الأوقاف النسائية العمانية، أبعاد مقاصدية
الباحث المراسل | د. مريم بنت سعيد بن حمد العزرية | باحثة شؤون إسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية |
تاريخ نشر البحث :2025-03-05
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
يعد الوقف من أهم مظاهر الحضارة الإسلامية، فهو أساساً يعبر عن إرادة الخير في الإنسان المسلم وعن إحساسه العميق بالتضامن مع المجتمع، وقد وفرت الأوقاف للأمّة تبعاً لمقاصد الواقف ومقدار حاجة المجتمع، كثيرا من المرافق الضّرورية والحاجيّة والتّحسينية، التي جاءت الشريعة الإسلامية من أجل خدمتها وتحقيقها في واقع البلاد والعباد، وعليه شكل الفكر المقاصدي ومبادئه مرتكزا محوريا في إنشاء تلك الأوقاف وتوجيهها نحو غاياتها وأهدافها التي يروم إلبها نظام الوقف الإسلامي الفريد.
وقد تمتعت المرأة بمكانة اجتماعية مرموقة في مجتمعها، وكان لها حضور واسع مؤثر في محيطه، و تعدّ المشاركة الوقفية النسائية خلال التاريخ الإسلامي من أهم صوره، فقد كانت مشاركة واسعة وضخمة، ومن هذه المؤشرات ما حفلت به المؤلفات التاريخية والمصنفات الفقهية من ذكر للوقفيات النسائية، ومنها أيضًا كتب السير والتراجم التي أرّخت لحياة كثير من الواقفات اللواتي كان يشغلهن هاجس المشاركة الاجتماعية، وتخفيف العبء عن الشرائح الدنيا في المجتمع، ولم تكن المرأة العمانية بعيدة عن تلك الروح الوقفية لأموالها في خدمة مجتمعها وأبنائه، فأثبتت حضورها وتنوعت مقاصدها في ظل فهم عميق لأهداف وغايات روح التشريع الإسلامي في منظومة الوقف ومقاصده، فطفقت توقف أموالها في كل زمان ومكان، وقد سجلتها شواهد ما تزال حاضرة تتمتع بريعها الأجيال جيلا بعد جيل، أو سجلت في طيات المخطوطات والوصايا و الموسوعات العمانية، فتحتاج إلى بحثٍ وتقصٍ ودراسات تحليلية من خلال أبعاد متنوعة؛ وتتعدد الأبعاد المقاصدية للوقف النسائي كحال عموم الأوقاف، بالنظر إلى الزوايا المختلفة التي يشملها هذا النظام الاجتماعي الفريد.
ومن هنا تأتي هذه الدراسة الموسومة بعنوان (الأوقاف النسائية العمانية... أبعاد مقاصدية) تحاول الوقوف على بعض من تلك الوقفيات النسائية ودراستها مقاصديا في بعض جوانبها.
مشكلة الدراسة:
تتمثل مشكلة الدراسة في وجود افتراض شائع مؤداه أن حالة من السلبية والانكفاء حول الذات قد غلبت على مشاركة المرأة في التاريخ الإسلامي، وخصوصا المرأة العمانية؛ حيث لم تفرد دراسات ومؤلفات في ذلك. وعند استعراض التجربة الإسلامية في الوقف باعتبارها تجربة تنموية إسلامية ورصد علاقتها بالمرأة تنتفي ادعاءات سلبيتها بل وتبرز حضورها وفاعليتها في هذا الجانب، وتدلل على وعيها لمقاصد الشريعة ورعايتها لها في إنشاء تلك الوقفيات.
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى عدة أمور هي:
1. الإسهام في استقراء الحضور التاريخي للمرأة في الوقف، وبيان الأدوار الحضارية لأوقافها من منظور مقاصدي.
2. بيان علاقة الأوقاف النسائية بمقاصد الشريعة ومدى تحقيقها لها في أرض الواقع.
الإطار المنهجي والموضوعي للدراسة:
يتمثل في بيان مقاصد الواقفات من النساء العمانيات من خلال استقراء أوقافهن بمختلف الأطر الزمانية والمكانية في حدود عمان، ومحاولة تصنيفها وتحليلها لبيان علاقتها بالمقاصد الشرعية.
منهج الدراسة:
اعتمدت الباحثة على المنهج الاستقرائي التحليلي الاستنباطي للمادة العلمية، من خلال استقراء بعض الموسوعات العمانية الفقهية والتاريخية؛ لاستخراج الروايات التاريخية واستنباط المسائل المتعلقة بأوقاف المرأة ثم تصنيفها وتحليلها في ضوء مقاصد التشريع الإسلامي.
محاور الدراسة:
اقتضت طبيعة الموضوع وفق أهدافه تناوله في مطلبين هما:
المطلب الأول: المقاصد الشرعية للأوقاف، وتحته فروع هي:
الفرع الأول: مفهوم الوقف النسائي
الفرع الثاني: مقاصد الوقف
المطلب الثاني: مجالات الأوقاف النسائية العمانية ومقاصدها، وتحته فروع هي:
الفرع الأول: الأوقاف الضرورية
الفرع الثاني: الأوقاف الحاجية
الفرع الثالث: الأوقاف التحسينية التكميلية
الخاتمة
وأخيرا أسال الله التيسير في إعداد هذه الدراسة، وبيده التوفيق والسداد سبحانه وتعالى.
المطلب الأول: المقاصد الشرعية للأوقاف
إن البحث حول مقاصد الأوقاف النسائية يقتضي التعريج أولاً حول مفهوم تلك الأوقاف ومقاصد منظومة الوقف النسائي بصورة عامة، وعليه سيتم التفصيل في هذا المطلب تحت فرعين هما:
الفرع الأول: مفهوم الوقف النسائي
الوقف في اللغة يأتي بمعنى الحبس والمنع عن التصرف، ومنه وقفت الدابة أي حبستها أو تصدقت بها أو أبدتها، أي جعلتها في سبيل الله إلى الأبد، وجمعه أوقاف ووقوف( ).
وفي الاصطلاح: تعددت عبارات الفقهاء في تعريفه بناءً على اختلافهم في لزومه وتأييده وملكيته، هل هي للواقف نفسه أم لله تعالى، ليس مقام التفصيل فيها، ويمكن اختيار تعريف له بأنه حبس العين وتسبيل ثمرتها أو حبس عين للتصدق بثمرتها( )، أي: تحبيس الأصل عن التصرفات الناقلة للملك، وتسبيل منفعته على بر أو قربة لله تعالى، وهو عقد من عقود التبرعات وباب عظيم من أبواب الصدقات التي تسهم في تنمية المجتمع ومصالح أفراده. وقد جاء في معجم مصطلحات الإباضية تعريف الوقف بأنه: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، بقطع نصرف الواقف وغيره في رقبته، لصرف منافعه في جهة خير؛ تقربا إلى الله تعالى. وهو صدقة جارية( ).
وعليه يمكن تعريف الوقف النسائي من خلال ملاحظة اعتبارين هما، كون المرأة هي الواقفة أو كونها هي الموقوف عليها والمنتفعة به، ويمكن القول بأنه ما تحبسه النساء من أموالها لوجه من وجوه البر تقربا لله تعالى، أو ما يعود إليها من جهة واقفة لمنفعتها وخدمة مصالحها.
الفرع الثاني: مقاصد الوقف
إن الحياة بكل أنشطتها وسيلة لتحقيق مقصد العبودية لله تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأنعام: 162]، ولقد وضعت الشريعة الإسلامية -بل الشرائع كلها- لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل، وترمي جملة أحكامها إلى تحقيق مقاصد عامة من جلب المصالح ودفع المفاسد عنهم( ). ومقاصد الشريعة الإسلامية هي الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكاما( )، وهي القواعد الكلية والأصول العامة الثابتة التي تبنى عليها الفروع والأحكام( )، مما يستلزم وموافقة قصد المكلف لها، وضرورة استحضار المجتهد لها عند النظر، وقد قررت القواعد الفقهية (الأمور بمقاصدها)( )، و(المقاصد معتبرة في التصرفات)( ).
وبناءً عليه تتقرر مكانة مقاصد الشريعة في جانب الوقف والعلاقة بينهما؛ فإن ارتباط نظام الوقف الإسلامي بمقاصد الشريعة هو ارتباط الجزئي بكليه والفرع بأصله والمسألة بقاعدتها. ويندرج الوقف في مقاصد المعاملات والتبرعات، وله قيمة اجتماعية واقتصادية وإنسانية كبرى، حيث أنه يعد نوعا من الصدقات والتبرعات الإحسانية، وهو إحدى العبادات المالية التي شرعها الإسلام، فمقاصده من هذه الناحية العامة المشتركة تلتقي مع مقاصد الأنواع الأخرى للإنفاق والتعبد بالمال، فهو مثلها يحقق أمورا كثيرة، منها: توجيه الهمة إلى الدار الآخرة وثوابها، وشكر المنعم المتفضل، وتزكية النفس، وتأمين الاحتياجات الأساس للمجتمع ولفئاته المعوزة بصورة مضمونة ومستمرة، والتفكير والتدبير للمستقبل، وتعويد المجتمع على القيام بشؤونه( )، ويمكن بيان المقاصد العامة للوقف – والوقف النسائي جزء منه- في الآتي:
أولاً: مقصد إعمار الآخرة
لما كانت الآخرة هي الحياة الحقيقية وهي دار القرار الأبدي، كان توجيه التشريع الرباني للعباد هو السعي إلى تحصيل الثواب على نحو يوصله إلى مرضاة الله في الآخرة، لا لنيل الشهوات الدنيوية فقط( )، قال الشاطبي: «التكاليف مشروعة لمصالح العباد، ومصالح العباد إما دنيوية، وإما أخروية». وبيّن أن الأخروية راجعة إلى مصلحة المكلف في الآخرة، ليكون من أهل النعيم لا من أهل الجحيم، وأما الدنيوية فإن الأعمال مقدمة لجلب مصالحه ودفع المفاسد عنه( ).
وفي هذا السياق رغب الشارع الحكيم في إنفاق الأموال في الدنيا من أجل الآخرة، فكان الوقف من أفضل الصدقات وأجل الأعمال في عمارتها؛ لما يتسم به من الديمومة في حصد الثواب حيث بقاء أصولها فلا تباع ولا تبتاع ولا توهب ولا تورث، وبقاء نفعها وريعها للأجيال المتعاقبة، فتكون بذلك عملا صالحا مستمرا لا ينقطع وموردا ثابتا ودائما للأجر والثواب. وقد أثبت في هذه الميزة للوقف حاضًّا لهم على تحصيلها فيما روي عنه : "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره وولدا صالحا تركه ومصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته"( )، وقد بادر الصحابة الكرام تمثل ذلك مباشرة فيام يملكون من أموال، فهذا أبو طلحة الأنصاري لما بادر بوقف أحب أمواله إليه وهي بيرحاء، حين نزل قوله تعالى:﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 92] لم يكن همه سوى عمارة آخرته، لذلك قال للنبي : "صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله"( ).
إن هذا المقصد يتعلق بأحد أركان الوقف وهو الواقف، فيختص بذاته في تحقيق قصد الإخلاص والنية الصالحة عند تقديم الوقف وموافقة قصده لقصد الشارع فيه، لأن أي نشاط أو فعل في الإسلام يستمد قيمته من دوافعه لا من ذاته ومنافعه فقط، والاطار العام الذي يقرره الاسلام لصلاح العمل هو النوايا الصالحة المتمثلة في الايمان بالله واليوم الاخر ومضامينه، أي البناء العقدي المستمر المتمثل في مدى نماء الفكر ومستوى قوة الإرادة؛ فإن صلاح النوايا يعني صلاح ذات الإنسان وترقية مستوى وجوده وتطوير واقع حياته، قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83].
وتأسيسا على ذلك فإن باب وقف المال على أوجه البر هو وسيلة تربوية في تحقيق مقصد التزكية والتطهير لنفس الواقف من البخل والشح بالمال إلى البذل والفضل( ) ، وتحقيق مكارم الأخلاق والشيم ومحاسن الأفعال والهمم( )، وتربيتها على الخضوع لله والانقياد لله والتقرب بها إلى الله، والرجوع إليه، وإفراده بالتعظيم والإجلال( )، فقد بشر سبحانه بالفلاح من تطهر من هذا الداء حين قال: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ٩﴾ [الحشر: 9]، كما أن الوقف هو قربة عظيمة للمولى ينال بها الواقف تكفير ذنوبه وآثامه، ومضاعفة أجوره باستمرار؛ لذلك كلفه الحق سبحانه أن يتطهر من حبه للمال وبخله به ببذله وإنفاقه وجوبا كما في الزكاة وغيرها، وندبا كما في الوقف وسواه، فرغب في ذلك بأساليب مختلفة وفي مواطن متعددة من كتابه، كقوله: :﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وبناءً عليه فإن عمل الخير والأوقاف تطرح في النفس الارتياح والطمأنينة، لأنه يحرر النفس إما من قيد الأثرة وحب التملك، أو من قيود الآثام واجتراح الخطايا، أو من قيد الكبر واستعلاء النفس على الآخرين ممن يشاركونها الانتماء إلى أصل واحد "كلكم لآدم وآدم من تراب" ( ).
ثانياً: مقصد تحقيق الاستخلاف وإعمار الأرض
لقد استخلف الله الإنسان في الأرض في قوله سبحانه: ﴿ ْوَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 129]، وجعل عمارة الأرض من أعظم مقاصد الشريعة العامة التي تدور عليها مبادئ التشريع ونظامه، قال ابن عاشور: "إنّ من أكبر مقاصد الشريعة الانتفاع بالثروة العامة بين أفراد الأمة على وجوه جامعة بين رعْي المنفعة العامة ورعْي الوجدان الخاص، وذلك بمراعاة العدل مع الذي كدّ لجمع المال وكسبه، ومراعاة الإحسان للذي بطَّأ به جُهده، وهذا المقصد من أشرف المقاصد التشريعية"( )، وقال علال الفاسي: "المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة، ومن صلاح في العقل وفي العمل وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها، وتدبير لمنافع الجميع"( ).
ولما كان أي مجتمع تقاس قوته بمدى عمارته وتحقيق التنمية فيه، بما يؤدي إلى تحقيق مقاصد تحقيق القوة والعزة والمنعة قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون من الآية:8]، فكانت القوة الروحية مطلوبة بجانب القوة المادية كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال من الآية:60]، ومنه قول رسول الله : "المؤمن القويُّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف"( )، أي المؤمن القويِّ في عقيدته وعبادته وتعلُّمه ودعوته وعمله وفي سائر مناحي الحياة؛ ولذا جاء الإسلام بالأسس المتكاملة لقيام دولة قوية ومجتمع قوي، يسوده العدل والرحمة والتآخي والتلاحم والتكافل بين أفراده، ويعالج المشكلات الإنسانية والاجتماعية التي تواجههم، ويسخر كل طاقاته وإمكاناته في تنميته باستمرار ليبقى متجددا آمنا يكفل لهم الحياة الطيبة التي وعدهم بها، وعليه كانت الأوقاف أحد أوجه النشاط الإنساني الذي يحقق مبدأ الاستخلاف وعمارة الأرض ورفده بالمال الذي يقوم عليه.
ثالثاً: مقاصد الوقف الأسرية والمجتمعية
من مقاصد الأوقاف التي تخدم الأسرة والمجتمع: تشجيع قيام الأسر بالطريق الصحيح ورفع دعامات استقرارها وقوتها عن طريق تحقيق مقاصد الإسلام في الزواج والاستقرار الأسري من التناسل، وطلب السكن، والتعاون على المصالح الدنيوية والأخروية من الاستمتاع بالحلال أو قيامها عليه وعلى أولاده منها أو من غيرها أو إخوته، والتحفظ من الوقوع في المحظور من شهوة الفرج ونظر العين، والازدياد من الشكر بمزيد النعم من الله على العبد وما أشبه ذلك( )، وحفاظا للمجتمع من مما يهدد استقراره وكيانه من الآفات والمعاصي والرذائل.
ومن المقاصد التي يضمنها الوقف تقوية وشائج القربى والمحبة بين الأقارب، مما يضمن تماسك الأسر والعائلات والتعاون بينها، فقد رفع الله من شأن الأهل والأقارب إلى الدرجة التالية لتوحيد الله وعبادته وابتدأ بهم في الصلة والإحسان والبرّ، في قوله سبحانه:﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا٣٦﴾ [النساء: 36]، فلا غرو أن يكون وقف المال على الأهل والأقارب من أقوى الوسائل الشرعية في بناء أواصر المحبة والتواصل بين الأقارب والأرحام، خصوصا وأن هذا النوع من الوقف يؤمن للعائلة مصدرا معاشيا دائما، ببقاء المال ودوام الانتفاع، لذلك كان الوقف الأهلي أو الذري قسيما ثانيا للوقف الخيري عند من أقره من الفقهاء وأجازه( ).
وللوقف دور هام في المجتمع، برز أولاً من كونه نموذجا أصيلا فيه، وكذلك من خلال تنمية الأخلاق وشيوع الرحمة بين الناس ودوره في التقارب والتعارف بين المجتمعات والشعوب، وبرز دوره أيضا في تحصين المجتمع من خلال مساهمته في النواحي الاقتصادية والتربوية والدعوية وفي إنفاقه على هذه المجالات، وللوقف دور بارز في تنمية المؤسسات المستقلة في المجتمع والحفاظ على كيان الأمة والعائلة والأسرة من خلال الموارد التي توفرها الوقفيات، وكذلك يتضح دوره الفاعل في المجال الاجتماعي من خلال الاشتراك مع بقية الموارد كالزكاة والصدقات في إمداد المجتمع بالكثير من الخيرات( ).
وقد لعب الوقف منذ العهد النبوي تلك الأدوار المجتمعية العظيمة واستمرت مسيرة العمل الوقفي مرورا بأجيال الصحابة والتابعين الكرام ومن بعدهم؛ حتى غدت الامة الإسلامية من أكثر الأمم ثراء ورخاءً وتآزرا بين طبقات المجتمع، ولا تزال هذه المجالات صمام الأمان في حالات الشدة والعوز والتخلف، ولولاها لأصاب الناس عنت شديد؛ فحين غياب السلطة القادرة على تأمين الحياة الكريمة للناس تقوم الزكاة والوقف وغيرها بديلا ومغيثا ).
وانطلاقا من تلك الأهمية البارزة للوقف يمكن استخلاص المقاصد المجتمعية الشرعية للوقف، ومن أهمها تحقيق مقصد التكافل والتعاون والتعاضد بين أهل المال وذوي الحاجة من أبناء المجتمع، ومما يترتب عن هذا المقصد من تحسين لمستوى المعيشة للمجتمع وتقليل للهوة بين فقرائه وأغنيائه وتحقيق لتنمية اجتماعية مستديمة، وقد أثبت التاريخ قدرة الوقف الإسلامي على الاستجابة الدائمة والمتنوعة للحاجيات الاجتماعية من تعليم وصحة ومساجد وإيواء. وقد نص الفقهاء على أن من مقاصد التبرعات إرفاق وإحسان للمتبرع له وتوسيع عليه غنيا كان أو فقيرا( ).
ومن مقاصد الأوقاف المجتمعية توفير العناية بالجانب العلمي والفكري ونحوها مما يتعلق ببناء المجتمعات وتنميتها، وفي العصر الحديث تجد أن قوة الأمم الآن وهيبتها بين الدول إنما تقام باهتمامها بالعلم وإنتاجها العلمي المثمر في الإنتاج التكنلوجي والصناعي وغيرهما. وحين تنظر إلى التجربة الإسلامية الوقفية تدرك مدى الاهتمام والعناية بإنشاء المدارس الوقفية التي انتشرت في أرجاء العالم الإسلامي، وكان منطلقها مؤسسة المسجد التي كانت في دائرة عين التعليم منذ مسجد قباء الذي أسسه المصطفى فور وصوله إلى المدينة عند هجرته من مكة، لما قال لأهل الأرض: "يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله"( )، ثم المسجد النبوي الذي كان مركز إشعاع علمي، حتى إن حلقات العلم فيه تكاد تنتظم كل فسطاط فيه، يعلِّم فيها كبار العلماء كأنس بن مالك ، الذي عبر عن ذلك بقولته المشهورة: "قد أدركت سبعين ممن يحدث: قال فلان قال رسول الله عند هذه الأساطين وأشار إلى مسجد رسول الله( ). ولما استقلت المؤسسات التعليمية عن المساجد استمر التنافس بين أهل المروءة والمال في بناء المعاهد وتشييد المدارس، وتخصيص أوقاف غنية لتدبيرها، حتى لا تكاد تخلو مدينة إسلامية من أوقاف المدارس والمساجد والمعاهد( )، ولما كانت المؤسسات العلمية أو البحثية لا يمكن أن تؤدي عملها بالشكل المطلوب إلا بوجود الكتاب والمكتبات، فقد كان الناس قديما منهم "من يوقف كتبه على المسلمين عامة دون تعيين فتوضع كتبه في خزانة الجامع، ومنهم من يخصص فيقول: أوقفتها على المكان الفلاني أو بالبلدة الفلانية …، ومنهم من يترك استعمالها حراًّ على حين يضع آخرون شروطاً لاستعمالها وإعادتها كما فعل القاضي ابن حيان الذي منع إعارة كتبه خارج المبنى، وبعضهم وقف كتبه على أهل العلم كما فعل ابن الخشاب( )، ولم تكن المكتبات الموقوفة مجرد مكتبة للقراءة؛ بل كانت مراكز للتعليم وللبحث العلمي وللمناظرة وأحيانا للترجمة، كما هو الحال في بيت الحكمة ومكتبة المدرسة المستنصرية( )، ومكتبة ابن النفيس بالقاهرة، ومكتبة خزانة القرويين النفيسة بفاس التي ما زالت قبلة للعلماء والمفكرين والباحثين من مختلف أنحاء العالم لما تتوفر عليه من مخطوطات نادرة، وهكذا يتبين لنا من خلال هذا الرصيد الحضاري للوقف الإسلامي قدرة المال الوقفي على نشر العلم والمعرفة، وتنمية حركة التأليف والإنتاج العلمي من خلال ما ينشئه من المكتبات( ).
وفي إطار المجتمع العماني يلاحظ تعدد أنواع الأوقاف الاجتماعية تمشيا مع احتياجات المجتمع وتنوع مجالات الحياة وحاجة الانسان وفق مقتضى الزمان والمكان، وشاع مع العمانيين نشاط الأوقاف في خدمة الحياة الاجتماعية لغرض التكافل الاجتماعي في شتى المجالات الحياتية التعبدية والتعليمية والاجتماعية والصحية، حتى لا تكاد تذكر ناحية من النواحي الاجتماعية في عمان إلا ووجد فيها وقف، حتى أنه وجد وقف يطلق عليه (العصي) الذي يخص فاقدي البصر، ووقف (حل التراب الكيروسين) ووقف الأكفان ووقف التنور، كما يوجد وقف (الجذام) مما يدل على شمول الوقف في شتى المجالات الاجتماعية وحتى الصحية( ). ومن الأوقاف التي اعتاد العمانيون وقفها ومنهم النساء العمانيات وقف مدارس القرآن، وأوقاف للمعلمين، والمتعلمين، وقراءة القرآن، والكتب، والقرطاس، والأيتام، والسائل، والطرق، والعميان، والمقاشيع، والمجاذيم، والسراج، ودلو وأحبال المساجد، وجماعة المصلين، وفطرة الصائم، وسحور، ويوم عرفة (للصائمين والفقراء)، وهجور (لطعام أهل المسجد بعد زوال الشمس)، وغلسة (لطعام جماعة المسجد وقت الفجر)، وصيام، وكفارات، وفقراء محلة، وفقراء محلة، والبُلّغ (للشباب البالغين المحتاجين من الذكور)، والقبيلة، والكفن، والمقابر، ومغاسل الموتى، وحافر القبور، وزيارة القبور، والوُقُب والمجائز (أماكن الاستحمام على السواقي)، والرحي والضباب (لطحن الحبوب)، والخل، والتنور (لشواء اللحم)، والمراجل، وسور المحلة، والحديد (آلة طبخ من الحديد)، والمواقع (الهاون)، والآبار، والأفلاج، والأسواق، والنوائب والحوادث، والسبلة، والضيافة، وغيرها( ).
رابعاً: مقاصد الوقف الإنسانية
هذا المقصد للوقف مرتبط بما قبله ومكمل له، لكنه يعنى بعلاقة الإنسان بغيره من المخلوقات، سواء كانوا بشرا مسلمين وغيرهم أو كائنات أخرى كالحيوانات والنباتات مما فيه نفع للإنسان؛ فإن ذلك يخضع لمنظومة أخلاقية دينية تقوم على ركائز أساسية من قيم الإحسان والعدل، وخلق الرحمة مع الآخرين وما يحمله من معان عميقة من حب الخير والشفقة والمودة للآخرين لأجل عونهم في صلاح أمور دنياهم وأخراهم والعيش معهم بأمن وطمأنينة، وقد اختصرت في هذا الخُلُق الرسالة السماوية التي بعث النبي محمد كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، ثم يأتي خلق مراعاة الضرر ودفع الضرورة أساس المنهج الأخلاقي في الإسلام الذي يقوم عليه الأمن في المجتمع المسلم، وهو أصل كلي معتبر في الشريعة الإسلامية حيث يقول رسول الله : "لا ضرر ولا ضرار"( )، بأي كائن من مخلوقات الله في أرضة لا سيما وأنها خلقت مسخرة للعباد ونفعهم.
وقد سبقت الشريعة الإسلامية النظم الاجتماعية في تقرير حرمة النفس الإنسانية وكرامتها وحقها في العيش الكريم الآمن المطمئن، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا٧٠﴾ [الإسراء: 70]، والإنسان مكرم لكونه إنسانا بصورة عامة دون التفات لأصله أو جنسه أو معتقده ونحوها من المحددات والاعتبارات التي تتصارع البشرية لأجلها وتحكمها كمعايير في حق الأفضلية؛ حتى أهدرت الدماء وأهلكت الشعوب وانهارت المجتمعات وذهب أمنها واستقرارها. وقد عصم الإسلام النفس الإنسانية وصانها وحفظ لها حقوقها وأمنها وحرم الاعتداء عليها بأي شكل كان؛ بل وأوجب العدل والمساواة ومنع التمييز العنصري اتجاهها، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 151]،
وينطلق المقصد الوقفي في حفظ الإنسانية من ضرورة اعتبار سد حاجياته الإنسانية من حيث هو إنسان، كما ثبت ذلك من خلال ابن السبيل الذي قدمه القرآن مصرفا ثابتا من مصارف الزكاة الواجبة، ووجها من أوجه الإنفاق المستحب، كما في قوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ [الإسراء: 26]، فالإنسان حين تنقطع به السبل في غير بلده يكون أولى بالعناية والإعانة في بلاد المسلمين إيواء وإطعاما، كما كان ذلك في تاريخ الوقف الإسلامي، فقد كانت هناك أوقاف خاصة لأبناء السبيل في مختلف البلدان، وأوقاف للمرضى وأخرى للزمنى، حتى تعدت إلى الوقف للحيوانات كالطيور ونحوها مما فيه نفع للإنسان، وهكذا تتوسع الأوقاف في خدمة هذا المقصد العظيم إسهاما منه في خدمة الإنسانية صدقا ودعوة لا نفاقا واستغلالا، فما أكثر الحالات الإنسانية في مختلف مناطق العالم التي تنتظر من المسلمين المعالجة والإغاثة( ).
وقد اتسعت الأوقاف في الإسلام لتحتوي تلك المواطن من حفظ مصالح الإنسانية العامة، كوقفها للفقراء واليتامي ولمصالح المرضى وتذليل نوال الحوائج الإنسانية للناس وتسخير نفعهم بها، فكانت كثير من تلك الأوقاف عامة ومؤبدة غير مخصوصة بزمان ولا مكان.
خامساً: مقاصد الوقف المالية والاقتصادية
للأوقاف في الإسلام أهداف اقتصادية بجانب الأهداف الاجتماعية والإنسانية، كتحقيق حد الكفاية المعيشية؛ بل والرخاء لأفراده ورفاهيتهم وتطوير الحضارة والرقي بالمجتمعات، حيث إن الإسلام يطلب من معتنقيه تحقيق وضع التمكن من الموارد الاقتصادية في استغلالها والاستمتاع بها، من أجل تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة، لأن الرخاء والتقدم الاقتصادي أداة لنشر الإسلام ولإقامة حكم الله ليتمكن الإنسان من تحقيق هدفه في عبادة ربه على أكمل وجه( ). ويؤكد ذلك قول علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- لنائبه في مصر: "وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استخراج الخراج؛ لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلا"( ).
وقد نص الفقهاء على أن مقصد العمل والمعاملات المالية بين الناس يتمثل في تحقيق مصالح العباد ( )، حيث يتم تبادل المصالح بينهم والتعاون والتكامل( )، وتنمية الأموال الذي بها بقاء النفوس والأحوال وتحقيق التعاون والبر( ). ويعد الوقف من أهم عقود التبرعات التي يقصد بها الارتفاق، أي إحسانا للناس ورفقا لهم رجاء الأجر والثواب من الله تعالى، وإن كان مؤدى ذلك في ظاهره يمنع التصرف في الأموال مما يورث شبهة -في المنظور الاقتصادي المادي- أنه يخرج الثروة من التعامل والتداول ويؤدي إلى الركود الاقتصادي، فإنه يرد عليه بأن الوقف من مصالح البر والخير ولا يمكن قياس كل الأمور بمقياس مادي بحت؛ لأن غايات الأمة ليست مادية بحتة؛ إذ إن هناك مصالح عامة دينية واجتماعية وثقافية لا يمكن تحققها إلا بتجميد طائفة من العقارات والأموال لتكون أماكن للعبادة والتعليم والثقافة والاستشفاء بما يخدم الموادر البشرية في بنائها وتنميتها علميا وفكريا لتكون قادرة ومؤهلة لقيادة النهضة الاقتصادية، مما يعود على المال والاقتصاد بصور غير مباشرة بالنماء والتطوير( ).
وعند التأمل في مقاصد الوقف وأدواره في تطبيقاته العملية إدراك قيمة ما يقوم به الوقف من أدوار كثيرة في تمويل المشاريع المجتمعة في الجوانب الدينة والاجتماعية والخدمية بجانب تنمية الموارد البشرية والمالية واستثمارها في صالح خدمة المجتمع وتحسين المستوى الاقتصادي له( )، ويمكن القول أن الوقف تمثل بابا واسعا للتنمية الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة بشتى صورها المعروفة، ويمكن من خلالها فتح باب كبير لتوسيع دائرة النشاط الاقتصادي للوقف والعمل على استحداث وتطوير الأدوات الاقتصادية له، من خلال ابتكار الطرق والأساليب الاستثمارية الجديدة التي ينتج عنها تعظيم المنافع المتحققة منها حتى تقوم بدورها المنوط بها في تحقيق المنافع الاجتماعية بصورة أفضل وأكمل؛ وقد أجاز كثير من أهل العلم والاختصاص مبدأ استثمار أموال الوقف بما يحقق بقاء عينها ودوام نفعها، شرط أن يتم ذلك بوسائل مشروعة وفي مجال مشروع( ).
المطلب الثاني: مجالات الأوقاف النسائية العمانية ومقاصدها
لما كان الوقف في الإسلام ينطلق من منظور مقاصد الشريعة في الخلق، كتحقيق الاستخلاف وتحقيق العبودية لله ونحوها، ويسعى إلى تحقيق مصالح العباد المتعلقة بحفظ ضروريات الحياة ومقاصد خلقهم، وتؤكد التجربة الإسلامية على العلاقة الترابطية الشاملة بين الوقف والمقاصد من خلال ما يحققه الوقف من مصالح للناس باختلاف درجاتها، ابتداء بالضروريات الواجبة، ومرورا بالحاجيات اللازمة وانتهاءً بالتحسينات الجائزة، ولا غرو فإن ذلك يؤكد على أن تحقيق الوقف لمقاصد الشريعة هو علة وجوده من جهة، وسبب استمراراه من جهة أخرى( )؛ لوضوح وجلاء المصالح التي يقيمها، وأهمية الدور الإنساني الذي يؤديه.
وعند تتبع أنواع الأوقاف النسائية العمانية يلاحظ أنها تتميز باتساعها واستيعابها مختلف تلك المصالح والمقاصد، حيث عنيت بجميع جوانب حياة الناس انطلاقا من تحقيق الضروريات وتحقيق حد الكفاية التي يحفظ بها قوام النفس من الهلاك وحفظ وجودها وأمنها في مختلف جوانبها، وامتدت بعضها كذلك إلى تحقيق مقاصد حاجية ترفع المشقة والحرج عن الناس وتيسر سبل معاشهم، وبعضها الآخر يتعلق بجوانب تكميلية وتحسينية تكمل بها أحوال الفرد من الرخاء والكرامة والرفاهية والسعة والسهولة( ).
وعليه سيتم في هذا المقام التفصيل في مجالات الوقف النسائي في عمان وعلاقته ومدى تحقيقها للمقاصد الشرعية، وذلك على النحو الآتي( ):
الفرع الأول: الأوقاف الضرورية
تعرّف المقاصد الضرورية بأنها ما لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة؛ بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين( ).
وقد عنيت الأوقاف النسائية في عمان بتحقيق الحد الضروري والأساسي من ضروريات الحياة من جانب تحقيق الوجود وانتفاء العدم، وقد حصر العلماء القدامى الضروريات في خمسة كليات هي: (حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)( )، قال الشاطبي: «لقد اتفقت الأمة؛ بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت ذلك بأصل ولا دليل معين؛ بل علمت ملائمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد»( ).
أولاً: حفظ الدين
يراد به حفظ دين المكلف من أن يدخله ما يفسد اعتقاده وعمله المترتب عليه، وحفظ دين الأمة بدفع كل ما يؤثر على أصول الدين القطعية، ويدخل في ذلك حماية البيضة والذب عن الحوزة الإسلامي، بإبقاء وسائل تلقي الدين من الأمة حاضرها وآتيها؛ فإنه لا قيمة لمجتمع بدون رعاية دينه الذي يحفظ أصل بقائه صالحا مباركا يسير على هدى ونور إلهي.
وفي نظام الوقف يتجلى حفظ الدين من خلال تحصين المقدسات الإسلامية ورعاية الشعائر الدينية وتيسير ممارستها بإقامة أماكن للعبادة والاعتناء بها وتجهيزها، وإحياء نفائس التراث الإسلامي المخطوط، وإشاعة العلوم الإسلامية عن طريق الحلقات الدراسية للعلوم وتحفيظ القرآن الكريم، إضافة إلى ما يحقّقه حاليا من النهوض بالأعمال الاجتماعية للقائمين على المساجد، وبما يساهم كذلك في الجهاد في سبيل الله وردع الفتن التي تصيب المسلمين بالانشقاق والتمرد والخروج عن طاعة ولي الأمر( ).
وفي المجتمع العماني كانت هناك عناية منقطعة النظير فيما يكفل استمرار الوفاء بالحاجات العبادية، كالأوقاف للمساجد وما يحقق مقاصدها ويقوم على العناية بها وصلاحها ورعاية المصلين فيها، كوقف زيت سراج الإنارة ووقف دلو المساجد وحبالها ووقف ترميم المساجد ... ونحوها، وكذلك وجدت أوقاف لإعانة الصائمين وأوقاف لمساعدة الحجاج لبيت الله وأوقاف لقراءة القرآن وتعليمه وتلاوته، وأوقاف لتوفير طعام لجماعة المسجد كوقف غلس وهجور، ونحوها مما يحفظ مقاصد الدين وتيسير العبادات للناس، وكذلك أوقاف الكفارات لمن غلبه أداؤها لمن تلبس بها سواء كان في حال الكفارات المرسلة أو المغلظة. ولقد كانت أول عين وقفية في عمان كانت مسجد المضمار الذي أنشأه الصحابي الجليل مازن بن غضوبة سنة 6هـ( )، واستمرت من بعده الأوقاف للمساجد والأفلاج وإقامة مصالحها وأصبح لها أموالا خضراء معروفة( ).
وجدير بالذكر أن المرأة العمانية كانت سباقة في ذلك، فقد أوقفت قيقا من أهل منح (قبل سنة251هـ)، قبل الزمان الذي وقع فيه السيل العظيم ببعض نواحي عمان في زمن الصلت بن مالك الخروصي، وسبب ذلك أن منح أصابها محل شديد حتى غارت الآبار ولم يوجد فيها ماء للشرب، وسار أهلها إلى الباطنة في طلب المعاش وبنت لهم قيقا هذا المسجد ومكانه معروف وجدد بناؤه( )، وقد بنت هذا المرأة مسجدا آخر باسمها في (المعبيلة)( ). وأوقفت السيدة عفيفة بنت الإمام بلعرب بن سلطان بن سيف اليعربي (ق11-12هـ) جنة من نخيل تزيد عن الثلاثين نخلة مع مائها من فلج دارس لعز دولة الإسلام، وجعلت عاضدا لها بالغنتق وقفا مؤبدا رطبها وتمرها لتفطير صائم بشهر رمضان المبارك، وأوقفت في وجوه الخير المختلفة من مساجد ومدارس القرآن الكريم،( ). وقد أثر عن حليمة بنت محمد الكندية السمدية (ق11هـ) أنها أوقفت مالاً لها لعز دولة الإسلام ولعدد من وجوه الخير، وكانت امرأة ذات فطنة ونباهة ولها أموال واسعة حتى ضرب بها المثل لمن كثر ماله "ولو كان عنده مال حليمة الكندية"( ). وأوقفت فاطمة المزروعية الرستاقية (ق11ه) مع أختها موزة بوقف المال المسمى "بستان القبة" لمسجد جامع العلاية بالرستاق، ولا زال هذا الوقف معروفا إلى اليوم( ). وأوقفت راية بنت سعيد بن حمزة الرَّوحيّة (ق12هـ)- بجانب الأوقاف الأخرى التي تقدم ذكرها في وجوه بر أخرى- ثلاثة آثار ماء لمسجد عين شَجَب ولمسجد الدعاء في نزوى، لسقي خرص الشجول مشترك بين هذين المسجدين، وأوقفت المال الي لها في محلة العقر للمحتاجين من طلبة العلم( ) ، وأوقفت سالمة بنت سعيد بن عبدالله الفرقانية النزوانية نخلة نشو وشجرة أمبا لمسجد الشواذنة بعقر نزوى، وأوقفت بمثلها لجامع عقر نزوى( ). وجاءت أوقاف كذلك للشيخة سيناء القمرية النزوية (ق12) معتقة الإمام سلطان بن سيف اليعربي، وأصل نشأتها في جزر القمر بساحل شرق أفريقيا، فكانت صالحة مثابرة على الطاعة وكثيرة النفقات في وجوه الخير، فقد أوقفت بأثر ماء من فلج الغنتق ينفق ريعه لمن يقرأ القرآن الكريم في العشر الأواخر بمساجد العباد من المقبرة الغربية، كما أوقفت نصف أثر ماء لصاحباتها اللاتي يجتمعن معها لحلقات الذكر في بيتها بعقر نزوى( ). وأوقفت الشيخة سلامة بنت سليمان بن إبراهيم العوفية النزوية (حية 1150هـ) بنخلتها الزبد لجامع عقر نزوى، وبأرضها الكائنة في الغنتق لمن يقرأ القرآن في العشر الأواخر من رمضان بمسجد العباد( ).ومما جاء من أوقاف المنفقة الخبازة عيدوه بنت سعيد بن عمر السمدية النزوية (ق12-13هـ) في هذا الجانب أنها أوقفت نصف أثر ماء وسبع قياسات ماء لمسجد السًّنُود، ومسجد الشرع المسمى مسجد الرماحة، ومسجد الجامع من عقْر نزوي، ومسجد الشواذنة، وأوقفت غلة أثر ماء من مائها من فلج الغنتق بنزوى يشترى به تمر فرض يؤكل بعد صلاة الصبح في مسجد جامع السوق من عقر نزوى (وورد في بعض المخطوطات هجورا وقت الغلسة)، وأوقفت غلة نصف أثر ماء من مائها لتنظيف وُقُبات (أماكن استحمام الرجال على الفلج) مسجد بني إد( ). وكذلك ما أوقفته منيرة بنت سليمان بن عامر البطرانية النزوية(ت1385هـ) لمسجد غُلَيفَقَا السهيلي (في الجهة الشمالية) الرّم الذي هو نعشه (في الجهة الجنوبية)، وحده من فورة المسجد الغربية إلى أقصى المال منحدرا إلى فورة المسجد الغربية النعشية من الصرح الغربي، وأوقفت له كذلك فسلة الفرض السهيلية بالجانب الغربي، وأوقفت كذلك لشجاب فلج الغنتق ودارس (تنظيفها)، وتوسعة بعض الطرق، وأوقفت على بناء مساجد أرض أباريق المعروفة بمساجد العباد (وهذه المساجد في موضع القعاب التابعة للغنتق)، ولترميم مساجد العباد وإصلاحها، وأوقفت لعمار مسجد الشروق من مالها المنزفين النخلة التي لها في القرنة الغربية السهيلية، والفسلة التيس شرقي النخلة المذكورة ثم الفسلة التي هي نعشي النخلة المذكورة، وأوقفت لفطرة بعض المساجد، وأوقفت لفطرة شهر رمضان لسكة حمامة من حارة الوادي الشرقية غلة النغائل التي لها من بستان الدار من فلج الغنتق، وأوقفت في حياتها أجرة معلمة على نفقتها لتدريس كتاب الله تعالى، وأوقفت للمتعلمين ولحفاظ القرآن الكريم بعض الأموال تقسم عليهم نهاية كل سنة دراسية؛ ترغيبا لهم على المواصلة والاستمرار، وأوقفت على نسخ المصحف الشريف ليوزع على المساجد والفقراء الذين لا يملكون مالا لشرائه( ). وأوقفت الشيخة عائشة بنت الشيخ محمد بن يوسف بن طالب العبرية (ق12ه)، وهي زوجة الشيخ الفقيه سالم بن خميس العبري صاحب فواكه البستان، ما تملكه من أموال طائلة في سبيل الله، ومن ذلك بناء مسجد الصاروج (المسمى بمسجد السحمة)، وأوقفت أثر ماء من فلج العراق بعبري لإصلاح هذا المسجد، وأوقفت ما يفضل من ثمر بستان (أوقفته لعمل خل يكفي أهل الحمراء عامة) لمسجد الصلف لفطرة الصائمين، ولإصلاح مسجد الصاروج أيضا( ). وكانت الشيخة الفقيهة شمساء بنت العلامة الكبير سعيد بن خلفان الخليلية، (ت 1353ه) توقف أموالا لها كثيرة في سبيل عزة الإسلام، فكان تقدم للإمام محمد بن عبد الله الخليلي (1920- 1953م) الأموال لينفق منها على شئون المسلمين معاونة له على الخير والسير في طريق نشر العلد في الأرض( ). وأوقفت نصراء بنت خميس بن محمد أمبوسعيدية الجَرمية النزوية (ق13هـ) في إفطار النساء الصائمات شهر رمضان الشريف في البيت الذي خلفته بسكة الجرمة في محلة العقر وقفا أبديا( ). وأُوقفت مويزة البوسعيدية للمُعلمين بمدرسة بلدة فلج السعيدي بالحوقين بولاية الرستاق عدد سبعة آثار وأرض زراعية؛ تشجيعاً لهم لتعليم القرآن الكريم. وأوقفت عائشة بنت الشيخ جُمعة بن علي بن مسعود المغيريَّة (ق13هـ تقريبًا) لمسجد الموجود في حارة (كَجِفِشِنَّي) بزنْجبار، الْمَعروف بِمَسْجـد بنت جُمعة، وأوقفت له أموالا( ). وكذلك أوقفت الشيخة نضيرة بنت العبد بن سرور الريامية -النزوية مولداً المنحية مسكنا ومدفناً- (ت بعد 1338هـ) مصلى للنساء للصلاة ولحلقات العلم كانت تقيمها بنفسها تعلم فيها النساء أمور دينهن، وحول المصلى أماكن للاغتسال والوضوء على مجرى الفلج الذي يمر قرب المصلى، وألحق به مجازة للنساء، ومن آثارها الوقفية أموال لحفظة القرآن الكريم ( ). وأوقفت عزاء بنت قيس بن عزان البوسعيدية الرستاقية (ت1317هـ)، أخت الإمام عزان بن قيس (ت1287هـ) مسجد للنساء في محلتها يسمى (مسجد عزاء أو مسجد بنت قيس)، وكانت في بعض الأحيان تؤم النساء في التراويح بهذا المسجد، وقد وقفت له مالا لإصلاحه( ). وأوقفت نصراء العدوية (قبل ق 14هـ) بناء حصن المربا بولاية الرستاق حسب ما ينسب إليها، وقد وقفته لجماعتها ووقفت له مالا للقيام بشؤونه( ). وأوقفت السيدة ثُريا بنت محمد بن عزان البوسعيدية (ق14ه) -وهي بنت عم الإمام عزان بن قيس (1297هـ)، والتي كانت تتصف بالسخاء والإنفاق- المقصورة الجميلة التي كانت تُسمى مقصورة الرمامين (المقصورة تعني البستان باللهجة المحلية الدارجة، وهي مأخوذة من بستان القصر) لمسجد الوكيل، كما أوقف أبوها المقاصير الثلاث (قباء، وجبل يتيم، وصنعا) للمسجد ذاته. وكانت هناك مقصورة أخرى بجانب مقصورة خرس المالح أوقفتها السيدة لمسجد المقحم في بوشر .وقد عينت السيدة ثُريا الشيخ سليمان بن زهران الريامي وكيلاً لها عن التدريس بمسجد الوكيل، يوزع نفقتها على الدارسين فيه وطالبي العِلم، وقد تخرج منه جُملة من العُلماء والمشايخ الذين انتفعوا من النفقة، ونفعوا من جاء بعدهم، وقد اشتهر مسجد الوكيل برواد العِلم والمعرفة، الذين كانوا يرتادونه إبان القرن التاسع عشر الميلادي وبدايات القرن العشرين( ). وأوقفت موزة بنت سالم بن سعيد العامرية الخراسينية النزوية (ق14هـ) أثر ماء من مائها بفلج الغنتق من نزوى بجميع ما يستحقه من المصالح الشرعية تنفذ غلته في كل سنة تدور يوم تاسع الحج الأكبر لوقف محلة خراسيين من نزى وصية منها لهم كلهم بالسوية( ). وقد جاء في بيان الشرع أن امرأة أوقفت شيئا من حليها في تكملة لحفر بدي (بئر) في مفازة..."( )، وفي ذلك سد لحاجة توفير الماء للناس وحفظ أنفسهم من العطش.
وكانت المرأة العمانية حريصة على إنفاذ الأوقاف مهما كلف الأمر حاديها تقوى الله في ذلك وحقوق الواقف والموقوف لهم، فهذه الشيخة الفقيهة صفية بنت عبدالله بن سليمان السليمانية (ت1183هـ) تأمر الوكيل الجديد للوقف الذي أوصى به والدها الشيخ عبدالله بن سليمان السليماني لمساجد العباد من نزوى، بمراعاة حق السنتين الذي توقف إنفاذ الوقف فيهما بعد وفاة وكيله، وقد أثر عنها كذلك أنها أوقفت أموال لها في أبواب البر والمساجد( ). وتلك صفية بنت عبدالله بن محمد الكاملية النزوانية (ق12هـ) التي اشتهرت بكثرة النفقات للمدارس والطرق والمساجد، وكانت مأوى للفقراء والمساكين، أوقفت عابيتها الكائنة في ستال لمسجد الطوياني، وأوصت بعاضد النخل الذي لها في الدُنينيرية لمسجد بني إد، كما أوقفت لفطرة جامع عقر نزوى بنشويين وفحل( ). وأوقفت المنفقة الصالحة فاطمة بنت محمد بن عيسى باللاريات النزوية(ق12ه) أربعة آثار ماء من فلج أبي ذؤابة لمسجد مزارعة، وأوقفت ربع أثر ماء من مائها من فلج أبي ذؤابة أيضاً لفطرة مسجد الفرض من عقر نزوى( ). وقد و رد في بيان الشرع بعض الإشارات لوقفيات لنساء، كوقف مريم بنت محمد بن سعيد الشجبية (ق5هـ) الساكنة بمحلة الشجب من قرية من نزوى حيث أوقفت نخلة للمسجد( )، وأوقفت كذلك النخلة المستب التي لها في أجيل العرقة الشرقية التي على الأجايل وقفا على المسجد الذي بمحلة العقر الأعلى من نزوى لجميع ما يحتاج إليه من مصالح عماره على أن ليس لها من الأرض التي حولها إلا ما قام عليه جذعها( )، وأوقفت غالية بنت عمر لمسجد أدم الجامع نخلة من مالها، ولمسجد المضيبي نخلة من مالها، ولمسجد السهل نخلة من مالها( ).
ثانياً: حفظ النفس
يراد به حفظ الأرواح من التلف أفرادا وعموما، وذلك بتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات وما أشبهها، وحفظها عن التلف قبل وقوعه بمقاومة الأمراض السارية كالطاعون ونحوه، وبعد وقوعه بتشريع الحدود كالقصاص وحد الزنى والأروش والديات ونحوها. وكذلك يدخل فيه حفظ الكرامة الإنسانية التي اختص بها الإنسان وحفظتها له التشريعات الإسلامية.
وتأسيسا على ذلك فإن من أهم أهداف الوقف الحفاظ على النفس الإنسانية بكل معانيها المادية والمعنوية، والإبقاء على الحياة التي وهبها الله تعالى لها وحفظ مقومات بقائها، بما يمكنه من تعمير الكون بصفته خليفة مكرم عند الله تعالى استخلفه على أرضه لعمارتها.
ولما كانت الأوقاف في الأصل عمل اجتماعي، كانت دوافعه في أكثر الأحيان اجتماعية وأهدافه دائماً اجتماعية، ويتوجه باستقلاليته وديمومته في صورة أولوية إلى توفير الضروريات التي تتوقف عليها حياة الإنسان من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، بجانب كفايته حاجياته الاجتماعية والإنسانية التي تضمن فاعليته في ها الكون وقدرته على أداء وظيفة الاستخلاف في الأرض وإعمارها وترفع عنه الحرج إذا أحاطت به المشقة؛ ولذا يحاول نظر الفقهاء والمتمولين المسلمين من خلاله الحد من مشكلتين شائكتين: هما مشكلة الفقر والمرض( ).
وقد أولت الأوقاف العمانية ضرورة حفظ النفس اهتماما بالغا، حيث اهتم العمانيون بالوقف لما يحقق احتياجات الناس في مطعمهم ومشربهم ومأواهم وما ييسر عليهم الحصول عليها، فوجدت أوقاف للفقراء واليتامى وللآبار وللبيوت ولأسوار المحلة لحماية أهلها وأوقاف للنوائب والحوادث لتعويض المتضررين من الحوادث وتتطلب تعاون الجميع، وأوقاف لتوفير الطعام للمحتاجين كوقفي هجور وغلس، ووقف فطرة الصائمين، وأوقاف أخرى لأدوات الطبخ كالرحى والمرجل والحديدة والهاون، وأوقاف خاصة للفئات المعوزة والمحتاجة من الفقراء والمساكين والأيتام، حتى الشباب البلّغ إن كانت بهم حاجة ولا يجدون عملا خصّ لهم وقف (البلّغ)، وكذلك وجدت أوقاف خاصة ببعض الفئات التي تعاني من مشكلات صحية تحتاج دعم ورعاية فخصت أوقاف للمرضى وللعميان وللمكفوفين وللمجاذيم وغيرهم ووقف العصي والمقاشيع( ). ولا غرو أن المرأة العمانية كانت تحمل هواجس مجتمعها وهمومه؛ فأوقفت أموالها في مثل تلك الأحوال التي تقصد إلى حفظ الأنفس من الهلاك والآفات كالفقر والأمراض ونحوها، فقد أثر عن الشيخة بنت محمد بن مداد بن أحمد بن مداد الناعبية النزوانية (ق11هـ) أنها تصدقت بتمر لها كثير للذين أجهدهم الجوع في وقت أصاب الناس جوع شديد من شدة غلاء التمر( )، وأوقفت راية بنت سعيد بن حمزة الرّوحية (ق12هـ) أثر ماء لفقراء المسلمين( )، وأوقفت كذلك سالمة بنت سعيد بن عبدالله الفرقانية النزوانية أثر ماء لفقراء حوائر عقر نزوى( )، وأوقفت الخبازة عيدوه بنت سعيد بن عمر السمدية النزوية (ق12-13هـ) نصف أثر ماء من مائها من فلج الغنتق تنفذ غلة هذا الماء دراهم لفقراء سكة حمامة من حارة الوادي الشرقية يوم الحج الأكبر (عرفة)، وأوقفت بغلة نصف أثر ماء من ماءها من فلج الغنتق يشترى بها ثيابا يكسى بها الأيتام. وأوقفت ما فضل من وقف إفطار الصائمات في المجائز على من رزقه الله من الفقراء المسلمين( ). وأوقفت منيرة بنت سليمان بن عامر البطرانية النزوية (ت1385هـ) بعض الأموال للفقراء والمساكين وخصت الأطفال بصدقة يومية لهم، وأوقفت لأربعة حوائر بمال العقود ومعه ثلاثة آثار ماء يقسم بينها، وهي حارة العقر والوادي وسعال وخَرَاسين، ومعها قبيلة البطرانيين، وأوقفت في حياتها مالاً على أجرة طبيب لمداواة الأطفال وخاصة أمراض العيون( ). ونقل صاحب بيان الشرع أن مريم بنت محمد بن سعيد الشجبية النزوية (ق5هـ) أوقفت النخلة الملعق التي لها في العثمانية بجميع حقوقها وحدودها وجميع أرضها وشربها من الماء وقفا على الفقراء( )، وذكر كذلك عن امرأة أوقفت سوارها للفقراء( ).
ثالثاً: حفظ العقل
يقصد به حفظ عقول الناس والأمة من أن يدخل عليها خلل؛ لأنها مناط التكليف وبه امتياز الإنسان عن سائر المخلوقات. فدخول الخلل على العقل مؤد إلى فسادٍ عظيم من عدم انضباط التصرف، ودخول الخلل على عقل الأمة أعظم من دخوله على عقل الفرد؛ لما يؤدي إليه من فساد أعظم. ولذا منع الأفراد عن السكر ونحوه من المفسدات، كالحشيشة والأفيون والكوكايين والهيروين، ومنع تفشيها في الأمة. وقد أمر التشريع الإسلامي بتنمية العقل الفكر الانساني بالعلم والمعرفة والمهارات اللازمة، وحفظه من الانحراف والزيغ بتحريم كل ما يضره ويعوق قيامه بدوره.
وللوقف أدوار مميزة في تحقيق هذه الضرورة من خلال إنشاء المدارس ورعايتها وخدمة طلاب العلم، وتأسيس المكتبات وطبع الكتب ونسخها بما يفتح آفاقا رحبة واسعة للمعرفة وتنوير العقول. وقد أولى المجتمع العماني هذا المجال عناية فائقة من خلال توفير سبل التعلم ورعاية المتعلمين، فأوقفوا أموالهم في مدارس القرآن الكريم ولطلاب العلم ولمعلمي القرآن والعلوم المختلفة، وللكتب والمكتبات، وللقرطاس والمداد اللازم له ونحوها( ).
والأوقاف النسائية في عمان لها حضور واسع في هذا الباب، وقد حرصت المرأة العمانية وزوجات العلماء خاصة على إعانة أزواجهن وكفايتهم أمر نفقاتهم للتفرغ للعلم وأهله، فسخرن أموالهن وقفا لله علىهم ودعما لهم فيما يحتاجونه في سبيل العلم، فهذه الشيخة بشارة بنت علي بن عامر النزوية الإزكوية (ق12هـ) كانت تعين زوجها بكل ما تملك لما رأت حاجته واضطراراه للمال، فتوقف أثر ماء( ). من فلج دارس من نزوى في سبيل إعانة زوجها الشيخ الفقيه سليمان بن محمد بن عبدالله بن عامر الإزكوي في شراء الكتب ونسخها له، ويوجد في هذا إقرار منها بذلك مخطوطة بتاريخ الرابع من شهر محرم من سنة 1158هـ، وورد في إقرار لزوجها مخطوط بتاريخ 5 جمادى الآخرة سنة 1160هـ بأنها أقرت له بثلثي أثر ماء ونصف قياس ماء من مائها من فلج دارس( )، وهذه الشيخة شويخ بنت محمد بن عزيز السعودية الحارثية (ت1182ه) زوج العلامة حبيب بن سالم بن سعيد أمبوسعيدي المشهورة قصته مع أمته في محاولة الانتحار لما كان فقيرا معدما، فتواتر نوال أغنياء بلدته عليه تطييبا لنفسه ودعما له في سد حاجته، فكانت زوجته هذه في مقدمتهم فعجلت له بالنوال وبذلت له ما بيدها من أموال فأوقفت له ثلاثة آثار ماء"( ).
وفي سياق العناية بالعلم وطلبته في وقفيات النساء العمانيات فقد ذكر عن راية بنت سعيد بن حمزة الروحية (ق12هـ) أنها أوقفت المال الذي لها في محلة العقر بنزوى للمحتاجين من طلبة العلم( )، وتلك العالمة الفقيهة ضَنُّوه بنت راشد بن عمر الخفيرية الريامية النزوية (ق12ه) التي اشتهرت بمثابرتها في طلب العلم حتى ضرب بها المثل، فيقال لمن يوبخ ابنته في التقصير في طلب العلم: "تراكِ لست بضَنُّوه"، توقف خزانة كتب مخطوطة بعد وفاتها لطلبة العلم، حتى قال الإمام محمد بن عبدالله الخليلي عنها: "لا تحجبوا كتب ضَنُّوه عن طلبة العلم؛ فما جعلتها إلا لذلك"، ومن آثار الشيخة ضنوة الوقفية مدرسة مرابطات عقر نزوى كانت تدرس بها العلوم الشرعية"( ). وأوقفت الشيخة العالمة زريد بنت عبدالله بن أحمد العوفية النزوية (ت12هـ) لطلبة العلم الكتب التي كانت تحصلها عن طريق شرائها ونسخها، وأوقفت لها غلة ماء تشترى بها كتبها لا تباع ولا توهب إلى أن يرث الأرض وارثها( ). وكذلك أوقفت الشيخة زيانة بنت سلوم بن سعيد أمبوسعيدية (ت 1398هـ) مكتبتها بها عدد من الكتب القديمة والمخطوطات من بيان الشرع والمصنف والضياء، وغيرها( )، وأوقفت المنفقة الصالحة فاطمة بنت محمد بن عيسى باللاريات النزوية (ق12ه) نصف أثر ماء من مائها من فلج ضوت للكتب التي وقفتها لمدرسة الرحبة من عقر نزوى( ). وأوقفت منيرة بنت سليمان بن عامر البطرانية النزوية (ت1385هـ) لعمارة مدرسة التي من شرقي مسجد غُلَيفَقَا الرم الذي هو من شرقي الفورة مشرقا إلى الساقية معليا إلى الطريق سهيليا إلى المسجد، وكذلك أوقفت لها الفسلة التي هي على جدول الساقية من الجانب الغربي، ولها أوقاف أخرى في سبيل نشر العلم والترغيب فيه ، فكانت تقوم في حياتها بصدقات مستمرة، مثل التكفل بأجرة معلمة على نفقتها لتدريس كتاب الله تعالى، وكانت تعطي المتعلمين ولحفاظ القرآن الكريم بعض الأموال التي تقسم عليهم نهاية كل سنة دراسية؛ ترغيبا لهم على المواصلة والاستمرار، وأوقفت على بعض الكتب التي تشتريها وتوزعها على طلبة العلم( ). وكذلك أوقفت الشيخة نضيرة بنت العبد بن سرور الريامية -النزوية مولداً المنحية مسكنا ومدفناً- (ت بعد 1338هـ) مدرسة طينية مجاورة لبيتها، أموالاً توزع على طلاب العلم( ). كما أُوقفت مويزة البوسعيدية سبعة آثار وأرض زراعية للمُعلمين بمدرسة بلدة فلج السعيدي بالحوقين بولاية الرستاق. وأوقفت جوخة بنت سعيد بن علي المغيرية (حية سنة 1274هـ) لمخطوط «الأنوار ومفتاح السرور والأفكار» على طلبة العلم سنة 1274هـ، والكتاب المذكور في الشمائل المحمدية، وهو منسوب إلى الشيخ عبدالله بن ناصر بن عبدالله الإسماعيلي، من أهل القرن الثالث عشر، ومحفوظ بمكتبة الشيخ سالم بن حمد الحارثي بالمضيرب ( ).
رابعاً: حفظ النسل
يراد به حفظ النسل من التعطيل؛ لما يؤدي دخول الفساد إليه إلى اضمحلال النوع وانتقاصه في الأمة. وذلك بالحث على النكاح، ومنع قطع الأرحام، أو إفساد الحمل وقت العلوق. ويدخل في هذا المقصد كل ما من شأنه حفظ النسل ورعايته وتخطيطه من خدمات طبية وعلمية وتشريعية وقضائية.
وقد ساهم نظام الوقف في حفظ النسل من خلال الأوقاف التي وجدت بغرض تحصين الشباب الذين لا يجدون قدرة على الزواج أو توفير احتياجاته، بما يحفظ للأمة ضرورية نسلها وحفظ من الآفات التي تهدد كيانه من المحرمات والزنا وغيرها. ومما شك فيه أن تكافل المجتمع العماني المتمثل في الأوقاف لم يغفل عن هذا الجانب، فقد وردت أوقاف تعين على الزواج وبناء الأسرة المستقرة، كوقف (البلّغ) الذي يعنى بالشباب وتوفير احتياجاتهم، ونحوها من الأوقاف الخاصة بهم أو العامة للفقراء واليتامى وتحقيق مصالحهم الضروري وحاجاتهم، والأوقاف النسائية لها حضور بارز في ذلك كما تقدم.
خامساً: حفظ المال
يتعلق هذا المقصد بمعاش الخلق وهم مضطرون إليه، ويقصد به حفظ أموال الأمة من الإتلاف، ومن الخروج إلى أيدي غير الأمة بدون عوض، وحفظ أجزاء المال المعتبرة عن التلف بدون عوض، أو حفظه عن الخروج من يد مالكه بغير رضاه. والمال هو تعبير عام عن الثروة والموارد، وحفظه هو توجيه لهذه الثروات والموارد لصالح الغايات الاساسية من الاستخلاف، وللمال وظيفة اجتماعية تتمثل في التكافل الاجتماعي، وهو بالغ الأهمية في مصير أي أمة؛ فإن القوة الاقتصادية ليس بما تملك من ثروات قدر ما تملك من وسائل تحقق لها الاكتفاء الذاتي الذي يحررها من ربقة التبعية والاستغلال والاحتكار من الغرب، فالمقصد الشرعي من حفظ المال على مستوى الجماعة والأمة هو أن تكون أموال الأمة عدة لها وقوة لابتناء أساس مجدها والحفاظ على مكانتها؛ حتى تكون مرهوبة الجانب، مرموقة بعين الاعتبار، غير محتاجة إلى من قد يستغل حاجتها، فيبتز منافعها ويدخلها تحت نير سلطانه( ).
والوقف الإسلامي بمختلف أنواعه يمثل الوسيلة المثلى لتحقيق تلك المقاصد على مستوى الأفراد أو عموم الأمة؛ لأنه يقوم على حفظ أصول الأموال وضمان استمرار إنتاجها وخدماتها ودوام منافعها، كما أن نظام الوقف له غاية في حفظ المال ألا وهي تحويل المال من موقع الاستهلاك إلى موقع الاستثمار في إنتاج المنافع والخدمات والإيرادات التي تستثمر في المستقبل في أوجه البر والخير التي ترفع مستوى الأفراد والأمة( )، ولتحقيق هذه المقصد العظيم وجدت أوقاف كثيرة تهدف إلى الحفاظ على أموال الناس عن طريق تثميرها، سواء كانت نقودا أم أغراض عينية عن طريق قرضها للمحتاجين للمساهمة في العمل المنتج وخلق رواج اجتماعي واقتصادي يقوم على أساس حركية رأسمال المقترض، أو إنشاء بعض الأوقاف لتصرف على بعض الأعمال الاجتماعية؛ كاقتناء محلات تجارية وتحبيسها لينفق منها في فوائد أخرى، أو بناء مساجد بمرافق تحقق مردودا يصرف منها على تسيير المسجد، ويعّد أصلها سندا ماليا يحافظ على مقصد تشريعي مهم، أو كراء الأراضي الزراعية وباقي الغلال بسمسرات عمومية تعتمد نظام المنافسة مراعاة لمصلحة المال الموقوف، ومنعا لاستغلالها وغيرها بغير وجه حق( ).
وقد جاءت أوقاف عمانية في الحفاظ على أصول الأموال وأعيانها وتنميتها، كأوقاف الأفلاج، وأوقاف المساجد، وأوقاف المدراس، ونحوها، وضربت المرأة العمانية أروع الأمثلة في هذا الجانب كما تقدم ذكر نماذج واسعة منها .
الفرع الثاني: الأوقاف الحاجية
لقد جاءت بعض الأوقاف النسائية تحقق درجة أقل من الضروريات، وهي التي تسمى بالمقاصد الحاجية، وتعرّف بأنها هي المفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوات المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة ( ).
وتلك الأوقاف تعنى بتيسير أحوال الناس في كيفية اقتضاء ضروريات من عباداتهم ومأكلهم ومشربهم وصحتهم ورفع الحرج عنهم، ويمكن اعتبار الأوقاف المتعلقة بتيسير توفير سبل استيفاء تلك الضرورات من هذا الباب مع مراعاة أن بعضها يمكن أن ترتقي لمستوى الضرورات إذا عدمت وسائل غيرها لاستيفائها والحصول عليها، كوقف الأسواق ووقف الدلو ووقف الرحى ووقف المراجل ووقف الهاون لتحقيق حاجات الطعام والشراب، ومنها الوقوفات التي تعين المرضى في العلاج وتوفر لهم ما يسهل لهم التعامل مع المرض كوقف المجاذيم ووقف المقاشيع والعصي للعميان، ويدخل فيها كذلك الأوقاف التي تتعلق بوقف الطرق لتيسير مرور الناس فيها واستخدامهم لها لكسب معاشهم وقضاء حوائجهم ومصالحهم، ويمكن اعتبار وقف المجائز ووقف المقابر والمغاسل والحافر والأكفان ونحوها من هذا الباب؛ لأنها تسهم في تيسير حاجة القيام بحقوق الموتى وإكرامهم وخاصة للمعوزين منهم، وكذلك الحال في الأوقاف التي تتعلق بالمعلمين والمتعلمين ووقف الكتب والقرطاس مما يعين الطالب والعالم في مجال العلم وييسر له حفظه وفهمه وتفرغه له ويحفزه إلى طلبه يمكن أن تدخل فيها، ما لم يكن في طلب علم ضروري مما يلزم المسلم معرفته من الدين بالضرورة، فيدخل في باب الضروريات.
ويذكر من أمثلة تلك الأوقاف للنساء العمانيات ما أوقفته السيدة عفيفة بنت الإمام بلعرب بن سلطان اليعربية (ق11-12هـ) في عدد من المنافع التي تخدم المجتمع (كـوقف الطرق)، و (وقف الرحى) فقد أوقفت أثر ماء من فلج دارس من سمد نزوى لعمار وصيانة الرحى الموجودة في مالها المسمى بالمقصرة من سقي فلج الغنتق من نزوى( )، وفي سياق ما أوقفته النساء العمانيات (للمقابر) وصلاحها يذكر ما أوقفته الشيخة سلامة بنت سليمان بن إبراهيم العوفية النزوية بأثر ماء لصيانة مقبرة مساجد العباد من عقر نزوى( )، وفي مصلحة بناء (المجائز) وصلاحها، -وهي كانت من الحاجات الأساسية في المجتمع العماني الذي يعتمد على الأفلاج في شربه ونظافته ومختلف ما تقوم به النفس البشرية، فكانت تُنشأ من أجل الاستحمام وغسل الملابس والأنية والوضوء، وتلحق بها مصليات للنساء للصلاة وتعليم أمور الدين- فيذكر في هذا الباب ما أوقفته الشيخة ضَنُّوه بنت راشد بن عمر الخفيرية الريامية النزوية (ق12ه) لبناء مجائز شُنيرة من حارة الوادي الغربية التي هي جنوب مسجد بني إذ، وأوقفت بنصف أثر ماء لنساء المجائز( ) من فلج الغنتق"( ). وما أوقفته السيدة عفيفة بنت الإمام بلعرب بن سلطان اليعربية (ق11-12هـ) للصائمات اللاتي يفطرن في المجائز من حارة الوادي الغربي بولاية نزوى( ). وما أوقفت المنفقة الخبازة عيدوه بنت سعيد بن عمر السمدية النزوية (ق12-13هـ) غلة أثر ماء من مائها يشترى به تمر لإفطار الصائمات في المجائز اللواتي هن غربي حارة الوادي الغربية، وإن فضل شيء من هذه الغلة ينفذ على من رزقه الله من الفقراء المسلمين، وأوقفت كذلك غلة نصف أثر ماء من مائها لتنظيف وُقُبات (أماكن استحمام الرجال على الفلج) مسجد بني إد( ). وفي مثل هذه المصالح أوقفت الشيخة نضيرة بنت العبد بن سرور الريامية -النزوية مولداً المنحية مسكنا ومدفناً- (ت بعد 1338هـ) (مجازة) ملحقة بمصلى للنساء الذي بنته على مجرى الفلج سبب ما لاحظته أن بعض النساء يدخلن المصلى غير طاهرات فأمرت ببناء مجازة واسعة، بنيت على بعد عشرين خطوة عن المصلى، وقد ألزمت النساء غير الطاهرات أن يغتسلن من تلك المجازة قبل دخولهن المصلى، ومن ثم يدخلن المصلى ويتوضأن من الأماكن المخصص للوضوء داخل المصلى، وقد تحولت هذه المجازة في الوقت الحالي إلى مغسلة للأموات بعد تجديد بنائها( ).
ويدخل في هذا الباب كذلك وقف (الأكفان والمقابر) ومستلزماتها، ويذكر منه ما أوقفته عزا بنت سعود المعمرية سنة 1929م أثري ماء من فلج الدريز بولاية القابل؛ ليشترى بها (أكفان) للموتى، كما أوقفت صفية بنت أحمد بن سعيد البروانية ثلاثة آثار ماء من فلج الدريز من بادة الأحد لشراء (أكفان) المسلمين.
الفرع الثالث: الأوقاف التحسينية التكميلية
إن المقاصد التحسينية هي ما تقع موقع التحسين والتزيين والتكميل لحال الفرد والأمة، من غير ضرورة ولا احتياج؛ حتى يقوم الفرد بدوره في الكون ويعيش آمنا مطمئنا، وتكون الأمة لها منظر حسن مقبول بين الأمم يعينها من أداء رسالتها فيها( )، وما تكمل بها حال الأمة في نظامها، حتى تعيش آمنة مطمئنة، ولها بهجة منظر المجتمع في مرأى بقية الأمم، حتى تكون الأمة الإسلامية مرغوبا في الاندماج فيها أو التقرب منها( ).
وفي هذا الباب تدخل الأوقاف النسائية التي تهدف إلى تحقيق مستويات من الكرامة والرفاهية والسعة والسهولة بعد استيفاء الضروريات وتحقيق الحاجيات، وعليه يمكن أن يمثل عليها بوقف الخل والتنور ووقف الختان في مجال حفظ الصحة، وبأوقاف كنس الطرق ووقف السبلة والضيافة ونحوها؛ مما يزيد الفرد والمجتمع حسنا وكمالا بعد استيفاء ضروراته وحاجاته.
ويمكن أن يذكر بعض نماذج وقفيات النساء في هذا الباب مثل ما أوقفته السيدة عفيفة بنت الإمام بلعرب بن سلطان اليعربية (ق11-12هـ) ليشترى به تمر يجعل (خلا) في الخروس الصينية (الجِرار الخزفية الكبيرة)، وإن ضاعت هذه الخروس وهذه الرحى التي أوقفتها، فيشترى من غلة هذا الأثر وقفا مؤبدا إلى يوم القيامة( )، وما أوقفته الشيخة عائشة بنت الشيخ محمد بن يوسف بن طالب العبرية (ق12ه) بستان كثير النخل مع ما يحتاجه من المال لعمل (خل) يكفي أهل الحمراء عامة( ).
وهكذا يتبين أن الأوقاف النسائية العمانية لها حضور واسع شامل لمختلف مصالح الناس ودرجاتهم، وإن كان كما يبدو غالبها مغمورا في ثنايا المخطوطات ووثائق الوصايا والأوقاف ولم تصل يد الباحثة إلى كثير منها؛ لأنه كما تقدم أن المرأة العمانية مكون أصيل من مجتمعها وعلى اطلاع دائم بما يحتاجه أناس مجتمعها؛ بل هي أقرب لاحتياجات نسائها في أدق تفاصيلها، كما تبين من كثرة وقفياتها في مصالح أدوات الطبخ ومستلزماته كالرحى والهاون والخل وغيره، وكذلك اهتمامها بتشييد المجائز وملحقاتها؛ نظرا للمقاصد التي ترمي إليها من إقامة تلك الأماكن وكونها تتعدى مجرد الأهمية المادية في تيسير الاستحمام والنظافة إلى مقاصد أعلى من حفظ الدين حيث أنها تعد أماكن تجمع للنساء للصلاة وفطر للصائمات و للذكر وتدارس القرآن وعلوم الدين وغيرها، حتىورد في بعض الوقفيات أوقاف خاصة للمداومات والمرابطات على تلك الأماكن وعمارها بالصلاة والصيام ونحوها.
وهذا يؤكد أن المرأة بفطرتها ونظرتها العميقة المؤطرة بدوافع إيمانية وأخروية هي سباقة في وقف أموالها في أبواب البر المختلفة وقد عرف عنها منذ القدم سخاؤها الكريم، وعليه يمكن استثمار تلك الوقفيات وأفكارها في تطويرها واقتراح وقفيات أخرى تقوم بمقاصدها وأهدافها بما يخدم المجتمع والمرأة خصوصا، وإعمال روح التشريع في ضرورة انتظام تلك الوقفيات القديمة والحديثة في مراتبها الأساسية وتفعيل قواعد التمايز بينها وتحديد الأولويات منها، واستثمار ذلك في وضع السياسات و بناء الخطط وتوجيه المجتمع إليها في إنشاء وقفياته؛ من أجل توفير الحاجات الضرورية كالمأكل والمشرب والمسكن والعلاج، ثم التدرج إلى توفير الكفاية ثم في النهاية إلى الحاجيات الكمالية والتحسينية، مع أهمية تقديم كل ما فيه تقوية للمجتمع وتحقيق نفع أعم له.
الخاتمة
في ختام هذه الدراسة يمكن استخلاص النتائج الآتية:
1. يمكن تعريف الوقف النسائي من خلال ملاحظة اعتبارين هما، كون المرأة هي الواقفة أو كونها هي الموقوف عليها والمنتفعة به، ويمكن القول بأنه ما تحبسه النساء من أموالها لوجه من وجوه البر تقربا لله تعالى، أو ما يعود إليها من جهة واقفة لمنفعتها وخدمة مصالحها.
2. تتمثل المقاصد العامة للوقف النسائي في كونه يحقق مقاصد دينية وكونية كإعمار الآخرة وتحقيق الاستخلاف وإعمار الأرض، بالإضافة إلى مقاصد أسرية ومجتمعية وإنسانية واقتصادية.
3. المرأة بفطرتها ونظرتها العميقة المؤطرة بدوافع إيمانية وأخروية هي سباقة في وقف أموالها في أبواب البر المختلفة وقد عرف عنها منذ القدم سخاءها الكريم.
4. الأوقاف النسائية لها حضور واسع شامل لمختلف مصالح الناس ومجالاتها؛ لأنها مكون أصيل من مجتمعها وعلى اطلاع بما يحتاجه أناس مجتمعها نساء ورجالا؛ بل هي أقرب لاحتياجات نسائها في أدق تفاصيلها، كما تبين من كثرة وقفياتها في مصالح أدوات الطبخ ومستلزماته كالرحى والهاون والخل وغيره، وكذلك اهتمامها بتشييد المجائز وملحقاتها ونحوها.
5. تتمثل العلاقة الترابطية الشاملة بين الوقف والمقاصد من خلال ما يحققه الوقف من مصالح للناس باختلاف درجاتها، ابتداء بالضروريات الواجبة، ومرورا بالحاجيات اللازمة وانتهاءً بالتحسينات الجائزة.
6. الأوقاف النسائية العمانية تتميز باتساعها واستيعابها مختلف المصالح والمقاصد، حيث عنيت بجميع جوانب حياة الناس انطلاقا من تحقيق الضروريات وتحقيق حد الكفاية التي يحفظ بها قوام النفس من الهلاك وحفظ وجودها وأمنها في مختلف جوانبها، وامتدت بعضها كذلك إلى تحقيق مقاصد حاجية ترفع المشقة والحرج عن الناس وتيسر سبل معاشهم، وبعضها الآخر يتعلق بجوانب تكميلية وتحسينية تكمل بها أحوال الفرد من الرخاء والكرامة والرفاهية والسعة والسهولة.
توصي الدراسة بالآتي:
1. ضرورة رعاية مقاصد الشريعة عند النظر في الأوقاف النسائية والدعوة إلى استثمار قواعدها وأسسها في إحيائه وصيانته وتجديده؛ حتى تكون قادرة على الإسهام الفعال في نهضة المجتمع وتنميته في كل مجالاته.
2. أهمية انتظام الوقفيات النسائية القديمة والحديثة في مراتبها الأساسية (الضرورية والحاجية والتحسينية) في تحديد الأولويات منها وتفعيل ذلك في وضع السياسات و بناء الخطط وتوجيه المجتمع إليها في إنشاء وقفياته.
3. تكثيف الدراسات حول الوقفيات النسائية للمرأة العمانية وتحليلها مقاصديا، سواء كانت دراسات عامة أو مؤطرة بمددة زمنية أو حدود مكانية؛ لأجل البحث عن هذه الكنوز المغمورة والانتفاع بها في توجيه سياسات المنظومة الوقفية.
4. أهمية استثمار الأوقاف النسائية وتطويرها والتجديد فيها وإنشاء وقفيات معاصرة أخرى تتلاءم مع مقتضيات الزمان والمكان المتجددين، حتى تقوم بمقاصدها وأهدافها بما يخدم المجتمع والمرأة خصوصا.
فهرس المصادر والمراجع:
1. إبراهيم البيومي غانم: مقاصد الشريعة الإسلامية في العمل الخيري، رؤية حضارية مقارنة، (مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 2008م).
2. إبراهيم محمد المزيني: الوقف وأثره في تشييد ينية الحضارة الإسلامية، بحث مقدم لندوة المكتبات الوقفية في المملكة العربية السعودية بمكتبة الملك عبدالعزيز، في المدينة المنورة، في الفترة 25-27 محرم 1420م.
3. أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري: صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ت)].
4. أبو القاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي (الموسوعة الثقافية الجزائرية)، (الجزائر: دار البصائر، 2007م).
5. أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني: البرهان في أصول الفقه، تحقيق: عبد العظيم محمود الديب، ط4، (مصر: دار الوفاء، 1418هـ).
6. أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد المدائني: شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد عبد الكريم النمري، ط1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1418هـ، 1998م).
7. أبو حامد محمد بن محمد الغزالي: المستصفى في علم الأصول، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، ط1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1413هـ).
8. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل، تحقيق: حمد الكبيسي، ط1، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1410هـ- 1990م).
9. أبو طاهر اسماعيل بن موسى الجيطالي: قواعد الإسلام، تحقيق: بكلي عبد الرحمن بن عمر، ط4، (مسقط: مكتبة الاستقامة، 1423هـ-2003م).
10. أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سليمان الكندي (ت: 508هـ/ 1115م): بيان الشرع، ط1، (مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة، 1984م).
11. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي: الجامع الصحيح المختصر، تحقيق: مصطفى ديب البغا، ط3، (بيروت: دار ابن كثير؛ اليمامة، 1407 هـ- 1987م)].
12. أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، (المغرب: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1387هـ).
13. أبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة البهلوي: الجامع، تحقيق وتعليق: عيسى يحيى الباروني، (مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة، د.ت).
14. أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني: العدل والإنصاف في معرفة أصول الفقه والاختلاف، (مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة، 1404هـ ـ 1984م).
15. أحمد الريسوني: الوقف الإسلامي ومجالاته وأبعاده، (الكويت: المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، د.ت).
16. أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، (بيروت، المكتبة العلمية، د. ت).
17. أحمد بن يحي الكندي: الوقف التعليمي في عمان وأثره على الحركة العلمية، بحث منشور في ندوة الوقف في عمان بين الماضي والحاضر، بمركز الدراسات العمانية جامعة السلطان قابوس، 2009م.
18. بدرية بنت حمد الشقصية: السيرة الزكية للمرأة العمانية، ط1، (مسقط: مكتبة الجيل الواعد، 1421هـ-2000م).
19. تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن السبكي: الأشباه والنظائر، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1411هـ، 1991م).
20. جمال الدين عطية، مقاصد علم الاقتصاد الاسلامي، بحث منشور في مجلة قضايا اسلامية معاصرة، العدد الثامن، 1420 -1999م.
21. جميل بن خميس السعدي: قاموس الشريعة الحاوي طرقها الوسيعة، تحقيق: عبد الحفيظ شلبي، (مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة، 1409هـ-1989م).
22. زوينة بنت حمود بن ناصر البطاشية: دور المرأة في العمل الخيري، ورقة بحثية مقدمة لندوة (ألحركة العلمية للمرأة العمانية ودورها الحضاري)، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بتاريخ 14-15 أكتوبر 2018م.
23. السعيد بو ركبة: الوقف الإسلامي وأثره في الحياة الاجتماعية في المغرب، ضمن بحوث ندوة مؤسسة الأوقاف في العالم العربي والإسلامي)، بالمملكة المغربية، 1403هـ.
24. سعيد علي محمد العبيدي: أبعاد التنمية في الاقتصاد الإسلامي، أطروحة دكتوراه، (بغداد: الجامعة المستنصرية، كلية الإدارة، قسم الاقتصاد، 1416هـ - 1995م.
25. سلطان بن مبارك الشيباني: معجم النساء العمانيات، دليل تاريخي إلى تراجم أشهر النساء في تاريخ عمان الماجدة، ط1، (مسقط: مكتبة الجيل الواعد، 1425هـ، 2004م).
26. سليم هاني منصور: الوقف ودوره في التنمية الاجتماعية، بحث مقدم للمؤتمر الثاني للأوقاف بالمملكة العربية السعودية.
27. شوقي أحمد دنيا: أثر الوقف في إنجاز التنمية الشاملة، بحث منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، السنة 6، العدد (24)، (الرياض: مجلة علمية محكمة متخصصة في الفقه الإٍسلامي، 1415هـ).
28. عبد الرحمن إبراهيم الكيلاني: قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي عرضا ودراسة وتحليلا، ط4، (دمشق: دار الفكر، 1430هـ، 2000م).
29. عبد الكريم بناني: في حفظ مقاصد الشريعة الإسلامية... قراءة مقاصدية لشروط الوقف ودراسة الأبعاد المصلحية في ظل مدونة الأوقاف المغربية الجديدة، مقال منشور في موقع الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، بتاريخ 22/ 5/ 2020م، رابط https://www.arrabita.ma
30. عبد اللطيف بن عبدالله العبد اللطيف: أثر الوقف في التنمية الاقتصادية، بحث مقدم لمؤتمر الأوقاف الأول في المملكة العربية السعودية الذي نظمته جامعة أم القرى بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، في مكة المكرمة، عام 1422م.
31. عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي: قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (القواعد الكبرى)، تحقيق: نزيه كمال حماد وعثمان جمعة ضميرية، ط4، (دمشق: دار القلم، 1431هــ- 2010م).
32. علاّل الفاسي: مقاصد الشريعة ومكارمها، دراسة وتحقيق: إسماعيل الحسني، ط1، (القاهرة: دار السلام، 1432هـ- 2011م).
33. فوزي عطوي: الاقتصاد والمال في التشريع الإسلامي والنظم الوضعية، بحوث وأحاديث ودراسات مقارنة، (بيروت: دار الفكر العربي، د.ت).
34. ماجد بن محمد بن سالم الكندي: العملية الوقفية، تقدير اقتصادي إسلامي، من سلسلة الصندوق الخيري للوقف العلمي ببهلاء رقم (6)، ط1، 1440هـ، 2019م.
35. ماهر حمادة: المكتبات في الإسلام، (بيروت: 1398هـ).
36. مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الخامسة عشرة بمسقط (سلطنة عُمان) 14 – 19 المحرم 1425هـ، الموافق 6 – 11 مارس 2004م في قراره رقم 140 (6/15).
37. مجموعة من الباحثين: معجم مصطلحات الإباضية، (مسقط: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، 1332هـ، 2011م).
38. محماد بن محمد رفيع: المقاصد الشرعية للوقف الإسلامي تأصيلا وتطبيقا، مقال منشور في موقع المركز العلمي للنظر المقاصدي في القضايا المعاصرة، بتاريخ 1/ 12/ 2020م، رابط https://makasid.com/wakf
39. محمد الخطيب الشربيني: مغني المحتاج، (بيروت: دار الفكر، د.ت).
40. محمد الصالح: الوقف في الشريعة الإسلامية وأثره في تنمية المجتمع، ط1، (الرياض: مكتبة فهد الوطنية، 2001م).
41. محمد الطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير، (تونس: دار سحنون للنشر والتوزيع، 1997م).
42. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: مقاصد الشريعة الإسلامية، ط4، (تونس: دار سحنون للنشر والتوزيع؛ مصر: دار السلام، 2430هـ- 2009م).
43. محمد أمين أفندي الشهير بـ(ابن عابدين): حاشية رد المحتار على الدر المختار الشهير بـ(حاشية ابن عابدين)، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر، 1421هـ - 2000م).
44. محمد بن أكرم بن منظور، لسان العرب، ط1، (بيروت، دار صادر، د. ت).
45. محمد بن عبدالعزيز بنعبد الله: الوقف في الفكر الإسلامي، جزءان، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. المملكة المغربية 1416هـ.
46. محمد بن عبدالله بن سعيد السيفي: نساء نزوانيات، ط2، 1438هـ، 2017م.
47. محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني: سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (بيروت: دار الفكر، د.ت).
48. محمد عبدالرحمن غنيمة: تاريخ الجامعات الإسلامية الكبرى، (المغرب: 1952م).
49. محمد بن عمر بن الحسين الرازي: المحصول في علم الأصول، تحقيق: طه جابر فياض العلواني، ط1، (الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1400هـ).
50. محمود حسين الوادي وآخرون: الاقتصاد الإسلامي، ط1، (إربد: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، 1431هـ- 2010م).
51. مسفر بن علي بن محمد القحطاني: منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، دراسة تأصيلية تطبيقية، ط1، (جدة: دار الأندلس الخضراء، 1424هـ-2003م).
52. موسى بن خميس بن محمد البوسعيدي: الشخصية الاعتبارية للوقف، ط1، (مسقط: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، 1422هـ، 2002م).
53. نعمان جغيم: طرق الكشف عن مقاصد الشارع، ط1، (عمان: دار النفائس، 1435هـ-2014م).
54. نور الدين أبو محمد عبدالله بن حميد بن سلوم السالمي: تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، (مسقط: مكتبة الاستقامة، 1417هـ ـ 1997م).
55. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: شرح طلعة الشمس على الألفية، (مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة، 1401هـ ـ 1981م).
56. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: جوابات الإمام السالمي، تنسيق ومراجعة: عبد الستار أبو غدة، ط3، (د.م، 1422هـ ـ 2001م)، ط1، (مسقط، 1417هـ، 1996م).