إسهامات العمانيين في تعدين خامات الأرض

الباحث المراسلد. محمد بن هلال بن ناصر الكندي
م. المؤثر بن أحمد بن إبراهيم الكندي

تاريخ تسليم البحث :2024-01-15
تاريخ نشر البحث :2024-01-15
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك  |   تحميل المقال

المقدمة

تعتبر إسهامات العمانيين في مجال التعدين والعمليات المتعلقة به من استخراج واستغلال الخامات الأرضية الطبيعية من الجوانب الجديرة بالتوثيق والإبراز ضمن إسهاماتهم العديدة في العلوم الطبيعية المذكورة في هذه الندوة. 

تتمتع أرض سلطنة عمان بالتنوع الجيولوجي، الذي تنعكس تكويناته وأنواعه المتباينة على وفرة العديد من الموارد الأرضية الطبيعية المتمثلة في الخامات المعدنية والصخرية، والتي تمكن العمانيون من استخراجها واستغلالها أو تصديرها عبر العصور المختلفة ووفقا للتقنيات والصناعات السائدة في كل فترة زمنية من التاريخ منذ بدايات الاستيطان البشري في المنطقة وإلى تكوين المدن والقرى التي تأسست على شتى الأنشطة الحضارية والصناعات.

تناغم التصميم العمراني لتلك المدن و القرى مع التكوين الجيولوجي لها، مثلما تناغم نظام الحياة و الأعمال و الحرف مع الخامات الأرضية و الصخرية المتوفرة حولها فكانت بعض المواقع مراكز حضارية في الفترات التي كان بها نشاط تعديني حولها، بالإضافة إلى تأثير وفرة تلك الموارد على المستوى المعيشي على من كانوا يتعاملون معها عبر العصور، و كذلك كان لها تأثير على العلاقات الدولية لعمان مع الأقاليم الأخرى بفعل التصدير التجاري لتلك الموارد الأرضية و مشتقاتها و التبادل التجاري الناتج منه، كما أن لتلك العمليات أبعاد من التبادل الحضاري المتعلق بالاستفادة من التقنيات و الأساليب التي تم تبنّيها و استخدامها لتطوير فاعلية و كفاءة تلك العمليات و منتوجاتها.

 ومع تعذر الحصول على مؤلفات مستقلة من النتاج العماني في موضوع التعدين أو الأحجار أو الخامات الأرضية أو العمليات المتعلقة بهذا الصدد على غرار النتاج المستقل في علوم أخرى كالطب أو الفلك على سبيل المثال، تبقى أهمية استخلاص و توثيق معالم تلك الإسهامات و الجهود العملية لما يخص تعدين خامات الأرض، و هذا ما يهدف له هذا البحث من خلال جمع المواد التي تناولت جزئيات متفرقة عن التعدين القديم في عمان، و من خلال التوثيق الميداني للآثار و المعالم و القطع و المقتنيات الدالة على العمليات و الجهود التي تتعلق باستكشاف و استخراج و استخدام الخامات الأرضية في الأراضي العمانية المتباينة في طبيعتها الصخرية و الموارد المتنوعة المتوفرة فيها

الموضوع الأساسي للبحث هو إسهامات العمانيين في تعدين خامات الأرض، وفكرته هي جمع التعريف المتكامل لها، من خلال تناول الإسهامات العمانية العريقة في مجال التعدين والعمليات المصاحبة له والأساليب التي كانت تستخدم في عمليات الاستخراج والمواد التي كانت تستخرج والصناعات التي قامت عليها، مع ربط هذا الجانب بالخلفية الجيولوجية المعاصرة للتوزيع الجغرافي ومواقع الحصول على تلك الخامات الأرضية.

تكمن المشكلة البحثية في غياب المراجع المستقلة أو المتكاملة التي تعود للفترات التاريخية التي كانت تلك العمليات والإسهامات فعالة أثناءها في موضوع التعدين واستخراج الخامات الأرضية في عمان، ولهذا يهدف هذا البحث إلى جمع المعلومات عن مختلف الإسهامات المتعلقة بالتعدين والاستفادة من الخامات الأرضية وتوثيق بعض المواقع والشواهد والعمليات المرتبطة التي لم تغطَّ في البحوث المسبقة.

المنهج العلمي المتبع في هذا البحث هو المنهج الوصفي والمنهج التاريخي، حيث يكمن استخدام المنهج الوصفي في الوصف العلمي المدعوم بالخلفية الجيولوجية للمواقع التي تم استخراج الخامات الأرضية منها، والمنهج التاريخي في توصيف العمليات المتبعة من الاستكشاف إلى الاستخراج وإلى الاستغلال والتصدير، من خلال الوثائق والآثار الدالة على هذه العمليات وآليتها ومجرياتها.

 

تعدين النحاس 

مناجم الطباخات في ولاية نزوى نموذجا 

تتشكل المناجم في الطباخات في منطقة صدع ضمن تتابع البريدوتايت في طبقة الوشاح من صخور الأفيولايت، وقد تشكلت هذه الصخور في صفيحة محيطية في العصر الطباشيري أي قبل 90 مليون سنة على الأقل، قبل أن يتم دفعها في عُمان في نهاية هذا العصر. ومن المحتمل أن تكون مناطق التمعدن ذات الأصول الحرارية الصخرية تعود لفترة متأخرة أي بعد تاريخ اعتلاء الأفيولايت. وتحتوي الكهوف على العديد من معادن النحاس بما في ذلك الكالكوبايرايت والمالاكيت والأزوريت، وعلى الرغم من أن نسبة النحاس في مناطق الصدع هذه مرتفعة نسبيًا قد تكون الكمية قد تناقصت لاستمرار التعدين، وهو ما قد يفسر سبب التخلي عن المناجم في هذه المنطقة في النهاية. 

وتمثل المناجم في الطباخات أمثلة على مناجم نحاس قديمة كبيرة نسبيًا تحت الأرض داخل سلاسل أفيولايت سمائل على امتداد جبال الحجر الغربية، ويبلغ طول بعض هذه المناجم عشرات الأمتار وعمقها عدة أمتار، وهي توفر فرصة لفهم توزيع العروق النحاسية داخل مناطق الصدع المعدني في الغلاف والقشرة.

واسم الطباخات هو جمع كلمة الطباخة، وهي تعني في اللغة العربية مصهرًا أو ما يطبخ عليه أو مكانًا ساخنًا. ويوجد ما لا يقل عن خمسة كهوف تعدين في الطباخات، اثنان منها كبيران جدًا وقد صنعهما الإنسان بأكملها، والثالث يتبع منطقة الصدع الخطي، حيث توسع كهفٌ طبيعي فيما يبدو.

لقد زار أعضاء الفريق العُماني لاستكشاف الكهوف المناجم واستكشفوها في مارس 2019، وبسبب عدم وجود أسماء لكل كهف أو منجم على حدة فقد حدد الفريق ثلاثة مناجم، الأول أطلق عليه منجم الأفعى، والذي سمي على الثعبانين الحيين السامين اللذين عُثر عليهما عند المدخل. ويبلغ عمق هذا الكهف عدة أمتار كما هو موضح في الخريطة ثلاثية الأبعاد. أما المنجم فأسماه الفريق منجم الفخار، وقد عَثر الفريق على قطع فخارية يرجح أنها تعود إلى العصر الإسلامي المبكر، وتعرض هذه القطع الآن في متحف قلعة نزوى. ويبلغ طول النفق الرئيس لمنجم الفخار نحو 25 مترًا مع بعض الجوانب التي تمتد لعدة أمتار. أما الثالث فهو منجم الصدع، لوجود صدع طبيعي كبير يميزه عن غيره من الكهوف الثلاثة، ومن الممكن أن يمنح كهف الصدع وصولاً سهلاً نوعا ما إلى خام النحاس نظرًا لتكونه على طول منطقة القص الخطي مع تمعدن النحاس.

رُسمت خرائط المناجم باستخدام الماسحات الضوئية ثلاثية الأبعاد للمساعدة في فهم الهندسة والأدوات المستخدمة في حفر الأنفاق. كما جُمعت عينات تمثيلية من مناطق القص الممعدنة وتمت مقارنتها بتركيز النحاس والمعادن الأخرى من ترسبات مشابهة لهذه المعادن في عُمان. وعمومًا فإنه وعلى الرغم من أن نسبة النحاس في المناطق المعدنية في كهوف الطباخات تحديدا كانت مرتفعة نسبيًا إلا أنه من المحتمل أن عمال المناجم القدامى اختاروا التخلي عن الأنفاق المحفورة بسبب التقسيم المعقد لمناطق الصدع الذي عملوا على تتبعه لاسيما ضمن تتابع البريدوتايت. وتحتوي بعض العروق النحاسية في كهوف الطباخات على نسب عالية نسبيًا من الذهب، إلا إن كميات الذهب الضئيلة لن تجعل استخراجها ممكنا تجاريًا، ومن الممكن أن يكون عمال المناجم القدامى قد استغلوا أيضًا الذهب من هذه المنطقة.

يقع موقع صهر خام النحاس وربما الذهب المستخرج من مناجم الطباخات على بعد مئات الأمتار من موقع التعدين، ولم يتم العثور على مواقع صهر أخرى كبيرة في المنطقة. وليس من الواضح سبب اختيار الناس لصهر المواد بعيدًا عن المناجم، ولكن ربما كان ذلك بسبب وفرة الأشجار والمياه في تلك المنطقة، أو ربما بسبب وجود موقع تعدين آخر، حيث وضعوا منطقة الصهر بينهما.

مع تعذر الحصول على أدلة على الآليات المحددة للاستكشاف المبدئي لخامات النحاس في بدايات العصور التي قامت فيها تلك الأنشطة، لا زال يتضح من هذا الموقع أن عمليات الاستكشاف المبدئي للخامات الفلزية والتعرف على الخامات المستهدفة للتعدين بذلت فيها جهود شاقة وعظيمة، لا سيما أن الكثير من تلك المواقع في أماكن نائية عن المراكز المدنية والحضارية من المدن والقرى أو حتى عن الطرق الطبيعية التي كانت تصل بينها. وعند النظر إلى تشكيلة واتجاه الأنفاق يبدو أن الاستكشاف بدأ من السطح من الامتدادات العلوية للعروق المحتوية على الخامات البارزة والمميزة بلونها، من خلال بعض الخنادق السطحية المشقوقة على تلك الصدوع المعدنية في مواضع أعلى الأنفاق، ويليه عمليات الحفر التي تتبع زوايا وانحدار الامتداد الرأسي و الأفقي للشقوق المحتوية على الخامات. من بعد عمليات الحفر والاستخراج تأتي عمليات الصهر والتصفية للخامات المتكونة من الكالكوبايرايت (كبريتات النحاس) أو من كربونات النحاس إلى الخلاصة التي تتكون غالبا من فلز النحاس الذي يترسب أسفل الصهارة نظرا للكثافة العالية مقارنة بالمعادن والشوائب الأخرى التي يتم التخلص منها، ويليها نقل المعادن الناتجة إلى المدن المجاورة إما للاستخدام المحلي أو التصدير الخارجي. يظهر من خلال مقارنة مواقع التعدين أنه مع تطور الوسائل عبر العصور نتج تطور في زيادة كفاءة عمليات الاستخلاص وزيادة نسبة النجاح في نسبة النحاس المستخرج من الخامات.

 

 

 

شكل: مقطع عرضي ومنظر ثلاثي الأبعاد لمنجم "الفخار" في مناجم الطباخات (من كتاب الدليل إلى كهوف عمان، الكندي وآخرون، 2022). 

 

   

شكل: الصورة على اليمين: منطقة ممعدنة بها نحاس في منجم "الأفعى" في الطباخات (تصوير نبيل الصقري، الفريق العماني لاستكشاف الكهوف)، عينة من هذه المنطقة كانت تحتوي على 8.5% نحاس، وعلى اليسار: منطقة ممعدنة بها نحاس في منجم "الفخار". والعينة التي فحصناها من هذه المنطقة كانت تحتوي على 6.7% من النحاس. 

 

 

شكل: قطع من مخلفات صهر النحاس (خبث النحاس) في موقع الصهر لخام النحاس، ويوجد في الموقع قطعا للفخار هذا بالإضافة لصخور الصوان التي جُلبت فيما يبدو من مواقع بعيدة. 

 

 

شكل: قطعة من الفخار في أحد المناجم بالطباخات. 

تعدين ذرق الطيور 

كهف الكدن في مسفاة العبريين بولاية الحمراء نموذجا 

توجد العديد من الكهوف التي استخدمت لتعدين ذرق الطيور في عمان، كون أن هذه المادة استخدمت كمخصبة للتربة هذا فضلا عن استخدامها في صناعة البارود، ويطلق على هذه الكهوف "الكدن" أو "الكتن" في جبال الحجر الغربي، و"الكعدي" في جبال حجر الشرقي، ونحن هنا نقدم نموذجا لأحد هذه الكهوف.  

يقع كهف الكدن في مسفاة العبريين بولاية الحمراء داخل طبقات الصخور الكربونية الطباشيرية العليا عند نقطة التلامس بين الحجر الجيري الموحل (الطيني) وطبقات الكربونات السميكة النقية. يتميز هذا الجزء من المسفاة بالعديد من الصدوع التي تساعد في تغلغل المياه وذوبان طبقات الكربونات وتكون الكهوف، وتحتوي المنحدرات المحيطة على كهوف مختلفة الأحجام، ويقع العديد من هذه الكهوف في وسط جروف عمودية وتظل بذلك غير مكتشفة. غير أن العديد من الكهوف التي يمكن الوصول إليها بما في ذلك تلك التي يكون دخولها صعبا قد دخلها السكان المحليون في الماضي القريب، وغايتهم الأولى من ذلك البحث عن الماء.

تعني كلمة كدن في اللهجة المحلية فضلات الطيور، وهذا ما يشتهر به الكهف محليا. وقد قام السكان المحليون باستخراج طبقات الكدن منه منذ العصور القديمة إذ تعتبر هذه الفضلات سمادا فعالا للغاية بسبب تركيز الفوسفات العالي فيها، لذلك اعتبر أهلُ القرية الكدنَ أفضل من أي نوع سماد آخر، وتوجد في بعض المواضع آثارٌ لحفر تعدين قديمة يصل عمق بعضها لعدة أمتار تحت مستوى الأرض، وحتى وقت قريب كان سكان المسفاة يضيئون الكهف بسعف النخيل أو الأغصان المشتعلة لجمع فضلات الطيور في أكياس. أما اليوم فيستخدمون المشاعل في جمع فضلات الطيور التي لا تزال تستخدم في تسميد المناطق الزراعية المحيطة.

الطبقات المترسبة من الكدن والطين تشير إلى تعاقب مواسم ومناخات ممطرة وجافة على الكهف. وتحتوي الطبقات على العديد من الأحافير - المحفوظة في تربتها غير الهوائية نسبيا

لحيوانات الكهوف والحشرات التي عاشت داخل الكهف منذ آلاف السنين، وقد عثر الفريق العُماني لاستكشاف الكهوف عند عمليات استكشاف للكهف (الكندي وآخرون، 2022) على حفريات لعظام وفكوك وجماجم لخفافيش وقوارض أخرى بعضها ينتمي إلى أنواع منقرضة لم تكن معروفة سابقا أنها عاشت في المنطقة أو في أي مكان آخر في عُمان. وبالرغم من عدم مشاهدة الفريق لأي ثعابين داخل الكهف فقد عثروا كذلك على ما يسلخه الثعبان من جلده.

تستحق رواسب الكهوف والتربة والأحافير المحفوظة في كهف الكدن مزيدا من الدراسة والتقصي لاكتشاف المزيد عن الكائنات السابقة التي استوطنته. ومن المثير للاهتمام أن مدخل الكهف كان يستخدم أيضا كمكان محمي للتخلص من النسخ القديمة من القرآن الكريم، ولا يحبذ الناس التخلص من هذه النسخ في أي مكان، ويفضلون الاحتفاظ بها داخل الكهف لتتحلل بشكل طبيعي على مدى فترات طويلة من الزمن.

يمنح كهف الكدن تجربة رائعة في استكشاف الكهوف والتجول على الأقدام. وتمنح مسارات المشي إلى الكهف إطلالات ساحرة على قرية مسفاة العبريين، وهي واحدة من أجمل القرى القديمة في المنطقة وفي عُمان. ويتطلب استكشاف الكهف نزولا وصعودا على منحدرات رأسية، ولكنها قصيرة، مما يجعله سهل الاستكشاف ولا يتطلب قدرا كبيرا من المهارة المطلوبة.

مدخل الكهف عبارة عن فتحة كبيرة نسبيا تؤدي إلى ممر ضيق مرتفع على الجانب الأيمن. في نهاية هذا الممر يوجد نزول بعمق 7 أمتار إلى بداية الجزء المظلم من الكهف. اعتاد السكان المحليون على تسلق هذا المنحدر دون استخدام الحبال، لكن يعد ذلك غير آمن وينبغي القيام به باستخدام الحبال أو سلالم الكهوف. يبلغ طول كهف الكدن 600 متر في مسار يتجه من الشمال إلى الجنوب. وبربط ذلك مع صور الأقمار الصناعية نستنتج أن الكهف ربما يستمر حتى أسفل أو يصل ليقارب موقع قرية مسفاة العبريين القديمة. الكهف شبه مستقيم بممرين متوازيين طول كل منهما 200 م ويربط بينهما ممر ضيق. وينحرف الكهف في نهايته في مسار عمودي يزيد طوله عن 100 م. من الممكن أن الفرعين الطويلين للكهف يتبعان صدوعا أرضية متوازية أو شبه متوازية على غرار الصدوع التي تظهر على السطح في هذه المنطقة. تستوطن الخفافيش معظم أنحاء الكهف وبكثافة أعلى في تجويفه الأخير. وفي الأماكن التي جعلت منها الخفافيش مكانا معتادا للتبول تتشكل رواسبُ بطول بضع سنتيمترات من البول المتصلب تعرف عادة باسم النقاط اللزجة.

 

شكل: مقطع عرضي ومنظر ثلاثي الأبعاد لكهف الكدن بمسفاة العبريين (من كتاب الدليل إلى كهوف عمان، الكندي وآخرون، 2022).   

 

 

شكل: على اليمين: الممر الرئيس لكهف الكدن في مسفاة العبريين. وعلى اليسار: مدخل الكهف. 

 

 

شكل: على اليمين: حفرُ مناجم ذرق الطيور على طول الممر الرئيس لكهف الكدن. وعلى اليسار: طبقات سميكة من الرواسب وفضلات الطيور مع أنواع مختلفة من الأحافير؛ لاحظ جمجمة الخفاش المتحجرة.

 

تعدين الملح الطبيعي 

كهف قارة الكبريت بولاية أدم نموذجا 

في منطقة وسط عُمان تُشكل ستة قباب ملحية نافذة معالم بارزة على سهل صحراوي منبسط. تتكون هذه القباب في الغالب من صخور تعود إلى الحد الفاصل بين حقب الحياة السحيقة وحقب الحياة القديمة قبل نحو 542 مليون سنة. تشكلت القباب نتيجة لتدفق الملح من عمق نحو أربع إلى خمس كيلومترات، مما دفع الطبقات الصخرية العلوية إلى السطح لتشكل قباب ملحية دائرية. بالإضافة إلى طبقات الملح القديمة جدًا التي عُثر عليها واستخرجت عبر التاريخ، تحتوي القباب على صخور دُفعت إلى السطح من أعماق الأرض وهو ما يمثل أهمية كبيرة لصناعة النفط. عادة ما تظل هذه الصخور عميقة جدًا في باطن الأرض في المنطقة الغنية بالهيدروكربونات في عُمان، ولكن هنا يمكن تحليلها ودراستها على السطح. وعليه فإنها توفر نظائر مهمة لصخور مصدر النفط والخزانات الموجودة في أعماق الأرض.

وتعتبر قارة الكبريت مصدراً طبيعيا عالي الجودة للهالايت الطبيعي (ملح الطعام)، وتُعرف الصخور التي تتكون أساسًا من الهالايت الطبيعي باسم الملح الصخري” وهو الشكل الطبيعي لكلوريد الصوديوم. وتحتوي المنطقة المحيطة بالقبة أيضًا على مصنوعات بشرية بما في ذلك أدوات الصوان المستخرجة من العُقيدات الصوانية داخل صخور الكربونات. وتعود هذه الأدوات إلى عصر الهولوسين المبكر / الأوسط أو العصر الحجري الحديث قبل 7000 عام (روز وآخرون. 2011). وربما كانت المنطقة المحيطة بالقبة مكانًا مثاليًا للصيد خلال عصر الهولوسين المثالي للمناخ، حيث تقع وسط نظام تصريف المياه، وربما كانت هذه المنطقة في ذلك الوقت غنية بالحياة في النظام المناخي شبه الرطب.

ويوجد ضمن قبة الملح الصخري في قارة الكبريت كهف متكون بفعل التذويب المائي للأملاح، وتوجد داخل هذا الكهف تجويفات وأنفاق صناعية تدل على نشاط قديم لتعدين واستخراج الملح الصخري من هذا المكان. يذكر أن الملح المستخرج من هذا الموقع يسمى محليا ـ"الملح العريشي"، حيث كان يستخرج ثم يصدر ويتاجر به ليستخدم في الغذاء أو كجزء من الوصفات العلاجية وشتى الاستخدامات، ويذكر بعض من كانوا يعملون على هذه المهنة عن عدة تحديات من ضمنها بعد المسافات إلى المواقع وندرة الغذاء والمياه العذبة حولها، وأيضا توجد مخاطر عديدة في مغارات استخراج الملح نظرا لهشاشته، وعليه قابليته للانهيار والذوبان المائي. ومن ضمن التكوينات المصاحبة للملح الصخري المرتفع للسطح توجد أيضا ترسبات من الطمي الغني بالمواد العضوية مما يعطي ترسبات كبريتية أطلقت منها تسمية المكان، وكانت تستخرج الخامات الغنية بالكبريتات من نفس المحجر، والتي كانت لها استخداماتها أيضا في البارود وبعض العلاجات قديما، وقد تشكل هذه الخامات خطورة خصوصا داخل تجويفات المحجر نظرا لانبعاث الغازات الكبريتية منها.

تصل أعماق مناجم الملح القديمة في قارة الكبريت ومناجم أخرى بقباب الملح في وسط عُمان إلى عدة أمتار. وتعرض المناجم طبقات ملونة بشكل جميل من الرواسب التبخيرية (ناتجة عن تبخر الماء) مع أنواع مختلفة من تصدعات الصخور. وحتى وقت قريب نسبيًا كانت مناجم الملح القديمة هذه موضع اهتمام مستمر. وكان يمكن استخدام الملح بشكل أساسي كغذاء للقبائل المحلية وحيواناتهم. وتُظهر الصور التي التقطها جورج لورانس في قرن سحمة في الخمسينات من القرن الماضي عاملاً قَبَلِيًّا ينقب عن رواسب ملح قديمة لهذا الغرض. وتظهر صور أرشيفية قديمة أخرى بيع قطع الملح في السوق الرئيس بولاية عبري التي تبعد أكثر من 200 كيلومتر عن قارة الكبريت و300 كيلومتر عن قرن سحمة. كما تكشف عمليات التعدين داخل كهوف الملح والتقنيات المستخدمة لتقطيع الملح إلى كتل منتظمة مدى مهارة عمال المناجم.

 

 

شكل: خرائط ومقاطع عرضية لأحد مناجم الملح في قارة الكبريت. (من كتاب الدليل إلى كهوف عمان، الكندي وآخرون، 2022).   

 

 

شكل: منظر من الداخل لأحد مناجم الملح في قارة الكبريت (الكندي وآخرون، 2022).   

 

شكل: رجل قبيلة يقوم بحزم مكعبات الملح المستخرجة على الإبل في جبل سحمة لنقلها إلى الأسواق المحلية ولاسيما في نزوى وعبري في الشمال. وقد ظلت مناجم الملح القديمة داخل قباب الملح في وسط عُمان تستخدم باستمرار حتى الآونة الأخيرة. تصوير: جورج لورانس (الخمسينات من القرن الماضي). 

 

 

شكل: مكعبات الملح المستخرجة (أسفل اليسار) تباع في سوق عبري. الصورة عن طريق ناصر الجساسي.

 

الصلصال الطبيعي 

يعتبر الصلصال الطبيعي من المكونات الضرورية للبناء والصناعات في المدن العمانية، لتوفره ضمن الخامات الرسوبية والمتحولة ولدخوله ضمن وصفات مواد مثل الفخار والصاروج وما سواها من مواد مستخدمة باعتياد قديما.

صناعة الفخار ببهلاء نموذجا:

 في صناعة الفخار المعروفة التي ما زالت تزاول ضمن إرث الصناعات في المدن العمانية، كانت المواد الخام مستخرجة من مواضع قريبة نسبيا من مدينة بهلا التي كانت مركزا حيويا لهذه الصناعة، حيث انها تحتوي على نوعين رئيسيين من الصلصال الخام:

-المدر: نوع من الصلصال الرسوبي يستخرج من الطمي الموجود بنفس واحة بهلاء والمناطق المجاورة، يمتاز باللون الحليبي الفاتح والقابلية للتشكل عند الخلط مع الماء، ويتكون عادة في السهل الفيضي لواحة بهلاء من رسوبيات الأودية أو من أنواع الصلصال الناتج من تفاعلات التجوية الكيميائية لتلال الأوفيولايت المجاورة.

-الصربوخ: نوع من الصلصال الأحمر الذي يستخرج من الطبقات الرسوبية والمتحولة، والتي توجد عادة ضمن الجبال الزاحفة المحاذية لجبال الحجر، حيث كان يستخرج من مواضع على سفوح جبال الحوراء عند عقبة المصلة بين نزوى والحمراء أو عند وادي غول بسفح جبل شمس ومواضع شبيهة على قرابة من نفس المجموعة الصخرية.

ويتميز هذين النوعين من الصلصال بالدقة والقابلية على التشكل المائي، وعند تحضيرها لصناعة الفخار كانت تطحن ثم تخلط مع الماء لينتج منه الصلصال بنسب متفاوتة، حيث ان زيادة نسبة أحد النوعين يظهر تأثيره في اللون الإجمالي للفخار الناتج من الصناعة.

 

شكل: عينات من أنواع الصلصال المحلي -الصربوخ يمين الصورة والمدر يسار الصورة.

 

أحجار البناء

ينعكس التنوع الجيولوجي المجاور للمدن والقرى العمانية على أنماط البناء والمكونات المعمارية بالمساكن والمباني والمنشآت العامة فيها قديما، إذ إن وفرة نوع معين من الأحجار وصلابته وقابليته للاصطفاف لها دور في المباني الناتجة لتهيئة أساساتها أو حتى كمكون أساسي بإنشاء المبنى بأكمله وطوابقه المتعددة في بعض المواقع، خصوصا في القرى الجبلية التي يصعب فيها البناء بالطين فنجد الأحجار هي المكون الأساسي. 

الحجر الجيري الطبقي بإمطي وبركة الموز نموذجا:

يوجد في قرى إمطي بولاية إزكي وبركة الموز بولاية نزوى حارات تعتبر من النماذج الملفتة لاستغلال الخامات الحجرية المجاورة للمكان. تقع هذه القرى على واحات عند سفوح الجبل الأخضر، تشترك في النمط المدني العام لوجود الحارات ملاصقة لسفح الجبل المكون من الطبقات الرسوبية المتحولة (تكوينات سدر وجويزة)، ويليها منخفضات مستغلة زراعيا في السهول الموجودة أدنى تلك الحارات السكنية. 

     

شكل: آثار حصن بإمطي بولاية إزكي، مبني من أحجار مسطحة من نفس سفح الجبل. 

 

من أهم مكونات البناء في هذه القرى الأحجار المسطحة، إذ إن خاماتها تتوفر بشكل جاهز يستخرج من السفوح الجبلية المتكونة من الطبقات الرسوبية ذات القوام الصلب و السمك المتوسط، و هذه الخصائص تجعل تلك الأحجار قابلة للاصطفاف بشكل منظم و مستدام لأساسات تلك البيوت و أحيانا للطابق بأكمله في بعض تلك المباني، كما أن الهيئة المستطيلة تجعلها لا تحتاج إلى جهود كثيرة مبذولة في نقل تلك الخامات أو تقطيعها للبناء مقارنة بنوعيات أخرى، مثل الحجر الجيري أو الرخامي الكثيف المستخدم لأساسات المباني أو الحجارة المستديرة من بطون الأودية و التي يصعب اصطفافها.

     

شكل: بوابة مبنية من الحجارة المسطحة في إمطي، بالقرب من مبنى له أساسات من نفس الحجر.

 

 

شكل: مبنى مشيد بالحجر في مرتفعات وادي كمة بالجبل الأخضر. 

 

 

الحجر الصابوني

يعرف الحجر الصابوني أو الحجر الأملس بأنه مجموعة من أحجار بها معادن مثل الكلورايت والستيتايت والسربنتين، تكونت بفعل تعرض أحجار بركانية من منظومة الأوفيولايت أبرزها الجابرو والهارزبرجايت للتحولات الكيميائية والحرارية. ولكونه قابلا للنحت دون تكسر مع كونه قليل المسامية ويقاوم الحرارة والتغيرات الكيميائية فإنه مؤهل للاستخدام قديما في بعض المستلزمات المنزلية فيما كان يتعارف عليه بحجر الرباب.

ومن آثار استخدامات الحجر الصابوني توجد بعض المقتنيات المنحوتة من نفس الحجر في بعض المواقع التي تعود للعصر البرونزي والعصر الحديدي، كما تم العثور على أختام دائرية نصف كروية منحوتة من الحجر الصابوني نظرا لقابليته على نحت تفاصيل مكتوبة على سطح الختم من القوالب الحجرية التي استخدمت عند شخصيات ومؤسسات رفيعة المستوى، ويعود استخدامها للألفية الثانية قبل الميلاد في حضارة مجان وبعض الحضارات المجاورة آنذاك.

 

شكل: نموذج لختم منحوت من الحجر الصابوني (David-Cuny et al, 2016)

 

تعدين صخور الصوان

الملاجئ الصخرية ومناطق تعدين صخر الصوان بولاية ثمريت نموذجا 

تحتوي العديد من المواقع الموجودة في السهول الصحراوية في جنوب ووسط عُمان على قطع أثرية من الصوان تعود إلى العصرين الحجريين القديم والحديث. ويبلغ عمر بعضها أكثر من 100 ألف عام (روز وآخرون، 2011)، وتوجد أدوات من صخور الصوان (ما يعرف بأدوات الصوان النوبي) في المنطقة المحيطة بقرية مضي بولاية ثمرين. وخلال هذه الفترة وخاصة خلال فترات هطول الأمطار وفرت ضفاف الأنهار في هذه المنطقة أماكن مثالية للعيش. وما يشبه الصحراء اليوم كان في الماضي مشهدًا طبيعيًا من المراعي مع وفرة من الحياة البرية والصيد (الكندي، 2018) عُثر على الأدوات الحجرية والرواسب القديمة للأنهار والبحيرات في منطقة تمتد على الأقل إلى بداية الربع الخالي على الحد الغربي لولاية ثمريت. وقد عُثر على بعض الأدوات ورواسب المياه العذبة بالقرب من الكهوف الصغيرة مما يشير إلى أنها كانت تستخدم على الأرجح كملاجئ. وتعتبر هذه المنطقة جذابة لعلماء الآثار والجيولوجيين على حدٍ سواء وهي تحتوي على العديد من المواقع التي يمكن أن تزيد من الاكتشافات.

الملاجئ الصخرية الموجودة بولاية ثمريت هي إحدى الأمثلة على العديد من الأماكن التي كانت تستخدم على الأرجح للمستوطنات خلال العصر الحجري القديم وكان الأولون يقومون بتعدين النحاس في محيطها. ويبلغ ارتفاع أحد هذه الملاجئ نحو مترين وعرضه 4 أمتار وطوله 30 متراً، ويقع فوق عين جافة حاليا، حيث لا تزال بعض الأشجار تنمو. وعُثر هنا على عدد كبير ومتنوع من الأدوات الحجرية تعود للعصر الحجري القديم. وتشكل الكهف داخل طبقات الكربونات العقدية المسامية المبكرة (تكوين أم الرضومة الأيوسيني)، في حين أن الرواسب الدقيقة للحبيبات أو الطين التي تشكلت على

طول مجرى المياه هي على الأرجح من العصر البليستوسيني. ومن المحتمل أن تكون مصاطب الطين والطمي قد ترسبت على ضفاف مجرى متدفق خلال العصور الغزيرة عندما كانت المياه تتدفق باستمرار في الوادي الرئيس وروافده. ويبلغ سمك رواسب المياه العذبة بضعة أمتار في بعض الأماكن وتحتوي على أدوات صوان مختلفة. وعليه يمكن تحديد تاريخ ترسب هذه الرواسب ومنها معرفة صناعة أدوات الصوان التي تحتويها.

 

 

شكل: أمثلة لأدوات من العصر الحجري القديم وجدت في المنطقة المحيطة بالملاجئ الصخرية في ثمريت.

 

تعدين اللاصف بولاية العامرات 

تعد كهوف اللاصف بولاية العامرات من نماذج المحاجر المصطنعة لاستخراج مادة الإثمد المتعارف عليها محليا بتسمية اللاصف، وفي اللغة العربية كلمة "اللاصف" تعني اللمعان، ويبدو أنه كهف اللاصف بولاية العامرات أخذ اسمه من المظهر اللامع للطلاء الرمادي والأخضر الناتج من الأحجار الغرينية والأحجار الرملية الصلصالية والميكائية. وقد استخدِم هذا الطلاء لإعطاء الأواني الفخارية طبقة واقية من الداخل والخارج مما يساعد في الحفاظ على الطعام المخزن بالداخل وإضفاء مظهر لامع على الجرار. كما عُثر أيضًا على آثار من معادن النحاس التي تتشكل في مناطق الصدوع في نفس الموقع، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت هذه المعادن قد تم تعدينها أم لا.

تقع كهوف اللاصف على مرتفعات مطلة على روافد وادي عدي، وهي مجموعة من حفر تستهدف الترسبات المعدنية لأكاسيد الإثمد (المعروف بمعدن الأنتيموني)، وتشكلت كهوف اللاصف داخل حجر الكوارتز الرملي الأخضر الرمادي لتكوين عمدة التي ترسبت خلال العصر الأوردوفيشي منذ أكثر من 450 مليون سنة. ويعد حجر الكوارتز من أصلب أنواع الصخور وأصعبها للحفر والتعدين، وتطور الكهف على طول منطقة الصدع التي تتجه تقريبا باتجاه شمال-جنوب، ومجموعات أخرى من الصدوع الصغيرة والتشققات الموجهة في اتجاهات مختلفة. ليس من الواضح ما إذا كان الكهف قد تطور بشكل طبيعي أو ما إذا كان ناتجاً عن التعدين، مثل العديد من تجاويف التعدين الأخرى في المنطقة. من المحتمل أنه تشكل كتجويف صغير ثم توسع بفعل أنشطة التعدين. يبلغ طول الممر الرئيس لكهف اللاصف 100 متر على الأقل، وقد فُتحت أنفاق ضيقة أسفل الممر الرئيس بواسطة عمال المناجم.

تم التنقيب في كهف اللاصف منذ العصور القديمة من أجل الطين ومعادن الميكا الموجودة في الحجر الطري الغريني الدقيق والحجر الرملي على التوالي. ووفقًا للسكان المحليين كان التعدين نشطًا حتى أوائل السبعينات. كما يشير وجودُ عدد قليل من المستوطنات القديمة في الوادي إلى أن الناس ربما قاموا جزئيًا بمعالجة الخامات المجمعة محليًا، وربما نُقل بعد ذلك معظم الخام إلى نزوى وبهلاء ومطرح ومدن رئيسة أخرى. 

 

 

شكل: خرائط ومقاطع عرضية لأحد مناجم الملح في قارة الكبريت. (من كتاب الدليل إلى كهوف عمان، الكندي وآخرون، 2022).   

 

 

شكل: إلى اليمين: منظر لمدخل كهف اللاصف من داخل الممر الرئيس. وعلى اليسار: مدخل الكهف. 

 

 

شكل: إلى اليمين: جرار فخارية من القرن التاسع عشر مطلية باللاصف (اسم الطلاء) لحماية الطعام المخزن بداخلها وإضفاء مظهر لامع عليها. هذه الجرار من مجموعة خاصة لجمال بن محمد بن سليمان الكندي.

 

كهف الموميان نموذجا

يقع كهف موميان في جبال الحجر الشرقي (وادي الميح) في صخور كربونية ضخمة. يتكون الكهف من غرفتين صغيرتين تمتد كل منهما من 15 إلى 20 مترًا. يحتوي الكهف على مدخل كبير يبلغ عرضه حوالي 10 أمتار وارتفاعه حوالي 5 أمتار. يشتهر الكهف بتعدين مادة سوداء تُعرف محليًا باسم موميان. الاسم الأكثر شهرة للمادة هو شيلاجيت (أو موميجو). الشيلاجيت مادة لزجة تحدث بشكل طبيعي، وهي عالية اللزوجة. يُعتقد أن هذه المادة عبارة عن مزيج من الجزيئات العضوية، مع أحماض الهيوميك والفولفيك الغنية بالعناصر الغذائية. وهي ناتجة عن تحلل عضوي أحفوري يستغرق مئات السنين مصحوب بمعادن من الخامات الصخرية في المنطقة. وهذه المادة معروفة جيدًا من سلاسل جبال الهيمالايا وأجزاء أخرى من الكرة الأرضية. يتضح تعدين شيلاجيت من الكهف في الكهف خاصة في نهاية الغرفة الصغيرة المرتفعة، حيث يرشح موميان من الكسور الصخرية. لطالما اعتقد الناس أنه يمكن استخدام هذه المادة للوقاية من أمراض معينة، مثل الاضطرابات المعرفية المرتبطة بالشيخوخة، وإصابات العظام. وتوجد في منطقة الكهف منظومة معقدة من الصدوع والطيات الصخرية نظرا لشدة عمليات التحول من جراء الضغط والحرارة التي تعرضت لها، ويبدو أن لبعض تلك الصدوع دور في الجريان البطيء للمادة من صخور مصدرية ذات مركبات من معادن ومواد عضوية لها دورها في تكون المادة. 

 

 

شكل: مدخل كهف الموميان في وادي الميح.

 

      

شكل: نموذج من مادة الموميان أو الشيلاجيت.

 

 

جوانب حضارية وتعليمية

تشير العديد من النصوص التاريخية والاستكشافات الأثرية إلى أن العديد من الموارد المعدنية والأرضية المذكورة في البحث مع آليات الاستكشاف والاستخراج والمواد والمصنوعات الثانوية الناتجة منه لها دور تاريخي في التبادل الحضاري والتجاري مع الحضارات المجاورة.

من أبرز التبادلات التجارية التي دارت حول المنتجات المعدنية كانت بين حضارة مجان وحضارات مجاورة مثل حضارة دلمون بالبحرين أو الحضارة السومرية في بلاد الرافدين، خصوصا لكون تلك الدول تقع أغلب مساحاتها على تكوينات رسوبية تفتقر إلى الخامات المعدنية الحاصلة على سلسلة جبال الحجر، مثل وقوع دلمون على الجزر والسواحل الجيرية، وحضارات بلاد الرافدين على السهول الفيضية.

تعود أقدم الأدلة على التبادل التجاري لاستخدام النحاس إلى الألفية الخامسة والرابعة قبل الميلاد إبان تطور الأدوات وتزايد الحاجة إلى المكون الذي تدخل فيه الصناعات المعدنية، ومن أقدم المواقع المحتوية على القطع النحاسية موقع رأس الحمراء حيث تم العثور على قطع حادة مصنعة من النحاس مثل السكاكين والصنارات وقطع غير مكتملة تدل على جريان عمليات التصنيع في نفس المواقع، تعود لنهايات الألفية الرابعة قبل الميلاد. 

تكمن فرص الاستغلال التعليمي والسياحي في قابلية تأهيل بعض مواقع المحاجر الأثرية والمعالم المرتبطة بها، حيث توجد مواقع بحالة جيدة وجديرة بالتأهيل وإضافة اللوائح التعليمية والتثقيفية، أو إيجاد فرص توظيف القائمين بخدمات مثل الإرشاد والشرح حول تلك المواقع، لتشكل متاحف ميدانية ضمن الوجهات السياحية للزوار والبحثية للطلاب والمهتمين بمجالات الجيولوجيا والآثار والتاريخ.

 

المصادر:

  • الدليل إلى كهوف عمان، محمد الكندي، ناصر الريامي، نبيل الصقري، سيمون كاهيل، نبيل الزكواني، الجمعية الجيولوجية العمانية، 2022.
  • قصة الأرض والحياة في عمان، محمد الكندي، الجمعية الجيولوجية العمانية، 2018.
  • DAVID-CUNY, Hélène & Frenez, Dennys & Williams, Kimberly. (2016). 2016 - An Unusual 2nd Mill. BC Stamp Seal from Shokur (Oman) : Identifying a Local Series of Bronze Age Seals ?.