علم الأرصاد الجوية عند العمانيين
الباحث المراسل | أ. حارث بن حمد بن حمدان السيفي | باحث في أرشيف عمان المناخي |
د. حبيب بن مرهون بن سعيد الهادي | اخصائي تراث مادي باللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم |
تاريخ نشر البحث :2024-01-15
تزخر عمان - عبر تاريخها العريق - بالكثير من المنجزات العلمية التي أسهمت في رفد الحضارة الإنسانية في مجال العلوم الطبيعية والإنسانية، وعمان في عهد دولة اليعاربة شهدت رخاءً واستقراراً سياسياً ونمواً اقتصادياً؛ مما هيأ لقيام نهضة علمية وفكرية واسعة، ورغم أن أغلب المؤلفات والمصنفات العمانية في العصور الإسلامية عامة كانت تعنى بالجوانب الفقهية عناية كبيرة لحاجة المجتمع إليها، إلا إن العمانيين برعوا في العديد من العلوم التطبيقية والطبيعية، وكان من بين تلك المصنفات مخطوط بعنوان "الإيضاح فيما أودع الله من الحكمة في النجوم والرياح" لمؤلف مجهول عاصر الإمام سلطان بن سيف اليعربي (1649- 1680م) إذ نصّ على تأليفه في شهر صفر من سنة (1089هـ) الموافق له عام (1678م). وقد قام الأستاذ الباحث سلطان بن مبارك الشيباني بالاعتناء بهذا المخطوط وإخراجه في كتيب صغير.
وعلم المناخ هو "متوسط الطقس في منطقة وفترة زمنية معينة، وعادة ما تأخذ لأكثر من 30 عامًا" وهذا العلم ظهر منذ العصور القديمة لحاجة الشعوب والأمم للتعرف على مواسم الأمطار والرياح والحرارة لارتباط ذلك كله بحياة الإنسان اليومية من ملبس ومأكل ومأوى، وارتباطه كثيراً بمواسم الزراعة والحصاد، فظهر عند البابليين والمصريين والإغريق والرومان وحضارات فارس والهند والسند والصين، كما كان للعرب قبل الإسلام دور في هذا العلم، فبعد ظهور الإسلام زاد الاهتمام بهذا العلم ونبغ فيهم عدد كبير من الجغرافيين، ويعد العمانيون من الشعوب التي اعتنت بعلوم المناخ خاصة أولئك الذين اهتموا بشؤون الزراعة والملاحة، فكانت كتاباتهم دقيقة عن الفلك والطقس، حيث ساعدتهم رحلاتهم البحرية وتجاربهم الزراعية في التعرف على تفاصيل الرياح والأمطار والحرارة والرطوبة، وقد استطاعوا تحديد نظام الرياح الموسمية، فالعمانيون من ضمن التجار العرب الذين أعطوا الرياح الموسمية هذا الاسم والذي عرف فيما بعد بمصطلح (Monsoons) والمشتق من الاسم العربي (الموسم) ويعني موسم هبوب الرياح ، بينما يعرف علم الأرصاد الجوية بأنه حالة الغلاف الجوي في موقع معين على المدى القصير .
مشكلة الدراسة:
تتمثل مشكلة الدراسة في بحث مدى قدرة العمانيين العلمية في التعاطي مع علوم الطقس والمناخ في فترات زمنية سابقة، وكيف استطاعوا التعامل مع أحداث المناخ والطقس ودراستها بما يحقق سلامة بيئتهم، وتهدف هذه الدراسة إلى تتبع ما أورده مخطوط "الإيضاح فيما أودع الله من الحكمة في النجوم والرياح" من حقائق علمية في مجال علوم الأرصاد الجوية قام بتفسيرها وتحليلها بالوسائل والطرق المتاحة لديه في تلك الفترة، ومدى دقة هذه الأفكار والآراء، ومقارنتها بعلم الأرصاد الجوية الحديث، وكذلك التطرق لعلاقة الكواكب والنجوم بالمناخ عمومًا تأكيدًا أو نفيًا أو وقوفًا.
وبناء على تلك الأهداف أتت أسئلة الدراسة على النحو الآتي:
- كيف كان الوضع السياسي بعمان في فترة تأليف مخطوط "الإيضاح فيما أودع الله من الحكمة في النجوم والرياح"؟
- ما الأهمية العلمية لمخطوط "الإيضاح فيما أودع الله من الحكمة في النجوم والرياح"؟
- ما أهم المصطلحات العلمية في علم الأرصاد الجوية التي وردت في مخطوط "الإيضاح فيما أودع الله من الحكمة في النجوم والرياح"؟
وللإجابة على أسئلة الدراسة اعتمدت هذه الدراسة على المنهج المقارن والذي يعد شكل من أشكال المناهج التي يتم استخدامها في البحث العلمي، والهدف منه عمل مجموعة من المقارنات بين الظواهر المتعلقة بالبحث العلمي، وذلك للتعرف على وجه الشبه فيما بينهم، وكذلك وجه الاختلاف أيضًا، وبالتالي يكون أمام الباحث فرصة لتفسير تلك الظواهر ، وبالتالي يستطيع الباحث العلمي أن يفهم الآراء السابقة في تحليل ظاهرة الطقس والمناخ ومقارنتها بالتحديث العلمي القائم اليوم، كما استخدمت أيضاً المنهج التحليلي، وذلك لتحليل الكثير من النصوص الواردة بالمخطوط، وذلك باستخدام البحث الكيفي الذي يهدف إلى فهم الأسباب والآراء التي شكّلت كمّاً هائلاً من البيانات يمكن دراستها في علم الأرصاد الجوية خاصة وعلم المناخ عامة، وقد أتت الدراسة في تمهيد وإطار نظري ثم تحليل لنتائجها.
التمهيد:
شهدت عمان في صدر الدولة اليعربية نهضة علمية وفكرية كبيرة؛ ولا غرو في ذلك فقد عمَ الأمن والسلم والاستقرار ربوع البلاد مما حفز الازدهار الاقتصادي والإنتاج العلمي؛ حيث انتشرت دور العلم في المساجد والقلاع والحصون وغيرها من الأماكن، ولم يقتصر الإنتاج العلمي على العلوم الشرعية كالقرآن والحديث والتفسير والفقه والنحو، بل توسع ليشمل العلوم الطبيعية بمختلف مجالاتها: كالفلك والمناخ والطب وغيرها، وتتطرق هذه الدراسة إلى مقارنة وتحليل ما أورده مخطوط " الإيضاح فيما أودعه الله من الحكمة في النجوم والرياح" لمؤلف مجهول - كما ذكرته الكتب التي تناولت هذا المخطوط – ويبدو أنه شهد بدايات عهد الدولة اليعربية في عمان، والتي بدأت عام (1034هـ/1624م) في عهد الإمام ناصر بن مرشد (1034 - 1050هـ/ 1624- 1649م)، وعهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي ( 1059هـ - 1090هـ/ 1649- 1680م)، فقد ذكر ضابط نص المخطوط سلطان الشيباني بأن صاحب المخطوط مجهول، كما ورد ذلك أيضا في تعليقات الشيخ مهنا بن خلفان بن عثمان الخروصي على كتاب " النجوم الزاهرة في الأفلاك الدائرة" إذ أشار إلى أن المؤلف مجهول ، وذكر ذلك أيضا الباحث صالح بن محمد السيابي في كتابه " العمانيون والعلوم التجريبية في الطب والهندسة والفلك والملاحة البحرية" بأن المؤلف مجهول .
ومما يؤكد أن تأليف مخطوط "الإيضاح فيما أودعه الله من الحكمة في النجوم والرياح" كان في عهد الإمام سلطان بن سيف ما أكده المؤلف نفسه في بداية المخطوط بأنه ألفه في شهر صفر من سنة 1089 هـ وقد توفي الإمام سلطان بن سيف بعد هذا التاريخ بعام واحد تقريباً.
وقد حاول الباحثان التقصي عن شخصية صاحب المخطوط المجهول، إذ تبين أنه كان مقيما في داخلية عمان وبالتحديد في عاصمة الدولة اليعربية نزوى، بل كان من المقربين من الإمام سلطان بن سيف كما أضاف في نهايته نصا يوضح ذلك القرب حيث يذكر: " وسمعنا من الإمام العدل المحقق العارف سلطان بن سيف بن مالك رحمه الله تعالى يقول: إنه سمع غير واحد أنهم صعدوا في هذا الجبل الأخضر من عُمان.." .
كما يتضح من أسلوبه في الكتابة أنه كان ذا مكانة علمية سواء في العلوم الشرعية – حينما يفصل في موضوع تعلم علم المواريث، وكذلك حينما يستشهد بالآيات ويستحضر تفسيرها - أو العلوم الطبيعية وله مجربات في مجال المناخ وعلم الأرصاد الجوية بشكل لافت، وقد أكد على هذا المعنى الشيخ مهنا بن خلفان بن عثمان الخروصي حينما قال "إنه عالم كبير، له اليد الطولى في علم الفلك والأجرام، والطبيعة" وقال في معرض آخر: " فلا شك أنه من علماء نزوى" وقد اعتنى الباحثان بالبحث في اسم صاحب المخطوط، ولكن لم يتوصلا لنتيجة قطعية في ذلك.
الأوضاع السياسية بعمان في فترة تأليف المخطوط:
شهدت عمان في العقد الثاني من القرن السابع عشر ميلادي نهضة سياسية، ويقظة وطنية، وانتفاضة شعبية، بعدما وقعت عمان تحت نار الاستعمار الأوروبي في بداياته حينما سيطر البرتغاليون على أهم المدن الساحلية العمانية بداية من عام (1507م) إلى عام (1650م)، هذا التاريخ الذي يعد يوم استقلال عمان في العصر الحديث بعد احتلال دام قرابة (150) سنة، حيث قام الإمام ناصر بن مرشد أولا بتوحيد البلاد، وبعد (10) سنوات تقريبا قام بطلائع حملاته إلى الساحل العماني محررا المدينة تلو الأخرى، إلى أن توفاه الله ولم تبق إلا مدينتا مسقط ومطرح، اللتان استطاع خليفته الإمام سلطان بن سيف تحريرهما نهائيا من يد الاحتلال البرتغالي في بداية عام (1650م)، ليبدأ عهد جديد في عمان، وهو عهد الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي والعمراني.
الحياة العلمية بعمان في فترة تأليف المخطوط:
بعد طرد الاحتلال ونيل عمان الاستقلال تهيأ لها حكم شوروي عادل، وقوة عسكرية برية وبحرية قاهرة، واستعادت نشاطها التجاري، فأصبحت تنعم بالاستقرار والرخاء؛ مما هيأ لها الازدهار في شتى المجالات، ومن تلك المجالات: المجال العلمي الذي بدأ يبرز منذ عهد الإمام ناصر بن مرشد في المؤلفات الموسوعية الشرعية كمؤلَّف (منهج الطالبين وبلاغ الراغبين) للشيخ خميس بن سعيد الشقصي، وكتاب ( جامع الجوهر) للشيخ جمعة بن علي الصائغي، وكتاب ( مصباح الظلام) للشيخ خلف بن أحمد الرقيشي، وكتابي ( جامع التبيان) و(الدلائل في اللوازم والوسائل) للشيخ درويش بن جمعة المحروقي .
بل وحتى الأئمة اليعاربة الأوائل كانوا على درجة عالية من العلم خاصة العلوم الشرعية، فأشار ابن قيصر إلى أن سبب اختيار الإمام ناصر بن مرشد إماماً مكانته العلمية إضافة إلى التقوى والصلاح الذي عرف عنه (ابن قيصر،1983 :15)، كما يقول الشيخ الخراسيني في الأئمة الذين خلفوا ناصر بن مرشد: " إن من علماء زمانه ومشايخهم المعتبرين والمشهورين الإمام سلطان بن سيف وولديه بلعرب بن سلطان وسيف بن سلطان" كما وصف العلامة جاعد بن خميس الخروصي المجتمع العماني في عهد الإمام ناصر بن مرشد بأنه حتى الباعة في الأسواق وصلوا لمرحلة من التعليم ما يُمكِّنهم من تولي مناصب علمية وإدارية كالقضاء والولاية وغيرها ، وقد ذكر المؤرخ سالم بن حمود السيابي اهتمام الإمام بلعرب بن سلطان (1090 - 1104 هـ / 1680- 1692م) بالعلم وطلابه فيقول: " انصرف إليه بكليته، ورغب فيه بطبيعته، وأقبل إليه بنشاطه، وأقام له في حصن جبرين مدرسة خاصة بالطلبة من عمان وغيرها"
ولم يقتصر اهتمام العمانيين في عهد اليعاربة على العلوم الشرعية فحسب؛ بل امتد الاهتمام ليشمل مختلف جوانب العلوم التطبيقية كالطب والفلك والجغرافيا والهندسة، فاشتهر في مجال الطب الشيخ علي بن عامر بن عبدالله النزوي، والشيخ القاضي ناصر بن سليمان بن مدَّاد الناعبي فقد جمعوا بين علوم الفقه والطب، كما برع الشيخ الموسوعي خلف بن سنان الغافري في مجال الطب، فكانت له أجوبة نظمية في الطب، منها ما ذكره لمريض الحمى من وصفة طبية متمثلة في شرب عصير الليمون الأخضر في الماء الزلال قائلا: :
قل لمن عاثت الحرارة فيه فغدا موجعًا مسهد عين
اشرب الليم أخضرَا شيب بالماء زلالًا أهدته أعذب عين.
كما أُلِّف ونسخ عدد من كتب الطب العمانية في هذه الفترة، حيث نسخ كتاب " شرح قصيدة ابن هاشم في الطب والحكمة"، ومن المؤلفات الطبية المهمة التي ألفت هذه الفترة كتاب "جواهر المنافع" وكتاب "فوائد القرآن" .
أما علم الفلك فقد اعتنى أهل عمان به منذ القدم؛ لحاجتهم إليه في حساب الشهور الهجرية التي ترتبط بمواعيدها الكثير من العبادات كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، كما أنهم أهل سفر في البر والبحر، ولذا كان الاهتداء بالنجوم في ظلمة الليل "وعلامات وبالنجم هم يهتدون" (سورة النحل، آية 16)، كما يستفاد من علم الفلك في نظام الأفلاج التي تعتمد على حركة الشمس والنجوم، فلكل هذه الاحتياجات أصبحت معرفة العمانيين بالنجوم متواترة جيلا بعد جيل، ويعرفها الصغير والكبير لارتباطها بمعيشتهم وأعمالهم المختلفة.
ومن أشهر الفلكيين العمانيين في عصر اليعاربة الشيخ محمد بن عبدالله المسروري، والشيخ أحمد بن جمعة الأزكوي، والشيخ راشد بن خلف المنحي، والشيخ صالح بن عبدالله النزوي، والشيخ عمر بن مسعود المنذري، والأخير صاحب كتاب " كشف الأسرار المخفية في علم اللأجرام والرقوم السماوية" وهو من الكتب التي فصلت في علم الفلك.
باب في شرح الرياح وخصائصها (Wind Characteristics):
عرّف المخطوط الهواء والماء بوصف علمي لكثافتهما بما احتوياه من مواد، فيقول: "اعلم أن الماء والهواء بحران، غير أن أجزاء الماء ثقيلة كثيفة وأجزاء الهواء دقيقة خفيفة، وأصل الرياح حركة الهواء وتماوجه في بعضه بعض لا غير ذلك، كما أنّ موج البحر حركة الماء لا غير" ، فقوله "إنّ الماء والهواء بحران" فهو بذلك يصف خِفّتهما وقابليتهما على التموّج، وفي العلم الحديث تعتبر السوائل والغازات من الموائع التي تتشكّل على حسب الحاوية التي تحويها نظرًا لضعف روابطهما الجزيئية، ويعرج في التعريف على استخدام كلمة أجزاء، والمعروف أنّ المادة تتشكل من جزيئات صغيرة مرتبطة بعضها ببعض بروابط كيميائية مختلفة فتتجمّع ذرّات تلك المادة على الشكل الذي نراه ونلمسه، وتختلف كثافة الماء والغاز بحسب قوة هذه الروابط بين مادة وأخرى، علماً أن كثافة الهواء عند الصفر المئوي تبلغ (1.293)كج/م3، بينما الكثافة أعلى بكثير في الماء عند نفس درجة الحرارة والتي تبلغ (999.82) كج/م 3، ثم يتحدّث عن ما هيّة الرياح فيؤكد أنّها حركة الهواء وتماوجه واستدل بحركة مياه البحر المتمثلة بالأمواج، وتُعرّف الرياح علميًا بـحركة الهواء من نقطة إلى أخرى بسبب الفوارق الضغطية.
وقد قسّم الرياح إلى أربعة أقسام أساسية وهي كما يلي:
1- الدبور (رياح غربية المصدر)
2- القبول (رياح شرقية المصدر)
3- الجنوب (رياح جنوبية المصدر)
4- الشمال (رياح شمالية المصدر)
وهذا التقسيم مستند إلى مصدر قدوم الرياح بالنسبة للكعبة المشرّفة، فما يأتي من غربها سمّوها دبورًا أي آتية من دبر الكعبة والقبول من شرقها -جهة اليمن-، والشمال من شمالها والجنوب من جنوبها، وقد أتى المخطوط على خصائص كل قسم من أقسام هذه الرياح كخصائصها الحرارية، والديناميكية ونحوها.
• الدبور (الرياح الغربية):
خصائص الرياح تتغير لتغيّر الموقع الجغرافي للشخص الراصد، فبحكم أنّ كاتب المخطوط من قرى جبال الحجر بحسب الدلائل الواردة في المخطوط كأن يسمع من الإمام سلطان بن سيف اليعربي منه مباشرة عن حادثة في الجبل الأخضر وكذلك من خلال تفصيله لمعطيات الطقس والمناخ فيما يتعلق بالجبال وتكونات الصيف المحلية التي لا تتميز بها إلا جبال الحجر مقارنة بباقي مناطق عمان، فالخصائص المذكورة تتوافق مع الخصائص الحالية الموجودة لهذه الرياح، وهنا نعرج على أهم النقاط التي ذكرها؛ يذكر أنّ الرياح الغربية طبعها البرودة وشدة الهبوب، وهذا الوصف للبرودة يتناسب مع ما يمكن تأكيده أنّ الرياح الغربية تترافق مع المنخفضات الشتوية نتيجة الفارق الضغطي (Pressure Gradient) الذي يُحدثه المرتفع الجوي السطحي (high pressure system) ، وهي تتمثل بالكتلة الهوائية الباردة (Cold Air Mass) التي تلتقي بالكتلة الهوائية الدافئة (Warm Air Mass) المتمثلة بالرياح الجنوبية والشرقية، والبرودة تكتسبها من الموقع الذي تأتي منه، وغالبها رياح شمالية غربية آتية من تركيا والشام والمناطق التي أعلاهن، وشدة الهبوب كونها تتشكّل نتيجة عبور منخفضات شتوية (Cold Core Low) ، والأنظمة الجوية يكون اختلاف الضغط فيها واضحًا مقارنةً بالمعتاد وبالتالي تكتسب الرياح الغربية أو الشمالية الغربية صفة الشدة والسرعة في الهبوب وهي من مصادر ارتفاع موج البحر شتاءً، أما في فصل الصيف فالرياح الغربية وهنا الجنوبية الغربية تكون حارة ويسمّيها البعض في عمان بـ (الغربي أو السموم) وهي تختلف عن خصائص الرياح التي ذكرها المخطوط، فالرياح الغربية المذكورة تكون في الصيف معتدلة غير حارة ولكن جافة ونشطة وتثير الغبار والأتربة وقد قال: "الدبور والقبول فهُما في الاعتدال، إلا أنّ على الدبور البرودة، وعلى القبول الحرارة" ، ويشير إلى أنّ من ضمن الرياح السائدة في عمان هي الدبور والشمال وهذا ما يعطي لموقع السلطنة مناخ الجفاف بسبب البيئة الجافة الآتية منها.
• الشمال (الرياح الشمالية):
ذُكرَ في المخطوط أنّ الرياح الشمالية من خواصها البرودة والجفاف، فالبرودة بسبب مصدر قدومها البارد بينما الجفاف فعلى طبيعة الموقع الآتية منه، ومعرفة كاتب المخطوط بجغرافية المناطق المحيطة بعمان والأقاليم البعيدة أعطاهُ نظرة أوسع مع الرصد الميداني لتوصيف الرياح بدقة وإعطاء الخصائص بناءً على جغرافية المصدر، ويعرج على أنّ سبب برودتها يعود للمرتفعات العالية التي تصل إلى طبقة (برد الزمهرير) وهنا يقصد سلاسل الهضاب في الشمال في بلاد السند، والهند كالهيمالايا ويشير إلى أنّ الرياح تأتي من المصادر العالية الباردة المليئة بالثلوج والمياه المتجمدة.
وعلميًا؛ المناطق التي أشار إليها تقع ضمن نطاق ما يُسمّى بالمرتفع السطحي السيبيري (Siberian High) والذي ينشط خلال الشتاء خاصة وهو يتشكل نتيجة عدة عوامل من ضمنها اليابسة الواسعة والجبال العالية المحيطة وأيضًا ما يسمى بخلايا هادلي (Hadley cell) في الغلاف الجوي والتي تهبط منها التيارات الهوائية من أعلى طبقات الغلاف الجوي إلى الطبقة السطحية على العروض دون الوسطى (25-35 درجة عرض)، بينما الجفاف -كما أشار بدقة- بسبب عبور هذه الرياح على الجبال والرمال أي الصحاري ونحوها، فهي بعد مرورها بالجبال تمر على صحراء لوط في إيران قرب الحدود الباكستانية فتكون جافة في غالب الأحيان عندما تصل إلى عمان.
ويشير صاحب المخطوط إلى أنّها باردة في غالب أيام السنة وتميل للاعتدال في فصل الصيف، وأكثر ما تكون باردة خلال الشتاء والخريف، وكما ذكر المخطوط أن الدبور والشمال أقوى شدة في الهبوب من الصبا والجنوب، وأنّ الشمال هي الرياح الأكثر هبوبًا على عمان بينما لا يعلم عن المناطق الأخرى أي نوع من الرياح أكثر هبوبًا عليها، وهنا إشارة لاختلاف مصادر الرياح وأي من أنواعها أكثر هبوبًا على المناطق الأخرى، فالهند خلال الصيف تتميز بهبوب الرياح الجنوبية الغربية ، والسعودية بهبوب الشمالية الغربية ، فلكل منطقة رياح سائدة مختلفة عن غيرها من المناطق.
• الجنوب (الرياح الجنوبية):
يأتي المخطوط على ذكر خصائص الرياح الجنوبية أنّها حارة ورطبة بحكم موقعها الآتية منه، فيشير إلى أن الحرارة آتية من مصدر أقرب للشمس والرطوبة بسبب أن البحار معظمها تقع في الجنوب وتؤثر عليها الشمس أكثر فتنتج أبخرة حارة، وأنّه كلما اتجهنا انخفضًا كلما كانت أكثر حرًّا وسخونة والعكس صحيح بالنسبة للبرودة. فقوله أنّ الحرارة الموجودة في الرياح الجنوبية بسبب قرب مصدر الجنوب من الشمس فكما نعلم أنّ السلطنة تقع شمال دائرة الاستواء وكلما اتجهنا جنوبًا كنّا أقرب إليه، تتعامد الشمس فتكون أكثر إشعاعًا عليه فتكثُر عمليات التبخير من البحار الموجودة هناك، وعادةً ما تكون الرياح الجنوبية والشرقية عبارة عن الكتلة الدافئة للمنخفض الجوي والتي تستجيب حين اقتراب أي منخفض جوي من المنطقة فتدفء الأجواء لو كانت شتاءً , ، ويطلق البعض عليها بـ "حرّة السيل"، ويشير إلى أنّ التبخر بسبب حرارة الشمس وهذا الصحيح، فتشير الدراسات أن (90)% من البخار الموجود في الغلاف الجوي هو نتاج عملية التبخر من المسطحات المائية بينما (10)% من عملية النتح في النباتات ، وهذا يؤكد ما أورده المخطوط، والتبخر هو اكتساب جزيئات المواد السائلة الحرارة الكافية لتحويلها إلى مادة غازية.
رسم توضيحي 3: خريطة الرطوبة النوعية العامة للعالم ونشاهد تركز النسبة الأكبر من الأبخرة عند خط الاستواء وما حوله جنوب شبه الجزيرة العربية (Yang, 2017)
ويشير المخطوط أنّها "معتدلة في حرارتها ولطيفة، ليس لها بردٌ مؤذٍ ولا حرٌ مؤلم" وبالنسبة لعمان، إذا كانت الجنوبية من مصدر أقرب للشرق فهي مثلما أشار بأنها رطبة وبها حرارة غير مؤلمة ومنها الرياح الموسمية الصيفية (Monsoon) وغالبًا ما يُستبشر عند هبوب الرياح الجنوبية نتيجة خصائصها المساعدة على تشكل السحب وهطول الأمطار.
• الصّبا (الرياح الشرقية):
لم يذكر الكثير عن خصائص الرياح الشرقية، وإنما أشار فقط إلى أنّها معتدلة الهبوب وحارة، وهي الرياح الغالبة على سواحل بحر عمان وتسمى محليًّا بـ "الكوس"، وتكون رطبة عمومًا بحكم موقع قدومها الآتي من الشرق من جهة بحر العرب.
• الرياح الهابطة (Downdraft) وأنواع أخرى:
يقول المخطوط نقلًا عن رأي بعض أهل العلم: "إن من الرياح ما يهب من أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى" ، وهذا ما يتوافق بشكل كبير مع مصطلحيْ الرياح الهابطة والصاعدة (Downdraft and Updraft)، الرياح الهابطة هي الرياح التي تنتج من الخلايا الرعدية أو المرتفعات العلوية نتيجة الفارق في الضغط ما بين سطح الأرض -موقع تصاعد الرياح- ومكان التفريغ كالخلية الرعدية أو المرتفع العلوي وتتميز هذه الرياح بالشدة وقد تتجاوز سرعتها أحيانًا (160) كلم/س وتكون باردة وجافة ، بينما الرياح الصاعدة يمكن ملاحظتها في الأماكن المرتفعة وهي عكس الرياح الهابطة وهي الرياح التي تتصاعد إلى طبقات الجو العليا نتيجة الفوارق الحرارية محملة بالحرارة والأبخرة لتشكيل السحب . وقد ذكر بعض المسميات كـ "الزعزع" وهي الرياح الآتية من الخلايا الرعدية، "الصرصر" وهي الرياح الهابطة من المنخفضات الشتوية، وعادةً تكون شمالية غربية المصدر وأشار إليها أنّها شديدة البرودة، "الريح العقيم" وقد ذكرنا أنّها الرياح الجنوبية الغربية الحارة جدًّا والتي تهب من جهة الربع الخالي.
ويختم حديثه عن أنواع الرياح أنّ بعضها يسوق السحاب كما يُساق الماء في السواقي، وفعلًا هناك من الرياح ما تُساعد بشكل أساسي على قدوم السحب الممطرة كالرياح الجنوبية التي تدل على قدوم المنخفضات الجوية وكذلك الرياح الشرقية المستمرة عدة أيام خاصة في موسم الأمطار (الخريف، والشتاء، والربيع).
باب في عملية تشكّل السحب وأنواع التساقط (Cloud Development and Types of Precipitation):
خبرة صاحب المخطوط واضحة عند ذكر عملية نشوء وتكاثف السحب وهطول المطر على الرغم من عدم وجود وسائل تقنية يمكنها تحديد وتوصيف هذه العملية إلا من خلال النظر والملاحظة وقد أتى على ذكر عملية تشكّل السحاب خلال فترة الحرارة وخلال فترة البرودة وكلٌّ له فارق في النواتج المتحصلة لهما.
يذكر أنّ عملية تشكل السحب تحتاج لعاملين مهمّين ومشتركين وهما: الحرارة والرطوبة، فنتيجة الطاقة الحرارية الناتجة عن سقوط أشعة الشمس على البحار واليابسة فإنّ البخار يتصاعد، ومن اليابسة بقدرٍ أقل، وتصعد بفعل حركة الرياح إلى الجبال والطبقات التي فوقها إلى طبقات برد الزمهرير، وهو ما وافق علوم الأرصاد الجوية الحديثة .
ويشير أيضًا إلى مصطلح التصعيد التضاريسي، وهي عملية صعود الهواء إلى طبقات الجو العليا بفعل وجود القمم الجبلية والتي تتشكل على إثرها سحب الأمطار المحلية، وهو نوع مهم من أنواع مصادر الأمطار، ثم يعرج إلى موضوع التكثّف المستمر للهواء الرطب نتيجة برودة الهواء مع صعودنا للأعلى إلى أن يصل لدرجة التشبع، فيتحول الهواء الرطب إلى سحب متراكمة، "فلا يزال البخاران يكثران ويغلظان في الهواء، وتتداخل أجزاء البخارين بعضهما في بعض، حتى يثخنا ويكون منهما سحاب مؤلفٌ متراكم..." ، ويستمر في شرح عملية تكثّف الهواء الرطب وأنَ القطرات تزداد حجمًا وتثقل حتى تهطل القطرات، وتثاقل القطرات يعود علميًا لتراكم ذرات الماء حول ذرات الغبار المنتشرة في طبقات الجو.
يتطرق كاتب المخطوط إلى أمرين، ما يزيد من غزارة الأمطار، وما يقلل منها:
• الرياح الجنوبية كعامل مُساعد.
• التبريد الشديد عامل مُقلل للغزارة.
تمثل الرياح الجنوبية -كما تطرقنا سابقًا- في المنخفضات الجوية الجبهة الدافئة وبذلك تعتبر من الركائز الأساسية ليكون المنخفض ممطرًا أو جافاً، عاماً، أو محدوداً، فالرياح الجنوبية تحمل في طياتها الطاقة الحرارية والبخار الدافئ، وهي كما أشار لها عامل معزز للهطول، وأما العامل الآخر الذي ذكره حول البرودة المفرطة على حد تعبيره تمنع من صعود الهواء وهذا مؤكد ، فقيم الحمل الحراري (Convection) تقل عندما تسيطر الكتلة الهوائية الباردة على نطاق واسع فتكون السحب منخفضة الارتفاع في الغالب ولا تحمل نفس غزارة السحب الحملية أو الناتجة عن وجود كتلة هوائية دافئة، ويعرج على أنّ وجود البرودة المفرطة هو عامل مساعد على تساقط الثلوج(Snow) ، وعلميًا لا تسقط الثلوج إلا بوجود تبريد شامل في جميع طبقات نشوء السحب والتساقط الهطولي حتى الطبقة السطحية دون وجود أي طبقة دافئة وإلا لكان مطرًا فقط أو أنواع أخرى غير الثلج القطني.
رسم توضيحي 6: أنواع التساقط بحسب انتشار التبريد العلوي في طبقات الجو، والملاحظ أن تساقط الثلوج لا يكون إلا بانتشار التبريد على أقصى نطاق جوي (Braddock, 2017)
ثم يتطرق إلى أن الهواء الرقيق هو أفضل لتشكل السحب الركامية الشاهقة ذات القواعد المنخفضة والقمم العالية ذات الغِلظة، ونتيجة لذلك فقطرات المطر الهاطلة تكون أكبر حجمًا، ويقصد بالهواء الرقيق الهواء الدافئ، والمعروف أن الهواء الدافئ أخف من الهواء البارد وله القدرة على الصعود إلى طبقات أعلى من الهواء البارد، لذلك فإن السحب الركامية مصدر تشكلها الأول هو الهواء الدافئ الرطب سواء نتجت بوجود الجبال أم لا، والسحب الركامية تحتوي على ذرات الغبار التي تساعد على وجود قطرات مطر أكبر حجمًا كما أشار له.
يضيف المخطوط نقطة مهمة في العامل الذي يساعد على تشكل حبات البرد، فهو يفرّق ما بين الثلج القطني وحبات البرد، فالثلج كما قال يحتاج إلى برودة مفرطة وكبيرة، ولكن بالنسبة لحبات البرد فيشير إلى أنّه يكفيها وجود طبقة باردة في ظل وجود الهواء الدافئ فتتجمد القطرات فتهطل بَرَدًا، وعلميًا تحتاج حبات البرد لعدة عوامل، ومنها عاملا مهمان هما: وجود تيارات حملية نشطة ، والعامل الذي ذكره وهو التبريد العلوي ولو كان على إحدى الطبقات فقط، "وإن عرَضَ لها برْدٌ مفرط في انحدارها – في أثناء عملية السقوط - جمدتْ وصارت بَرَدًا قبل أن تبلغ الأرض"
باب في عوامل نشوء السحب وأنواعها وبعض خصائصها:
لم يكتفِ كاتب المخطوط بوصف عملية تشكل السحب بل تطرق إلى ذكر عوامل تشكّلها وضعفها، والحديث عن أنواعها، مبتدئا بالرياح التي تعمل على تكاثف السحب والرياح التي تفرّقه وتقلل من تكاثفه فيشير أن الصبا من عوامل تشكّل السحب عدا في الصيف والخريف وتفرّق السحب في فصل الصيف، وهذا أمر يعود لحكم موقعهُ هو في جبال الحجر، فهبوب الرياح الشرقية في فترة تشكل سحب الظهيرة على الجبال تدفعها نحو الغرب نحو الصحاري والسيوح على عكس الرياح الجنوبية التي تدل على وجود موقع الالتقاء السطحي على منطقة قريبة منه، فهو أتى على ذكر هذه الخاصية من منطلق موقعه في وسط جبال الحجر.
الرياح الغربية -الجنوبية الغربية تحديدًا- حسبما جاء في المخطوط من العوامل الأساسية لتفرّق السحب، علميًا تعتمد خاصية الرياح الغربية على مصدر وسبب هبوبها، كوضع عام، تعتبر كتلة هوائية باردة في الشتاء وهي كتلة هابطة من طبقات الجو العليا وتكون جافة في الغالب، وفي الصيف هي المصدر الأول للحرارة في عمان كون مصدر هبوبها من الصحاري والأماكن المفتوحة الواسعة وبالتالي تكتسب حرارة وجفاف عاليين، ويمكن اعتبارها عاملاً لتفرّق السحب لا لتجميعه، أما الجنوب وفق المخطوط فهي تدرّه، تجعل السحب ممطرة، وهي وقود للمنخفضات الجوية خاصة بوجود محيطات شاسعة مليئة بالأبخرة فتحمل الطاقة والأبخرة وهي تعبّر عن الكتلة الهوائية الدافئة الرطبة والتيارات الهوائية الصاعدة إلى طبقات الجو العليا.
وصفه لرياح الشمال يأتي عن تتبع دقيق وخبرة سنوات "وأما الشمال فإنّها تجمعه في الأحيان وتفرّقه في بعض، وخاصة في فصل الصيف والربيع إذا هبّت على إثر الدبور" ، رياح الشمال هي ذات مصدر قارّي جاف بالنسبة لعمان وباردة في معظم الأحيان؛ ولكن بسبب عبورها من عمان الدافئ في فصل الشتاء فإنّها تكتسب رطوبة ، وبسبب الفوارق الحرارية فإن الأبخرة تصعد إلى الأعلى فتتكاثف السحب وتهطل الأمطار وخاصة على السواحل، والسلاسل الجبلية القريبة من السواحل إضافة إلى السهول، وفي بعض المنخفضات الجوية العميقة قد تكون الحالة الجوية عامة ممطرة بسبب هذا الهبوب، ومثال على ذلك ديسمبر (1956)م فبسبب عمق منخفض جوي أثّر على شمال عمان وتزامن مع هبوب الرياح الشمالية فقد عمّت الأمطار عمان خاصة السواحل بكميات ضخمة.
Figure 1: خريطة الهطول المطري عند الساعة 8 ليلًا بتاريخ الأول من فبراير 1968 - الخريطة اليمين حركة الرياح لنفس توقيت الخريطة الأولى، ويلاحظ بوضوح توافق حركة الرياح الشمالية مع توزيع هطول الأمطار على سمال عمان
بينما حدد المؤلف أن تفرّق السحب بسبب الشمال أكثر ما يكون في الصيف والربيع وهذا كلامٌ فيه دقة إذْ أن السحب الصيفية والربيعية تحتاج إلى الحرارة التي لا تتوفر في الرياح الشمالية فتتفرق السحب في كثير من الأحيان عند هبوبها ولكن ليس دائمًا، ثم يعرج على أنواع السحب وقسّمها أقساماً أساسية بناءً على اللون والكثافة كما يلي:
• أبيض رقيق -Cirrus, Cirrocumulus
• أبيض غليظ –Altocumulus, Stratus
• أسود رقيق – Stratocumulus, Altostratus
• أسود غليظ – Nimbostratus, Cumulonimbus
كما قسّمها أيضًا بحسب طبيعتها كما يلي:
• السحب المنبسطة.
• السحب المتقطعة والمتفرقة.
• السحب غير الرعدية.
• السحب الرعدية.
يشير المخطوط أنّ السحاب الأبيض الرقيق لا ماء فيه، وفي علم الأرصاد الجوية يسمى هذا النوع بالسحب السمحاقية – وهي على نوعين: (Cirrus) السمحاق وهي عبارة عن بلورات ثلجية متكثفة في طبقات الجو العليا وهي غير ممطرة، وبياضها يعود إلى رقّتها وارتفاعها الكبير عن سطح الأرض و((Cirrocumulus أي السمحاق الركامي وهي أبخرة قليلة تتكثف في الطبقات العليا ولونها أبيض وغير ممطرة أيضًا كما أكّدها المخطوط ويتراوح ارتفاعها ما بين (6000) إلى (12) ألف متر .
أما الأبيض الغليظ فيقول عنه كما قال في الأبيض الرقيق عدا أنّه قد يحمل بعض الزخات الخفيفة، وأرصاديًا تكون هذه السحب في الطبقات الوسطى أو المنخفضة وهي غيوم إما قزعية (Altocumulus) وهذا النوع يعتبر إشارة ميدانية على اقتراب حالة من عدم الاستقرار في الغلاف الجوي، ويتراوح ارتفاعها ما بين (2000)إلى (5500) متر، أو السحاب الطباقي Stratus)) والتي تكون أغلظ من السحاب الأبيض الرقيق فتميل إلى اللون الرمادي وقد تغطّي السماء كلّيّا وهي ضبابية أو متوسطة الارتفاع وتكون بنسق واحد غير مختلفة في قاعدتها السفلى وقد تسقط منها أمطار خفيفة وهو ما أشار له المخطوط أيضًا.
ثم يتطرق المخطوط إلى حركة السحب خلال الفصول، ففي فصل الربيع تكون حركة الغيوم من المغرب إلى المشرق، وكذلك من الجنوب إلى الشمال، وهذا يعود علميًا لحركة التيارات النفاثة في الغلاف الجوي، ( أنظر الخريطة السابقة) التي تكون غربية وقد يحدث للحركة تغيّر خاصة وقت المنخفضات العميقة فتتحرك السحب من الجنوب إلى الشمال، وفي فصل الصيف يذكر أنها تكون -أي حركة الغيوم- من المشرق إلى المغرب ومن الشمال إلى الجنوب، وهذا الأمر يعود لحركة التيارات الصيفية الشرقية فتتحرك السحب من الشرق إلى الغرب، وعند تموضع معيّن للمرتفعات الجوية العلوية فإن حركة السحب تميل إلى الاتجاه جنوبًا تمامًا كما أشار إليه، بينما يقول في فصل الخريف: "إنّ أوله كالصيف وآخره كالشتاء" .
نقطة أخرى حول حركة السحب موسميًا وهي فيما إذا كانت الحركة مغايرة عن المعتاد، يذكر المخطوط أن السحب ستكون غير ممطرة أو ضعيفة لو كانت في فصليّ الشتاء والربيع، أي لو تحركت مثلًا من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، ذكره لهذه النقطة يأتي من واقع معاينة ومتابعة ميدانية، إنّ محرّك المنخفضات الجوية خلال فصليّ الشتاء والربيع هو التيارات النفاثة العلوية على ارتفاعات تصل إلى (10-13) كم، وتكون حركته من الغرب إلى الشرق، في حال ضعف التيار النفاث فإنّ قدوم المنخفضات يكون ضعيفًا وعادة ما يحل محلّها المرتفع الجوي الذي يعطي للأجواء الاستقرار، فهنا تأكيد علمي حول ما تطرّق له المخطوط حول ضعف قوة السحب في حال الحركة المغايرة للغيوم في الفصلين المذكورين، أما بالنسبة لفصليّ الصيف والخريف فيذكر أنّ الحركة المغايرة عن المعتاد للغيوم لا تخلو من المطر وهذا وارد فعلًا، فبالنسبة للصيف قد تتأثر الأجواء بموجات غربية علوية محدودة -أي موجات آتية من الغرب على غير المعتاد في فصل الصيف- تُساعد على إثارة السحب الرعدية في الأجواء، وبحكم مصدر الموجة فإن السحب ستتحرك من الغرب إلى الشرق في اتجاه مغاير عن المعتاد في فصل الصيف، أما الخريف فحركة السحب فيه متغيرة كونه يقع ما بين فصليّ الصيف والشتاء لذا قد تتعرض الأجواء لحالات مصدرها شرقي أو غربي سواء كانت ممطرة أم غير ممطرة، وهنا نرى دقّته في تعاطي وصف التفاصيل الميدانية للطقس والمناخ حوله.
ثم إنّ المخطوط يأتي على نقطة متعلقة بتواقيت نشوء السحب وبماذا تتميز، فيقول: "إنّ سحاب الصيف نهاريّ في الغالب بينما السحاب الشتوي يتشكل ليلًا إلى أول النهار وقد يمطر كذلك في آخر النهار" ، وتوجد لديه أسباب لذلك ولكن لأن أسبابه طويلة الشرح فيبدو أن المؤلف توقف عن سردها، ويأتي على سحاب الصيف فيقول: "إنّه لا يكاد يخلو من الرياح والبرق والرعد" ويفسّر المخطوط ذلك بغلبة الرياح الجافة على الرياح الرطبة، كسبب عام، فالأمر هنا يعود لطبيعة سحب الصيف الرعدية والتي تتكون نتيجة تيارات الحمل الحراري والتي تنتج تيارات هوائية هابطة تكون قوية أحيانًا، ولكن نقطة الجفاف والأبخرة للتيارات الهوائية التي ذكرها في غاية الدقة، فعلميًا، وجود طبقة جافة في الغلاف الجوي تمهّد لحدوث صواعق جوية أشد وكذلك تيارات هابطة نشطة وبالتالي رياح قوية بشرط ألا يطغى الجفاف على الطبقات كلها وإنما بمقدار محدد، ويشير المخطوط إلى أن السحب الرعدية لا تمكث طويلًا على عكس السحب غير الرعدية. الخلايا الرعدية نظام متفرق من الحمل الحراري ومتحرك لذا في الغالب لا تمكث الخلية الرعدية في مكان واحد فترة طويلة على عكس السحب غير الرعدية والتي لا يتركز فيها نظام التيارات الهوائية الصاعدة والهابطة وإنما تسوقها الرياح العلوية وقد تكون بمساحات شاسعة بوجود التبريد العلوي المساعد على زيادة تكثّف السحب على نطاق كبير من المنخفض الجوي.
بعض المسائل المناخية المتفرقة:
كيف يحدث البرق والرعد.؟ تطرّق المخطوط إلى ذكر هذه النقطة وأورد فيها الآراء المتداولة ما بين العلماء في هذه المسألة، ويميل صاحب المخطوط إلى الرأي القائل أن البرق والرعد نتيجة لتصادم جزيئاته بعضها ببعض "إن البرق نارٌ تنقدح من السحاب إذا اصطكّت أجرامه" ونفى أن يكون البرق من نور لا من نار. ووفق الدراسات البحثية فإن "البرق والرعد عندما تتحرك جزيئات الماء وبلّورات الجليد داخل سُحب العواصف الرعديّة نحو الأعلى والأسفل لاصطدام بعضها ببعض، ونتيجة لذلك ترتفع الشحنات الموجبة لأعلى الغيمة بينما تتمركز الشحنات السالبة في أسفل السحابة" وهذا يؤكد مدى انفتاح ذهن صاحب المخطوط ودرايته بما هو معقول والتفسير الأقرب للصواب، رغم بدائية الرصد والتحليل العلمي في ذلك الزمان خاصة في المنطقة العربية، وعن ما هيّة الرعد، فما زال يُذهلنا في دقّته وآرائه في هذا المجال وذلك إن دلّ على شيء فإنما يدل على تمكّنه واطّلاعه، فهو يميل إلى أنّ الرعد هو صوت البرق أو ناتجٌ عن البرق فيقول بعد ذكر عدة آراء في الرعد: "وقال بعضٌ: إنّ الرعد هو وجبة البرق وهدّته، كما يسمع للنجم المنقضِّ وجْبةٌ وهدّة، وكما تكون للمدافع والاتفاق وجبة عظيمة بعد خروج الدواء من بطونها. وكذلك أقول ولذلك أميل" .
الخاتمة ونتائج الدراسة:
برزت في التاريخ العماني العديد من الشخصيات العمانية التي أبدعت في نتاجها العلمي والفكري، ويتعاظم ذلك النتاج في وجود الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي الذي تشهده عمان في فتراتها التاريخية المختلفة، وفي عهد اليعاربة ساد عمان الرخاء والاستقرار؛ لذا بدأت الحياة العلمية تبرز جلياً، وكان من أبرز تلك النتاجات العلمية التطبيقية لمخطوط "الإيضاح فيما أودع الله من الحكمة في النجوم والرياح" براعة العمانيين منذ قرون في قراءة ظواهر الغلاف الجوي، وتحليل العوامل التي تؤثر عليها من مختلف النواحي: كعوامل إضعاف الأمطار، وعوامل زيادتها، ومسببات تساقط الثلوج ومصادر الرياح والرطوبة والحرارة؛ ومواسم الأمطار، وعلاقة هذه العوامل بجغرافية المنطقة والأقاليم المجاورة لعمان، واهتمامهم بمتغيرات المناخ، وإلمامهم بجغرافية المنطقة والأقاليم المجاورة وخصائصها الجغرافية والمناخية .
المراجع:
- ابن قيصر، عبدالله بن خلفان، سيرة الإمام ناصر بن مرشد، ت: عبدالمجيد القيسي، ط2، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، 1983م.
- البراشدي، موسى بن سالم، الحياة العلمية بعمان في عهد اليعاربة، ط1، النادي الثقافي: سلطنة عمان، 2013م
- البراشدي، موسى بن سالم، الدور السياسي لعلماء عمان، ط1، الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، سلطنة عمان، 2019م
- البطاشي، سيف بن حمود، إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان، ط 4، مكتب المستشار الخاص لجلالة السلطان للشوؤن الدينية والتاريخية: سلطنة عمان، 2016م.
- التوبي، أحمد بن حميد، المقاومة العمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي، ط1، بيت الغشام، سلطنة عمان، 2017م.
- الخراسيني، عبدالله بن محمد، فواكه العلوم في طاعة الحي القيوم، ت: محمد صالح، مهني التواجيني، ط1، مسقط، 1995م.
- الخروصي، مهنا بن خلفان، النجوم الزاهرة في الأفلاك الدائرة، ط2، مكتب المستشار الخاص لجلالة السلطان للشؤون الثقافية والتاريخية، سلطنة عمان، 2015م.
- سعد، يحيى. طرق جمع البيانات في البحث العلمي، تاريخ الاسترجاع 7/6/2022.
- https://drasah.com/Description.aspx?id=3067
- السيابي، سالم بن حمود، العنوان في تاريخ عمان، دمشق، 1385هـ.
- السيابي، صالح بن محمد، العمانيون والعلوم التجريبية الطب والهندسة والفلك والملاحة البحرية، ط1، مكتبة السيدة فاطمة الزهراء، سلطنة عمان، 2018م.
- الشيباني سلطان بن مبارك، الإيضاح في ما أودعه الله من الحكمة في النجوم والرياح، ط1، ذاكرة عمان، سلطنة عمان، 2015م.
- الغيلاني، يوسف بن عبدالله، دور الشيخ خميس بن سعيد الشقصي وإسهاماته في تأسيس دولة اليعاربة، مجلة جامعة اليرموك، جامعة اليرموك،الأردن، 2009م، ص 561-576.
- كاتب مجهول، الإيضاح في ما أودعه الله من الحكمة في النجوم والرياح، ضبط ومراجعة: سلطان بن مبارك الشيباني، ط1، ذاكرة عمان، سلطنة عمان، 2015م.
- Britannica, The Editors of Encyclopaedia. "Siberian anticyclone". Encyclopedia Britannica, 8 Jun. 2017, https://www.britannica.com/science/Siberian-anticyclone. Accessed 12 October 2022.
- Britannica, The Editors of Encyclopaedia. "Updraft and Downdraft". Encyclopedia Britannica, 17 Dec. 2018, https://www.britannica.com/science/updraft. Accessed 12 October 2022.
- Clouds and Rain- 6.3. Cumulus clouds (no publication date). Accessed on 21/4/2022. Website link: https://www.lordgrey.org.uk/~f014/usefulresources/aric/Resources/Teaching_Packs/Key_Stage_4/Weather_Climate/06.html
- Density Of Liquid Water From 0°C to 100°C (من دون تاريخ نشر). تم الاطلاع عليه في 13/3/2022م. . Website link:: https://www.vip-ltd.co.uk/Expansion/Density_Of_Water_Tables.pdf
- Evaporation and the Water Cycle بواسطة Water Science School (June 8, 2019). تم الاطلاع عليه في 13/3/2022م. . Website link: https://www.usgs.gov/special-topics/water-science-school/science/evaporation-and-water-cycle
- Gupta, A.K. (2009). Monsoons, Quaternary. In: Gornitz, V. (eds) Encyclopedia of Paleoclimatology and Ancient Environments. Encyclopedia of Earth Sciences Series. Springer, Dordrecht. Website link: https://link.springer.com/referenceworkentry/10.1007/978-1-4020-4411-3_145
- Guangqi Li, Sandy P, Patrick J, Kenji I,Colin P (12 July 2013). Precipitation scaling with temperature in warm and cold climates: An analysis of CMIP5 simulations. Copyright this article was changed on 23 MAR 2015. Website link: https://agupubs.onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1002/grl.50730
- Haby. J, The weather prediction (no publication date). High And Low Pressure Types. Accessed on 11/10/2022. Website link: http://www.theweatherprediction.com/basic/pressuretypes/
- Hail Basics (no publication date). Accessed on 20/4/2022. Website link: https://www.nssl.noaa.gov/education/svrwx101/hail/
- IMD. (no publication date). Frequently asked Questions (FAQs) on Monsoon Accessed on 12/10/2022. Website link: https://mausam.imd.gov.in/imd_latest/monsoonfaq.pdf
- Mark E. Piana, Harvard. (no publication date). Hadley Cells. Accessed on 11/10/2022. Website link: https://groups.seas.harvard.edu/climate/eli/research/equable/hadley.html
- Metoffic- Cirrus clouds (no publication date). Accessed on 24/4/2022. Website link: https://www.metoffice.gov.uk/weather/learn-about/weather/types-of-weather/clouds/high-clouds/cirrus
- Metoffic- Cirrocumulus clouds (no publication date). Accessed on 24/4/2022. Website link: https://www.metoffice.gov.uk/weather/learn-about/weather/types-of-weather/clouds/high-clouds/cirrocumulus
- Metoffic- Altocumulus clouds (no publication date). Accessed on 24/4/2022. Website link: https://www.metoffice.gov.uk/weather/learn-about/weather/types-of-weather/clouds/mid-level-clouds/altocumulus
- Metoffic- Stratus clouds (no publication date). Accessed on 24/4/2022. Website link: https://www.metoffice.gov.uk/weather/learn-about/weather/types-of-weather/clouds/low-level-clouds/stratus
- Microbursts بواسطة NWS Birmingham تم الاطلاع عليه في 14/3/2022م. رابط https://www.weather.gov/bmx/outreach_microbursts
- NASA، NASA Content Administrator (2005) What's the Difference Between Weather and Climate? Last Updated: Aug 7, 2017. Website link: https://www.nasa.gov/mission_pages/noaa-n/climate/climate_weather.html
- NOAA National Severe Storms Laboratory. Lightning FAQ - What is dry lightning? (no publication date). Accessed on 24/4/2022. Website link: https://www.nssl.noaa.gov/education/svrwx101/lightning/faq/
- NOAA. 2016. What’s the difference between climate and weather? Last Updated: Mar 9, 2016. Website Link: https://www.noaa.gov/explainers/what-s-difference-between-climate-and-weather
- Illinois university, Department of Atmospheric Sciences (DAS). (no publication date). Pressure Gradient Force. Accessed on 11/10/2022. Website link: https://www.britannica.com/science/subtropical-high
- LakeErieWX Marine Weather. (no publication date). MONSOON SIGNALS - Surface Wind Accessed on 10/10/2022. Website link: https://www.lakeeriewx.com/CaseStudies/IndianMonsoon/MonsoonSignals.html
- Louisville, KY, Noaa (no publication date). A Basic Discussion on Pressure Systems, Fronts, Jet Streams, and Precipitation Accessed on 11/10/2022. Website link: https://www.weather.gov/lmk/basic-fronts
- Ortega S., Peter J. (November 2017). Quasi-biweekly oscillations of the South Asian monsoon and its co-evolution in the upper and lower troposphere. Accessed on 24/4/2022. Website link: https://www.researchgate.net/publication/312543310_Quasi-biweekly_oscillations_of_the_South_Asian_monsoon_and_its_co-evolution_in_the_upper_and_lower_troposphere
- Pilkington S. - Science For Kids (no publication date). Accessed on 21/4/2022. Website link: https://www.pinterest.com/pin/75153887505060307/
- Railsback, L, (2019/01/01). Past and possible future influence of the Atlantic Meridional Overturning Circulation on the climate responsible for concentration of geopolitical power and wealth in the North Atlantic region. Journal of Ocean and Climate: Science, Technology and Impacts, Accessed on 11/10/2022. Website link: https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/2516019219878561
- Ramaswamy, V., Muraleedharan, P.M. & Babu, C.P. Mid-troposphere transport of Middle-East dust over the Arabian Sea and its effect on rainwater composition and sensitive ecosystems over India. Sci Rep 7, 13676 (2017). Website link: https://doi.org/10.1038/s41598-017-13652-1
- UCAR. (no publication date). The Highs And Lows Of Air Pressure. Accessed on 11/10/2022. Website link: https://scied.ucar.edu/learning-zone/how-weather-works/highs-and-lows-air-pressure
- Wind – meteorology. Updated by Tikkanen A. (no publication date). Accessed on 24/4/2022. Website link: https://www.britannica.com/science/subtropical-high