السيد هلال بن محمد البوسعيدي: سيرته وأدواره

الباحث المراسلد. أحلام الجهورية هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية

تاريخ تسليم البحث :2023-06-15
تاريخ تسليم البحث :2023-07-29
تاريخ تسليم البحث :2024-01-16
تاريخ قبول البحث :2024-01-19
تاريخ نشر البحث :2024-04-02
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك

السيد هلال بن محمد البوسعيدي: سيرته وأدواره

ملخص:
يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على شخصية السيد هلال بن محمد بن أحمد بن سعيد البوسعيدي، وهو حفيد الإمام أحمد بن سعيد -مؤسس الدولة البوسعيدية في عُمان- من أصغر أبنائه السيد محمد. حيث وُلد السيد هلال في حدود الفترة: (1797-1800م) على وجه التقريب.
وتنطلق مشكلة البحث من السؤال عن الأدوار المهمة التي قام بها السيد هلال بن محمد البوسعيدي على المستويين الداخلي والخارجي، من خلال التركيز على أربعة محاور رئيسة، هي:
أولاً: النسب والعائلة.
ثانياً: النشاط السياسي للسيد هلال.
ثالثاً: دور السيد هلال في التصدي لهجمات الوهابيين.
رابعاً: حادثة البيذامة ربيع الأول 1278هـ/ سبتمبر 1861م ومقتل السيد هلال.
واستند البحث على توظيف المنهج التاريخي القائم على استخلاص المعلومات من الوثائق والمصادر التاريخية العُمانية المختلفة، وكتب الرحَّالة والمصادر الأخرى ذات العلاقة، وتحليلها والمقارنة بين ما جاء فيها من معلومات.
ويخلص البحث إلى توثيق سيرة شخصية عُمانية كان لها حضوراً مهماً ومؤثراً في فترة تاريخية غير مستقرة من تاريخ عُمان الحديث.
كلمات مفتاحية: هلال بن محمد، سعيد بن سلطان، عُمان، زنجبار، الدولة البوسعيدية، السويق.

 

 

 


Abstract:
Sayyid Hilal bin Muhammad Al-Busaidi: his biography and roles
This research aims to shed light on the personality of Sayyid Hilal bin Mohammed bin Ahmed bin Said Al-Busaidi, grandson of Imam Ahmad bin Said – the founder of the Busaidi dynasty in Oman – and one of his youngest sons, Sayyid Muhammad. Sayyid Hilal was born approximately, between (1797-1800 AD).
The research problem stems from the question of the important roles played by Sayyid Hilal bin Mohammed Al Busaidi at the internal and external levels, by focusing on four main points:
First: lineage and family.
Second: Sayyid Hilal's political activity.
Third: Sayyid Hilal's role in countering Wahabis attacks.                                                               
Fourth: The incident of Albidhama Rabi' Al-Awal 1278 AH / September 1861 AD and the killing of Sayyid Hilal.
The research was based on employing the historical approach based on extracting information from various Omani historical documents and sources, travelers' books and other relevant sources, analyzing them and comparing the information contained therein.
The research concludes with documenting the biography of an Omani figure who had an important and influential presence in an unstable historical period of Oman's modern history.
Keywords: Hilal bin Muhammad, Saeed bin Sultan, Oman, Zanzibar, The Busaidi state, Al-Suwaiq.

 

مقدمة:
  تعاقب على حكم عُمان عبر الزمان عدد من الأسر؛ أسرة مالك بن فهم، وأسرة معولة بن شمس والنباهنة واليعاربة والبوسعيد. وتحكم الأسرة البوسعيدية عُمان منذ عام 1744م حتى اليوم. وقد برزت العديد من الشخصيات الفاعلة والمؤثرة في الساحة السياسية التي شهدت تجاذباً سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ونظراً للمؤهلات والإمكانات التي تمتعت بها تلك الشخصيات كان لها بصمتها وأثرها وتأثيرها في مسار الأحداث وهذا البحث يركز على إحدى تلك الشخصيات.
 ففي الأسرة البوسعيدية نرصد ثلاث شخصيات حملت اسم هلال كان لها دورٌ مهمٌ وفاعلٌ في تاريخ الدولة البوسعيدية؛ وهي: السيد هلال ابن الإمام أحمد مؤسس الدولة البوسعيدية، والسيد هلال ابن السلطان السيد سعيد بن سلطان مؤسس الإمبراطورية العُمانية في التاريخ الحديث، والسيد هلال بن محمد حفيد الإمام أحمد، وهو مدار هذا البحث.
 إن التأريخ لشخصية كشخصية السيد هلال بن محمد تكتنفه الكثير من التحديات لأن فترة حياته اختزلت مرحلة تاريخية مهمة وحرجة ومؤثرة من تاريخ عُمان الحديث فكانت فترة مليئة بالأحداث والتجاذبات والتحولات، وبالتالي سيتم التركيز على أربعة محاور رئيسة: النسب والعائلة، والنشاط السياسي للسيد هلال، ودور السيد هلال في التصدي لهجمات الوهابيين، وحادثة البيذامة ربيع الأول 1278هـ/ سبتمبر 1861م ومقتل السيد هلال.
أولاً: النسب والعائلة:
   السيد هلال هو حفيد الإمام المؤسس أحمد بن سعيد من أصغر أبنائه السيد محمد، حيث يذكر المؤرخ عبد الله بن صالح الفارسي (ت: 1402هـ/ 1982م) في كتابه البوسعيديون حكام زنجبار، السيد هلال: "هو ابن عم السيد سعيد، وابن السيد محمد المعروف باسم الزوبعة" (الفارسي، 2015، 67)، وهو الملقب أيضا بهبوب الغبشة بحسب ما يذكر المؤرخ سعيد بن علي المغيري (ت: 1381هـ/ 1962م) (المغيري، 2017، 232). وُلد السيد هلال في حدود الفترة: (1797-1800م) على وجه التقريب وذلك استناداً لما أشار إليه الرحّالة الإنجليزي جيمس ريموند ولستد  بأنه كان يبلغ من العمر 35 عاماً عندما التقى به شخصياً في العام 1836م (ولستد، 2017، 157) ، وكما أُشير إلى أنه كان يبلغ الخامسة والستين عندما قتل في حادثة البيذامة سنة 1861م.
  جده الإمام المؤسس أحمد بن سعيد، وجدته لوالده ابنة الإمام سيف بن سلطان الثاني اليعربي، ووالده السيد محمد، وأخته السيدة جوخة، وأعمامه السادة: هلال وسعيد وقيس وسيف وسلطان وطالب. وعماته السيدات: موزة وعفراء وميرا. وأبناء عمومته: علي ابن عمه هلال، وحمد وأحمد ونصير وسيف أبناء عمه سعيد، وعزان ابن عمه قيس، وبدر وعلي أبناء عمه سيف، وسالم وسعيد وحمد أبناء عمه سلطان. تزوج السيد هلال بن محمد من ابنة عمه السيدة عائشة بنت سلطان (ابن رزيق، 2007، 266؛ البطاشي، 2014، 6).
  ويمكن القول أن البيئة الأسرية التي عاش فيها السيد هلال كانت بيئة تنافسية، حيث عاش في أسرة حاكمة اضطلعت بأدوار مهمة، كما أنه عايش مرحلة التنافس على السلطة بعد وفاة عمه السيد سلطان بن أحمد في عام 1804م وما تمخض عنها من أحداث جسيمة ومحورية من تقديم ابن عمه السيد سعيد بن سلطان حاكماً خلفاً لوالده السيد سلطان بوصاية عمتهما السيدة موزة (ابن رزيق، 2007، 388، 408). ولا شك كان لهذه البيئة أثرها في تشكيل شخصية السيد هلال بن محمد. ولفهم الصورة العامة عن الظروف التي أحاطت بالسيد هلال سنركز على أربع شخصيات؛ والده السيد محمد، وأخته السيدة جوخة، وزوجته السيدة عائشة، وعمته السيدة موزة.
• والده السيد محمد:
  لا يمكن فهم الحضور السياسي المهم والمؤثر للسيد هلال بعيداً عن فهم دور والده السيد محمد، الذي كان له دور تربوي وسياسي مؤثر عليه. وُلد السيد محمد في عام 1182هـ/ 1767م، وهو أصغر إخوته الستة (هلال وسعيد وقيس وسيف وسلطان وطالب)، وكان يبلغ من العمر 16 عاما عند وفاة والده الإمام أحمد (ت: 1198هـ/ 1783م). ويذكر المؤرخ نور الدين عبد الله بن حميد (ت: 1332هـ/ 1913م) ذرية الإمام أحمد وتوزيع مناطق النفوذ بين أبنائه: "وخلف أولادًا منهم سعيد بن أحمد وسلطان بن أحمد وقيس بن أحمد ومحمد بن أحمد وطالب بن أحمد؛ وهؤلاء كلهم يقال لهم أولاد الإمام. فأما سلطان فهو أبو ملوك مسكد وزنجبار؛ وأما قيس فهو أبو ملوك الرستاق وكانوا قبل ذلك على صحار وما يليها، وأما محمد وطالب فإنهما وليا من قبل اخوتهما: فولي طالب الرستاق وولي محمد السويق من الباطنة" (السالمي، 2016، ج2، 252؛ ابن رزيق، 2007، 390). 
  وعُرف عن السيد محمد قربه من العلماء وأهل الصلاح، وكان للشيخ الرئيس جاعد بن خميس الخروصي (ت: 1237هـ/ 1822م) رسالة إلى السيد محمد تتضمن الكثير من الأبعاد السياسية والاجتماعية (الهاشمي، 2017، 390)، ولصلاحه أيضاً ينعته الشيخ القاضي ناصر بن منصور الفارسي السيد العادل والكريم الباذل (الفارسي، 1994، 187).
  كان للسيد محمد -الملقب بالزوبعة وهبوب الغبشة- أدواراً مهمة في فترات مختلفة من مراحل انتقال السلطة في عُمان بعد وفاة والده الإمام أحمد. كما يظهر دوره في شرق أفريقيا في مرحلة مبكرة من عمره، حيث أرسله أخوه الإمام سعيد -الذي بويع بالإمامة بعد وفاة والده- إلى زنجبار وممباسا في عام 1198هـ/ 1783م لإخضاع المزاريع ولاة ممباسا، وقد نجح في مهمته بانتزاع اعتراف من المزاريع يقرون من خلاله بسلطة البوسعيد (المغيري، 2017، 210؛ الفارسي، 2015، 10). كما يشير المغيري إلى أن السيد محمد كان والياً على زنجبار من طرف السيد حمد بن سعيد الذي كلفه والده بإدارة شئون الحكم حوالي عام 1199هـ/ 1784م المغيري، 2017، 232).
   ومن الأدوار التي وثقتها المصادر التاريخية للسيد محمد وقوفه إلى جانب أخيه السيد قيس بعد الانقسام الذي خلفه مقتل أخيهما السيد سلطان عام 1219هـ/ 1804م وتولي ابنه سعيد الحكم بوصاية عمته السيدة موزة وخاله الشيخ محمد بن ناصر الجبري  وبعد تحولات في الولاء حسب ما اقتضته مجريات الأحداث التاريخية تحول السيد محمد إلى صف ابن أخيه السيد سعيد بن سلطان ومده بالعون السياسي والعسكري، ومما أشار إليه ابن رزيق: "فكتب محمد بن الامام لمن بحصن نروى وقلعتها من أصحابه أن يخلصوها للسيد سعيد بن سلطان بن الامام"، "وأعانه عمه السيد محمد ابن الامام برجال كثيرة من أهل السويق والخضراء" (ابن رزيق، 2001، 409،416،425،467). فالسيد محمد كان على قيد الحياة في السنوات الأولى من حكم ابن أخيه السيد سعيد بن سلطان وشهد الانقسام الذي حدث في الأسرة في تلك الفترة الزمنية، وتحلى السيد محمد بنفوذ مهم ومؤثر في كلٍ من عُمان وشرق أفريقيا، ففي عُمان كان يقع تحت سلطته السويق باعتباره والياً عليها، وبهلا ونزوى والمنطقة الداخلية عموماً ممثلاً لسلطة أخيه السيد قيس، مما كان يمثل وزناً سياسياً وعسكرياً مهما. وربما هذا الدور المؤثر والنفوذ القوي سيكون أحد الأسباب التي ستجعل السيد سعيد بن سلطان يتوجس من ابن عمه هلال بن محمد بعد ذلك.
• أخته السيدة جوخة:
  السيدة جوخة بنت محمد بن أحمد البوسعيدية هي الأخت الوحيدة للسيد هلال، وكان للسيدة جوخة بصمتها الخاصة، ومواقفها الاستثنائية، حيث يظهر الدور السياسي المهم للسيدة جوخة في أكثر من حادثة أبرزها حادثة سجن أخيها السيد هلال في عام 1829م، وحادثة استيلاء السيد حمود بن عزان على السويق في عام 1834م، حيث قامت السيدة جوخة بصد هذا الهجوم في غياب أخيها السيد هلال (ابن رزيق، 2001، 474؛ لوريمر، د.ت، 705؛ ولستد، 2017، 166؛ الجهورية، 2020، 1).
  كما يظهر موقف السيدة جوخة في عام 1861م، وهو العام الذي قُتل فيها أخيها السيد هلال، حيث برز موقف السيدة جوخة ودفاعها المستميت عن حصن السويق الذي تعرض لهجوم آل سعد للسيطرة عليه بعد قتل أخوها السيد هلال بن محمد، فطلبت المساعدة من ابن عمها السلطان ثويني إلا أن السلطان تباطأ في نصرتها فاستطاع آل سعد السيطرة على الحصن وانتزاعه من يد السيدة جوخة، وما لبث أن سقط الحصن في قبضة السيد عزان بن قيس –ابن والي الرستاق قيس بن عزان الذي قُتل مع السيد هلال- الذي أعلن ولاءه للسلطان ثويني بن سعيد لاحقاً (السالمي، 2016، 221؛ الشبلي، 2011، 94).
  وعموماً لا تذكر المصادر التاريخية ماذا حلّ بالسيدة جوخة بعد خروجها من حصن السويق؛ لكن الروايات الشفوية التي يتناقلها كبار السن في السويق تذكر توجهها إلى صحار. ونرصد بعض ما جاء في قصيدة يتناقلها كبار السن تصف الأحداث التي وقعت بين حاكم الرستاق السيد قيس بن عزان بن قيس بن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، ووالي السويق السيد هلال بن محمد بن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي سنة 1861م (الجهورية، 2020، 15):
وشكيت يا البيذامة      درجت عليج أمور
حسر الورق بركونه   وحكمن خذوه بالزور
صبري يا بنت محمد   كاد الزمان يدور
شروى يوسف واخوته   نحنا نأدي نذور

• زوجته السيدة عائشة بنت سلطان البوسعيدية:
  تزوج السيد هلال من ابنة عمه السيدة عائشة بنت سلطان -أخت السلطان سعيد بن سلطان- وأنجب ابناً واحداً هو السيد حمد الملقب براعي ظبية (الفارسي، 2015، 87). وله من الأحفاد ثلاثة، وهم السادة: سعود وحمود ومحمد. ويمكن التعرف على مكانة هذه السيدة من خلال نص أورده ولستد سجَّل فيه انطباعه بعد لقائه شخصياً بالسيدة عائشة أثناء مروره بالسويق كمحطة من محطات رحلته لعُمان فيقول ولستد: "زوجته استقبلتنا استقبالاً جيداً، وأكرمت ضيافتنا، وقد لاحظت أن أوامرها مطاعة، وكأنها تحل محل السيد، فأمرت خادميها بإكرامنا وقالت: اسهروا على راحة السادة ولا تتركوهم في حاجة لأي شيء وإلا قطعت أعناقكم. وقد تناولنا أفضل الخيرات من مطبخ السيد" (ولستد، 2017، 164). ويمكن القول أن السيد هلال كان محاطاً بسيدات ممن كان لهن دور استثنائي وفاعل؛ عمته السيدة موزة، وأخته السيدة جوخة، وزوجته السيدة عائشة. 
  ومما تجدر الإشارة إليه أن المؤرخ الفارسي يذكر معلومة تحتاج إلى التثبت؛ لأنها تناقض مجرى الأحداث التاريخية وهو أن السيد هلال عاش في زنجبار بعد زواجه من ابنة عمه السيدة عائشة، فيقول الفارسي: "وقد تزوج ابنه من السيدة عائشة بنت سلطان، أخت السيد سعيد، وعاشا في زنجبار". وفي نص آخر يذكر الفارسي: "وقد تزوج ابنه من السيدة بنت سلطان، وعاشا في زنجبار" (الفارسي، 2025، 67). فيبدو من مسار الأحداث التاريخية أن السيدة عائشة زوجة السيد هلال كانت تعيش في عُمان، وفي السويق تحديداً، وعندما قُتل زوجها السيد هلال سنة 1861م في المواجهة التي عُرفت تاريخياً بحادثة البيذامة، -والتي دارت بينه وبين السيد قيس بن عزان بن قيس ابن الامام أحمد والي الرستاق في عهد السلطان ثويني بن سعيد (1856-1866م)، عادت إلى زنجبار، حيث توجد إشارات في مواقع متفرقة تذكرها فيها ابنة أخيها السيدة سالمة (ت: 1342هـ/ 1924م) في مذكراتها- حينما تصف أيامها الأخيرة في زنجبار من عام 1867م قبل مغادرتها إلى عدن ثم ألمانيا- على لسان أخيها السيد ماجد الذي فاجأها بزيارة لها بعد أن وافقت على بيع مقاطعتها بوبوبو للقنصل الإنجليزي وقال لها: "عمتي عائشة التي تحبك كثيرا تعيش منذ بعض الوقت معنا أيضاً وسيسرها أن تراك ثانية" (البوسعيدية، 2006، 319).
• عمته السيدة موزة بنت الإمام أحمد:
  تعد السيدة موزة المثال الأشهر الذي تحفظه الذاكرة العُمانية عن حضور المرأة العُمانية السياسي، فهي ابنة الإمام أحمد بن سعيد مؤسس الدولة البوسعيدية وعمة السيد هلال بن محمد الذي تبحث الدراسة في سيرته وأدواره، فالحضور السياسي للسيدة موزة جاء في لحظة مصيرية تمثلت في الوفاة المفاجئة لأخيها السيد سلطان بن أحمد في 13 شعبان 1219هـ/ 16 نوفمبر 1804م عم السيد هلال. وتمخض عن تلك اللحظة التاريخية المفصلية أول قرار سياسي حاسم اتخذته السيدة موزة بتقديم ابن أخيها السيد سعيد بن سلطان في سدة الحكم في شعبان 1219هـ/ ديسمبر 1804م، متجاوزاً أخيه سالم الذي يكبره، وبرضى وتوافق من أخيه سالم (ابن رزيق، 2001، 388،408؛ الجهورية، 2019، 1).
   كان على السيدة موزة أن تتعامل مبكراً مع الحالة السياسية الجديدة التي تمخضت عن قرارها باستلام السيد سعيد لسدة الحكم بعد وفاة والده، ويمكن توصيف تلك الحالة بالرفض الذي أدى إلى حالة التمرد على السلطة القائمة، وأتى هذا الرفض والتمرد من أطراف عدة؛ ففي البداية جاء من أعمام السيد سعيد، وهم: عمه قيس وعمه سعيد، وعمه محمد، حيث قاموا بجمع الجيوش والتوجه نحو العاصمة مسقط. وكان تصرف السيدة موزة سريعاً ينم عن رباطة جأش ونباهة متفردة؛ إذ أرسلت لطلب ابن أخيها بدر بن سيف الذي كان في الزبارة بقطر. وفي مرحلة أخرى كان التمرد من قبل السيد بدر بن سيف والشيخ محمد بن ناصر الجبري (ابن رزيق، 2001، 409،411).
  كما يظهر الحضور السياسي المهم والمؤثر للسيدة موزة في حادثة تاريخية أخرى عُرفت بثورة السويق، التي حدثت أثناء غياب السلطان سعيد بين سنتي 1829-1830م –تم الإشارة إليها سابقاً-ويظهر أيضا إدارتها للموقف السياسي في أحداث عام 1832م، ظلت السيدة موزة تساند وتدعم السيد سعيد في شؤون الحكم حتى وافتها المنية، ولا يوجد تاريخ محدد لوفاة السيدة موزة، ويرجح أنها توفت بعد 10 سبتمبر من عام 1832م خلال سفر السلطان السيد سعيد بن سلطان إلى زنجبار (لوريمر، د.ت، 703). فبعد هذا التاريخ لا نجد ذكرًا للسيدة موزة، والمرجح وفاتها عن عمر يناهز 83 عاماً (الجهورية، 2022، 1).
• نشأة السيد هلال بن محمد في السويق:
  نشأ السيد هلال -كما يبدو من سياق الأحداث التاريخية- في السويق، واتخذ من حصنها مقراً لإقامته. ويمكن الإضاءة قليلاً على هذه المدينة وحصنها، فالسويق إحدى ولايات محافظة شمال الباطنة، تطل على بحر عُمان من جهة الشمال، وتحدها من الجنوب نيابة الحوقين بولاية الرستاق، ومن الشرق ولاية المصنعة، ومن الغرب ولاية الخابورة (الموسوعة العُمانية، 2013، مج5، ص1917). يصف ولستد السويق في عام 1836م: "بلدة صغيرة ذات أسوار، وتضم حوالي 700 منزل، ويقع الحصن في منتصفها، ويقوم بحراسته خادمو السيد. وهذا الحصن عبارة عن مبنى قوي، ويوجد على أبراجه بعض المدافع، وقد اعتاد العرب وضع مدفعين أو ثلاثة بالقرب من مدخل حصونهم" (ولستد، 2017، 170). 
  أما حصن السويق فهو تحصين دفاعي في السويق بمحافظة شمال الباطنة، يقع على ربوة في مركز الولاية، ويبعد مسافة 200م عن البحر، بالقرب من شاطئ بحر عُمان، وكان يحيط به سور البلدة الذي يرتبط بخندق من جهته الجنوبية، الحصن رباعي الشكل، طول جانبين من جوانبه 78م، وطول جانبه الثالث 38م وطول جانبه الرابع 47م، وبُني بالطفال (الطوب) والجص والخشب والحصى، وسُقِّف بسعف النخيل وخشب الساج الآسيوي والأفريقي وأخشاب الخيزران والقصب الهندي. قسم الحصن الجنوبي متقدم في البناء عن قسمه الشمالي، وكلاهما يعود بناؤه إلى الفترة من بداية إمامة سلطان بن سيف اليعربي عام 1059هـ/ 1649م إلى نهاية إمامة حفيده سلطان بن سيف بن سلطان عام 1131هـ/ 1719م، أما سور البلدة وخندق الحصن المندثران فإن بناءهما يعود إلى الفترة المتأخرة من عهد النباهنة. ورُمِّم الحصن في الستينيات من القرن العشرين الميلادي، ثم رمّمته وزارة التراث القومي والثقافة في سنة 1413هـ/ 1992م، وأُعيد ترميم بعض أجزائه في عام 1419هـ 1998م. وظل الحصن مقراً رسمياً لوالي السلطان على البلدة وحاميته وممثلي الدولة وغيرهم حتى ستينيات القرن العشرين الميلادي. زار مايلز الحصن في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وذكر أنه ثالث أهم المعاقل التحصينية على ساحل الباطنة بعد صحار وبركاء، ووصف بأنه يضم ثلاثة معاقل (قسمه الجنوبي وقسمه الشمالي وخندقه) ومجهز بمدافع (الموسوعة العُمانية، 2013، مج5، ص1920).
   ويمكن استخلاص ملامح من شخصية السيد هلال مما سجله ولستد في رحلته للسويق، من ناحية الصفات الخَلقية والخُلقية، فيصفه ولستد بأنه طويل وذو هيبة، وكان كريماً وسخياً ويدلل ولستد ذلك بهدية حصل عليها السيد هلال "تبلغ قيمتها حوالي 800 أو 1000 دولار، وبدلاً من الاحتفاظ بها قام بتوزيعها على أتباعه كهدايا". كما يصف ولستد المهارات القتالية التي تحلى بها السيد هلال، فيذكر بأنه "متفوق في النشاطات الحربية كلها، وهو يحب الصيد، وكذلك الرياضات الميدانية الأخرى، وأعتقد أنه أقوى رجل في دولته جسمانياً رغم أن بدنه نحيف ظاهرياً، هذا إلى جانب رشاقته وخفته" (ولستد، 2017، 164).
  أما من ناحية المكانة الاجتماعية التي تحلي بها السيد هلال ومستوى الرفاهية ورغد العيش الذي عاش في ظله فيقول ولستد: "يعيش السيد هلال في أبهة أكثر من جميع زعماء عُمان، وقد سمعت أن العبيد الموجودين في منزله يزيدون على مائة، ويرتبط عشرون أو ثلاثون منهم به شخصياً ويرتدون زياً رسمياً أنيقاً للغاية، وجبة ضخمة تكفي ثلاثين أو أربعين شخصاً من أصناف شتى كانت تقدم لنا أثناء وجودنا، وكانوا يحضرون لنا وجبات الطعام في أطباق نحاسية مرتين في اليوم، وقد لاحظت أن ثياب جميع الخدم على أفضل طراز فارسي، وسرعان ما أصبحنا شغوفين بما يطهونه من أصناف في مطبخهم، وفي هذه المناسبات كانت هناك وفرة من الأواني الصينية، والأواني الزجاجية، وكذلك دوارق بها شربات"(ولستد، 2017، 164).
  أما عن النفوذ والمكانة السياسية التي تمتع بها السيد هلال فيعبر عنها ولستد من أن السيد هلال الوحيد من بين شيوخ المنطقة الذي يناظر السيد سعيد بن سلطان. ويسوق ولستد حادثة فيقول: "وقد كنت قد أعددت له خطاباً من حكومة بومباي، وذكرت في خطابي مدى نفوذه على البدو في شمال عُمان، وقد كان مسروراً للغاية لذكرنا لهذه الملحوظة، ولذلك فقد أظهر اهتماماً كبيراً أثناء إقامتي هنا، وهذا يدل على كرمه وحسن أخلاقه" (ولستد، 2017، 164).
  هذا ويستخلص من مقابلة ولستد للسيد هلال واحتكاكه به بشكل شخصي وتوثيقه لذلك ما ذكره من معلومات توضح اطلاعه وثقافته، فيذكر ولستد: "وكان السيد يقضي عدة ساعات معنا بعد العشاء، وقد استمتعت كثيراً بتبادل الأحاديث معه حول شمال عُمان وقبائلها، وقد استفدت كثيراً من معلوماته الشيقة. وفي إحدى المرات التي جلسنا فيها مع هذا السيد كان برفقته راوي حكايات محترف، وقد لاحظت أنه ذو منزلة عنده، وقال السيد: (كلما أحسست بالحزن أو الضيق فإنني أرسل في طلب هذا الراوي الذي سرعان ما يعيدني إلى استقراري النفسي) ونظراً للهجة الراوي للحكاية المصطنعة لم أتمكن من متابعة خيوط الحكاية، وأخبرت السيد بهذاـ وهو لم يرد أن يحرمني من الاستمتاع بها، فأعطاني النص المكتوب للحكاية الذي أخذه من الراوي. وعندما قرأت هذا النص وجدت أنها قصة مطابقة لحكاية السندباد البحري الموجودة في كتاب ألف ليلة وليلة" (ولستد، 2017، 169). كما يدلل ولستد على الدعم الكبير والتقدير الذي يظهره السيد هلال لأخته السيدة جوخة، فيذكر ولستد: "وقد سمعت العديد من الحكايات عن مدى الحب والاحترام والتقدير الذي يكنه السيد هلال لهذه المرأة التي يدين لها بمركزه ومكانته" (ولستد، 2017، 166). تلك كانت شذرات عامة مما وثقه ولستد خلال زيارته للسيد هلال بن محمد في مقر إقامته في السويق.

ثانياً: النشاط السياسي للسيد هلال:
1. السيد هلال والياً على السويق:
  تولى السيد هلال السويق وأصبح بمثابة الحاكم عليها، فتنعته المصادر بصاحب السويق، في عهد السلطان سعيد بن سلطان (1219-1273هـ/ 1804-1856م)، وقد تولى هذا المنصب بعد وفاة والده السيد محمد الذي أدرك جزءًا من فترة حكم ابن أخيه السيد سعيد بن سلطان-حتى عام 1823م كان على قيد الحياة-، فيذكر السالمي: "... وأما السويق فقد كانت في يد محمد بن الإمام ثم صارت في يد ولده هلال بن محمد" (السالمي، 2016، 427)، فالسلطان السيد سعيد بن سلطان أقرَّ ابن عمه هلال بن محمد والياً على السويق خلفاً لوالده السيد محمد.
  استمر السيد هلال في منصبه كوالي على السويق ولربما من المستحسن استخدام مصطلح "حاكم" لأنها تعبر بشكل أدق عن مدى قوته واتساع نفوذه، حيث كان أشبه بحكم ذاتي بصلاحيات واسعة، كما أن حدود السلطة اتسعت وضاقت بحسب معطيات الوضع السياسي الذي كان آنذاك. وقد استخدم المؤرخان السالمي وابن رزيق هذا المصطلح للإشارة إلى سلطة السيد هلال وهو اللقب السياسي الذي عُرف به. وفي ذات السياق ينبغي الإشارة إلى أن السلطان سعيد بن سلطان اتخذ من زنجبار عاصمة ثانية لحكمه وأصبحت المقر الرئيس لإدارة شؤون الإمبراطورية مع تردده على عُمان في فترات معينة، هذا الأمر أفسح المجال أكثر لهذا النفوذ ولهذه المكانة للسيد هلال، كما أن السيد ثويني كان هو النائب عن والده في عُمان عند ذهابه لزنجبار، وهذا أيضاً يفسر التقارب الكبير بين السيد هلال بن محمد والسيد ثويني.
2. سجن السيد هلال عام 1829م:
  تعد هذه الحادثة من الحوادث المهمة التي تُبرز وجه من أوجه التنافس الخفي على السلطة، وتعود جذور الحادثة إلى عام 1829م عندما قرر السلطان سعيد بن سلطان الإبحار للمرة الأولى  إلى شرق أفريقيا تحديداً في ديسمبر 1829م، فقام بوضع ابن عمه وواليه على السويق السيد هلال بن محمد في السجن ضماناً للأمن الداخلي وخوفاً من الطموح السياسي للسيد الشاب هلال أخ السيدة جوخة. وعيّن ابن أخيه السيد محمد بن سالم وكيلاً ونائباً عنه على عُمان (لوريمر، د.ت، 703). يؤرخ ابن رزيق تلك الحادثة في فتحه المبين: "وولى السيد -يعني سعيد بن سلطان- على صحار ومسقط محمد ابن أخيه سالم بن سلطان، وكثرت السعاة مع السيد هلال بن محمد بن الإمام، وأوحشوه به، فأسرّ ذلك في قلبه، فأتى ذات يوم هلال إلى مسقط مُسلماً على السيد ووافداً عليه لبعض الشأن، فأسرّ السيد إلى محمد بن سالم بقبضه، فقبضه محمد في بيته، فأمر السيد بحمله، وقيده إلى مجلس الحصن الغربي، ففعل به كما أمر" (ابن رزيق، 2001، 474).  
  كان لأخت السيد هلال جوخة موقف حازم إزاء الأمر، فيصف لوريمر ردة فعل السيدة جوخة بعد حبس أخيها: "ولم يكد يبحر حتى وصلت السيدة جوخة -شقيقة هلال- هذه الشديدة المراس، فاستولت على السويق وأشعلت التمرد بهدف إطلاق سراح أخيها" (لوريمر، د.ت، 705). وينبغي التوقف قليلاً عند ما ذكره لوريمر فالسيدة جوخة لم تذهب إلى السويق بل كانت فيها على اعتبار أنها أخت الوالي ولم تشعل تمرداً بقدر ما هو موقف إزاء ما فعله ابن عمها السيد سعيد بأخيها.
  كما يشير ولستد لتلك الحادثة؛ لكن ينسبها للسيدة عائشة بنت سلطان زوجة السيد هلال، فيذكر: "وفور وصول هذا الخبر-يعني حبس السيد هلال- إلى مسمع زوجته، التي هي نفسها أخت السيد سعيد. قامت بإرسال رسل إلى جميع مختلف القبائل البدوية المؤيدة لزوجها، وأعدت تجهيزات أخرى من أجل مسيرة شخصية ضد سياسة الإمام، ولكن قبل أن تصلها أي معونة كان الإمام قد أرسل إلى السويق، قوة للاستحواذ على الحصن، فقالت لهم تلك المرأة الشجاعة: ارجعوا إلى الذي أرسلكم، وأخبروه أنني سوف أدافع عن الحصن بأقصى جهدي، وإذا دمرتموه ومزقتموني ألف قطعة لن أتراجع أبداً. وبالفعل لقد دافعت عنه بكل جرأة وبراعة حتى اضطر رجال الإمام بعد خسارة عدة رجال للتراجع والعودة إلى مسقط وبعد مرور عدة شهور اقتنع الإمام ببراءة السيد هلال من تلك التهم المنسوبة إليه، وسمح له بالعودة إلى مقر ولايته" (ولستد، 2017، 165).
  ومهما يكن من أمر في نسبة الحادثة فكلا السيدتين –جوخة وعائشة- كان لهما موقفيهما كون تربطهما علاقة مباشرة بالسيد هلال، فالأولى أخته والثانية زوجته. وتُظهر هذه الحادثة أيضاً موقف السيدة موزة التي وقفت إلى جانب السيد محمد بن سالم بن سلطان كونه كان نائب السلطان سعيد بن سلطان على عُمان. ويصف رودولف سعيد دور السيدة موزة في هذه الحادثة: "وما من موقف مثل هذا الموقف الخطر يظهر فيه نفوذ النساء العربيات وقوتهن؛ فمن الجهة الأولى توجد ثورة أشعلتها امرأة هي جوخة أخت هلال بن محمد بن الإمام، ومن الطرف الثاني كانت السيدة موزة بنت الإمام عمتها وعمة السيد سعيد تقاومها وتسعى في إحباط خططها. والحق أن هذه السيدة الباسلة كانت في ميادين القتال كما كانت على رأس مجلس الوصاية تمارس مع محمد بن ناصر نفوذها، وتفرض رأيها كما فعلت ذلك منذ ثلاثين عاماً خلت ضد بدر بن سيف. وبتحريض منها دفع محمد بن ناصر بألف وخمسمائة رجل من سمائل إلى صحار كما أقنعت القبائل الموالية بالالتفات حول صحار ومهاجمتها من الشمال" (روث، 1988، 100).
  وعموماً بعد هذا التطور المثير نتيجة حبس السيد هلال بن محمد، قام السلطان سعيد بن سلطان بإطلاق سراحه عند عودته إلى مسقط في مايو 1830م: "فلما وصلها -يعني مسقط- فكّ هلال بن محمد ابن الإمام من القيد، وفسح له من الحبس، فمضى هلال إلى السويق" (لوريمر، د.ت، 706: ابن رزيق، 2001، 467). وفي نهاية المطاف، انتهت تلك الأزمة التي كانت عنواناً من عناوين تأزم الوضع الداخلي في عُمان، والتي كشفت لنا دور أكثر من سيدة من سيدات عُمان في تلك الأزمة السياسية ذات الطابع العائلي.
3.  محاولة السيد حمود بن عزان توسعة نفوذه على حساب السيد هلال:
  احتدم التنافس على النفوذ في الباطنة بين السيد هلال بن محمد والسيد حمود بن عزان –والي صحار- الذي كان يطمح لمد سلطته على طول ساحل الباطنة وقد استغل غياب السيد هلال عن السويق لفترات طويلة بسبب دوره العسكري في حماية جبهة عُمان الشمالية. ويشير ولستد بشكل دقيق للتنافس الكبير في مد النفوذ على ساحل الباطنة بين السيد هلال والسيد حمود وعودة جذور ذلك التنافس للعام 1828م، فيذكر: "وفي عام 1828م عندما زارت سفن الاستكشاف هذا الساحل كانت معظم البلاد المحيطة ملزمة بدفع الجزية لهذا السيد –يعني السيد هلال بن محمد-...وبعد استقرار شيخ صحار –يعني حمود بن عزان- في إقليمه انقلبت الأوضاع، حيث أراد هذا السيد اكتساب قوة أكبر ضد شيخ سويق، فقدم للشيوخ الضعاف وأتباعهم عرضاً لا يمكن رفضه، حيث عرض عليهم إذا خضعوا لنفوذه وتركوا لواء سيد هلال أن يعفيهم من كل الرسوم التي كانت مفروضة عليهم من قبل السيد هلال، وبالطبع وافقوا على هذا العرض، وخلال أيام وجد السيد هلال أنه يفقد السيطرة والنفوذ التي كادت تجعله أقوى من الإمام –يعني السيد سعيد بن سلطان- نفسه، وبدأت البلاد تخرج من تحت سيطرته، وأصبح مثله مثل غيره من الشيوخ يأخذ معاشاً من الإمام" (ولستد، 2017، 165). 
  وفي ظل هذا التنافس المحموم على النفوذ في الباطنة بين السيد هلال بن محمد والسيد حمود بن عزان يشير لوريمر إلى حادثة محاولة استيلاء السيد حمود بن عزان على السويق في عام 1834م، حيث قامت السيدة جوخة بصد الهجوم الذي قام به السيد حمود بن عزان والي صحار على السويق في غياب أخيها السيد هلال، ويوضح ذلك ولستد، بقوله: "قامت أخت السيد-يعني السيد هلال- في موقف آخر بطريقة مماثلة عندما كانت مسؤولة عن الحصن نفسه ضد هجوم غير متوقع من سيد صحار، الذي كان ماراً في طريق رستاق ومعه قوة مكونة من 200 رجل تقريباً دون إظهار أي نية للهجوم على الحصن، وفجأة غير اتجاهه واتجه بقوته نحو جدران الحصن، وكان سيد سويق غائباً في هذا الوقت، فحلّت هذه السيدة الشجاعة مكانه، وقامت بإغلاق البوابات، وجمعت الحرس، وخطبت فيهم تحرضهم على القتال، وقامت باستغلال جيد للأسلحة على الأبراج، وبعد عدة محاولات فاشلة استمرت مدة ثلاثة أيام في محاولة اقتحام الحصن استسلم أخيراً لهزيمته، وتراجع عن مسيرته" (ولستد، 2017، 166؛ ابن رزيق، 2001، 474؛ لوريمر، د.ت، 707).
  كما أنه في ظل التنافس المحموم بين السيد حمود بن عزان والسيد هلال بن محمد طلب السيد حمود بن عزان من السيد سعيد بن سلطان إبعاد السيد هلال من السويق أو أن تُدفع له كحاكم لصحار مبالغ سنوية، ففي شهر ديسمبر من عام 1839م قام المقيم الإنجليزي بمحاولة صلح بين السيد سعيد بن سلطان والسيد حمود بن عزان تم على إثرها التوافق على دفع مبلغ سنوي للسيد حمود. ومع تطور مسار الأحداث وبتحالف السيد حمود بن عزان مع السيد سعيد بن سلطان في ضوء الصلح المبرم بينهما في عام 1839م، سقط حصن خورفكان في شهر يوليو 1841م بيد سلطة السيد سعيد بن سلطان بفضل مساندة السيد حمود بن عزان، "وكان السيد حمود بن عزان يطالب السيد ثويني بن سعيد، الحاكم بالإنابة، عدم تسليم حصن خورفكان إلى السيد هلال بن محمد، حاكم السويق، والذي كان في حوزته سابقا" (القاسمي، 2023، 207،210).
4. دور السيد هلال في التوسط بين الأخوين ثويني وماجد في عام 1859م:
  بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان في أكتوبر من عام 1856م ونشوب الصراع العائلي بين أبنائه حول من يتولى الحكم، كان للسيد هلال بن محمد حضور توفيقي في ذلك الجو المشحون وقام بدور الوسيط في تقريب وجهات النظر بين أبناء السيد سعيد: السيد ثويني والسيد ماجد، حيث يشير لوريمر إلى ذلك الدور فيذكر أن السيد هلال بن محمد رافق السلطان ثويني في فبراير 1859م إلى زنجبار في الحملة التي كان الهدف منها إخضاع زنجبار لحكم السيد ثويني بعد قرار أخيه السيد ماجد الانفصال بزنجبار وشرق أفريقيا عن الوطن الأم عُمان. ووصل السيد هلال إلى السيد ماجد قبل وصول الحملة ليبلغه بها؛ حيث لم يكن مؤيداً للسيد ثويني في شن هذه الحرب العسكرية. وتم إيقاف الحملة عند رأس الحد بعد تدخل بريطانيا  (لوريمر، د.ت، 730؛ السعدي، 2015، 106).
  وبالعودة إلى مسار الأحداث، فبعد استقرار نوعي للأوضاع تولى السيد ثويني الحكم في عُمان، وظل السيد هلال واليا على السويق، وكان وفياً لابن عمه الراحل بدعم حكم ابنه ثويني، حيث وقف إلى جانبه بعد انفجار الأوضاع المتمثلة في محاولة مبايعة السيد قيس بن عزان حاكم الرستاق ليكون إماماً على عُمان.
5. السيد هلال وسيطاً بين السلطان ماجد والسيد برغش في أعقاب انقلاب عام 1859م:
  لم تكن وساطة السيد هلال بين السيد ثويني وأخيه السيد ماجد الوحيدة، فينفرد الفارسي بالإشارة إلى وساطة أخرى للسيد هلال بين السلطان ماجد وأخيه السيد برغش في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها السيد برغش في عام 1859م، فيذكر الفارسي: "وفي أثناء معركة مشو ساند السيد ماجد. وكان هو الذي أرسله السيد ماجد للتفاوض مع السيد برغش" (الفارسي، 2015، 67). ولتوضيح حيثيات تلك الحادثة نجد أن السلطان ماجد (1273-1287هـ/ 1856-1870م) واجه في بداية حكمه تحديين، التحدي الأول مع أخيه السلطان ثويني بن سعيد سلطان عُمان، فبعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان في عام 1856م، بدأ الصراع بين أبنائه على الحكم، حيث لم يعترف السلطان ثويني –والذي كان نائبا عن والده السلطان في حكم عُمان- بحكم أخيه السلطان ماجد على زنجبار، وكان يعد نفسه حاكماً على كل من عُمان وزنجبار؛ لذلك حاول السلطان ثويني ضم زنجبار لتكون تابعة لحكمه، ووصلت الأنباء في زنجبار في يناير 1859م عن استعداد السلطان ثويني لإرسال حملة عسكرية إلى زنجبار، على إثر تلك الأخبار قام السلطان ماجد بالاستعداد للمواجهة المرتقبة فجهّز بوارجه الحربية لصد الهجوم المحتمل الذي لم يتم بسبب اعتراض حكومة الهند - حكومة الهند هو المصطلح الذي يشير إلى سلطة الاستعمار الإنجليزي في الهند، ويطلق على أعلى منصب فيها: نائب الملك/الملكة والحاكم العام في الهند- على الأسطول القادم من مسقط والتهديد بإغراقه (البوسعيدية، 2006، 140؛ المغيري، 2017، 279؛ لوريمر،د.ت، 730).
  أما التحدي الثاني الذي واجهه السلطان ماجد في بداية حكمه أيضاً كان مع أخيه السيد برغش ومحاولته الاستيلاء على الحكم في عام 1859م، فبعد انكشاف حيثيات الانقلاب على الحكم، تحصّن السيد برغش في مزرعة (شانبة) مرسيليا -(يذكر المغيري أنها مزرعة تحمل اسم مرسيليا وهو اسم لمدينة فرنسية، سماها السيد برغش بهذا الاسم تقديرا للفرنسيين بعد أن أهداه ملك فرنسا هدية ثمينة. يُنسب إليها الحرب التي وقعت بين السلطان ماجد وأخيه السيد برغش في عام 1859م لأنها المزرعة التي تحصن بها السيد برغش. يطلق عليها أيضا ثورة مرسيليا وبالسواحيلية حرب الماتشوي. أما السيدة سالمة فتذكر أن مزرعة مرسيليا لأخيها السيد خالد، وسماها بهذا الاسم لحبه لفرنسا وكل ما هو فرنسي )- فما كان من السلطان ماجد إلا مهاجمة المكان في 14 أكتوبر 1859م وإنهاء الانقلاب. وعلى إثر تلك الحادثة تم نفي السيد برغش إلى الهند بعد كتابة تعهد بعدم إحداث ثورة أو فتنة (التمرد) ضد أخيه السلطان ماجد. ومما يذكر في هذا المقام أن السلطان ماجد عفى عن أخيه السيد برغش وسمح له بالعودة إلى زنجبار بعد ثمانية عشر شهراً قضاها في منفاه في بومباي بالهند (المغيري، 2017، 275،277،292؛ البوسعيدية، 2006، 166؛ المعمري، 2016، 38).

 

ثالثاً: دور السيد هلال في التصدي لهجمات الوهابية:
•  الغزوات الوهابية على عُمان:
  لا يمكن فهم الدور المهم الذي قام به السيد هلال في التصدي لهجمات الوهابية على شمال عُمان تحديداً بعيدًا عن رصد هجمات الوهابية الأولى على عُمان والتي كانت بدايتها في عام 1800م ووصولهم إلى البريمي حيث تم عقد هدنة بين السيد سلطان وقائد الوهابيين سالم الحريق - أبرز قواد جيش الأمير سعود-؛ لكن الوضع تأزم لاحقاً وقام الوهابيون بشن حملة على عُمان في عام 1803م حيث دخلت قوات الوهابيين بقيادة الحريق إقليم الباطنة "وارتكبت أهوالاً تفوق كل وصف" على حد تعبير لوريمر. وأرسل السيد سلطان قوة عسكرية لتدافع عن السويق التي كان الخطر يتهددها لكن الوهابيين "سحقوها وأبادوا أفرادها عن بكرة أبيهم" بوصف لوريمر أيضا. (لوريمر، د.ت، 668،680) عقد السيد سلطان اجتماعاً في بركاء وتقرر رفع الحصار عن صحار وإخراج الوهابيين من السويق وحددت الخابورة نقطة تجمع قوات القبائل وفي هذه الأثناء وصل للحريق خبر اغتيال سيده عبد العزيز في الدرعية فتراجع الحريق من صحار إلى البريمي وزال الخطر مؤقتا.
  يذكر ابن رزيق في الصحيفة القحطانية أن السيد سلطان جمع جيوشه وحدد الخابورة نقطة التجمع: "ومضى سلطان إلى مسقط وجهز مركبه الفلك، ووضع فيه من آلة الحرب والتمر والأرز شيئا كثيرا، وحمل معه على طريق البر عشرين ألف قرش، فوافاه المركب الفلك وهو يومئذ بالخابورة في بحر الخابورة، واجتمعت مع سلطان أقوام كثيرة، فزعم بعض الناس أن عدد أولئك القوم ثلاثون ألفا والله أعلم. وجمع قيس عسكراً وكان عددهم مما زعم بعض الناس اثني عشر ألفا والحريق الوهابي يومئذ معسكر بالعوهي...فلما عزم سلطان على النقلة إلى صحار أتاه رسول قيس بكتابه إن الحريق لما أخبر بجموعنا انهزم ليلا من العوهي وأحرق خيامه ورجع إلى البريمي فلما وصلها لم يمكث فيها إلا قليل، إلى أن رجع إلى نجد" (ابن رزيق، 2009، 352).
  بعد وفاة السيد سلطان عام 1804م تدخل الوهابيون في شؤون عُمان بعد استدعاء السيد بدر بن سيف الذي ارتبط بهم بعد نفيه من عُمان، حيث استدعته السيدة موزة وصية العرش بعد تقديمها السيد سعيد لسدة الحكم خلفاً لأبيه سلطان، وقد وجد بدر نفسه مرغماً على طلب العون من الوهابيين بعد حصار السيد قيس ابن الإمام لمسقط، على إثر ذلك تحركت قوات كبيرة من الوهابيين إلى مسقط وقاموا بأعمال تخريب كبيرة على نحو ما يصف ذلك لوريمر، وقفلوا عائدين بعد استقرار الوضع في مسقط بانسحاب قيس إلى صحار ووصاية السيد بدر على الحكم في مسقط (لوريمر، د.ت، 684).
   وبعد مقتل السيد بدر على يد السيد سعيد بن سلطان في عام 1807م وتربعه على العرش بشكل مطلق وكامل بدأ فصل جديد من هجمات الوهابيين على عُمان الذين كانوا ساخطين على توليه السلطة ومقتل حليفهم بدر، فجاءت حملات الوهابيين بقيادة مطلق بن محمد المطيري - قائد الجيش السعودي الذي توغل في عُمان وقُتل على يد الحجريين في ولاية بدية بشرقية عُمان عام 1228هـ/1813م- ففي عام 1809م استولى الوهابيون على شناص، ثم تقدم مطلق في عام 1811م نحو صحار وحاصرها لكنه لم يستطع الاستيلاء عليها فتقدم إلى مسقط وحاصرها هي ومطرح وبركاء وفي عام 1812م  تحركوا باتجاه الباطنة مرة أخرى ثم مسقط ومطرح ثم صور وجعلان حيث ارتكبوا العديد من المجازر وعاثوا فساداً ثم عادوا إلى البريمي. وفي عام 1813م اجتاح القائد الوهابي مطلق إقليم الباطنة واتخذ من السويق مقراً له، ثم عاد إلى البريمي. وفي نوفمبر 1813م لقي القائد الوهابي مطلق حتفه على يد الحجريين في الشرقية. وفي عام 1814م مات سعود أمير الوهابيين في الدرعية وتلاشى خطرهم (لوريمر، د.ت، 690).
  عموماً اشتدت الغزوات الوهابية على عُمان في عهد السيد سعيد بن سلطان، بالتحديد خلال الفترة (1807- 1813م) بقيادة مطلق المطيري، التي أحدثت قواته حالة من عدم الاستقرار في عُمان. (الصقري، 2006، 10). ففي عام 1830م تم عقد حلف بين السيد سعيد والوهابيين احتفظ فيه كل طرف بحدوده القائمة، وفي بداية عام 1845م وأثناء غياب السيد سعيد طويلاً في شرق أفريقيا عاد تهديد الوهابيين في البريمي وهاجموا مجيس وبعد مشاورات بين الطرفين تم عقد صلح بين ثويني بن سعيد نائب السيد سعيد على عُمان وسعد بن مطلق قائد الوهابيين - كان نائب الأمير/ الإمام فيصل في واحة البريمي- لكن سرعان ما قام الوهابيون بخرق هذا الصلح وشنوا حملة على بركاء وتقدموا باتجاه مسقط وهنا تدخل البريطانيون ووقفوا إلى جانب السيد ثويني وهكذا انتهت الحملة وعادت مجيس إلى عُمان، "ويبدو أن سمعة الوهابيين قد تأثرت بهذه التسوية لأننا نجد عدداً من الرؤساء المحليين ومشايخ القبائل- وخاصة بني سعد- يرفعون السلاح ضدهم وأصبح مبعوثوهم بعد ذلك إلى إقليم الباطنة يسجنون أو يعاملون بازدراء" (لوريمر، د.ت، 713).
• السيد هلال بن محمد ودوره في صد هجمات الوهابية:
  اضطلع السيد هلال بدور مهم في الجانب العسكري وبالتحديد في تأمين حدود عُمان الشمالية من هجمات الوهابية، ويمكن استخلاص ملامح ذلك الدور من خلال ما قدَّمه ولستد من أمثلة حية من واقع زيارته المباشرة للسيد هلال والتي من خلالها صرح بماهية الدور العسكري الذي قام به السيد هلال خلال فترة حكم ابن عمه السلطان سعيد بن سلطان في التصدي لهجمات الوهابية، وما هذا الدور إلا استكمال لجهود والده السيد محمد. فيذكر ولستد غياب السيد هلال عن السويق عند وصوله إليها في فبراير 1836م معللاً السبب خروجه لصد هجمات الوهابيين بحسب تعبيره. "وفي تمام الساعة الثالثة والنصف وصلنا إلى سويق، ولكننا وجدنا السيد غائباً عن البلدة في رحلة مفاجئة للبحث عن الوهابيين الذين يقال إنهم قريبون من البلدة.، ...، وفي المساء عاد السيد خائب الآمال من بحث فاشل" (ولستد، 2017، 164،170). 
  ويعزز هذا الدور ما وثقه ولستد من كفايات واستعدادات، حيث وصف ولستد مغادرته السويق بمرافقة السيد هلال لهم في موكب عسكري مهيب يصفه ولستد: "وفي يوم الجمعة الموافق الرابع من مارس وفي الحادية عشرة إلا ربعاً مساءً وبمصاحبة السيد و40 فارساً تقريباً تركنا البلدة، وبظهور هؤلاء الفرسان من البساتين وبانطلاقهم في السهول الواسعة، قاموا بإسعادنا باستعراض جميل لنظام الهجوم الحربي، وفي الجري، وإلجام الفرس، وقد كانوا يسيطرون على خيولهم بإحكام وشكيمة بالرماحة أو بحديدة اللجام وهي أداة شديدة القسوة" (ولستد، 2017، 170).
السيد هلال بن محمد واتفاقية البريمي (رجب 1269هــ/ نوفمبر 1853م):
  استمراراً لجهود السيد هلال في الجانب العسكري، تم توقيع اتفاقية البريمي بين عُمان والدولة السعودية الثانية في شهر رجب من عام 1269هــ/ نوفمبر 1853م، ومثَّل السيد هلال بن محمد البوسعيدي الجانب العُماني نيابة عن السيد ثويني بن سعيد نائباً عن والده السلطان سعيد بن سلطان (ت: 1856م)، ومثَّل الجانب السعودي الأمير عبد الله بن فيصل نائباً عن والده الإمام فيصل بن تركي (ت: 1865م). وهذه الوثيقة بملاحقها أوضحت (العنقري، 2007، 75):
- الرغبة الصادقة للطرفين في الصلح وإحلال السلم: "... فالذي صار عليه القرار والصلح والعهد فيما يصلح ذات المسلمين".
-  المكانة السياسية للسيد هلال بن محمد فقد كان نائبا عن السيد ثويني والذي بدوره كان نائباً عن والده السلطان سعيد بن سلطان الذي كان موجوداً في زنجبار في سنة توقيع الاتفاقية (نوفمبر 1853م).
- اللقب الذي استخدمه السيد هلال: "العبد المعتصم بالله هلال بن محمد" دائما ما يقرن بالجهاد، فالسيد هلال كان قائد الجيوش الذي تولى صد هجمات الوهابية عن شمال عُمان وكان الأقرب إلى الأحداث على أرض الواقع؛ لذلك تولى أمر هذه الاتفاقية وكانت بختمه، ختم السيد هلال: "الواثق بالله الصمد عبده هلال بن محمد". 
رابعاً: حادثة البيذامة ربيع الأول 1278هـ/ سبتمبر 1861م ووفاة السيد هلال:
  تعد حادثة البيذامة - شجرة عظيمة لها ورق عريض يقرب من الاستدارة وليس بمستدير تنتشر بشكل كبير في الباطنة- من الحوادث المهمة والمؤلمة في التاريخ العُماني التي أظهرت حالة الصراع الداخلي في عُمان وكانت نتائجها المباشرة وغير المباشرة مؤثرة على الداخل العُماني، حيث يسجل لوريمر في دليله التاريخي في سياق الحديث عن جهود السلطان ثويني بن سعيد في بسط سلطته على كامل التراب العُماني وجهوده في استعادة المناطق التي خرجت من نطاق سيطرته، أن آل سعد وبنو جابر أعلنوا خروجهم عن سلطة السيد ثويني في سبتمبر من عام 1861م بتحريض من السيد قيس بن عزان والي الرستاق، ورفض والي السويق السيد هلال بن محمد الانضمام إليهم محتفظاً بسلطته في السويق ضمن سلطة حاكم البلاد السلطان ثويني بن سعيد، وأدى ذلك الاختلاف إلى مواجهة عسكرية بين والي الرستاق السيد قيس مع والي السويق السيد هلال، والتي أفضت إلى قتل السيدين وتعرف المواجهة تاريخيا بواقعة البيذامة حدثت في مال موقوف لبيت مال كان يختص به هلال بن محمد بن الإمام في مكان يقال له الأرباع جنوب مركز السويق مباشرة  (السالمي، 2016، 221؛ لوريمر، د.ت، 734؛ الشبلي، 2011، 94).
  إن الحادثة التي ساقتها المصادر العُمانية حول وفاة السيد هلال تعد الأبلغ في التعبير والتأكيد على بسالة وشجاعة السيد هلال، وقد أرَّختها المصادر باسم (حادثة البيذامة)، وذكر الإمام نور الدين السالمي تلك الحادثة بالتفصيل في كتابه تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان حيث يشير إلى اقتتال السيد قيس بن عزان والسيد هلال بن محمد بسبب اختلاف توجههم السياسي، فالسيد هلال كان مؤيداً لابن عمه السيد ثويني وهو ما يخالف توجه السيد قيس بن عزان الذي أراد الاستقلال بإقليم الباطنة، فكانت المواجهة بينهما والتي حاول فيها السيد قيس اقناع السيد هلال بالانضمام معه ضد السيد ثويني وهذا ما رفضه مما أدى إلى مقتلهما، ومما ذكره السالمي في تأريخ تلك المواجهة: "... وجاء قيس ومعه خيار أهل آل سعد وكانوا قد أرادوا أن يقيموا الحجة على هلال ليأخذوه ببينة وبصيرة فإن امتنع عن الحق يقتلوه. وكان قيس رأس الأمر، وكان قد هيأ خادما له يقال له رصاص، وقال له إن قلت لك هات بشربة فاقتل هلالا، وكان هلال قد أحس بذلك في نفسه، فأخذ خنجره في يده يعبث به يقطع بعض الخوص الذي كانوا جالسين عليه وهو خوص قد اجتمع من عمل القيض يكون كثيرا في المجالس؛ فكلمه قيس وقال له: إن ثويني جبار ولا يجوز لك أن تعينه على المسلمين؛ ونريد منك أن تكف نفسك عن معونته؛ فقال أنا وثويني ولا نتفارق، فقال له قيس كان على هدى أو ضلال لا تفارقه، قال لا أجد منه بداَ، قال لا يجوز لك ذلك، قال أنا وثويني كرجل واحد ولا ينفك بعضنا عن بعض، وكان قد فطن لما يريدون ولكن منعه التكبر عن الحق وكانت في نفسه شجاعة يرى أنهم لا يقدرون عليه بشيء فلما أيسوا منه قال قيس للخادم شربة فوثب الخادم ليأتيه بماء ولا لوم عليه، فإنه هلال فلما رأى قيس ذلك سل كتارته من غمدها، وضرب هلالا في جبينه ضربة يرى أنها كانت تكشف صحلة رأسه، فوقعت بادرة الكتارة في البيذامة، وكانت من هناك ناتئة قليلا فمنعت كتارة عن استئصال رأس هلال، فمن حين ذلك ضرب هلال بخنجره في غلصوم قيس فقتله ومات قيس من حينه ووثب هلال إلى فرسه، وكان الدم قد غشى عينيه فرماه الحاضرون من أصحاب قيس بالرماح، فقضي عليه ومات الرجلان كلاهما" (السالمي، 2016، 431).
  هنا برز موقف السيدة جوخة بنت محمد أخت السيد هلال، حيث انبرت للدفاع عن حصن السويق الذي تعرض لهجوم آل سعد للسيطرة عليه بعد قتل واليه السيد هلال بن محمد. وعمدت السيدة جوخة في بادئ الأمر للمواجهة المباشرة مع آل سعد فحاربتهم بمن معها لمدة ثمانية عشر يوماً، قامت خلالها بطلب المساعدة من ابن عمها السلطان ثويني وفق ما أشار إليها أخوها بذلك إلا أن السلطان تباطأ في نصرتها مما دفع بآل سعد إلى الوثوب على الحصن وانتزاعه من يد السيدة جوخة بنت محمد التي كانت تصب عليهم العسل والخل الحارين وأوقعت خطتها تلك الكثير من القتلى والجرحى. إلا أن الحصن ما لبث أن سقط في قبضة السيد عزان بن قيس الذي أعلن ولاءه للسلطان ثويني بن سعيد لاحقاً (السالمي، 2016، 431،432).
   تجدر الإشارة إلى أن سنة 1861م تحمل أحداثاً جساماً ومفصلية في التاريخ العُماني، تمثلت أولاً في إعلان قرار كاننج 12 أبريل عام 1861م بتقسيم الإمبراطورية العُمانية، وثانياً في اغتيال السيد هلال في ربيع الأول 1278هـ/ سبتمبر 1861م فكانت سنة ثقيلة على السلطان ثويني الذي فقد حلمه باستعادة الإمبراطورية العُمانية ككيان موحد، وفقد أهم رجال الأسرة البوسعيدية السيد هلال الذي كان العقل الناصح والسيف الأمين.

خاتمة:
  بعد تناول شخصية السيد هلال بن محمد بن أحمد البوسعيدي، من خلال أربعة محاور؛ النسب والعائلة، والنشاط السياسي للسيد هلال، ودور السيد هلال في التصدي لهجمات الوهابية، وحادثة البيذامة ربيع الأول 1278هـ/ سبتمبر 1861م ومقتل السيد هلال. يمكن الخروج بعدد من الاستنتاجات نجملها في الآتي:
أولاً: امتلك السيد هلال المقومات السياسية والعسكرية لكنه ظل مخلصاً للسلطة ودافع عنها بكل ما كان يملك من نفوذ وعتاد، وهذا الوفاء والإخلاص كلفه حياته بعد اغتياله في حادثة البيذامة التي كانت السبب الرئيس فيها انقلاب مباشر على السلطة الحاكمة والمتمثلة في حكم السيد ثويني الذي هو الآخر دفع حياته ثمناً لذلك فتم اغتياله على يد ابنه سالم سنة 1282هـ/ 1866م، فكان السيد هلال بن محمد اليد اليمنى للسلطان السيد سعيد بن سلطان وقائده العسكري المحنك ومستشاره السياسي الفذ. 
ثانياً: تختزل سيرة السيد هلال ملامح من أشكال العلاقة بين أفراد الأسرة الحاكمة "البوسعيدية" التي انفصلت سياسياً إلى كيانين سياسيين بعد وفاة مؤسس الإمبراطورية العُمانية السلطان سعيد بن سلطان وفق تحكيم كاننج 1861م إلى سلطنة عُمان ويحكمها السيد ثويني، وسلطنة زنجبار ويحكمها السيد ماجد، وهذه العلاقة تتضح من خلال جانبين: الجانب الأسري، من خلال زواجه بالسيدة عائشة واستمرار التواصل مع الأسرة في شرق أفريقيا عبر الزيارات أو استقرار زوجته وابنه حمد بشكل دائم في زنجبار بعد مقتله في عام 1861م والجانب السياسي ويتبدى من خلال الدور الذي قام به السيد هلال في عهد السيد ثويني وتوسطه مع أخيه السلطان ماجد، ثم توسطه بين السلطان ماجد وأخيه السيد برغش.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


المصادر والمراجع:
أحلام بنت حمود الجهورية. (2022). السيدة موزة بنت الإمام: لؤلؤة في جِيدِ عُمان (ج1)، (ج2)، صحيفة أثير الإلكترونية، 15، 19 أكتوبر 2022م.
أحلام بنت حمود الجهورية. (2020). حفيدة الإمام المؤسس وسيدة السويق: جوخة بنت محمد البوسعيدية. مجلة الفلق الإلكترونية، ع112، سياسة/شخصية، 16 أكتوبر 2020م.
أحلام بنت حمود الجهورية. (2019). سيدات الفتح المبين (1) و (2). جريدة الرؤية، 9 و10 يوليو 2019م.
أحمد بن حمود المعمري. (2016). عُمان وشرقي أفريقيا. ترجمة: محمد أمين عبد الله، ط3، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
جون جوردن لوريمر. (د.ت). دليل الخليج (القسم التاريخي).. مج2، الدوحة: مكتب صاحب السمو أمير دولة قطر.
جيمس ولستد. (2017). رحلات في الجزيرة العربية: عُمان ونقب الهجر. ترجمة: أحمد عبد الباقي وأحمد الشرقاوي. ط1، بيروت: مؤسسة الانتشار العربي.
حمد بن سالم الشبلي. (2011). السويق في ذاكرة التاريخ. ط1، د.م:  د.ن.
حمد بن عبد الله العنقري. (2007). اتفاقية البريمي بين الدولة السعودية الثانية وسلطنة مسقط وعُمان (1269هـ/ 1853م)، مج33، ع3، ص75- 132: الدارة، دارة الملك عبد العزيز.
حميد بن محمد ابن رزيق (ت: 1291هـ/ 1874م). (2001). الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين. تحقيق: عبد المنعم عامر ومحمد مرسي، ط5، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
حميد بن محمد ابن رزيق (ت: 1291هـ/ 1874م). (2007).  السيرة الجلية سعد السعود البوسعيدية. تحقيق ودراسة: عبد الرحمن السالمي، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
حميد بن محمد ابن رزيق (ت: 1291هـ/ 1874م). (2009). الصحيفة القحطانية. تحقيق وتقديم: محمود السليمي وآخرون، ج5، ط1، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
الرصيد الوثائقي للسلطان سعيد بن سلطان، هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وصية السيد سعيد بن سلطان: OM.NRAA.A.2.1.3.26
الرصيد الوثائقي للسلطان ماجد بن سعيد البوسعيدي، هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، مسقط، سلطنة عُمان، علاقات خارجية مع بريطانيا، ميراث ووقف (1):  OM.NRAA.A.2.2.1.2.1.1 
الرصيد الوثائقي للسلطان ماجد بن سعيد البوسعيدي، هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، مسقط، سلطنة عُمان، علاقات خارجية مع بريطانيا، المساهمة السنوية المقررة لعُمان من زنجبار: OM.NRAA.A.2.2.1.2.1.9 
 رودولف سعيد روث. (1988). السيد سعيد بن سلطان 1791-1856م سيرته ودوره في تاريخ عُمان وزنجبار. ترجمة: عبد المجيد حسيب القيسي، ط2، بيروت: الدار العربية للموسوعات.
سالمة بنت سعيد البوسعيدية (ت: 1342هـ/ 1924م). (2006). مذكرات أميرة عربية. ترجمة: سالمة صالح، ط2، بيروت: منشورات الجمل.
سعيد بن علي المغيري (ت: 1381هـ/ 1962م). (2017). جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار. تحقيق: محمد الصليبي، ط5، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
سلطان بن محمد القاسمي. (2023). تاريخ أئمة البوسعيد في عُمان 1749-1856م. ط1، الشارقة: منشورات القاسمي.
سيف بن حمود البطاشي (ت: 1420هـ/ 1999م). (2014). الطالع السعيد نُبذ من تاريخ الإمام أحمد بن سعيد. ط2، مسقط: د.م.
فهد بن علي السعدي. (2015). التأريخ السياسي والعلمي للسويق والمصنعة. 9 مجلدات، ط1، مسقط: مركز ذاكرة عُمان.
عبد الله بن حميد السالمي (ت: 1332هـ/ 1913م). (2016). تُحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان. ط1، جزءان، مسقط: مكتبة الجيل الواعد.
عبد الله بن صالح الفارسي (ت: 1402هـ/ 1982م). (2015). البوسعيديون حكام زنجبار. ترجمة: محمد أمين، ط5، سلسلة تراثنا، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
مجموعة باحثين. (2013). الموسوعة العُمانية. 10 مجلدات، ط1، مسقط: وزارة التراث والثقافة.
ناصر بن عبد الله الصقري. (2006). علاقة الدولة السعودية الأولى بعُمان خلال الفترة من 1215هـ/ 1800م إلى 1233هـ/ 1818م. رسالة ماجستير، مسقط: كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة السلطان قابوس.
ناصر بن منصور الفارسي. (1994). نزوى عبر الأيام معالم وأعلام. ط1، نزوى: نادي نزوى.

الملاحق:

1. اتفاقية البريمي بين الدولة السعودية الثانية وسلطنة مسقط وعُمان (1269هـ/ 1853م)