المعرفة بالمكان والرغبة في إبراز بعض إبراز بعض الجوانب الحضارية والإسهامات لهذه النيابة التي تضم لفيفاً من القرى العُمانية.
وأهم أهداف البحث:
- تسليط الضوء على الحركة الوقفية في نيابة الحوقين.
- بيان أنواع أوقاف النساء في نيابة الحوقين.
- تتبع الكتابات الوثائق التي تثبت الإسهام الحضاري للمرأة في هذا الإطار
- تحليل الابعاد الحضارية لأوقاف النساء بنيابة الحوقين.
ولم يطلع الباحث على بحث كتب حول موضوع أوقاف النساء في نيابة الحوقين غير أن هناك دراسات عدة في موضوعات مشابهة، ومنها:
- الوقف في الرستاق وأثره في الحياة الاجتماعية والثقافية (ق12-14هـ/ 18-20م)، للباحث نبيل بن ماجد العبري، وهي عبارة عن أطروحة ماجستير تقدم بها لكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، والأطروحة كما هو جليٌّ تركز بحثها حول عموم أوقاف الولاية بصرف النظر عن واقفها رجلاً أو امرأة غير أنه ساق بعض النماذج لأوقاف النساء بالحوقين.
- الوقف في نزوى وأثره في الحياة الثقافية والاجتماعية خلال الفترة (ق4هـ-12هـ/10-18م) للباحث خالد بن محمد الرحبي، وهي عبارة عن رسالة أطروحة ماجستير تقدم بها لجامعة نزوى، والأطروحة تحدثت عن أوقاف نزوى وساق الباحث فيها نماذج متعددة وبين آثارها في الجوانب الثقافية والاجتماعية.
- تاريخ نيابة الحوقين، للكاتب بدر بن سيف الراجحي، وهي عبارة عن موسوعة شاملة ضمت فصولاً شتى حول النيابة تاريخاً وجغرافيا وثقافة ونحو ذلك، وقد أفاد الباحث من هذه الموسوعة من خلال الاستفادة من الوثائق التي أوردها الكاتب حول موضوعات الوقف.
وقد سلك الباحث للوصول إلى أهداف البحث المنهج الاستقرائي من خلال تتبع ما تيسر من كتابات حول نيابة الحوقين وأوقافها، وكذلك التواصل المباشر مع الأهالي لمعرفة هذه الأوقاف وحصرها، وإجراء بعض المقابلات للتوصل إلى جملة من البيانات المتصلة بالموضوع، وبعد ذلك يأتي المنهج الوصفي لبيان ما ظهر للباحث من صورة وضع الأوقاف النسائية في نيابة الحوقين، ويأتي المنهج التحليلي لإبراز المعالم التي يمكن استخلاصها من البيانات المتقدمة.
والله أسأل أن يبارك في هذا العمل وأن ينفع به.
موضوعات البحث
المحور التمهيدي: تعريف الوقف، والتعريف بنيابة الحوقين:
المحور الأول: الحضور الوقفي في نيابة الحوقين:
المحور الثاني: نماذج من أوقاف النساء في الحوقين:
المحور الثالث: المحور الثالث: المضامين الحضارية لوقف النساء بالحوقين:
المحور التمهيدي: تعريف الوقف، والتعريف بنيابة الحوقين:
أولاً: تعريف الوقف:
- الوقف لغة:
الوقف لغة: قال ابن فارس: "الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالْفَاءُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّثٍ فِي شَيْءٍ.. وَمِنْهُ الْوَقْفُ: سِوَارٌ مِنْ عَاجٍ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّى وَقْفًا لِأَنَّهُ قَدْ وَقَفَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ"[1] "ووَقَفَ بالمَكانِ وَقْفاً، ووُقُوفاً فَهُوَ واقِفٌ: دامَ قائِماً وَكَذَا وَقَفَتِ الدّابَّةُ."[2]
وقد أورد سماحة الشيخ الخليلي فائدة مهمة في ضبط صياغة الفعل ومصدره: "كلمة الوقف مصدر وقف يقف، لأن وقف يأتي لازماً ومتعدياً، فاللازم مصدره وقوف، والمتعدي مصدره وقف، ومما جاء متعدياً في ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} (الصافات:24)، وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}(سبأ:31)، هذه هي اللغة الفصحى، وذكر صاحب القاموس لغة ضعيفة أوقف يوقف، وكثير من الناس يقول: بأن ذلك خطأ، ولكن شاع ذلك عند كثير من الناس في استعمالهم."[3]
جاء في القاموس المحيط: "..ووقفت الدَّارَ: حَبَّسَه، كأَوْقَفَه، وهذه رَدِيَّةٌ... وأوْقَفَ: سَكَتَ، وأوقف عنه: أمْسَكَ وأقْلَعَ، وليس في فَصِيح الكَلامِ: أوْقَفَ إِلاَّ لِهذا المَعْنَى."[4]
- الوقف اصطلاحاً:
تعددت تعريفات أهل العلم للوقف من مختلف المذاهب الإسلامية، وليست هذه الورقة البحثية معنية بالتوسع في إيراد التعريفات والمقارنة بينها، فلذلك سيقتصر الباحث على إيراد تعريف واحد ليكشف الجوانب العامة في معنى الوقف:
فقد عرف الشيخ محمد بن يوسف اطفيش[5] الشهير بقطب الأئمة الوقف بقوله: "مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف وغيره في رقبته، لصرف منافعه في جهة خير تقربًا إلى الله تعالى"[6].
يمكن أن نقسم التعريف الذي ذكره الإمام القطب إلى ثلاثة عناصر:
العنصر الأول: "مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه" فالوقف إذن يحصل في ما يمكن أن يطلق عليه أنه مال مع ملاحظة إمكان الانتفاع به مع بقاء عينه، أما فناء العين عند استعمال المال فإنه يسلب عن المال صفة كونه وقفاً إذ الأوقاف يراد لها الديمومة وإمكان تكرر الانتفاع، أما ما يستهلك مباشرة عند الاستخدام فإن ذلك يعدم صفة الديمومة، وعدم بقاء العين لا ينافي أجر المحسنين الذي أنفقوا أموالهم طامعين في الأجر، غير أن الوقف له اصطلاحه الخاص.
العنصر الثاني: "قطع تصرف الواقف وغيره في رقبته" فعندما يتم عقد الوقف يخرج المال من ملكية الواقف فلا تكون تصرفاته ولا تصرفات غيره نافذه فيه إلا بمقتضى المصلحة التي يقرها الشرع ويقوم على تنفيذها القيّم على الوقف.
العنصر الثالث: "لصرف منافعه في جهة خير تقربًا إلى الله تعالى" وفيه تظهر ثمرة الوقف في قيامه بدوره الحيوي بتسبيل منافعه خدمة للغرض الذي وقف من أجله، مستحضراً في ذلك نية الظفر بالثواب، إذ لا ثواب إلا بالنية، لحديث: "الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى"[7]
ثانياً: التعريف بنيابة الحوقين:
نيابة الحوقين تتبع ولاية الرستاق، وهي حسب مسماها الإداري تشتمل على ثلاث مناطق رئيسية وهي: وادي الحوقين، ووادي الحيملي، ووادي الحاجر، وما تشتمل عليه هذه الأودية الثلاثة من القرى والتجمعات السكانية والمساحات بينها، فالنيابة إذن أخذت اسمها -رسمياً- من اسم أحد أماكنها فنال الكل اسم بعض أجزائه.
تقع نيابة الحوقين في الجزء الشمالي الغربي من ولاية الرستاق بمحافظة جنوب الباطنة، ويحدها من الجهة الغربية وادي الجهاور، ومن الجهة الشمالية ولاية السويق، وتقع الأجزاء الجنوبية منها ضمن سلسلة الحجر الغربي، ونيابة الحوقين منطقة جبلية تبعد عن البحر بنحو 35 كيلومتر.[8]
نيابة الحوقين تتوزع فيها القرى الكثيرة وتتابين فيما بينها في المساحات وعدد السكان، ومن نماذج القرى في الحوقين: فلج السعيدي، البلاد، طوي البدو، المعمورة، الحويل، الدمثاة. ومن أمثلة قرى وادي الحيملي: القرية، الظاهر، البستان، حيل الغافة، ومن أمثلة قرى وادي الحاجر: حاجر بني عمر، ديسلي، الظويهر، فجري، المحدوث، صلح، وتمتاز نيابة الحوقين بجمال مناظرها الطبيعية وتنوع تضاريسها ولذلك يقصدها كثير من السواح لاسيما في أوقات الخصب ونزول الأودية.
تتنوع المعالم الأثرية في نيابة الحوقين ومن أهم معالمها حصن الحوقين [9]الذي يقع على ربوة من الأرض ويطل بشموخ على المساحات المنخفضة حوله، إضافة عدد من الأبراج التحصينية، وتنشر الأفلاج بمختلف أنواعها الغيلية والداودية والعينية في ربوع النيابة، وفي السابق كان اعتماد الأهالي على الزراعة في المقام الأول من حيث المصادر الاقتصادية، وتحتل النخلة الأهمية الأبرز في هذا النشاط، إضافة إلى المحاصيل المحلية الأخرى، ومن المصادر الاقتصادية كذلك تربية المواشي التي قد لا يخلو منها بيت في الزمن السابق[10].
ومن الناحية العلمية فقد انتشرت الكتاتيب أو مدارس القرآن الكريم في مختلف ربوع النيابة، وأبرز من خرج من هذه النيابة العريقة الإمام نور الدين السالمي[11] -رحمة الله عليه- الذي خرج طالباً للعلم إلى الرستاق ثم تنقل في طلب العلم في رحلة مشهورة، وخرج من النيابة عدد من المتعلمين والمتخصصين في مختلف العلوم والتخصصات العلمية لا سيما في العصور المتأخرة.
المحور الأول: الحضور الوقفي في نيابة الحوقين:
نيابة الحوقين كغيرها من البلدان شهدت وتشهد -بحمد الله تعالى- حركة مستمرة في الوقف الخيري بمختلف صوره فلا تكاد تجد قرية من قراها إلا وفيها وقف، بل لا تكاد تجد مسجداً أو فلجاً إلا وله نصيب من الأوقاف، وفي هذا ما يدل على تلك الرغبة للمسابقة في الخيرات بتسبيل أصول الأموال لتكون وقفاً مؤبداً إلى يوم القيامة، فالجانب الوجداني الإيماني باعث أساسي في نفس المؤمن يدفعه للإنفاق في سبيل الله، إضافة إلى شعور الفرد بدوره الاجتماعي في إعانة غيره بما يتيسر له من موارد وإمكانات.
والناظر في أوقاف نيابة الحوقين يجد فيها تنوعاً في وجوه صرف تلك الأوقاف غير أن الغالب فيها -كما يظهر- هو الوقف لبيوت الله تعالى ويليها في ذلك الوقف للأفلاج ثم مدارس القرآن الكريم، إضافة إلى أوقاف أخرى تخص الشؤون الاجتماعية الأخرى كالوقف لأجل توفير أكفان للموتى، والوقف للمجاذيم[12].
ومن الأوقاف النادرة في نيابة الحوقين وقف السراج لمسجد الجامع بالبلاد[13] وهذا الوقف موضعه بقرية فلج السعيدي، وغلته تصرف في شأن إيقاد السراج في المسجد المذكور.
وفي جانب الأصول التي توقف فإن غالبها هو وقف النخيل والأراضي الزراعية، ولا شك بأنها كانت من أثمن ما يملكه الإنسان العُماني، إذ كانت الأراضي الزراعية هي المصدر الاقتصادي الأهم بالنسبة لهم، منها طعامهم وكساؤهم.
ومن الجهود المشهودة في حصر الأوقاف ما قام به الفاضل خالد بن عبدالله المزيدي الذي قام بعمل حصر موسع للأوقاف في عدد من قرى ولاية الرستاق ومنها قرى نيابة الحوقين، وما تزال كتابته في هذا الشأن مرقونة إلى تاريخ كتابة هذه الأسطر، وعسى أن يخرج هذا الحصر قريباً لعالم النشر، وحصر الأوقاف بنيابة الحوقين يبين بجلاء توسع الجهات الموقوف عليها، وتعدد الأوقاف لكل جهة غالباً وللتمثيل على ذلك:
- عدد مواضع الوقف لمسجد العرقوب بقرية البلاد 47 موضعاً تتنوع بين نخيل وأراض زراعية.
- مدرسة القرآن الكريم بحويل الخضور لها خمس مواضع من المال الموقوف ومنها قطعة أرض زراعية واسعة.
- مسجد الدروازة بحويل الخضور له 33 موضعاً زراعياً وقفياً.
- عدد مواضع أوقاف بيت المال في قرية البلاد 15 موضعاً، أحد هذه المواضع فيه 120 نخلة تقريباً.
- مدرسة القرآن الكريم بالبلاد لها ثلاثة عشر موضعاً من المال الموقوف ومنها قطعة أرض زراعية.
- معلم القرآن الكريم بمدرسة فلج السعيدي له وقف عبارة عن أرض زراعية واسعة قابلة للتمديد ولهذه الأرض 7 آثار[14] من ماء الفلج.
- وأوسع الأوقاف في الحوقين -حسب الحصر- هي أوقاف مسجد العين الكائن ببلدة طوي البدو وتبلغ مواضع هذه الأوقاف 72 موضعاً وتتوزع هذه الأوقاف في أماكن متعددة داخل الحوقين وخارجها، فهناك أوقاف لهذا المسجد في بلدة حويل المجاز وأوقاف في حيل الجوابر ومن أوقاف هذه المسجد خارج نيابة الحوقين أوقاف في بلدة المدينة بوادي بني هني[15]، وكما تعددت مواضع الوقف لهذا المسجد في قرى متعددة تعددت كذلك أصناف هذه الأوقاف فمنها النخيل ومنها قطع الأراضي، وحتى أقرّب حجم الأوقاف المخصصة لهذا المسجد أضرب بعض الأمثلة لأوقافه من قطع الأراضي فقط دون النخيل المنفردة:
- قطعة أرض تجارية في قرية البلاد وفيها عدد من المحلات التجارية.
- ضاحية الجنور بطوي البدو ومساحتها التقديرية: 1400م2.
-الحبيكات قطعة أرض زراعية بطوي البدو ومساحتها التقديرية: 1600م2.
-أرض المهبة قطعة زراعية ومساحتها التقديرية: 2000م2.
-المنزفة الغربية أرض زراعية ومساحتها التقديرية: 2800م2.
-المنزفة الداخلية قطعة أرض ومساحتها التقديرية: 3200م2
-قطعة أرض زراعية شمال المركز الصحي بالحوقين ومساحتها التقديرية: 3000م2.
-قطعة أرض زراعية بطوي الكحل ومساحتها التقديرية: 6000م2.
- وفي حيل الوسط بوادي الجوابر 13 قطعة أرض لهذا المسجد وتتفاوت مساحاتها التقديرية ومنها الأراضي ذوات مساحات قدرها: (432م2، 651م2، 540م2، 160م2، 30م2، 680م .([16]
ولا شك أن الأوقاف الكثيرة لهذا المسجد تثير تساؤلاً عن سبب اختصاصه بالعناية والتوسع بالوقف له مقارنة بغيره ولعل من أسباب ذلك ما كان يثار حول هذا المسجد من المعتقدات والتصورات التي سعى أهل الخير لتبصير الناس بصواب الأمر وتجنيبهم التعلق بالأوهام.
المحور الثاني: نماذج من أوقاف النساء في الحوقين:
لا شك بأن تتبع ما توفر من وثائق تاريخية يكشف جانباً مهماً من جوانب أوقاف النساء في هذه النيابة العريقة، وقد قام الكاتب بدر بن سيف الراجحي في كتابه تاريخ نيابة الحوقين بجمع جملة وافرة من الوثائق التاريخية في مختلف الجوانب الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وقد حصل الباحث من الكاتب على عدد من تلك الوثائق الخاصة بوصايا النساء.
ومن خلال تتبع تلك الوثائق تظهر جملة من النصوص التي تبين بعض الجوانب المشرقة من إسهامات النساء في الوقف بالحوقين، وإيراد عدد من نصوص تلك الأوقاف يكشف اللثام عن جملة من مكنونات فرائدها التي يمكن أن ينطلق منها إلى تحليليها.
ويمكن تقسيم ما تيسر الحصول عليه من بيانات أوقاف النساء إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: الإقرار بالوقف المباشر:
- وقف عزا بنت محمد بن ناصر الإسماعيلية المحرر في 27 رمضان/ 1341هـ الموافق 13/ مايو/1923م: ونص إقرارها ".. بأنها قد جعلت أربع نخلات من النغال الذي في موضع الخارجية من صوار جلبة أولاد شيخان بن زاهر الهناوي مشرقاً الذي لها وقفاً مؤبداً ليشترى من غلتهن ثوباً للأكفان ليكفن بهن من أرادوا له الكفن من محلة الدمثاة وغيرها إن فضل عن هذه المحلة وقد جعلته وقفاً أزلياً مؤبداً، وأن يقوم له بصلاحه من كان في يده من المسلمين، وهذه الأربع نخلات في موضع الخارجية على عامد الظويهر بحدهن وحدودهن وبشربهن المعتاد لسقيهن من فلج الحوقين الكبير من قرية الحوقين.." [17]
- وقف نصرة بنت حمود الخضورية سنة 1444هـ/2022م وقف 3 نخلات قش زبد لجامع الرفصة بفلج السعيدي[18]، وهي تقع بالقرب منه، وهذا الصنف من النخيل مرغوب فيه عند الناس.
الفئة الثانية: الوصايا بالوقف بعد الممات:
أغلب ما حصل عليه الباحث من بيانات أوقاف النساء في الحوقين إنما كان من قبيل الوصايا بالوقف، وقد لا يعجب من ذلك إذ إن الواقف سواء كان رجلاً أو امرأة قد يكتفي بالإشهاد في حال حياته أنه أخرج شيئاً من أمواله لتكون وقفاً بصورة ناجزة مباشرة ثم يشتهر ذلك الأمر عند الناس ويستقر لارتباط الناس الكبير بالنخيل والمزارع فلا يحوجهم ذلك إلى التوثق بالكتابة، أما في جانب الوصايا المضافة إلى ما بعد الموت فالحاجة إلى كتابة ذلك بينة جلية فمن ثم كانت وصايا الوقف أوفر عدداً، ومن نماذج هذه الوصايا بالوقف:
- وقف عاية بنت ناصر بن علي السالمية، المحرر في 5 محرم سنة 1194هـ الموافق 12/ يناير/1780م:
"...ونخلتها القش الأعلى من عضدتها المسماه عضدة المعصر من سقى فلج الخطوة من قرية الحيملي من الحجر بما تستحقه هذه النخلة من جميع الحقوق كلها ليفطر بغلتها صائمو شهر رمضان بمسجد الدفنة من قرية الحيملي هذه وقفاً مؤبداً إلى يوم القيامة.."[19]
- الوقف الأول للواقفة كذي بنت راشد بن محمد المسفرية، المحرر في 8/جمادى الأولى/1216هـ الموافق 16/ سبتمبر/1801م:
"وأوصت كذي هذه بنخلة من مالها تؤكل غلتها يوم عرفة بمسجد حويل بني هناء من قرية الحوقين لمن حضر من الناس وقفاً مؤبداً إلى يوم القيامة"[20]
- الوقف الثاني للواقفة كذي بنت راشد بن محمد المسفرية، المحرر في 8/جمادى الأولى/1216هـ الموافق 16/ سبتمبر/1801م:
"..وأوصت كذي هذه بنخلة من مالها يؤجر بغلتها لمن يقرأ القرآن العظيم على قبرها بعد موتها على رأي وصيها"[21]
- الوقف الأول للواقفة: زهرة بنت سيف بن سليمان بن مرشد المحرر في 5/ربيع الأول/1265هـ الموافق 29/ يناير/1849م:
"بنخلتين من مالها عضدة الصنقحة يشترى بغلتها ثياباً لأكفان موتى المسلمين"[22]
- الوقف الثاني للواقفة: زهرة بنت سيف بن سليمان بن مرشد المحرر في 5/ربيع الأول/1265هـ الموافق 29/ يناير/1849م:
"وبنخلة من هذه يؤجر بغلتها من يقرأ القرآن العظيم على قبرها بعد موتها وقفاً مؤبداً إلى يوم القيامة"[23]
- وقف زوينة بنت خميس بن سعيد بن وليد الهنائية المحرر في 6/ رجب/1273هـ الموافق 2/ مارس/1857هـ:".. وبخلتيها النغال[24] المستثنى بهما من هذا المال المتقدم ذكره هنا بشربهما من الماء الذي من مائها المعتاد لسقيهما من هذا الفلج المذكور هنا بما يستحقانه من جميع الحقوق كلها، تنفذ غالتهما في شراء ثياب يكفن بها موتى فقراء المسلمين" [25]
- وقف الخايفية[26] المحرر في 4/جمادى الآخرة/1345هـ الموافق 10/ ديسمبر/ 1926م : "وأعطت مسجد المغبة السافل نخلة من عضدة الصاروج الذي بحذا الشحامة" [27]
الفئة الثالثة: أوقاف لم يقف فيها الباحث على نصوص للواقفات:
- مسجد مويزة: يقع المسجد في بلدة فلج السعيدي في حارة عبالة، واسم المسجد يشير إلى أن بنائه جاء عن طريق المرأة التي يحمل اسمها، وتؤيد بعض المصادر الشفوية في البلدة هذا الأمر، ولهذا المسجد وقف عبارة عن عدد من النخيل العضديات بجانبه ولا يبعد أن تكون المرأة التي بنت هذا المسجد هي التي وقفت هذه الأموال الخضراء.
المحور الثالث: المضامين الحضارية لوقف النساء بالحوقين:
إن الوقوف على مضامين تلك الأوقاف التي أسهمت فيها المرأة بنيابة الحوقين يجلي للناظر جوانب مهمة من معالم الوقف والمشاركة فيه، ولا غنى لنا عن محاولة تأمل عدد من تلك المضامين للتواصل إلى شيء من خصائص تلك الأوقاف في نيابة الحوقين:
- تنوع أوجه مصارف الوقف:
- الوقف لشراء الأكفان.
إن الوقف حياة، فالإحسان تمتد يده بالعطاء فتضفي ببريقها الوضاء على الواقع الخير والمعروف، ولما كانت الحاجات البشرية متعددة تعددت كذلك أوجه مصارف الوقف وهذا ما نلمسه جلياً في الوقف الخيري بنيابة الحوقين، ويمكن تقسيم أوجه صرف الوقف النسائي في الحوقين إلى أقسام حسب الأكثرية -حسبما وقف عليه الباحث-:
- الوقف للمساجد.
- الوقف لقراءة القرآن على القبر.
- الوقف لفطرة الصائمين.
- الوقف بالإطعام يوم عرفة.
ولم يقف الباحث على ظاهرة خاصة لأوقاف النساء في الحوقين تميزها عن سواها من الأوقاف في عمان إذ إن هذه الأوقاف هي الأوقاف الشائعة في عموم عمان.
- العناية بوقف النخيل:
توجهت همة الإنسان العماني إلى وقف النخلة إذ كانت النخلة من أثمن ما يملكه في سالف العصور، ووقفها يتسم بالديمومة لكون الأرض التي نبتت عليها النخلة الموقوفة تكون داخلة ضمن الوقف إذ لو سقطت النخلة أو ماتت غرس القائم على الوقف في المكان غيرها.
ووقف النخيل ظاهر بجلاء في أوقاف النساء بالحوقين، فالباحث وجد أن جميع الأوقاف التي وقف عليها للنساء في الحوقين في العصور السالفة إنما كانت من أوقاف النخيل، وهذا ما يكشف عن تلك الرغبة الصادقة في استمرار تدفق ينابيع الخير من ذلك الوقف الخيري، ويكشف في الوقت نفسه عن تلك الهمة التي تستعلي على الرغبة الملحة في التملك بأن يخرج الإنسان أنفس ما يملكه رغبة في ما عند الله من عظيم الثواب وجزيل الأجر.
وفي هذا ما يحرك الهمم في هذا العصر وغيره بأن يسلك الإنسان مسلك من سبق في إيثار التصدق بأحب ما يملكه الإنسان طمعاً في الخير والثواب، ولا غرو فقد رغّب الكتاب العزيز المؤمنين إلى النوع من الإنفاق عندما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ البقرة، 267، ويقول سبحانه: ﴿ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ آل عمران، 92.
ومن الأحاديث التي تؤكد المعنى المتقدم ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه قال: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مما تحبون}. قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ، فَقَالَ: (بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ، قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَأَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ). قَالَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.[28]
- تعدد قرى الواقفات وتعدد مواضع الوقف:
إن حركة الوقف النسائي في الحوقين شملت قرى متعددة فيها ولم تكن مقتصرة على قرية دون أخرى، فوقف نصرة بنت حمود الخضورية في قرية فلج السعيدي، ووقف عاية بنت ناصر السالمية في الحيملي، ووقف عزا بنت محمد الإسماعيلي يسقى بفلج الحوقين الكبير، وهكذا.
وذلك يكشف بعض جوانب الحركة العلمية التي تبين أهمية الوقف وتفعيل دوره في المجتمع، فالعلم وسيلة لتحريك الهمم للبذل وصنائع المعروف.
ولا يخفى أن الحس الإيماني بحاجة إلى إذكاء وتقوية من خلال التذكير بأهمية الإنفاق والتنويه بأجره الجزيل، فالمؤمن ينتفع بالذكرى، وكلما قويت وسائل الترغيب في البذل والحث عليه زاد الإنفاق والإحسان، وكم نجد في الكتاب العزيز من الآيات البينات التي تدفع المؤمنين إلى الإنفاق في سبيل الله تعالى بأساليب متنوعة وفي سياقات متعددة، وهكذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مشجعاً أصحابه على البذل فظهرت في عصره تلك النماذج المشرقة في البذل والعطاء.
- الوقف بالأكفان:
إن من أهم ما يشد الناظر في الأوقاف التي وقفتها النساء بالحوقين التركيز والعناية بجانب الوقف لشراء الأكفان، وهنا يثور تساؤل عن سبب تلك العناية، ولعل ضعف الجانب الاقتصادي للبلد في تلك الفترات التاريخية هو الذي دفع النساء للاتجاه لهذا الوقف، فالبلاد مرت بأزمات اقتصادية أثرت على الحياة العامة للناس وعلى دخلهم المادي، ومع قلة ذات اليد يقل ما في أيدي الناس حتى يصيبهم العنت لتوفير الملبس للأحياء، والأكفان للأموات، وقد يتوفى الإنسان وورثته بأشد الحاجة إلى تلك الملابس التي كان يرتديها، وأذكر في هذا السياق قصة وقعت في الحوقين رواها لي بعض كبار السن بأن أحد الأطفال توفي ولم يجدوا له كفناً يكفنونه فيه بسبب شح اللباس، إلى أن قام أحدهم فكفنه بعمامته التي كان يلبسها.
وإذا كان هذا القصد حاضراً عند الواقفات فإن جانباً من جوانب فقه الإنفاق غدا مطبقاً في الواقع إذ الإنفاق في ما تشتد إليه الحاجة أولى وأعظم أجراً.
ولا يخفى أن في الوقف بالأكفان إعانة لأهل الميت وتوفيراً لشيء من تركته المهمة لينتفع بها من بعده لاسيما في ذلك الزمان فهي إذن صدقة على الميت وعلى أهله الوارثين، على أن الواقفين والواقفات بهذا الوقف يتطلعون إلى كرامة الله بستره إياهم عندما يسترون مسلماً، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"[29].
ومن أوقاف النساء في الحوقين المخصصة لشراء الأكفان:
- وقف عزا بنت محمد بن ناصر الإسماعيلي التي جعلت وقفاً في حياتها أربع نخلات: ".. بأنها قد جعلت أربع نخلات من النغال[30] الذي في موضع الخارجية من صوار جلبة أولاد شيخان بن زاهر الهناوي مشرقاً الذي لها وقفاً مؤبداً ليشترى من غلتهن ثوباً للأكفان ليكفن بهن من أرادوا له الكفن من محلة الدمثاة وغيرها إن فضل عن هذه المحلة وقد جعلته وقفاً أزلياً مؤبداً"[31]
- وقف زهرة بنت سيف بن سليمان بن مرشد الخضورية التي أوصت بوقف نخلتين:
"..بنخلتين من مالها عضدة الصنقحة يشترى بغلتها ثياباً لأكفان موتى المسلمين"[32]
- وقف زوينة بنت خميس بن سعيد بن وليد الهنائية التي أوصت بوقف نخلتين: ".. وبخلتيها النغال المستثنى بهما من هذا المال المتقدم ذكره هنا بشربهما من الماء الذي من مائها المعتاد لسقيهما من هذا الفلج المذكور هنا بما يستحقانه من جميع الحقوق كلها، تنفذ غالتهما في شراء ثياب يكفن بها موتى فقراء المسلمين"[33]
- الوقف للإطعام في مواسم الفضل:
إن الواقف يحرص على أن يصيب وقفه جميل الأثر في واقع الحياة وعظيم الأجر عند الملك الديان، فلذلك يحرص على اغتنام أيام الفضل التي تعظم فيها الأجور للمنفقين فمما لا يخفى أن الله تعالى قد فاضل بين الشهور والأيام والساعات في الفضل ومن نماذج هذا التحري الوقف بإطعام الصائمين في شهر مضان ومن ذلك:
وقف عاية بنت ناصر بن علي السالمية: "...ونخلتها القش الأعلى من عضدتها المسماه عضدة المعصر من سقى فلج الخطوة من قرية الحيملي من الحجر بما تستحقه هذه النخلة من جميع الحقوق كلها ليفطر بغلتها صائمو شهر رمضان بمسجد الدفنة من قرية الحيملي هذه وقفاً مؤبداً إلى يوم القيامة..."[34].
وللسبب السابق عينه الوقف بالإطعام يوم عرفة، ويظهر في صرف الوقف للإطعام في يوم عرفة تحري الفضل والخير بأن تتخير الواقفة أعظم الأيام أجراً وفضلاً فتسارع بالإنفاق فيها طعماً لثواب الله الجزيل، وقد سألت شيخنا الفقيه حمود بن حميد الصوافي عن الدوافع وراء تخصيص الوقف ليكون إنفاق غلته يوم عرفة كما هو الحال في كثير من الأوقاف العمانية القديمة فأجاب بأنه لتحري فضل يوم عرفة.[35]
وممن أوصى بالوقف بذلك كذي بنت راشد بن محمد المسفرية: "وأوصت كذي هذه بنخلة من مالها تؤكل غلتها يوم عرفة بمسجد حويل بني هناء من قرية الحوقين لمن حضر من الناس وقفاً مؤبداً إلى يوم القيامة"[36]
6. الوصية بقراءة القرآن على القبر:
من الوصايا التي انتشرت وذاعت في الأوساط العمانية الوقف بقراءة القرآن على القبور، وكانت للنساء في نيابة الحوقين نصيب من هذه الأوقاف، ومن نماذج ذلك:
- وقف كذي بنت راشد بن محمد المسفرية: "..وأوصت كذي هذه بنخلة من مالها يؤجر بغلتها لمن يقرأ القرآن العظيم على قبرها بعد موتها على رأي وصيها"[37]
- وقف زهرة بنت سلميان بن مرشد الخضورية: "وبنخلة من هذه يؤجر بغلتها من يقرأ القرآن العظيم على قبرها بعد موتها وقفاً مؤبداً إلى يوم القيامة."[38]
ولا يخفى أن في هذا النوع الوقفي تظهر فيه رغبة الواقف في تدارك ما فاته في حياته وجبره بقيام غيره بتلاوة القرآن الكريم عنه، وقراءة القرآن عن الميت مسألة خلافية بين أهل العلم، وأما قراءة القرآن على القبر فإن فتوى سماحة الشيخ الخليلي بالمنع منها جاء في الفتاوى عند حديثه عن وقف الزيارة: "ووقف الزيارة من الأوقاف التي لا تصح ، لأن الزيارة إما أن يراد بها مجرد زيارة القبور وهي لا يصح أن يوقف لها ، لأن زائر القبور إنما تصح له زيارتها للذكر والاتعاظ لا غير ، ولا يصح أخذ أجر على ذلك ، وإما أن تكون الزيارة مقصوداً بها قراءة القرآن على المقابر وذلك من البدع المحرمة ، لحرمة اتخاذ القبور مساجد ، والمحرم لا يصح أن يوقف له.."[39]
- الوصايا بالوقف جزء من أجزاء عطاء الخير والإحسان:
إن الوصايا بالوقف تقف إلى جنب جوانب أخرى من جوانب العطاء والإحسان المادي، فكما رصدنا عدداً من الوصايا بالوقف نجدها تقترن كذلك في جملة من الوصايا بالوصية لوجوه خير وبر أخرى، ومن ذلك الوصية للمساجد والأفلاج من ضمان لزم الواقفة، ولا يبعد أن يكون ذلك في جملة من الحالات من باب الورع وطلب الأكمل، وفي الوقت ذاته يبين عمق الترابط ما بين المرأة وتلك المرافق التي أوصت لها لأجل التخلص من تبعة الضمان.
ومن نماذج الوصية للمساجد:
- مسجد النساء بالحوقين: "وبمحمدية غوازي لإصلاح مسجد النساء الأعلى من ضمان لزمها منه"[40] ضمن وصية كذي بنت راشد المسفرية.
- مسجد الدفنة ومسجد الزريبة: "و[بــ] لاريتي فضة من مالها ... [لـ] مسجد الدفنة ومسجد الزريبة من قرية الحيملي من ضمان لزمها منهما"[41] وهي ضمن وصية عاية بنت ناصر السالمية.
ومن نماذج الوصية للأفلاج:
- إصلاح فلج البلاد: "وبعباسية غوازي لإصلاح فلج الحوقين الكبير من قرية الحوقين"[42] من ضمن وصية كذي بنت راشد المسفرية.
- إصلاح فلج الحويل: "وبعباسية غوازي لإصلاح فلج حويل بني هناءة من قرية الحوقين من ضمان لزمها منه" وهي ضمن وصية كذي بنت راشد المسفرية.
- إصلاح فلج الدمثاة: "وبعباسية غوازي لإصلاح فلج الدمثاة من قرية الحوقين من ضمان لزمها منه"[43] وهي ضمن وصية كذي بنت راشد المسفرية.
- إصلاح فلج الخطوة:"وبمحمدية فضة من مالها لإصلاح فلج الخطوة من قرية الحيملي"[44] وهي ضمن وصية لامرأة اسمها جوخة[45] سنة 1210هـ.
- إصلاح فلج برحي "وبمحمدية فضة من مالها لإصلاح فلج برحي من قرية الحيملي من الحجر من ضمان لزمها منه"[46] وهي ضمن وصية عاية بنت ناصر السالمية.
- إصلاح فلج القرية: "وبمحمدية فضة لإصلاح فلج القرية من قرية الحيملي"[47] ضمن وصية جوخة.
- إصلاح فلج البداع: "وبشاختي فضة من مالها لإصلاح فلج البداع من قرية حيل الغافة من ضمان لزمها منه"[48] وهي ضمان وصية عاية بنت ناصر السالمية.
الخاتمة
إن السعي لحصر جميع الأوقاف التي أسهمت فيها المرأة أمر تكتنف جملة من الصعوبات وفي مقدمتها صعوبة الوصول على الصكوك التي وثقت تلك الوقفيات، ولا يبعد أن تكون هناك أوقاف وقفت ثم لم تدون ولم تحفظ لاسيما وأن إخفاء الصدقات من الأوجه الشرعية التي يحرص عليها المخلصون، ويمكن إجمال المعالم العامة لأوقاف النساء في الحوقين في هذه النقاط:
- إن واقع الحصر للأوقاف في نيابة الحوقين يبين عن حركة وقفية تسعى لتلبية احتياجات الموقوف عليهم، فأغلب مساجد النيابة -لاسيما التي يكثر ارتيادها- قد نالت نصيباً من هذه الأوقاف، فسجلات الوقف حافلة بالمواضع الموقوفة مع الجهل بالواقف ولا يبعد أن تكون المرأة قد أسهمت إسهاماً فاعلاً في تلك الأوقاف.
- إن تتبع وقفيات النساء يبين عن تنوع الجهات الموقوف له ومن أبرز تلك الجهات الوقف شراء أكفان للموتى ولا يخفى ما في هذا النوع من الوقف من تلبية لحاجة ملحة آنذاك لشدة حاجة الناس وعسرهم.
- لم تفارق السمة العامة للأوقاف في عُمان وضع الوقف النسائي في نيابة الحوقين -كما يظهر مما توفر من بيانات- وذلك يعكس الوضع العام للبلاد في مستويات معيشته وتوجهاته واهتماماته.
وأبرز توصيات هذه الورقة البحثية:
- التأكيد على أهمية المواصلة في نشر ثقافة الوقف وإبراز دوره الحضاري في نهضة المجتمعات.
- تجلية الأدوار التي قامت بها النساء وقام بها الرجال في هذا المضار مما يذكي العزائم للسير على ركابهم، فتبصير الأجيال بعطاء الآباء يفتح أبواباً مشرعة لكل فضيلة، على ألا يكون هذا النشر لمآثر النساء منساقاً وراء تيارات النسوية الحديثة التي تريد عن تصرف المرأة عن التكريم الإلهي إلى الميل لأفكار دخيلة على ثقافتنا وهويتنا الدينية والوطنية.
- التأكيد على أهمية قيام الجهات المختصة بالتعجيل في إصدار منشورات أو كتب تحتوي حصراً مفصلاً للأوقاف في مختلف ربوع الوطن لما لذلك من أهمية كبيرة في حفظ الوقف وصيانته.
- دعم جهود الباحثين الذين يسعون لتجلية الأدوار الحضارية للإنسان العماني عبر الحقبة التاريخة.
المصادر المراجع
أولاً: المراجع المطبوعة:
- ابن فارس، أ. ف. (1979). مقاييس اللغة، دار الفكر. د:ط.
- أحمد درويش وآخرون، (2005) موسوعة أرض عمان، مكتب مستشار جلالة السلطان لشؤون التخطيط الاقتصادي. ط1
- اطفيش، م. ي. (1985). شرح النيل وشفاء العليل. السعودية. مكتبة الإرشاد.
- باجو وآخرون. (2000) معجم أعلام الإباضية. بيروت دار الغرب الإسلامي. ط2
- البخاري، م. إ. (1993). صحيح البخاري. دمشق. دار ابن كثير.
- الحراصي س.م (د.ت) مباحث في النظارة على الوقف. وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. ط1.
- الخليلي. أ. ح. (2013). الفتاوى. مسقط. وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. د:ط.
- الراجحي، ب. س. (2023). تاريخ نيابة الحوقين. مسقط. خزائن الآثار، ط:1.
- الرحبي. خ.م (2019م) الوقف في نزوى وأثره في الحياة الثقافية والاجتماعية. مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية، جامعة نزوى. ط1.
- الزبيدي، م.م. (1965-2001). تاج العروس من جواهر القاموس. الكويت. وزارة الإرشاد والأنباء.
- السعدي. ف.ع.(2007). مسقط. مكتبة الجيل الواعد ط.1
- العبري، ن.م (2023) الوقف في الرستاق وأثره في الحياة الاجتماعية والثقافية، جامعة السلطان قابوس.
- الفراهيدي، ر.ح. (2003). كتاب الترتيب الجامع الصحيح. مسقط. مكتبة مسقط.ط1.
- الفيروز آبادي، م. ي. (2005). القاموس المحيط. لبنان. مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع.ط8.
- المزيدي، خ. م. (د:ت). الوقف الإسلامي بعضٌ من وقف الرستاق أنموذجاً. مرقون.
- مسلم. م.ح (1334هـ) الجامع الصحيح، تركيا، دار الطباعة العامرة.
ثانياً: الوثائق:
- نسخة من وثيقة الخايفية.
- نسخة من وثيقة وصية زهرة بنت سيف الخضورية.
- نسخة من وثيقة وصية عاية بنت ناصر السالمية
- نسخة من وثيقة وصية عزا بنت محمد الإسماعيلية.
- نسخة من وثيقة وصية كذي المسفرية.
[1] ابن فارس، أ. ف. (1979). مقاييس اللغة، دار الفكر. 7/135.
[2] الزبيدي، ، م.م. (1965-2001). تاج العروس من جواهر القاموس. الكويت. وزارة الإرشاد والأنباء. 24/468
[3] الخليلي. أ. ح. (2013) الفتاوى. 4/125
[4] الفيروز آبادي، م. ي. (2005). القاموس المحيط. مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع.ط8، 860
[5] هو الشيخ محمد بن يوسف بن عيسى بن صالح الحفصي، اطفيش، أشهر عالم إباضي بالمغرب الإسلامي في العصور الحديثة، ولد سنة 1237هـ بغرداية من وادي ميزاب، نشأ عصامياً منكباً على تحصيل العلم، أنشأ معهداً للتدريس تخرج فيه ثلة من العلماء والمصلحون، له عدد وافر من المؤلفات العلمية المطولة والمختصرة. ينظر: باجو وآخرون. (2000) معجم أعلام الإباضية. بيروت دار الغرب الإسلامي. ط2. 2/399.
[6] اطفيش، م. ي. (1985). شرح النيل وشفاء العليل. السعودية. مكتبة الإرشاد. 12/102-103
[7] الفراهيدي، ر.ح. (2003). كتاب الترتيب الجامع الصحيح. مسقط. مكتبة مسقط. ص25.
[8] الراجحي، ب. س. (2023). تاريخ نيابة الحوقين. مسقط. خزائن الآثار. 1/ 36 وما بعدها.
[9] أحمد درويش وآخرون، (2005) موسوعة أرض عمان، مكتب مستشار جلالة السلطان لشؤون التخطيط الاقتصادي، 1/295.
[10] للوقوف على تفاصيل أوفى عن النيابة ومعالمها، انظر: الراجحي، تاريخ نيابة الحوقين.
[11] هو الإمام العلامة عبدالله بن حميد بن سلوم السالمي من أشهر علماء عمان في العصر الحديث عالم محقق، كان مرجع أهل عمان في عصره، اهتم بإعداد الرجال ونشر العلم، ترك آثاراً علمية جزلة كموسوعته معارج الآمال، وشمس الأصول، وشرح الجامع الصحيح، وتحفة الأعيان وغير ذلك. ينظر: السعدي. ف.ع.(2007). مسقط. مكتبة الجيل الواعد ط.1. 1/246-269
[12] المجاذيم هم الذين أصابهم الجذام، والجذام مرض معدٍ معروف، ينظر: ابن منظور،لسان العرب، 12/88.
[13] أخبرني عن هذا الوقف عبدالله بن محمد البوسعيدي أحد أعيان النيابة.
[14] الآثار جمع أثر ويقصد بها في هذا السياق الحصص الزمنية تسقى خلالها المزروعات من مياه الفلج، فاليوم يقسم إلى جملة من الحصص كل حصة منها تسمى أثرًا.
[15] وادي بني هني هو أحد الأودية التابعة لولاية الرستاق ويتوزع إلى عدد من القرى، وهو متاخم لنيابة الحوقين.
[16] ينظر: المزيدي. خ. م. (د.ت) الوقف الإسلامي بعضٌ من وقف الرستاق أنموذجاً. مرقون.
[17]نسخة من وثيقة وصية عزا بنت محمد الإسماعيلية، ص1، وتجدر الإشارة بأن جميع الوثائق الواردة في هذا البحث مضمنة في كتاب تاريخ نيابة الحوقين في الجزء السابع منه في القسم المخصص لوثائق الوصايا.
[18] كاتب هذه الورقة البحثية كان وكيلاً لأوقاف هذا الجامع وقد وقفت المتصدقة هذا الوقف بالتنسيق معه.
[19]نسخة من وثيقة وصية عاية بنت ناصر السالمية، ص1.
[20]نسخة من وثيقة وصية كذي المسفرية، ص1.
[21] تاريخ نيابة الحوقين، 7/ 194
[22]نسخة من وثيقة وصية زهرة بنت سيف الخضورية، ص1
[23]نسخة من وثيقة وصية زهرة بنت سيف الخضورية، ص1
[24] اسم نوع شهير من أنواع النخيل بعُمان.
[25] تاريخ نيابة الحوقين، 7/ 204
[26] في الوثيقة التي نقل منها نص الوصية تمزقٌ اختفى على إثره اسم الواقفة.
[27]نسخة من وثيقة الخايفية، ص1
[28] البخاري، م. إ. (1993). صحيح البخاري. دمشق. دار ابن كثير. 2/814.
[29] مسلم. م.ح (1334هـ) الجامع الصحيح، تركيا، دار الطباعة العامرة، 8/18.
[30] نوع شهير من أنواع النخيل بعُمان.
[31] نسخة من وثيقة وصية عزا بنت محمد الإسماعيلية
[32] نسخة من وثيقة وصية زهرة بنت سيف الخضورية، ص1
[33] راجع المحور الثاني من البحث.
[34] نسخة من وثيقة وصية عاية بنت ناصر السالمية، ص1.
[35] كانت المقابلة في شهر محرم/ 1445هـ، أغسطس/2023م.
[36] نسخة من وثيقة وصية كذي المسفرية، ص1.
[37] نسخة من وثيقة وصية كذي المسفرية، ص1.
[38] نسخة من وثيقة وصية زهرة بنت سيف الخضورية، ص1
[39] الخليلي. أ. ح. (2013) الفتاوى. 4/157
[40] نسخة من وثيقة وصية كذي المسفرية، ص1.
[41] نسخة من وثيقة وصية عاية بنت ناصر السالمية، ص1.
[42] نسخة من وثيقة وصية كذي المسفرية، ص1.
[43] نسخة من وثيقة وصية كذي المسفرية، ص1.
[44] تاريخ نيابة الحوقين، 7/192.
[45] في وصيتها تمزق لا يظهر اسمها كاملاً ولعلها ابنة راشد لأنها أوصت لأخويها صالح وعزيز ابني راشد.
[46] نسخة من وثيقة وصية عاية بنت ناصر السالمية، ص1.
[47] تاريخ نيابة الحوقين، 7/192.
[48] نسخة من وثيقة وصية عاية بنت ناصر السالمية، ص1.