ولاة عُمان في العصر الراشدي وأهم أعمالهم (11-40هـ / 632- 660م).

الباحث المراسلد. سليّم الهنائي قسم التربية - جامعة نزوى
ميعاد الغافرية وزارة التربية والتعليم
فاطمة الكعبية وزارة التربية والتعليم
أبرار الشكيلية جامعة نزوى

تاريخ قبول البحث :2022-12-16
تاريخ نشر البحث :2023-05-29
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك  |   تحميل المقال

ولاة عُمان في العصر الراشدي وأهم أعمالهم
(11-40هـ / 632- 660م)
إعداد:
الدكتور سليّـــــم بن محمد الهنائي            الأستاذة ميعـــاد بن خليفة الغافرية
       الأستاذة أبــرار بنت علي الشكيلية     الأستاذة فاطمـــة بنت علي الكعبية
الايميل: Slim996@hotmail.com

الملخص
ساهمت الأحداث التي وقعت بعد وفاة النبي ﷺ في الكثير من التغييرات السياسية في المناطق التي خضعت لسلطة المدينة المنورة، فقد كانت حرب الردة ومن ثم الفتوحات في العصر الراشدي الأثر الكبير في تلك التقلبات السياسية في أنحاء الجزيرة العربية، هذه التقلبات أظهرت الحاجة إلى تدعيم سلطة المدينة المنورة عن طريق تعيين الولاة على الأقاليم والمناطق التي خضعت لسلطة يثرب منذ عهد النبي ﷺ، وقد استمر الحال طوال فترة الخليفة أبو بكر وعمر، لكن في خلافة كل من عثمان وعلي تبدلت الأوضاع السياسية مما ساهم في عدم وضوح الأوضاع السياسية التي كانت سائدة في بعض أقاليم الجزيرة العربية ومنها عُمان، لذلك يسعى هذا البحث للحديث عن الولاة الذين تولوا السلطة في عُمان في العصر الراشدي من أجل تسليط الضوء حول الكثير من الأحداث التي وقعت، خاصة وأن جوانب منها ما تزال يكتفنها الغموض حول الولاة الذين تم تعيينهم في عُمان والفترات التاريخية لوجودهم. كما يسعى البحث للكشف عن الأعمال التي قام بها أولئك الولاة خلال وجودهم في عُمان مما أنعكس على جانب آخر يتمثل في دور العُمانيين في حماية الإسلام من الجبهة الشرقية وفتح المناطق في الخليج العربي لتصبح مناطق إسلامية تتبع السلطة المركزية في المدينة المنورة. 
وعلى حد علم الباحثين فإن هذا أول بحث يتناول الولاة على عُمان وأعمالهم، وبسبب الغموض الذي يكتنف هذه الفترة كانت الحاجة ماسة للعودة للمصادر الإسلامية التي أشارت إلى هذه الفترة، ومن المتوقع أن يخرج البحث بنتائج تتمثل في عرض الوضع السياسي في عُمان في تلك الفترة، وكذلك فهم أعمق للتحولات الحادثة في عُمان في الفترة التي يتناولها البحث، وأخيراً معرفة الولاة الذين كانوا وأسباب تبديلهم بين فترة وأخرى.
الكلمات المفتاحية: عُمان، الخلفاء الراشدين، ولاة، عمال، أعمال
المقدمة
إشكاليات وتحديات عدة تظهر عند تسليط الضوء على جزء من تأريخ عُمان، تتمثل في غياب النص الذي يتناول الحقبة الأولى من عمر الإسلام في عُمان، ولئن كانت المصادر الإسلامية تناولت بعض تلك الفترة، ولكنه تناول على استحياء لا يتعدى بعض الإشارات، وهو وضع مشابه لكل من حاول أن يتناول تاريخ عُمان خلال القرون الهجرية الأولى، فشح المصادر وقلة ما كتب عن عُمان هو السمة البارزة في تلك الفترة.
إن الخلاف السياسي بين عُمان والدولة الأموية من جهة والدولة العباسية من جهة أخرى جعل مؤرخو تلك الفترة يحجمون عن تناول تأريخ عُمان إلا في حال كانت الأحداث مرتبطة بالدولة المركزية سواء كانت في المدينة المنورة أم دمشق أم بغداد، هذا على الجانب السياسي، أما على الجانب الحضاري فربما كانت المادة أوفر حظاً خاصة مع تناول الجغرافيين المسلمين لموضوعات لا تمس الجانب السياسي، لذلك فإن الباحث عندما يتناول جانب تأريخي سياسي يتعلق بعُمان فإنه يصدم من شح المصادر، وبالتالي يعول على مصادر ثانوية إن وجد فيها، أو يتجه نحو عملية الاستقراء وربط الأحداث مع بعضها للوصول إلى صورة أقرب ما تكون للواقع.
إن الحديث عن الولاة الذين كانوا على عُمان في العصر الراشدي يؤدي إلى نوع من الارتباك في البحث؛ وذلك لتداخل الأحداث وعدم تفصيل المصادر لها، كما أن بعض المصادر تتعارض مع بعضها البعض، ليقف الباحث في حيرة بسبب هذا التداخل بين أسماء الولاة والأحداث، وهذا يعطينا تفسير مؤكد لما ذكرنا سابقاً من إحجام مؤرخو الدولة الإسلامية عن الحديث عن تأريخ عُمان، ومع ذلك حاولنا جاهدين تناول حقبة ولاة العصر الراشدي على عُمان، مع العمل على التحليل والاستنتاج للوصول إلى مقاربة منطقية للواقع، مع أملنا أن يكون البحث فاتحة أبحاث ودراسات تتناول هذه الفترة والتي سعى فيها البحث لعرض الأحداث السياسية في تلك الفترة وانعكاسها على جوانب قد تكون دينية أو حضارية. كما نسعى أن نرسم صورة للوضع السياسي الذي كانت عليه عُمان في العصر الراشدي من أجل إزالة اللبس الذي يعتري تلك الفترة، وسوف يخضع البحث للمنهج التأريخي التحليلي، إذ أن الشح في المادة المتوفرة عن موضوع البحث يجعل خيار التحليل والاستنتاج هو السبيل الأقرب للوصول إلى مقاربة واقعية.

The events that took place after the death of the Prophet, peace be upon him, contributed to many political changes in the areas that were subject to the authority of Medina. The war of apostasy and then the conquests in the Rashidun era had a great impact on those political fluctuations throughout the Arabian Peninsula. These fluctuations showed the need to strengthen the authority of Medina. Al-Munawwarah by appointing governors over the regions and regions that have been subject to the authority of Yathrib since the time of the Prophet, peace be upon him, and the situation continued throughout the period of the caliph Abu Bakr and Omar, but in the succession of both Othman and Ali, the political situation changed, which contributed to the lack of clarity of the political situation that prevailed in some regions The Arabian Peninsula, including Oman, so this research seeks to talk about the governors who assumed power in Oman in the Rashidun era in order to shed light on many of the events that took place, especially since aspects of them are still shrouded in mystery about the governors who were appointed in Oman and the historical periods of their existence. The research

عُمان والدخول في الإسلام
يمتد إقليم عُمان في الفترة موضوع البحث ليشمل مساحة واسعة تصل نحو خور العيديد في قطر، وقد تميزت عُمان بموقعها الجغرافي ذو البعد التأريخي والحضاري، وقد أشار المقدسي إلى عُمان فقد جعل جزيرة العرب أربع كور ومنها عُمان (1987، ص.37)، وحدد الحموي (1979، مجـ:3، ص.348) عُمان وطولها أربع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، والقزويني (1984، ص.56) أشار بأن عُمان تقع شرق هجر، وقد ساعد هذا الموقع أن تكون عُمان حلقة اتصال بين الحضارات القديمة التي نشأت في بلاد الرافدين وفارس والهند وجنوب الجزيرة العربية.
وقد تعددت الأسماء التي أطلقت على عُمان، مثل اسم مجان الذي ورد في الكتابات السومرية، حيث ورد مع اسم دلمون وملوخا وهذا الاسم يعني جبل النحاس، كما أطلق عليها اسم كادي (ابن صراي، 1994، ص.14، 116)، لكن الاسم الشائع لها هو عُمان، وربما للاسم علاقة بالفعل عمن والتي تعني الاستقرار في المكان، حيث أنه من القرن الأول قبل الميلاد شاع هذا الاسم، واصبح المتعارف عليه في الكتابات اليونانية والرومانية، ويعني إقليم واسع يقع في الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، كما عرفت عُمان باسم مزون ويعني الأرض الخصبة، وهذا الاسم أطلقه الفرس على عُمان قبل مجيء مالك بن فهم. (ابن صراي، 2005، ص.34).
دخل أهل عُمان الإسلام بعد أن أرسل لهم الرسول ﷺ رسالة حملها عمرو بن العاص وأبو زيد الأنصاري، وعلى الرغم من الاختلاف حول السنة التي وصلت فيها الرسالة إلى عُمان إلا أن المصادر تجمع أنها في الفترة بين السنة السادسة والعاشرة للهجرة، مما يعني أن إسلام أهل عُمان كان في فترة مبكرة من عمر الإسلام، لقد أ رسل النبي ﷺ رسائل إلى ملوك وحكام الأقاليم المجاورة في الجزيرة العربية وخارجها، وقد استجاب بعضهم لرسالة النبي ﷺ ودخلوا في الإسلام طوعاً، وبعضهم رحب بالرسالة والبعض الأخر كان ردهم فظاً، وقد كان أهل عُمان من المناطق التي رحبت برسالة النبي ﷺ ودخلوا في الإسلام طوعاً. (البلاذري، 1988، ص.83؛ ابن سعد، 1997، جـ: 1، ص262؛ ابن كثير، 2009، جـ:8، ص.28؛ المسعودي، التنبيه والأشراف، ص.102؛ اليعقوبي، 2019، ص.135؛ أبو الفرج، 1981، ص.276؛ الأزكوي، 1986، ص.32؛ مايلز، 2016، ص.48، العاني، 1999، ص.97؛ السيابي، 1965، ص.45؛ السيابي، 2001، جـ:1، ص.122؛ فوزي، 2008، ص.53؛ العمري، 2001، ص.45؛ المعولي، 2002، ص.38؛ المسري، 1986، ص53؛ الحارثي، 1983، ص.8)
إذ رحب جيفر وعبد ابني الجلندى حكام عُمان برسالة النبي ﷺ بعد حوار شبه قصير جرى بينهم وعمرو بن العاص، وذلك من أجل التثبت من الوضع القائم في الحجاز والوضع السياسي بشكل عام في الجزيرة العربية، وبعد دخول عُمان في الإسلام أضحت تتبع الدولة المركزية في المدينة مع نوع من استقلال جيفر وعبد في الجوانب السياسية ولهم حرية التصرف فيما يتعلق ببلادهم (الأزكوي، 1986، ص.32؛ ؛ أبو الفرج، 1981، ص.276؛ السالمي، 1997، جـ:1، ص.33؛ سلطان، 1991، ص.28؛ العاني، 1999، ص.97؛ السيابي، 1965، ص.47؛ السيابي، 2001، جـ:1، ص.112؛ عاشور، 1980، ص40؛ فوزي، 2008، ص.53). 
وقد استمر عمرو بن العاص ومعه أبو زيد الأنصاري في عُمان يقومان بالمهمة التي أوكلها لهم الرسول ﷺ والمتمثلة في تعليم الناس أمور دينهم وجمع الزكاة، وذلك حتى وفاة النبي ﷺ في السنة الحادية عشر للهجرة، فخرجا مع وفد من أهل عُمان فيهم عبد بن الجلندى نحو المدينة المنورة. وهناك استقبلهم الخليفة أبو بكر الصديق ومعه الصحابة، وقام أبو صفرة مخاطباً أبو بكر الصديق "يا خليفة رسول الله ﷺ ويا معاشر قريش، هذه أمانة كانت في أيدينا وفي ذمتنا وديعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام فقد برئنا منها إليك" (ابن خياط، 1995، ص97؛ ابن الأثير، 1982، جـ1، ص.369؛ الأزكوي، 1986، ص.34؛ السالمي، 1997، جـ:1، ص.37؛  السيابي، 2001، جـ:1، ص. 122، 129؛ عاشور، 1980، ص.42؛ السيابي، 1965، ص.45؛ سلطان، 1991، ص.36؛ فوزي، 2008، ص.53؛ العمري، 2001، ص.45).
فنهض أبو بكر وأثنى على الوفد العُماني وخطب فيهم :"معاشر أهل عُمان إنكم أسلمتم طوعا، لم يطأ رسول الله ساحتكم بخفّ ولا حافر، ولا جشمتموه ما جشمه غيركم من العرب، ولم ترموا بفرقة، ولا تشتّت شمل ، فجمع الله على الخير شملكم، ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش، ولا سلاح، فأجبتموه، إذ دعاكم على بعد داركم، وأطعتموه إذا أمركم على كثرة عددكم، وعدّتكم....".  ويتضح من الخطبة التي ألقاها أبو بكر الصديق موقف العُمانيين بعد وفاة النبي ﷺ وأنهم لم يرتدوا كما ارتدت الكثير من قبائل العرب في الجزيرة العربية، وإنما ثبتوا على موقفهم على الإسلام (الأزكوي، 1986، ص.32، 34؛ عاشور، 1980، ص.42؛  السيابي، 2001، جـ:1، ص.130؛ الحارثي، 1983، ص12؛ المعولي، 2002، ص.40؛ اليعربي، 2019).
وأما فيما يتعلق بحادثة الردة التي ذكرتها المصادر الإسلامية والتي حدثت في دبا، فهناك أكثر من رأي فيها، وإن كان المقام ليس هنا للتفصيل فيها، ولكننا سنشير إلى الروايات التي ذكرت الحادثة، سواء روايات المصادر الإسلامية أم روايات المصادر العُمانية، فتشير المصادر الإسلامية إلى حدوث ردة في عُمان قادها شخص يدعى لقيط بن مالك الأزدي، وأنه تغلب على تلك الأنحاء، كما ألجأ جيفر وعبد إلى الجبال والسواحل، وقد أشار مايلز أن لقيط قد عارض منذ البداية الدخول في الإسلام، وأن أمر معارضته ظهر بشكل عملي عندما قام بحشد جيشه ضد الدولة المركزية في المدينة (2016، ص. 51)، فبعث جيفر وعبد إلى أبو بكر الصديق يطلبون منه المدد والمعونة لمقاتلة لقيط، فبعث لهم أبو بكر الصديق جيش يقوده عكرمة بن أبي جهل وحذيفة بن محصن الغلفاني وعرفجة البارقي، وأنهم تغلبوا على لقيط بعد المساعدة التي حصلوا عليها من قبل جيفر وعبد وبعض القبائل العربية مثل بنو ناجية، وقد أخذ عرفجة معه الغنائم والسبي وتوجه بها نحو المدينة المنورة، فيما خرج وفد من عُمان لرد السبي وكان فيهم سبيعة بن غزال الصليمي وهو سيدهم (ابن كثير، 2009، جـ:6، ص363؛ ابن الأثير، 1982؛ جـ:1، ص378؛ ابن خياط، 1995، ص97؛ الحميري، 1980، ص.232؛ العوتبي، 2006، جـ2، ص.613، 786، 799؛ الطبري، 2003، جـ: 2، ص292؛ ؛ أبو الفرج، 1981، ص.276؛ اليعقوبي، 2019، ص.135؛ الحموي، 1979، جـ:2، ص. 435، السالمي، 1997، جـ:1، ص.42؛ العاني، 1999، ص.107؛  436؛ السيابي، 1965، ص.45؛ السيابي، 2001، جـ:1، ص.133 - 136؛ سلطان، 1991، ص.40؛ فوزي، 2008، ص.53؛ العمري، 2001، ص.46). 
أما الرواية العُمانية فتتثمل في رواية خلف بن زياد البحراني، يروي أن سوء فيهم حدث بين امرأة من أهل دبا وجامعي الزكاة، مما أدى إلى صيحة المرأة فظنوا أنها صيحة جاهلية، فأخذهم حذيفة إلى أبي بكر في المدينة، واستمروا هناك حتى عهد عمر بن الخطاب الذي أطلق سراحهم عندما تولى الخلافة، وبناء على ذلك فإن رواية البحراني أقرب للواقعة زمنياً إذا ما قارنها بالمصادر الإسلامية (السير والجوابات، 1986)، والسالمي في تحفة الأعيان (جـ:1، ص.69، 70) يقول في تعليقه على الحدث أن العُمانيين أدرى بتأريخهم من غيرهم. (ابن سعد، 1997، جـ:7، ص101؛ الحميري، 1980، ص.232؛ مايلز، 2016، ص.52؛ العاني، 1999، ص. 107؛ العمري، 2001، ص.46).

 


المحور الأول: ولاة عُمان في عصر الخليفة أبي بكر الصديق وأهم أعمالهم
(11-13هـ / 632 – 634م)
وتعتبر المصادر الإسلامية شحيحة في الحديث عن الولاة الذين تولوا أمر عُمان في فترة الخلفاء الراشدين، ولذلك يجد الباحث في هذا الموضوع مشقة في العثور على أسماء الولاة، كما حدث مع العاني (1999، ص.118) الذي لم يشر إلى أي اسم للولاة خلال فترة الخلافة الراشدة.
إذا سلمنا بحادثة الردة في دبا فيعتبر حذيفة بن محصن الغلفاني أول والي للخليفة أبو بكر على عُمان، إذ أن أبو بكر عندما أرسل الجيوش إلى عُمان لمقاتلة لقيط قال لهم :"وكل منكم أمير على جيشه، وحذيفة ما دمتم بعُمان فهو أمير الناس" مما يعني أن حذيفة صار والياً على عُمان خلال بداية خلافة أبو بكر الصديق، وفي موضع آخر "وولى عُمان حذيفة العلقاني فلم يزل بها حتى توفي أبو بكر " وذلك كما أشرنا في التمهيد أن عمرو بن العاص وأبو زيد الأنصاري خرجوا من عُمان متوجهين نحو المدينة بعد وفاة النبي ﷺ مباشرة، لكن السالمي يرى أن جيفر وعبد كانا واليين على عُمان في فترة الخليفة أبو بكر، حيث يأخذان الصدقات ويرداها في أهلها، وقول السالمي ما يزالا متقدمين لا ينفي أن يكون هناك والي معين من قبل الخليفة أبو بكر وهو حذيفة الذي أشرنا له في بداية الحديث خاصة وأن عرفجة أخذ معه السبي وعاد إلى المدينة ولم يبق في عُمان سوى حذيفة بن محصن، كما أن رواية وردت عند ابن الأثير أن أبو بكر عين عكرمة بن أبي جهل والياً على عُمان، وهذا لا يتسق مع سياق الأحداث والتي تمثلت في توجه عكرمة إلى اليمن لقتال المرتدين بعد فراغه مباشرة من قتال لقيط. (ابن خياط، 1995، ص.97؛ ابن كثير، 2009م، جـ:6، ص.363؛ العوتبي، 2006، جـ2، ص.613؛ اليعقوبي، 2019، ص.135؛ ابن الأثير، 1982، جـ:1، ص.389؛ مايلز، 2016، ص.54؛ السالمي، 1997، جـ:1، ص.40؛ السيابي، 2001، جـ:1، ص. 123، 161؛ سلطان، 1991، ص.17، 42؛ فوزي، 2008، ص.53؛ العمري، 2001، ص.45، 46؛ الحارثي، 1983، ص31؛ المسري، 1986، ص90، 91).
وربما الصورة تتضح أن عُمان ظلت تحت مظلة الخلافة الإسلامية أياً كان الموقف المتمثل في حدوث الردة من عدمها، وربما الصورة الجلية تظهر بعد ذلك في الدور الذي لعبه العُمانيون في حرب المرتدين، والمتمثل في أن الخليفة أبو بكر الصديق كلف عبد بن الجلندى لحرب الغساسنة (آل جفنة)، حيث تمكن منهم وفي ذلك قال الشاعر حسان بن ثابت شعرا يمدح فيه العُمانيين، كما أثنى عليهم الخليفة أبو بكر وسلمهم كتاباً أقرهم فيه على حكم عُمان. (الأزكوي، 1986، ص.35؛ السالمي، 1997، جـ:1، ص.33؛ السيابي، 2001، جـ:1، ص.124، 133؛ عاشور، 1980، ص.42؛ فوزي، 2008، ص.53؛ سلطان، 1991، ص.36).
وقد استمر حذيفة والياً على عُمان طوال فترة أبو بكر، إذ أن ولايته بدأت بعد حادثة الردة واستمرت ثلاث سنوات مما يعني أنه عندما تولى الخلافة عمر بن الخطاب كان حذيفة ما يزال والياً على عُمان، وطوال فترة ولايته على عُمان كانت الأوضاع السياسية مستقرة، ولم تسجل أي حوادث، فقد كان جيفر وعبد معينين له، مثلما كان الحال في فترة ولاية عمرو بن العاص على عُمان، فقد تمتع جيفر وعبد باستقلال في القرار السياسي كما كان حالهم قبل الإسلام، وهو ما أقره لهم النبي ﷺ في الرسالة التي بعثها لهم مع عمرو بن العاص (الأزكوي، 1986، ص.32؛ مايلز، 2016، ص.55؛ السالمي، 1997، جـ:1، ص.33؛ السيابي، 2001، جـ:1، ص.161؛ عاشور، 1980، ص.45؛ سلطان، 1991، ص.17 العمري، 2001، ص.55). 
عمل الوالي في عمان في فترة الخليفة أبو بكر الصديق
أعمال الولاة في عُمان في فترة خلافة أبي بكر مشابهة لباقي فترات الخلافة الراشدة، وتتمثل في كونهم ناصحين وموجهين، كذلك يقومون بإقامة الصلاة وتعليم الناس أمور دينهم، كما يأخذون الزكاة من الأغنياء وترد للفقراء، وهذا مشابه لما كان عليه الحال فترة النبي ﷺ عندما كانت الزكاة توزع في عُمان ولا ترسل إلى المدينة المنورة، كما يقومون بالقضاء بين الناس، والتعريف بالإسلام، كما كان لهم دور في تجهيز المقاتلين للاشتراك في القتال في حرب المرتدين وفي الفتوحات الإسلامية لاحقاً، كذلك كان دورهم يتمثل في إدارة شؤون البلاد، وأخذ البيعة للخليفة، وتأمين البلاد، أما النواحي المتعلقة بالجوانب السياسية فهي وكما ذكرنا سابقاً يقوم بها حكام عُمان (ابن سعد، 1997، جـ:7، ص.101؛ العمري، 2001، ص.46، 47، 55، 76).
المحور الثاني: ولاة عُمان في عصر الخليفة عمر بن الخطاب وأهم أعمالهم
(13هـ - 23هـ / 634 – 643م)
يذكر الأزكوي (1986، ص.36) في حديثه عن عبد وجيفر أنها "لم يزالا متقدمين في عُمان إلى أن ماتا، وتولى من بعدهم عباد بن عبد بن الجلندى في زمن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب" (المعولي، 2002، ص.41؛ الحارثي، 1983، ص31؛ سلطان، 1991، ص.58؛ البرطماني، 2012، ص.40، 45)
عندما تولى الخلافة عمر بن الخطاب عزل حذيفة بن محصن الذي كان والياً في عهد أبو بكر على عُمان وجعله والياً على اليمامة، وعيَّن شخص يقال له بلال وهو رجلاً من الأنصار لم يمكث سوى فترة بسيطة حتى عزله وعين مكانه عُثمان بن أبي العاص الثقفي وذلك في السنة الخامسة عشر للهجرة، ليصبح بذلك واليًا على عُمان و البحرين، فسار إلى عُمان ووجه أخاه الحكم بن أبي العاص إلى البحرين، وفي رواية ذكرها اليعقوبي أن عامل عُمان طوال فترة الخليفة عمر بن الخطاب كان أبو هريرة، وهذا لا يتسق مع الأحداث التي حدثت والتي شارك فيها ولاة عُمان في تلك الفترة، وكذلك من خلال الروايات الأخرى التي ذكرتها المصادر الإسلامية (البلاذري، 1983، ص.89؛ اليعقوبي، 2019، ص.170؛ ابن خياط، 1995، ص.154؛ النويري، 1987، جـ:5، ص.300؛ ؛ أبو الفرج، 1981، ص.276؛ السيابي، 2001، العوتبي، 2006، جـ2، ص. 797؛  مايلز، 2016، ص 58؛ ابن الخياط، 1995، ص97؛ ؛ سلطان، 1991، ص.52؛ الحارثي، 1983، ص12؛ المسري، 1986، ص106)  
وقد سعى عمر من جعل البحرين وعُمان ولاية واحدة لتحقيق مرامي عسكرية تُسهم في حركة الفتوحات الإسلامية؛ ذلك من أجل توحيد الجبهة الشرقية ضد الفرس، إذ أن أهل عُمان هم أهل بحر، عرفوه وخبروه منذ القدم، كما أن دورهم في الفتوحات الإسلامية التي شاركوا فيها ساهم في رغبة الخليفة عمر في أن يكون لهم دور في الجبهة الشرقية من الخليج العربي، وفي المقابل فإن سلطة آل الجلندى المعينة لواليه جعلت الفاروق يقرر أن تكون المنطقتين تحت ولاية واحدة. (سلطان، 1991، ص 52؛  البرطماني، 2012،ص 65)
كان عبد وجيفر ابنا الجُلندى يحكمان عُمان فترة الخليفة عمر بن الخطاب، وكانت العلاقة مع الدولة المركزية حسنة، فكانا يُرسلان الصدقة تامةً، وقد ظلا يحكمان عُمان طيلةَ فترة الخليفة عمر بن الخطاب، فقد استمرت الإدارة الذاتية للبلاد تخضع للحاكمين الجلنديين بالاشتراك فيما بينهما، على الرغم من أن بعض المصادر التاريخية تشير إلى أن الخلفاء الراشدين قاموا بتعيين ولاةً على عُمان إلا أن آل جُلندى بشكلٍ عام ظلوا محافظين على سلطتهم في البلاد نظراً للأدوار التي قاموا بها، ويرجح بأن العمال الذين تم إرسالهم من قِبل الخلفاء الراشدين كان عملهم مقتصراً على السياسة العامة وتنظيم الأمور الإدارية من دون أن يتدخلوا في شؤون البلاد تدخلاً جذرياً. (مايلز، 2016، ص58؛ المرهوبي، 1980؛ البرطماني، 2012، ص63-64)
ليس هناك تاريخ محدد متفق عليه لوفاة عبد، ولكن مما لا شك فيه أنه قد توفي قبل جيفر؛ لأنه عندما توفي جيفر في مدينة نزوى في الثلاثين للهجرة فإن عباد ابن أخ جيفر قد تولى الحكم في فترة خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. (المرهوبي، 1980). ويذكر الأزكوي بأن عبد وجيفر "لم يزالا متقدمين في عُمان إلى أن ماتا، وتولى من بعدهم عباد بن عبد بن الجلندى في زمن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب".( الأزكوي،2013 ،ص849؛ المعولي، 2002، ص.41)
اشترك العُمانيين في الحروب في فترة عمر بن الخطاب ضد الفرس بالقوة البرية والبحرية وذلك لخبرتهم العميقة في الملاحة، ومن الملاحظ أن النشاط البحري في الجهة الشرقية متقدمٌ على النشاط البحري في بلاد الشام ومصر، كما أن الفرصة كانت سانحةً لنقل الجيوش من المناطق التي خضعت لسيطرة المسلمون إلى بعض الجزر الواقعة في الساحل الشرقي، إلا أن حركة الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام لم تكن الظروف مهيأة للقيام بها بسبب التفوق والغلبة البحرية للروم وسيطرتهم على البحر المتوسط. (العوتبي، 2006، جـ2، ص.798؛ البرطماني، 2012، ص64-65؛ سلطان، 1991، ص 52)
ذكرت المصادر التاريخية الدور الفعال الذي قام به العرب الذين يقطنون في الخليج، حيث انضموا بأعدادٍ كبيرة إلى جيوش عمر ابن الخطاب ومنها أزد عُمان (العوتبي، 2006، جـ2، ص.625؛ البرطماني، 2012،ص.65)، وقد أرسل الفاروق كتاب إلى عثمان بن أبي العاص الثقفي يأمره فيه بأن يقطع البحر لكي يحارب كسرى فارس، فلما استلم كتاب عمر "قال: أبغوني رجلا أشاوره، قالوا  أبا صفرة فدعاه، فقال: ما اسمك؟ قال: ظالم بن سراق، قال: اسمان من سماء الجاهلية، فكره الاسمين ولم يشاوره،" (العوتبي، 2006، جـ2، ص.626) فخرج عثمان مُلبياً ما أمره به عمر بن الخطاب ومُصطحباً معه أعدادً من أهل عُمان حيث تراوحت أعدادهم بين ألفين وستمائة إلى ثلاثة آلاف فارسٍ، غالبيتهم من قبيلة الأزد وراسب وناجية وعبد القيس، وكذلك أزد شنوءة بزعامة صبرة بن سليمان الحداني، وآل مالك بن فهم يترأسهم يزيد بن جعفر الجهضمي، وأبو صفرة يقود بني عمران بن عمرو بن عامر، فخرجت الجيوش بقوة وبسالة وواصلوا المسير إلى بلاد فارس فتغلغلوا في جميع نواحي بلاد فارس حتى وصلوا إلى أرض توج الواقعة في شمال العراق؛ فوقعت حرب عنيفة واشتد القتال ما بين طرفيها، وحقق المسلمون النصر، وأصبحت عمان مركز مهم للفتوحات الشرقية نحو بلاد فارس، ومنها يخرج المقاتلون العمانيون الذين خبروا البحر  منذ سنوات طويلة. (أبو الفرج، 1981، ص.413؛ السيابي، 2001، ص165-166؛ السالمي، 2016، ص41؛ الحارثي، 1983، ص12؛ المسري، 1986، ص107) 
لقد استمرت عُمان ترسل الصدقة طوال فترة الخليفة عمر، كما أن المشاركة في الفتوحات الإٍسلامية مهدت السبيل في السيطرة على مساحات واسعة من شرق الخليج العربي وجزره، وبالتالي وسعت مساحة الدولة الإسلامية وأدخلت أراضي جديدة في الدولة الإسلامية، مما يعني زيادة الضرائب والخراج الذي يصل للمدينة المنورة. (السيابي، 2001، ص168)
كان لعمر بن الخطاب نهجاً معينا عند اختيار الولاة، فكان يختبرهم حتى أن مدة الاختبار قد تطول في بعض الأحيان لتصل قرابة الحول، وكان يستمر في مراقبتهم حتى بعد أن يعينهم، وقد يستدعيهم للمحاسبة والمساءلة إن بدر منهم خطأ أو تقصير، كما أنه كان شديد الحرص على أن يكون العامل عارفا بنفس رعيته فكان شديد الحرص على أن لا يولي بدوياً على الحضر فلكل منهم عاداته وطبائعه التي نشأ وترعرع عليها، كما أنه حرص على كتابه ما يسمى بعهد التعيين ووجود شهود يشهدون على هذا القرار، وقد كان يكتب للولاة كتب يأمرهم فيها بالمساواة والعدل بين رعيتهم، كما أنه كان يحثهم على زيارة المرضى ومتابعة احوالهم، وأن يجتمعوا بالمستضعفين من رعيتهم؛ ومن لا يعمل بما يوصيهم به يعاقبهم بالعزل أحياناً. ولم يغفل عن الاهتمام بالجانب التعليمي فقد أرسل المعلمين إلى العديد من الأمصار المختلفة ومن الجدير بالذكر ان الولاة أنفسهم كانوا من أهم المعلمين في أمصارهم. (العمري، 2001، ص192-194-201-207-212)
المحور الثالث: ولاة عُمان في عصر الخليفة عثمان بن عفان وأهم أعمالهم
(23 – 35هـ / 643 – 655م)

تجدر الإشارة أولاً إلى الحديث عن أهم حدث حصل في عهد الخليفة عثمان بن عفان والمتمثل في ربط عُمان بالبصرة، والسبب يعود إلى أن البصرة أصبحت القاعدة والمنطلق الأساسي الذي تخرج منه الجيوش الإسلامية نحو بلاد فارس وبقية الأقاليم التي تقع إلى الشرق من الخليج العربي. (علي، 1953، ص120)
ولعلي أشير إلى أن هذا الارتباط الذي حدث لم يكن له تأثيرات كبيرة على آل الجلندى ونستدل على ذلك من خلال حال آل الجلندى حيث لم تتغير سلطتهم، فقد ظلت كما كانت عليه سابقاً، واحتفظوا بمكانتهم ومركزهم في ظل الحدث الذي حصل في فترة الخليفة عثمان بن عفان. وعلى الرغم من ذلك إلا إنه تظل هناك تأثيرات لا نغفل عنها أهمها خضوع آل الجلندى إلى التوجه السياسي للدولة بشكل عام، وفي الجانب الاقتصادي نجد أن سياسة آل الجلندى فيما يتعلق بالتجارة والإدارة كانت تحت شروط أهمها ألا تتعارض هذه السياسة مع الدين الإسلامي ومصالحه أو مع مصالح السياسة العامة في المدينة المنورة. (البرطماني،2012، ص66)
مما سبق يتضح لنا إن هذا الارتباط الذي حدث انعكس بشكل إيجابي على عُمان والبصرة حيث ساهم وبشكل كبير في تعزيز العلاقة والصلة بين الطرفين وتوثيقها ليس هذا فقط بل نجد هناك هجرات متواصلة من الأزد وغيرها من القبائل إلى البصرة التي أصبحت فيما بعد المركز الرئيسي للمذهب الإباضي ويعتبر هذا أعمق نتيجة للارتباط السياسي بين عمان والبصرة. (البرطماني،2012، ص66)
قام الخليفة عثمان بن عفان بعد توليه زمام الخلافة سنة (23هـ /643م) بتعيين الولاة على الأمصار الإسلامية، لكن المصادر الإسلامية والعُمانية لم تذكر اسم ولاة على عمان في عهده فقد كان الارتباط السياسي بين عمان والبصرة بمثابة تعيين والي على عمان مقره في البصرة، مع وجود آل الجلندى لإدارة الجوانب السياسية الخاصة بهم كما أشار إلى ذلك الإزكوي (2013، ص849)  "لم يزالا متقدمين في عُمان إلى أن ماتا، وتولى من بعدهم عباد بن عبد بن الجلندى في زمن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب" (المعولي، 2002، ص.41؛ الحارثي، 1983، ص31؛ البرطماني،2012، ص66). 
أشارت المصادر العُمانية أنه بعد وفاة عبد وجيفر ابنى الجلندى خلفهما في الحكم على عُمان عباد بن عبد بن الجلندى والذي استمر طوال فترة الخليفة عثمان.( المعولي، 2002، ص.41؛ سلطان، 1991، ص58).
إن الأحداث السياسية التي تقع في الحجاز ينعكس أثرها في عمان في فترة الخلافة الراشدة، وهذا يؤكد الارتباط القوي بين عمان والمدينة منذ اعتناق أهلها للإسلام وحتى فترة حكم عباد بن عبد، لكن تبدلت الأوضاع السياسية في عُمان والمتمثلة في الجوانب السياسية والتي آلت إلى قبضة ال الجلندى، فقد استمر عباد بن عبد حكم عُمان في فترة خلافة عثمان وفي ظل حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي التي كانت عليها عمان في تلك الفترة. (المعولي، 2002، ص.41؛ مايلز، 2016، ص58-59) 
وفي رواية ذكرها ابن سعد (1997، جـ: 3، ص359) أن عمر بن الخطاب أوصى عثمان عند احتضاره بأن يبقى على الولاة لمدة عام بعد وفاته، وفعلا أقرهم عمثان على ولاياتهم سنة كاملة ثم بعدها بدأ في تبديلهم بهدف تحقيق مصلحة المسلمين كما رأى. (العمري،2001، ص289) 
ويرى العمري أن عثمان بن أبي العاص كان والياً على عُمان والبحرين أيضا في فترة الخليفة عثمان، نظراً لأن عثمان ظل على قيد الحياة حتى نهاية العصر الراشدي، وهذا الاستنتاج جاء بناء على أن المصادر الإسلامية لم تسعفنا باسم والي آخر، ومعنى سكوتها أنه لم يحدث تغيير في اسم الوالي، مع وجود عباد بن عبد بن الجلندى معيناً له. (2001، ص 295؛ ؛ المسري، 1986، ص110).
كان الخليفة عثمان يراقب ويحاسب ولاته خاصة في الست السنوات الأولى من خلافته،  كما أن مجلسه يناقش فيه أحوال ولاته على الأمصار، وكان لهذا المجلس دور مهم كونها حلقة وصل بين الخليفة وولاته يتم فيها تبادل ومناقشة الأوضاع السياسية ومتابعة كل جديد ومعرفة الأخبار. وهذا بدوره انعكس على الولاة وساعدهم في إدارة ولايتهم بكل يسر. (العمري،2001، ص 296) 
كما أن في فترة الخليفة عثمان تمتع الولاة بسلطات أكبر(العمري،2001، 296) وقد كانت أعمال الولاة في عهد عثمان تتمثل في إقامة الحدود وأمور الدين وحفظ أمن البلاد، وكان لهم دور في القيام بالإصلاحات العمرانية والمدنية بعُمان بالإضافة إلى مساهمتهم في نشر الإسلام في المناطق والأقاليم المجاورة لعُمان وغيرها من الأعمال التي من شأنها خلق حالة من الاستقرار السياسي في عُمان.(العمري،2001، ص 296، ص298).
المحور الرابع: ولاة عُمان في عصر علي بن أبي طالب وأهم أعمالهم
(35 – 40 / 655 – 660م)
ذكرت المصادر العمانية والإسلامية أنه بعد وفاة جيفر وعبد ابني الجلندى تولى الحكم عباد بن عبد، وأن علي بن أبي طالب كما قام بتبديل الولاة الذين عينهم الخليفة عثمان، فإنه قام بتعيين والٍ جديد على عُمان، وكانت العلاقة بين الخلافة وعمان في أوائل سنوات خلافة علي  ودية حيث تعمقت العلاقة بعدة موقعة الجمل (36هـ / 656م) والتي شارك فيها الأزد بجانب علي، وذلك من خلال  الحوار الذي دار بين أبو صفره الأزدي العُماني وعلي بن أبي طالب، فكان الحوار عن بعض العناصر المعارضة له حيث قال أبو صفرة "والله يا أمير المؤمنين لو كنت حاضرا ما اختلف عليك منهم سيفان" (العوتبي،2006، جـ:2،  ص.629)
لكن العلاقة ساءت بعد التحكيم  فقد ذكر اليعقوبي ( 1995، ص.195) "وجه الخليفة علي بن أبي طالب إلى عُمان بعض العمال أحد هؤلاء العمال والي والآخر قائد الجند لكي يخمدوا الثورات في عُمان ضد الخليفة علي بن أبي طالب وقد اختار الخليفة علي بن أبي طالب  الحلو بن عوف عاملا على عُمان ووجه نحوها، فوثبت بنو ناجية فاشتراهم مصقلة بن هبيرة الشيباني، و أنفذ بعض الثمن ثم هرب إلى معاوية، وأمر علي بهدم داره، و أنفذ عتق بني ناجية" مما يعني أن عُمان كانت تلك الفترة تحت حكم علي بن أبي طالب  والدليل على ذلك أن الخليفة علي بن أبي طالب قد أرسل  عامله الحلو بن عوف إلى عُمان وقد قتل على يد الخريت بن راشد فكان انتقام بني ناجية بقتل العامل الذي أرسله علي بن أبي طالب وإعلان رفض سياسته بعد التحكيم و ما ذكر عن الخريت بن راشد أنه من زعماء بني ناجية وله أدوار في حروب الردة التي حدثت في دبا ضد لقيط بن مالك وأيضا ساعد الجيوش الإسلامية عندما أوشكت على الهزيمة، وكان قوم الخريت من أنصار الخليفة علي وكان معه في صفين والنهروان و يوم الجمل وقد فارق الخريت علي ولما سأله الخليفة علي عن السبب قال "لأنك حكمت في الكتاب، و ضعفت عن الحق إذ جد الجد". (الطبري، 1972، جـ:5، ص114؛ المسري، 1986، ص117)
أراد الخليفة علي أن يستعيد سيطرته على أهل عُمان فقام بتوجيه جيش بقيادة معقل بن قيس الرياحي، الذي أنتقم لمقتل الحلو بن عوف الأزدي وسبى بني ناجية، وبالرغم من أعمال بنو ناجية إلا أن أمير المؤمنين قد أعتقهم من السبي. (البرطماني، 2012، ص66؛ سلطان، 1991، ص 61؛ الطبري، 1972، جـ:5، ص114؛ المسري، 1986، ص117)
إن ثورة الخريت بن راشد على علي بن أبي طالب حدثت بعد قضية التحكيم، وعنما أحس الخريت بالملاحقة لجأ إلى قومه (الطبري، 1972، جـ:5، ص121). وفي هذه الفترة كان عباد يحكم عُمان، لكن المصادر الإسلامية لم تسعفنا بتفصيل ما حدث بعد مقتل الحلو بن عوف، وهل عين علي بن أبي طالب والياً آخر على عمان، أما أعمال الوالي في عُمان فكذلك لم تسعفنا به المصادر الإسلامية وإن كانت تشبه ما كان عليه أيام الخلفاء الذين سبقوه. (مايلز، 2016، ص85).
الخاتمة
سعت عُمان منذ وصول رسالة النبي ﷺ أن تكون جزء من الدولة الإسلامية، ويتمثل ذلك في ترحيبهم برسالة الرسول ﷺ التي أرسلت مع عمرو بن العاص وأبو زيد الأنصاري، وإن كان هناك ثمة رسائل أخرى بعثها النبي ﷺ إلى أهل عُمان، لكن المؤكد أنهم أجابوا تلك الرسائل بالقبول، وسواء كانت تلك الرسائل بعثت لهم أم تسملوها عندما وفدوا على النبي ﷺ.
لقد أظهر البحث أن الخلاف السياسي الذي بدأت ملامحه في نهاية العصر الراشدي، وطوال العصر الأموي والعباسي أثر بشكل واضح في كتابات المؤرخين المسلمين عن عُمان، ونتيجة ذلك أن الكتابة حول موضوع الولاة الذين كانوا على عمان في فترة الخلافة الراشدة غير واضحة الملامح، فمن جانب المصادر العمانية لم تسعفنا بذلك حيث اعتمدت على المصادر الإسلامية والتي هي بدورها شحت في هذا الجانب للأسباب التي ذكرناها في متن البحث، والمحصلة تداخل في المعلومات حول تلك الفترة، حيث ظهرت أسماء الولاة متداخلة في الفترات التاريخية، وفي بعض الأحيان يظهر الاسم الأول للوالي دون معرفة أي تفاصيل عنه.
عرض البحث أسماء الولاة الذين كانوا على عُمان، وهذا بحد ذاته كان موضع خلاف في العديد من الرسائل العلمية والأبحاث، حيث ساهم البحث في علاج الإشكالية الحاصلة في هذا الجانب، وكما ذكرت فإن سكوت المؤرخين عن تناول عُمان في مؤلفاتهم ساهم في زيادة الغموض في تلك الفترة، ولكن من خلال الاستنتاجات والربط بين الأحداث توصل البحث إلى أقرب صورة حول الولاة الذين كانوا على عُمان طوال العصر الراشدي، وكذلك عرض أعمالهم التي في الغالب مقاربة لأعمال باقي أمصار الدولة الإسلامية. 
أكد البحث على تولي أكثر من والي في فترة أبو بكر الصديق وكذلك عمر بن الخطاب، أما في فترة الخليفة عثمان فقد كان الوالي على عُمان من قبل أهلها مع التبعية للدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وكذلك ظل الحال في فترة الخليفة علي بن أبي طالب، لكن بسبب حادثة قتل واليه أدى إلى نوع من الخلاف السياسي تبعه استقلال عُمان السياسي في أواخر العصر الراشدي وبداية الدولة الأموية.
كما أوضح البحث أن هناك تشارك في إدارة عُمان في العصر الراشدي بين الوالي المعين من قبل الحكومة المركزية في المدينة المنورة وبين أهل عمان، فمنذ عهد النبي ﷺ كان هناك نوع من المشاركة في الحكم من قبل آل الجلندى الذين كانوا عونا للوالي، وفي بعض الأحيان يكون الحاكم من آل الجلندى عندما لا يتم تعيين والي من قبل الخليفة الراشد. 
كما أن أعمال الولاة في عُمان ربما تكون واضحة في فترة الخليفتين أبو بكر وعمر ولكن في تفرة الخليفة عثمان وعلي وبسبب التضارب في الأحداث وسكوت المصادر الإسلامية والعمانية وعدم وجود مادة مكتوبة أدى ذلك إلى عدم معرفة أعمال الولاة باستثناء بعض الجوانب التي أشرنا لها في متن البحث، إن هذا البحث ما هو إلا محاولة لسد ثملة في التأريخ العُماني، ومع ما به من اعوجاج وزلات نسأل الله أن يقدم فائدة للباحثين الذين يتناولون هذه الفترة، والله من وراء القصد.

الملاحق:
ملحق رقم: 1
الولاة على عمان خلال فترة العصر الراشدي
الخليفة أبو بكر الصديق
(11 – 13هـ) عمر بن الخطاب
(13- 23هـ) عثمان بن عفان
(23 - 35هـ) علي بن أبي طالب
(35 – 40هـ)
الوالي حذيفة بن محصن الغلفاني بلال عُثمان بن أبي العاص الثقفي الحلو بن عوف
 عُثمان بن أبي العاص الثقفي

 

 

 


ملحق رقم 2:

خارطة الجزيرة العربية في العصر النبوي، المدن ومنازل أهم القبائل والوديان (مؤنس، 1988، ص.55)

الطرق التجارية الرئيسية في الجزيرة العربية قبل الإسلام (مؤنس، 1988، ص59)

حروب الردة في فترة الخليفة أبو بكر الصديق (مؤنس، 1988، ص79)
المصادر والمراجع: 
ابن الأثير، عز الدين. (1982). الكامل في التأريخ، دار صادر.
ابن خياط، خليفة. (1966). تاريخ خليفة بن خياط، دار طيبة.
ابن سعد، محمد. (1985). الطبقات الكبرى، دار صادر.
ابن صراي، حمد (2005). عُمان من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن السابع الميلادي. مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع.
ابن صراي، حمد. (1994). تاريخ شبه الجزيرة العربية القديم. مركز الخليج للكتب.
ابن كثير، أبو الفداء. (2009). البداية والنهاية. دار إحياء التراث العربي.
أبو الفرج، قدامه بن جعفر. (1981). الخراج وصناعة الكتاب. دار الرشيد للنشر.
الأزكوي، سرحان. (1986). كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة. وزارة التراث القومي.
البرطماني، مريم. (2012). آل الجلندى في عُمان، ودورهم منذ ما قبل الإسلام حتى منتصف القرن الثالث الهجري/منتصف القرن التاسع الميلادي: دراسة تاريخية ]رسالة ماجستير[. جامعة السلطان قابوس.
البلاذري، أحمد بن يحيى. (1988). فتوح البلدان. دار ومكتبة الهلال.
الحارثي، سالم بن حمد. (1983). العقود الفضية في أصول الإباضية، وزارة التراث القومي والثقافة.
الحموي، شهاب الدين. (1979). معجم البلدان. دار إحياء التراث العربي.
الحميري، أبو عبدالله محمد بن عبدالله. (1980). الروض المعطار في خبر الأقطار. مؤسسة ناصر للثقافة.
خياط، خليفة. (1995). تاريخ خليفة بن خياط. دار طيبة للنشر والتوزيع.
السالمي، عبدالله. (1997). تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان، مكتبة الاستقامة.
سلطان، عبد المنعم. (1991). صفحات من تاريخ عُمان في العصور الإسلامي (منذ دخول الإسلام وحتى سنة 134 هـ). دار نشر الثقافة بالإسكندرية.
السيابي، سالم. ( 2016). إسعاف الأعيان في أنساب أهل عُمان، المكتب الإسلامي.
السيابي، سالم. (2001). عُمان عبر التاريخ. (ط.5). وزارة التراث والثقافة.
السير. (1986). السير والجوابات لعلماء وأئمة عُمان، وزارة التراث القومي والثقافة.
الطبري، أبو جعفر. (1972). تاريخ الرسل والملوك، دار المعارف.
عاشور، عبد الفتاح. (1980). تأريخ أهل عُمان، وزارة التراث القومي والثقافة.
العاني، عبد الرحمن. (1999). تاريخ عُمان في العصور الإسلامية الأولى. دار الحكمة.
عبد الماجد، محمد. (2020). ولايتا زياد بن المهلب على عُمان. ] رسالة ماجستير غير منشورة[. جامعة دمنهور.
العلي، صالح. (1953). التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأول الهجري. مطبعة المعارف بغداد.
العمري، عبد العزيز. (2001). الولاية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين. دار شبيليا للنشر والتوزيع.
العوتبي، سلمة بن مسلم. (2006). الأنساب. وزارة التراث القومي والثقافة.
فوزي، فاروق. (2008). الموجز في تأريخ عُمان السياسي في القرون الإسلامية الأولى. دار مجدلاوي.
القزويني، زكريا محمود. (1984). أثار البلاد وأخبار العباد. دار بيروت.
مايلز، الكولونيل. (2016). الخليج بلدانه وقبائله (الترجمة: محمد أمين). وزارة التراث والثقافة. 
مؤنس، حسين. (1988). أطلس التاريخ الإسلامي. الزهراء للإعلام العربي.
المرهوبي، عامر. (1976). عُمان قبل وبعد الإسلام ]عرض ورقة [. مهرجان العالم الإسلامي. لندن.
المسري، حسين. (1986). تاريخ البحرين وعُمان من عصر النبوة إلى نهاية العصر الأموي. مكتبة الكويت الوطنية.
المسعودي، أبو الحسن علي. (1981). التنبيه والأشراف. دار مكتبة الهلال.
المعولي. محمد بن راشد. (2002). قصص وأخبار جرت في عُمان، تحـ: عبد المنعم عامر، وزارة التراث القومي والثقافة.
المطيري، براك. (2018). ولاة البحرين في العصر الراشدي وأهم أعمالهم. حوليات أداب عين شمس، مجـ:46 (عدد يناير)، 483 – 501.
المقدسي، شمس الدين. (1987). أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم. دار إحياء التراث العربي.
النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب. (1987). نهاية الأرب في فنون الأدب، ط1، دار الفكر.
اليعربي، يونس. (2019). مرويات أحداث دبا بعُمان في خلافة أبي بكر الصديق. ، ]رسالة ماجستير غير منشورة[. جامعة السلطان قابوس.
اليعقوبي، أحمد بن إسحاق ، (1995)،دار صادر.