النباتات الطبية في سلطنة عُمان واقع الحفظ والاستخدام المستدام

الباحث المراسلد. علي بن حسين بن عبدالخالق اللواتي أستاذ مساعد، مركز العلوم الطبيعية والطبية بجامعة نزوى

تاريخ تسليم البحث :2024-01-15
تاريخ نشر البحث :2024-01-15
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك  |   تحميل المقال

مقدمة عن النباتات الاقتصادية والاجتماعية
في عدة أجزاء من العالم، كما هو الحال في أفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية، لا تزال المجتمعات الريفية تعتمد على الطب العرقي وتعتمد على الأدوية النباتية التقليدية، بينما في بلدان أخرى، تدمج الأدوية النباتية التقليدية في النظم الصحية الرئيسية. 
تحتل سلطنة عُمان الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية وتشترك في الحدود مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية. وهي تمتد على طول خليج عُمان وبحر العرب، مع خط ساحلي يبلغ طوله حوالي 1700 كيلومتر يمتد من مضيق هرمز في الشمال إلى الحدود اليمنية. إن موقعها العالمي المميز جنوب قارتي آسيا وشمال أفريقيا يوفر لعُمان السمات الفسيوغرافية والمناخية لكلتا القارتين التي تؤوي جميع الأنواع النباتية المعتدلة وشبه الاستوائية إلى الأنواع النباتية الاستوائية من الأعشاب والشجيرات إلى الأشجار. 
من بين 391 ألف نوع من النباتات الوعائية المعروفة حاليا للعلم، هناك حوالي 369 ألف نوع (أو 94%) هي نباتات مزهرة في العالم، وفقا لتقرير صادر عن الحدائق النباتية الملكية، كيو، في المملكة المتحدة (Dasgupta، 2016). يوجد في عُمان 1407 نوعا تمثل 0.42٪ فقط من النباتات المزهرة في العالم. ومن 1407 نوع في حدود ألف نوع لها قيمة اجتماعية واقتصادية ومنها المحاصيل الغذاء والزراعي بحدود 108 نوع، واشجار وشجيرات الغابات و285 نوع نباتات المسطحات الخضراء والزينة و448 نوعا من النباتات الطبية. تنتمي الأنواع الطبية إلى 283 جنسا و95 عائلة وفقا ل "استراتيجية الحفاظ على النباتات الاجتماعية والاقتصادية لسلطنة عُمان" التي وضعها مركز عُمان للموارد الوراثية الحيوانية والنباتية في عام 2017 (AL Lawati et al., 2017).
تنوع النباتات الطبية في سلطنة عُمان
ذكر اللواتي وآخرون  (Al-Lawati et al., 2020)  في كتابهم "استراتيجية الحفاظ على النباتات الاجتماعية والاقتصادية لسلطنة عُمان" القائمة المرجعية ل 1407 نوعا نباتيا في عُمان هناك على الاقل 448 نوعا منها للاستخدام الطبي. وهذا يدل بوضوح إلى أن عُمان لديها كنز كبير من الموارد النباتية الطبية، والتي يمكن أن يكون لها فرص تجارية كبيرة. إلا انهم ذكروا بأن التنوع الاحيائي للنباتات الطبية ليس في الوضع اللازم من حيث الحفظ. الشكل رقم 1 يوضح اعداد الانواع الطبية لكل عائلة نباتية، علما بأن عدد العائلات النباتية تصل إلى 95 عائلة. ونلاحظ بأن العائلة الشفوية (Lamiaceae) هي أعلى في أعداد الانواع النباتية، 16 نوع، والتي تضم تحتها الزعتر العُماني (Zateria multiflora) والريحان (Ocimum basiclicum) والنعناع (Mentha spp.). ويلي ذلك العائلة النجمية (Asteraceae) والتي تضم 13 نوعا، والعائلة الباذنجانية والتي تضم 12 نوعا والتي تضم من النباتات الطبية مثل المرنحة وتوجد منها في السلطنة ثلاث أنواع وهي (Datura fastuosa) و (Datura innoxia) و (Datura metel) والشرنجبان (Solanum incanum). والعائلة البقولية تضم 11 نوع منها السلم (Vachellia flva) وشجرة السنط (Senegalia senegal) والسمر (Vachellia tortilis)
 
 الشكل رقم 1: العائلات النباتية واعداد الانواع الطبية لكل عائلة نباتية تضم خمس انواع او أكثر.

وتتميز هذه النباتات الطبية بأن لها خصائص أخرى غير عن ان كونها نباتات طبية، بل لها خصائص أخرى منها كغذاء، ونباتات الزينة وأشجار وشجيرات حرجية.

الوضع الحالي لحفظ الموارد الوراثية النباتية الطبية خارج الموطن وداخله
الحفظ خارج النطاق هو عملية حماية الأنواع من الانقراض، أو حتى تنوعها أو سلالتها، من النباتات أو الحيوانات خارج بيئتها الطبيعية؛ كأن يتم إزالة جزء من الموائل المهددة ووضعها في مكان جديد، والتي قد تكون منطقة برية أو في إطار رعاية البشر. بينما الحفظ داخل النطاق هو في حفظ الموارد الوراثية للأنواع داخل بيئتها او موئلها الطبيعي. 
لا يوجد في عُمان حالياً مناطق محمية في الموقع أو احتياطيات وراثية تحافظ على تنوع النباتات بشكل عام على نحوٍ فعال سوى في بعض المحميات والتي تقع إدارتها تحت إدارة هيئة البيئة. تقرير هيئة البيئة لعام 2021 أوضح أن من 25 محمية طبيعية، 23 منها تصنف محميات نباتية بالإضافة تصنيف أو تصنيفات أخرى.  ويتراوح عدد الأنواع النباتية التي تحمى في تلك المواقع ما بين 204 في محمية خور خرفوت الاثري بمحافظة ظفار. وهناك محميات مازال عدد الأنواع النباتية لم يسجل بها كمحمية رأس الشجر الطبيعية في محافظة مسقط وجنوب الشرقية. ولكن لا توجد تقارير تفصيلية عن تلك الانواع المنتشرة في تلك المحميات الطبيعية. هذه التقارير ستساعد الباحثين في معرفة الانواع الاقتصادية والاجتماعية ومنها النباتات الطبية المتواجدة في تلك المناطق ومدى تنوعها الوراثي ضمن المحمية وبين المحميات. لذا من الاهمية إجراء دراسات تفصيلية عن التنوع الوراثي للنباتات في تلك المحميات ونشرها في تقارير أو بحوث علمية.  وعلى الرغم من أنَّ تصنيفات النباتات الطبية يتمَّ حفظها دون شكٍّ في المناطق المحميَّة وغير المحميَّة المحدَّدة رسميّاً في سلطنة عُمان، مثل مناطق الطرقات، والهوامش الحقلية، والغابات والمتنزّهات الوطنية.  إلا أنَّه في كل منطقة محمية موجودةٍ يحتمَل وجودُ تصنيفٍ معيَّنٍ للنباتات الطبية عن طريق المصادفة لأنَّ الموقع يتمَّ إدارته للحيوانات البرية أو لتنوع الموائل أو للترفيه، أو لا يتمَّ إدارة التنوع الاحيائي النباتي بأيِّ شكلٍ نشط.  ومن حيث الحفظ، يسمى هذا بـ "الحفظ السلبي" (Maxted et al., 2020)، وهو ما يعني في هذا السياق أن مجموعات النباتات الطبية إن وجدت فهي تحفظ بمحض الصّدفة في مكانٍ محدَّدٍ للحفظ، ولكن في الحالات التي لا توجد فيها إدارة نشطة لهذه المجموعات من جانب العاملين على الحفظ فقد تندثر هذه المجموعات من النباتات الطبية.  ومن أجل دعم مجموعات النباتات الطبية، يلزم وجود إدارة أكثر فاعلية على المدى الطويل، الأمر الذي ينطوي على شكلٍ من أشكال التّدخّل الديناميكيّ في الموقع، حتى إذا كان هذا التّدخّل مقصوراً على مراقبة مجموعات النباتات الطبية وتعديل إدارة الموقع إذا كانت أعداد الأنواع المستهدفة تتناقص.
وبالنسبة للحفظ خارج الموقع الطبيعي، أي ببنك البذور أو الانظمة المحمية الزراعية أو الحقول الوراثية، فهناك عدد محدود من الانواع، الوحدة التصنيفية، التي تم حفظها ومن غير المعروف عدد المجموعات التي يتمَّ حفظها في كل منها. والتوصية داخل بلدٍ ما بالنسبة للوحدة التصنيفية غير المستوطنة هي 10 مجموعات لكل وحدة تصنيفية للنباتات الطبية (Maxted et al., 2020) حيث يعتقد أنَّ ذلك يوفّر عيّنة كافية من التنوع الوراثي طبيعيّاً.  وبما أنَّ العدد الدّقيق للمجموعات خارج الموطن الطبيعي لكل تصنيفات النباتات الطبية غير معروف، فإنَّه من المقترح أنْ يكون هناك حاجة إلى المزيد من أخذ العيّنات للحفظ خارج الموطن لجميع الوحدات التصنيفية للنباتات الطبية في سلطنة عُمان. وهكذا وبعد مراجعة مجموعات النباتات الطبية خارج الموطن الطبيعي وفي الموقع في سلطنة عُمان، تمَّ التوصُّل إلى أن التنوع في النباتات الطبية لا يتمَّ حفظه وراثياً بفعالية باستخدام تقنيات الحفظ داخل الموقع أو خارجه.   حيث أوضحت البيانات تم توفيرها من قبل مختصين حديقة الأشجار والنباتات العُمانية بأنه تم حفظ في حدود 35% من الأنواع الطبية في السلطنة على شكل بذور أو نباتات حية، البيانات غير معروضة. بينما بنك استدامة، بنك البذور الوراثي، والذي أنشأ من قبل مركز عُمان للموارد الوراثية الحيوانية والنباتية (موارد) وجامعة نزوى فأنه يحوي على حدود 10% من الانواع الطبية، أي في حدود 40 نوع. هذه البيانات حتى إعداد هذه الورقة للنشر. ويقوم البنك بدراسة حيوية البذور ومحتوى الرطوبة وتخفيض نسبة الرطوبة إلى 5% او أقل وذلك لتكون مناسبة للحفظ لمدة خمس سنوات أو أكثر. بالإضافة الى عمليات التنظيف والتوثيق من بيانات التوصيف والتقييم وإتاحة البذور في منصة شبكية متاحة للباحثين وغيرهم.  رابط الشبكة (https://grip.mawarid.gov.om/gringlobal/home).


تحليل الفجوة في عمليات الحفظ وتوصيات الحفظ خارج الموقع الطبيعي
يشير غنى الوحدة التصنيفية (الشكل 2) وهي عدد مشاهدة الوحدة التصنيفية من النوع النباتي الطبي في منطقة جغرافية معينة، والتوزيع التنبئي (الشكل 3) وهي عدد الانواع المحتملة وجودها في منطقة جغرافية معينة، وتحليل الفجوات خارج الموطن الطبيعي (الشكل 4) والذي يشير إلى نسبة الاعداد من الوحدات التصنيفية للنباتات الطبية التي لم تجمع وتحفظ في البنوك الوراثية للبذور أو البنوك الوراثية الحقلية. بشكل عام، تشير هذه الخرائط الثلاث إلى مناطق التنوع الكبير للنباتات الطبية في النطاق الشمالي من الجبل الأخضر وجبل بني جابر وجبال ظِفار الساحلية الجنوبية. ان مناطق الفجوات للنباتات الطبية يجب ان يعد لها زيارات ودراسات بحثية لتقييم حالة التنوع النباتي سواء على مستوى النوع أو التنوع ضمن النوع. هذه الزيارات والدارسات البحثية ستساعد في وضع إستراتيجية جمع مناسب من أجل الحفظ خارج المواطن الطبيعية في بنوك البذور الوطنية.


الشكل 2: الخريطة تشير إلى غنى تصنيفات النباتات الطبية في سلطنة عُمان. المصدر اللواتي وآخرون (2020)

اﻟﺸﻜﻞ 3: ﺧﺮﻳﻄﺔ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ غنى تصنيفات النباتات الطبية المتوقَّع في سلطنة عُمان. المصدر اللواتي وآخرون (2020)

اﻟﺷﮐل 4: ﺧرﯾطﺔ ﺗﺷﯾر إﻟﯽ اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﺷﺎﻣﻟﺔ ﻟﺗﺣﻟﯾل اﻟﻔﺟوة ﺧﺎرج اﻟﻣوﻗﻊ للنباتات الطبية ﻓﻲ سلطنة ﻋُﻣﺎن. المصدر اللواتي وآخرون (2020)


التهديدات العامة على الموارد الوراثية النباتية الطبية 
من المتوقع أن تتأثر النباتات الطبية والأنواع البرّية وسلالات المحاصيل المحلية بشكل كبير بتغيُّر المناخ في تحليل أجراه اللواتي (2020) وزملائه تبين بأن نوع النباتي الطبي ويسمى بالراي او الراع (Aerva javanica) قد تفقد 95% من مساحتها في المناطق المتوقع انتشارها من 2020 الى 2050 بسبب التغير المناخي. ودراسة أخرى ذكرت بأن شجرة الصنوبر العربية أو العلعلان قد تقل أعدادها بالتغير المناخي (MacLaren, 2016) 
ومن المهددات الأخرى، النباتات الغازية وتأثيرها على فقدان الموائل الطبيعية للنباتات الطبية في مواقعها. وحاليا في جبال ظفار وسهل صلالة ومرباط تأثير النبات الغازي البارثينيوم على النباتات الطبية وبالذات الانواع العشبية أكثر منها على الانواع الشجرية والاشجار ومنافستها في موئلها. 
بالرغم من تصاعد النشر العلمي حول النباتات الطبية في سلطنة عُمان إلا انه مازال هناك نقص في المعرفة فيما يتعلق بسعة وموقع وإمكانات الاستخدام الحقيقي للنباتات الطبية؛ فعلى سبيل المثال، السلطنة عملت على إيجاد قوائم الجّرد للنباتات الطبية، إلا أنَّ نقص المعرفة بشأن عدد الأنواع للنباتات الطبية المحفوظة في بنوك البذور وكذلك بشأن الممارسات التقليدية في استخداماتها غير متكاملة ومشتتة.  ويحتفظ كبار السن عادة بالمعرفة التقليدية للنباتات الطبية والتي قد لا تتوافر مع أحفادهم وأبنائهم.  إذ يوجد في عُمان حوالي 485 نوعاً من النباتات الطبية هناك عدد قليل جدّاً من الدراسات التي تدرس قيمتها الاقتصادية الفعلية والاستخدامات المُحتملة لها وكيفية حصادها بشكل مستدام واستخلاص المادة الفعالة بطرق صناعية. 
ومن المهددات الاخرى هو جمع النباتات الطبية على نطاقٍ واسعٍ من خلال ممارسات الحصاد البرّية والمدمِّرة جنباً إلى جنبٍ مع التوسع الزراعي وضغط الرعي والتحضر، كل ذلك يهدد بقاء النباتات الطبية (Tanko et al., 2005) (Van Wyk and Prinsloo, 2018) (Pandey and Savita, 2017). وهناك خطر آخر مهمّ يتمثل في الإفراط في حصاد النباتات الطبية مما يؤدي إلى انخفاض عدد الجماعات النباتية وعدم استدامتها، كما هو الحال في عُمان، حيث اختفت نبتة الزعتر العُماني (Zateria multiflora) من جبال مسندم (أحمد الهاشمي، تواصل شخصي).
بالنسبة للتأثير العمراني على نباتات محافظة ظفار فمن ضمن 27 نوعا قد تكون قد تأثرت من العمران في خمس ولاية من محافظة ظفار ذات التنوع النباتي العالي خلال الفترة من 1978 إلى 2018، هناك نوعان طبيان قد يكون تأثرت بالبناء وهما نبات المخملية (Tagetes erecta) من العائلة النجمية والثمام (Panicum maximum) من العائلة النجيلية. تم استخلاص هذه المعلومات من تحليل بيانات من الورقة العلمية لتأثير العمران على التنوع النباتي في محافظة ظفار (Al-Mulla et al., 2022).

تتجير الموارد الوراثية للنباتات الطبية
سياسة السلطنة في استغلال الموارد الطبيعية كثروة طبيعية في الاقتصاد الوطني
ومن هذه الموارد، الموارد الوراثية النباتية الطبية وهذا يتحتم علينا في الحفاظ على هذه الموارد واستغلالها في بحوث وتطوير القيمة المضافة لإنتاج منتجات تخدم المجتمع والاقتصاد الوطني. فرؤية عُمان 2040 في مجال القيمة المضافة والموارد الطبيعية واقتصاد المعرفة تنص على "حان الوقت الذي ينتقل فيه الاقتصاد والمجتمع من مرحلة الاعتماد على الموارد (الناضبة) إلى مرحلة الابتكار والمعرفة" (رؤية عُمان 2040). لذا كانت من أهداف التوجه الاستراتيجي للبحث العلمي في الرؤية هي تطوير منظومة وطنية فاعلة للبحث العلمي والإبداع والابتكار تسهم في بناء اقتصاد المعرفة. ومن أولويات سلطنة عُمان خلال العقدين القادمين ان يكون هناك اقتصاد متنوع ومستدام قائم على التقنية والمعرفة والابتكار، أطره متكاملة وتنافسيته متحققة، مستوعب للثورات الصناعية، ويحقق الاستدامة المالية. 
وفي تحليل مبدئي للفعاليات العلاجية من خلال الاوراق العلمية التي تم نشرها لعشرين نوع من النباتات الطبية في سلطنة عُمان وجد أن لها هذه الخصائص العلاجية ومنها: مسكن، مضاد للأكسدة، مضاد للالتهابات، مضاد لالتهاب المفاصل، -مضاد بكتيري ، مضاد للفيروسات، مضاد للفطريات (مضاد للميكروبات بشكل عام) مضاد للسمية الكبدية، مضاد لمرض السكري، مضاد للتشنجات، اضطرابات الذاكرة، ارتفاع ضغط الدم، نشاط خفض الدهون، مضاد للسرطان، مبيد للبعوض، مضاد للقرحة، مضاد لارتفاع درجة حرارة الجسم، مكافحة الشيخوخة، مطمث، ملين، مضاد للربو، مضاد للحساسية، مقشع المعدة، و منشط المعدة.
على مدى السنوات القليلة الماضية، كان هناك تغيير جذري على المستوى العالمي في اهتمام الناس في النباتات الطبية لقدرتها على توفير العلاجات المفيدة، والتي هي من أصل طبيعي. وإذا ما استغل المزارعون العُمانيون ورجال الأعمال وشركات الأدوية العُمانية استغلالا مناسبا لهذا التنوع الكبير، فإنهم سيستفيدون من احتياطيات النباتات الطبية المحلية. إلا أن مازال القطاع الخاص لا يخوض في هذا المجال إلا ما ندر. ومن جهة قامت بعض الشركات المحلية الصغيرة في إنتاج المياه العطرية والزيوت العطرية من النباتات العمانية البرية او المنزرعة والتي تشمل الورد والياس عشبة الليمون والنعناع مثل مشاريع خميس الغسيني الوطنية والتي تحمل منتجات (رواق). وبشكل تجاري كبير عطور أمواج تستخدم زيت اللبان في منتجاتها. وقد دعمت السلطنة خلال العاميين الماضيين إنتاج الزيوت الطبيعية من النباتات الطبية مثل اتفاقية لمشروع زراعة الأشجار البرية لإنتاج زيت الشوع بولاية عبري بمحافظة الظاهرة مع "شركة قمم عبري" على مساحة (10) أفدنة وبتكلفة إجمالية بلغت (100) ألف ريال عُماني وبطاقة إنتاجية تصل إلى ألف لتر سنويًا من زيت الشوع. وبشكل تجاري صناعي كبير تم افتتاح مصفاة إنتاج حامض السيباسك وهي من مشروعات الشراكة الناجحة بين القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وهو أول مشروع من نوعه يُقام في الشرق الأوسط لإنتاج حامض السيباسك الذي يُستخرج من (زيت الخَرْوَع)، ويدخل في العديد من الصناعات الكيماوية وصناعات البلاستيك والأدوية. ودخلت المصفاة حيز الإنتاج التجاري في عام 2019، وتعدّ أول مشروع صناعي في قطاع الصناعات الثقيلة يُشَغَّل في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وبلغ إنتاج الشركة خلال هذه المرحلة 12 ألف طن سنويًا. ويعدّ حامض السيباسك أبرز منتجات الشركة، إلّا أن هناك منتجات أخرى تنتجها المصفاة، كمادة الغلسرين التي تُستَخدَم في الصناعات الغذائية والطبية، ومادة الأوكتانول التي تُستخدم في الصناعات البلاستيكية. إلا أن حبوت الخروع تستورد من الهند وليس السلطنة.
أن أحد استخدامات المنتجات النباتية الطبيعية هي الأدوية. على سبيل المثال، كان الدواء الأول الذي وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء الامريكية (FDA)هو Veregen® الذي يستخدم لعلاج الثآليل التناسلية ومنطقة الشرج. هذا الدواء مشتق من الشاي الأخضر (Camellia sinensis Kuntz). دواء آخر تمت الموافقة عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج أعراض الإسهال المرتبط بفيروس نقص المناعة البشرية هو Fulyzaq ™، الذي تمت الموافقة عليه في عام 2013. هذا الدواء المستخرج من اللاتكس الدموي الأحمر لشجرة الكروتون من أمريكا الجنوبية (Croton lechlerii Müll. Arg). بشكل عام، يمكن تعريف الأدوية من المنتجات الطبيعية على أنها: جزيء بيولوجي، منتج طبيعي غير متغير، دواء نباتي (خليط محدد)، ومشتقات منتج طبيعي. وأوضح هذا التعريفات في مقال تم الاستشهاد به للغاية من (Newman and Cragg, 2020).
إيجاد المواد الخام للصناعات التي تعتمد على النباتات الطبية والعطرية بشكل مستقر ومستدام قد يتطلب زراعة الانواع النباتية الطبية والعطرية بدلا من حصادها من البر بشكل مباشر وذلك خوفا لتعرضها للاندثار من موائلها الطبيعية بسبب الاستغلال المفرط. ولتلبية هذا الطلب على المواد النباتية الخام للاستخدام المباشر أو الاستخدام الصناعي، تم تطوير التقنيات الزراعية للعديد من النباتات الطبية، والتقنيات الحيوية البديلة (التكاثر الدقيق، والإنتاج في مزارع الخلايا المزروعة والمفاعل الحيوي، ونقل الجينات / الجينات في النبات والميكروبات، ومحاولة تعديل مسارات التخليق الحيوي، وما إلى ذلك) ونظام الإنتاج الميكروبي. قد يؤدي فهم بيولوجية البذور والزهور، وتطوير التقنيات الزراعية وإدخالها في الموائل الجديدة إلى تحسين توافر المواد النباتية الطبية الخام المرتبطة بعملية المصب المحسّنة التي يمكن أن تؤثر على نسبة الانتاج العالية. وبالمثل، فإن استخدام طرق الكشف المتطورة، وطرق الفحص عالية الإنتاجية، وعلم الجينوم والبروتيوميات يمكن من خلالها سلط الضوء على الجينات المعنية في إنتاج المواد الفعالة أو المستقلبات العلاجية من النباتات، وأنواع الجزيئات الحيوية، والمصادر الجديدة للأدوية المعروفة. يمكن أن تساعد طرق التكنولوجيا الاحيائية (الاستنباط أصناف نباتية جديدة، استنساخ وإكثار السلالات المختارة، والتعديل بالجينات) بما في ذلك تحرير الجينات في تحسين نظام الإنتاج. ومن ثم فإن تدجين النباتات البرية الطبية جنبًا إلى جنب مع التقنيات الاحيائية الجديدة هو طلب للوقت الحالي لمواجهة التحدي المتمثل في توريد المواد الخام ذات الصفات المعيارية في الصناعة. راماوات وإرورا يستعرضان لهذه التقنيات في مراجعتهم العلمية المنشورة في عام 2021 (Ramawat and Arora, 2021).
التنوع الاحيائي والموارد الوراثية تعتبر من الموارد الطبيعية والتي قد تستغل بكفاءة وتستخدم بطرق مستدامة في دعم تنويع الاقتصاد. ويأتي دور الجامعات ومراكز البحوث في تتجير الابتكار والملكية الفكرية من مخرجات البحث العلمي في مجال النباتات الطبية، حيث من المعروف لدي الجميع بأن أغلب طبيعة مخرجات البحث العلمي غير تجارية لذلك فإن التتجير Commercialization هي الوسيلة التي تحولها إلى قيمة تجارية. فمفهوم Commercialization وترجمتها باللغة العربية (تتجير، توجرة، أتجرة) والذي يأتي بمعنى تحويل الشيء الغير تجاري إلى تجاري، هو أمر غير حاضر بوضوح ومنهجية واضحة في المؤسسات البحثية والأكاديمية في سلطنة عُمان. فمثلا أغلب المؤسسات الأكاديمية تُقييم بجودة مخرجاتها العلمية سواء كانت اعداد الخريجين أو منشورات علمية. ولكن هذه المؤسسات حاليا لا تأخذ من الملكية الفكرية والابتكار أحد عناصر تقييمها. فمثلا هي تحتاج ان يكون لديها ملف لبراءات الاختراع وتفعيل هذه البراءات وقدرتها على تحقيق عائد من خلال تتجيرها. وهناك الكثير من الدراسات والمراجع والتي تطرح أهمية البحث العلمي والتطوير للنباتات (Muhammad and Awaisu, 2008) (Sahoo and Manchikanti, 2013) (Astutik et al., 2019)  (Kurnaz and Kurnaz, 2021).
الاستثمار في براءات الاختراع والابتكارات هو قرار استراتيجي ولا بد أن يندرج مع الاستراتيجيات العامة للمؤسسات والدولة، حيث إن عدم القدرة على تتجير براءات الاختراع ناتجة عن الانفصال ما بين الباحثين والصناعة والمجتمع فلذلك يجب التركيز على انشاء براءات اختراع متسقة مع نمط الانتاج المطلوب من القطاع الصناعي سواء المحلي أو الدولي.
المؤسسات الاكاديمية والبحثية والتي لها مخرجات من بحوث النباتات الطبية يجب أن يكون معها وحدة التسويق والاستشارات. وهذه الوحدة بدورها ستحدد المشاريع المشتركة وفرص الاستثمار وتأمين الدعم لتطوير مخرجات البحث العلمي، وفي الوقت المناسب، تحقيق الدخل من منتجات أبحاث النباتات الطبية. وقد تكون مثل هذه الوحدات أو الأهداف ضمن مراكز نقل التكنولوجيا في بعض الجامعات الوطنية في سلطنة عُمان. تتجير مخرجات البحث العلمي له مردود في استدامة المراكز البحثية والمؤسسات التي تحتضنها في رفد الموارد المالية المناسبة لديمومتهم، بالإضافة الى مساهمتها في الاقتصاد الوطني. 
لتنسيق أنشطتها التجارية، على المراكز البحثية والأكاديمية أن تخطط لإنشاء شركات مرتبطة بها يتم من خلالها إدارة الدخل التجاري. سيتم استخدام الأرباح الناتجة عن مثل هذه الأنشطة لدعم أنشطة البحوث والتشغيل في تلك المراكز. وإجراء المناقشات مع الضامنين والشركاء لوضع آليات لاقتناء الملكية الفكرية وتسويقها لاحقًا؛ حيث تتعلق الملكية الفكرية بنتائج الأبحاث التي أنجزتها مخرجات البحث العلمي و / أو من خلال التمويل الخاص. وستضع المراكز البحثية والأكاديمية استراتيجية للتسويق والملكية الفكرية والتي تفي بمتطلباتها والضامنين وشركاء البحث والجهات الراعية. ومن المهم جدا أن يدخل القطاع الخاص سواء المحلي او الدولي في مجال البحوث على النباتات الطبية بحيث يكون من المستقبلين لنتائج البحث ومكمل لمشوار التطوير التجاري.  

التوصيات/الخاتمة
من المهم دعم البحوث العلمية للنباتات الطبية من أجل الاستخدام الأفضل للموارد الوراثية النباتية ولا سيما تلك التي توفر فرصًا واعدة للتنمية بسبب أهميتها المحلية والعالمية، وأيضًا إمكاناتها التجارية، والتي لم يتم تناولها بشكل كافٍ من قبل المجتمع العلمي المحلي سواء من خلال البحث، أو من خلال دعم حكومي و/أو خاص. ومن المهم جدا استمرار عمليات الحفظ للتنوع النباتي وبالذات الطبي سواء على مستوى الحفظ داخل مواقعها الطبيعية لوجود هذه النباتات و/أو حفظها خارج مواقعها الطبيعية. 

المراجع:
Al-Lawati A., Al-Saady N., Al-Khafaji H.C., Patzelt A., Phillips J., Maxted N., Al-Bulushi A., AL-Mabali D., Al-Naabi A., Al-Busaidi K. (2020) Socioeconomic Plants Conservation Strategy for the Sultanate of Oman Oman Animal & Plant Genetic Resources Center, Muscat, Oman.
Al-Mulla Y., Al-Ruheili A., Al-Lawati A., Parimi K., Ali A., Al-Sadi N., Al-Harrasi F. (2022) Assessment of Urban Expansion’s Impact on Changes in Vegetation Patterns in Dhofar, Oman, Using Remote Sensing and GIS Techniques. IEEE Access 10:86782-86792.
AL Lawati A.H., Al Saady N., Ghaloub H.A., Patzelt A., Phillips J., Maxted N., Al Balushi A.H., Al-Maqbali D., Al Naabi A.S., Al Busaidi K.A., Al Kharusi M., Al Shukaili M.S., Al Jabri A.A., Al Nabhani H.M. (2017) Socioeconomic Plants Conservation Strategy for the Sultanate of Oman. Oman Animal and Plant Genetic Resources Center, The Research Council, Muscat, Sultanate of Oman.
Astutik S., Pretzsch J., Ndzifon Kimengsi J. (2019) Asian medicinal plants’ production and utilization potentials: A review. Sustainability 11:5483.
Kurnaz M.L., Kurnaz I.A. (2021) Commercialization of medicinal bioeconomy resources and sustainability. Sustainable Chemistry and Pharmacy 22:100484.
MacLaren C.A. (2016) Climate change drives decline of Juniperus seravschanica in Oman. Journal of Arid Environments 128:91-100.
Maxted N., Hunter D., Ríos R.O. (2020) Plant genetic conservation Cambridge University Press.
Muhammad B.Y., Awaisu A. (2008) The need for enhancement of research, development, and commercialization of natural medicinal products in Nigeria: Lessons from the Malaysian experience. African Journal of Traditional, Complementary, and Alternative Medicines 5:120.
Newman D.J., Cragg G.M. (2020) Natural products as sources of new drugs over the nearly four decades from 01/1981 to 09/2019. Journal of natural products 83:770-803.
Pandey A., Savita R. (2017) Harvesting and post-harvest processing of medicinal plants: Problems and prospects. The Pharma Innovation Journal 6:229-235.
Ramawat K.G., Arora J. (2021) Medicinal plants domestication, cultivation, improvement, and alternative technologies for the production of high value therapeutics: an overview. Medicinal Plants:1-29.
Sahoo N., Manchikanti P. (2013) Herbal drug regulation and commercialization: an Indian industry perspective. The Journal of alternative and complementary medicine 19:957-963.
Tanko H., Carrier D.J., Duan L., Clausen E. (2005) Pre-and post-harvest processing of medicinal plants. Plant Genetic Resources 3:304-313.
Van Wyk A., Prinsloo G. (2018) Medicinal plant harvesting, sustainability and cultivation in South Africa. Biological Conservation 227:335-342.