الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی وإمامته فی اهتمامات علماء المغرب الکبیر
مجلة الخلیل,
2018, السنة 3, العدد 4, الصفحة 1-20
الملخص
العلاقة بین المغاربة والعُمانیِّـین قائمة باعتبار الاهتمام المشترک بقضایا الأمَّة الإسلامیَّة التی کانت تتربص بها الأطماع الاستعماریَّة، والأخطار التنصیریة، وباعتبار الوحدة فی المذهب. لقد کانت فی الأساس علاقة انتماء مشترک إلى الإسلام، وکفى بها وثوقا لتمتین عرى التواصل ومدِّ جسور التعاون بین هذه البلاد، وإن تجلَّت أنواعا من العلاقات؛ فکانت تارة سیاسیَّة وتارة ثقافیة. ومن خلال دراستنا هذه، سنحاول تتبع علاقات الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی بإخوانه العلماء بالمغرب، على سبیل المثال لا الحصر، وسنتطرق أیضا إلى آثار وکتابات ترکها علماء المغرب حول سیرة الإمام. وسنحاول الترکیز فی هذا المقام على علماء الجزائر. نذکر منهم: قطب الأئمة الشیخ امحمَّد بن یوسف اطفیَّش، فقد ترک فی مکتبته کثیرا من الکتب والرسائل منها ما أجاب به الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی. ومنهم الشیخ إبراهیم أبو الیقظان الذی أشاد فی جریدته «وادی میزاب» بقدرة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی فی عُمان على التوفیق بین النهضة ومبادئ الشریعة الإسلامیَّة. ومنهم: الشاعر مفدی زکریاء، الذی تغنَّى بالنصر الذی حلَّ بعُمان فی قصیدة عنونها بـ«ته یاعُمان بنصر الله».إنَّ التشتُّت الذی حلَّ بالأمَّة الإسلامیَّة فی بدایة القرن العشرین المیلادی، وظهور بوادر الخلاف والصراع التی دسَّ سمومها الاستعمار لمدَّة غیر قصیرة، تقتضی منَّا مراجعة هذه العلائق وأصولها، ونفض غبار النسیان والغفلة عن صفحات نیِّرة من التاریخ تؤکِّد التواصل والوحدة والتآخی بین شعوب البلاد الإسلامیَّة مهما بعدت بینهم الدیار؛ لأنَّ رابط الأخوَّة الإسلامیَّة تملیه عقیدة الإسلام السمحة، وواجب توحید الأمَّة.
وعلى هذا الأساس تنبنی رکائز دراستنا هذه، فالعلاقة بین المغاربة والعُمانیِّـین قائمة على الاهتمام المشترک بقضایا الأمَّة الإسلامیَّة التی کانت تتربَّص بها الأطماع الاستعماریَّة، والأخطار التنصیریَّة، وباعتبار الوحدة فی المذهب.
کانت العلاقات بین عُمان وأعیان بلاد المغرب وعلمائها قائمةً منذ قرون ماضیة، واستمرَّت هذه العلاقات وتوثَّقت فی القرن العشرین، باعتبار الاهتمام المشترک بقضایا الأمَّة الإسلامیَّة. وکان بین الإمام القطب امحمَّد بن یوسف اطفیَّش الیزجنی الجزائری (ت: 1914)، والإمام نور الدین السالمی العُمانی (ت: 1914) مراسلات حول مسائل عقدیَّة وفقهیَّة، وقضایا الأمَّة وهمومها. وترک الإمام امحمَّد بن یوسف اطفیَّش فی مکتبته بمزاب وفی غیرها کثیرا من الکتب والرسائل، ممَّا أجاب به أهلَ عُمان فی مختلف مسائل الفقه والنوازل الدینیَّة والعلمیَّة. ومن أبرزها وثیقة بعنوان: «جواب القطب للشیخ محمَّد بن عبد الله بن سعید الخلیلی وأبیه، والشیخ أحمد بن سعید وإلى الأصحاب من عُمان وزنجبار»، فی مسائل نحویَّة وبیانیَّة ولغویَّة.
من جهة أخرى کان القطب یرجع إلى ما کتبه علماء عُمان کثیرا حتَّى قال فیهم: «أخذت هذه الجامعة من کتب أصحابنا من أهل عُمان لما فیها من المنافع، ولشدَّة حبِّی لأهل عُمان وأهل زنجبار من أصحابنا، وهم أصحاب العلوم حدیثا وقدیما ولتمسُّکهم بالمذهب...». ثمَّ قال: «ولنفعهم إیَّای بإرسال الکتب أکثر من وقر بعیر، ولإهدائهم إلیَّ أشیاء جلیلة، ولاتِّباعهم إیَّای فی أقوالی وترجیحاتی، ومن لا یشکر الناس لا یشکر الله، فببرکة اسمک الأعظم یاربِّ زدهم علما ومالا وجاها، واجمعنا معا فی الخیر»([1]).
وفی ذات السیاق حلَّ بمزاب عام 1907م الشیخ سعید بن أحمد بن ناهی الرستاقی العُمانی. ولم یذکر التقریر الفرنسی الذی دوَّن الخبر سبب حلوله بمزاب([2]). ومن المحتمل أن تکون هذه الزیارة فی إطار التواصل بین أتباع المذهب الواحد، کما فعل سلیمان البارونی اللیبی فی السنة ذاتها حین زار شیخه الإمام امحمَّد بن یوسف اطفیَّش الذی کان قد تقدَّمت به السنُّ([3]). وزارها مرَّة ثانیة فی ربیع 1914م إثر وفاة شیخه([4]).
والجدیر بالإشارة أنَّ القطب امحمَّد اطفیَّش لم یدرک عهد الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی؛ إذ کانت وفاة الشیخ اطفیَّش فی عهد الإمام سالم بن راشد الخروصی. ومن خلال دراستنا هذه، سنحاول تتبُّع علاقات الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی بإخوانه العلماء بالمغرب الکبیر فی عهد إمامته، وسنتناول بالدراسة الشیخ سلیمان بن عبد الله باشا البارونی، والشیخ إبراهیم بن عیسى أبو الیقظان، والأدیب الشاعر مفدی زکریاء، وهذا على سبیل المثال لا الحصر، وسنتطرَّق أیضا إلى الآثار والکتابات التی ترکها هؤلاء العلماء حول سیرة الإمام.
خلال فترة الحرب العالمیَّة الأولى 1914-1918م تدهورت الأوضاع الاقتصادیَّة فی عُمان؛ فقلَّت الأموال بأیدی العُمانیِّـین. وحسب تقریر بریطانیٍّ فإن عدد الوفیات تجاوز 20 ألف نسمة، وبلغ العجز فی میزانیَّة الدولة قرابة 300 ألف جنیه إسترلینی. وفی سنة 1919م تمَّ تنصیب الشیخ محمَّد بن عبد الله الخلیلی إماما على عُمان، بعد اغتیال سلفه الإمام سالم بن راشد الخروصی([5]). وکانت البلاد بحکم اتِّفاقیَّة السیب الموقَّعة بین السلطان والإمام فی أکتوبر 1920 فی حالة هدنة التزم بها الطرفان، وبالرغم من هشاشتها فإنَّ السکَّان لم یعرفوا أیَّ نوع من القطیعة أو الاختلاف سوى الولاء إلى هذا الطرف أو ذاک([6]).
سلیمان باشا البارونی اللیبی رئیسا لوزراء الإمام الخلیلی:
عرض الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی على سلیمان باشا البارونی النفوسیِّ مسؤولیَّة رئاسة الوزراء، وکان الإمام قد حصل قبل عرض هذا الأمر على تزکیته من أکابر رجال عُمان وعلمائها، مثل الشیخ عیسى بن صالح الحارثی، والشیخ سعید بن ناصر الکندی، وقاضی قضاة مسقط([7]). وتولَّى البارونی زمام الأمر، فبادر إلى تنظیم مصالح الدولة بدءًا بالشؤون العسکریَّة والمالیَّة.
ولا شکَّ فی أنَّ تزکیة الشیخ سلیمان البارونی تعود إلى سابق معرفة به، ولعلَّ أهمَّ ما ینبغی الإشارة إلیه زیارته لمسقط فی أواخر ذی الحجَّة 1342هـ الموافق 1924م قادما من الحجاز، رغم معارضة بریطانیا لهذه الزیارة، فأکرمه السلطان تیمور بن فیصل وقلَّده الوسام السعیدی. وزار أیضا دواخل عُمان واستُقبل استقبالا عظیما، ولقی من الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی التکریم والتقدیر والاحترام([8]).
وفی غضون إقامة البارونی فی عُمان، استثمر علاقاته الطیِّبة بین قیادتی السلطنة والإمامة؛ فبادر إلى الوساطة بینهما، ومهَّد لإزالة الجفاء الذی ظلَّ مستحکما لربع قرن، بهدف توحید الجهود بین الإخوة، وتوجیهها لحمایة البلاد من أطماع الأجانب([9]).
والجدیر بالملاحظة أیضا أنَّ الإمام الخلیلیَّ کان ینشد من خلال اختیاره سلیمان باشا البارونی لرئاسة حکومته استثمار خبرة البارونی وتجربته قریبة العهد بوطنه طرابلس، باعتباره ممثِّلا لبلده بمجلس المبعوثان العثمانی بإسطنبول، وباعتباره أیضا من أبرز قادة المقاومة اللیبیَّة ضدَّ العدوان الإیطالی([10])، وباعتباره -وهو الأهمُّ - أبرز مؤسِّسی الجمهوریَّة الطرابلسیَّة([11])، ورئیسا لحکومتها التی کان مقرُّها بإیفرن([12])؛ فالتفَّ حوله العدید من القبائل وزعمائها([13]).
ومن المهمِّ فی هذا السیاق، حتَّى نقف على عمق النظر وموضوعیَّة التفکیر الذی عُرف به الإمام، أن نستعرض بإیجاز مسیرة سلیمان باشا البارونی رئیس حکومة الإمام. إذ سعى البارونی بعد تشکیل الحکومة بإیفرن إلى تنظیم البلاد تنظیما جدیدًا، فعیَّن القضاة والمفتِّشین والکتَّاب والمتصرِّفین، وأنشأ فِرَقًا من الدرک والمشاة والفرسان، ونظَّم البرید، ومدَّ خطوط الهاتف، وفتح له مکاتب فی جمیع الجهات التی تصل إلیها سیادة الحکومة([14]).
وعلى المستویین الإعلامی والدبلوماسی ینبغی الإشارة إلى مساعی حکومة طرابلس الفتیَّة لمراسلة الصحف وتزویدها بالمادَّة الإعلامیَّة بخصوص ما یجری فی إقلیم طرابلس، وکان البارونی باشر هذه المهمَّة بنفسه، وأرسل وفدا إلى أوروبا للسعی عند حکوماتها لنیل اعترافها([15])؛ فراسل ملک ألمانیا ووزراء خارجیَّة کلٍّ من بریطانیا وفرنسا وألمانیا والنمسا والمجر وترکیا وإیطالیا، وطلب من حکوماتهم الاعتراف بالاستقلال([16]).
ولما کانت مواجهة العدوان الإیطالی هی أولى الأولویَّات، فقد نظَّمت الحکومة الطرابلسیَّة جبهة مقاومة لمواجهة زحف الاحتلال وإیقاف تمدُّده نحو الغرب والجنوب([17]).
ووظَّف الشیخ سلیمان باشا البارونی هذه التجربة السیاسیَّة والإداریَّة العصریَّة الرائدة فی خدمة إمامة محمَّد بن عبد الله الخلیلی فی عُمان؛ تلبیة لتطلُّعات الشعب العُمانی، واستعدادًا للتحدِّیات التی تفرضها المرحلة، ویملیها المحیط الإقلیمی والدولی.
ویبدو أنَّ وجود البارونیِّ فی عُمان، وفی مرکز نوعیٍّ خلال العشرینیَّات، کان السبب الأهمَّ فی إنعاش علاقات مزاب بعُمان وتفعیلها بعد وفاة قطبی التواصل بین المشارقة والمغاربة فی هذا العصر فی 1914، وهما الإمامان: نور الدین السالمی والقطب امحمَّد اطفیَّش.
کان الشیخ سلیمان باشا البارونی محور هذا التواصل المتجدِّد بین المشرق والمغرب بحکم دراسته السابقة بمزاب، وتطوَّرت علاقات الشیخ البارونی بالمزابیِّـین وتوثَّقت بهم، وشدَّتهم إلیه مقاومته الشرسة ضدَّ الاستعمار الإیطالیِّ. واستمرَّت علاقات الشیخ مع زملاء الدراسة القدامى الذین خاض بعضهم غمار السیاسة والصحافة، وآلت مقالید الأمور الثقافیَّة والاجتماعیَّة إلى کثیر منهم فی جنوب الجزائر وفی شمالها، وفی تونس والقاهرة أیضا.
وکان بعض أعیان مزاب یتبادل الرسائل مع الرئیس سلیمان البارونی، وهو على رأس الحکومة العُمانیَّة الإمامیَّة، ومن هؤلاء نذکر مقرَّبین إلیه على الأخصِّ، وهما صدیقاه: الشیخ الحاج عمر العنق، والشیخ الحاج إبراهیم أبو الیقظان. وکانت صحیفة «وادی میزاب» الیقظانیَّة أبرز صحف الجزائر التی کانت تنشر مقالات البارونی، وتتابع أعماله وإنجازاته، شأن بعض الصحف العربیَّة فی مصر والشام([18]).
وأشادت جریدة «وادی میزاب» بتفویض إمام عُمان الشیخ محمَّد بن عبد الله الخلیلی إدارة البلاد لسلیمان باشا البارونی، وعدَّه صائبا، فهو بذلک قد «صادف الهدف، وصادف من نرجو أن یکون خیرُ البلاد على یده، فینهض بالأمَّة على مستوى المحافظة على کیانها...»([19]).
وفی هذا الصدد عبَّرت هیئة تحریر ذات الجریدة عن سرورها بقرار إمام عُمان الشیخ محمَّد بن عبد الله الخلیلی، واعتبرته نوعا من التضامن الإسلامیِّ، معبِّرة عن ذلک بقولها: «إنَّ عظمة الإمام أبی عبد الله([20]) الخلیلی قد استوزر عطوفة سلیمان باشا البارونی، وفوَّضه بإدارة المملکة حسب النُّظُم الحدیثة، وأوکل إلیه أمر السیاسة الداخلیَّة والخارجیَّة... وهو تطوُّر عظیم تدخل فیه هذه المملکة العربیَّة القویَّة... وقد اهتزَّت لهذا التطوُّر العظیمِ الجزائرُ، کما اهتزَّت به تونس ومصر، ولا غرو فی أنَّه یبشِّر بدخول تلک البلاد العزیزة فی حیاة جدیدة»([21]).
ومن الغریب أن تشیر جریدة «وادی میزاب» إلى تفاعل أقطار مثل الجزائر وتونس ومصر وتجاوبها مع الحدث البارز؛ ویغفل فی ذات الوقت، ذلک التفاعل والتجاوب فی موطن البارونی الذی شهد تضحیاته الجسیمة، وأبلى فیه البلاء الحسن، وهو لیبیا، أو على الأقلِّ إقلیم طرابلس!.
دولة الإمام الخلیلی فی اهتمامات الشیخ أبی الیقظان الجزائری:
أشاد الشیخ إبراهیم أبو الیقظان بقدرة عُمان على التوفیق بین النهضة ومبادئ الشریعة الإسلامیَّة، وعدَّه مثالا حیًّا لأولئک الذین یقولون بوجود تعارض بین التحدیث والإسلام حین «هبَّ الشعب العُمانیُّ فی جملة شعوب عربیَّة شقیقة فی هذه السنوات الأخیرة إلى الإصلاح والنهوض، وإدخال نظم جدیدة لا تخرج عن دائرة الإسلام»([22]).
ومن مبادئ الشریعة التی یعنیها الشیخ أبو الیقظان عدم تمییز حکم الإمامة بین القیادة الدینیَّة والقیادة الدنیویَّة؛ وبالتالی کان بالإمکان القول: إنَّ عمَّال الإمام فی مختلف جهات عُمان یدیرون شؤون الناس وفق أحکام الشریعة الإسلامیَّة. ومن جهة أخرى فقد دفعه تقیُّده بمقاصد الشریعة الداعیة إلى توحید الأمَّة، فحرص فی سنوات الثلاثینیَّات إلى الخمسینیَّات على التعاون الودِّیِّ الوثیق بینه وبین السلطان سعید بن تیمور؛ حتَّى اعتمدا نفس السیاسة، بتشجیعهما علماء الإمامة على المشارکة فی الإدارة، سالکین بذلک أولى الخطوات العملیَّة نحو الوحدة([23]).
ولعلَّ الشیخ إبراهیم أبا الیقظان فی إشارته إلى الإصلاح والنهوض، وإدخال نظم جدیدة لا تخرج عن دائرة الإسلام کان یعنی بذلک أنَّ الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی الذی کان فی الخامسة والثلاثین (35) من العمر عند انتخابه إماما، قد أدخل جملة من الإصلاحات:
ففی المجال المالیِّ کان الإمام یحتفظ بسجلاَّته فی دفاتر خاصَّة، وتقع خزینة الدولة فی أحد بیوت عاصمته نزوى، وتُشکِّل الزکاة المصدر الرئیس لدخل الدولة فی ذلک الوقت، هذا إلى جانب بعض الأموال التی تُقتطع من المداخیل الخاصَّة لبعض الزعماء، وتُستغل للمصلحة العامَّة. وکانت المسؤولیَّة العسکریَّة تنحصر فی القوَّات القبلیَّة من المشاة، ویحتفظ الإمام بفرقة عسکریَّة خاصَّة وضعت تحت تصرُّفه، وتتکوَّن من 400 إلى 500 رجل تُرابط باستمرار فی مقرِّ الإمام. وتسیر إدارة شؤون الدولة فی عهد الإمام الخلیلیِّ بطریقة خالیة من التعقیدات والمظاهر، ولکنَّها فعَّالة، وکان یدیر الدولة من حصن نزوى، ویجلس على الأرض فوق سجادة وإلى جانبه رجال الدولة([24]).
من جهة أخرى کان الإمام الخلیلیُّ قد أحاط إدارته بفریق من الرجال المخلصین النُّزهاء، من داخل البلاد وحتَّى من خارجها؛ حیث استعان بخبرات الشیخ عیسى بن صالح الحارثی، الذی یمثِّل الشخصیَّة القیادیَّة فی المجالات العسکریَّة والسیاسیَّة والدبلوماسیَّة، واستوزر الشیخ سلیمان باشا البارونی مؤسِّس الجمهوریَّة الطرابلسیَّة؛ لیکونَا عونًا له فی إدارة شؤون الإمامة. ویساعد الإمامَ فی عمله أیضا مجموعة من القضاة الشرعیِّـین إلى جانب رجال الدولة المسؤولین مباشرة أمامه. کالشیخ أبی مالک المالکی وأبی زید الریامی وعبد الله بن عامر العزری ومن أولئک نذکر أیضا:
• الشیخ محمَّد بن شامس البطَّاشی: تقلَّد قضاء قُریَّات، وما لبث إلاَّ أشهرًا حتَّى رجع إلى نزوى، فولاَّه الإمام الخلیلیُّ قضاء حمراء العبریِّـین، ولم یلبث إلاَّ یسیرا حتَّى نقله إلى بدبد ووادی سمائل، وذلک فی أوائل سنة 1361هـ([25]).
• الشیخ سعود بن سلیمان الکندی: تلقى علوم الفقه والشریعة الإسلامیَّة من الإمام الخلیلی وغیره. ولاَّه الإمام الخلیلیُّ على إزکی عام 1361هـ، ثمَّ نقله إلى بهلاء عام 1364هـ بعد وفاة الشیخ أبی زید عبد الله بن محمَّد بن رزیق بن سلیم الریامی. وقد عُیِّن قاضیا فی شهر جمادى الأولى من سنة 1388هـ بمحکمة نزوى الشَّرعیَّة([26]).
• الشیخ سفیان بن محمَّد بن عبد الله الراشدی: کان قاضیًا وفقیهًا للإمام الخلیلی على عدَّة ولایات (جعلان بنی بوحسن، نزوى، سمائل، عبری). کما اشتغل بالتدریس فی المساجد، وأفاد منه عدد من طلاَّب العلم، وغیرهم([27]).
وعلى العموم فإنَّ القضاة الذین کانوا فی عُمان فی زمن الإمام الخلیلیِّ، وفی زمن السیِّد سعید بن تیمور، وفی بدایة عهد السلطان قابوس هم من خرِّیجی مدرسة الإمام الخلیلی بنزوى([28]).
وکان الإمام لا یستنکف عن إسداء النصیحة والمشورة إن وجد فی تعلیماته ما یقتضی ذلک، ووفق ذلک کان یتعامل مع القاضی أو العامل، ویختم بذلک مراسلاته الرسمیَّة إلیه مناشدا إیَّاه: «إذا ما أصدرتُ إلیک أوامری فتدبَّرها قبل تنفیذها، فقد أکون مخطئًا، وإذا کنتُ کذلک فلا تتردَّد فی إبلاغی، فقد لا تکون بحوزتی کلُّ الحقائق. المهمُّ لا تخش غضبی، وبلِّغنی بخطئی حین تعتقد أنِّی مخطئ»([29]).
کانت لهجة الإمام وأسلوبه فی مکاتبته العلماء - فی الداخل أو فی الخارج على السواء - یدلاَّن على العلاقة المثالیَّة التی کانت قائمة بینه وبین العلماء، ولعلماء عُمان حصَّة الأسد فی المجالس التی یُقَرَرُّ فیها المسائل المصیریَّة، وورث الإمام الخلیلی هذا الوضع ممَّن کان قبله، ویکفی لذلک مثالا حینما نعلم أنَّ ستَّة من العشرة الذین شهدوا انتخابه کانوا من العلماء. إذ سار الإمام الخلیلی على هذا النهج، وثبت علیه وثـبَّته طیلة فترة حکمه([30]).
واسترسل أبو الیقظان وطاقمه الصحفی فی الاهتمام بالوضعیة السیاسیَّة فی عُمان الإمامیَّة، وأشاد بقیادتها الرشیدة، التی حافظت على سیادة البلد کاملة، «... وهو تحت تصرُّف الإمام أبی عبد الله محمَّد بن عبد الله الخلیلی، ولا یَدَ للأجنبیِّ فیه أبدًا، وهو فیه مطلق التصرُّف، وأحکام الشریعة جاریة فیه»([31]).
وعلى الرغم من الواقع المزری الذی ظلَّ یصفه أبو الیقظان، وَصْفَ الخبیر المتابع لشأن المشرق العربیِّ، وتکالب الأعداء علیه فی الداخل والخارج، فقد کان متفائلا بمستقبل أفضل لهذه المنطقة من الوطن الإسلامیِّ، ومشیدًا باطمئنان بما یسعى إلیه الإمام الخلیلیُّ فی استرداد مجد عُمان وعظمته، معتقدًا بأنَّ هذه الجهود إنَّما تدلُّ على قرب قیام دولة جامعة کاملة العدَّة عمَّا قریب بإذن الله([32]).
ولم تُخفِ جریدة أبی الیقظان إعجابها بالولاء الذی یولیه الشعب العُمانیُّ لإمامهم، والتفافهم حوله، وتفطُّنهم لمساعی عرقلة إصلاحاته، ویظهر ذلک من خلال قولها: «رنا بعض ذوی الأطماع والجمود إلى الحکومة عظمة الإمام الخلیلی، وحاولوا عرقلة مساعی الأحرار المصلحین، وکاد یؤثِّر بمساعیه الدینیَّة فی سیر الإمامة ونهوضها، فقامت البلاد جمعاء شرقها وغربها، جنوبها، وشمالها مطالبة بإیقاف أولئک المعرقلین إلى حدِّهم، والسیر بالإمامة نحو الفلاح والرقیِّ»([33]).
ولم یتردَّد الشیخ أبو الیقظان المصلح الحازم عن انتقاد أولئک الذین یعیقون المساعی الإصلاحیَّة هناک، واستبشر بنجاح الإمام الخلیلی فی ردِّ هؤلاء لَـمَّا «بلغنا من بعض المصادر الوثیقة أنَّه وقعت معارضة من بعض رجال الدین على حرکة الإصلاح التی قام بها المصلحون الأحرار من العُمانیِّـین، والتی کادت تذهب زوابعها بأعمال أولئک الأحرار المفکِّرین أدراج الریح، ولکن قد توفَّقت أخیرا جهود المصلحین، وبعض المفکرین منهم إلى تألیف حزب قویٍّ، انضوى تحت لوائه سائر عُمَّال عُمان المصلحین، أمَّا قوة المعارضة فقد وهنت، وفشلت أنفاسها إزاء تلک القوَّة الهائلة المؤسَّسة على التقوى»([34]).
ولا یخفى على الدارس أنَّ الاهتمام الذی أولاه أبو الیقظان فی جریدته لتغطیة أخبار عُمان، وللتطوُّرات المختلفة التی کانت تعرفها عُمان خلال العشرینیَّات، یعود إلى أنَّ هذا القطر العربیَّ یسکنه شعب مسلم بأغلبیَّة إباضیَّة المذهب، وتحکمها سلطة إباضیَّة([35]).
وباعتبار أنَّ إبراهیم أبا الیقظان مسلم إباضیُّ المذهب، فقد خصَّص فی صحیفته حیِّزًا کبیرًا للمستجدَّات فی عُمان، مرکز الإباضیَّة فی المشرق العربیِّ، إضافة إلى وجود صدیقه سلیمان باشا البارونی فی عُمان، الذی یحظى بتقدیر کبیر عند أبی الیقظان؛ لذلک تتبَّعت الجریدة أخباره هناک، واستعانت به مراسلا من عُمان، وقَلَمًا ذا سمعة نافذة فی الساحة العربیَّة والإسلامیَّة.
وکان لأبی الیقظان الاهتمام ذاتُه بسلطنة مسقط والساحل؛ فتحت عنوان: «حادث خطیر بساحل عُمان»، کشف أبو الیقظان سیاسة الإنکلیز فی هذا القطر العربیِّ، وأطماعهم فیه. وعبَّر عن عدم ارتیاحه من العلاقات بین العُمانیِّـین والإنکلیز؛ لإدراکه بالنیَّات الحقیقیَّة للإنکلیز، فقد «کانت بلاد عُمان منـزویة عن العالم، وکانت إنکلترا مکتفیة بنصب حمایتها الاسمیَّة على سواحلها، بدعوى حمایة طریقها إلى الهند، ثمَّ أخذت إنکلترا تضرب أخماسها فی أسداسها عندما أصبحت عُمان تطمح إلى الرقیِّ والتقدُّم، وأخذت تحسب لهذه النهضة المبارکة ألف حساب، إذ لا یروقها - وهی عجوز الاستعمار - أن تَخفَقَ فی طریقها إلى الهند رایةٌ عربیَّة إسلامیَّة. وأخیرا سمحت لها الفرصة لإحداث مطارات بسواحل عُمان، وقد أذن لهم السلطان بذلک، وذلک الحادث الذی یستهدف بلاد عُمان بخطر لا یعلم کنهه إلاَّ الله»([36]).
إمامة محمَّد بن عبد الله الخلیلی فی شعر مفدی زکریاء الجزائری:
یُعرف الشاعر والأدیب زکریاء بن سلیمان الشیخ الیزجنی الجزائری بـ«مفدی زکریاء». وهو ولید مزاب ودفینه (1908 – 1977م)، وهو شاعر الثورة الجزائریَّة بامتیاز، ومؤلِّف النشید الوطنیِّ الجزائری «قَسَمًا»، و«إلیاذة الجزائر» التی تضمَّنت أبدع تصویر لملحمة الشعب الجزائریِّ الخالدة.
کان الشاعر مفدی زکریاء من أبرز الأدباء الذین تغنَّوا بالنصر الذی حلَّ بعُمان فی قصیدة عنونها بـ«تِهْ یا عُمان بنصر الله»، وأشاد فیها بنهضة عُمان، وبشعبه المقبل على رفع التحدِّی، فی ظلِّ إصلاحات رئیس وزرائها الزعیم سلیمان البارونی الذی عیَّنه الإمام الخلیلی فی هذا المنصب الحسَّاس([37]).
نظم الشاعر فی بدایة تجربته الشعریَّة تلک القصیدة سنة 1926م، حیَّى فیها عُمان فی جهاده ورفعه التحدِّیات التی کانت تواجهه داخلیًّا وخارجیًّا. وخاطب فیها الإمامَ محمَّد بن عبد الله الخلیلی وأهل عُمان. وکان مطلعها:
جَدَّ الهوى بعد ما کان الهوى لعبا |
|
واهتزَّت الروح من بعد العنا طربا |
خُذِ الکواکب أکوابا وصُبَّ بها |
|
من السلاف على طبق السما ذهبا |
وعانقِ الکونَ حبًّا والجمال وضَعْ |
|
فی ثغره من قبیلات الرضا صـربا |
وامتدَّ عطفا على یمنى الطبیعة فی |
|
جنَّات (مسقط) وارشف ثغرها عجبا |
ثمَّ تطرَّق الشاعر إلى خصال الإمام، مادحا إیَّاه بأطیب الأخلاق التی ورثها من آبائه الأماجد، وتمثَّلها فی سلوکه مع الأقارب والأباعد، ومقارنا إیَّاه بأشهر الملوک قائلا:
حیث البلابل فی نادی الخطابة قد |
|
رامت بـ (مسقطها) أن تشبه الخطبا |
تبدو السما والثریا فوق مفرقها |
|
کتاج ملک على (إمامنا) انتصبا |
ذاک الهمام الخطیر الخاضعات له |
|
رقاب خیر بنی الغبراء منتسبا |
لو قسته بملوک ذاع ذکرهمو |
|
لکنت قایست (رادیوما) ومخشلبا |
إن تدْعُه النفس نحو مکرمة |
|
لا ینثنی أو ینالَ الدهرُ ما رغبا |
أو تختبر سیره تلقاء أمَّته |
|
تجدْ هناک الوفا والحِلم والأدبا |
خلائق تلک فیه غیر محدثة |
|
سما بها قبله آباؤه حِقَبا |
سلالة العزِّ من قوم غضارفة |
|
المجدُ قدما إلى أبوابه انتسبا |
ابن الأعاظم أبناء الأعاظم |
|
آ باء الأعاظم لا زورا ولا لعبا |
إن کان أحسن ما فی الشعر أکذبه |
|
فحسن شعری فیهم لم یکن کذبا |
ثمَّ وجَّه الخطاب لرئیس حکومة الإمامة، مثمِّنا ومبارکا جهود البارونی باشا فی خطَّته النهضویَّة فی شتَّى مجالات الحیاة، وفی مختلف قطاعات الدولة، إذ یقول:
وابن المدارس والمستشفیات وخُضْ |
|
بحر الحیاة وعزَّ العلم والأدبا |
وسِرْ بأمَّتک الغرَّاء فی سبل الـ |
|
ـعصر الجدید إلى علیائها خببا |
فامدد على الأرض أسلاک الحدید کما |
|
أمددت هیبتک الأعجام والعربا |
وأعل الماء مناطیدا مسخَّرة |
|
تصون ذلک اللهام الصارم الذربا |
وضع على البحر أسطولا تصبُّ به |
|
على العدوِّ جحیما کلَّما نعبا |
اِحرس هنالک أرضا تحت أضلعها |
|
جسم الصحابة من أجدادک النجبا |
وفی قصیدته هذه خصَّ الشاعر مفدی زکریاء جانبا منها لذکر مناقب الشعب العُمانی العظیم، الذی کان بالتفافه حول قیادته، وتعاونه الإیجابیِّ معها فی کلِّ الظروف العامل الأهمَّ الذی بموجبه تحقَّق الرهان، وبرزت المکاسب، وتأکَّدت النتائج. وفی هذا یقول الشاعر:
قومٌ بَنَوْا للعُلاَ بیتا تخرُّ له |
|
شُهبُ السَّما على هاماتها أدبا |
ومهَّدوا من ضحایاهم جسورهمو |
|
إلى الحیاة فأحیوا الدِّین والعربا |
وسطَّروا بمداد الفخر ذکرهمو |
|
على اللیالی ففات الذکر من طلبا |
سقوا بلادهم روحا فدائیَّة |
|
فأثمرت لهم استقلالهم نشبا |
یحیون تحت لواء الله مذ خلقوا |
|
ما ظلَّهم علَم للأجنبیِّ إبا |
فلو تلوْتَ على میِّت مناقبهم |
|
ردَّ الإله له الروح التی سلبا |
ومن یکن ورضاء الله رائده |
|
مدَّ الإله له من روحه سببا |
بَنِی عُمان ألا لله روحکمو |
|
قد حُزتم الأکرمین: السیف والکتبا |
لو المکارم فی الدنیا بأجمعها |
|
کانت کتابا لکنتم فوقه لقبا |
قد عزَّز الله دین المصطفى بکمو |
|
إذ خصَّکم عن جمیع الخلق وانتخبا |
فما ارتضیتم سوى إعلاءِ ملَّته |
|
ولا رأیتم سوى نیلِ العلا أربا |
فرفرفت فوقکم رایاته ولقد |
|
أرضیتموه فأرضاکم ولا عجبا |
جعلتم لحماه عن محمَّده |
|
(محمَّدا) کلَّما همُّوا به وثبا |
...إن جال کبَّـرت الأکوان قائلة: |
|
«الله أکبر سیف الله قد غلبا» |
...لیث الإله على القرآن یحرسه |
|
أولى له الله نصـرا [أینما]([38]) ذهبا |
...تِهْ یا عُمان بنصـر الله حیث بدَا |
|
خیر الرجال بعبد الله مصطحبا |
أرضٌ مع الله عین الشمس تحرسها |
|
فإن تَغِبْ أرسل الباری لها شُهُبا |
فاهنأ ودُم واسمُ واسعد واطمئن |
|
وعش واسلم ولا زلت للعلیاء منتدَبا([39]) |
ولا ینبغی أن نغفل ما نلاحظه فی هذه القصیدة من إسقاطات واضحة وتلمیحات کثیرة إلى حال الجزائر وإلى الاحتلال الفرنسی الجاثم على کاهلها. وأکثر من هذا فقد تجاوز مفدی بخیاله، کما هی عادته، الواقع الجزائریَّ المریر إلى واقع آخر کان یتوق إلیه ویتمنَّاه، وهو واقع التحرُّر من ربقة الاستعباد الفرنسیِّ، واستعادة السیادة الوطنیَّة.
خاتمة:
ومجمل القول، فإنَّ العلاقات بین عُمان وأعیان بلاد المغرب وعلمائها کانت قائمة منذ قرون ماضیة، واستمرَّت هذه العلاقات وثیقة فی القرن العشرین، باعتبار الاهتمام المشترک بقضایا الأمَّة الإسلامیَّة التی کانت تتربَّص بها الأطماع الاستعماریَّة والأخطار التنصیریَّة، وباعتبار وحدة المذهب الإباضیِّ الذی کان یجمعهم. وظلَّت إمامة عُمان الأخیرة، التی قامت فی سیاق حرکة التحرُّر العالمیَّة التی طالت قارَّة آسیا، وطالت قارتی إفریقیا وأمریکا، تشدُّ اهتمام علماء المغرب الکبیر وأعلامها، لاسیما فی عهد إمامها الهمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی. ومن هؤلاء عرضنا نماذج بارزة ممَّن خلَّفوا أثرا واضحا فی مسار العلاقات العُمانیَّة المغاربیَّة، تجلَّى فی ما دوَّنوه نثرًا وشعرًا، وما طفح عن ذلک من مشاعر امتزجت فیها الآلام بالآمال.
ولا شک أنَّ أوَّل هؤلاء العلماء والأعلام کان الشیخ سلیمان باشا البارونی الذی اصطفاه الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی لیکون وزیره الذی شدَّ به أزره، وأشرکه فی أمره. وظلَّ البارونیُّ محور هذا التواصل المتجدِّد بین المشرق والمغرب، بحکم دراسته السابقة بمیزاب؛ فتطوَّرت علاقات البارونی بالمزابیِّـین، وتوثَّقت بهم، وشدَّتهم إلیه مقاومته الشرسة ضدَّ الاستعمار الإیطالیِّ. واستمرَّت علاقات الشیخ مع زملاء الدراسة القدامى الذین خاض بعضهم غمار السیاسة والصحافة فی الجزائر، وآلت مقالید الأمور الثقافیَّة والاجتماعیَّة إلى کثیر منهم فی جنوبها وفی شمالها، ثمَّ تواصلت کذلک مع بعضهم فی تونس والقاهرة.
أمَّا الشیخ أبو الیقظان، وهو الأنموذج الثانی، فقد أَوْلَى وهیئة تحریر صحیفته «وادی میزاب» اهتماما بالغا بسلطنة مسقط والساحل. وأبدى اهتماما أکبر بالوضعیة السیاسیَّة فی عُمان الإمامیَّة، وأشاد بالإمام الخلیلیِّ، الذی حافظ على السیادة الکاملة لعُمان، وسعت قیادته الرشیدة فی استرداد مجد عُمان وعظمته، متحدِّیة الواقع المزری للمشرق العربی، ولم تُخْفِ جریدة أبی الیقظان إعجابها بولاء الشعب العُمانی لإمامهم، والتفافهم حوله، وتفطُّنهم لمساعی عرقلة إصلاحاته. ولم یتردَّد الشیخ أبو الیقظان المصلح الحازم عن انتقاد أولئک الذین یعیقون المساعی الإصلاحیَّة هناک، واستبشر بنجاح الإمام الخلیلی فی ردِّ هؤلاء. وخصَّص أبو الیقظان فی صحیفته حیِّزا کبیرا لأخبار عُمان؛ لوجود صدیقه سلیمان باشا البارونی فی أحد أعلى المناصب القیادیَّة بعُمان، إلى جانب کونه مسلما إباضیَّ الفکر.
واختتمنا دراستنا هذه بالأنموذج الثالث الذی مثَّله بجدارة الأدیب الشاعر مفدی زکریاء، الذی تغنَّى بالنصر الذی حلَّ بعُمان فی قصیدته الموسومة بـ«تِهْ یا عُمان بنصر الله»، وأشاد فیها بنهضة عُمان الواعدة، وبشعبها الذی قرَّر رفع التحدِّی، وتطرَّق فیها إلى خصال الإمام الخلیلی، مادحا إیَّاه بأطیب الأخلاق، ثمَّ وجَّه الخطاب لرئیس حکومته البارونی باشا، مثمِّنا ومبارکا خطته النهضویَّة الشاملة، وخصَّ الشاعرُ الشعبَ العُمانیَّ بذکر مناقبه، وأشاد بالتفافه حول قیادته وتعاونه الإیجابیِّ معها. وکما هی عادة الأدباء الملهمین؛ فقد طار مفدی زکریاء بخیاله الفیَّاض انطلاقا من حال عُمان الجدید، متجاوزا واقع الجزائر المزری، إلى واقع مثالیٍّ کان یتوق إلیه، وهو واقع الانعتاق من ربقة الاستعباد الفرنسی، واستعادة سیادة الوطن الجزائری. وما زاد اهتمام هؤلاء الأعلام حماسة وعمقا هو وحدة الانتماء إلى رابطة الأمَّة الإسلامیَّة، ودائرة الولایة الإباضیَّة، وهو ما قوَّى - ولا یزال یقوِّی أواصر - الأخوَّة والتضامن والتعاون بین أبناء الأمَّة الواحدة فی الشرق والغرب الإسلامیَّـین.
([1]) القطب، امحمَّد بن یوسف اطفیَّش: شرح النیل وشفاء العلیل، مکتبة الإرشاد – جدة، ودار الفتح – بیروت، ط. 2، 1973م، ج3، ص464.
([4]) G. T. A. 7 «Situation politique indigène», Tunis, le 22 Mai 1914 تقریر فرنسی لتحرکات الزعیم اللیبی سلیمان البارونی بالتراب الجزائری مع بعض من مرافقیه من أعلام میزاب.
([5]) العیدروس، محمَّد حسن: تاریخ الخلیج العربی الحدیث والمعاصر، ط1، عین للدراسات والبحوث الإنسانیَّة والاجتماعیَّة، القاهرة، 1996، ص244.
([6]) جمال زکریا قاسم: تاریخ الخلیج العربی الحدیث والمعاصر، دراسة لتاریخ الإمارات العربیَّة 1914-1954، ط. 1، دار الفکر العربی، 2001، ج 3 ص10. والعیدروس: تاریخ الخلیج العربی، ص244.
([7]) هیئة التحریر: «فی شرق بلاد العرب، وزارة سلیمان البارونی فی عمان»، وادی میزاب، (أسبوعیَّة جزائریَّة)، ع. 19، الصادر فی: 15ربیع الأوَّل 1345 الموافق لـ11 فبرایر 1927م.
([9]) أبو الیقظان، إبراهیم: سلیمان البارونی باشا فی أطوار حیاته، المطبعة العربیَّة، الجزائر، 1379هـ/1959م، ص249-250.
([10]) التلیسی، خلیفة محمَّد: معجم معارک الجهاد فی لیبیا، 1911-1931، دار الثقافة، بیروت، 1972، ص495.
([12]) البارونی، أبو القاسم: حیاة سلیمان باشا البارونی زعیم المجاهدین الطرابلسیِّین، ط1، (دون ناشر، دون مکان نشر)، 1948، ص47.
([13]) المالطی، محمَّد سعید: «نتائج معاهدة لوزان فی لیبیا 18 أکتوبر 1912»، مجلَّة الشهید، ع. 11، 1990، مرکز دراسات جهاد اللیبـیِّین ضدَّ الغزو الإیطالی، طرابلس، ص28.
([16]) الشقرونی، توفیق عیاد: «وثائق عن تحرُّکات سلیمان البارونی الدولیَّة»، مجلَّة الوثائق والمخطوطات، ع. 6، 1991، مرکز دراسات جهاد اللیبـیِّین ضدَّ الغزو الإیطالی، طرابلس، ص148-151.
([20]) درج الشیخ أبو الیقظان على تکنیة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی بأبی عبد الله؛ والمعلوم أنَّ الإمام الخلیلیَّ لم یخلِّف ولدا ذکرًا. ولعلَّ ذلک جاء من باب إجلاله لشخص الإمام. وأوردتها کما هی حفاظا على أمانة الاقتباس.
([23]) بروفیسور دی إیکلمان: المعارف الدینیَّة فی عُمان الداخلیَّة، حصاد ندوة الدراسات العمانیَّة، ذو الحجَّة 1400هـ/نوفمبر 1980م، ج6، وزارة التراث القومی والثقافة، عمان، ص260-261.
([24]) کان للإمامة عَلَمها الخاصُّ المکوَّن من أرضیَّة بیضاء یعلوها سیف تحته عبارة: «نصر من الله وفتح قریب». ینظر: روبرت جیران لاندن: عمان 1856 مسیرًا ومصیرًا، ترجمة: محمَّد أمین عبد الله، ط. 4، 1989م، ص45.
([25]) جمعیة التراث: ترجمة مختصرة عن الشیخ محمَّد بن شامس البطَّاشی، موقع الجمعیة www.tourath.org. ینظر أیضا: قراءات فی فکر الشیخ محمَّد بن شامس البطَّاشی، حصاد الندوة التی أقامها المنتدى الأدبیُّ احتفاء بذکرى الشیخ محمَّد بن شامس البطَّاشی، 5-6 جمادى الأولى 1428هـ، الموافق 21-22 مایو 2007م، نشر فی 2008.
([26]) بشیر بن موسى الحاج موسى: الشیخ العلاَّمة القاضی سعود بن سلیمان بن جمعة الکندی فی سطور، لقاء مع الشیخ سعود بمنزله، صائفة 2009.
([27]) محمَّد بن راشد الخصیبی: شقائق النعمان، ج3. وینظر أیضا: یحیى بن محمَّد البهلانی: نزهة المتأمِّلین فی معالم الإزکویِّـین، مطابع النهضة، مسقط، 1993. وینظر کذلک: لقاء أجراه الباحث سالم العیاضی مع نجل المترجم له یحیى بن سفیان الراشدی، الوطیَّة، محافظة مسقط، 2005.
([29]) رسالة من الإمام محمَّد الخلیلی إلى الشیخ سعید بن أحمد بن سعید الکندی، مؤرَّخة فی 14 شعبان 1348هـ/ 15 ینایر 1930م. نقلا عن السیابی: المرجع نفسه، ص263.
([31]) أبو الیقظان، إبراهیم: «ما هی حالة عُمان السیاسیَّة؟»، وادی میزاب، ع. 40، الصادر فی: 20/07/1927م، ص1.
المصادر والأرشیف:
- أبو الیقظان الحاج إبراهیم: سلیمان البارونی فی أطوار حیاته، المطبعة العربیَّة، الجزائر، 1379هـ/1959م
- اطفیَّش، القطب امحمَّد بن یوسف: شرح النیل وشفاء العلیل، مکتبة الإرشاد – جدة، ودار الفتح – بیروت، ط. 2، 1973م.
- البارونی أبو القاسم: حیاة سلیمان باشا البارونی (زعیم المجاهدین الطرابلسیِّین)، ط1، (دون ناشر، دون مکان نشر)، 1948م.
- البارونی زعیمة: سلیمان البارونی تعریف موجز، (دون ناشر، دون مکان نشر)، 1973م.
- لاندن روبرت جیران: عُمان 1856 مسیرًا ومصیرًا، ترجمة: محمَّد أمین عبد الله، ط4، 1989م.
- مجهول: البلبل الصدَّاح، والمنهل الطفَّاح فی مختارات الأشعار الملاح، تحقیق: علی محمَّد علی إسماعیل، وإبراهیم صلاح الهدهد، مطابع النهضة الحدیثة، المنصورة، مصر، 2002م.
- A. O. M. , G. G. A, 23H94 (109), Rapport annuel de 1907, Territoire de Ghardaïa.
- G. T. A. 7 «Situation politique indigène», Tunis, le 22 Mai , 1914.
الشهادات واللقاءات:
- أمیر مجه: لقاء مع الشیخ نبهان بن سیف بن سالم المعمری، بمنزله الکائن بودام الغاف، ولایة المصنعة، سلطنة عُمان، فی 11، 13 صفر 1427هـ/11، 13 مارس 2006م.
- الحاج موسى بشیر بن موسى: لقاء مع الشیخ سعود بن سلیمان بن جمعة الکندی، بمنزله، سلطنة عُمان، صائفة 2009.
- العیاضی سالم: لقاء مع نجل الشیخ یحیى بن سفیان الراشدی، الوطیَّة، محافظة مسقط، سلطنة عُمان، 2005.
- الکتب:
- البهلانی یحیى بن محمَّد: نزهة المتأمِّلین فی معالم الإزکویِّـین، مطابع النهضة، مسقط 1993م.
- التلیسی خلیفة محمَّد: معجم معارک الجهاد فی لیبیا، 1911-1931م، دار الثقافة، بیروت، 1972م.
- جبران محمَّد مسعود: سلیمان البارونی وآثاره، الدار العربیَّة للکتاب، لیبیا، 1991م.
- الخصیبی محمَّد بن راشد: شقائق النعمان على سموط الجمان فی أسماء شعراء عُمان، وزارة التراث القومی والثقافة، سلطنة عُمان، 1984م، ج3.
- الدرعی محمَّد: التاریخ المعاصر والتطوُّرات السیاسیَّة فی الوطن العربی، دار الهدى للنشر والطبع والتوزیع، الجزائر، 1981م، ج1.
- دی ایکلمان: المعارف الدینیَّة فی عُمان الداخلیَّة، حصاد ندوة الدراسات العُمانیَّة، ج6، وزارة التراث القومی والثقافة، عُمان، ذو الحجَّة 1400هـ/ نوفمبر 1980م.
- السیابی أحمد بن سعود: الوسیط فی التاریخ العُمانی، مکتبة الضامری، مسقط، سلطنة عُمان.
- العیدروس محمَّد حسن: تاریخ الخلیج العربی الحدیث والمعاصر، ط1، عین للدراسات والبحوث الإنسانیَّة والاجتماعیَّة، القاهرة، 1996م.
- قاسم جمال زکریا: الخلیج العربی، دراسة لتاریخ الإمارات العربیَّة 1914-1954م، دار الفکر العربی، الطبعة الأولى 1973م.
- قدورة زاهیة: تاریخ العرب الحدیث، ط1، دار النهضة العربیَّة للطباعة والنشر، بیروت، 1985م.
- ناصر محمَّد بن صالح: أبو الیقظان وجهاد الکلمة، ط. 3، منشورات أَلفا (Alpha)، الجزائر، 2006م.
- ناصر محمَّد بن صالح: مفدی زکریاء شاعر النضال والثورة، ط. 2، جمعیَّة التراث، العطف، غردایة.
المقالات:
- أبو الیقظان إبراهیم: «سلیمان باشا البارونی»، وادی میزاب، ع. 4، الصادر فی 22/10/1926م.
- أبو الیقظان إبراهیم: «عُمان نبأ عظیم»، وادی میزاب، ع. 17، الصادر فی 21/01/1927م.
- أبو الیقظان إبراهیم: «ما هی حالة عُمان السیاسیَّة؟»، وادی میزاب، ع. 40، الصادر فی 20/07/1927م.
- الشقرونی توفیق عیاد: «وثائق عن تحرُّکات سلیمان البارونی الدولیَّة»، مجلَّة الوثائق والمخطوطات، ع. 6، الصادر فی 1991م، مرکز دراسات جهاد اللیبـیِّین ضدَّ الغزو الإیطالی، طرابلس.
- المالطی محمَّد سعید: «نتائج معاهدة لوزان فی لیبیا 18 أکتوبر 1912»، مجلَّة الشهید، ع. 11، 1990م، مرکز دراسات جهاد اللیبـیِّین ضدَّ الغزو الإیطالی، طرابلس.
- مفدی زکریاء: «تِهْ یا عُمان بنصر الله»، قصید من 77 بیتا، وادی میزاب، ع. 12، الصادر فی 17/12/1926م.
- هیئة التحریر: «أبناء عُمان»، وادی میزاب، ع. 106، الصادر فی 26/10/1928م.
- هیئة التحریر: «حادث خطیر على ساحل عُمان»، وادی میزاب، ع. 45، الصادر فی 19/08/1927م.
- هیئة التحریر: «حکمة التشریع الإسلامی»، وادی میزاب، ع. 79، الصادر فی 20/04/1928م.
- هیئة التحریر: «فی شرق بلاد العرب، وزارة سلیمان البارونی فی عُمان»، وادی میزاب، ع. 19، الصادر فی 15 ربیع الأوَّل 1345هـ/ 11فیفری 1927م.
الندوات:
- قراءات فی فکر الشیخ محمَّد بن شامس البطَّاشی، حصاد الندوة التی أقامها المنتدى الأدبی احتفاء بذکرى الشیخ محمَّد بن شامس البطَّاشی، 5-6 جمادى الأولى 1428هـ/ 21-22 مایو 2007م، نشر فی 2008م.
- المواقع الإلکترونیة:
- جمعیة التراث: ترجمة مختصرة عن الشیخ محمَّد بن شامس البطَّاشی، موقع الجمعیَّة الإلکترونی: www.tourath.org.
- عدد الزيارات للمقالة: 8
- مرات تحميل الملف الأصلي للمقالة: 9