مقدمة:

أصبح التطور المتسارع في التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في الوقت الحالي، من الضروريات الملحة في بيئة العمل، وفي بيئة المكتبات؛ إذ كان لزامًا عليها مواكبتها من أجل تلبية احتياجات المستفيدين المستمرة. الإبداع والابتكار في مختلف الأنشطة ضروريًا لاستحداث أفكار جديدة تتناسب مع تطورات العصر الحالي وتعمل على أداء العمل بصورة أفضل وبجهد أقل. إذ أشار عزيز (2020) في دراسته أن التكنولوجيا ساهمت في حل بعض المشاكل منها في توفير حلول في مجال المكتبات إذ أعادت التعريف بأدوار الموظفين في المكتبات، واستبدلت الخدمات التقليدية بالتكنولوجيا الحديثة، عملت كذلك كحلقة وصل بين الإدارة العليا ومتخذي القرار، الأمر الذي ساهم في دعم الإبداع والأفكار الجديدة المطروحة من قبل الموظفين. 

من هذا الجانب جاء الاهتمام بالأنشطة الإبداعية في المكتبات من أجل تنمية قدرات المستفيد نحو الابتكار، يُعد مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم من المؤسسات التي تقدم أنشطتها الثقافية والإبداعية لفئات المجتمع عمومًا ولفئة الناشئة على وجه الخصوص. ويتضمن المركز عدد من المكتبات وهي: مكتبة الجامع الأكبر، ومكتبة المعرفة العامة، ومكتبة جامع السلطان قابوس في صحار، ومكتبة جامع السلطان قابوس في نزوى، ومكتبة جامع السلطان قابوس في صور، ومكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي. هدفت الدراسة لإبراز الأنشطة الإبداعية المقدمة من المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في خدمة المجتمع والمعوقات التي تحول دون تحقيقها.

مشكلة الدراسة:

تحتاج المكتبات إلى تنمية الإبداع من أجل مواكبة التغيرات في العصر الحالي. أيضًا على أمناء المكتبة أن يكونوا مرشدين للمستفيدين في ظل الانفجار المعلوماتي، وأن يقوموا بتغيير بعض أدوارهم، وأن تكون المكتبة مواكبة للتطورات ولا يتأتى ذلك إلا بالبدء في تقديم خدمات إبداعية تجعل المستفيدين في سباق لاستخدام المكتبة ومقتنياتها. التحدي الذي يواجه أمناء المكتبات هو خلق أجواء مبتكرة ولا يتأتى ذلك إلا إذا قابلت المكتبة احتياجات المستفيدين المتغيرة والتطورات التكنولوجية السريعة (Anandasivam وCheong، 2008). من أجل ذلك جاءت هذه الدراسة للتعرف على الأنشطة الإبداعية المقدمة في مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم والمراكز التابعة لها في خدمة المجتمع والتقنيات المستخدمة في أروقتها، ومعرفة المعوقات التي تحول دون تقديمها. 

أهداف الدراسة:

هدفت الدراسة لمعرفة الاتي:

1. إبراز دور الأنشطة الإبداعية المقدمة من المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في خدمة المجتمع.
2. معرفة أهم التقنيات التكنولوجية المستخدمة لتفعيل الأنشطة الإبداعية للمكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في خدمة المجتمع.
3.  معرفة أهم المعوقات التي تحول دون تحقيق الأنشطة الإبداعية في المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم.

أسئلة الدراسة:

سعت الدراسة الحالية لإجابة عن التساؤلات الآتية:

1. ما أبرز الأنشطة الإبداعية المقدمة من المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في خدمة المجتمع؟
2. ما التقنيات التكنولوجية المستخدمة لتفعيل الأنشطة الإبداعية في المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في خدمة المجتمع؟
3. ما المعوقات التي تحول دون تحقيق الأنشطة الإبداعية للمكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم؟

أهمية الدراسة:

يكمن تقسيم أهمية هذه الدراسة في طبيعة موضوعها، وتتجلى في جانبيها النظري، والعملي:

• الجانب النظري: تتمثل أهمية الدراسة من هذا الجانب كونها توضح أبرز الأنشطة الإبداعية التي يقدمها مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في خدمة المجتمع، وأهم التقنيات التكنولوجية المستخدمة، كذلك معرفة المعوقات التي تحول دون تحقيقها. والتي يؤمل أن تبرز هذه الأنشطة لدى المهتمين في هذا الجانب، مما يثري النتاج الفكري، بما يساهم في رفد الباحثين والمهتمين في المجال نفسه بمزيد من الدراسات المستقبلية.
• الجانب العملي: نتائج وتوصيات هذه الدراسة ستساهم في دفع المهتمين بالأنشطة الإبداعية في خدمة المجتمع بتقديم المزيد من الابتكار والإبداع في هذا الجانب، وتوفير الحلول للتغلب على المعوقات التي تواجه المختصين في تنفيذ الأنشطة الإبداعية.

حدود الدراسة:

• الحدود الموضوعية: تقتصر الدراسة الحالية على معرفة أبرز الأنشطة الإبداعية المقدمة في خدمة المجتمع، وأهم التقنيات التكنولوجية المستخدمة في المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، في سلطنة عُمان. 
• الحدود المكانية: المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، ويتضمن المركز عدد من المكتبات وهي: مكتبة الجامع الأكبر، ومكتبة المعرفة العامة، ومكتبة جامع السلطان قابوس في صحار، ومكتبة جامع السلطان قابوس في نزوى، ومكتبة جامع السلطان قابوس في صور، ومكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي.
• الحدود الزمنية: تغطي هذه الدراسة الفترة الزمنية المحددة لإعدادها، وهي: من شهر أغسطس 2024م، ولغاية شهر أكتوبر 2024م.

مصطلحات الدراسة:

تم تعريف مصطلحات الدراسة إجرائيًا، على النحو التالي:

• الأنشطة الإبداعية: هي الأنشطة التي تقوم على الإبتكار والإبداع، وتساعد في تنمية قدرات الفرد.
• مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم: مركز ثقافي، وإسلامي، وعلمي، ويتضمن عدد من المكتبات الذي يخدم فئات المجتمع.
• خدمة المجتمع: هي خدمة تقدم لفئات المجتمع (أطفال، ناشئة، طلاب مدارس أو جامعات، باحثين، وغيرهم) كالبرامج التوعوية، والتدريبية، من أجل رفع كفاءة أفراد المجتمع. 

الدراسات السابقة:

شهدت المكتبات تطورات متسارعة لموكبة العصر الحالي والتقدم التكنولوجي، مما حفز العاملين فيها على خلق أنشطة إبداعية من أجل رفع مستوى جودة الخدمات المقدمة. وهو ما أشار إليه عزيز (2020) أن الإبداع والإبتكار ينمي المهارات الشخصية لدى أختصاصي المكتبات نتيجة العصف الذهني للافكار ودعمها من قبل متخذي القرار. على الرغم من أن الجيل الجديد من الطلاب متمكن من استخدام الإنترنت والوسائط الرقمية الأخرى؛ إلا أنهم لا زالوا يقدرون المكتبة كمكان يمكنهم التجمع فيه والعودة إليه للتعلم والدراسة. لذلك تسعى المكتبات خلق بيئة من الإبداع والابتكار تتناسب مع التطورات الحالية لتلبية احتياجات المستفيدين المستمرة. بناءًا على أهداف وأسئلة الدراسة تم تقسيم الدراسات السابقة كالآتي:

1. الأنشطة الإبداعية في المكتبات 

تعد الأنشطة الإبداعية ضرورية للمكتبات؛ من أجل مواكبة التغييرات، وتلبية احتياجات المستفيدين المتغيرة، ومن ثم الوصول إلى أهداف المكتبة العامة مثل البقاء ورضا المستفيدين. فالإبداع هو الخطوة الأولى للابتكار ويعني القدرة على التصور، والتنبؤ، وتوليد أفكار جديدة، أما مفهوم الأنشطة الإبداعية فالمكتبات يقصد بها استخدام طرق حديثة لتقديم خدمات المكتبة وهو مرتبط بالتقدم السريع في مجال المعلومات والتقنيات (Akwang، 2016). بينما ذكر (Atata، Eyeneو Sam، 2015) أن مفهوم الإبداع في سياق المكتبات يُقصد به الأفكار الحديثة التي تستخدمها المكتبات لحل المشكلات التي تواجهها.

أشارت عدد من الدراسات إلى أمثلة للأنشطة الإبداعية في المكتبات منها دراسة Altay وTekin (2016) التي ذكرت عدد منها نُفذت في مدينة إسطنبول أشهرها: أنشطة (مصطفى جوزلجوز)، هو أمين مكتبة تركية تكبد عناء إيصال الكتب إلى القرى النائية بالحمار فعرف بمسمى أمين مكتبة على الحمار، بالإضافة إلى سلسلة من الأنشطة الإبداعية كالدراسات الفلكلورية والفرق الموسيقية وعمل سينما في مكتبته. حصل جوزلجوز على جائزة خدمة الإنسانية في عام 1963 من مؤسسة American Peace Volunteers Foundation. ذكرت الدراسة السابقة أيضًا نشاطًا إبداعيًا تقدمه مكتبة (أورهان كمال العامة) تتضمن مسابقة القراءة للقصة لفئة الأطفال، يتم إجراؤها سنويًا منذ 31 عامًا وإلى الان. من الأنشطة الإبداعية أيضًا ما ذكرته دراسة Çolaklar (2014) من عمل برامج تفاعلية لتحسين البحوث وثقافة التعلم، وعمل المعارض والأنشطة والمسابقات والعروض المسرحية والسينمائية، والعمل مع الطلاب والمجموعات البحثية، وإقامة الدورات التدريبية وبرامج الإرشاد التوعوي وتحويل المصادر المطبوعة إلى رقمية واستخدام أدوات التواصل الاجتماعي للترويج والتسويق. أضافت دراسة رضوان (2021) أمثلة على الأنشطة التي قدمتها المكتبات العامة في محافظة قنا بصعيد مصر لخدمة المجتمع منها: دورات تدريبية لاستخدام الحاسب الآلي، وبرامج لتنمية الميول القرائية، كذلك دورات لتعليم اللغة الإنجليزية والرسم، وأيضًا عملت على توفير دورات تدريبية لتوفير فرص عمل لأفراد المجتمع، وفي الجانب الترفيهي عملت على عقد ندوات وعرض للأفلام الوثائقية. اقترحت الدراسة السابقة أيضًا إقامة المعارض الفنية وتنظيم المسابقات التي تستهدف تنمية الميول الإبداعية الابتكارية لدى أفراد المجتمع، وأيضا تقديم الاستشارات العلمية والثقافية للمستفيدين، والمساهمة في إحياء التراث العلمي وإظهار فضل العلماء العرب والمسلمين.

وإجمال ما سبق، فالأنشطة الإبداعية ضرورية للمكتبات لتلبية احتياجات المستفيدين المتغيرة وجذبهم لاستخدام المكتبة. الأنشطة الإبداعية في سياق المكتبات متعددة منها: إقامة المعارض وعقد الندوات وتنظيم المسابقات، وتقديم الاستشارات العلمية والبحثية للمهتمين، وإقامة دورات تدريبية في مجال الحاسب الآلي وكل ما هو جديد في التقنيات الحديثة وأيضًا إحياء التراث من خلال عرض الأفلام الوثائقية وتحويل المخطوطات إلى مصادر رقمية.

1. التقنيات المستخدمة في الأنشطة الإبداعية

يعرض هذا القسم نماذج للتقنيات المستخدمة في المكتبات. يعد نظام Overdrive نموذج للمكتبة الإلكترونية تم تطبيقه في تركيا وكان الهدف منه توفير مصادر معلومات للمتعلمين في مجالات الاهتمام الخاصة بهم في البيئة الإلكترونية وبطريقة جذابة (Çolaklar، 2014). أشارت السريحي (2024) أيضًا إلى بعض التقنيات من الممكن استخدامها في المكتبات تشمل تقنيات إنترنت الأشياء والبلوكتشين والتقنيات الناشئة والآلات التصوير ونظم البرمجة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. اتفقت دراسة آل الشيخ (2024) مع الدراسة السابقة في التقنيات المستخدمة في المكتبات إذ عرضت الدراسة تجربة مركز الإبداع للثقافة والابتكار في استخدام التقنيات وتشمل: ربوت آفاق المعرفة، تقنية IBECON والناسخة الضوئية، إنترنت الأشياء والطابعات ثلاثية الأبعاد وقد اتفقت عينة الدراسة على الرضى التام باستخدام هذه التقنيات في المكتبة.  يمثل الشكل الآتي ملخصًا لأهم التقنيات المستخدمة في المكتبات بحسب ما أشارت إليه الدراسات. 

الشكل 1: التقنيات المستخدمة في المكتبات

1. معوقات تحقيق الأنشطة الإبداعية

تحتاج المكتبات إلى تنمية الإبداع من أجل مواكبة التغييرات المستمرة، وفي سبيل تحقيق ذلك تحدها بعض المعوقات التي تحول دون تحقيق أهدافها المنشودة. إذ أشارت دراسة عزيز (2020) إلى مجموعة من المعوقات منها: الميزانية المتذبذبة إذ لا بد من إيجاد خدمات يمكن أن توفر دخلا إضافيًا، وضعف التحاور بين الإدارة العليا والموظفين والتقليل من أفكارهم وعدم الأخذ بها، وكذلك عدم توزيع أدوار الموظفين بما يتناسب مع مهاراتهم ومؤهلاتهم بالإضافة إلى عدم تشارك المعرفة بين الموظفين والمعيقات المتعلقة باللغة. ومن المعوقات أيضًا، عدم الأخذ باحتياجات المستفيدين واهتماماتهم فالإبداع لا يتعلق بمواكبة التكنولوجيا وتثبيتها في أروقة المكتبة فقط وإنما النظر في الظروف المحلية واحتياجات المجتمع (عبد العاطي، 2017). لذلك لا بد من معرفة احتياجات المستفيدين عن طريق الاستماع إليهم أو وضع صندوق الاقتراحات في المكتبة. وأكدت الدراسة السابقة أيضًا إلى أن ضعف الاتصال بين المكتبة والمجتمع والاهتمام بالماديات داخل المكتبة هو أحد المعوقات الأساسية.

المكتبة في الوقت الحالي ليست مكان أو مجموعة مصادر بل لا بد أن تكون منصة للاتصال بجميع اشكاله مع مختلف فئات المجتمع.  أوضح العاملون في المكتبات بمحافظة قنا أن قلة عدد العاملون من خريجي قسم المكتبات، وضعف الميزانية وبرامج التدريب وضعف الإمكانيات هي من أهم المعوقات الي تحد من عمل المكتبة وإبداعها (رضوان،2021). ويمكن إجمال المعوقات التي أشارت إليه الدراسات السابقة في الجدول الآتي مع اقتراح بعض الحلول لتجاوزها: 

الجدول 1: المعوقات التي تحد من أنشطة المكتبة الإبداعية

خلاصة الدراسات السابقة : 

الأنشطة الإبداعية في سياق المكتبات متعددة تتضمن إقامة المعارض وعقد الندوات وتنظيم المسابقات، وتقديم الاستشارات العلمية والبحثية للمهتمين، وإقامة دورات تدريبية في مجال الحاسب الآلي واستخدام التقنيات الحديثة وأيضًا عرض الأفلام الوثائقية وتحويل المخطوطات إلى مصادر رقمية. يمكن للمكتبات استخدام تقنيات متعددة في المكتبة لجذب المستفيدين أهمها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ونظم البرمجة الحديثة وانترنت الأشياء، أما من حيث المعوقات التي تواجه المكتبات فقد أشارت الدراسات إلى المعوقات المالية والمعوقات البشرية وكذلك المعوقات التقنية. 

منهجية الدراسة:

تُعد الدراسة الحالية من البحوث النوعية وتم استخدام المنهج الوصفي التحليلي، والذي يهدف إلى جمع الحقائق والبيانات عن موقف معين ومحاولة تفسير الحقائق. يستخدم البحث النوعي للحصول على فهم عميق وواسع لمشكلة الدراسة ومن أكثرها شيوعًا هي المقابلات والملاحظة (Jamshed, 2014). تم الاعتماد على أسئلة المقابلة بالاعتماد على الدراسات السابقة ولتحقية أسئلة الدراسة وأهدافها. 

تتضمن عينة الدراسة المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم وهي: مكتبة الجامع الأكبر، ومكتبة المعرفة العامة، ومكتبة جامع السلطان قابوس في صحار، ومكتبة جامع السلطان قابوس في نزوى، ومكتبة جامع السلطان قابوس في صور، ومكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي. تم استخدام المقابلة شبه المنظمة مع موظفي المكتبات بواقع مقابلتين لكل مكتبة، والعدد الكلي (12) مقابلة. الجدول الآتي يوضح المكتبات التابعة للمركز وعدد الموظفين. 

الجدول 2: توزيع الموظفين في المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس

ترميز عينة الدراسة:

تتمثل الجوانب الأخلاقية للبحث بأن تلتزم الباحثتين بقواعد البحث العلمي وأسسه، وذلك في أخذ الموافقة من المبحوثين، وإبلاغهم بموضوع الدراسة، والتأكيد على سرية المعلومات والبيانات، وعدم استخدامها إلا في أغراض البحث العلمي، مع ترميز المبحوثين للحفاظ على خصوصيتهم، وعدم الكشف عن هوية عينة الدراسة.

الجدول 2: ترميز عينة الدراسة

نتائج الدراسة ومناقشتها: 

هدفت الدراسة إلى معرفة أبرز الأنشطة الإبداعية المقدمة من المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في خدمة المجتمع، وأهم التقنيات المقدمة، كذلك لمعرفة المعوقات التي تحول دون تحقيق الأنشطة الإبداعية. ومن أجل تحقيق تلك الأهداف، تم إجراء عدد (12) مقابلات مع أخصائي المكتبات، كما توضحه الأشكال الآتية، البيانات الديموغرافية لعينة الدراسة من حيث النوع والمؤهل العلمي وسنوات الخبرة:

الشكل 2: البيانات الديموغرافية ( النوع)

الشكل 3: البيانات الديموغرافية المؤهل العلمي

الشكل 4: البيانات الديموغرافية ( سنوات الخبرة)

يوضح الشكل (1) أن نسبة الذكور الذين تمت مقابلتهم لإنجاز أهداف الدراسة 58% مقابل 42 % من الإناث، الشكل (2) يوضح البيانات الخاصة بالمؤهل العلمي ويظهر من الشكل أن 42% هم من حملة شهادة البكالوريوس تليه 41% من حملة شهادة الماجستير، بينما النسبة الأقل 17% لحملة شهادة الثانوية العامة وتشير النتائج أن غالبية أخصائيو المكتبات لعينة الدراسة متخصصين في مجال المكتبات. بينما سنوات الخبرة كما يوضح الشكل رقم (3) أكثر من نصف العينة يمتلكون خبرة أكثر من عشر سنوات بنسبة 75% ممن تم إجراء مقابلة معهم. 

تتجه مؤسسات المعلومات بشكلٍ عام إلى تقديم أنشطة إبداعية لمواكبة التطورات التكنولوجية. قدمت عينة الدراسة عدد من المفاهيم للأنشطة الإبداعية منها ما أشارت إليه (L4) استخدام الأفكار الجديدة والتقنيات المبتكرة لتعزيز الوصول إلى المعرفة وتطوير خدمات المكتبات بما يتماشى مع التغيرات التكنولوجية. وأضاف (L1) هي مجموعة من الأنشطة تقدم لفئات مختلفة الأعمار، وذلك باستخدام طرق متنوعة يتم فيها تبادل الأفكار وتشارك الآراء، وتطوير إبداعاتهم من خلال تقديم مجموعة من الأنشطة الذهنية، وأنشطة التفكير واللعب والأنشطة الحركية وغيرها، مما تساعد على تطوير قدرة الفرد على الإبداع والتفكير بطريقة مميزة. وأيضًا عرفت الأنشطة الإبداعية هي الأنشطة المرتبطة بالعمليات التفكيرية، والعقلية، والإدراكية، التي تخضع لها كافة الحواس المملوكة لدى الإنسان بهدف تنشيطها وتطبيقها من خلال العمل على إثارة الدافعية اتجاه النشاط المستهدف والفئة المستهدفة (L5, L11, L12). وهو ما اتفقت معه (L6) أن الأنشطة الإبداعية تنمي مهارات التفكير وحل المشكلات بأسلوب حديث غير تقليدي يتميز بالتشويق والمتعة والمرونة من خلال أنشطة اللعب والحركة والسرعة. كذلك تم تعريفها على أنها الأنشطة التي تستخدم التفكير والابداع في تنفيذها، وممارستها، وتساهم في زيادة المعرفة والفهم والتعلم بطرق مختلفة وممتعة (L7).

إجمالًا، الأنشطة الإبداعية هي الموجهة نحو تطوير وتحفيز مهارات وقدرات التفكير، والتي يعمل فيها العقل لينتج، ويبدع، ويبتكر ويخرج أفضل ما لديه من مهارات.

السؤال الأول: ما أبرز الأنشطة الإبداعية المقدمة من المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في خدمة المجتمع؟

أكدت غالبية عينة الدراسة على وجود فعاليات وورش تقوم بها المكتبة لتفعيل الأنشطة الإبداعية للعاملين في المكتبات، منها جلسات العصف الذهني (سواء كانت أسبوعية أو شهرية)، لإيجاد الحلول لبعض المعوقات التي تواجه العمل، وعلى إثر هذا العصف الذهني يتم طرح الأفكار عليه بشكل يومي (تخصص ساعة للمناقشة)، وثم تتم مشاركتها مع الموظفين، ثم يتم اختيار الأنسب والأفضل منها نظريًا وتطبيقيًا ومهارة شريطة أن تكون هذه الأنشطة تستهدف الفئة المطلوب الوصول إليها ومشاركتها المعرفة (L2 وL5). كذلك التشارك المعرفي بين الموظفين وعرض المقترحات قبل البدء بتنفيذ الفعاليات، وتقديم العروض المرئية والتقديمية عن طريق شاشات العرض (L6). واتفقت معه عينة الدراسة (L4) على ضرورة إقامة برامج تبادل المعرفة مثل التبادل المعرفي وتنظيم زيارات مع مكتبات أو مؤسسات بحثية أخرى لتبادل الخبرات والتشارك المعرفي. وأضافت أيضًا بإقامة ورش تدريبية حول التقنيات الحديثة، المتمثلة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، وتدريب العاملين على استخدام الذكاء الاصطناعي في تصنيف وتنظيم المصادر، وتحليل بيانات المستخدمين لتخصيص الخدمات بشكل أفضل.

أما من جانب المستفيدين، أوضحت (L1) بأن المكتبة تقدم العديد من الفعاليات والأنشطة المتنوعة لمختلف الفئات العمرية، إذ تنفذ خطة ثقافية سنوية محددة بالمحاضرات والورش التدريبية والفعاليات، ويتم توزيع المحاضرات في أماكن مختلفة على محافظات السلطنة لتغطي فئات مجتمعية متنوعة ولا تقتصر على المجتمع المحيط بها. كذلك في منتصف السنة تقدم المكتبة برنامج (ملتقى الشتاء) والذي يستمر لمدة أسبوع كامل في كل يوم تقدم فعالية في موضوع معين يجذب الأطفال للتفاعل معه، ويقتصر البرنامج على فئة الأطفال من عمر 6 - 10 سنوات. إضافة إلى ذلك، برنامج (صيف المعرفة) والذي يتم فيه تقديم ورش عمل كل ورشة تستمر ثلاثة أيام متتابعة في الأسبوع أو يومين، ويتكون البرنامج من مجموعة من ورش العمل التي تغطي المجالات العلمية والاجتماعية والرقمية، ومهارات التنمية الذاتية وبناء الشخصية، والابتكار والفنون وغيرها. ويتم تخصيصها للفئة العمرية من 11 -17 سنة. ولكن في السنوات الخمس الأخيرة اكتفت المكتبة بتنفيذ الفعاليات المدرجة في الخطة السنوية فقط. وبجانب هذه الأنشطة تقدم المكتبة فعاليات للأطفال من عمر 3-5 سنوات بصفة مستمرة يتم فيها قراءة القصص، والتمثيل في مسرح الدمى، وعمل الأشغال اليدوية، وعرض الأفلام التثقيفية والتعليمية والترفيهية الهادفة لإكسابهم العادات والتقاليد الحسنة. وأيضًا، عمل مناشط تعريفية بأهمية المكتبات والخدمات التي تقدمها تتزامن مع اليوم العربي وكذلك اليوم العالمي للمكتبات، ومسابقة اقرأ للناشئة ونجم القراءة والتي تقام في كل عام وهي مسابقات تستهدف الناشئة من طلبة المدارس بالتنسيق والتعاون مع وزارة التربية والتعليم (L8). وأضافت عينة الدراسة (L6) إلى عدد من الأنشطة تمثلت في فيديوهات مرئية تعليمية، وأنشطة ترفيهية تعليمية باللعب (لوحات التركيب)، وأنشطة التفكير وحل المشكلات من خلال المسابقات والأسئلة (للطلبة)، واستخدام الأشكال والرموز والصور المطبوعة في الفعاليات لتحفيز المتلقي على الإجابة عن الأسئلة، وعرض أمثلة لبرامج وتطبيقات رقمية في مجال الكتب والمكتبات، واستخدام السبورة لرسم خرائط ذهنية. وأيضًا، أضاف (L11) إلى تقديم برامج قراءة القصص الخيالية، وورش في مهارات التفكير الإبداعي، والبرمجيات، وهندسة الكمبيوتر.  وهو ما أكدت عليه Altay وTekin (2016) أن المكتبات ستحافظ على دورها الطبيعي لتبقى قوية وتوفر المعلومات إذا كان أمناء المكتبات يعطون أهمية للخدمات الإبداعية، إذ ما تم في المكتبات العامة بإسطنبول هو بجهود أمناء المكتبات ولم يحصلوا على حوافز أو مكافآت على ما قاموا به. يمكن تلخيص الأنشطة الإبداعية المقدمة من المكتبات التابعة التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم كالآتي:

الجدول 3: الأنشطة الإبداعية المقدمة من المكتبات

اتفق أفراد عينة الدراسة على أن المستفيدين من المكتبات هم جميع أفراد المجتمع سواءً من طلاب المدارس، والجامعات، والباحثون، والقّراء، وغيرهم. كما أشار بعض أفراد عينة الدراسة إلى تقسيم فئات المستفيدين إلى قسمين وهما: عمانيون وأجانب (L3, L11, L12)، وأضاف (L8) إلى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة من رواد المكتبة وبحاجة إلى متابعة من قبل مقدمي الخدمة بجانب الأطفال.

السؤال الثاني: ما أهم التقنيات التكنولوجية المستخدمة لتفعيل الأنشطة الإبداعية في المكتبات التابعة لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في خدمة المجتمع؟

ذكرت عينة الدراسة عدد من التقنيات التكنولوجية المستخدمة لتفعيل الأنشطة الإبداعية في المكتبات، منها: 

• السبورة الذكية (Smart Board)
• تقنية الواقع الافتراضي (Virtual Reality)
• استخدام شاشة العرض (Proxima)
• توفير شاشات عرض تفاعلية من شأنها المساهمة في الأنشطة الإبداعية الموجهة للمستفيدين
• استخدام البرامج والتطبيقات الرقمية في بعض الأنشطة
• طابعة ذكية مرتبطة بأجهزة الحاسوب
• فهرس آلي لإدارة المكتبة وهو برنامج (آفاق المعرفة)
• خدمات التخزين السحابي يتم استخدام الحوسبة السحابية لتخزين وإدارة البيانات والموارد الرقمية، مما يتيح للمستخدمين الوصول إليها في أي وقت ومن أي مكان.
• التواصل الرقمي مع المجتمع بحيث تستخدم المكتبة وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية للتفاعل مع الجمهور وتقديم معلومات حول الخدمات والفعاليات الجديدة.

اتفقت نتائج عينة الدراسة مع دراسة السريحي (2024) إلى بعض التقنيات المستخدمة في المكتبات منها: تقنيات إنترنت الأشياء، والبلوكتشين، والتقنيات الناشئة، والآلات التصوير، ونظم البرمجة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وأيضًا دراسة آل الشيخ (2024) التي أشارت إلى مجموعة من التقنيات منها: ربوت آفاق المعرفة، وتقنية الناسخة الضوئية، وإنترنت الأشياء، والطابعات ثلاثية الأبعاد.

السؤال الثالث: ما أهم المعوقات التي تحول دون تحقيق الأنشطة الإبداعية؟

أشارت عينة الدراسة إلى مجموعة من المعوقات التي تحول دون تحقيق الأنشطة الإبداعية، وتنقسم إلى:

• الموارد البشرية: نقص الكوادر البشرية المؤهلة لتقديم الأنشطة والإشراف عليها إذ يقتصر تقديمها من قبل المتخصصين العاملين في المكتبة وهذا يسبب لهم الضغط في العمل أحياناً. لذلك لا بد من تأهيل الموظفين وتدريبهم ليواكبوا التطورات الحديثة، وإحاطتهم بكل ما من شأنه أن يرفع مستوياتهم المعرفية وإكسابهم الخبرات اللازمة. أشارت (L1, L7) أن المعوقات البشرية تتمثل في نقص عدد الموظفين لمقابلة احتياجات المستفيدين الذين يزداد عددهم وتختلف توجهاتهم واهتماماتهم. تتفق عينة الدراسة فيما أشارت إليه رضوان (2021) من أن قلة عدد الموظفين المتخصصين هو من أهم المعيقات التي تحول دون تحقيق الأنشطة الإبداعية في جامعة قنا بمصر. 
• الصعوبات المالية: محدودية الموارد المالية، وتكلفة تنفيذ مثل هذه الأنشطة، تحول دون إيجاد المعززات المناسبة للأنشطة الإبداعية، وبالتالي يؤدي إلى محدودية الأنشطة والفعاليات التي تقدمها المكتبة طوال السنة. كذلك تكاليف الصيانة والتحديث للأنظمة مع وجود التقنيات، فإن التكاليف المرتبطة بصيانتها بشكل دوري يمكن أن تشكل عبئًا ماليًا على المكتبة. يتفق ما أشارت إليه العينة مع نتائج دراسة عزيز (2020) إلى أن المكتبة يجد أن تجد لها دخلًا إضافيًا وعدم الاعتماد على الميزانية العامة التي تقدم للمكتبة. 
• معوقات تقنية: سرعة شبكات الإنترنت بطيئة في بعض الأحيان، وقد اتفقت (L6, L7) على ذلك. إذ أشارت (L7) إلى أن المكتبة حتى تستطيع مواكبة التقنيات الحديثة والتي تتغير وتتطور بشكل سريع جدًا تحتاج إلى الدعم المالي، وأكدت (L3) إلى أن نقص الدعم المالي يعيق من مواكبة التقنيات الحديثة ويصعب من شراء الأجهزة الحديثة التي تدعم الأنشطة الإبداعية كالطابعات ثلاثية الأبعاد والروبوتات التعليمية. تظهر هذه النتائج أن المعوقات ترتبط فيما بينها. 

ملخص النتائج: 

1. تظهر نتائج المقابلات وجود وعي من قبل أخصائيو المكتبات بمفهوم الأنشطة الإبداعية. 
2. توجد أنشطة مختلفة تتقدم لشرائح مختلفة من المجتمع. الجدول (رقم 3) يوضح الأنشطة والفئات المستفيدة. 
3. أشارت عينة الدراسة إلى مجموعة من المعوقات وتشمل: (المعوقات البشرية، المعوقات المادية، والمعوقات التقنية).
4. على المكتبة أن تبحث عن دخل إضافي لدعم الأنشطة وعدم الاعتماد على الميزانية العامة.
5. التدريب المستمر ومواكبة التقنيات الحديثة ضروري لمقابلة احتياجات المستفيدين المتغيرة ولضمان بقاء المكتبة.

التوصيات: 

بعد دراسة الأنشطة الإبداعية لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم في خدمة المجتمع، وبعد إجراء المقابلات والتوصل إلى النتائج فإن الدراسة توصي بالآتي: 

• تخصيص موازنة مالية خاصة لكل مكتبة حتى يتسنى لها تقديم مجموعة كبيرة من الأنشطة والفعاليات على مدار السنة.
• إجراء تعديلات في التصميم العام للمكتبة، والتقنية المتجددة داخل المكتبات بما يواكب التطورات التكنولوجية الحديثة، والتي من شأنها المساهمة بصورة ملموسة في اثراء الأنشطة الإبداعية للمستفيدين والموظفين.
• خلق قنوات تواصل خاصة للمكتبات التابعة للمركز مع كافة شرائح المجتمع.
• تعزيز الحوافز المادية كنوع من التحفيز للمشاركين أو الراغبين في المشاركة في الأنشطة المطروحة.
• تلقي مقترحات المجتمع في تحسين الأنشطة المقدمة وهذا ما تقوم به المكتبة باستمرار من خلال متابعة صندوق المقترحات المتاح في المكتبة لتوفير مساحة لمجتمع القراء في المشاركة في عمليات التطوير
• تدريب وتأهيل الموظفين وتحفيزهم على التفكير الإبداعي، ثم دعمهم لتنفيذ تلك الأفكار على أرض الواقع من خلال تنظيم دورات تدريبية متخصصة للموظفين.
•  استخدام التقنيات الحديثة التي تشكل عامل جذب وتسويق للمكتبات مثل تقنيات الواقع المعزز، والروبوت، والواقع الافتراضي، والبرمجة وغيرها.
• تفعيل الشراكة بشكل أكبر بين المكتبات والمؤسسات المختلفة لتبادل الخبرات. 
•  تنويع البرامج الإبداعية: تصميم أنشطة إبداعية تستهدف مختلف الفئات العمرية والاهتمامات في المجتمع، مثل الأطفال، والشباب، والكبار، مثل: التصميم الجرافيكي، البرمجة، الكتابة الإبداعية، والفنون اليدوية.
• أنشطة تفاعلية عبر التكنولوجيا: استخدام التكنولوجيا لتقديم أنشطة تفاعلية مثل مسابقات التصميم الرقمي، وتحديات الواقع الافتراضي، أو تجارب الواقع المعزز التي تعزز المشاركة الإبداعية.
•  استخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزز: تقديم تجارب تعليمية وتفاعلية باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، مثل الجوالات الافتراضية أو استكشاف التراث الثقافي.
• إنشاء مختبرات إبداعية تجهيز المكتبات بمساحات إبداعية تحتوي على أدوات الطباعة ثلاثية الأبعاد، والروبوتات، وأدوات البرمجة، مما يسمح للمستخدمين بتجربة التقنيات وتنفيذ مشاريع إبداعية.
•  إنشاء برامج حاضنة للإبداع: إنشاء برامج حاضنة لدعم المبدعين المحليين ورواد الأعمال في مجال الثقافة والتكنولوجيا، وتوفير مساحة لهم لتطوير أفكارهم وإطلاقها.
• الاستمرار في تدريب الموظفين وتعريفهم بالبرامج الحديثة التي من الممكن أن تسهم في خدمة المجتمع.