إسهام البحارة العمانيين في تأسيس المنهجية العلمية للملاحة البحرية وتطويرها
الباحث المراسل | د. راشد بن حميد بن سعيد الحوسني |
المقدمة
تأتي الشهرة التاريخية لعمان من تاريخها الملاحي وقوتها البحرية بالدرجة الأولى؛ حيث إنّ ارتباط عُمان بالبحر جعل من أهلها أرباباً للملاحة منذ ما قبل التاريخ بعدة قرون. وأمجاد عُمان ومفاخرها التاريخية وريادتها إنما تكونت نتيجة للنشاط الملاحي والبحري، وليس عن طريق الأنشطة البريّة. ونستطيع أن نصف أهل عمان بأنهم أمة بحرية.
تُعد إسهامات البحارة العمانيين في تطوير وتأسيس المنهجيّة العلميّة للملاحة البحرية من أكثر الإسهامات ذات الأثر الكبير في ازدهار الحضارة العمانية عبر العصور، وفي تطور البشرية في الجوانب المتعلقة بالملاحة البحرية (الغيلاني، 2015).
تمثلت إسهامات العمانيين في تأسيس علم الملاحة والإبحار في وضع قواعد علمية منهجية للخطوط الملاحية وتحديد المسارات الملاحية التي تربط الشرق بالغرب. ويبرز إسهام البحارة العمانيين كذلك في الاختراعات المتعلقة في إيجاد أفضل الخطوط الملاحية، وصناعة السفن بطرق حديثة، وصناعة مجموعة متنوعة ومتعددة من الأدوات التي تستخدم في الملاحة البحرية، التي لم تكن موجودة قبل اكتشاف البحارة العمانيين لها.
ومن حيث التأليف، فإنّ المؤلفات البحرية العمانية تعتبر من أقدم وأهم المؤلفات التي وضعت في مجال العلوم البحرية والملاحية، إذ لم يقتصر محتوى تلك المؤلفات على الأساليب الملاحية، بل تعدى إلى علم المناخ والفلك والرياضيات، ومختلف أنواع العلوم والمعرفة المتعلقة بالملاحة البحرية. توجد كذلك مؤلفات تشرح كيفية صناعة السفن، وصناعة الأدوات الملاحية البحرية. وتعد تلك المؤلفات قاعدة أساسية في دراسة وضع الملاحة البحرية عبر العصور.
تهدف هذه الورقة البحثية إلى التعرف على دور وأثر البحارة العمانيين في إرساء الأسس العلمية الصحيحة للملاحة ودورهم في اكتشاف الخطوط الملاحية، وأدوات الملاحة الحديثة، وكذلك دورهم في تأليف الكتب والمخطوطات التي تتعلق بعلوم البحار، والكشف عن إسهامات العمانيين في تطوير الملاحة البحرية عبر العصور. يتبع البحث المنهجية المطبقة في العلوم التاريخية من حيث التنقيب عن المعلومات والبيانات وتنظيمها وترتيبها وصياغتها بما يتوافق وأهداف البحث وغاياته.
أبرز النتائج التي توصل إليها البحث التعريف بدور البحارة العمانيين في تأسيس منهجية علمية حديثة للعلوم البحرية واسهاماتهم الفكرية من حيث التأليف في العلوم البحرية والصناعات المتعلقة بالملاحة البحرية من حيث بناء السفن وصناعة الأدوات المستخدمة على ظهر السفن والأدوات المستخدمة في الملاحة البحرية وأثر تلك الإسهامات على تطور البشرية في مجال الملاحة البحرية.
تاريخ الملاحة البحرية العمانية:
إنّ رسم صورة واضحة وجلية الأركان للتاريخ البحري و الملاحي العماني ونشاط أهل عمان الملاحي والبحري عبر الحقب التاريخية المختلفة بدءاً من عصور ما قبل التاريخ بعدة آلاف من السنوات إلى العصور التاريخية الحديثة يتسم بالصعوبة الواضحة؛ وذلك بسبب قلة وندرة المصادر العلمية التي تعين على رسم تلك الصورة وتحديد جميع مكوناتها، خاصة ما يتعلق بالبدايات الأولية لعلاقة العماني بالبحار خلال العصور القديمة؛ بحيث لا يوجد تسلسل زمني مربوط بالأحداث أو بالاختراعات والإنجازات يسهل مهمة الباحث في التاريخ الملاحي القديم لعمان (الحمداني،2002). غير أن الموجودات الأثرية والكتابات الأوربية المتأخرة واكتشافات بلاد الرافدين ومصر والصين والأراضي الإفريقية وغيرها من الحضارات القديمة تعطي بعضاً من الإشارات التي يمكن أن توضح شيئاً من التاريخ التليد للبحرية العمانية. من خلال تلك الإشارات والموجودات يمكن بلورة صورة أكثر وضوحاً وقبولاً لتاريخ عمان البحري والملاحي.
التراث المادي والثقافي للحضارات السومرية والأكادية المتمثل في مجموعة واسعة من اللوحات التي تعود الى ما يقارب 4000 سنة قبل الميلاد، يقدم معلومات لا تقدر بثمن عن دور العمانيين الملاحي وتفردهم منذ تلك العصور الغابرة في علوم الملاحة وفنونها. لعب العمانيين دوراُ حيوياُ ومحورياُ في التجارة العالمية منطلقين من مجان (سلطنة عمان اليوم)، وقاموا من خلال الإبحار بالسفن بربط أراضي آسيا المترامية الأطراف مثل الصين وشرق وجنوب آسيا والبحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي وشواطئ الهند وفارس وشواطئ شرق إفريقيا وأوروبا والأراضي الأمريكية (أبو العلاء، 2015).
ومن بين مجموعة من المكتشفات اليونانية الأثرية القديمة يوجد نص يشير إلى عمان وإلى دور العمانيين في الملاحة البحرية منذ حقب زمنية سحيقة، إذ ذكر أحد النصوص اليونانية والذي كان يحمل عنوان (رحلة في البحر الأريتيري) أن السفن العمانية كانت تبحر من سواحل وموانئ عمان الطويلة إلى الهند وسواحل شرق أفريقيا، تحمل البضائع والركاب. وكان الأسطول البحري العماني في عصور ما قبل الميلاد يبحر بين الشرق والغرب، يحمل أنواع مختلفة ومتعددة من البضائع مثل اللؤلؤ والذهب والمنتجات الزراعية والأقمشة بمختلف أنواعها واللبان والتوابل والعطور والأخشاب والخيول والمجوهرات، حيث كانت تلك البضائع هي السائدة، ويتم نقلها والإتجار من خلالها بين مختلف الأمم والشعوب (الجرو، 2015). وتذكر المصادر التاريخية أنّ الأسطول البحري العماني كان يصل إلى (300) سفينة وأكثر، أغلبها ذات الحجم الكبير والمصممة للإبحار لمسافات طويلة، كما ذكر المسعودي (896-957) في كتاب مروج الذهب ومعدن الجوهر الشهير.
اتخذ العمانيون العديد من الموانئ والبلدان البعيدة عن الأراضي العمانية مراكز تجارية لهم، وكذلك مراكز لصناعة السفن وصيانتها. ومن تلك الموانئ جزيرة (كانبلو) القريبة من شرق افريقيا التي اتخذها العمانيين مركزاً تجارياً خاصاً بتجارة العاج مع الصين. وكذلك اتخذ العمانيون من المالديف مركزاً صناعياً مهماً وذلك من أجل بناء وعمارة السفن العمانية ولعل ذلك بسبب توافر الأخشاب هناك أكثر من توافرها في عمان.
وقد ورد اسم مجان في لوح أثري من التراث البابلي القديم يعود إلى (2300 ) عام قبل الميلاد، دوّن في تلك اللوحة أنّ ملك أكاد سارجون، الذي يعد أول إمبراطور في التاريخ، يعتز بالعلاقات البحرية مع العمانيين، ويفتخر بالدور الذي يقوم به العمانيون في تسهيل وتيسير التجارة ونقل المؤن والبضائع بين الشرق والغرب وصولاً إلى أمم وحضارات بلاد ما بين النهرين (كرار، 2007).
تذكر العديد من المصادر التاريخية مثل الأمين (1990) والجرو (2011) أن العمانيين هم أول العرب الذين وصلوا إلى الأراضي الصينية وعملوا في التجارة هناك وأسسوا نظام تجاري وقضائي خاص بهم؛ مما يدل على قوة نفوذ البحارة العمانيين في الصين منذ تلك الأزمنة البعيدة.
تعطي الموجودات واللوحات الأثرية صورة عن ما كان عليه وضع عمان الملاحي منذ ما قبل التاريخ، وأن العمانيين كانوا ماهرين في الملاحة والتجارة البحرية العالمية، وكانوا يعتمدون على الأنظمة العلمية والمعرفية في مجال الملاحة البحرية، وكان لهم السبق في الربط بين مناطق العالم المختلفة، وكان هناك حضور وتطور ملاحي كبير منذ تلك الحقب الزمنية (الجرو،2011).
إن الأمم البحرية على مر العصور تتوفر لديها ميزة فريدة وهي الموقع الجغرافي. والموقع الجغرافي لعمان على اختلاف اتساعها السياسي على مر العصور لعب دوراً مهماً وحيوياً في ترسيخ وجود العمانيين الملاحي. وحتم موقع عمان الجغرافي على أهلها الاندفاع نحو البحر وسبر أغوار أعالي البحار والمحيطات وإقامة علاقات تجارية وسياسية وعسكرية مع أمم وكيانات من قارات مختلفة وشعوب بعيدة جداً عن السواحل العمانية. وهذا ما أثبتته العديد من الاكتشافات الأثرية والكتب التاريخية لا سيما كتب الرحلات.
يعتبر تمركز عمان جغرافياً، تمركزاً استراتيجياً؛ إذ تشرف على مخرج الخليج العربي، ولها امتداد نحو بلدان الجزيرة العربية والعراق وفارس، وتشرف على المحيط الهندي وشرق إفريقيا، وتشرف، بل تتحكم في بعض الفترات التاريخية على الطريق التجاري الرئيسي الرابط ما بين سواحل شرق إفريقيا وسواحل الهند صولاً إلى الصين شرقاً، وأوروبا وأمريكا غرباً (كرار، 2007).
تعتبر العلاقة بين الإنسان العماني القديم والبحر علاقة وجودية أزلية، حيث إنّ الاكتشافات الأثرية والتراث الأدبي والعلمي يقدم العديد من الأدلة والبراهين على أنّ علاقة العماني بالملاحة البحرية قديمة جداً تعود الى عدة آلاف من السنين؛ حيث تم تسجيل دليل على تلك العلاقة منذ الألف الخامس قبل الميلاد.
وتذكر العديد من المصادر التاريخية بأنّ الأسطول البحري العُماني مع نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد كان من أعظم الأساطيل في العالم إذا لم يكن هو الأسطول الأعظم والمتفرد بالسيادة على البحار والمحيطات.
حيث كان الأسطول البحري العماني في تلك الحقب الزمنية السحيقة يعمل كحلقة وصل بين بلاد وحضارات الرافدين ومصر والهند وفارس، ومن خلال البحارة العمانيين تم نقل البضائع وكذلك نقل العلوم والمعرفة مثل علوم الفلك والفلسفة والرياضيات والطب ونقل مظاهر الحضارة والتمدن بين الشرق والغرب.
وإن تلك المكتشفات تقود إلى العلم اليقين بوجود علاقة تفاعلية بين الإنسان العماني من مختلف المواقع الساحلية العمانية وبين البحر من حيث الاعتماد على البحر كمصدر رزق وغذاء من خلال الصيد والاعتماد على المكونات الغذائية البحرية في الثقافة الغذائية العمانية بدرجة رئيسية وبعد ذلك الاعتماد على البحر في التنقل والابحار إلى مواقع مختلفة وبعيدة جداً عن التراب العماني في شرق الأرض وغربها(الامين1990).
ولقد أقام البحارة العمانيين علاقات قوية جداً من خلال التبادل التجاري ونقل البضائع بين مختلف الحضارات والأمم القديمة من حضارات بلاد الرافدين وحضارات جنوب شرق آسيا المتعددة والحضارة الفرعونية في بلاد مصر القديمة وحضارات بلاد الشام والأمم الأفريقية مروراً بالكيانات الأوربية القديمة والولايات المتحدة والحضارات الإسلامية المتأخرة في العراق والشام. وهكذا كانت عمان وأهلها همزة الوصل بين الشرق والغرب منذ فجر التاريخ.
إسهامات العمانيين في اكتشاف المسارات الملاحية البحرية:
للعمانيين مساهمة أساسية ودور كبير ومهم ومحوري في تطوير الملاحة البحرية ليس على المستوى المحلى فقط، ولكن على المستوى العالمي وإن تأسيس مفهوم الملاحة البحرية بجميع جوانبها من بناء وعمارة السفن والمراكب وإنتاج الأدوات المستخدمة في الملاحة البحرية سواء كانت تلك الأدوات والأجهزة تستخدم بصورة مباشرة في عملية الإبحار أو تلك التي تستخدم في النواحي الفلكية التي تحدد المسارات البحرية والاتجاهات جميعها تطور عبر فترات وحقب تاريخية طويلة وممتدة وعديدة ،ومن أبرز وأكثر الشخصيات العمانية ذات الشهرة العالمية في مجال الملاحة والذي يعد أحد أهم وأعظم المؤسسين لما يعرف بعلم الملاحة البحرية هو شهاب الدين أحمد بن ماجد(الغيلاني،2015) .
إن للبحارة العمانيين دور مهم وحيوي فيما يعرف بتحديد مسارات الملاحة البحرية التي تربط الشرق بالغرب وإنّ تلك المعرفة تستند إلى الإلمام بمجموعة متنوعة من العلوم والمعارف حيث إن الملاح الذي يقود السفينة يجب أن يكون على دراية كبيرة بعلم الفلك والجغرافيا ومعرفة تامة بالأنواء المناخية وتوقيتات المد والجزر وتوقيتات هبوب الرياح الموسمية وتمركز النجوم وغيرها من العلوم والمعارف التي تساند الدراية بالملاحة البحرية.
وإن البحارة العمانيين كان لهم السبق في تأسيس ووضع مناهج علمية لجميع الفنون البحرية التي ترتبط مباشرة بالإبحار أو التي تساعد في عملية الإبحار وتحديد الاتجاهات وصناعة الأدوات والأجهزة الملاحية(صراي،2009).
وإن من ما يثير الدهشة والفضول ويدلل على دور الملاحيين العمانيين في الاكتشافات الجغرافية وتحديد المسارات الملاحية الأكثر صلاحية للأبحار والأكثر أماناً هو قول مجموعة من الباحثين بأن الملاح العالمي كريستوفر كولمبوس اعتمد على مجموعة من خرائط البحارة العمانيين في اكتشاف القارة الأمريكية، ويذهب أولئك الباحثين بأن تلك الخرائط كانت موجودة بخزانة في قرطبة وعثر عليها الأوربيين بعد خروج المسلمين من تلك النواحي وسقوط الأندلس عام (1492م) (أبو العلاء2015).
وتوجد بعض الأدلة التاريخية بأن البحارة العمانيين قد مدوا يد العون والمساعدة للأوربيين وساعدوهم في اكتشاف جغرافي مهم ومحوري أحدث نقلة نوعية عالمية في تاريخ العلاقات الدولية والملاحة البحرية وهو اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح.
من تلك الآراء والاكتشافات التاريخية والأثرية نستطيع القول بأن الخرائط والمسارات الملاحية العمانية هي التي قادت الأوربيين إلى الخروج من نطاق القاره الأوربية والتوجه نحو الشرق والغرب في حملة اكتشاف ضخمة استمرت لعشرات السنوات ومهدت لما بات يعرف بعد ذلك بالاستعمار الأوربي في مختلف مناطق العالم(شهاب،2001).
وإن الفضل في التقدم العلمي الملاحي يعود إلى العمانيين من حيث سبق الابتكار والاختراعات والاكتشافات البحرية ومن ذلك اكتشاف الطريق البحري الرابط بين الشرق والغرب حيث إن للعمانيين دوراً كبيراً في اكتشاف خطوط ملاحية بحرية جديدة، إن لم يكن بالصورة المباشرة والصريحة فإنها كانت عن طريق الانتاج العلمي في مجال الملاحة البحرية وإنتاج الخرائط والكتب التي تحتوي على معلومات حول الفلك والجغرافيا وتسخير تلك العلوم والمعارف في عملية الملاحة البحرية(عبدالحليم،1989).
وإن من أكثر العلماء والمؤلفين في مجال الملاحة البحرية ومنظم علم البحار هو أحمد ابن ماجد حيث كان له دور كبير في تعريف الأوروبيين على المسارات البحرية الرابطة بين الشرق والغرب عدا عن الاكتشافات في مجال الأجهزة والتأليف والممارسة العملية للملاحة البحرية(الحاج،2003).
إن التاريخ البحري الملاحي العماني لم يقتصر على الاسهام والتأسيس لما يعرف بالتجارة العالمية ونقل المؤن والبضائع بين أصقاع الأرض شرقاً وغرباً، بل إن للعمانيين مساهمة حضارية كبيرة في نقل المعارف الحضارية والثقافية والتأثير والتأثر بمختلف الأمم والشعوب حول العالم فى النواحي الثقافية والحضارية واللغوية(البسام،2009).
لذلك عندما بزع نور الدين الإسلامي في الجزيرة العربية وبعد دعوة الرسول محمد عليه السلام لأهل عمان للدخول في الدين الاسلامي الحنيف من خلال الرسالة الشهيرة المنقولة عبر وفد دبلوماسي بقيادة عمرو بن العاص إلى ملوك عمان في تلك الفترة عبد وجيفر ابني الجلندى، الذين دخلوا الإسلام طواعية، وكذلك باقي أهل عمان، وبعدها لعب البحارة العمانيين دوراً مهماً وكبيراً في نشر الدين الإسلامي الحنيف إلى أراضي وشعوب بعيدة كالشعوب الأفريقية وأهل الصين وما جاورهما من بلدان وأمم(كرار،2007).
وإن العمانيين أسهموا في نشر الإسلام من خلال التجارة وبطريقة غير مباشرة من خلال تعامل العمانيين السمح واتصافهم بالأخلاق الرفيعة التي تدفع باقي من يتعاملوا معهم إلى الاهتمام بمعتقدات البحارة العمانيين وبالتالي الدخول في ذلك المعتقد تأثراً بما رأوه من حسن وصدق في التعامل ومودة وحب وحسن أخلاق.
والطريقة الثانية التي أسهم بها البحارة العمانيين في نشر الإسلام كانت عن طريق تنظيم وتنفيذ مجموعة من الحملات البحرية وخاصة في مرحلة صدر الإسلام (ابو العلا،2015).
ونتيجة لمهارات العمانيين الملاحية وتنامي قوة أسطولهم وخبرتهم في شؤون الملاحة البحرية وتفردهم في هذا المجال استعان الصحابي الجليل عثمان بن أبى العاص بالملاحين العمانيين والأسطول البحري العماني عام ( 636م) عندما توجه إلى السواحل الغربية للقارة الهندية من أجل نشر الدين الإسلامي في تلك الأراضي وكان نقطة الانطلاق للحملات الدعوية الإسلامية البحرية من موانئ عمان وبالأخص موانئ صحار ومسقط(الغيلاني2015).
وما كان يحل منتصف القرن الثامن الميلادي حتى سيطر الأسطول العماني على جميع المسطحات المائية وأبعد جميع المنافسين ومنهم الفرس.
وقد ذكر المؤرخ والجغرافي والراحل المسعودي أنه كان يتنقل في أقصى الشرق من الكرة الأرضية وأراضي الصين وأفريقيا من خلال السفن العمانية وأنه شارك العمانيين في العديد من الرحلات إلى تلك الأراضي حيث ذكر بأن السفن العمانية كانت تجوب أعالي البحار والمحيطات وتربط التجارة بين الصين والهند وأفريقيا وبلاد العرب وفارس (عبدالحليم،1989).
وقد ذكر المسعودي كذلك في كتاب مروج الذهب بأن الملاحيين والبحارة العمانيين هم من ابتدعوا وأول من مارس أدب قصص البحر والمغامرات البحرية والحكايات الملاحية وأنهم من ابتدعوا قصص السندباد البحرية المشهورة عالمياً والتي تعد جزء أصيل من التراث الثقافي غير المادي العالمي(الحمداني،2022).
وتلك الإشارات تدلل على دور الملاحيين العمانيين وأن الفضل كان لهم في ترسيخ مفهوم علوم الملاحة البحرية والسنن الناظمة للملاحة البحرية.
إسهامات العمانيين في الصناعات البحرية القديمة:
إن المكون الأساسي لعملية الملاحة والإبحار هو وجود السفينة بمختلف أنواعها وأحجامها ومما لا شك فيه يجب أن تتوفر العديد من المكونات التي تدخل في صناعة السفن منها ما هو متوفر في البيئة المحلية ومنها ما هو مستورد من دول مختلفة، وهذا كذلك يحتم على العمانيين إقامة علاقات وديّة وتجارية تبادلية مع مختلف الكيانات السياسية التي كانت متواجدة عبر التاريخ البشري الطويل(الجرو،2011).
وكان أهل عمان من أقدم الشعوب التي ارتادت البحار وأقامت علاقة تتسم بالجانب التجاري في المقام الأول مع مختلف الشعوب التي تشرف على ضفاف الخليج العربي والمحيط الهندي وشرق أفريقيا ، وقد وصفت الاكتشافات السومرية في بلاد ما بين الرافدين مجموعة من الإشارات إلى أهل عمان وقد وصفت تلك الإشارات أهل عمان بأنهم رواد الملاحة البحرية وكانت تلك المصادر تذكر عمان باسم مجان ووجود دليل أثرى يدل على مهارات العمانيين في بناء السفن وعمارتها وأنهم بنائين للسفن التي تستخدم في الملاحة وذلك منذ عام (2050 )قبل الميلاد(الجرو،2011).
وإن البحارة العمانيين قد تعرفوا على صناعة السفن منذ ما يقارب الألف الخامس قبل الميلاد وهنالك العديد من أنواع السفن التي عرفها أهل عمان واستخدموها في الملاحة والإبحار منها ما هو صغير أو مخصص لعمليات الصيد والتنقل قرب القرى الشاطئية ومنها ما هو كبير مخصص للملاحة الدولية إن جاز لنا استخدام المصطلح وهي سفن عملاقة بمقياس تلك الحقب الزمنية تجوب البحار والمحيطات شرقاً وغرباً تحمل التجارة والمواد اللازمة لبقاء الإنسان وتحمل معها الأخلاق والسمت العماني ومميزات الحضارة العمانية وحملت بعد ذلك بقرون عديدة رسالة الإسلام وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف إلى مشارق الأرض ومغاربها(الحمداني،2002).
وتعتبر السفينة القطمران أقدم نموذج معروف للسفن العمانية القديمة، التي كانت تستخدم في التنقل والتجارة والإبحار بين الشواطئ العمانية وبين شواطئ بلاد الرافدين، وكانت السفينة القطمران مصنوعة بالكامل من مادة الخشب الذي كان معظمه مستورد من بلاد بعيدة عن الأراضي العمانية قديماً (ابو العلا،2015).
ولقد مرت السفن العمانية بالعديد من المراحل في تطوير الصناعة من السفن الصغيرة جداً والتي تصنع من سعف النخيل وتحمل شخص واحد وتستخدم لعملية الصيد قرب الشاطئ إلى سفن تعتبر كبيرة بمقياس القرن الخامس قبل الميلاد وتتكون من مجموعة من الألواح عددها لا يتعدى أصابع الكف الواحد(كرار،2007).
وبعد ذلك تطورت الصناعة في مجال بناء السفن إلى صناعة سفن تتصف بالضخامة ذات حجم كبير جداً وتستخدم للملاحة إلى مناطق بعيدة وتحمل بمجموعة كبيرة من البضائع والركاب، ولها مقدمة وبدن ومؤخرة محددة بمقاييس دقيقة جداً، ولها شراع كبير أو أكثر من شراع، ومن أمثال تلك السفن المشهورة في التاريخ البحري العماني البدن و العويسية والبقارة والبتيل، وكذلك تميزت السفن العمانية في تلك الحقبة الزمنية بميزة فريدة من نوعها في بناء السفن، وهي وجود مؤخرة ذات شكل مربع عكس السائد وهو الشكل شبه المثلث(الامين،1990).
ومع مرور السنوات والحقب الزمنية وزيادة الحاجة إلى سفن أكبر وأكثر تطور وأكبر حمولة ونتيجة كذلك للتفاعل والاحتكاك مع كتل بشرية وحضارية متعددة مثل الأوروبيين، تطورت نماذج صناعة السفن العمانية بحيث أصبحت تتسم بقدر كبير من الضخامة والقدرة على حمل كميات كبيرة من البضائع والمؤن والركاب، حيث يمكن اعتبار القرن السادس عشر قرن التحول الكبير في تاريخ الملاحة البحرية العمانية من حيث صناعة السفن في الحجم والتجهيزات(الحاج،2003).
ومن خلال تتبع نماذج هذه المرحلة التاريخية من السفن يظهر بصورة كبيرة تأثر الصانع والحرفي العماني في مجال بناء السفن بالنماذج الأوربية لاسيما البرتغالية والإنجليزية والفرنسية فظهرت سفن ذات شكل جديد وفريد مقارنة بالسفن السابقة في الأسطول البحري العماني مثل سفينة التفر التي تأتي متسقة مع النموذج الأوربي في عمارة السفن لاسيما الطراز البرتغالي في بناء وعمارة السفن(صراي،2009) .
ولقد حدث تغير كبير في الأدوات التي استخدمت في بناء السفن خلال هذه الفترة الزمنية فبعد أن كانت السفينة صغيرة الحجم وتستخدم الألواح الخشبية والحبال وتحمل كميات قليلة من البضائع حدث تحول جداً مهم ويمهد لثورة سوف تأتي فيما بعد في مكونات الأسطول العماني البحري سواء كان ذلك الأسطول مخصص للعمليات التجارية ونقل الركاب والبضائع أو مخصص للعمليات العسكرية والحربية(الغيلاني،2015).
حيث في هذه المرحلة أو الفترة من مسيرة تطور الملاحة البحرية العمانية تم استخدام مجموعة متنوعة وجديدة من المواد، على سبيل المثال تم استخدام ما يعرف بالمسامير بدلاً من الحبال في عملية تثبيت الألواح وتركيب أجزاء السفينة ، وتم كذلك استخدام ألواح هائلة الحجم في عملية تغطية ظهر السفينة وتكوين مستودع محمي في قعر وبطن السفينة بحيث تكون البضائع محمية تماماً في ذلك المستودع (شهاب،2001).
حدث تطور أخر مهم ومفصلي في عمارة السفن العمانية خلال هذه الفترة التاريخية وهو استخدام أكثر من صاري واحد في السفينة، فبعد أن كانت السفن تعتمد على دقل (صارى) واحد فقط أصبحت السفن المصنوعة في هذه الفترة مزودة بمجموعة من الصواري وصل في بعض السفن إلى أربعة صواري وهذا يدلل على ضخامة السفن وأنها مصممة للإبحار لفترات زمنية طويلة ولمسافات طويلة جداً ومجهزة للتصدي لجميع عوامل الطقس والتقلبات في أعلى البحار والمحيطات وكذلك مجهزة لحمل كميات كبيرة جداً من المؤن والبضائع والركاب ، لذلك كانت بحاجة إلى أن تكون أكثر قوة ومتانة وأن يكون لديها العديد من المعدات والقطع الملاحية الإحتياطية (الحمداني،2002).
وهناك تطور آخر جداً مهم في عمارة السفن خلال هذه الفترة الزمنية، وهو استحداث مقود للسفينة وبالتالي استحداث وظيفة أخرى لها مجموعة من الخصائص بالتالي إنّ إدخال المقود على السفن العمانية هو نتيجة للتأثير المباشر لنظام العمارة الأوربية على السفن العمانية ونتيجة للتبادل الفكري والتقني الكبير الذي حدث في تلك الفترة بين الملاحين العمانيين والملاحين الأوربيين وخاصة من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وهولندا والسفن الأمريكية بعد ذلك(ابو العلا2015).
ومن تأثير الأوربيين المباشر على بناء السفن العمانية وعلى المعماريين العمانيين كذلك التغير الجذري على شكل الشراع بحيث تم استخدام شكل جديد من الأشرعة كان على شكل وصورة مثلث غير مكتمل الأضلاع وذلك بهدف الاستغلال الأمثل لحركة الرياح وتسهيل مهمة البحارة وتقليل المجهود العضلي اللازم لتحريك السفينة وتوجيهها في أعالي البحار وكذلك يسهل شكل الشراع على هيئة مثلث غير مكتمل توجيه السفينة والقدرة على المناورة وقت العواصف والرياح والأمطار وله فائدة من حيث السرعة في نشر الشراع أو ضمه أثناء مراحل الإبحار المختلفة ولمختلف الأحوال الجوية (عبدالحليم1989).
كذلك حدث تطور كبير في حجم مخازن السفينة حيث تم تجهيز تلك المخازن بحيث تبقى البضاعة في أمان تام طول الرحلة من المطر أو الشمس أو التلف بسبب ماء البحر حيث استخدمت الألواح الصلبة والضخمة لبناء المخازن وتمت تغطية الألواح بمادة القار ودهن الحوت لعزلها عن المياه (الغيلاني2015).
وكذلك تم تطوير نوع وشكل وحجم ما يعرف بالمرسى حيث أصبح مكون من ثلاثة أجزاء ويتم صناعتها من الحديد الخالص وتكون ثقيلة جداً بحيث يمكن الاعتماد عليها في تثبيت السفينة على الماء ومنعها من الانزلاق والحركة في أثناء التوقف في عرض البحر أو في الموانئ (البسام2009).
تم ادخال تحسين مهم للغاية في السفن العمانية وهذا التحسين ساهم بشكل كبير في زيادة إقبال الناس على استخدام السفن للتنقل بين البلدان ولمسافات طويلة، حيث تم تخصيص مكان أو غرف خاصة للنساء لا يستخدمها الرجال وتراعي الخصوصية التامة للنساء المسافرات على ظهر السفينة(الامين1990).
مع التطور التقني الكبير في عمارة السفن العمانية أتاح ذلك الفرصة أمام معماري السفن وأمام أصحاب السفن لبناء سفن أكبر حجماً تتوافق مع الازدهار التجاري ورواج التبادل التجاري بين قارات العالم المختلفة في تلك الفترة الزمنية بحيث أصبحت السفن تتمتع بقدرات عالية على تحميل البضائع حيث تصل في بعض السفن إلى ما يقارب أو يزيد عن 500 طن، ونحن نتحدث عن سفن مبنية من الخشب وتستخدم قبل ما يقارب 1000 عام من اليوم.
لم يقتصر التطور في بناء وشكل وحجم السفن فقط، بل ترافق ذلك مع تطوير أجهزة السفينة المختلفة والمستخدمة في الملاحة وتطوير الأدوات والأجهزة التي تم اضافتها إلى السفن في تلك الفترة، ومنها: وجود مجموعة القيادة والتحكم بالسفينة والتي يتحكم بها الربان أو كابتن السفينة منها دفة القيادة التي تتحكم في اتجاه السفينة والأشرعة التي تتحكم في سرعة وحركة واتجاه السفينة، وهي أدوات تحت سيطرة وأمر قادة السفينة أو فريق القيادة(صراي2009).
التحديث المستمر في شراع السفينة حيث لم يقتصر التطوير في شكل الشراع، بل وصل التطوير والتحديث إلى نوع المادة التي يصنع منها الشراع والحجم وعدد الحبال التي تربط بالشراع وعدد الأعمدة التي يعلق من خلالها الشراع. كذلك تم تطوير الرافعات التي ترفع البضائع والأحمال من بطن السفينة إلى قارب التنزيل والميناء والعكس من رصيف الميناء إلى ظهر السفينة وتحسين مواقع التخزين في السفن والموانئ (الجرو2011).
إن تطوير السفن وتحديثها المستمر انعكس بصورة ايجابية في قوة الدولة العمانية في تلك الفترة بحيث تمكن التجار العمانيين من ربط موانئ السلطنة المختلفة بمجموعة واسعة ومتنوعة من مواني العالم امتدت من الصين والهند وسواحل شرق افريقيا والعراق والبلدان العربية وفارس وصولاً إلى الموانئ الأوربية والأمريكية ،حيث أسهم ذلك في تسويق المنتجات العمانية ونشر الثقافة العمانية والعادات والتقاليد العمانية بل أكثر من ذلك ساهمت السفن العمانية في إنشاء الإمبراطورية العمانية وفي نشر الاسلام في أقصى الأرض في الصين وأفريقيا وغيرها. ولقد لعبت موانئ عمان بفضل قوة الأسطول التجاري العماني في تلك الفترة دور مهم ورئيسي في التجارة العالمية من حيث إنّ تلك الموانئ أصبحت محطات ترانزيت عالمية تربط الشرق بالغرب وتسهم في تطوير وازدهار التجارة العالمية.
العلوم التي وضعها العمانيين في مجال الملاحة البحرية:
من خلال المراجع التاريخية نجد بأن للعمانيين تأثير واضح وكبير في وضع الأسس العلمية للملاحة البحرية وتطوير الملاحة بحيث لم يقتصر التطوير على التعديل والتحسين والتطوير على نوع السفن وحجمها، بل تعدى ذلك إلى التطوير في مجال العلوم البحرية النظرية والعملية وفي المؤلفات التي تهتم بجميع شؤون البحر والملاحة وشؤون المشتغلين بالملاحة البحرية(كرار2007).
وإن البحارة أو العلماء المؤسسين للأنظمة البحرية قد وضعوا ما يعرف باسم (سنة النواخذة) وهي عبارة عن مجموعة متنوعة وواسعة من التشريعات والقوانين البحرية أو نستطيع أن نسمى تلك الأنظمة بالدستور الشامل المنظم لشؤون الملاحة البحرية وشؤون جميع أطراف العملية الملاحية من ملاك للسفن وبحارة ومشتغلين على ظهر السفينة وموظفي الموانئ وأصحاب مصانع بناء السفن وكذلك يعتبر دستور منظم للعلاقات الدولية الملاحية والقضايا والأحداث التي تقع في أعلى البحار والمحيطات، حيث شملت تلك السنن ما يلي(الحاج2003):
- الأنظمة التي تحدد العلاقة بين قائد السفينة ومالك السفينة أو مجموعة السفن.
- الأنظمة التي تحدد وتنظم العلاقة بين البحارة بمختلف أنواعهم ومستوياتهم وأعمالها ومسؤولياتهم ومالك السفينة.
- الأنظمة التي تحدد وتنظم العلاقة بين قائد السفينة والبحارة والملاحين والركاب.
- الأنظمة التي تحدد العلاقة بين السفن والموانئ و الدول.
- الانظمة التي تحدد العلاقات العامة مثل الضرائب والرسوم ومسارات الابحار.
- الأنظمة التي تحدد العلاقات بين أصحاب السفن.
- مجموعة من الأنظمة التي تحدد القوانين التي تحكم المنازعات التي تحدث نتيجة للأنشطة التجارية البحرية
نظام المحاكم البحرية:
من أكثر ما يدهش في التاريخ البحري والملاحي العماني القديم هو دقة التنظيم والاستقلال، حيث كان توجد ما نستطيع أن نطلق عليه بالمحاكم الخاصة والمتعلقة بشؤون البحر والملاحة وكان يرأس هذه المحكمة شخص خبير في جميع شؤون البحر والملاحة والشؤون البحرية المختلفة ويطلق علية اسم قاضي سنة النواخذة (الغيلاني2015).
وكذلك كان يعرف باسم شيخ سنة البحر أو أمير البحار وهو من يقوم بالفصل في جميع القضايا والأمور التي تحدث سواء للبحارة أنفسهم أو بين النواخذة والبحارة أو بين مالك السفينة و النواخذة والبحارة او بين النواخذة فيما بينهم أو بين ملاك السفن وكذلك يتم الفصل في جميع المنازعات البحرية سواء كانت في البحر أو في الموانئ. وهؤلاء القضاة المختصين بالقضايا والمنازعات البحرية هم في الأساس من أهل الاختصاص ومن الممارسين للملاحة البحرية ولديهم خبرات طويلة جدا وواسعة وشاملة في مجال الملاحة البحرية وهم من أصحاب الخبرات في أسرار المهنة ولديهم الدراية التامة كذلك بجميع الأحكام الفقهية الشرعية والتي تكون مساندة للخبرات التخصصية الملاحية عند اصدار الأحكام في المنازعات البحرية.
وتكون الأحكام التي يصدرها شيخ البحر ملزمة في التنفيذ على جميع الأطراف أصحاب القضية أو المشكلة(شهاب،2001).
وهنا لا بد من الحديث عن أحد أكبر العلماء مجال الملاحة البحرية على مر العصور بل هو المؤسس للتأليف في مجال العلوم البحرية والملاحة، ولم يقتصر على التأليف النظري بل كان صانع ومبدع في مجال الصناعات الهندسية المستخدمة في مجال الملاحة البحرية ولاسيما المتعلق منها بالفلك، وقبل كل هذا فهو ملاح ممارس للملاحة البحرية، هو الملاح العماني العالمي شهاب الدين أحمد بن ماجد أحد عباقرة الملاحة البحرية وصاحب كتاب يعد من أهم وأعمق الكتب والمراجع التي تم تأليفها في تلك الأزمنة في العلوم البحرية والملاحية وهو كتاب الفوائد في أصول علم البحر و القواعد.
الخاتمة:
الحديث عن التاريخ الملاحي البحري العماني والأثر الذي انعكس لذلك التاريخ على التطور البشري في اكتشاف وتأسيس المسارات البحرية واكتشاف الأدوات الملاحية والإبداع في عمارة السفن والحركة البحرية القوية والنشطة والمستمرة التي قام بها الملاحين العمانيين والتي كان لها تأثير مباشر في تنشيط التجارة البحرية والازدهار والرخاء لشعوب الصين والشعوب الأفريقية والعربية وكذلك الشعوب الأوربية وغيرهم.
وإن الانجازات والإبداعات التقنية التي ابتدعها واضافها العمانيين إلى الملاحة البحرية العالمية والاكتشافات والتأليف في علوم الملاحة والإبحار رفع ذلك العمانيين إلى مصاف الأمم التي ساهمت في التطور والرقي والازدهار للبشرية وللحضارة الإنسانية.
إن للعمانيين دور تاريخا وحضوريا كبيرا ومميزا في الشؤون الملاحية البحرية والفلكية والجغرافية تنظيرا وتأليفا وتنظيما وممارسة فعلية، وبعد ذلك تطويرا وتحديثا وكان لهم أثر على الازدهار البشري بخبراتهم وتجارتهم ومعرفتهم الملاحية وأن للبحارة العمانيين مركز ومكانة مرموقة في تاريخ الملاحة العالمية.
وإن الملاحة العمانيين بفضل مهاراتهم الملاحية مدوا جسور التواصل بين مختلف الأمم والشعوب في شرق الأرض وغربها من الصين في أقصي الشرق إلى الولايات المتحدة في أقصي الغرب مرورا بجميع الشعوب والبلدان بين تلك المنطقتين الجغرافيتين أقصى الشرق وأقصى الغرب.
وإن التراث العلمي والعملي لأسد البحار أحمد بن ماجد يكسر الصورة النمطية حول العرب بأنهم أهل صحاري لا علم ولا حضارة لهم تتعلق بالجانب البحري والملاحي. حيث إن الإنتاج العلمي والتأليف في العلوم البحرية كسر الصورة النمطية للعرب وأصبح العرب بفضل العمانيين من أهم الأمم البحرية في التاريخ البشري.
وإن الموقع الجغرافي لعمان المطل على المسطحات البحرية المفتوحة منها كالمحيط الهندي وشبه المغلقة بالخليج العربي أتاح ودفع أهل عمان ليكونوا مختلفين عن باقي الشعوب العربية الصحراوية، حيث أصبح العمانيين أمة بحرية بكل امتياز عملوا في الملاحة البحرية والتجارة عن طريق البحر، وكانت من مميزاتهم الانفتاح على الأخرين من مختلف الأمم والشعوب من حيث انفتاح الفكر والتأثر والتأثير والاعتدال والتسامح، والتبادل الفكري، والثقافي والحضاري.
التوصيات:
- ضرورة الاهتمام بتاريخ عمان البحري والملاحي ونشر دور إسهامات العمانيين في المجال البحري
- ضرورة تسليط الضوء على إسهام العمانيين فى تطوير الادوات الملاحية مثل السفن و الادوات الملاحية .
- ضرورة تنظيم ندوات بشكل دوري حول اسهامات العمانيين في مجال الملاحة البحرية.
- ادخال مقررات تتعلق بتاريخ عمان البحري والملاحي في المؤسسات .
قائمة المصادر والمراجع:
- الغيلاني ، حمود بن حمد بن جويد (2015) ، أسياد البحار ، الطبعة الاولى
-صراي، حمد محمد (2009)، العلاقات الحضارية بين شبه الجزيرة العربية والساحل الشرقي لأفريقيا ، الطبعة الأولى، مركز الدراسة و الوثائق ، رأس الخيمة ، الإمارات العربية المتحدة.
-شهاب ، حسن صالح (2001) من تاريخ بحرية عمان التقليدية، الطبعة الأولى المطبعة الشرقية ومكتبتها ، مسقط ، سلطنة عمان.
- البسام ، علي بن حسين عبدالله (2009) الأوضاع السياسية والاقتصادية في سلطنة مسقط وأثرها على الملاحة والتجارة فى عهد السلطان تركي بن سعيد وابنه فيصل 1914، الطبعة الأولى ، الدار العربية للموسوعات، بيروت ، لبنان.
-الجرو ، اسمهان سعيد(2011) الموانئ العمانية القديمة ومساهمتها في التجارة الدولية فى ضوء الكتابات اليونانية و الرومانية (من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي) ، الطبعة الأولى ، النادي الثقافي بمسقط ، سلطنة عمان .
- أبو العلا ، ابراهيم عبدالمنعم سلامة (2015) عمان معبرا لتجار الأندلس وعلمائها الى بلاد فارس وشرق أفريقيا (ق 3-5 ه/ق 9-11م) الطبعة الأولى ، مؤسسة الانتشار العربي ، بيروت لبنان.
-أحمد ، جعفر كرار (2007) الدور الحضاري للعمانيين في الصين ، الطبعة الأولى ، مطابع النهضة ، مسقط سلطنة عمان.
- الأمين ، إسماعيل (1990) العمانيون رواد البحار ،الطبعة الأولى، مطبعة رياض الريس للكتب والنشر.
- الحمداني ، طارق (2002) الملاحة العربية في عصور ازدهارها ، الطبعة الأولى المجمع الثقافي ، أبو ظبي ، الإمارات العربية المتحدة.
-العاني ، عبدالرحمن عبدالكريم ،دور العمانيين في الملاحة و التجارة الإسلامية حتى القرن الرابع الهجري ،المكتبة الشرقية ومكتبتها ،مسقط ، سلطنة عمان.
- الحاج ، عزيز (2003) العلاقات العمانية العراقية عبر التاريخ من سومر وأكاد حتى الحرب العالمية الأولى ، الطبعة الأولى ، دار الحكمة ، لندن.
-عبد الحليم ، رجب محمد (1989) العمانيون والملاحة والتجارة ونشر الإسلام ، الطبعة الأولى ، مطابع النهضة ، مسقط ، سلطنة عمان.