المَكتبات العامة كحاضِنات للمعرفةِ والابتكَار في الاقتصادِ الرقمي:

 مكتبة الأطفال العَامة "أنموذجًا"

الملخص

    هدفت الدِراسة إلى استكشافِ ممارسات مكتبة الأطفال العامة كحاضنة للمعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي، ورصد التحديات التي تواجهها. ولتحقيق أهداف الدراسة تم الاعتماد على المنهج الوصفي النوعي (دراسة حالة). وتم إجراء المُقابلة شبه المُقننة مع عينة الدِراسة، والتي تمثلت  في 4 مُوظفات، مُمثِل من قسم (الإدارة، خدمات المعلومات والخدمات الفنية، الورش والفعاليات، ركن الابتكار).

    كَشفت نتائج الدراسة عن عددٍ من المُمارسات التي تنتهجها مكتبة الأطفال العامة في ضلِ توجهها لتعزيزِ المعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي، وهي: نشر المعرفة وإتاحة الوصول إليها، تنفيذ الورش والفعاليات، دمج التقنيات المتقدمة، التعاون والمُشاركة المجتمعية. في حين تمثلت التحديات التي تواجهها في: التحديات التقنية، التحديات البشرية، التحديات المُجتمعية. خلصت الدِراسة إلى جملة من التوصيات، أهمها: تعزيز الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية، تطوير استراتيجيات قوية للأمن السيبراني، توسيع نطاق الوصول إلى الموارد الرقمية، عقد دورات تدريبية للعاملين في المكتبات، فضلًا عن أهمية التكامل مع المصادر الإلكترونية الأخرى.

الكلمات المِفتاحية: الاقتصاد الرقمي، التحول الرقمي، ريادة الأعمال، الابتكار، مكتبات الأطفال، المكتبات العامة، سلطنة عمان.

Abstract

    The study aimed to explore the practices of the Children's Public Library as an incubator for knowledge and innovation in the digital economy, and to monitor the challenges it faces. To achieve the study objectives, the qualitative descriptive approach (case study) was relied upon. A semi-structured interview was conducted with the study sample, which consisted of 4 female employees, a representative from the department (Administration, Information Services and Technical Services, Workshops and Events, Innovation Corner).

    The results of the study revealed a number of practices adopted by the Children's Public Library in light of its orientation to enhance knowledge and innovation in the digital economy, namely: disseminating knowledge and providing access to it, implementing workshops and events, integrating advanced technologies, cooperation and community participation. While the challenges it faces were: technical challenges, human challenges, and societal challenges. The study concluded with a set of recommendations, the most important of which are: enhancing investment in technological infrastructure, developing strong cybersecurity strategies, expanding access to digital resources, holding training courses for library workers, as well as the importance of integration with other electronic resources.

Keywords: Digital economy, digital transformation, entrepreneurship, innovation, children’s libraries, public libraries, Oman.

1. تمهيد

   تلعب المكتبات العامة دورًا محوريًا في نشر المعرفة وتعزيز الابتكار، ومع تسارع الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم حاليًا، أصبح من الضروري أن تسعى المكتبات، وخاصة العامة منها، لتقديم أفضل الخدمات التقنية والتكنولوجية لمواكبة هذه التطورات السريعة؛ ولتحتضن الاحتياجات المُتجددة للمستفيدين منها.

   عليه، تُشكل المعرفة والابتكار ركيزتين أساسيتين في دعم الاقتصاد الرقمي، وتبرز المكتبات العامة كمراكز حاضنة لهما من خلال تقديم مجموعة متنوعة من الخدمات. تشمل هذه الخدمات الوصول إلى قواعد البيانات، توفير أجهزة الحاسوب، الإعارة الإلكترونية، بالإضافة إلى تنظيم ورش تدريبية متخصصة في التكنولوجيا، الحوسبة الرقمية، ولغات البرمجة، وغيرها من المجالات ذات الصلة.

   كما وتُعد المكتبات العامة ملتقى لكافة فئات المجتمع، وتساهم في رفع وتعزيز المستوى الرقمي وتحسينه للفئات التي تنقصها المهارات التقنية وتقليص الفجوة الرقمية بين فئات المجتمع؛ وذلك من خلال الاستراتيجيات المُعتمدة والدورات المقدمة. ومن هذا المنطلق سعت الدراسة للتعرف على دور مكتبة الأطفال العامة كحاضنة للمعرفة والابتكار في إطار الاقتصاد الرقمي، من خلالِ التعرف على مُمارساتها المُتبعة، ورَصد التحديات التي تُواجهها.

1.1 مُشكلة الدراسة

أصبح للاقتصادِ الرقمي دور حيوي تعتمد عليه الدول في تعزيز اقتصادياتها لمواكبة التطورات السريعة، وذلك لما يُقدمه من قدرة على مواجهة الأزمات المُفاجئة وتخفيف تداعياتها (خليل & علاء الدين، 2023). إذ تَشهد المجتمعات الحديثة تحولات كبيرة بفعل الثورة الرقمية والتطورات المتسارعة في مجال التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى إعادة تعريف دور المؤسسات التقليدية، مثل المكتبات العامة، لتواكب هذه التغيرات وتساهم في تعزيز الابتكار والمعرفة. وعلى الرغم من الدورِ التقليدي للمكتبات كمراكز لتوفير المعلومات، إلا أن هناك قصورًا في استغلال إمكانياتها كحاضنات للمعرفة والابتكار ضمن الاقتصاد الرقمي. إذ تُعد المكتبات العامة من أبرز مؤسسات المعلومات التي تسهم في نشر المعرفة وتعزيز الابتكار في المجتمع الرقمي، من خلال تطوير مقتنياتها ومعالجتها بشكل يضمن تقديم أفضل الخدمات للمُستفيدين. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة في الأبحاث المتعلقة بممارساتِ هذه المؤسسات والتحديات التي تواجهها في نشر المعرفة ودعم الابتكار في إطار الاقتصاد الرقمي. بناءً على ذلك، تأتي هذه الدِراسة لاستكشافِ مُمارسات مكتبة الأطفال العامة في تعزيز المعرفة والابتكار في ظل الاقتصاد الرقمي، ورصد التحديات التي تواجهها.

2.1 أهداف الدراسة

تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف دور مكتبة الأطفال العامة كحاضنة للمعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي. ويتفرع منه الهدفان الفرعيان الآتيان:

1. التعرف على مُمارسات مكتبة الأطفال العامة لتعزيز المعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي.
2. رصد التحديات التي تواجهها مكتبة الأطفال العامة لتعزيز المعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي.

3.1 أسئلة الدراسة

 تسعى الدراسة للإجابة عن السؤالين البحثين الآتيين:

1. ما هي مُمارسات مكتبة الأطفال العامة لتعزيز المعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي؟
2. ما هي التحديات التي تواجهها مكتبة الأطفال العامة لتعزيز المعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي؟

4.1 أهمية الدراسة

تكمُن أهمية هذه الدراسة في جانبيها النظري والعملي، كما يتضح فيما يلي:

1.4.1 الجانب النظري

 تبرز الأهمية النظرية للدراسةِ في تقديم فهم معمق لدور المكتبات العامة، ولا سيما مكتبات الأطفال، كحاضنات للمعرفة والابتكار في ظل الاقتصاد الرقمي. إذ تُسلط الدراسة الضوء على العلاقة بين المكتبات العامة والاقتصاد الرقمي، موضحة كيف يمكن للمكتبات أن تسهم في تمكين الأجيال من خلال تطوير مهاراتهم الرقمية وتعزيز الابتكار. كما تعكس الدِراسة  أهمية الدور الذي تلعبه المكتبات العامة في تقليص الفجوة الرقمية ومواكبة التطورات الاقتصادية القائمة على المعلومات والمعرفة. بالنظر إلى التحديات والفرص التي يفرضها الاقتصاد الرقمي، فإن المكتبات العامة يمكن أن تكون محورًا أساسيًا في توفير الموارد التعليمية والتدريبية التي تدعم المهارات الرقمية والابتكار. كما تسعى الدراسة إلى سد الفجوة في الأدبيات الأكاديمية المتعلقة بدور المكتبات في مواجهة التحديات الرقمية، مما يُثري الجانب النظري لفهم دور المكتبات في دعم الاقتصاد القائم على المعرفة.

 2.4.1 الجانب العملي

    يأمل الباحثون أن تقدم هذه الدراسة فائدة كبيرة لأمناء المكتبات العامة في سلطنة عمان، من خلال تسليط الضوء على ممارسات مكتبة الأطفال عامة في تعزيز المعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي. كما يُؤمل أن تُساهم هذه الدراسة في توجيه صناع القرار في مجال المكتبات العامة نحو تفعيل دور هذه المؤسسات كمنصات لدعم المهارات الرقمية والابتكار؛ من خلالِ توظيف استراتيجيات فعالة تدعم تطوير المهارات في ظل الاقتصاد الرقمي المتطور، والتحديات التي تواجههم وطرق التصدي لها والتخفيف من حدتها. كما يُؤمل أن تساعد نتائج الدراسة في تعزيز مبادرات التنمية المستدامة؛ من خلالِ تمكين الشباب من المهارات الرقمية اللازمة للمُشاركة الفعالة في المجتمع والاقتصاد الحديث.

5.1 حدود الدراسة

الحدود الموضوعية: دور مكتبة الأطفال العامة في نشر المعرفة وتعزيز الابتكار في الاقتصادِ الرقمي.

الحدود البشرية: العاملون بمكتبةِ الأطفال العامة بسلطنة عمان.

الحدود الزمنية: أغسطس 2024 - أكتوبر 2024.

6.1 مصطلحات الدراسة

الاقتصاد الرقمي: فرع من فروع العلوم الاقتصادية يعتمد على التفاعل المتكامل بين تكنولوجيا المعلومات والاتصال؛ لتلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية بأقل تكلفة وجهد ووقت ممكن (خليل & علاء الدين، 2023).

مكتبة الأطفال العامة: مكتبة أهلية بسلطنةِ عمان افتتحت المكتبة في عام 2017 لتتبنى شعار "المعرفة حقٌ لنا".  تستهدف المكتبة شريحة الأطفال من عمر (3-17)، إلى جانب اهتمامها بأولياء الأمور والمهتمين بأدب الطفل. تضم المكتبة عددا متنوعًا من مصادرِ المعلومات، إلى جانبِ اهتمامها بعقد مختلف الورش والفعاليات طوال العام.

2. الِدراسات السابقة

1.2 مُمارسات المكتبات لتعزيز المعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي.

    تلعب المكتبات دورًا حاسمًا في تعزيز المعرفة والابتكار في إطار الاقتصاد الرقمي من خلالِ العمل كمراكز للوصول إلى المعلوماتِ والتكنولوجيا والمُشاركة المُجتمعية. يمكن تصنيف ممارساتها إلى عدة مجالات رئيسية: نشر المعرفة وإتاحة الوصول إليها، تنفيذ الورش والفعاليات، دمج التقنيات المتقدمة، التعاون والمُشاركة المجتمعية.

 1.1.2 نشر المعرفة وإتاحة الوصول إليها

     تُسهل المكتبات الوصول إلى مجموعة واسعة من موارد المعلومات، بما في ذلك المجموعات الرقمية وقواعد البيانات، والتي تعد ضرورية للبحثِ والابتكار. كما توفر التدريب على محو الأمية الرقمية والتفكير النقدي؛ مما يُمكن المستخدمين من التنقل بشكل فعال واستخدام المعلومات في مشهد رقمي سريع التغير. يعد هذا الدعم أمرًا حيويًا لتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة، إذ يمكّن الأفراد والمنظمات من الاستفادة من المعلومات من أجل الابتكار وريادة الأعمال (Osman,2023). وأظهرت دِراسة نصيرة & عيسى (2021) أن مكتبة أدرار تلعب دورًا مهمًا في تلبية احتياجات المستفيدين من خلالِ توفير مصادر المعلومات والبنية التكنولوجية اللازمة لتعزيزِ التوجه نحو اقتصاد المعرفة. حيث تُلبي المكتبة حوالي 75% من احتياجاتِ المستفيدين، مع تفضيل واضح للمصادر المرتبطة بالتراث المحلي مثل المخطوطات والصناعات التقليدية، ما يعكس الاهتمام الكبير بالمحتوى المحلي. كما توفر المكتبة مجموعة من الوسائل التكنولوجية التي تتيح للمُستفيدين استخدام أجهزة الكمبيوتر المتصلة بالإنترنت، بالإضافة إلى أدوات أخرى مثل التلفاز، الفيديو، وأقراص CD. إلى جانب ذلك، أظهرت النتائج أن نسبة كبيرة من المستفيدين يمتلكون مستوى جيدًا في التحكم بتكنولوجيا المعلومات، حيث اكتسب العديد منهم مهارات جديدة من خلالِ استخدامهم لخدمات المكتبة.

        وباستخدامِ تقنيات إنترنت الأشياء، يمكن لمستخدمي المكتبة الوصول إلى الموارد بسهولة وأمان عبر هواتفهم الذكية أو أجهزة إنترنت الأشياء الأخرى، دون الحاجة إلى بطاقات مكتبة مادية أو القيام بالإجراءات يدويًا؛ مما يُعزز تجربة المستخدم. في البلدان المتقدمة، قامت بعض المكتبات بتقديم خدمات الإقراض الذاتي عبر الهواتف المحمولة، مما يتيح للمستخدمين استعارة الموارد بأنفسهم باستخدام أجهزتهم المحمولة، مما يختصر وقت الانتظار ويعزز كفاءة الخدمة. علاوة على ذلك، تستخدم المكتبات تقنيات إنترنت الأشياء لمراقبة جودة الهواء داخل المنشآت، مما يضمن بيئة ملائمة للدراسة والعمل (Opoku et al., 2024).

     وأضافت دِراسة Lahkar (2024) أن المكتبات تشهد تحوّلاً كبيراً بفعل تزايد اعتمادها على التكنولوجيا الرقمية وانتقالها من الموارد المادية إلى الرقمية. يوفر هذا التحول رَاحة غير مسبوقة للمُستخدمين، مما يتيح لهم الوصول السلس إلى الكتب الإلكترونية وقواعد البيانات عبر الإنترنت، ومُحتوى الوسائط المتعددة. وبالتالي، يستفيد المستخدمون من مرونةِ الوصول إلى المعلومات في أي وقت وأي مكان، مما يحدث ثورة في طرقِ استرجاع المعلومات.  كما أثرت التكنولوجيا والعولمة على كيفيةِ حصول المكتبات على المعلومات إلى كيفية تخزينها ومشاركتها. في الوقت الحاضر، يتم تخزين المعلومات رقميًا والوصول إليها عبر الإنترنت، مما يسهل تخزين كميات كبيرة من المعلومات ويسهل على الأشخاص العثور على ما يحتاجون إليه. تركز المكتبات الآن على الموارد الإلكترونية وتستخدم التكنولوجيا مثل آلات الخدمة الذاتية وقواعد البيانات عبر الإنترنت والأجهزة المحمولة (Bagavathi, 2023)؛ لقد حولوا تركيزهم من مجرد جمع الكتب إلى مساعدة الأشخاص في العثور على المعلومات واستخدامها بطرق مختلفة. للبقاءِ على صلة، تحتاج المكتبات إلى أن تكون مرنة وتتعلم مهارات جديدة، في حين يجب أن يكون أمناء المكتبات مُنفتحين على التقنياتِ الجديدة واستخدامها لتلبية احتياجات المستخدمين المختلفين.

  كما وتلعب المكتبات دورًا محوريًا في تعزيز محو الأمية المعلوماتية، وتثقيف المستخدمين بشأن التقييم النقدي للمعلومات، وتمييز المصادر الموثوقة من المعلومات المضللة، والتنقل في المشهد المعقد لعصر المعلومات. وبالتالي، تظهر المكتبات باعتبارها حجر الأساس لتراثنا الفكري، ومحفزات التعلم المستمر، وأعمدة أنظمة المعرفة (Khan & Basir 2023). لقد أدى التكامل المُستمر للتكنولوجياِ المُتقدمة إلى تحويل المكتبات إلى مراكز نابضة بالحياة للمعرفة والمعلومات، وإعادة تعريف أدوارها وتوسيع قُدرتها على تلبيةِ التوقعات المتطورة باستمرار لمجتمعاتها(Kociubuk et al., 2023).

2.1.2 تنفيذ الورش والفعاليات

     أظهرت دِراسة نصيرة & عيسى (2021) أن التدريب والتكوين في مكتبة أدرار يعد جزءًا أساسيًا من دور المكتبة في تعزيز التوجه نحو اقتصاد المعرفة الرقمي؛ حيث تقدم المكتبة دورات تدريبية في مجالات استخدام الحاسوب والبحث عن مصادر المعلومات. وعلى الرغم من استفادة حوالي 77% من المستفيدين من هذه البرامج، إلا أن 20% منهم أشاروا إلى عدم تلقيهم أي تدريب. هذا يشير إلى فجوة في توفير التدريب لكافة الفئات، حيث تبين أن البرامج الحالية غير كافية لتلبية جميع احتياجات المستفيدين. كما أبدى المستفيدون رَغبتهم في دورات إضافية على نطاقٍ أوسع لتشمل موضوعات أكثر تنوعًا تتماشى مع متطلبات الاقتصاد الرقمي. كما برزت تحديات تتعلق بعدم وعي بعض المُستفيدين بوجود هذه الدورات، مما يستدعي تحسين آليات التواصل والترويج لهذه البرامج. في ضوء ذلك، يتضح أن المكتبة بحاجة إلى تعزيز جهودها في تقديم برامج تدريبية متنوعة تسهم في تطوير المهارات الرقمية والمهنية للمجتمع، بما يُواكب تطورات الاقتصاد الرقمي ويُعزز من دورِ المكتبة كمركز تعليمي وتثقيفي.

        فضلًا عن ذلك، أشارت دِراسة Ryan et al. (2023) أن المكتبات العامة، على وجه الخصوص، تعمل على توسيع دورها كمراكز مُجتمعية، وتُيسر التماسك الاجتماعي من خلالِ الفعاليات الثقافية، وورش العمل، والبرامج التعليمية التي تُعزز الحوار والتفاهم المُتبادل بين أفرادِ المجتمع.

3.1.2 دمج التقنيات المتقدمة

     أكدت دِراسة Adigun et al. (2024) أن تبني التقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء (IoT)، أدى إلى تحويل عمليات المكتبات وتعزيز تجارب المستخدم. إذ تعمل المكتبات على دمج هذه التقنيات لتبسيط الخدمات وتحسين إدارة الموارد وتعزيز المُشاركة المجتمعية. لا يعمل هذا الاستخدام الاستراتيجي للتكنولوجيا على تعزيز الكفاءة التشغيلية فحسب، بل يُساعد المكتبات أيضًا على سد الفجوة الرقمية، وضمان الوصول العادل إلى الموارد الرقمية لجميع أفراد المجتمع. كما كشفت دراسة نصيرة & عيسى (2021) أن المكتبة تطبق نظامًا مبتكرًا من خلال تقديم خدمات حديثة مثل الفهرس الإلكتروني والخدمات الرقمية. إذ يستخدم المستفيدون موقع المكتبة على الإنترنت بنسبة 73%، كما أن هناك فهرسًا على الخط يُستخدم للبحثِ عن مصادر المعلومات.

4.1.2 التعاون والمُشاركة المجتمعية

     تتعاون المكتبات مع المجتمعات المحلية والشركات والمؤسسات التعليمية لتعزيز الابتكار. ومن خلال التعاون مع هذه الكيانات، يُمكن للمكتباتِ معالجة احتياجات المجتمع المُحددة، وتعزيز إنشاء المحتوى المَحلي. يُساعد هذا الانخراط في تنميةِ ثقافة الابتكار والتعلم مدى الحياة، وهو أمر ضروري للتكيف مع متطلباتِ الاقتصاد الرقمي (Osman, 2023). كما تخضع المكتبات لتغيير تحويلي، وتتطور إلى مراكز نابضة بالحياة تُعزز التعلم التعاوني والابتكار. مُزودة بتقنيات حديثة مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي؛ إذ تُمكن هذه المساحات من العمل الجماعي التفاعلي، وإقامة ورش العمل وتجارب التعلم (Adigun et al.,2024).

ومن خلالِ دمج هذه الأدوات المتقدمة، تخلق المكتبات بيئات جذابة تُسهل المُشاركة النشطة وتبادل المعرفة والاستكشاف الإبداعي (Papaioannou et al., 2023).  فضلًا عن ذلك، تُركز المكتبات بشكل مُتزايد على ممارساتِ إدارة المعرفة لتعزيز تبادل المعرفة والابتكار. ومن خلالِ خلق بيئات مُواتية للتعاون والتعلم متعدد التخصصات، تدعم المكتبات تطوير أفكار وحلول جديدة، وتَعمل كميسرات لتدفق المَعرفة، وربط المُستخدمين بالمعلوماتِ والموارد اللازِمة للابتكار. ويشمل ذلك تنظيم ورش العمل والندوات والمشاريع التعاونية التي تشجع تبادل المعرفة بين مُختلف أصحاب المصلحة (Sarmast,2018).

2.2 التحديات التي تواجهها المكتبات لتعزيز المعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي.

     في ظلِ الاقتصاد الرقمي المُتسارع، تسعى المكتبات لإيجاد حلول للتحديات المُتزايده التي تواجهها؛ لأجلِ الحفاظ على دورها كمراكز محورية للمعرفة والابتكار. إذ يتطلب التحول من الخدمات التقليدية المعتمدة على الطباعة إلى بيئة رقمية أكثر حيوية من المكتبات إعادة صياغة استراتيجياتها واستيعاب التقنيات الحديثة. أكدت دِراسة نصيرة & عيسى (2021) مواجهة المكتبات لتحديات مُتعددة تتمثل في نقص التمويل، حيث تبرز الحاجة إلى موارد مالية أكبر لدعم البرامج والخدمات التي تقدمها. بالإضافة إلى ذلك، تُعد مسألة تحديث التكنولوجيا ضرورة مُستمرة لتطويرِ المعدات والبرمجيات بما يتماشى مع التطورات السريعة. كما أن توعية المجتمع بأهمية المكتبات ودورها المحوري في تعزيز الاقتصاد المعرفي تشكل تحدياً مهماً لضمان استمرارية تأثيرها الإيجابي في المجتمع.

        بَحثت دراسة Hamad et al. (2023) في تنفيذ الخدمات الذكية في المكتبات الأكاديمية والتحديات المرتبطة بها. وسلطت الدراسة حاجة المكتبات لتكيفِ مع التقنيات الناشئة لتلبية الاحتياجات المُتغيرة للمستخدمين، كما رصدت مُستويات معتدلة من تنفيذ الخدمات الذكية في المكتبات الأكاديمية الأردنية، مع تحديات مثل مقاومة التغيير، ومخاوف الخُصوصية، والقيود المالية، والتدريب المُحدود للموظفين.

        إن دمج المكتبات الذكية في أنظمة المعرفة يطرح مجموعة من التحديات المعقدة التي تتطلب فحصًا دقيقًا وحلًا. يتمثل أهمها في ضرورة ضمان الوصول العادل لكافة المُستفيدين. إذ يجب على المكتبات أن تكون حذرة حتى لا تهمش عن غير قصد الأفراد الذين يفتقرون إلى مهارات محو الأمية الرقمية الضرورية أو الوصول إلى التكنولوجيا مع تقدمها التكنولوجي. إن سد هذه الفجوة الرقمية يمثل تحديًا ملحًا يتطلب اهتمامًا ثابتًا بالحفاظ على المبادئ الديمقراطية التي تقوم عليها المكتبات (Killoran, 2018).  يركز تحدٍ محوري آخر على الأبعاد الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في المكتبات الذكية؛ مع تسخير هذه المكتبات للخوارزميات التي يقودها الذكاء الاصطناعي لتنسيق المحتوى، وتقديم تَوصيات الموارد وتخصيص تجارب المستخدم؛ تنشأ مَخاوف بشأن خصوصية البيانات والتحيزات المُحتملة المُضمنة في أنظمة الذكاء الاصطناعي (Budhwar et al., 2023). وبالتالي، يجب على المكتبات أن تضع بشكل استباقي إرشادات أخلاقية قوية لضمانِ تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره وصيانته بطريقة تتفق مع مبادئ العدالة والشفافية وخُصوصية المُستخدم.

        إن الدور المتطور لأمناء المكتبات يمثل تحديًا ديناميكيًا أيضًا، فمع تولي أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد للمهام الروتينية، من المتوقع أن يتحول أمناء المكتبات نحو خدمات أكثر تخصصًا وتركيزًا على المستخدم، وهو التحول الذي يتطلب التزامًا مستمرًا بالتطوير المهني واكتساب مهارات جديدة للتنقل في مشهد المكتبات المتطور بشكل فعال (Sousa-Zomer et al., 2020). كما يُشكل أمن البيانات والخصوصية تحديًا مستمرًا في سياق المكتبات الذكية. حيث تقوم المكتبات بتجميع وتخزين كميات هائلة من بيانات العملاء، مما يجعلها أهدافًا محتملة للهجمات الإلكترونية. وبالتالي، فإن حماية هذه المعلومات الحساسة أمر بالغ الأهمية، سواء لحماية المُستفيدين، أو للحفاظ ِعلى سلامة أنظمة المكتبات (Bareh, 2022). غالبًا ما تظهر مشكلات التشغيل البيني أيضًا أثناء تنفيذ أنظمة المكتبات الذكية؛ فقد تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي المتنوعة معايير أو تنسيقات بيانات أو بروتوكولات اتصال متباينة، مما يستلزم التحدي الفني المُعقد المتمثل في ضمان التكامل السلس والتوافق مع أنظمةِ المكتبة الحالية والتوافق(Taherdoost, 2023).

     علاوة على ذلك، هناك عقبة مالية كبيرة يجب تجاوزها، يتطلب تنفيذ وصيانة التقنيات الرقمية بالمكتباتِ تكاليف كبيرة، بدءاً من شراء التكنولوجيا المتطورة إلى التدريب المستمر ودعم الموظفين. ونظراً لأن المكتبات غالبًا ما تعمل ضمن قيود ميزانية صارمة، فإن التخطيط المالي الحكيم وتخصيص الموارد بشكل مدروس أمران حاسمان للتعامل مع هذه التحديات المالية (Berman et al., 2021). كما لا يمكن الاستهانة بتحدي إدارة توقعات المستخدمين؛ مع تزايد تعقيد أنظمة الذكاء الاصطناعي في المكتبات، قد يتوقع المستخدمون خدمات مخصصة وشبه فورية، مما يجعل تحقيق توازن بين تلبية هذه التوقعات واستراتيجية أوسع للتفاعل مع المُستخدمين تحدياً مستمراً للمكتبات (Ihejirika et al., 2021). وأخيراً، يجب عدم تجاهل تحدي التكيف الثقافي؛ إذ يتطلب تنفيذ المكتبات الذكية غالباً تحولاً ثقافياً داخل كل من موظفي المكتبة ومُجتمعات المستخدمين، ويجب قبول هذه التغييرات واحتضانها لتسهيل التكامل الناجح للذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في المكتبات (Gupta & Gupta, 2023). إن التعامل مع هذه التحديات بشكل شامل واستباقي أمر أساسي للمكتبات لتوجيه رحلة التحول بفعالية نحو أن تكون مؤسسات ذكية ومركزة على المستخدم ومسؤولة أخلاقياً في العصر الرقمي.

    من المتوقع أن يصبح التعاون سمة بارزة في المكتبات المستقبلية، مما يعزز التبادل العالمي للأفكار، لكنه يبرز أيضًا القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية والمشاركة المسؤولة، ما يستدعي ضمان احترام حقوق الملكية الفكرية عبر شبكة المعرفة الواسعة. كما أن المكتبات مستعدة لاحتضان التقنيات الناشئة مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي والبلوك تشين، لكن هذا التكامل يتطلب استثمارات مالية كبيرة، مما يستلزم تخصيص الموارد بشكل مدروس. علاوة على ذلك، يتجلى الدور المحوري للمكتبات في الحفاظ على المعرفةِ الرقمية من خلال مُعالجة الشمول الرقمي، مع ضمان بقاء المحتوى الرقمي متاحًا للجميع (Adigun et al., 2024). 

3.2 مُلخص الدراسات السابقة

     ركزت الدراسات السابقة على إبراز الدور الحيوي للمكتبات في دعم المعرفة والابتكار ضمن بيئة الاقتصاد الرقمي، من خلال أربعة محاور رئيسية: نشر المعرفة وإتاحة الوصول إليها، تنفيذ الورش والفعاليات، دمج التقنيات المتقدمة، التعاون والمشاركة المجتمعية. في حين أجمعت الدراسات على أن  التحديات التي تواجه المكتبات في الاقتصاد الرقمي تتمثل في: نقص التمويل وصعوبة مواكبة التحديثات التقنية، ضعف الوعي المجتمعي بأهمية المكتبة في الاقتصاد الرقمي، قضايا الخصوصية، وأمن البيانات، والتحيزات في أنظمة الذكاء الاصطناعي، فجوة المهارات الرقمية، ومحدودية التدريب، مقاومة التغيير، والتحديات الأخلاقية والتقنية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، الحاجة إلى ثقافة مؤسسية مرنة تتقبل التحول الرقمي.

     استعرضت الدراسات السابقة في مجملها الممارسات العامة للمكتبات في دعم المعرفة والابتكار ضمن بيئة الاقتصاد الرقمي، وغالبًا ما اتخذت طابعًا وصفيًا أو كميًا ركز على التحليل الإحصائي لتجارب المكتبات في سياقات مُتعددة. أما هذه الدراسة، فتتبنى منهجًا نوعيًا تحليليًا يستكشف الدور التحويلي للمكتبات العامة – وبخاصة مكتبة الأطفال العامة – بوصفها حاضنة للمعرفة والإبداع والابتكار في ظل التحول نحو الاقتصاد الرقمي، من خلال تحليل تجاربها وممارساتها الميدانية واستكشاف تفاعلها مع المجتمع. كما تنفرد الدراسة بتركيزها على البيئة العُمانية التي لم تحظَ باهتمام كافٍ في الدراسات السابقة، وبسعيها إلى بناء فهم نظري وميداني متكامل لدور المكتبات العامة في التنمية المعرفية والاقتصادية، إلى جانب اقتراح آليات عملية واستشرافية لتعزيز حضورها في الاقتصاد الرقمي. وبذلك تقدم الدراسة إسهامًا علميًا جديدًا يتمثل في دمج مفاهيم الاقتصاد الرقمي وحاضنات المعرفة والابتكار المجتمعي في إطار تكاملي لم تتناوله البحوث السابقة بشكل مُعمق.

3. منهجية الدِراسة وإجراءاتها

1.3 منهج الدِراسة

     سعت الدِراسة إلى الكشف عن آلية تفعيل المكتبات العامة لأدوارها في تعزيز المعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي، من خلال تحليل الممارسات الفعلية لمكتبة الأطفال العامة في سلطنة عُمان. ولتحقيق هذا الهدف، تم تبني المنهج الوصفي النوعي (دراسة حالة)، نظرًا لملاءمته لطبيعة الظاهرة المدروسة التي تتطلب فهماً متعمقاً للسياقات الواقعية والتفاعلات التنظيمية والثقافية داخل المكتبة.ويُعرف المنهج النوعي بأنه المنهج الذي يدرس الظواهر في بيئتها الطبيعية، مستعينًا بالتحليل الاستقرائي للبيانات النوعية، وبناء المفاهيم والمعاني من منظور المشاركين أنفسهم (الجدي، 2014). وتُسهم البيانات النوعية في تقديم فهماً أعمق لطبيعة الخدمات والأنشطة والتحديات التي تواجه المكتبات العامة في سعيها نحو دعم المعرفة والابتكار في ظل التحول الرقمي، كما يُتيح هذا المنهج جمع بيانات ثرية حول التجارب الإنسانية والممارسات المؤسسية من خلال أدوات مثل المقابلات وتحليل الوثائق. ومن ثمّ، يُعد المنهج الوصفي النوعي الأنسب لتحقيق أهداف هذه الدراسة وفهم أبعادها التطبيقية والمفاهيمية.

2.3 مجتمع الدِراسة وعينته

     يتألف مجتمع الدِراسة من جميع العاملات في مكتبة الأطفال العامة، والبالغ عددهن (14) موظفة يعملن في أقسام مختلفة من المكتبة. وتم اختيار عينة قصدية مكوّنة من (4) موظفات يمثلن الأقسام الرئيسة في المكتبة، وهي: قسم الإدارة، قسم خدمات المعلومات والخدمات الفنية، قسم الورش والفعاليات، وركن الابتكار.
وجاء اختيار العينة القصدية استنادًا إلى معايير تتعلق بمدى الخبرة في العمل بالمكتبة، وطبيعة الدور الذي تضطلع به الموظفة في دعم المعرفة والابتكار، لضمان الحصول على بيانات تمثل مختلف أبعاد الظاهرة المدروسة.

3.3 أدوات جمع البيانات

     تم اعتماد المقابلة شبه المُقننة (Semi-structured Interview) أداة رئيسة لجمع البيانات النوعية، إذ تتيح هذه الأداة قدراً من المرونة في إدارة الحوار، وتسمح بتعمق الباحثتين في محاور المقابلة عبر أسئلة مفتوحة ومتفرعة تبعًا لطبيعة إجابات المشاركات. وقد أُعد دليل المقابلة استنادًا إلى أهداف الدراسة ومحاورها الرئيسة، وعُرض على مجموعة من المحكمين من ذوي الاختصاص للتحقق من صدق الأداة ومناسبتها لسياق البحث.
كما شملت المقابلة محاور تتعلق بممارسات المكتبة في تعزيز المعرفة والابتكار، وأساليب توظيف التكنولوجيا الرقمية، والتحديات التي تواجهها، بالإضافة إلى رؤى المشاركات حول الأدوار المستقبلية للمكتبة العامة في دعم الاقتصاد الرقمي. وقد أُجريت المقابلات بشكل فردي بعد التنسيق مع المشاركات، مع أخذ الموافقة المسبقة لتسجيل المقابلات صوتيًا، مما مكّن من توثيق الإجابات بدقة وتحليلها لاحقًا.

4.3طريقة تحليل البيانات

     تم تحليل بيانات المقابلات النوعية باستخدام التحليل الموضوعاتي (Thematic Analysis) الذي يُعد من أكثر أساليب التحليل النوعي استخدامًا ومرونةً في استخراج الأنماط والمعاني المتكررة ضمن البيانات.
واستُخدم نموذج التحليل المكون من ست مراحل كما حدده Braun & Clarke  (2006)، وهي كما يلي:

1. نسخ البيانات وإعادة قراءتها عدة مرات لاستخلاص الأفكار الأولية وملاحظة الأنماط العامة.
2. إنشاء رموز أولية مختصرة تحدد السمات المهمة للبيانات ذات الصلة بأسئلة البحث.
3. تجميع الرموز المختلفة ضمن موضوعات محتملة تمثل الأنماط الجوهرية في البيانات.
4. مراجعة الموضوعات ومقارنتها بمجمل البيانات للتحقق من دقتها واتساقها، مع تعديلها أو دمجها عند الحاجة.
5. تحديد الموضوعات النهائية وتسميتها بما يعكس مضمونها ودلالتها في ضوء أهداف الدراسة.
6. إعداد السرد التحليلي النهائي وربط النتائج بالدراسات السابقة لتفسير الظاهرة بعمق علمي.

وقد أسهم هذا النهج التحليلي في بلورة موضوعات تمثل محاور رئيسة لفهم أدوار المكتبات العامة في تعزيز المعرفة والابتكار ضمن بيئة الاقتصاد الرقمي.

5.3 طريقة ترميز البيانات

     إن طبيعة البيانات النوعية هي بيانات غير رقمية وغير منظمة؛ وتكون عادة على هيئة تعليقات حرفية أو نصية، مثل: المُراجعات، والردود المفتوحة في الاستطلاعات، ومقابلات المشاركين؛ وعليه تكمين أهمية ترميز البيانات النوعية في تسهيل تفسير ملاحظات وأراء المشاركين، والتعرف على ماهية الاستجابة، التي بدورها تُساعد على تحليل نتائج المقابلة وتلخيصها بشكلٍ أفضل. إن ترميز البيانات يساهم في الحِفاظ على هوية المشاركين وخصوصيتهم، وعدم الكشف عن أسمائهم، فضًلا عن تحقيق شفافية الحوار معهم. الجدول التالي يُوضح الطريقة المُتبعة لترميز عينة الدِراسة: 

جدول (1): طريقة ترميز عينة الدراسة

6.3 الاعتبارات الأخلاقية

     ارتكزت الدِراسة على الالتزام بمبادئ البحث العلمي وأخلاقياته، إذ تم الحصول على الموافقة المسبقة من إدارة مكتبة الأطفال العامة لإجراء الدراسة، مع توضيح هدفها وضمان سرية المعلومات. كما تم أخذ موافقة المشاركات قبل تسجيل المقابلات واستخدام بياناتهن لأغراض البحث فقط. حرصت الباحثتين على عدم الإشارة إلى الأسماء الحقيقية للمشاركات أو أي تفاصيل قد تكشف عن هويتهن، مع استخدام الرموز المحددة لضمان السرية. كما التزمت الباحثتين بعرض النتائج بأمانة وشفافية وفقًا لما أظهرته البيانات الميدانية دون تحيز أو تعديل.

4.عرض النتائج والمناقشة

1.4 مُمارسات مكتبة الأطفال العامة لتعزيز المعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي.

    تلعب مكتبات الأطفال العامة دورًا حيويًا في تعزيز المعرفة والابتكار ضمن إطار الاقتصاد الرقمي، إذ تُمثل منصة أساسية لبناءِ جيل رقمي مُبتكر ومُؤهل لمواجهةِ تحديات المستقبل. ومع التقدم التكنولوجي المتسارع، تسعى هذه المكتبات إلى توفير بيئة تعليمية ملهمة تشجع الأطفال على استكشاف مجالات التكنولوجيا والابتكار؛ للانخراط بفاعلية في الاقتصاد الرقمي والمُساهمة في تحقيق التقدم المجتمعي والاقتصادي. كَشفت الدِراسة عن أربع مُمارسات رئيسة لمكتبة الأطفال العامة في إطارِ جُهودها لتعزيز المعرفة والابتكارالرقمي، تمثلت فيّ: نشر المعرفة وإتاحة الوصول إليها، تنفيذ الورش والفعاليات، دمج التقنيات المتقدمة، التعاون والمُشاركة المجتمعية.

1.1.4 نشر المعرفة وإتاحة الوصول إليها

     كشفت الدِراسة عن عدةِ مُمارسات فاعلة لمكتبة الأطفال العامة في إطار توجهها لإتاحةِ المعرفة وتسهيل الوصول إليها. تمثلت أحد هذه الممارسات في حرص المكتبة على توفيرِ مصادر المعلومات بنوعيها الورقي والإلكتروني؛ إلا أن المبحوث (P2) أكد قلة ومحدودية المصادر الرقمية مُقارنة بالورقية منها، وأن المكتبة تشترك في ثلاث قواعد بيانات هي: منصة نهلة وناهل، just for kids, adventure for kids. كما أن المكتبة في الوقت الحالي لم تُجدد اشتراكها في هذه المنصات. وهذا الأمر قد يحد من فاعلية الاستفادة من المصادر، ويحد من سلاسة وصول المُستفيدين إلى المحتوى الرقمي؛ وكنتيجة مُترتبة قصور في تلبية احتياجات المُستفيدين لا سيما لفئةِ المناطق النائية، وهذه المزايا والاستخدامات تتوافق مع نتائج دِراسة Lahkar,2024)).

        كما أشار المبحوث ذاته إلى توجهِ المكتبة لتبسيط آلية عرض أقسام مصادر المعلومات بالمكتبة بالآلية التي تتناسب مع الشريحة المستهدفة من الأطفال؛ إذا تم استخدام الأشكال للتعبير عن الموضوع، بينما تم استخدام الألوان للتعبير عن الفئة العمرية؛ اللون الأزرق للأطفال من عُمر (3-6) سنوات، اللون الأحمر للأطفال من عُمر (7-12) سنة، وأخيرًا اللون الأخضر للأطفال من عُمر(13-17) سنة. إن هذا التقسيم يُساعد الأطفال وكذلك أولياء أمورهم في سهولة الوصول والحصول على الكُتب التي في مجالِ اهتمامهم، والتي تتناسب كذلك مع طبيعة فئتهم العُمرية. إن هذه المُمارسة تتوافق بشكل كبير جدًا مع دراسة Bagavathi (2023) التي أكدت تحول عمل المكتبات لتكون أكثر من مُجرد مستودع لتجميع الكُتب، بل توظف طُرق ووسائل مُبتكرة لأجلِ مُساعدة المُستفيدين في العُثور على المعلوماتِ التي تُلبي احتياجاتهم.

   فضلًا عن ذلك، تمثلت أحد تسهيلات الوصول في توفير المكتبة لأجهزة الكمبيوتر، وشاشات العرض، وخدمة الإنترنت، كما دشنت المكتبة مؤخرًا موقعها الإلكتروني كخطوة لتقديم خدماتها بشكلٍ رقمي. فضلًا عن ذلك توفر المكتبة الخدمة المرجعية وتستجيب لأسئلةِ واستفساراتِ المستفيدين سواء أكان بشكل حضوري، أو عن بُعد عن طريق الهاتف، الإيميل، ومنصات التواصل الاجتماعي؛ وهذا بدورهِ يُسهم في تعزيز محو الأمية المعلوماتية، ويُكسب المستفيدين مهارة تقييم المصادر، وتمييز المعلومات الموثوقةِ من المُضللة منها (Khan & Basir 2023).

    وأكد المبحوث (P4) على توظيفِ حسابات المكتبة لعرض  بعض ملخصات الكُتب المختارة والتي تتزامن مع مُناسبات محلية وعالمية. ولا تكتفي المكتبة بالمشهدِ الورقي فقط، بل تُقدم المعرفة بطريقة رقمية مُبتكرة عن طريق "ركن الابتكار"، وتقنياته الرقمية المتنوعة التي يحضى بها. إن هذا المنهج مُتعدد الاستخدامات الذي تنتهجه المكتبة أسهم في إعادةِ بلورةِ أدوارها، وتوسيع نطاق قُدراتها واهتماماتها لاحتضانِ الاحتياجات المُتوقعة لمجتمعِ المستفيدين (Kociubuk et al.,2023).

2.1.4 تنفيذ الورش والفعاليات

    تلعب الورش والفعاليات التَعليمية والترفيهية منها دورًا محوريًا في تعزيزِ المعرفة والابتكار لدى الأطفال في سياقِ الاقتصاد الرقمي. من خلال هذه الأنشطة التفاعلية، يتعرض الأطفال لتجارب تعليمية عملية تُعزز فهمهم للتكنولوجيا وتفَتح أمامهم آفاق الابتكار. إذ تُسهم هذه الورش في تنمية الحس الإبداعي لدى الأطفال وتمنحهم الفرصة لتطبيق ما تعلموه من خلال المشاريع العملية، مما يعزز قدرتهم على حل المشكلات وتطوير أفكار جديدة. إذ أكد المبحوث (P3) على اهتمامِ المكتبة بهذا المجال، والذي تمثل في تخصيص أحد مساراتِ برنامج "معرفة" وهو البرنامج الذي يُمثل مضلة ورش وفعاليات المكتبة والمدعوم من قبلِ شركة pb عُمان، ليكون في مسارِ العلوم والتقنية. على سبيل المثال لا للحصر، لبعض الورش والمناشط التي أشار إليها المبحوثون: ورشة استكشاف عالم الطائرات بدون طيار- ورشة تطوير واجهات الويب الأمامية – ورشة بناء وبرمجة الخزانة الأمنية – ورشة صمم عالمك الافتراضي الخاص – ورشة التصميم ثلاثي الأبعاد – ورشة تقنية الهولوجرام – ورشة برمجة الأوردينو – ورشة سلامتي الرقمية – مخيم فاب تاك المتنقل – ورشة تحدي البرمجة Tale pot  - ورشة برمجة البايثون – ورشة عالم جوجل، مبادرة أبطال الإنترنت...الخ. فضلًا عن ذلك، تشهد المكتبة إقبال غير معهود للتسجيلِ في الورش؛ أكد المبحوث  (P1) على أن رابط التسجيل يُغلق في غضون ساعتين إلى ثلاث ساعات من إتاحته؛ نظرًا لنفاذ مقاعد الورشة بشكل سريع جدًا. وهذا يتعارض مع نتائج دِراسة نصيرة وعيسى (2021) التي أكدت غياب وعي المستفيدين بهذه الورش؛ والذي ينم عن ضعف ومحدوية آليات التواصل والترويج التي تنتهجا المكتبات.

      إلى جانبِ ذلك، تُساعد هذه الورش في جعلِ عَملية التعلم مُمتعة، وتزيد من استيعاب الأطفال للمفاهيم المُعقدة. كما تتيح الفُرصة للأطفالِ للعمل الجماعي؛ مما يُعزز مهارات التعاون والتفكير النقدي لديهم، وهي مهارات أساسية في الاقتصادِ الرقمي. بهذه الآلية، تساهم مكتبة الأطفال العامة وبشكل فاعل جدًا في إعداد الأطفال للمستقبلِ الرقمي، وتدفعهم نحو الابتكار والإبداع في مجالاتِ التكنولوجيا، وهذا يتوافق مع مُخرجاتِ دراسة (Ryan et al.,2023).

3.1.4 دمج التقنيات المتقدمة

        يُعد توظيف التقنيات المتقدمة عاملاً أساسيًا في تعزيز المعرفة والابتكار لدى الأطفال في الاقتصاد الرقمي، حيث تُتيح للأطفال فُرصًا لاستكشافِ مفاهيم جديدة، وتطوير مهارات تقنية متقدمة بطرق تَفاعلية مُمتعة. كشفت الدِراسة عن احتضان مكتبة الأطفال العامة لعددٍ من التقنيات الرقمية مُمثله في "ركن الابتكار"، والتي تمثلت في: تقنية الواقع الافتراضي VR، الطابعات ثلاثية الأبعاد 3D printers، برمجة مُتحكمات الأوردينو، برمجة تصميم ثلاثي الأبعاد، تقنيات LittleBits، الروبوتات. تجعل هذه التقنيات التعلم أكثر شُمولية وتخصيصًا؛ إذ يمكن للأطفال التفاعل مع المحتوى التعليمي بشكل مُباشر، مما يسهم في تعزيز استيعابهم للمفاهيم المعقدة بطرق مرنة. بالإضافة إلى ذلك، تُمكّنهم من تطبيق ما يتعلمونه عبر مشاريع عملية، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لحل المشكلات أو تصميم نماذج افتراضية؛ ما يُعزز قدرتهم على التفكير الإبداعي والنقدي. بذلك، تُسهم التقنيات المتقدمة في إعداد جيل قادر على التكيف مع متطلبات الاقتصاد الرقمي والابتكاربمجالاتهِ المُتنوعة، وهذا يتوافق مع دراسة Adigun et al. (2024) التي أكدت فَاعلية توظيف التقنية في تعزيز الخدمات، وإدارة الموارد. 

 4.1.4 التعاون والمُشاركة المجتمعية

    تُتيح الشراكات مع مختلفِ المؤسسات، بما فيها:  التعليمية، والمراكز الثقافية، والقطاع الخاص تنظيم برامج وفعاليات مشتركة تدعم تطوير مهارات الأطفال في مجالاتِ التكنولوجيا والابتكار. ومن خلالِ هذه الشراكات، تُتاح للمكتبات موارد تعليمية جديدة مثل الأجهزة التقنية والبرامج التدريبية التي تعزز تجربة المُستخدم. أشار المبحوثون إلى عدةِ شراكات تعاونية تجمعهم بالمؤسسات بمختلفِ أنواعها، على سبيل المثال لا الحصر: عقد اتفاقية تعاون دولية مع مكتبة الأطفال الحكومية الروسية، التعاون مع بعض مدارس محافظة مسقط، التعاون مع المركز الثقافي في كُل من نزوى وصلالة، التعاون مع جامعة السلطان قابوس (مركز الدراسات العمانية)، التعاون مع مركز رعاية الأيتام، التعاون مع شركة إنتوك والقرية الهندسية، التعاون مع وزارة الثقافة، التعاون مع السفارة اليابانية، التعاون مع جماعة المسرح بالجامعة الألمانية، التعاون مع شركة فضاء التقنية...الخ.

        تُعزز هذه المُشاركات المُجتمعية من انخراط الأطفال في أنشطة تعاونية، حيث يعملون ضمن فرق لتنفيذ مشاريع تفاعلية، مما يطور لديهم مهارات التفكير النقدي، والإبداع، وحل المشكلات. هذا النهج التشاركي لا يقتصر على تعزيز القدرات التقنية فقط، بل يغرس في الأطفال روح الابتكار والعمل الجماعي، ويعزز من ارتباطهم بالمجتمعِ من خلال أنشطة تستند إلى التجربة والتعلم العملي.علاوة على ذلك، تُمكّن هذه الشراكات المكتبات من توسيع نطاق خدماتها لتشمل مجالات أكثر حداثة، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام الأطفال لاستكشاف الفرص المتاحة في المُستقبل، وهذا يتوافق مع مُخرجات دراسة كُل من Osman (2023)، Adigun et al. (2024)، و Papaioannou et al. (2023). 

 2.4 التحديات التي تواجهها مكتبة الأطفال العامة لتعزيز المعرفة والابتكار في الاقتصاد الرقمي.

    تسعى المكتبات العامة، بما فيها مكتبات الأطفال إلى تعزيزِ الابتكار ونشر المعرفة من خلال مُواجهة التحديات المتعددة التي تواجهها؛ وذلك لتحقيق الأهداف المنشودة في بناء جيل رقمي قادر ومُؤهل. وبمواجهةِ هذه التحديات، تتمكن المكتبات من توفير بيئة تعليمية مُحفزة تدعم استكشاف الأطفال لمجالات التكنولوجيا والابتكار؛ مما ينعكس إيجابًا في تطوير مهاراتهم، ويُعزز من مشاركتهم الفعّالة في الاقتصاد الرقمي. كَشفت الدِراسة عن ثلاث تحديات تواجه مكتبة الأطفال العامة في إطارِ جُهودها لتعزيز المعرفة والابتكار الرقمي، تمثلت فيّ: التحديات التقنية، التحديات البشرية، التحديات المُجتمعية.

1.2.4 التحديات التقنية

     يُعد توظيف التقنيات المتقدمة عاملاً أساسيًا في تعزيز المعرفة والابتكار لدى الأطفال في الاقتصاد الرقمي. كشفت الدراسة عن عدة تحديات تقنية تواجه مكتبة الأطفال العامة، أبرزها عدم القدرة على مواكبة التطور السريع في الأجهزة والبرمجيات. على الرغم من توفر الدعم المالي، فإن سرعة تقدم التكنولوجيا تشكل تحديًا أساسيًا للمكتبات التي تسعى جاهدة للتغلب عليه. إذ أشار المبحوث (P1) إلى أن المكتبة قد تشتري أحدث الأجهزة، ولكن بعد فترة قصيرة يصدر جهاز آخر أكثر تطورًا؛ مما يجعل العديد من الأدوات والبرامج التي تعتمد عليها المكتبات العامة قديمة في وقت قصير. لذا، تُعد مسألة تحديث التكنولوجيا ضرورة مستمرة لضمان تطوير المعدات والبرمجيات بما يتماشى  مع هذه التغيرات السريعة. كما إن عدم القدرة على التكيف السريع مع هذه التحولات التكنولوجية قد يؤدي إلى فجوة في تقديم الخدمات المعلوماتية التقليدية والرقمية على حد سواء؛ مما يقلل من دور المكتبات العامة كحاضنات للمعرفة ومُحفزات للابتكار في الاقتصاد الرقمي. عليه، من الضرورة بمكان أن تتبنى المكتبات سياسات استراتيجية لتوفير الأدوات الرقمية الحديثة وتقديم خدمات مخصصة لجذب المستخدمين وتحفيز الابتكار بين أفراد المجتمع. تتوافق هذه النتيجة مع دراسة نصيرة وعيسى (2021) التي أشارت إلى مسألة تحديث التكنولوجيا باستمرار. فإن تطوير المعدات والبرمجيات بشكل مُستمر يضمن أن تظل المكتبات قادرة على تلبيةِ احتياجات المجتمع بما يتماشى مع التطورات السريعة. كذلك اتفقت نتائج الدراسة مع دراسة Hamad et al.  (2023)، التي أشارت إلى أن المكتبات الأكاديمية الأردنية تواجه تحديًا تقنيًا يتعلق بصعوبة مقاومة التغيير الذي يحدث في الخدماتِ الذكية.

    إلى جانبِ ذلك، أشار المبحوث (P2) إلى تحدي تقني آخر تواجهه المكتبة، وهو نقص ومحدودية المصادر الرقمية مقارنة بالمصادر الورقية. وأوضح أن المكتبة تشترك حاليًا في ثلاث قواعد بيانات هي: منصة نهلة وناهل، just for kids, adventure for kids ومع ذلك، لم تُجدد المكتبة اشتراكها في هذه المنصات حتى الآن، مما يؤثر سلبًا على قدرتها على توفير محتوى رقمي متنوع وذي جودة للأطفال. يحد هذا النقص من قدرةِ المكتبات على توفير المعرفة الرقمية بشكل كافٍ وعادل لكافة مُجتمع المستفيدين.

2.2.4 التحديات البشرية

    تُعد الموارد البشرية من العوامل الأساسية في تعزيز المعرفة والابتكار في المكتبات العامة في ظل إطار الاقتصاد الرقمي. كشفت الدراسة عن عدة تحديات بشرية تواجه مكتبة الأطفال العامة، أبرزها نقص المهارات التقنية لدى العاملون ويتطلب تحسين المهارات التقنية وتلقي التدريب باستمرار لضمان تأثيرهم الايجابي على المجتمع والمساهمة في نشر المعرفة ودعم الابتكار، وهذا يتوافق مع دراسة Sousa-Zomer et al. (2020) التي أكدت على ضرورةِ التطوير المهني المُستمر واكتساب مهارات جديدة في ظلِ تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، اتفقت مع دراسة Berman et al. (2021) التي أكدت ضرورة تقديم التدريب المُستمر ودعم الموظفين عند شراء أجهزة جديدة في المكتبة.

    إلى جانبِ ذلك، أشار المبحوث  (P4)إلى تحدي بشري آخر تواجهه المكتبة، وهو الفجوة الرقمية بين فئات المجتمع وتفاوت مهاراتهم التقنية في الاستخدامِ في ظل اختلاف فئاتهم العمرية، وهذا ما أكدت عليه دراسة Killoran (2018) إن دمج المكتبات الذكية في أنظمة المعرفة يشكل تُحديا معقدا ولابد من ضرورةِ ضمان الوصول العادل إلى جميع المستفيدين، مع الانتباه إلى الأفراد الذين يفتقرون إلى مهارات محو الأمية الرقمية أو الوصول إلى التكنولوجيا.

وأيضا اتفقت الدراسة مع مُخرجات دراسة كُل من Ihejirika et al. (2021) و دراسة Gupta and Gupta (2023) فيما يتعلق بإدارة توقعات المستخدمين في ظل التعقيد المستمر في الأنظمة الذكية، ومُواجهة التحدي الثقافي؛ الذي يتطلب إحداث تغييرات جوهرية في عقليةِ وسُلوكيات كل من موظفي المكتبة والمستفيدين منها على حدٍ سواء خدماتها؛ من خلالِ التكيف مع الابتكارات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، وهو ما قد يكون صعبًا بالنسبة لبعض الأفراد الذين قد يعارضون التغييرات أو يشعرون بعدم الارتياح تجاه التكنولوجيا الجديدة.

 3.2.4التحديات المجتمعية

    أشار المبحوث (P3) إلى أهمية مُشاركة المجتمع في الأنشطة والفعاليات التي تنظمها مكتبة الأطفال العامة، حيث تسهم هذه المشاركة في نشر المعرفة وتعزيز الابتكار. ومع ذلك، تُواجه المكتبة تحدي يتمثل في الفجوة الرقمية الجغرافية؛ وعدم قدرة الوصول إلى بعض المناطق التي تفتقر إلى شبكة الإنترنت أو تعاني من ضعفها. وهذا يتوافق مع دراسة Killoran (2018) التي أكدت أن أنظمة المعرفة في المكتبات الذكية تواجه تحدي يتعلق بضمان الوصول العادل للمستفيدين، وتهميش الأفراد الذين يفتقرون إلى مهاراتِ محو الأمية الرقمية أو الوصُول إلى التكنولوجيا. 

    وكما أشار المبحوث (P2) إلى تحديِ آخر، تمثل في التنافس الشديد مع مصادر المعلومات المتنوعة التي يمكن الوصول إليها بسهولة عبر الإنترنت. في ظل هذا التنافس، قد يتأثر دور المكتبة التقليدي الذي يعتمد على توفير المعلومات وخدمات البحث المُباشر؛ مما قد يؤدي إلى تراجع أهميتها، أو ضعف دورها في تقديمِ المعلومات بالمقارنة مع ما يتيحه الإنترنت من موارد واسعة ومُتاحة بسرعة وسُهولة. إلا أن المكتبة مع هذه المنافسة؛ تلعب دور محوري في تثقيف المستخدمين بشأن التقييم النقدي للمعلومات، وتمييز المصادر الموثوقة من المعلومات المُضللة (Khan & Basir 2023).

5.الخلاصة والتوصيات

    في عصرِ الاقتصاد الرقمي، أصبحت المكتبات أكثر أهمية من أي وقت مضى بوصفها مراكز للمعرفة والإبداع والابتكار. فقد تحولت المكتبات من مجرد مستودعات للكتب والمصادر التقليدية إلى مراكز متكاملة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة لتمكين الأفراد من الوصول إلى المعلومات بسرعة وفعالية. هذا التحول ساهم في تعزيز قدرة المكتبات على دعم الاقتصاد الرقمي من خلال توفير بيئة تعزز الابتكار، وتُسهل تبادل المعرفة، وتُمكن الأفراد من تطويرِ المهارات الرقمية المطلوبة في سوق العمل الحديث. كشفت الدراسة عن عدةِ ممارسات لمكتبة الأطفال العامة في ضلِ توجهها لتعزيزِ المعرفة والابتكار، وهي: نشر المعرفة وإتاحة الوصول إليها، تنفيذ الورش والفعاليات، دمج التقنيات المتقدمة، التعاون والمُشاركة المجتمعية. في حين تمثلت التحديات التي تواجهها، في: التحديات التقنية، التحديات البشرية، التحديات المُجتمعية. وانطلاقا من النتائج السابقة، تُوصي الدراسة:

• تعزيز الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية: يجب على المكتبات تخصيص ميزانيات دورية لتحديث أجهزة الحاسوب، البرمجيات، وتأمين إنترنت عالي السرعة لضمان استمرار تقديم خدمات رقمية محدثة.
• توسيع نطاق الوصول إلى الموارد الرقمية: تشجيع التعاون مع الناشرين والمؤسسات الأكاديمية لتوفير المزيد من الموارد الرقمية بأسعار معقولة أو عن طريق النشر المفتوح.
•  عقد دورات تدريبية للعاملين في المكتبات: يجب توفير برامج تدريبية دورية لتطوير مهارات الموظفين التقنية وتزويدهم بالأدوات اللازمة للتعامل مع التقنيات الحديثة.
• التكامل مع المصادر الإلكترونية الأخرى: تطوير شراكات مع محركات البحث والمواقع الإلكترونية الأخرى لتوفير تجربة متكاملة للمستخدمين والتمكن من المنافسة بشكل فعال.

6. المراجع

1.6 المراجع العربية

خليل، مبارك شريف، علاء الدين، بن فردية محمد (2023). الوعي التكنولوجي وحتمية الاقتصاد الرقمي في الجزائر..أي ثقافة رقمية!. المجلة الدولية للاتصال الاجتماعي، 10(4)، 661-676. https://www.asjp.cerist.dz/en/article/238680 

نصيرة، دريبين، عيسى، محاجبي (2021). دور المكتبات العامة في تعزيز التوجه نحو اقتصاد المعرفة: دراسة ميدانية في المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بأدرار. مجلة علم المكتبات، 13(1)، 83-107.

2.6 المراجع الأجنبية 

Adigun, G., Ajani, Y. & Enakrire, R. (2024). The Intelligent Libraries: Innovation for a Sustainable Knowledge System in the Fifth (5th) Industrial Revolution. Libri. https://doi.org/10.1515/libri-2023-0111

Bagavathi, A. )2023(.Emerging Trends and Impact of Internet of Things in Academic Libraries. Library of Progress-Library Science, Information Technology & Computer 43 (1). https://doi.org/10.48165/bpas.2023.43.1.1.

Bareh, C. K. )2022(.Privacy Policy Analysis for Compliance and Readability of Library Vendors in India. The Serials Librarian 83 (2): 148–65. https://doi.org/10.1080/0361526X.2022.2143467.

Berman, E. M., J. S. Bowman, J. P. West, and M. R. Van Wart. )2021(. Human Resource Management in Public Service: Paradoxes, Processes, and Problems. Washington, D.C.: CQ Press. https://scholarship.miami.edu/esploro/outputs/book/Human-resource-management-in-public-service/991031716757702976.

Braun, V., & Clarke, V. (2006). Using thematic analysis in psychology. Qualitative research in psychology, 3(2), 77-101.‏

Budhwar, P., S. Chowdhury, G. Wood, H. Aguinis, G.J. Bamber, J.R. Beltran, A. Varma, et al.( 2023). Human Resource Management in the Age of Generative Artificial Intelligence: Perspectives and Research Directions on ChatGPT. Human Resource Management Journal 33 (3): 606–59. https://doi.org/10.1111/1748-8583.12524.

Gupta, V., and C. Gupta. )2023(.Leveraging AI Technologies in Libraries through Experimentation-Driven Frameworks. Internet Reference Services Quarterly 27 (4): 211–22. https://doi.org/10.1080/10875301.2023.2240773.

Hamad, F., M. Al-Fadel, and H. Fakhouri. (2023). The Provision of Smart Service at Academic Libraries and Associated Challenges. Journal of Librarianship and Information Science 55 (4): 960–71. https://doi.org/10.1177/09610006221114173/.

Ihejirika, K. T., A. Goulding, and P. Calvert. )2021(.Rethinking Academic Library Use of Social Media for Marketing: Management Strategies for Sustainable User Engagement. Journal of Library Administration 61 (1): 58–85. https://doi.org/10.1080/01930826.2020.1845547.

Khan, G., and M. Basir. (2023). Copyright Literacy of Library and Information Science Professionals in Pakistan. IFLA Journal 49 (3), 514–26. https://doi.org/10.1177/03400352231172800.

Killoran, P. (2018). Ladies and Gentlemen the School Library Has Left the Building. An Investigation into School Libraries, Their Efficacy, Successes and Dilemmas. Doctoral dissertation, City University London. https://doi.org/10.17613/rbyw-8337.

Kociubuk, J., A. Mueller, P. Wardrip, and R. Willett. (2023). Our Mission Doesn’t Stop Just Because We Don’t Have a Building: Librarians’ and Museum Educators’ Discursive Construction of Their Shifting Roles during the Pandemic.” The Library Quarterly 93 (2): 222–40. https://doi.org/10.1016/j.lisr.2023.101256.

Lahkar, B. M.(2024). Souvenir: 69th ILA International Conference on Building the Future: Transforming Libraries for Sustainability through Capacity Building. Department of Library and Information Science, Gauhati University.‏

Opoku, D. G. J., S. Perera, R. Osei-Kyei, M. Rashidi, K. Bamdad, and T. Famakinwa. )2024(.Digital Twin for Indoor Condition Monitoring in Living Labs: University Library Case Study.” Automation in Construction 157: 105188. https://doi.org/10.1016/j.autcon.2023.105188.Search in Google Scholar

Osman, N. E. (2023). The Role of Libraries in Fostering a Knowledge-Based Economy Education. In 15 th Qualitative and Quantitative Methods in Libraries International Conference

Papaioannou, G., M. G. Volakaki, S. Kokolakis, and D. Vouyioukas. )2023(.Learning Spaces in Higher Education: A State-Of-The-Art Review. Trends in Higher Education 2 (3): 526–45. https://doi.org/10.3390/higheredu2030032.

Ryan, S. E., S. A. Evans, and S. Hawamdeh. )2023(.Public Libraries as Key Knowledge Infrastructure Needed to Empower Communities, Promote Economic Development, and Foster Social Justice. In How Public Libraries Build Sustainable Communities in the 21st Century, 53, 203–18. Emerald Publishing Limited.10.1108/S0065-283020230000053019

Sarmast, S. S. A. (2018). Digital libraries and knowledge management: An overview. Indian Journal of Library and Information Science, 12(3), 185-187. https://doi.org/10.21088/ijlis.0973.9548.12318.5

Sousa-Zomer, T. T., A. Neely, and V. Martinez. )2020(.Digital Transforming Capability and Performance: A Microfoundational Perspective. International Journal of Operations & Production Management 40 (7/8): 1095–128. https://doi.org/10.1108/IJOPM-06-2019-0444.

Taherdoost, H. )2023(.An Overview of Trends in Information Systems: Emerging Technologies that Transform the Information Technology Industry. Cloud Computing and Data Science: 1–16. https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=4626736.10.37256/ccds.4120231653