المجتمع والسیاسة في عُمان من خلال جوابات الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلي
الباحث المراسل | ناصر بن سیف السعدي |
کان الهدف الرئیس من تألیف کتب الجوابات فی عمان التأکید على أهمیة الأحکام الشرعیة والفقهیة فی حیاة المسلم. إلا أن تلک المؤلفات تحمل بین ثنایاها أبعادًا حضاریة –سیاسیة واجتماعیة وثقافیة – أسهمت فی التعرف على طبیعة تطور المجتمع الذی تنتمی إلیه. وبذلک تعدّ من أهم مصادر دراسة التاریخ؛ لما تقدمه من مادة جیدة، یمکن الاعتماد علیها فی الکشف عن الأحوال الاجتماعیة والاقتصادیة، والسیاسیة، کونها مرآة للواقع، وسجلاً حافلاً بالوقائع والأحداث. وکتاب «الفتح الجلیل فی أجوبة الإمام أبی الخلیل» أحد تلک الکتب التی تعد أنموذجًا؛ لفهم حرکة تطور المجتمع العمانی خلال النصف الأول من القرن العشرین. وقد استرعى انتباه الباحث أن جانب النوازل الفقهیة غدا مقومًا رئیسًا لکتاب «الفتح الجلیل»، وأن هذا الجانب لم یستوف حقه من الدراسة والبحث. وهذا ما دفع الباحث أن یعتمد مادة هذا الکتاب مصدرا لهذه الورقة البحثیة.
ویضم کتاب «الفتح الجلیل» حصیلة الجوابات الفقهیة للمسائل التی تصل إلى الإمام الخلیلی أو لعلماء زمانه؛ لإعطاء الحکم الشرعی حولها. ویضم -أیضا- العدید من مراسلاته السیاسیة وعهود الولاة. وغالب تلک المراسلات تعود إلى الفترة الزمنیة التی تولًى فیها الإمامة. ویحاول الباحث من خلال هذا الکتاب الوقوف على أهم القضایا التی شغلت المجتمع فی تلک المرحلة الزمنیة، سواء تلک القضایا المتعلقة بالجوانب السیاسیة أم القضایا الاجتماعیة، التی شغلت بال عامة الناس ونخبة المجتمع. وسوف یکون الإطار الزمنی للدراسة، نهایةً، هو عام 1373هـ/1954م، وهی السنة التی توفی فیها الإمام محمد بن عبد الله الخلیلی. ومن أجل تحقیق أهداف الدراسة تم تقسیمها إلى ثلاثة مباحث هی: الإدارة السیاسیة لدولة الإمامة فی عهد الإمام الخلیلی، ونماذج من قضایا المجتمع العمانی خلال الفترة 1919-1954م، والأبعاد الجغرافیة ودلالات ذکر المدن العمانیة فی کتاب «الفتح الجلیل».
الإدارة السیاسیَّة لدولة الإمامة:
أسهمت عدة عوامل فی صیاغة شخصیة الإمام الخلیلی؛ فعلى الصعید السیاسی کان خروجه إلى شرقیة عمان عاملاً مهمًا، حیث کانت الشرقیَّة قبلة للمعارضة السیاسیة منذ انتهاء إمامة عزان بن قیس 1287هـ/1871م، وذلک بوجود العدید من الشخصیات البارزة سیاسیًّا وعلمیا أمثال: الشیخ صالح بن علی الحارثی، والشیخ نور الدین السالمی. فکان لهذه العوامل أثر فی مواقف محمد بن عبد الله الخلیلی، فالتحق بالإمامة مبکرًا، واشترک فی محاولات فتح مسقط عام 1333هـ/1915م، وأصبح من کتّاب الإمام الخروصی، إذ کتب العدید من الرسائل التی أرسلها الإمام الخروصی إلى القنصل البریطانی وإلى زعماء عمان([1]). وعندما لم یتمکن أنصار الإمامة السیطرة على مسقط، برز داخل حکومة الإمام تیاران: الأول یقول بضرورة مواصلة إسقاط حکومة مسقط والسلطان، وخروج بریطانیا من عمان. ومن الشخصیات البارزة التی تمثل هذا الموقف الإمام الخروصی نفسه، والشیخ حمیر بن ناصر النبهانی. والثانی یرى قبول الصلح وإیقاف النزاع. وهذا التیار یمثله الشیخ عیسى بن صالح الحارثی، ومحمد بن عبد الله الخلیلی. وعلى الرغم من الجهود التی بذلها التیار الأخیر إلا أنها لم تنل قبولاً لدى الإمام، وظلت الأوضاع بین مد وجزر حتى لحظة مقتل الإمام یوم 13 ذی القعدة سنة 1338هـ الموافق 29 یولیو 1920م، وتنصیب الخلیلی إمامًا لعمان([2]).
وتمثّل إمامة الخلیلی منعطفًا ونقطة تحوّل فی تاریخ العلاقة بین الإمامة وحکومة مسقط، ورأت بریطانیا فی مجیء الخلیلی إلى منصب الإمامة فاتحة خیر، ویمکن إن یسهم فی إشاعة السلام والتعایش؛ حیث ورد فی تقریر بریطانی ما نصه: «یقال إنه معتدل وعلامة وأیّد إعادة المزارع([3]) فی زمن الإمام الأخیر»([4]). وقریبًا من هذه الرؤیة، أشارت بعض المصادر العمانیة إلى الآراء المتباینة التی خلّفتها إمامة الخلیلی، سواء على مستوى الطریقة التی وصل بها إلى الإمامة، أم على مستوى دوره فی توقیع اتفاقیة السیب عام 1339هـ/1920م، مما دفع القاضی سعود بن حمید آل خلیفین أن یکتب سیرة دافع فیها عن مواقف الشیخ عیسى بن صالح الحارثی، والإمام محمد بن عبد الله الخلیلی، وأسماها «الجواب الفاصل بین الحق والباطل» جاء فیها «فقد وقفت على صحیفة ألقیت إلى سیدنا العلامة الأمیر الصالح عیسى بن صالح... وقد سلک – أی کاتب الصحیفة – بها مسلک الموعظة والنصیحة، وما هی إلا الفضیحة»([5]). وأما حول دور الشیخ عیسى فی تنصیب الخلیلی إمامًا، فقد ألمح الإمام إلى ذلک فی إحدى رسائله حیث قال «ومن أدخلنا فی هذا الأمر غیرک- یقصد الشیخ عیسى -»([6])، والمصادر البریطانیة هی الأخرى لم تغفل نفوذ الحارثی فی إیصال الخلیلی إلى الإمامة، وقد أکدت ذلک الدور([7]).
وبشکل عام، وبغض النظر عن ذلک التباین فی الآراء والمواقف؛ تقدم المصادر التاریخیة صورة زاهیة لإمامة الخلیلی. ففی عهده تحقق السلم السیاسی والاجتماعی، وتوقفت النزاعات العسکریة والمسلحة، وحدث التعاون بین حکومة مسقط والإمامة، واتسع نفوذ الإمام بدخول عدة مناطق وقبائل فی حوزة الإمامة. فدخلت عبری عام 1358هـ/1940م، وعیّن الشیخ محمد بن سالم الرقیشی والیًا علیها. وفی شرقیة عمان مدّ الإمام نفوذه إلى جعلان بنی بوحسن، وعیّن علیها والیًا وهو الشیخ محمد بن زاهر الهنائی. وتمکن فی الوقت ذاته من إقناع غافریة الشرقیَّة من البقاء على الحیاد، مقابل أن تقف الإمامة إلى جانبهم إذا ما تعرضت بلادهم للاعتداء من قبل بریطانیا. وهذا التعهد نابع من حس وطنی خالص یرى فیه الإمام أن عمان مِصْرٌ واحد لا یتجزأ([8]). وکان هذا التمدد والاتساع فی نفوذ الإمامة قد أزعج بریطانیا حینها، ودفعها إلى الخوف من نوایا الإمام وأهدافه. وما ورد فی التقاریر البریطانیة یؤکد ذلک، حیث یقول: «إنه من الصعب جدا وبأیة درجة من الدقة القول ما هی أهداف وأغراض الإمام المستقبلیة... وأعتقد -الوکیل السیاسی البریطانی- أنه تحرک بصورة إستراتیجیة شاملة لکی یمد نفوذه على کامل مناطق الظاهرة حتى واحة البریمی»([9]).
وعلى الرغم من الحذر الواضح فی التقاریر البریطانیة من نفوذ الإمام الخلیلی، إلا أنه لم یحدث ما یکدّر صفو العلاقة بین الإمام وحکومة مسقط. وکانت الخلافات السیاسیة والمجتمعیة تدار بطریقة سلیمة([10]). وعندما تولى السلطان سعید بن تیمور الحکم عام 1350هـ/1932م، أقرّ باتفاقیة السیب التی وقعت عام 1339هـ/1920م، کمعیار لتنظیم العلاقة بین الطرفین على المستوى التنظیمی والإداری، إلا أنه رفض الاعتراف صراحة بإمامة الخلیلی. وظل رافضا مخاطبته کإمام حتى وفاته عام 1373هـ/1954م، ولم تشر أیٌّ من المصادر العمانیة ولا الأجنبیة لأی موقف قد أبداه الخلیلی من عدم مخاطبته بلقب الإمام. ومن المحتمل أن هذا یعود إلى طبیعة شخصیة الخلیلی المتسامحة، وعدم رغبته فی إثارة الخلافات السیاسیة.
وعلى عکس من هذا الأمر خاطبت الدوائر البریطانیة محمد بن عبد الله بلقب الإمام. وهذا یتضح فی رسالة صادرة من رئیس الخلیج (الفارسی) بالبحرین بتاریخ 4 رجب 1372هـ/12 مارس 1953م، بدأت الرسالة بقولها: «حضرة الأفخم الفاضل الإمام محمد بن عبد الله الخلیلی»([11]). وکان اعتراف بریطانیا بالإمامة کیانًا سیاسیًّا، واعترافها کذلک بمصطلح الإمام، منصبًا سیاسیًّا، من العوامل المساعدة فی استقرار الأوضاع خاصة أن الإمام محمد بن عبد الله الخلیلی رأى فی البریطانیین والسلطان عاملا مساعدًا فی حفظ الأمن الداخلی. وبعد وفاة الإمام الخلیلی وتنصیب غالب بن علی إمامًا تطلعت الإمامة فی عهده إلى بناء سیاسی متکامل، وتوجهت إلى بناء علاقات مع الخارج. إلا أن التطورات الداخلیة والدولیة لم تکن فی صالح الإمامة. فظهور النفط فی المناطق الواقعة ضمن سیادة الإمامة، ورغبة بریطانیا فی الاستحواذ على الأراضی النفطیة، أسهمت فی سیطرة السلطان على نزوى عاصمة الإمامة، بدعم بریطانی غیر محدود سنة 1374هـ/1955م. وتحولت الإمامة إلى النضال السیاسی والعسکری قاده الإمام غالب بن علی الهنائی. واستمر فعلیًّا حتى حکم السلطان قابوس بن سعید عام 1389هـ/1970م([12]).
الإدارة الداخلیة والقیم السیاسیة:
تدبیر شؤون الرعیة حسب موجبات الشرع، وإقرار العدالة الاجتماعیة، إحدى القضایا الجوهریة فی فکر الإمامة. وهی من واجبات الإمام. وسوف یرکز البحث على الإدارة الداخلیة للإمامة، ممثلة فی حقوق الرعیة وواجباتهم، وطبیعة تعامل الإمامة مع زعماء وشیوخ القبائل. کما سیمتد الحدیث إلى القیم والمبادئ التی کانت ترتکز علیها إدارة الإمام الخلیلی، والکیفیة التی أدار بها شؤون المجتمع، بما فیه من تنوع مذهبی.
الإدارة الداخلیة:
هنالک العدید من الأمثلة التی تدل على الکیفیة التی کان یدیر بها الإمام مختلف قضایا الرعیة من حقوق وواجبات. ویتضمن ذلک طریقة التعامل مع الجهاز الإداری للإمامة من ولاة وقضاة. ففی إحدى رسائل الإمام إلى قاضیه سعود بن حمید، وصف الإمام تلک السیاسة بقوله: «وأهل عُمان لا یمکن استقامة دینهم وعزتهم إلا مع الاقتصاد والسیرة المُرضیة»([13]). واعتمد الإمام الخلیلی المقولة منهجًا له. فالاستقامة تستوجب العدالة، والقسط فی إدارة الرعیة. وکما أن للرعیة حقوقا فإن علیهم واجبات. ولابد من تحمّل تکالیف النهوض بالأمة والدفاع عن کیانها، إلا أن ذلک لا یعنی بأی حال من الأحوال عدم مراعاة الرعیة فی ظروفهم. ففی إحدى الرسائل الموجهة للشیخ عیسى بن صالح الحارثی یبیّن الإمام هذا المبدأ بقوله: «فإن المسلمین عزموا على المثار ویرونه لابد منه على هؤلاء البغاة المعتدین فنرید منکم حروة مائة رجل حاملین أنفسهم. واعلموا أن هذه النازلة هی دفاع عن دین الإسلام ودیارهم ولا تقول إن عند الناس أموالا للحمل، ولکن فی أموال المساجد والأوقاف سعة ولو ببیعها»([14]).
ولم یکن الجهاز الإداری الذی یحیط بالإمام من القضاة والولاة والعمال والشراة محصنین من الخطأ، بل هم مثل عامة الناس. ولا یعنی، أیضًا، من یتولى ذلک المنصب فی دولة الإمامة أن یکون ولیًّا من أولیاء الله الصالحین. وقد بیّن الإمام أن العمال والقضاة والشراة حالهم کبقیة الناس فی الولایة والبراءة؛ لأنه لیس شرطا أن یکون الوالی ولیًّا، فقد کان عمر بن الخطَّاب یولی غیر الولیّ فکیف «بأهل هذا الزمان»([15])، حسب تعبیر الإمام.
وللرعیة الحق فی الحصول على الحمایة لهم، ودفع الظلم عنهم؛ لکی یصبح للإمام الحق فی قبض الزکاة. وعندما دار النقاش بین الشیخ عیسى بن صالح الحارثی والإمام حول حق الإمام فی قبض الزکاة وصلا إلى نتیجة مفادها: «لا یصح للإمام أن یأخذ الزکاة من الرعایا حتى یحمیهم حولاً، فإن أخذها فهو ظالم وغاشم»([16]). وأیضًا للرعیة الحق فی منع الزکاة عندما تصبح الدولة غیر قادرة على توفیر الأمن والحمایة للرعیة، وهذا ما تشیر إلیه رسالة الإمام: «وإما أن یثور فی أخذ حقهم من بنی کلبان، أو یسکت عن زکاتهم، وسیبذلونها فی من یأخذ حقهم ویقوم فی حجتهم»([17]).
ولم یکن الإمام الخلیلی رجلا مستبدًا برأیه، ولا یدیر الدولة متفردًا بالرأی، بل کانت إدارته قائمة على مبدأ الشورى. وکثیرًا ما یلجأ لأهل الحل والعقد فی أدق القضایا التی تتعلق بشؤون الرعیة، لا سیما الفقراء منهم. وقد توجّه بسؤال إلى الشیخ عامر بن خمیس المالکی حول قضیة تردد فیها کثیرا وهی: «إن الدولة لا سعة فیها، وتحتاج إلى حمایة ونحوها، وذلک لا یقوم إلا بالمال فقد یشق الحال. إن واسیت الضعفاء بقیت الأمور کما ترى. وإن منعناهم خفنا أن تلحقهم المضرة». فکان جواب المالکی: «الأصل أن الإمام إذا احتاج إلى الزکاة لحمایة من یزکیه فإنفاذها فی الحمایة أولى»([18]).
شیوخ القبائل وموقف الإمام منهم:
من القضایا التی أشار إلیها کتاب «الفتح الجلیل» ما یتصل بالعلاقة بین شیوخ وزعماء القبائل وعشائرهم، وعلاقتهم بالإمامة. وقد وردت إشارات متعدِّدة تعنى بطبیعة العلاقة مع زعماء القبائل مما یتصل بالمال العامِّ. وقد بینت إحدى الرسائل الکیفیة التی کانت الإمامة تتعامل بها مع الزعامات القبلیة النافذة فی عمان. ومثال على ذلک هلال بن علی البوسعیدی حاکم الرستاق الذی کان قد طلب زیادة فی عطائه من بیت المال. فناظر الإمام الشیخ عیسى بن صالح، وکان الإمام یرى أن یخرج بیت المال من تحت إمرة هلال بن علی، حیث یقول الإمام: «...ویکون السید هلال لیس له تداخل فی بیت المال بإعطاء بَهَطَّة([19]) للناس، بل ذاک معزِّز له ولمعاشه وضیافته»([20]). وهنالک موقف آخر یرد فی کتاب «الفتح الجلیل» فی ذات السیاق وله علاقة بحاکم الرستاق المذکور أیضا. وهذه الإشارة تشیر إلى أن سیرته أی هلال بن علی لم تکن سیرة حسنة فی إدارة الرعیة. وکان یتراخى فی القیام بواجباته ومسؤولیاته. ومثال على ذلک عدم أخذه حقا لبنی هناءة، إذ تقول الرسالة: «وإما أن یثور فی أخذ حقهم من بنی کلبان، أو یسکت عن زکاتهم وسیبذلونها فیمن یـأخذ حقهم ویقوم فی حجتهم»([21]). وفی رسالة أخرى فی ذات المعنى، یعاتب الإمام الشیخ عیسى بن صالح الحارثی، لسکوته عما یفعله حاکم الرستاق. ومما جاء فی الرسالة ما نصه: «فانظروا فی ذلک والذی تراه من النظر غیر معذور من إبدائه، ولیس من سیرة الأوائل السکوت عن أمر، وکیف أنت تسکت وتقول لا أتکلم فی وال... کأنک غیر شریک فی الأمر»([22]).
ومن أسالیب الإدارة التی اعتمدها الإمام فی إدارته أسلوب الاستقلال الذاتی لزعماء بعض القبائل. وهذا الاستقلال جاء نتیجة للنفوذ الذی یتمتع به بعض شیوخ القبائل، أو أن الإمام رأى فی هذا الزعیم أو ذاک سمات العدل والصلاح([23]). ولکن بوجه عام حاول الإمام التصدی لنفوذ زعماء القبائل خاصة إذا کان الهدف من ممارسته هو الخروج عن إطار الدولة وسیادتها. وقد عاتب الإمام الشیخ أحمد بن محمد الحارثی عتابًا شدیدًا عندما حاول أن یتعدّى على هیبة الدولة([24]). وکان الإمام یرفض رفضا قاطعًا أن یترک الحبل على الغارب لزعماء القبائل أن یثقلوا کاهل الرعیة بالغرم، والدفع تحت أی حجة وذریعة کانت. خاصة إذا لم یکن أولئک الزعماء من أهل العدل والتقوى، حیث یقول فی أحد جواباته: «لو کان الجبر جائزا بوجه من الوجوه فلا یصح إلا بجماعة أهل العدل الذین یقبل قولهم على أهل البلد، وکما تسمع وترى فی زمانک من فعل من کابر وأهله یأخذون أموال الناس فی مثل هذه القضایا، وربک بالمرصاد»([25]).
التنوع الثقافی فی عمان:
تمیزت عمان منذ القدم بحکم موقعها الجغرافی بالتنوع العرقی، والثقافی، والمذهبی. وشهدت عمان هجرات عناصر غیر عربیة أسهمت التجارة البحریة والعلاقات الخارجیة لعمان دورا فی إذکائها. وصاحب هذا التنوع العرقی تنوع دینی ولغوی. فإلى جانب المذهب الإباضی فی عمان وجدت مذاهب إسلامیة کمذهب أهل السُّنَّة، والشیعة([26]). وتؤکد مسارات التاریخ العمانی وسیاقات نصوص التراث الفقهی أن التنوع الثقافی فی عمان مکون أصیل فی بنیة المجتمع العمانی. وقد أثنى کل من زار عمان من الأجانب وغیرهم قدیما وحدیثًا على طبیعة المجتمع العمانی وقبوله واعترافه بالآخر. یقول أحد الرحالة الأجانب: «وفی الأسواق یمکن رؤیة البانیان من الهند والعُمانیِّـین والبدو والعجم والیهود»([27]). وفی مسألة رفعت إلى الشیخ خمیس بن سعید الشقصی تشیر إلى أیِّ مدى کان أهل عُمان أقروا واعترفوا بحق المذاهب الإسلامیة فی ممارسة شعائرهم وفق رؤیة کل مذهب. یقول الشقصی حول مناسبة دینیة تعوّد شافعیَّة عُمان إحیاءها کل عام وهی الاحتفال بالمولد النبوی: «إن کانوا مقیمین فی أماکنهم ویفعلون هذا على سبیل الموعظة والخشوع والحث على الطاعة وترک المعصیة والتشوق إلى الجنة... فأرجو ألا یضیق ترکهم على ذلک»([28]).
ولذلک لم یغفل کتاب «الفتح الجلیل» طبیعة المجتمع العمانی، فحوى العدید من الإشارات ذات العلاقة بموقف الإمام الخلیلی مع مختلف المذاهب فی عمان. ومن الإشارات الواردة قضیة اجتماعیة تتعلق بالمذهب الشیعی. فکان رأی الإمام عدم التدخل بأی طریقة کانت فی شأنهم. وأصل القضیة کما یتبین من المسألة التالیة: «رجل وزوجته من الشیعة قال لها بحضرة السلطان الإباضی مفارقة بالثلاث، فتقدم علیه العامل أن لا یراجعها إلا بعد السؤال للعلماء، فسأل علماء مذهبه، فأفتوه بأن هذا اللفظ لا یقع به طلاق رأسًا، إنما الطلاق بصیغ الاستقبال کأن یقول: أنت فلانة طالق، ولا یکون ثلاث إلا إذا تخلل بین رجعتین... وطلاق الشیعی خال من شروط طلاق الشیعة». فکان جواب الإمام الخلیلی: «أرى أنه یسعک إن کانت المرأة والرجل من الشیعة أن تترکهم وشأنهم ولا سیما فی المسائل الاجتهادیة»([29]).
وهنالک إشارات تتعلق أیضا بموقف الإمام إذا ما قام أحد من الإباضیة بتأجیر رجل من أهل السُّنَّة، أو الشیعة للقیام عنه بفریضة الحج وزیارة قبر الرسول صلى الله علیه وسلم، فکان جواب الإمام: «أما تأجیر أحد من قومنا أن یحج عن أصحابنا فجائز»([30]).
القیم والمبادئ السیاسیة:
یضم «الفتح الجلیل» الکثیر من القیم السیاسیة التی کانت الموجّه الأول لإدارة شؤون الدولة فی عهد الإمام الخلیلی. وتلک القیم أصیلة، وراسخة فی الفکر السیاسی للإمامة، سواء ما یتعلق بقیم الشورى، والمحاسبة الإداریة، أو ما یتعلق بضرورة حفظ وصیانة بیت مال المسلمین، وغیرها من القیم والمبادئ. وسوف یرکز البحث على بعض منها، وهی کما یلی:
نقد سیاسة الإمام:
کان الإمام یتقبل النقد الموجّه إلیه بصدر رحب، أیًّا کان مصدر ذلک النقد، خاصة إذا کان النقد یصب فی خدمة الصالح العام للدولة والمجتمع. وقد أکّد الإمام فی رسالة إلى الشیخ عیسى أن النقد الذی وجهته إحدى الشخصیات إلى إدارة الإمام کان صائبًا فی نقده، لهذا تراجع الإمام عن رأیه السابق من أجل إتاحة المجال للإجماع، والخروج برأی یتوافق علیه الجمیع، وهذا ما أشارت إلیه إحدى رسائله، «...وأرى تنبیه ناصر بن سالم بن عمیر هو الحق حین قال: أراک أیها الإمام أنت والشیخ عیسى أنَّ کلَّ واحد لَیُعجبه رأیُه، ولم تترکوا لغیرکم رأیًا، ومن أجل ذلک أرى الأمور فیها للمقال مجال. فلنرجع نحن وأنت إلى هذا، وأنا أمسک عن أمر الرستاق، ولا أقدِّم فیها قولاً ولا رأیًا أبدًا حتَّى تحضر أنت والمسلمون»([31]).
ورغم هذه الروح السمحة التی تمیز سیاسیة الإمام، واستعداده لتقبل تعدد الآراء، إلا أنه لیس کل النقد مقبولاً عنده، خاصة إذا کان خارج المألوف، ولا هدف له سوى الحط من قدر وهیبة الإمامة والدولة. لهذا رفض الإمام انتقادات الشیخ أحمد بن محمد الحارثی، وجاء رده علیه قویًّا وشدید اللهجة؛ حیث قال: «کتابک وصلنی، وقولک أنَّا نهمل حقوق الناس، فإذا کان یشکو الناس منکم، فماذا یکون؟!.. إلى آخر ما ذکرتَ»([32]). فکان جواب الإمام: «یا أحمد، إن کان هذا دین أدنته منک فحسنٌ قولک، وإن کان هذا أمر أنت حمَّلْته الدولة بإعطائک الأعطیات الباهظات لبنی بوحسن مع وصولهم ومع قفولهم غیر مبال، تعتقد فی ذلک اعتقادًا، وأنت فتحت للناس الأعطیات الباهظات، أقول: حقُّک فی بیت المال هذا على حملک على أحسن الوجوه، ولو تورَّعت لنفسک لعلمت أنَّ هذا لیس بخارج على الاقتصاد. لا بأس حقُّک فی الدولة إن أردته نقضیک من «علایة» نزوى من «دارس» على ما یقول العدول»([33]).
مراقبة العمال والموظفین:
یتکون الجهاز الإداری لإمامة محمد بن عبد الله الخلیلی من نواب الإمام، وکان نائبه الأول، هو الشیخ عامر بن خمیس المالکی. وتولّى هذا المنصب بنص قرار من الإمام جاء فیه: «قد أقمت الشیخ عامر بن خمیس وجعلته نائبا عنی»([34]). ثم فی المرتبة الثانیة یأتی الولاة وحکام المناطق، والقضاة، ثم رؤساء القبائل، وجامعو الزکاة، وبعض الوظائف الإداریة الأخرى، کوکلاء الأوقاف والمساجد وغیرها([35]). وکان للقضاة فی بنیة هذا الجهاز، صلاحیة واسعة أکثر من الوظائف الأخرى، وکان یرجع إلیهم فی المهمات الصعبة. ویعین القاضی بعهد من الإمام، وکان قرار التعین یتضمن حدود وصلاحیات القاضی الإداریة، والنطاق الجغرافی. فمثلا کان عهد الإمام إلى القاضی أبی الولید سعود بن حمید ما یلی: «جعلت سعود بن حمید بن خلیفین قاضیًا على دیار حبس وعلى سناو، ودیار الشروج، والخضراء والخرما، ووادی عندام والفلیج وبلدة بعد وسمد وتوابعها»([36]). هذا على مستوى النطاق الجغرافی، أما على صعید الصلاحیات الإداریة فکانت المهام الإداریة للقاضی هی: الحکم بین الناس بحکم الله، وفرض النفقات، ووکالة الأیتام، وتزویج من لا ولیّ لها، وتطلیق من عجز زوجها عن نفقتها([37]).
هذا الجهاز التنفیذی للإمامة، وکان یخلو من المرکزیة والتعقید، ویتمیز بالمرونة فی اتخاذ القرارات، والکل، فی نهایة الأمر، یخضع إداریًّا لسلطة علیا هی سلطة الإمام. وکان الإمام یراقب القضاة، والولاة، والعمال، ویعزل من ثبت علیه التجاوز والتهاون فی تحمل المسؤولیة الإداریة. وهناک العدید من النصوص التی تبین نهج الإمام فی المراقبة والمحاسبة، منها على سبیل المثال النص التالی، حیث یقول الإمام: «وبعد فقد وصلنی کتاب من أعیان أهل القابل وصلحائها ینکرون علیک أشیاء قد بیّنوها، منها بیع عشرة آثار ماء لمسجد العلوی یعمر منها الجامع ویفطر من غلتها ویقام فیها معلم للقرآن»([38]).
وهنالک أیضا بعض النصوص فی کتاب «الفتح الجلیل» بیّنت طبیعة الفکر الإداری المرن للإمام الخلیلی، ومراعاته للظرف الداخلی، ومکانة هذا الوالی أو ذاک، خاصة إن کان ذلک الوالی أمیرًا مطاعًا أو عالمًا، فهنا یتطلب الأمر الموازنة والمراعاة من أجل صالح الدولة والإمامة. والنص الفقهی التالی یؤکد ذلک: «هل یصح للإمام إذا ظهر له من بعض عماله بسط یده فی بعض مال المسلمین بلا إذن، وکان ذلک أمیرا مطاعًا أو عالمًا أو عاملاً من العمال، ومع ذلک یرى الإمام أن فی هذا الرجل کفایة فی أمر لا یقوم به غیره، وأن لو نهاه یخاف أن یجر ذلک إلى تأخیر الرجل وعدم نصحه فی الدولة»([39]).
وکان الإمام یستند فی هذا النهج الإداری والسیاسی فی علاقته ببعض العمال، إلى فتاوى فقهیة من علماء زمانه، أمثال الشیخ ماجد بن خمیس العبری. وکان رد العبری فی هذه المسألة ما یلی: «لا یضیق على الإمام المبتلى بمثل هذه الأمور أن ینتظر الفرصة لیقوم بما علیه من صالح المسلمین،... (و) یجوز له أن یؤخر عن إقامة الحدود إلى أن ینقضی الوطر، لا على الإهمال منه»([40]).
وهذه المرونة الإداریة امتدت إلى الاعتراف بسلطة زعماء القبائل على عشائرهم، وحدود صلاحیاتهم فی ظل وجود الإمام، وهل لهم الحق فی تطبیق أحکام الردع. وکانت رؤیة الإمام إلى هذا الأمر أنه یمکن وفق ضوابط معینة، منها امتلاک الشیخ القدرة وسمات الصلاح، فیقول الإمام: «ومثلکم إذا نزل فی قومه بمنزلة من له القدرة على تأدیب أهل الفساد وردعهم عن البغی على العباد فواسع له القیام بما أقدره الله علیه»([41]). ثم یقول: «والجماعة المسلمون بل الواحد منهم إذا قام فی قوم أو قطر أو بلد وجعل الله له القدرة فیه والسلطان فی أهله کوفی ببعض الأشیاء فهو بمنزلة السلطان العدل فیما دون الحدود»([42]).
ضرورة صیانة المال العام:
کانت الزکاة هی المصدر الرئیس لدخل الإمامة، وکان یتم تحصیلها بواسطة القضاة، أو الولاة، أو موظف خاص تحت مسمى جامع الزکاة([43]). وبیت المال العام تحت إشراف الإمام. أما على مستوى المناطق والولایات، فیقع أحیانًا إما تحت سلطة القاضی، أو الوالی، وهنالک بعض القضاة ممن سمح لهم الإمام بإجراء النفقات. ففی مناطق مثل الرستاق کان تحت إدارة الوالی، إلا أن الإمام اضطر أن یسحب هذا التخویل من الوالی، ویضعه تحت إشراف القاضی. وأما مصارف بیت المال فهی عدیدة. أبرزها نفقات الولاة، والقضاة. فکان رزق والی الرستاق مائة وخمسین قرشا. ومن نفقات بیت المال کذلک عطاء الفقراء والمساکین، وعطایا الشیوخ وزعماء القبائل. وبشکل عام لم یکن الوضع المالی للإمامة فی وضعیة مقبولة، فکانت النفقات عالیة، والموارد قلیلة، وهذا ما تشیر إلیه بعض الوثائق والنصوص الواردة فی کتاب «الفتح الجلیل». لهذا کان الإمام یطالب بضرورة العمل على التقلیل من النفقات، والحث على جمع الزکاة، حیث یقول: «وأقصى الجهد التخفیف من الفرائض والحض على الاستقصاء فی قبض الزکوات – الزکاة -»([44]). ولمواجهة الظرف المالی السیئ، سعى الإمام إلى طلب فتاوى فقهیة تسمح له منع العطاء إذا رأى فی ذلک صلاحًا للدولة، فکان الجواب: «له منع الأعطیات خوف الإجحاف على الدولة»([45]). فمن أجل ذلک سعى إلى التقلیل من أرزاق بعض الولاة ومنهم السید هلال بن علی البوسعیدی، والی الرستاق، فطالبه الإمام أن یکتفی «بمئة أو بمئة وخمسین»([46]).
ومن الناحیة الإداریة یقع بیت المال إداریًّا لسلطة الإمام، إلا أن هذه السلطة لیست مطلقة، إنما هنالک ضوابط وقواعد على الإمام مراعاتها فی إدارته لبیت المال العام. فمثلا لا یحق للإمام إعطاء قروض من بیت المال لمن یسأله. وقد طالب الإمام أن یعطى هذا الحق، ولکن جاء الرد إلیه بما یلی: «إن کان القرض من بیت المال فلیس للإمام القرض منه فإنه أمین المسلمین»([47]).
العلاقة مع حکومة مسقط:
المقصود بسلطنة مسقط، تاریخیا، المناطق الواقعة والتابعة لحکم کل من السلطان فیصل بن ترکی، وأبنائه تیمور وسعید. ومسمى «أهل مسقط» هو المسمى المستعمل بشکل کبیر فی مراسلات الإمام وجواباته. وقد حددت اتفاقیة السیب مبادئ وأسس العلاقة بین الإمامة وسلطنة مسقط، منذ عام 1339هـ/1920([48]). وتغطی النصوص التی لها علاقة بسلطنة مسقط على المستوى السیاسی الأمور التالیة:
المناطق الخاضعة لسلطنة مسقط:
حددت اتفاقیة السیب مناطق النفوذ والسیادة لحکومة مسقط، وأصبحت المناطق الواقعة على طول الشریط الساحلی الممتد من خصب إلى ظفار خاضعة لسلطنة مسقط. وقد وردت هذه المناطق فی اتفاقیة السیب تحت مسمى الساحل([49]). وبناء على تلک الاتفاقیة تحکّمت حکومة مسقط بالمنافذ البحریة؛ لهذا الأمر جاءت أغلب الإشارات الواردة فی کتاب «الفتح الجلیل» ذات مغزى اقتصادی فی المقام الأوَّل. وإلى جانب هذا، هنالک أبعاد أخرى یمکن استقصاؤها من خلال المسائل الفقهیة، منها ما یتعلق بطبیعة التفکیر المسیطر على رؤیة عامة الناس تجاه الضرائب التی کانت تفرضها حکومة مسقط على الوارد والصادر من السلع والبضائع. ونص المسألة الفقهیة یقول: «فمن هرّب البضاعة من جمارک من جمرک الحکومة لما یخشاه من أخذه کلیًّا إذا کانت البضاعة مما منعته الحکومة أو خاف زیادة بالمکس فیه، وربما إذا ظفرت الحکومة بهذه البضاعة انتزعتها قهرًا... الجواب: هذا حلال. وإن کان فیه مقامرة بالمال، ولکن لم یقصد فاعل ذلک إلا سلامة ماله، فإن انعکس الأمر علیه، فالأمر کله لله U، فهو نوع من رکوب البحر والغوص للدر»([50]).
وإلى جانب ما ذکر أعلاه حول أبعاد هذا النص الاقتصادیة، أیضا هنالک أبعاد اجتماعیة یحملها النص، وتشیر إلى تذمر الإنسان العمانی من تلک المکوس (الضرائب) الباهظة، ومدى تأثیراتها على مصالحه الحیاتیة والمعیشیة. فالتاجر فی النص أعلاه یأمل أن یجد سندًا شرعیًّا یمنحه حق الهروب من عمال الجمارک، وقد نال ذلک.
مصادرة الأموال (التغریق)([51]):
صودرت أموال حلفاء السلطان فیصل بن ترکی فی عام 1334هـ/1915م بعد الانتصارات التی حققتها الإمامة، ودخول العدید من المناطق العمانیة فی حوزتها. وقضیة مصادرة تلک الأموال کانت من أهم القضایا التی أثیر حولها الجدل، على مستوى أنصار الإمامة، وعلى مستوى علاقة الإمامة بحکومة مسقط([52]). وأصل القضیة یعود إلى الحکم الذی أصدره الإمام سالم بن راشد الخروصی بفتوى من قبل الشیخ عامر بن خمیس المالکی. وقد استند هذا الحکم حینها على أن کل من راشد بن عزیز الخصیبی، ومحمد بن أحمد بن ناصر الغشام، کانوا من أعوان «الجبابرة»، وأن تلک الأموال التی بحوزتهم هی إما من الجبایات والضرائب التی جمعت ظلمًا وقهرًا من الرعیة، أو أنها أموال استعملت لبث الفرقة والشقاق فی جسد المجتمع العمانی. وقد ألّف المالکی أرجوزة سمّاها «غایة التحقیق فی أحکام الانتصار والتغریق»، دافع فیها عن الحکم الذی أصدره، وبین فیها أسباب الحکم وموجباته الشرعیة، حیث یقول عن أسباب التغریق([53]): (الرجز)
هوَ الذی قامَ ببذلِ المــــــــالِ
لیستمیـــــلَ قادةَ الرجــــــالِ
هوَ الذی یدعو إلى الحروبِ
وهـــــوَ الذی یحفزُ للوثوبِ
وهـــوَ الذی یخاطبُ القبائلا
وهــوَ الذی یدعو لهُ سمایلا
وما یهمنا هنا فی هذه الدراسة ما ورد حول قضیة التغریق فی کتاب «الفتح الجلیل». وهی إشارة وحیدة لکنها ذات أهمیة بالغة. تکمن أهمیتها فی دلالاتها السیاسیة، وتصرح بالأسباب التی دفعت الإمام إلى التراجع عن حکم التغریق. ولأهمیة النص سوف نضعه کاملاً کما یلی: «سئل الإمام ما الوجه الذی وقع علیه الصلح حتى رفعتم أیدیکم عن مال الغشام والشیخ راشد بن عزیز الخصیبی؟ وهل تلک الأموال بیت مال إلى الآن لا یحل التصرف لأربابها إلا بإذنکم؟ الجواب، وبالله التوفیق إن مال راشد بن عزیز، ومال الغشّام قد حکم به الشیخ المالکی بالتغریق. ثم إن الشیخ عیسى بن صالح لما صحّ الخطاب بیننا وبین أهل مسکد فاستأذن الشیخ عیسى أن یصل إلى السیب لخطاب بینه وبین النصارى -الإنجلیز- وأخذ منا تفویضًا فیما یراه من مصالح المسلمین فأعطیناه ذلک، وکان من رأیه هو أنه لا یرى التغریق، وأن الظالمین هم المخاطبون بتأدیة ما علیهم من المظالم، فجرى على مذهبه هذا ما وقع فیه. وقال إن الحکم فی مال راشد ومال الغشام ما حکم به العلماء والإمام سالم، وإن رجوعهم صلحًا لکفاف الفتنة، وهما على حالهما، لا یحل التصرف فیهما لمن هن فی یده إلا برأینا»([54]).
یتضح من هذا النص عدة معطیات. منها ما یتعلق بالظرف السیاسی الذی کان وراء إلغاء حکم التغریق وهو اتفاقیة السیب، وموقف الشیخ عیسى بن صالح الحارثی الذی کان من أشد الرافضین للحکم، فسعى إلى إلغائه، وقد استجاب الإمام کما یبدو من النص إلى الضغوط التی مارسها الحارثی، وتم التراجع عن الحکم.
اتفاقیة السیب 1339هـ/1920م:
وضعت اتفاقیة السیب حدًا للنزاع السیاسی بین الإمامة وسلطنة مسقط، وقد وقع الاتفاقیة من طرف الإمام محمد بن عبد الله الخلیلی الشیخ عیسى بن صالح الحارثی، فی حین أناب عن السلطان فی توقیع الاتفاقیة السید محمد بن أحمد الغشام، والقنصل البریطانی وینجیت (Wingate). حددت هذه الاتفاقیة طبیعة العلاقة بین الطرفین، ومناطق النفوذ، ونسبة الضرائب المفروضة من قبل حکومة مسقط على الوارد والصادر من السلع والبضائع([55]).
وأما ما ورد فی کتاب «الفتح الجلیل» وله علاقة بالاتفاقیة، فتوجد ثلاث إشارات. الأولى جاءت فی رسالة من الإمام إلى الشیخ عامر بن خمیس المالکی، یخبره بما تم الاتفاق علیه، وتاریخ الرسالة 13 محرم 1339هـ. وجاء فیها ما یلی: «وما هنا علم إلا إجراء الصلح بیننا وسلطان مسقط، بواسطة البالوز – القنصل البریطانی-»([56]). وأما الإشارة الثانیة فجاء ذکرها فی معرض جواب من الإمام على مسألة رفعت إلیه، استفسر فیها السائل عن طبیعة الصلح الذی وقَّعه الشیخ عیسى بن صالح الحارثی، فقال الإمام فی جوابه: «...ثم إن الشیخ عیسى بن صالح لما صح الخطاب بیننا وبین أهل مسکد فاستأذن الشیخ عیسى أن یصل إلى السیب لخطاب بینه وبین النصارى -الإنجلیز- وأخذ منا تفویضا فیما یراه من مصالح المسلمین فأعطیناه ذلک»([57]).
وأخیرا ذکرت الاتفاقیة فی رسالة أرسلها الشیخ علی بن عبد الله الخلیلی([58])، إلى أخیه الإمام، وهذه الإشارة متأخرة، أی بعد ثلاث وعشرین سنة من توقیع الاتفاقیة، وکما یبدو فإنَّ الشیخ علیًّا أراد التأکید على مکانة الشیخ عیسى، ودوره فی تلک الاتفاقیة، حیث یقول الشیخ علی: «وقد قابل أهل مسقط بواسطة الإنجلیز عن کافة أهل عُمان بأمر منکم، فنرى أنه هو المسؤول أمام الواسطة المکینة فی عُمان فیبغی أن تساعدوه فیما یهمُّه. وکونوا حائطا لا صدع فیه، وصفًّا لا یرقَّع بالکسالى»([59]).
وما یلفت الانتباه فی تلک الإشارات الثلاث، أنها جاءت فی نصوص تعود إلى الإمام عدا الإشارة الأخیرة، وبالتالی هی تمثل وجهة نظره. وهو ینظر إلى الاتفاقیة أنها حققت مصالح الإمامة فی رأب الصدع، وجمع الشمل.
الحضور الإقلیمی والعالمی فی کتاب «الفتح الجلیل»:
إن العلاقات الدولیة للإمامة موضوع لا یتسع المجال لمناقشته، إنما الهدف هنا هو إبراز الجوانب ذات البعد الخارجی، ومدى حضورها فی کتاب «الفتح الجلیل». حضرت عدة معطیات فی الکتاب، سواء ما هو متعلق بحضور بلدان شرق إفریقیا، وهذا یعود إلى العلاقات الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة بین عمان وبلدان الساحل الشرقی لإفریقیا، وهذا ما أکده الإمام بقوله: «فإن أکثر أهل عُمان فی زنجبار»([60])، أو ما له علاقة بالحضور الإقلیمی، والعالمی، ودلالات ذلک الحضور.
نالت مناطق شرق إفریقیا الحظ الوافر فی کتاب «الفتح الجلیل»، وهذا أمر لیس بمستغرب، بفعل العلاقات الاجتماعیة، والسیاسیة، والاقتصادیة بین عمان وبلدان الساحل الشرقی لإفریقیا. وتعددت أنماط هذا الحضور، وسنقدم هنا نماذج لبعض القصایا التی وردت فی الکتاب، وشملت عدة مستویات اجتماعیة واقتصادیة.
من القضایا المتصلة بالجانب الاجتماعی قضایا الهجرة إلى زنجبار، والآثار التی خلفتها تلک الهجرة على بعض الأسر والعائلات. والملاحظ أن أغلبها متصلة بمن یتزوج ویترک زوجته فی عمان، أو یترکها بدون نفقة. ومن تلک الإشارات: «امرأة تزوجت وهی فی صباها وغاب زوجها فی زنجبار»([61]). ومن القضایا الأخرى ما هو مرتبط بالوصایا والوقف الذی کان یوقفه العُمانیُّون فی زنجبار لأهلهم وذویهم فی عمان. وقد ورد فی «الفتح الجلیل»: «وصیة من قبل سیف بن سعید بن سالم الوردی بوقف بیته الذی بموضع الباغ من زنجبار لأولاده الذکور والإناث ولجمیع نسولهم»([62]).
یرد ذکر زنجبار أحیانًا کثیرة متصلاً بالجانب الاقتصادی، فی قضایا البیع والشراء خاصة. ومثال على ذلک نص ورد فی إحدى المسائل الفقهیة، وهی کالآتی: «بیع الخیار من قبل رجل فی زنجبار والمال فی عمان»([63]). ویحمل الکتاب إشارات لها علاقة بالوضع الاقتصادی فی زنجبار، على وجه الخصوص بیع القرنفل، ففی جواب للإمام یقول: «ثمن القرنفل وغیره بتلک الدار أبصر بها غیرنا»([64]). وأورد «الفتح» قصة رجل باع ماله بیع الإقالة، ثم غاب فی زنجبار ثلاثین سنة إلى أن مات. ثم أراد ابنه فک المال وأرسل دراهم([65]). وتذکر النصوص الآثار الاقتصادیة التی خلفتها الهجرة إلى شرق إفریقیا، ومنها ما یتصل بحق الشفعة للمهاجر. وکان رد الإمام الخلیلی أنه لیس له حق؛ لأنه لو فتح المجال لذلک لـ«تعطلت أموال الناس، ولا یقدر أحد أن یبیع ماله، فإنَّ أکثر أهل عُمان فی زنجبار، ویشقُّ على الناس ألاَّ یبیعوا حتَّى یؤذنوا الشریک، ویشقُّ على المشتری أن ینتظر شفعة الغائب»([66]).
یضم کتاب «الفتح الجلیل» إشارات متعددة حول آل سعود حکام المملکة العربیَّة السعودیَّة، وتحمل تلک الإشارات مضامین أهمها المضمون السیاسی، وقد ورد نص یشیر إلى تعیین الإمام محمد بن عبد الله الخلیلی مندوبًا وأمره بالتوجه إلى المملکة. حمل المندوب نصیحة من الإمام للأطراف المتحاربة حول بیت الله الحرام حیث یقول النص: «وقد استحسنا جدا تکلیف جناب السلطان إیاک بالتوجه إلى الحجاز مندوبا من طرفه وحاملاً کتاب نصیحة منه إلى المتحاربین حول بیت الله الحرام، فنعم الرأی»([67]). وأما الإشارة الأخرى، فهی العلاقات السیاسیة بین الإمامة والمملکة العربیَّة السعودیَّة، وتشیر إلى زیارة مندوب سعودیٍّ لعُمان بهدف توطید روابط الصداقة والمحبة حیث جاء فی النص ما یأتی: «زار بلادنا الشیخ مشعان بن ناصر بعد زیارته الأولى التی عقدت بیننا وبینه روابط الصداقة والمحبة»([68]).
وهنالک عدة بلدان ومناطق ذکرت فی کتاب «الفتح الجلیل» منها مکران، وأرض البلجیک، وفرنسا. ویکشف هذا الحضور استمرار الهجرات الخارجیة إلى عمان، کما هو فی المثال التالی: «امرأة ورجل قدما من مکران وأقاما مدة من الزمان فی إحدى مناطق عمان»([69]). وکما کانت عمان محط أنظار الآخرین کذلک أهل عُمان کانوا یسافرون ویهاجرون إلى أرض أخرى، مثل بلجیکا. یوضح لنا النص التالی ذلک: «رجل سافر منذ برهة من الزمن إلى أرض البلجیک وتوفی»([70]).
ویحمل کتاب «الفتح الجلیل» صورة الآخر فی ذهن الإنسان العمانی، ورؤیته إلى أنظمة الأمم والشعوب، سواء التی قد زارها أو التی سمع عنها. ومن الإشارات المهمة فی هذا الجانب ما ورد فی مسألة رفعت إلى الإمام حول رأیه فی قوانین فرنسا ونظمها، فجاء جوابه یحمل صورة سلبیة حیث جاء فی جوابه: «ولا نعلم قوانین فرنسة ولا نظنها مستقیمة. إعانة الظلمة على الظلم لا نجیزه، فإن أجروا على الناس أمرًا بظلم فی خراج فالسلامة فی عدم الدخول»([71]).
قضایا المجتمع العمانی خلال 1919-1954م:
منذ بدایات القرن العشرین بدأت تطرأ على المجتمع العمانی قیم ومظاهر ثقافیة مستجدة، رأى فیها المجتمع أنها تصطدم مع القیم السائدة التی ورثها وآمن بها؛ لذلک کان علیه أن یحاول البحث عن حلول ومخارج شرعیة. وکانت بعض من تلک القضایا ترفع إلى الإمام لإبداء رأیه فیها. وسوف یکون الترکیز هنا على بعض من تلک الهواجس التی کشفت عنها جوابات الإمام الخلیلی، وسیکون ذلک فیما یلی:
اجتماعیا واقتصادیا:
هناک العدید من الإشارات التی وردت فی کتاب «الفتح الجلیل» وتکشف عن طبیعة الأحوال الاجتماعیة للمجتمع العمانی. ومن أهم القضایا التی یمکن استخلاصها، ما له علاقة بالأمراض مثل مرض الجدری([72]). ولم تغفل مادة الکتاب الطریقة التی حاول بها المجتمع العمانی الوقایة من تلک الأمراض، حیث کانوا یمنعون الداخل إلى بلدانهم خوفا من انتشار المرض، ویسمى محلیًّا هذا الفعل بقطع المساعرة: «وعن قطع المساعرة عن البلدان بسبب هذه الأمراض الوبیئة إذا تخوّف أهل البلد منها هل یجوز ذلک؟ وإذا جاز هل لأهل البلد أن یجعلوا لمن یقوم بالمنع أجرة من خابورة الفلج الموقوفة؟ الجواب جائز بسبب الأمراض»([73]).
ومن الإشارات ما هو مرتبط بنوعیة الملابس التی ترتدیها بعض الطبقات الاجتماعیة فی عمان، خاصة الفقراء حیث کانوا لا یلبسون الملابس عالیة القیمة. وهذا ما یتضح لنا من النص التالی: «الفقراء وإن کانوا لا یلبسون البشوت، فرب فقیر یستحق أن یواسَى بمئة قرش، فالبشت سیبیعه وینتفع بثمنه»([74]).
وأما على صعید المناطق التی تجلب منها بعض الملابس، ومسمیاتها، فقد أشار کتاب «الفتح الجلیل» إلى بعضها مثل المصر([75]) الحیدری الذی کان یلبسه بعض أفراد المجتمع «رجل یلبس مصرا حیدریا کلبس أهل دیارنا»([76]). ومن القضایا التی کشف عنها کتاب «الفتح الجلیل»، وکانت منتشرة فی تلک المرحلة هی خطف الأفراد، وبیعهم حیث أن «رجلاً أخذه البدو وباعوه، هل لأهله بیع ماله وفکه به»([77])، وامتد هذا السلوک غیر الإنسانی إلى خطف النساء وبیعهن. وکان قد تم اختطاف امرأة وتم بیعها فی سوق عبری([78]).
وکما یتضح من مادة کتاب «الفتح الجلیل» انتشار العدید من المظاهر والسلوکیات غیر المعهودة فی المجتمع العمانی، ومنها اتخاذ أسنان من الذهب والفضة([79]). وکذلک بدأت تطرأ على الناس قضایا جدیدة، وبدؤوا البحث عن إجابات للتعامل معها. مثل ظهور السکک الحدیدیة وهذه الوسیلة وجدت فی شرق إفریقیا. ویبدو أن المهاجرین من أهل عُمان عملوا على السؤال عنها وحول شرعیتها أولا، وطبیعة التعامل معها ثانیا، حیث یقول النص: «وسئل عن قطع السکک الحدیدیة للأمیال([80]) هل هی معتبرة کاعتبارها بالمشی بالرجل»([81]).
واقتصادیًّا، دخلت على أهل عُمان العملة الورقیة، وکانوا یطلقون علیها النوط. وکانت الناس تسأل الإمام عن هذه العملة الورقیة وعن زکاتها([82]). ویبیّن کتاب «الفتح الجلیل» کذلک الکثیر من تقالید البیع والشراء التی کانت متبعة فی ذلک العهد، خاصة بیع البسر عند أهل بدیَّة «فالذی عندنا أنَّ للبائع والمشتری الرجوع قبل الوزن؛ لأنَّ العروض وما یُکال([83]) ویوزن قَبْضُهُ کیلُهُ أو وزنه، فذلک تمام بیعه، وأما من باب المروءة وحسن المعاملة فینبغی للإنسان إذا قال قولاً، أو عاقد بعقد أن یفی بقوله»([84]).
ومن القضایا الاقتصادیة التی لم یغفلها «الفتح الجلیل» العملات النقدیة، وتبدل أسعارها، وأثرها على المعاملات التجاریة بین الناس وفی الأسواق. والنص التالی یوضح أثر تبدل سعر الصرف، وأنواع العملات المستعملة حینها: «وکیل الفلج قعد ماء ویحمل البیس([85]) ویوفونه قروشًا([86]) على الصرف الواقع. وبعد مدة تخالف الصرف عن عادته. وناس باقیة علیهم دراهم وصارت فیها زیادة عن الحساب المتقدم. وهم أجروها على الصرف المتقدم»([87]). وأفصح الکتاب عن نوعیة العملات النقدیة المتداولة فی تلک الفترة: «یحمل البیس ویوفونه قروشا على الصرف الواقع وبعد مدة تخالف الصرف وکانت البیس نحاس، والقروش فضة»([88]).
ثقافیا:
بدأ المجتمع العمانی یتعرف على قیم ثقافیة لم یعهدها من قبل، نتیجة للانفتاح الثقافی الذی بدأ فی ذلک العهد. فوجد المجتمع نفسه أمام إشکالیة یستوجب معها إیجاد مسوِّغٍ شرعی یتیح له التعامل مع تلک القیم الوافدة. ویهمنا هنا تلک القضایا التی أشار إلیها کتاب «الفتح الجلیل» ومنها تعلّم اللغات الأوروبیة. وحولها وُجِّه سؤالٌ للإمام الخلیلی، وإلى أی مدى یجوز تعلمها. فأجاب الإمام: «وأمَّا إیجاب تعلُّم لغة أوربة ومنعه کل ذلک مجازفة من قائله، فما کان فیه مصلحة للدین أو للدنیا، ولم یکن محرما فی الدین، فتعلمه حسن جمیل. وقد یکون واجبًا إن أفضى ترکه إلى خلل کتعلم الصناعة الحربیة»([89]). وأما التعداد فقد قال عنه الإمام الخلیلی: «لا فائدة کثیرة [منه] کمعرفة أعداد المدن وأهلها ومساحتها ولا سیما المدائن الخارجة، لأن بذلک اشتغالاً ولا فائدة عائدة کتعلم النجوم أیضًا، وفائدة العلم العمل ونفس تعلم أن الدولة الفلانیة أحدثت کذا وکذا طیارة وکذا وکذا سیارة وکذا کذا غواصة والتأسف بعد ذلک والتحزن لا یجدی شیئًا»([90]). والتصویر الفوتوغرافی هو الآخر علم أوروبی تسلل إلى المجتمع العمانی، وقد أطلقوا علیه فی ذلک الوقت: «البیسة الفوتوغرافیة»، «أی عکس تصویر الأشجار والبیوت وغیرها وترکها فی البیوت»([91])؛ لذلک وجدت تساؤلات من قبل الناس حوله. فکان موقف الإمام من ذلک أن قال: «وقد یکون بعض علوم أوروبا محرمًا کتعلم تصویر الصور ذات الأرواح، وبعضها یکره لأن به اشتغالا»([92]). وفی عهد الإمام عرف أهل عُمان السینما، أو قد سمعوا عنها: «هل یجوز دخول السینما للنظر إلى مواقع الحرب وغیره کالحج وشعاره، وأحیانا تشاهد صور الرجال والنساء وتسمع الأغانی وتنفق فی ذلک دراهم»([93]). وعرفوا «الرادیو» و«السنطور»، وسئل الإمام عن هذه الأجهزة الإعلامیة الجدیدة، والاستماع إلى «الرادیو والسنطور لاستماع أخبار العالم، وقراءة القرآن من ألسنة أناس معروفین، وأشعار العرب، وربما تکون فیه أغانٍ ما ترى فی ذلک؟»([94]). وظهرت فی أوساط المجتمع العمانی الإذاعة، ومدى جواز الأخذ بها فی رؤیة الهلال، یقول النص: «وأما السعودی فیقول إنهم لا یحکمون بالإذاعة، ولیس مذهبهم الأخذ بالتقویم، وإنما مذهبهم الأخذ بالرؤیة»([95]). وانتشر فی ذلک الوقت التلفون، «وهل یجوز الأخذ بخبر التلفون والبرق فی هلال رمضان»([96]). وظهرت فی تلک الفترة وسائل النقل الحدیثة، فظل الناس یسألون عن حکمها خاصة أنها أفسدت الزرع، حسب ما یشیر النص التالی: «إذا أصابت هذه السیارات البریة من «مواتر» و«ریلات» و«طرامات» شیئًا، أو أفسدته فعلى مسیِّرها ضمان»([97]). ومن الوسائل الحدیثة الطائرة؛ وقد ورد فی السؤال حول صلاة الطائرة: «وأما الصلاة، فإن کان یدری القبلة توجه إلیها ثم لا یضره إذا انصرفت، وأما الحاج فینبغی أن یحرم من بیته أو حین یرید الرکوب»([98]).
ومن القیم الجدیدة التی بدأ الإنسان العمانی یتساءل عنها هی أعیاد رأس السنة المیلادی والکریسماس «وسئل عن المولد النبوی واجتماع الناس لاستماع القصة وحضور الکفرة من النصارى والمجوس لذلک مع المسلمین وربما یحضرون وهم نشاوى من السکر واختلاط النساء والرجال....»([99]).
دلالات ذکر المدن العمانیة فی جوابات الإمام الخلیلی:
ترد البلدان والمواضع فی جوابات الإمام محمد بن عبد الله فی أماکن متفرقة. والبلدان التی سوف ترد فی هذه الورقة على سبیل التمثیل لا الحصر. والهدف من ذلک لفت الانتباه، والتأکید على أهمیة کتب الجوابات، مصدرًا لکتابة تاریخ المدن والحواضر العمانیة. وستقدم وفقًا للموضوعات والقضایا التی وردت تحتها، وهی کما یلی:
الوقف:
الوقف مظهرٌ حضاریٌ فی المجتمع الإسلامی عامة، والمجتمع العمانی خاصة. ونال الوقف نصیبًا کبیرًا فی کتاب «الفتح الجلیل» لکونه أحد مؤسسات المجتمع، ونوعا من أنواع التکافل الاجتماعی. وتعددت مظاهر الوقف، مثل: وقف المنازل، والفقراء، وأوقاف یوم عرفة، وغیرها. ولارتباط مؤسسة الوقف بالقریة والمدینة العمانیة، وردت العدید من المدن والقرى عند الحدیث عن الأوقاف. منها على سبیل المثال: بلدة «المضیرب»، وقد جاء ذکرها فی أحد النصوص الخاصة بأوقاف بیت یقع شرقی سوق البلدة کان قد أوقف للفقراء([100]). وذکرت أیضًا بلدة «الواصل» أثناء الحدیث عن بیت یسمى المقاصیر قد وقفه عامر بن سلطان الحجری «لولده محمد بن عامر ما دام حیًّا، ولأولاد محمد المذکور من بعده بطنًا بعد بطن إلى أن ینقرضوا، وبعد انقراضهم فقد جعله وقفا لفقراء المسلمین»([101]). أما بلدة «السیح» فقد جاء ذکرها عندما وقع خلاف بین أهل بلدة السیح وآل خنجر حول أوقاف یوم عرفة وهو من فضلة المسجد الجامع فی البلدة، وتم الحکم فی هذا النزاع بتاریخ 8 رمضان سنة 1349هـ([102]). وکذلک جاء ذکر بلدة «سمد الشأن» فی وقف أوصى به سیف بن سعید بن سالم الوردی، بیبته الکائن بمنطقة الباغ من زنجبار. وکان هذا الوقف یخص الاحتیاجات الاجتماعیة لجماعته قبیلة الورود «فقد أباح للوکیل أن یتصرف بغلة هذا البیت فی جمیع مصالح جماعته من إقراء الضیف أو مدافعة من یطلبهم بالخراج من الحکام أو إعطاء الفقراء»([103]).
البیع والشراء:
وتحت قضایا البیع والشراء، والنزاعات الحاصلة، وردت عدة بلدان، حیث وردت ولایة «المضیبی»، وجاء ذکرها فی صک بیع یعود إلى سنة 1340هـ. وفی الصک ذاته وردت بعض قراها وبلدانها، مثل بلدة «الفتح» إضافة إلى ذلک حمل الصک أسماء بعض القبائل، وکانت طرفًا فی عملیة البیع وهما، قبیلة الحبوس، والجهاضم([104]). أما ولایة «بدیَّة» فقد جاء ذکرها فی إشارة تتعلق بتجارة البسور، وهی من البلدان المشهورة بوفرة نخلة المبسلی الذی یعتبر من أجود أنواع البسور([105]).
الجوائح الطبیعیة:
لم یغفل کتاب «الفتح الجلیل» أخبار بعض الجوائح الطبیعیة التی حلت ببعض البلدان العمانیة، ومن ذلک ما حدث فی بلدة «سناو» وقد ورد فی المسألة الفقهیة ما یلی: «وبعد فقد أخبرنی المحاریق أهل «سناو» وأنکم تنتظرون الجواب فی الجوائح التی أصابت الثمار وأنکم تحبون أن تعلموا ما عندنا...»([106]).
الأفلاج:
حملت الجوابات إشارات مهمة حول أسماء بعض الأفلاج فی البلدان العمانیة. ومنها: فلج «أهل المنترب»، وفلج موجود فی «سمد»، والمسمى فلج السمدی، وفلج «المضیبی» الذی باعه الإمام عزان بن قیس([107]). وکشفت الجوابات کذلک عن الخلاف الواقع بین أهل الخوبی، وأهل «ضوت» حول أحد الأفلاج، وقد حکم فی هذا الخلاف الإمام محمد بن عبد الله الخلیلی «هذا ما رأیته بین أهل «الخوبی» وأهل «ضوت» من نزوى([108]) نظرًا لمصالح الکل أن یحفر أولاً أهل الخوبی تلک الحفرة التی فی الصفاة إلى أن یظهر ماؤها، فإن رأوا ماءها یکفیهم شقوها لفلجهم على شرط أن یکون لجیرانهم أهل «ضوت» أن یمدوا فلجهم إلى حیث شاؤوا لو شاؤوا تصریجة صرجوه» 19 جمادى الأولى سنة 1340هــ([109]). ومن أفلاج ولایة نزوى التی ذکرت فلج السمدی؛ لأن أهل العلایة – علایة نزوى- منعوا مروره فی حریم بلدهم کما تشیر إلى ذلک المسألة الفقهیة([110]).
النزاعات:
من شواهد مادة «الفتح الجلیل» المتعلقة بالنزاعات والخلافات التی تدور بین الناس، سواء الخلافات والنزاعات القبلیة، أو القضایا الاجتماعیة، أو ما له علاقة بعملیة البیع والشراء وغیرها من القضایا. وقد جاء ذکر «المضیبی» فی قضیة أحد الأفلاج الذی یعود إلى عهد الإمام عزان بن قیس، وکان قد باع الإمام الجزء الذی یمتلکه، وبعد مقتله تغلَّبت جماعة على المشتری فاستولت على ما اشتراه. وکشف الکتاب موقف المشایخ سلطان بن محمد ومسعود بن علی وحمود بن بشیر، وهو أنهم «ینهون أشد النهی عن بیعها وشرائها وعن الأکل من مال من یسقی منها»([111]). وذکرت «المضیبی» مرة أخرى فی نزاع اجتماعی ([112]). ومن البلدان التی ذکرت ضمن أخبار النزاعات، بلدة «المنترب»، وکان أیضا نزاع حول أحد الأفلاج، وقد وردت بعض الشخصیات التی لها علاقة بذلک النزاع([113]).
المساجد:
فی سیاق الحدیث عن المساجد والأوقاف ذکرت بلدة «النصیب»، ونص المسألة الفقهیة التی جاء فیها ذکر البلدة ما یلی: «وسئل عمن أوصى بوقف یعلم به فی بلد النصیب وجعل للمعلم أربعین قرشا ویعمر منه المسجد بعد الأربعین، والمعلم لا تکفیه أربعون قرشًا للسنة، والمسجد لا یحتاج إلى عمار فهل یحل لمن بیده هذه الدراهم أن یعلم بها فی غیر مسجد النصیب بعد أن ینصب معلمًا فی النصیب»([114])، وأشار الکتاب إلى مساجد بلدة «سمد الشأن» مثل مسجد الحوض، ومسجد المطیلع، وتم ذکرهما فیما یلی: «وبعد فقد استأذننی الولد ناصر بن حمید بن سعید الراشدی فی أن ینفذ فضلة مال مسجد المطیلع فی عمارة مسجد الحوض وکلاهما بسمد قائلاً: إن مسجد الحوض ضاق بعماره ولا مال لیقوم بتوسیعه»([115]). ومن المساجد التی ذکرت أیضا مسجد العویسی([116]).
الأعراف والتقالید:
تتباین مسمیات الأشیاء من منطقة إلى أخرى، لهذا کانت من القضایا التی نالت نصیبا فی کتاب «الفتح الجلیل». ومن أهم الإشارات الطریفة التی وردت اختلاف معنى کلمة السلاح عند کل من أهل سمائل، ونزوى، والشرقیَّة، ونص المسألة الفقهیة یقول: «وأما الوصایا فتجری على العرف وأهل عُمان فی زماننا کل له عرف فی السلاح، أما أهل الشرقیَّة، فإذا أطلقوا السلاح تبادر عندهم السیف، وعند أهل نزوى السلاح التفق، وعند أهل سمائل السلاح کل ما یحمله الإنسان لدفع العدو من الآلة المعدة لذلک السیف والخنجر والمحزم والتفق»([117]).
وأشار الکتاب کذلک إلى بعض السلوکیات التی یتم الاتفاق علیها أثناء البیع والشراء، فمثلا اتفق أهل بلدة «مسلمات» على ألا یزید أحدهم فوق سعر غیره. وقد ورد ذکر هذه العادة فی مسألة رفعت للمشایخ حیث یقول النص: «سألنا الشیخ السالمی أن أهل مسلمات صار اتفاق بینهم ألا یزابن (یزاید) بعضهم بعضا فتحرج بعضهم من ذلک کابن شامس وقال الشیخ لا بأس علیه أن یستقعد (یستأجر) من هذا الفلج»([118]).
الفقدان والهجرة:
ومن القضایا التی کشفت عنها مادة «الفتح الجلیل»، قضایا الفقد والهجرة، وحوادث السفن فی البحر. فقد أشار الکتاب إلى حادثة غرق إحدى السفن، وکانت تحمل بعض الأفراد من قبیلة الحبوس. وکذلک وردت بعض الإشارات تتعلق بفقدان رجل من ولایة «نخل» وهجرته إلى «ساحل الشمال»، وهذا الرجل ینتمی إلى قبیلة بنی حراص، وقد بینت المسألة القضیة، قائلة: «أتاه رجل من بنی حراص من أهل نخل، وکان قد سافر إلى ساحل الشمال وأقام سنین عدیدة وله زوجة وابن منها، فلما رجع لم یجد زوجته، ووجد ماله وبیته فی ید غیره. فسأل عن زوجته فقیل له: إنها تزوجت فی سمائل»([119]).
خاتمة:
تکمن أهمیة کتب الجوابات الفقهیة فی کونها تحمل بین ثنایاها نصوصا من خلالها یمکن رصد حرکة نمو المجتمع وتطوره، وما یطرأ علیه من قیم وسلوکیات وعادات، وهذا ما أبان عنه کتاب «الفتح الجلیل». وتخلص هذه الورقة إلى:
- أن کتاب «الفتح الجلیل» یضم مادة تاریخیة فی غایة الأهمیة، سواء من خلال الوثائق التی وردت فی الکتاب، أم الأحداث التاریخیة التی تطرقت إلیها المسائل الفقهیة، مثل قضیة اتفاقیة السیب، وتغریق أموال الجبابرة. ومن هنا یمکن القول إن هذا الکتاب من أهم المصادر لکتابة التاریخ الاجتماعی والسیاسی والاقتصادی لعُمان.
- رصدت الدراسة العدید من المظاهر والقیم المستجدة التی بدأ المجتمع العمانی یتعرف علیها، مثل: السینما، والتعداد، والطائرة، وغیرها من المظاهر الثقافیة الأخرى مثل السؤال عن تعلم اللغات الأوروبیة.
- أبرزت الدراسة عبر النماذج التی حصرتها، طبیعة الإدارة السیاسیة للإمام محمد بن عبد الله الخلیلی، فیما یتعلق بالعلاقات الداخلیة الخاصة بشؤون الرعیة، وعلاقته بزعماء القبائل. وبینت کذلک القیم السیاسیة التی قامت علیها إمامة محمد بن عبد الله الخلیلی. وکشفت الدراسة کذلک الحضور الإقلیمی والعالمی فی هذا الکتاب.
([1]) من ضمن الرسائل التی کتبها الإمام محمد بن عبد الله الخیلی بالنیابة عن الإمام سالم بن راشد الخروصی، رسالة إلى القنصل البریطانی عام 1331هـ/1913م، والرسالة هی عبارة عن إعلان صادر من الإمامة بخلع السلطان فیصل بن ترکی وتنصیب الإمام سالم بن راشد الخروصی. للمزید ینظر: الحارثی، محمد بن عبد الله: موسوعة الوثائق السریة، مج2، مرکز دراسات الوحد العربیة، بیروت: 2007م، ص454.
([2]) السعدی: معجم الفقهاء والمتکلمین، ج3-4، ص132 وما بعدها.
([3]) یقصد بالمزارع هی تلک الأموال التی أصدر فیها الإمام سالم بن راشد الخروصی وأهل الحل العقد حکمًا شرعیًّا بمصادرتها، وهی أموال تعود ملکیتها إلى الشیخ راشد بن عزیز الخصیبی، وبعض الشخصیات، وکانت تلک الأموال حالت دون أن تحقق مفاوضات الصلح مع الإمامة نتائج، حیث رفض الخروصی إعادتها. للمزید ینظر: السعدی، ناصر بن سیف: نظام التغریق (مصادرة الأموال) فی عمان بین الظرف السیاسی والأثر الاقتصادی، الملتقى العلمی السنوی السادس عشر لجمعیة التاریخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخلیج العربیة، مملکة البحرین، العدد 16، ص371 وما بعدها.
([4]) الحارثی: الوثائق السریة، مج2، ص186-187.
([5]) الکندی، محسن بن حمود: الشیبة أبو بشیر محمد بن عبد الله السالمی 1314هـ/1896م – 1405هـ/1985م، ج4، ریاض الریس للکتب والنشر، بیروت: 2011م، ص183 وما بعدها، آل خلیفین، سعود بن حمید: رسالة الجواب الفاصل بین الحق والباطل، مخطوط، لدى الباحث صورة منه.
([6]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص8.
([7]) الحارثی، محمد بن عبد الله: موسوعة الوثائق السریة، مج2، مرکز دراسات الوحدة العربیة، بیروت: 2007م، ص38.
([8]) السالمی: نهضة الأعیان، ص326، والسعدی، ناصر بن سیف: «اتفاقیة السیب عام 1339هـ/1920م قراءة فی المضامین السیاسیة والاقتصادیة»، الملتقى السابع عشر لجمعیة التاریخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخلیج العربیة، مملکة البحرین، المنعقد خلال الفترة 27-28 أبریل 2016م، غیر منشور، ص26.
([9]) الحارثی: الوثائق السریة، مج2، ص57.
([10]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص10.
([11]) الحارثی: الوثائق السریة، مج3، ص586.
([12]) السعدی: اتفاقیة السیب، ص32.
([13]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص14.
([14]) المصدر نفسه، ص584.
([15]) المصدر نفسه، ص91-92.
([16]) المصدر نفسه، ص223.
([17]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص8.
([18]) المصدر نفسه، ص233.
([19]) « البَهَطُّ : کلمة سِنْدیة، وهی الأَرُزُّ یطبخ باللبن والسمن خاصَّة بلا ماء، واستعملته العرب بالهاء [بهطَّة، على وزن: مجرَّة]». ابن منظور: اللسان، مادَّة: «بهط».
([20]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص7.
([21]) المصدر نفسه، ص8.
([22]) المصدر نفسه، ص7-8.
([23]) المصدر نفسه، ص235.
([24]) المصدر نفسه، ص526.
([25]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص734.
([26]) السعدی، ناصر بن سیف: «ملامح التعایش السلمی فی جوابات علماء مدینة نزوى خلال عهد الیعاربة 1624-1749م»، ندوة نزوى تاریخ وحضارة، هیئة الوثائق والمحفوظات، سلطنة عمان، غیر منشور، نوفمبر: 2015م، ص5.
([27]) بنت، بیل ثیودور: جنوبی جزیرة العرب، ترجمة هناء خلیفة، هیئة أبوظبی للسیاحة والثقافة، أبو ظبی: 1432هـ/2012م. ص103.
([28]) الصحاری: لقط الآثار، مخطوط لدى الباحث نسخة مصورة منه، ص656.
([29]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص666.
([30]) المصدر نفسه، ص266-267.
([31]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص9.
([32]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص10.
([33]) المصدر نفسه.
([34]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص691.
([35]) الحارثی: الوثائق السریة، مج3، ص50.
([36]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص694.
([37]) المصدر نفسه، ص694.
([38]) الخلیلی: الفتح الجلیل، 584.
([39]) المصدر نفسه، ص690-691.
([40]) المصدر نفسه، ص691.
([41]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص731.
([42]) المصدر نفسه، ص731.
([43]) الحارثی: الوثائق السریة، مج3، ص50.
([44]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص7.
([45]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص689.
([46]) المصدر نفسه، ص7.
([47]) المصدر نفسه، ص689.
([48]) السیابی: العنوان، ص299.
([49]) للمزید حول تاریخ مصطلح الساحل، وظروف نشأته، ینظر: السعدی، ناصر بن سیف: «اتفاقیة السیب عام 1339هـ/1920م قراءة فی المضامین السیاسة والاقتصادیة»، الملتقى السابع عشر لجمعیة التاریخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخلیج العربیة، البحرین: أبریل 2016م، غیر منشور، ص22 وما بعدها.
([50]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص643.
([51]) التغریق مصطلح سیاسی یراد به الحکم بمصادرة أموال من ثبت علیه بالحجة والبینة الأکیدة، أن المال الذی بحوزته جمعه من الضرائب أو الجبایات غیر الشرعیَّة، ویحکم به الإمام أو أهل الحل والعقد. للمزید ینظر: مجموعة باحثین: معجم المصطلحات الإباضیة، ج2، وزارة الأوقاف والشؤون الدینیة، سلطنة عمان: 1429هـ/2008، ص765.
([52]) السعدی، ناصر بن سیف: «نظام التغریق (مصادرة الأموال) فی عمان بین الظرف السیاسی والأثر الاقتصادی»، الملتقى السادس عشر لجمعیة التاریخ والأثار بدول مجلس التعاون لدول الخلیج العربیة، البحرین: أبریل 2015م، منشور، ص371 وما بعدها.
([53]) وردت أرجوزة التغریق ملحقة بکتاب العقود الفضیة فی أصول الإباضیة. للمزید ینظر: الحارثی، سالم بن حمد: العقود الفضیة فی أصول الإباضیة، بدون تاریخ، ص304.
([54]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص615-616.
([55]) للمزید حول بنود الاتفاقیة، ینظر: السالمی: نهضة الأعیان، ص308.
([56]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص50.
([57]) المصدر نفسه، ص615.
([58]) هو علی بن عبد الله بن سعید الخلیلی أخو الإمام.
([59]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص31.
([60]) المصدر نفسه، ص465.
([61]) المصدر نفسه، ص299.
([62]) المصدر نفسه، ص595.
([63]) المصدر نفسه، ص462.
([64]) المصدر نفسه، ص469.
([65]) المصدر نفسه، ص620.
([66]) المصدر نفسه، ص465.
([67]) المصدر نفسه، ص41.
([68]) المصدر نفسه، ص45.
([69]) المصدر نفسه، ص293.
([70]) المصدر نفسه، ص383.
([71]) المصدر نفسه، ص603.
([72]) المصدر نفسه، ص269.
([73]) المصدر نفسه، ص565.
([74]) المصدر نفسه، ص424.
([75]) المصر یقصد به هو العمامة التی یرتدیها أهل عمان.
([76]) المصدر نفسه، ص610.
([77]) المصدر نفسه، ص26.
([78]) المصدر نفسه، ص26.
([79]) المصدر نفسه، ص744.
([80]) فی الأصل: «للأریال».
([81]) المصدر نفسه، ص173.
([82]) المصدر نفسه، ص237.
([83]) فی الأصل: «یقال».
([84]) المصدر نفسه، ص464.
([85]) هی عملة نقدیة من النحاس سُکَّتْ فی عهد السلطان فیصل بن ترکی. وکان أهل عمان یطلقون علیها اسم «بیسة السلطان فیصل». اتصال هاتفی مع الباحث جمال الکندی (الباحث المختص فی جمع المسکوکات العمانیَّة)، بتاریخ 26/1/2017م.
([86]) القرش هو دولار تالیر لماریا تریزا ملکة النمسا، ضرب بعد وفاتها سنة 1780م، وهو معدن الفضة الخالص. المرجع نفسه.
([87]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص495.
([88]) المصدر نفسه، ص495.
([89]) المصدر نفسه، ص80.
([90]) المصدر نفسه، ص81.
([91]) المصدر نفسه، ص745.
([92]) المصدر نفسه، ص81.
([93]) المصدر نفسه، ص747.
([94]) المصدر نفسه، ص746.
([95]) المصدر نفسه، ص261.
([96]) المصدر نفسه، ص245.
([97]) المصدر نفسه، ص504.
([98]) المصدر نفسه، ص267.
([99]) المصدر نفسه، ص247.
([100]) المصدر نفسه، ص570.
([101]) المصدر نفسه، ص572.
([102]) المصدر نفسه، ص671.
([103]) المصدر نفسه، ص595.
([104]) المصدر نفسه، ص434.
([105]) المصدر نفسه، ص464.
([106]) المصدر نفسه، ص451.
([107]) المصدر نفسه، ص415، 531.
([108]) الخوبی وضوت من أفلاج ولایة نزوى فی داخلیة عمان.
([109]) المصدر نفسه، ص655.
([110]) المصدر نفسه، ص539-540.
([111]) المصدر نفسه، ص461.
([112]) المصدر نفسه، ص625.
([113]) المصدر نفسه، ص612.
([114]) المصدر نفسه، ص583.
([115]) المصدر نفسه، ص574.
([116]) المصدر نفسه، ص586.
([117]) المصدر نفسه، ص423.
([118]) المصدر نفسه، ص547.
([119]) المصدر نفسه، ص656.
- آل خلفین، سعود بن حمید، رسالة الجواب الفاصل بین الحق والباطل، مخطوط، لدى الباحث صورة منه.
- بنت، بیل ثیودور، جنوبی جزیرة العرب، ترجمة هناء خلیفة، هیئة أبو ظبی للسیاحة والثقافة، أبو ظبی: 1432هـ/2012م.
- الحارثی، سالم بن حمد، العقود الفضیة فی أصول الإباضیة، بدون تاریخ.
- الحارثی، محمد بن عبد الله، موسوعة الوثائق السریة، مج2، مرکز دراسات الوحد العربیة، بیروت: 2007م.
- الخلیلی، محمد بن عبد الله، الفتح الجلیل فی أجوبة الإمام أبی خلیل، تحقیق، عزالدین التنوخی، المطبعة العمومیة، دمشق: 1385هـ/1965.
- السالمی، محمد بن عبد الله. نهضة الأعیان بحریة عمان، دار الکتاب المصری، القاهرة: 1434هـ/2013م.
- السعدی، فهد بن علی. معجم الفقهاء والمتکلمین الإباضیة، قسم المشرق، ج 3-4، مکتبة الجیل الواعد، مسقط: 1428هـ/2007م.
- السعدی، ناصر بن سیف. اتفاقیة السیب عام 1339هـ/1920م قراءة فی المضامین السیاسیة والاقتصادیة، الملتقى السابع عشر لجمعیة التاریخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخلیج العربیة، مملکة البحرین، المنعقد خلال الفترة 27-28أبریل 2016م، غیر منشور.
- السعدی، ناصر بن سیف. ملامح التعایش السلمی فی جوابات علماء مدینة نزوى خلال عهد الیعاربة 1624-1749م، ندوة نزوى تاریخ وحضارة، هیئة الوثائق والمحفوظات، سلطنة عمان، غیر منشور، نوفمبر: 2015م.
- السعدی، ناصر بن سیف، نظام التغریق (مصادرة الأموال) فی عمان بین الظرف السیاسی والأثر الاقتصادی، الملتقى العلمی السنوی السادس عشر لجمعیة التاریخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخلیج العربیة، مملکة البحرین. (أی سنة ؟؟)
- السیابی، سالم بن حمود، العنوان عن تاریخ عمان، ط2، مکتبة الضامری، مسقط: 1436هـ/2015م.
- الصحاری، لقط الآثار، مخطوط لدى الباحث نسخة مصورة منه.
- الکندی، محسن بن حمود. الشیبة أبو بشیر محمد بن عبد الله السالمی 1314هـ/1896م – 1405هـ/1985م، ج4، ریاض الریس للکتب والنشر، بیروت: 2011م.
- مجموعة من الباحثین، معجم المصطلحات الإباضیة، ج2، وزارة الأوقاف والشؤون الدینیة، سلطنة عمان: 1429هـ/2008م.
- المرشد العام للولایات والقبائل، وزارة الداخلیة، سلطنة عمان، ص: 1402هـ/1982م.