الوحدة الوطنیَّة والإسلامیَّة في فکر الإمام الخلیلي من خلال مواقفه وصِلاته بأعلام عصره

الباحث المراسلمحمَّد بن أحمد جهلان جامعة غرداية

Date Of Publication :2022-11-09
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

 

یلحظ المتأمِّلُ فی التاریخ العُمانیِّ بروز شخصیَّات لعبت دورًا بارزًا فی صناعة أحداثه، وترکت أثرًا عمیقًا ما یزال ظاهرًا إلى الیوم، وهو لَمُّ شعث الأمَّة وتوحید صفِّها، والنهوض بها إلى مراتب الرشاد والنضج، ولعلَّ من بین أبرز هذه الشخصیَّات فی العصر الحدیث شخصیَّة الإمام العادل التقیِّ الرضیِّ محمَّد بن عبد الله الخلیلی، الذی ما نزال نسمع ونقرأ من جمع مبارک من المشایخ والعلماء ممَّن أدرکه فنهل العلم من مدرسته العلمیَّة یروی بخشوع وإجلال وهیبة نُتفًا عن سیرته الحسنة، وأخلاقه العالیة، وعدله بین الرعیَّة، واهتمامه بالعلم وأهله، وبُعد النظر مع الحزم والعزیمة، وکلُّ ذلک اجتمع للإمام لتقواه وورعه، وللتنشئة الطیِّبة التی حُظی بها، ثمَّ بمحافظته على سِیَر المتقدِّمین، وباستمساکه بالعروة الإلهیَّة الوثقى التی لا انفصام لها. بدأت صلتی بموضوع هذا البحث فی خضمِّ التنقیب والبحث عن النصوص التی تجسِّد التواصل الفکریَّ والثقافیَّ بین عُمان والجزائر فی العصر الحدیث([1])، وقد عثرت فی بعض خزائن وادی مزاب بالجزائر على رسائل مخطوطة بین الإمام وعلماء الوادی، سواء ما کان منه أجوبة على مسائل فقهیَّة أو ما کان فی الوصایا العامَّة للمسلمین ببلاد المغرب بالتمسُّک بحبل الله المتین، وبالوحدة ونبذ الفُرقة والشقاق، ثمَّ اطَّلعت بعد فترة على قصائد مهمَّة قیلت فی مدحه والثناء علیه تبجیلاً واعتزازًا بإمامته، ثمَّ على قصائد أخرى فی رثائه والتحسُّر على ما نُکبت به الأمَّة بفقده، وعلى مجموع أجوبته المطبوعة فی کتاب: «الفتح الجلیل من أجوبة الإمام أبی خلیل»... فأدرکت من خلالها قیمة هذا الرجل ومکانته العلمیَّة والسیاسیَّة فی تاریخ عُمان والتاریخ الإسلامیِّ بشکل عامٍّ، ثمَّ ما لبث هذا الإعجاب أن اصطدم بحیرة تجاه قلَّة الدراسات المنجزة عن هذه الشخصیَّة العظیمة وفترة إمامته الطویلة التی استمرت خمسًا وثلاثین سنة، فکان ذلک دافعًا إلى الترکیز على هذا الموضوع ومحاولة تسلیط الضوء علیه. أمَّا العامل الآخر الذی حدا بی لمباشرة هذا الموضوع فهو اطِّلاعی مؤخَّرًا على مجموع مخطوط لرسائل الإمام الخلیلی([2]) وأجوبته وأحکامه التی کانت بینه وبین عماله فیما یخصُّ شؤون الحکم والسیاسة، وهو ما ینبئ بحکمٍ رشید وحکمة رائدة فی إدارة شؤون الدولة بنظر ثاقب وفکر متوقِّد، ما جعلنا نؤمن بأنَّ هذه المراسلات تستحقُّ دراسة مستقلَّة تُعنى بسبر أغوار مضامینها: اللغویَّة والتواصلیَّة والسیاسیَّة والشَّرعیَّة والفکریَّة. وفی هذه الدراسة سنحاول الاقتراب من الحضرة الشریفة لسیرة هذا الإمام العالم العامل، بالترکیز على ملاحظة محوریَّة خرجنا بها من خلال قراءة تراث الإمام، وهی مسألة حرص الإمام على وحدة الصفِّ الداخلیِّ العُمانیِّ ووحدة المسلمین مشرقًا ومغربًا حول کتاب الله العزیز وسنَّة نبیِّه الأمین. تُعدُّ مسألةُ وَحدةِ الترابِ العُمانیِّ واللحمة الوطنیَّة مسألةً جوهریَّة فی فکر الإمامِ محمَّد بن عبد الله الخلیلی؛ هذه الوحدة التی لا تنفکُّ تنبع من تصوُّر شاملٍ لمسألة الوحدة الإسلامیَّة التی حثَّ علیها الإسلام بمُحکم الآیاتِ وصحیحِ الأحادیثِ. فکان الإمامُ الخلیلیُّ حریصًا على تماسُک الشعبِ العُمانیِّ وتلاحُم أفرادِه بشتَّى طوائفه ومذاهبه، شعوریًّا وفکریًّا وجغرافیًّا أمام أطماع بعض دول الجوار، أو التهدیدات الاستعماریَّة الأجنبیَّة. وکان الإمامُ حریصًا على وحدةِ الصفِّ، وجمع الکلمةِ، ورأب الصدع، ونبذ الخلاف المذهبیِّ والنزاع القبلیِّ؛ فاهتمَّ بإصلاح ذات البینِ، وجنح إلى السَّلم والصلح والإصلاح فی معاهدة السیب، لِمَا کان یؤمن به من أهمِّـیَّة الوحدة والاتِّفاق وخطورة الفُـرقةِ والشِّقاق. هذا الفکر الوحدویُّ عند الإمام لم یکن ولید نظرةٍ آنیَّة محلِّیَّة ضیِّقة الأفق، بل کان وراءها ـ کما أسلفنا ـ عقیدةٌ راسخةٌ وتصوُّرٌ شمولیٌّ لمسألة وحدةِ المسلمین التی بدونها لن یتحقَّق لهم التطوُّر والتمکینُ فی الأرض، فکان - رحمه الله - مهتمًّا بأحوال المسلمین فی بلاد المغرب الإسلامیِّ، مُتتبِّعا لشؤونهم، ومُجیبا عن أسئلتهم ورسائلهم، حریصًا على وحدة صفِّهم واجتماعِ کلمتِهم، وکلِّ ما فیه صلاحُ دنیاهم وآخرتهم. الظروف الاجتماعیَّة فی فترة إمامة الخلیلی: المجتمع العُمانیُّ قائم أساسا على نظام قبلیٍّ عریق، ویتکوَّن من عدد من القبائل العربیَّة، والقبیلة هی «وحدة سیاسیَّة ذات شأن وشیخها أو أمیرها یتکلَّم باسم جمیع الرؤساء الذین هم دونه، وهم یعزِّزون سلطته بتأییدهم له»([3]). وکان ولاء القبیلة لشیخها ولاءً مطلقًا، لثقتهم فی قدرته على إدارة أمورها، فکان أفرادها یتبعون ولاءه السیاسیَّ أینما کانت وجهته، وسبَّب هذا التعصُّب القبلیُّ صراعاتٍ ولَّدت أحزابًا متنافسة أو متناحرة بسبب أو بغیر سبب. وفی القرن الثانی عشر الهجری انقسم المجتمع العُمانیُّ إلى حزبین متناحرین: «هناویَّة» و«غافریَّة»، ما شکَّل تصنیفًا جدیدًا للعرب، یضاف هذان الحزبان إلى التصنیف التقلیدیِّ: «قحطانیٍّ»، و«عدنانیٍّ» و«قیسیٍّ» و«یمنیٍّ»...([4]). ولم یختلف الوضع فی دولة الإمام الخلیلی؛ إذ کانت الزعامة القبلیَّة سمة بارزة فی الحیاة الاجتماعیَّة؛ فالقبیلة ومن یتبعها من الأحلاف کانت تُدار بواسطة زعیمها، والزعیم خاضع لسلطة الإمام، وهذا الأخیر مُبایَعٌ على السمع والطاعة، والکلُّ فی الأحکام الشَّرعیَّة سواسیة، یسلِّم شیخ القبیلة للإمام کلَّ من تثبت إدانته بجرم یستوجب حدًّا شرعیًّا. وفی عهد الإمام الخلیلی کان زعیم حلف «الهناویَّة» هو الشیخ سلیمان بن حمیر النبهانی، وکان زعیم حلف «الغافریَّة» الشیخ عیسى بن صالح الحارثی، حتَّى وفاته سنة 1365هـ/1945م. ومن الناحیة العلمیَّة فإنَّ الثقافة فی الفترة التی سبقت إمامة الخلیلی کانت متدنِّیة إلى حدٍّ کبیر، فکان الجهل المتولِّد عن الفقر والفتن هو الطابع السائد والمنتشر. وعلى الرغم من هذه الحالة الاجتماعیَّة والثقافیَّة المتردِّیة فإنَّ الإمام قد حاول الحفاظ على الشعلة من أن تنطفئ، فکانت مدرسته التی أنشأها بنزوى قبلة للطلبة، یؤمُّونها من شتَّى البلدان، وقد قام الإمام الخلیلی بإحضار العلماء لتدریس هؤلاء الطلبة، وکان یولی الطلبة اهتمامًا خاصًا ویغرس فی نفوسهم حب العلم، وکان یسهر على رعایتهم؛ فیطعم جائعهم، ویواسی مریضهم، ویحرص على تفرُّغهم لطلب العلم حتَّى تخرُّجهم، ثمَّ یوزِّعهم بعد ذلک بحسب احتیاجات دولة الإمامة؛ فی القضاء، وجبایة الزکاة، وتعلیم الناشئة... فارتقى المستوى الثقافیُّ والعلمیُّ، ممَّا کان له أثر فیما بعد فی نبذ التعصُّب المذهبی، والترفُّع عن النعرات القبلیَّة والشعور بالهوِّیـَّة والانتماء للأمَّة. الأوضاع الاقتصادیَّة فی فترة إمامة الخلیلی: لم تکن الحالة الاقتصادیَّة قبیل مدة إمامة الخلیلی أحسن من الحالة الاجتماعیَّة والعلمیَّة، فعلى الرغم من کثرة السلع التی کان العُمانیُّون ینتجونها ویتاجرون بها عبر البحر شرقًا وغربًا، فإنَّ الاقتصاد العُمانی فی عهد الإمام الخلیلی کان ضعیفًا وراکدًا إلى حدٍّ ملموس، ویمکن إرجاع هذا التدهور إلى أسباب عدَّة، نذکر منها: - مخلَّفات الحرب القبلیَّة، وتبعات الصراع الداخلیِّ الذی أنهک الأفراد، وتسبَّب فی إحراق کثیر من المزارع، وضیاع کثیر من المصالح والأموال. - الانقسام فی عُمان بین حکومة مسقط وإمامة عُمان، والضرائب الجمرکیَّة المفروضة على انتقال السلع بین المنطقتین، قلَّص من المبادرات التجاریَّة بشکل ملموس، وعمَّق العوز المادِّیَّ، فقد اتُّخذت الضرائب الجمرکیَّة وسیلة ضغط اقتصادیٍّ لإرغام الإمامة على قبول شروط المفاوضات، فهذا «المیجر وینغیت»([5]) ممثِّل الدولة البریطانیَّة یقول: «لقد بدا لی أنَّ هناک طریقة واحدة لحمل العُمانیِّـین على التعقُّل، لقد کانوا مجبرین على تصدیر تمورهم، ولا بدَّ أن نجعله مستحیلاً تقریبًا، أو على الأقلِّ مکلِّفًا جدًّا، ولن یستطیعوا الردَّ، فربَّما یتغیَّر موقفهم وینتحوا على مناقشة تسویة معقولة»([6]). - تحکُّم الأجانب فی کثیر من التعاملات التجاریَّة ومنافستهم للعُمانیِّین فی تکوین رؤوس الأموال، وأبرز مثال على ذلک التجَّار الهنود المقیمون على امتداد الساحل العُمانیِّ، «فی سنة 1318هـ الموافق 1900م کان مجموع التجَّار الهنود فی عُمان یبلغ حوالی 380 تاجرًا، منهم 250 یقیمون فی العاصمة مسقط، و37 فی مطرح، و28 فی صور، والباقون موزَّعون على المدن الساحلیَّة الأخرى»([7]). - مواکبة فترة إمامة الخلیلی للحربین العالمیَّتین الأولى (1914 ـ 1918م) والثانیة (1939 ـ 1945م) فقد تأثَّر الاقتصاد العالمیُّ بصفة عامَّة بظروف الحرب، ولم یکن الاقتصاد العُمانیُّ بمنأى عنه، وهذا التأثیر لم یصب مناطق الساحل فحسب، بل شمل المناطق الداخلیَّة کذلک([8]). البعدُ العقدیُّ لمسألة الوحدة فی فکر الإمام الخلیلی: قبل التطرُّق إلى مواقف الإمام الرضیِّ محمَّد بن عبد الله الخلیلیِّ وما یستشفُّ منها فی مسألة الوحدة الوطنیَّة والوحدة الإسلامیَّة، نرى من الضروریِّ البحث عن الأساس والمنطلق والمحفِّز الذی یحذو بالإمام الخلیلی إلى اتِّخاذ هذه المواقف، وسوف نلاحظ أنَّ جمیع صلاته ومراسلاته الداخلیَّة والخارجیَّة تنبع من عقیدة واحدة، ومنهج فکریٍّ واحد تکوَّن علیه الإمام ونشأ وِفْقَه، وکلُّ المخرجات التی تحقَّقت فی حیاته قولاً وفعلاً هی مترتِّبة ومنبثقة أساسًا من هذا الفکر الراسخ والعقیدة الثابتة. یختلف تصوُّر الأفراد والمجتمعات لمفهوم الوحدة، فهناک من یؤمن بالوحدة على أساس المصلحة السیاسیَّة، ومنهم من یؤمن بفکرة الوحدة العرقیَّة القومیَّة، ومنهم من یؤمن بوحدة الانتماء القبلیِّ أو الجغرافیِّ أو الطبقیِّ، أو حتَّى ما یعرف بالتاریخ المشترک...([9]). إلى غیر ذلک من أنواع الوحدة، ولکنَّ هذه التصوُّرات للوحدة لیس أیٌّ منها معتمد الإمام ومرجعه، فالإمام الخلیلی قرآنیُّ المنهج والحیاة، والقرآن لا یَرى فی أیِّ شکل من هذه الأشکال المذکورة عاملاً حاسمًا للوحدة والنصر، ولکنَّه فی المقابل یرى أنَّ وحدة القلوب على طاعة الله هی الرابط الحقیقیُّ؛ لأنَّ الله هو الذی یؤلِّف بین القلوب ولیس البشر، فتلک الوحدة الحقیقیَّة هی تلک التی لو أنفق البشر ما فی الأرض على تحقیقها بالعوامل المادِّیـَّة ما تحقَّقت، قال تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِی الأَرْضِ جَمِیعًا مَّا أَلَّفَتْ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَکِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَیْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِیزٌ حَکِیمٌ﴾ (سورة الأنفال: 63). فما هی أسس «وحدة القلوب» یا ترى؟ إنَّ لها باختصار أساسین اثنین: العقیدة العملیَّة الحیَّة، والعاطفة القائمة على أساس عقدیٍّ. الوحدة تقوم بالإیمان النافذ الواعی إلى الأحاسیس، المحرِّک للعاطفة تجاه کلِّ من یحمل نفس الشعور، وهو ما تختصره الآیة الکریمة: ﴿إِنَّ الَّذِینَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ (سورة مریم: 96)، «وعندما یعمل الإیمان والعاطفة المؤمنة على شدِّ القلوب، ویرفدها توفیق الله ومدده، فلن تنفصم هذه الوحدة، وهی بالتالی تصنع الأعاجیب والمعاجز، کما صنعتها فی عصر صدر الإسلام»([10]). لقد صاغ القرآن الکریم مقوِّمات الوحدة، ووضع الضوابط التی تحقِّقها مهما تغیَّرت الأزمان والأوطان، یقول الله جلَّ جلاله: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْکُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ کُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَکُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَکُم مِّنْهَا کَذَلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمْ آیَاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَکُن مِّنکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَى الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَأُوْلَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَکُونُواْ کَالَّذِینَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَیِّنَاتُ وَأُوْلَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ﴾ (سورة آل عمران: 103-105)، ویقول کذلک: ﴿وَأَطِیعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ﴾ (سورة الأنفال: 46). وجاءت الأحادیث النبویَّة مؤیِّدة لهذا الحکم الربَّانیِّ، داعیة إلى رتق الفتق وجمع الشمل، داعیة إلى إصلاح ذات البین والتعاون والائتلاف، ومحذِّرة من الشقاق والافتراق، فقال الرسول ﷺ: «الجماعة رحمة والفرقة عذاب»([11])، وقال کذلک: «ید الله مع الجماعة»([12])، وقال: «إنَّ الله یرضى لکم ثلاثًا ویکره لکم ثلاثًا: یرضى لکم أن تعبدوه ولا تشرکوا به شیئًا، وأن تعتصموا بحبل الله، ولا تفرَّقوا...»([13]). ومن هذا المنطلق الإیمانیِّ العمیق تصدر المدرسة الفکریَّة التی ینتمی إلیها الإمام الخلیلی؛ مدرسة فکریَّة تـتَّسم بالتسامح والبعد عن التشنُّج والتنابز، فمدرسة الإباضیَّة التی یصدر من مبادئها الإمام نجدها تحمل مشروعًا حضاریًّا یدعو إلى السلم، والعیش المشترک، والاحترام المتبادل، وهو ما یلخِّصه قطب أقطاب الإباضیَّة فی هذا العصر، بدر الدین الشیخ أحمد بن حمد بن سلیمان الخلیلی، فی کتابه: «الحقُّ الدامغ»، بقوله: «إنَّ الإباضیَّة - أهل الحقِّ والاستقامة - تمتاز عقیدتهم وتتَّسم طریقتهم فی فهم أصول الدین بثلاثة أمور... المرونة، والتسامح فی معاملة سائر فرق الأمَّة، وإن بلغ الخلاف بینهم ما بلغ، إذ لم یتجرؤوا على إخراج أحد من الملَّة وقطع صلته بهذه الأمَّة ما دام یدین بالشهادتین، ولا ینکر شیئًا ممَّا عُلم من الدین بالضرورة بغیر تأویل [...] وعلى هذا مشى الإباضیَّة فی هذا النهج السلیم والتزموا هذا المبدأ القویم فی معاملتهم لسائر طوائف الأمَّة کما یشهد بذلک التاریخ»([14]). ویقول فی أحد اللقاءات التی أجریت معه: «نحن دائما نمیل إلى ما یجمع الشمل، ویرأب الصدع، ویؤلِّف القلوب، ویوحِّد الکلمة، وهذا ممَّا أُدرک من کلام أسلافنا، فنجد مثلاً أبا حمزة الشاری وهو على منبر رسول الله ﷺ فی وقت یواجه حروبًا مع قوى الظلم، وتحدِّیات عاتیة، لم تذهب به الانفعالات إلى أن یُعلن القطیعة مع الآخرین، بل قال: «الناس منَّا ونحن منهم، إلاَّ ثلاثة: مشرکًا بالله عابد وثن، أو کافرًا من أهل الکتاب، أو إمامًا جائرًا» وهذا موقف الإمام السالمی - رحمه الله -: أیضًا عندما قال: ونحن لا نطالب العبادا فوق شهادتیهمُ اعتقادا فمن أتى بالجملتین قلنا إخواننا وبالحقوق قُمنا إلاَّ إذا ما أظهروا ضلالا واعتقدوا فی دینهم مُحالا قُمنا نبین الصواب لهمُ ونحسبنْ ذلک من حقِّهم [...] ثمَّ مع هذا أیضًا نجد أنَّ علماءنا السابقین کانوا جمیعًا حریصین کلَّ الحرص على ما یوحِّد الصفَّ، ویرأب الصدع، ویجمع الکلمة، بل نجد القیادات السیاسیَّة، والقیادات العلمیَّة جمیعا تشترک فی هذه الناحیة، نحن نضرب مثلا لذلک عندما شبَّ ضرام الحرب بین الدولة السعودیَّة وأشراف مکَّة فی عهد الملک عبد العزیز والشریف حسین، شغل ذلک القیادات الإباضیَّة، سواء القیادات السیاسیَّة أم القیادات العلمیَّة، فقد وجَّه السلطان تیمور بن فیصل رسالة إلى الفئتین المتحاربتین، وأسند مهمَّة القیام بالصلح فی هذه القضیَّة إلى الشیخ سلیمان باشا البارونی [...] وبجانب ذلک وُجِّهت رسالة من قبل الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی إلى الشیخ سلیمان باشا البارونی نفسه یطلب فیها أن یمثِّله فی القیام بالصلح ما بین الفئتین المتحاربتین حفاظًا على الإخاء الإسلامیِّ، وحفاظًا على الحرم الشریف، وصونًا له ممَّا یؤدِّی إلى تکدیر صفو الأمن فیه»([15]). هذا هو المنطلق الفکریُّ العقدیُّ الذی یصدر منه الإمام الإباضیُّ العُمانیُّ محمَّد بن عبد الله الخلیلی، لم یتأسَّس من فراغ، ولا هو فلتة من فلتات زمانه وبیئته، بل هو منطلق قائم على أسس إیمانیَّة قرآنیَّة عمیقة، تؤکِّدها سنَّة نبویَّة صافیة مطهَّرة، وسیرة راسخة لسلف صالح من أئمَّة المذهب الإباضیِّ وعلمائه على مرِّ العصور. وحدةُ الصفِّ العُمانیِّ، وإصلاحُ ذات البینِ، والجنوحُ للسلم (معاهدة السیب نموذجًا): على الرغم من کلِّ ما یقال بشأن ظروف ودوافع الاتِّفاقیات التی وقعت تحت إشراف الحکومة البریطانیَّة، والنوایا التفریقیَّة الاستحواذیَّة التی کانت تبیِّتها هذه الإدارة البریطانیَّة، فإنَّ معاهدة السیب التی تمَّت بتاریخ 25 سبتمبر 1920م بین السلطان تیمور بن فیصل والإمام الخلیلی کان لها تأثیر إیجابیٌّ فی توطید علاقة السلطنة بالإمامة، ونشر السلم والاستقرار، وإطفاء نار الفتن والصراعات، ما أعطى فرصة للطرفین لبعث الحیاة الاقتصادیَّة والعلمیَّة، وتحسین الحیاة الاجتماعیَّة للعُمانیِّین. «... وفی یوم 25 سبتمبر 1920م الموافق 1339هـ توصَّل الطرفان إلى الصیغة النهائیَّة لهذه المعاهدات التی عُرفت بعد ذلک باسم «معاهدة السیب». وقد احتوت على شروط بعضها لصالح الإمام وبعضها لصالح السلطان»([16]). ولعلَّ أهمَّ عناصر هذه الاتفاقیَّة هی التی تؤکِّد على نشر السلم والوئام، فجاء فی البندَیْن الثانی والثالث ممَّا یتعلَّق بشروط الشعب العُمانیِّ: - ضمان سلامة العُمانیِّـین وحرِّیـَّة تنقُّلاتهم فی المدن الساحلیَّة. - إزالة جمیع القیود على تحرُّکات العُمانیِّـین فی موانئ مسقط([17]). وجاء فی البندَیْن الأوَّل والثانی ممَّا یتعلَّق بشروط السلطان: - أن یتعهَّد قادة الإمامة بعدم مهاجمة المدن الساحلیَّة، ولا یتدخَّلون فی شؤون الحکم للسلطان. - یتمتَّع أهالی مسقط والمشتغلون بالتجارة بالحرِّیـَّة والأمان فی مقاطعات عُمان الداخلیَّة. والمتأمِّل فی بنود الاتِّفاقیَّة التی وقَّعها نیابة عن الإمام الخلیلی الشیخ عیسى بن صالح الحارثی، وعن السلطان القنصل البریطانی فی مسقط «وینغیت» (Wingate)، یلمس مدى الضغط البریطانیِّ الممارس على الجانبین، بحیث قدَّم کلا الطرفین تنازلات مهمَّة، فالسلطان تیمور کان آنذاک غائبًا فی الهند، «وکان فی غایة الغضب والسخط من تدخُّل الإنجلیز فی خصوصیَّات الحکم، وإدارة شؤون البلاد»([18])، ولکنَّ الضغط الأکبر کان على جانب الإمامة «التی تخلَّت عن شرط کانت تعدُّه أساسیًّا وحیویًّا منذ أن طرحت مطالبها أوَّل مرَّة، ألا وهو إلغاء تجارة السلاح الذی سبق وأن أعطته الأولویَّة فی إجراء أیَّة مباحثات مع السلطان، إلى درجة أن فضَّلته على المطلب السیاسیِّ (الإطاحة بحکم السلطان) الذی لم یعُد هو الآخر له وجود فی بنود الاتِّفاقیَّة»([19]). نستشفُّ ممَّا سبق رغبة الإمام محمَّد إلى التهدئة والجنوح للسلم، امتثالا لقوله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ﴾ (سورة الأنفال: 61)، متأسِّیا بالرسول ﷺ فی صلح الحدیبیة، فقد قدَّم نبیُّنا ﷺ تنازلات لم یستسغها بعض الصحابة آنذاک، ولکنَّ بُعد نظره ﷺ والتوجیه الربَّانیَّ والتوفیق الإلهیَّ حوَّل تلک المعاهدة إلى نصر کبیر مهمٍّ للمسلمین. والطریف أنَّ القنصل البریطانیَّ الداهیة وظَّف هذه الحادثة من السیرة النبویَّة بدهاء دبلوماسیٍّ کبیر فی تحریر الاتِّفاقیَّة، فقد طلب الشیخ عیسى بن صالح الحارثی أن تکتب الوثیقة على أنَّها صلح بین السلطان من جهة، وبین إمام المسلمین من جهة أخرى، فاعترض «وینغیت» على ذلک، ولَمَّا أصرَّ زعماء الإمامة على طلبهم تمکَّن «وینغیت» من أن یقنعهم من خلال روایته لِمَا حدث بین النبی محمَّد ﷺ وسکَّان مکَّة، قبل عام من فتحها فی صلح الحدیبیة([20])، حیث وصف النبیُّ ﷺ نفسه بأنَّه «محمَّد رسول الله»، لکنَّ زعماء مکَّة اعترضوا على ذلک؛ لأنَّه إذا نصَّ على أنَّه رسول من الله فلیس هناک ما یستوجب عقد الصلح معه بهذه الصفة، وفی ذلک اعتراف ضمنیٌّ بنبوءته، وقد أدرک النبیُّ محمَّد ﷺ هذا المنطق فاکتفى بذکر «محمَّد بن عبد الله»... یقول «وینغیت»: «... بعد تداول رسمیٍّ، ابتسم الشیخ، ولم تستعمل کلمة (إمام) فی نصِّ الاتِّفاق نفسه الذی کان مجرَّد إعلان للشروط المتَّفق علیها بین حکومة السلطان وعیسى بن صالح ممثِّل القبائل العُمانیَّة»([21]). المنجزات الداخلیَّة والخارجیَّة المترتِّبة عن معاهدة السیب 1920: من المنجزات التی تحقَّقت فی عهد الإمام الخلیلی، والتی نعُدُّها مترتبة عن الاستقرار النوعیِّ الذی تلاَ توقیع معاهدة السیب، نذکر ما یلی على الصعید الداخلیِّ: - أوَّلاً: تدعیم الوحدة الوطنیَّة، وإرساء قواعد السلام بین أفراد الشعب العُمانیِّ، ما کفل له الحرِّیـَّة، ویفهم هذا على أنَّه تعبیر صادق عن رغبة الإمام الخلیلیِّ فی إرساء قواعد السلام ونبذ الفرقة. - ثانیًا: الاستقرار السیاسی فی داخلیَّة عُمان مکَّن الإمام من إقامة قواعد الدولة، وتطبیق الأحکام الشَّرعیَّة فی المناطق التابعة لحکمه، وتمَّ له ذلک من خلال تطبیق العدالة والقضاء على اللصوص وقطَّاع الطرق والمجرمین([22]). - ثالثًا: إرساء منظومة قضائیَّة قویَّة، من خلال تعیین الولاة والقضاة الأکفاء، والفصل فی القضایا وفقا للشریعة الإسلامیَّة. - رابعًا: تحسین المنظومة الاقتصادیَّة والمالیَّة، بفضل تخفیض الضرائب الجمرکیَّة على تنقُّل السلع من مناطق الإمامة إلى مسقط ومطرح، والاهتمام بنظام جبایة الزکاة وتحصیل الضرائب. أمَّا على المستوى الخارجیِّ فیمکن أن نرصد المنجزات الآتیة: - أوَّلاً: توثیق علاقات الأخوَّة والصداقة بین الشعوب العربیَّة والإسلامیَّة؛ وذلک تحقیقا للوحدة الإسلامیَّة، ونبذ الخلافات بین أبناء الأمَّة الإسلامیَّة، وتوثیق العلاقات مع الدول العربیَّة کمصر والسعودیَّة، کما توطَّدت العلاقات بین إمامة عُمان وشرق إفریقیا، وشمال إفریقیا، فیمکن اعتبار هذه المرحلة هی البدایة الحقیقیَّة لانفتاح عُمان على العالم والعلاقات الخارجیَّة، من خلال الرسائل التی کان یبعثها الإمام إلى الزعماء والعلماء فی المشرق والمغرب، نذکر منهم: قطب الأئمَّة امحمَّد بن یوسف اطفیَّش، والشیخ سلیمان باشا البارونی، والشیخ محمَّد رشید رضا... - ثانیا: إثبات الهوِّیـَّة الرسمیَّة للمواطن العُمانیِّ، لتسهیل تنقُّله إلى بلدان العالم المختلفة، وتمثَّل ذلک فی إصدار جوازات سفر عُمانیَّة، فقد أصدر الخلیلیُّ جوازات باسمه وصفته، وکانت بعض هذه الجوازات تتضمَّن ما یأتی: «إنَّ حامل هذا الجواز هو من رعایا الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی، مسموح له بالسفر إلى کلِّ البلاد المذکورة أعلاه. وإنَّنا نطلب إلى جمیع من یهمُّهم الأمر فی البلاد الصدیقة السماح لحامله التنقُّل بحرِّیـَّة، وبتقدیم جمیع التسهیلات»([23]). - ثالثا: ظهور الحسِّ الوطنیِّ والشعور بأهمِّـیَّة الحفاظ على ثروات البلاد من الأطماع الأجنبیَّة وتهدیدات بعض دول الجوار، وأصبح النفط – الذی تزخر به أراضی الإمامة، ویُسیل لعاب شرکات التنقیب الأجنبیَّة– ورقة رابحة مهمَّة فی ید الإمام وشعبه([24]). - رابعا: محاولة ربط عُمان بالدول العربیَّة الشقیقة والصدیقة، والسعی إلى الانضمام إلى الهیئات العربیَّة والدولیَّة، فقد طلب الإمام الخلیلی الانضمام إلى الجامعة العربیَّة قبل وفاته، ولکن مع الظروف السیاسیَّة والمتغیِّرات الإقلیمیَّة آنذاک لم تکلَّل تلک الجهود بالنجاح. وقد تحقَّق هذا المطلب فی العهد الزاهر لصاحب الجلالة السلطان قابوس، وذلک عندما انضمَّت سلطنة عُمان رسمیًّا إلى جامعة الدول العربیَّة فی سنة 1391هـ/1971م([25]). وحدة عُمان توطِّد صلة الإمام الخلیلی بسُلطان مسقط: کان الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی رجل دولة من طراز رفیع، متقنا للشؤون الدبلوماسیَّة وأعرافها، وکان یکنُّ الاحترام والتقدیر والتعظیم للزعماء والقادة حتَّى أولئک الذین یختلف معهم فی الرأی أو التوجُّه السیاسیِّ. یروى أنَّ محمَّد بن راشد بن عزیز الخصیبی حضر فی یومٍ مجلسا من مجالس الإمام الخلیلی، وقد أمر کاتبا أن یکتب للسلطان سعید بن تیمور فی بعض المهمَّات وهو من العلماء، ولَمَّا فرغ من کتابته عرضه على الإمام فلم یعجبه، وانتقده علیه لخلوِّه فی التصدیر من التمجید والتعظیم، فأمر کاتبا آخر، ففطن المأمور بمقصد الإمام ومغزاه من الانتقاد، فکتب الکتاب طبق المقصود، فاستحسنه الإمام وأعجبه وأنفذه. وکان الإمام سهل الخلیقة، یراعی مناصب الملوک وما یستحقُّونه من التقدیر والتعظیم، محنَّکا بحسن السیاسة وجودة الرأی، له القدح المعلّى فی ذلک. لقد کان الإمام یُنزل الناس منازلهم، ویعطیهم ما یستحقُّونه من التقدیر والتعظیم، وهذا یدلُّ على الحنکة السیاسیَّة التی کان یتمتَّع بها فی مخاطبته للملوک والسلاطین. على أنَّ هذا التقدیر والتعظیم لم یتوقَّف عند حدِّ الدبلوماسیَّة والمجاملات الکلامیَّة، بل تعدَّاه إلى توطید علاقة مبدؤها الأساس: خدمة الوطن وحبُّه، وجعله فی رأس کلِّ الاعتبارات الأخرى. فکما هو معلوم أنَّ السلطان تیمور بن فیصل قد تخلَّى عن الحکم لولده سعید فی سنة 1350هـ/1932م، وهو من موالید 1329هـ/ 1910م، والتاریخ یثبت أنَّه لم تحدث أیَّة حروب بینه وبین الإمام الخلیلی، «... بل کانا یدافعان عن عُمان معًا، یقول الشیخ سیف بن سالم بن سیف اللمکی: «کان الإمام محمَّد بن عبد الله - رحمه الله - یحکم داخلیَّة عُمان بالحکم الشرعیِّ، وسلطان مسقط [سعید بن تیمور] کان یحکم القسم الساحلیَّ من صور إلى مسقط ومطرح، وخصب، ومنطقة مسندم والمنطقة الجنوبیَّة إلى الربع الخالی، ولا یوجد اختلاف بین الإمام والسلطان، بل کانا متکاتفین یدافعان عن عُمان بید واحدة اتِّفاقا منذ إمامة الخلیلی إلى أن توفَّاه الله تعالى عام 1373هـ الموافق 1954م، والجدیر بالذکر أنَّه فی سنة 1366هـ/ 1947م طمعت إحدى الدول المجاورة فی واحة البریمی؛ فقام سلطان مسقط مدافعا عن عُمان کی لا یتدخَّل فی عُمان أجنبیٌّ، فاتَّفق مع الإمام بأن یصدُّوا الغزو عن عُمان، وقام الطرفان بالدفاع، وجمعوا قبائل عُمان من الشرقیَّة إلى الغربیَّة لصدِّ الثورة الغازیة، وتکفَّـل سلطان مسقط بنفقة الجیش لوجود المال والقوَّة الحربیَّة، فبحمد الله انخمدت نار الفتنة بدون قتال، واستطاع الجانبان بسیاستهما الحکیمة أن یدفعا الغزو. وفی سنة 1368هـ/1949م قام بعض أعیان القبائل بزیارة تلک الدول الغازیة؛ فحصل لهم التکریم الهائل، ممَّا استمالهم إلى بثِّ الصداقة وأداء الطاعة، حتَّى جاء إلیهم من یکرمهم بالمال، متمرکزًا فی جانب من واحة البریمی، ولکنَّ الإمام والسلطان استیقظا لذلک، ودافعا مرَّة أخرى عن عُمان، وکانت فی تلک الأیَّام تُساور الإمام أمراضُ الشیخوخة؛ فتکفَّل سلطان مسقط بردِّ الأجانب، وعاد الوضع کما سبق فی عُمان»([26]). وتطالعنا صحافة عُمان المهاجرة بزنجبار بمقالات مهمَّة تصف ما ینبغی أن تکون علیه علاقة الإمام بالسلطان، وتؤکِّد على ضرورة توحید الصفِّ، وتقویة الجبهة الداخلیَّة فی وجه الأطماع الخارجیَّة المتزایدة. ومن بین هذه المقالات نجد مقالا بعنوان: «عُمان تسبح فی وهم» للکاتب هاشل بن راشد المسکری، نشره فی حلقتین بجریدة الفلق، وممَّا جاء فیه: «إنَّنا نستعطف عظمة السلطان لجمع شمل الأمَّة العُمانیَّة، وأن یردَّ کلَّ طامع إلى مقرِّه، فهو الأب الناهض الیوم للدفاع عن حرِّیـَّة عُمان واستقلالها، ولا خیر فی التفرقة؛ فوجود حاکم دینیٍّ فی داخل القطر ضروریٌّ لکفِّ الفتن الداخلیَّة، ولإقامة الأحکام الشَّرعیَّة بین القبائل [...] والتعاونُ أمَّةً وحکومةً لا شکَّ مصلحة للوطن [...] فالعالم الیوم لیس هو العالم بالأمس، والأزمة الدولیَّة تتطوَّر حینًا بعد حین، والأطماع فی الدول الصغیرة تزداد فی کلِّ ساعة [...] فننشدکم الله یا عظمة السلطان ویا حضرة الأمیرین [یقصد سلیمان بن حمیر النبهانی وعیسى بن صالح الحارثی] التعاون لحمایة الوطن، والعدَّة لردِّ کلِّ طامع فیه...»([27]). وهذا ما حصل بالفعل؛ فقد تحدَّث الشیخ سعود بن علی الخلیلی عن تفاصیل هذه الحادثة التی وحَّدت جهود عمَّه الإمام والسلطان فی وجه الاعتداءات الأجنبیَّة على التراب الوطنی، رغم الخلافات الداخلیَّة، فقد ذهب الشیخ أحمد بن محمَّد الحارثی، والشیخ طالب بن علی الهنائی، والشیخ عبد الله بن حمدون الحارثی، ذهبوا ممثِّلین للإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی لسماع رأی السلطان سعید بن تیمور حول ما یحدث فی البریمی. ولم یرَ السلطانُ أملاً فی التفاوض... وکان قد قرأ واقع الحال وأطماع القوى الغربیَّة وضغطها على الملک عبد العزیز... وقال «لیحکم الله». لکنَّ الشیخ طالبًا ظنَّ أنَّ الملک السعودیَّ یمکن أن یقدره ویستجیب له، فذهب بطائرة خاصَّة من دبی إلى السعودیَّة وتحدَّث مع الملک عبد العزیز، وأبلغه رغبة العُمانیِّـین فی السلم، وأنَّه یرجو من الملک تجاوبًا فیما یراه العُمانیُّون ویأملونه منه، وهو أن یترک الأمر على ما کان علیه بحسب الحدود المتعارف علیها بین الدولتین، لکنَّ الملک أجابه ناصحًا بحسب ما ینقل الشیخ سعود الخلیلی: «صحیح اللی ما من دینک ما یعینک... قابل ولی العهد» فجاوبه الشیخ طالب: «کلُّنا یا جلالة الملک دین واحد...». قال: «أنا أقصد المستعمرین...»، وانتهت المقابلة، وعاد الشیخ طالب بن علی لیضع نفسه وقومَه تحت تصرُّف السلطان سعید، وقال: «کان السلطان على حقٍّ فیما رآه». وقال الشیخ سعود الخلیلی إنَّ العُمانیِّـین احتشدوا جمیعًا تحت رایة السلطان سعید بن تیمور لتخلیص البریمی، وتحقَّق لهم ذلک بفضل وحدتهم([28]). مواقف الإمام الخلیلی من خلال مراسلاته مع أعلام عصره: یمکن أن نستشفَّ کثیرًا من مواقف الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی ونظرته السیاسیَّة الثاقبة من خلال مراسلاته التی کتبها لعدد من الأعلام فی عُمان وبعض الشخصیَّات المؤثِّرة فی خارج عُمان، وقراءة عجلى لهذه المراسلات تنبئ عن سعة اطِّلاعه وحنکته السیاسیَّة، وحرصه على إصلاح ذات البین فی المجتمع العُمانیِّ، ثمَّ اهتمامه بالقضایا التی تهمُّ الأمَّة الإسلامیَّة وأحوال إخوانه المسلمین مشرقًا ومغربًا. إنَّ صِلات الإمام الخلیلی مع من عاصره من الشخصیَّات المهمَّة - والتی یمکن أن تظهر بجلاء من خلال مراسلاته - یمکن أن ندرجها فی دوائر متداخلة تتدرَّج من الضِّیق إلى الاتِّساع، على الشکل الآتی: أ - صلته بعمَّاله وأعیان القبائل فی مناطق إمامته. ب – صلته بعلماء الإباضیَّة ومشایخهم خارج عُمان. ج – صلته بأعلام الحرکة الإصلاحیَّة فی العالم الإسلامی. د – صلته بحکَّام الدول وملوک الأمم الأخرى (المملکة السعودیَّة وبریطانیا نموذجًا). وسنحاول أن نورد نماذج من بعض مراسلات الإمام الداخلیَّة والخارجیَّة. صلته بعمَّاله وأعیان القبائل فی مناطق إمامته: کان الإمام الخلیلی - رحمه الله - یجلس إلى رعیَّته، خاصَّتهم وعامَّتهم، یعلِّمهم أمور دینهم، ویرعى أمور دنیاهم، ویقضی نهاره فی خدمة المسلمین، تقصده المرأة والصغیر والکبیر والضعیف والقویُّ، لا یأنف من أن یقضی حاجاتهم ویرجع إلى مجلسه للفصل فی قضایا الأمَّة واستقبال الوفود، حتَّى إنَّه کان فی بعض الأوقات یتولَّى علاج المرضى من الضعفاء، ویتولَّى أمور المسلمین فی أدقِّ تفاصیلها، کما سجَّله محمَّد السالمی فی «النهضة»، إذ کان الإمام یتولَّى حتَّى کتابة توصیات سریعة لصرف طعام لدوابِّ الضیوف أو دوابِّ الدولة، وکان یفرِّق بعض ثیاب الصدقة بنفسه، بل ویفکُّ صراعات الأطفال الأیتام الذین کانوا یعیشون معه فی الحصن. وکان - رحمه الله - کثیرا ما یراسل عمَّاله وقضاته ومسؤولی دولته فی شؤون الدولة، کما کان لا یتوانى عن کتابة الفتاوى لعامَّة الناس وخاصَّتهم، من عُمان أو من بلاد المغرب، وقد حُفظت کثیرٌ من رسائله، وبقیت شاهدة على شخصیَّة ذلک الرجل العظیم وإخلاصه([29]). وسنحاول هنا عرض نماذج من مراسلاته مع بعض المشایخ فی عُمان أو بعض عمَّال دولته؛ لنستکشف منهج تعامله معهم وعلاقته التی تربطه بأفراد دولته. رسالة الإمام الخلیلی إلى مشایخ وأعیان وادی المعاول: «بسم الله الرحمن الرحیم من إمام المسلمین محمَّد بیده لحضرة المشایخ الإخوة حمود بن مهنَّا، وحمد بن سعید، ومحمَّد بن سیف، وبلعرب بن ناصر، وأولاد سالم بن سیف، وأولاد محمَّد بن سیف، وأهل مسلمات. سلام علیکم ورحمة الله وبعد؛ فإنِّی أحمد الله على کلِّ حال، کتابکم وصلنی وفهمته، وأقول: ذکرتم أنَّ دیارکم مستقیمة لا قتل ولا سرقة، فالمنَّة لله جلَّ وعلا، لیس من قِبل استقامتکم، لا یقدر المخلوق على إصلاح نفسه فکیف لغیره، فلا تغرَّنَّکم نفوسکم أنَّ ذلک من قِبَلِکم، واعلموا أنَّ الأمور وإن استقامت فیما بینکم لم تستقم من جهة الأحکام إلاَّ بحاکم، ورأینا أنَّه لا یصلح التعطیل وأنتم تعلمون، فهذا أمرٌ أمضیناه، إن استقام الشیخ ناصر فذلک ظنُّنا فیه وأملنا، والخیر قصدناه، وإلاَّ فنحن مع أنفسنا لا مع أحد. ویا أیُّها المعاول، علیکم الطاعة وأن تکونوا عونًا، ولا یُضیِّع الله فاعل الخیر، وأحذِّرکم من کثرة القول فی بعضکم بعضًا، فإنَّ ذلک یُخلُّ بالدین والمروءة، ولا غنًى لدار عن عالم یحکم ولو صلح أهلها، (کعفَّة الخُود لا تُغنی عن الرَّجل)([30]) ومع هذا اعلموا أنَّا متیقِّظون لکم، کلُّ من بان منه أمرٌ یخالف الحقَّ یهون علینا قتلُه، فکیف بقیدهِ إذا لم یمنعنا الشرع، ونغضب بالأفعال لا بالتکلُّم. هذا والسلام ختام، والله حسبنا ونعم الوکیل. حرِّر یوم 11 ربیع الآخر 1343هـ»([31]). یمثِّل هذا النصُّ وثیقة تاریخیَّة لحزم الإمام الخلیلی فی تسییر أمور دولته، وإخضاع جمیع الأحکام والقضایا إلى الشرع الإسلامیِّ الحنیف، ویبدو من رسالته إلى أعیان وادی المعاول أنَّ بوادر عصیان أو جرأة على أحکام الإمام لاحت فی الأفق؛ فکان خطاب الإمام ناصحًا، وواضحًا، وصارمًا، فی الحثِّ على الإذعان للحقِّ والسمع والطاعة لأولی الأمر، وأنَّ على أولی الأمر الاستقامة على الحقِّ والقضاء بالعدل، وفی الرسالة تهدید قویٌّ بأسلوب حکیم من الإمام ختم به الرسالة حین قال: «نحن نغضب بالأفعال لا بالتکلُّم»، وهذه سیاسة حکمیة من الإمام الحریص على متابعة شؤون دولته مباشرة، وعدم الاکتفاء بالتقاریر والأخبار التی ترفع إلیه. رسالة الإمام الخلیلی وتوجیهه السیاسیُّ للرعیَّة فی أمر «السلیف»: «بسم الله الرحمن الرحیم لیعلم من یرى کتابی هذا أنَّا نظرنا فی أمر السلیف وغیرها؛ فرأینا أنَّه یلزمهم أن یقوموا بکلِّ أمر یذبُّ عنهم ید البغاة، وأعنی بأهلها من لهم الأموال فی السلیف کائنًا ما کان، ورأیت أنَّ بنی هناءة هم الأکفاء فی ذلک، ورأیت سلیمان بن محمَّد الهنائی هو الأمثل فی ذلک والأقرب». ثمَّ یقول فی آخر الرسالة: «وکتبه إمام المسلمین محمَّد بن عبد الله فی یوم العشرین من شهر رمضان من سنة 1369. أقول قولی هذا متحرِّیًا للعدل، وإن رأى المسلمون أنَّ هذا خطأ؛ فإنِّی راجع إلى الحقِّ، وأعوذ بالله من التمادی فی الباطل، وعلى من یراه من أهل العلم أن یُظهر وجه البطلان إن رآه باطلاً، حرَّرته بیدی»([32]). هذا النصُّ یعطی صورة أخرى مغایرة للنصِّ السابق فی طریقة تعامل الإمام مع رعیَّته ومع عمَّال دولته وأعیانها بالخصوص، فهو هنا یقدِّم رأیه فی تکلیف مشایخ لتولِّی بعض المسؤولیَّات، ونجده فی آخر الرسالة یقرُّ بأنَّ اجتهاده لیس حکما مطلقا لا یعتوره النقص والخلل والخطأ، فرحَّب بکلِّ - تواضع وحکمة - بأیِّ عالم یقدِّم له بالدلیل والحجَّة خطأ مسلکه ورأیه، وبیَّن الإمام استعداده للإذعان إلى الحقِّ واستعاذ من التمادی فی الباطل... وهذه فی الحقیقة سمات العظماء من الأئمَّة والخلفاء الذین یُبقُون حبل التواصل موثوقا بالرعیَّة والعلماء، ولا یستبدُّون بالرأی، ولا یحکمون بالغطرسة والإکراه. صلة الإمام بعلماء الإباضیَّة ومشایخهم خارج عُمان: إن التواصل المشرقیَّ المغربیَّ عریق ممتدُّ الجذور فی التاریخ الإسلامیِّ، یصل إلى القرن الثانی الهجریِّ، والتواصل العُمانیُّ مع وادی مزاب بالخصوص ما فتئ یمثِّل حلقة مضیئة ترسِّخ علاقة عُمان بشمال إفریقیا منذ قیام الدَّولة الرستمیَّة على التراب الجزائریِّ فی القرن الثانی، وما تزال حلقاتها مستحکمة مترابطة حتَّى الیوم. ولا نستطیع فی هذه العجالة التطرُّق إلى تاریخیَّة التواصل المشرقیِّ المغربیِّ، ولا إلى علاقة مزاب بعُمان عبر التاریخ، وإنَّما سنکتفی باستعراض بعض مراسلات الإمام الخلیلیِّ مع علماء وادی مزاب ومشایخه؛ لنکتشف صورة أخرى من صور اهتمامه بمسألة الوحدة الإسلامیَّة التی اخترنا الترکیز علیها فی هذه الدراسة. وقبل أن نستعرض نماذج من هذه المراسلات، نودُّ أن نسجِّل بفخر وإعجاب تقدیر قطب الأئمَّة امحمَّد بن یوسف اطفیَّش الجزائری (ت: 1332هـ/ 1914م) وتبجیله لشخصیَّة الإمام الخلیلی حتَّى قبل أن یکون إمامًا، فقد أدرک القطب اطفیَّش من خلال مراسلاته مع ذلک الشابِّ الذی لم یبلغ الثلاثین من عمره، واهتمامه بشؤون دینه وأمَّته، وحرصه على طلب العلم المغربیِّ بعد أن حوى ما توصَّل إلیه من العلم المشرقیِّ... قلت: هذا کلُّه دفع القطب اطفیَّش - الذی یکبر الخلیلیَّ بأکثر من نصف قرن - أن یقرَّ له بالتضلُّع فی العلم، بل ویطلب منه فی رسالة أن یشهد له بأنَّه (أی القطب اطفیَّش ذاته) عالم مجتهد، فإنَّ المرء لیقف محتارًا بین أمرین عظیمین: تواضع الإمام القطب العالم الکبیر، واعترافه بتفوُّق الخلیلیِّ فی العلم، والأمر الآخر هو قیمة الإمام الخلیلیِّ ومکانته العلمیَّة وتبحُّره فی العلوم الشَّرعیَّة إلى درجة تدفع شیخه المغربیَّ أن یطلب منه شهادة اعتراف بالاجتهاد المطلق. هذا ممَّا یسجِّله التاریخ لکلا العالمین، وربَّما هی شهادة بقیمة الخلیلی وتمیُّزه أکثر منها شهادة بتواضع القطب، فلیتأمَّل([33]). علاقة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی بالقطب اطفیَّش تمتدُّ – کما أسلفنا - إلى ما قبل فترة إمامته، إلى فترة تعلُّمه وشبابه، وهذه بین أیدینا رسالة مهمَّة توثِّق هذا التواصل الجمیل بین التلمیذ والمربِّی، بین المتعلِّم المجتهد الطموح والعالم المتبحر المتواضع: رسالة الإمام الخلیلی فی مرحلة شبابه إلى القطب اطفیَّش الجزائریِّ([34]): «بسم الله الرحمن الرحیم وصلَّى الله على رسوله محمَّد وآله وصحبه وسلَّم. وبعد: فسلام الله ورضوانه وروحه وریحانه على شیخنا کهف الأرامل والأیتام، وفِنْد عامَّة الإسلام، وقطب الأئمَّة الأعلام، امحمَّد بن یوسف اطفیَّش، من کاتبه العبد الضعیف محمَّد بن عبد الله الخلیلی، لا برحتَ شیخنا مؤیَّدا بالنصر، مُعانا بالصبر، موفَّقا للشکر، مضاعفًا لک الأجر، مبارکًا لک العمر. ثمَّ إنِّی أتأمل منک الدعاء الصالح، وأن تُنبِّهنی بما یعین على الحفظ والفهم من تلاوة أو کتابة إن کنت تجیز أن یُکتب شیء من القرآن فیمحى ویُشرب، وما تقول فی الأخبار الواردة فی کتب الأسرار؛ منها ما یُروى عن المختار: «من کتب کذا أعانه على الفهم والحفظ»؛ هل هی صحیحة أم لا؟ وأرید منک – إن لم یشقَّ علیک – أن تنسخ لی حاشیتک على «مقالید التصریف» تألیف شیخنا العلاَّمة سعید بن خلفان، وشرحک على «مختصر العدل»، وشرحک للامیة ابن النضر، ولعمری إنَّ تآلیفک وجدناها أسهل تناولا، فلیت لنا جمیعها؛ ولکن کما قال شاعرهم: وقد یَترکُ الحسناءَ من بات مُغرمًا بها مُستهامًا لیس یُمکنُه المَهرُ([35]) وهذه مسائل تفضَّل بجوابها، وعلیک السلام وعلى أولادک وأهلیک والطلبة، ومن بنادیک، وصلَّى الله على رسوله وآله وسلَّم»([36]). هذه الرسالة لجمالها وروعة بنائها وحبکها وأدبها لا تحتاج إلى کثیر تعلیق، وإنَّ المتأمِّل لاهتمام الخلیلیِّ بالعلم من لدن مشایخ المغرب فی هذا الزمن المبکِّر رغم قلَّة وسائل الاتِّصال والتواصل، ینبئ عن شخصیَّة علمیَّة قویَّة تعدُّ بمستقبل باهر زاهر. وأنَّ تواضع الطالب وخُلُقه الرفیع مع الإمام القطب هو ما جعله یُکبِرُ فیه حبَّ العلم، ویتفرَّغ للإجابة عن أسئلته الکثیرة التی قد تستغرق فی بعض الجوابات عشرات الصفحات([37]). رسائل الإمام الخلیلی إلى مشایخ وادی مزاب وأهله ودعوتهم للوحدة ونبذ الخلاف: کان الإمام الخلیلی موئل الإباضیَّة مشرقًا ومغربًا فیما یعنُّ لهم من نوازل فی أمور دینهم خصوصًا ودنیاهم کذلک، فکانوا یرجعون إلیه لطلب الفتوى والفصل فی الخلافات، وکان المزابیُّون من أشدِّ الإباضیَّة تعلُّقًا بالإمامة وتعظیمًا لها، فکانت تُرفع إلى الإمام المسائلُ المستعصیة على حلقات العزَّابة فی الوادی، ویرفع إلیه الخلاف فی القضایا الشائکة. وفی مطلع القرن العشرین عرف وادی مزاب حرکة علمیَّة وصحوة إصلاحیَّة کبیرة، کما عرفتها أغلب عواصم الشرق الإسلامیِّ، وأثارت جهود الإصلاح فی مزاب حراکًا اجتماعیًّا ونزاعًا علمیًّا وفکریًّا وصل فی بعض الأحیان إلى حدِّ الاعتداءات الجسدیَّة وتقاذف التُّهم، وکان بعض من یرفض الأفکار الإصلاحیَّة یبادر إلى تفسیق المصلحین، والبراءة منهم. فلمَّا تطوَّرت الأوضاع واشتدَّ أوار المعرکة الفکریَّة - التی کانت الصحافة إحدى ساحاتها - وصلت المسألة إلى إمام المسلمین محمَّد بن عبد الله الخلیلی، عن طریق بعض من ارتحل إلیه من فریق المحافظین؛ فکتب فی الموضوع عدَّة رسائل مهمَّة، بعضها نُشر فی الصحافة، وبعضها لم ینشر، واستغرقت رسائل الإمام فی هذا الموضوع بالذات([38]) زهاء عشرین سنة، تعود الرسالة الأولى إلى شهر رمضان 1356هـ/ نوفمبر 1936م، بینما عثرنا على آخر رسالة فی الموضوع تعود إلى السنة الأخیرة قبل وفاة الإمام بتاریخ جمادى الأولى 1372/ جانفی 1953م، وسنعمد إلى إیراد هذه الرسائل فی هذا المجال لنتبیَّن حرص الإمام على مسألة وحدة صفِّ إخوانه إباضیَّة المغرب، وحرصه على عدم التسرُّع فی الحکم على العلماء المجتهدین وتفسیقهم والتبرئة منهم. الرسالة الأولى (ربیع الثانی 1355هـ)([39]): رسالة حرَّرها محمَّد بن سیف بن سلیمان العُمانی إلى الشیخ ابن عمر الحاج عمر بن الحاج مسعود([40])القراری، من جملة ما ورد فیها: «... أمَّا بعد، فإنِّی أهدی سلامًا جمیلاً عاطرًا، وأبثُّ ثناءً جلیلاً وافرًا، یضیئان الأکوان نورًا، وینفخان فیهم مسکًا عبیرًا، لحضرة الشیخ المدرِّس الأستاذ المحترم الحاج عمر بن الحاج مسعود الذی جمعتنی به وإیَّاه «مِنَى»، فنلنا بها کلَّ المُنى، والحمد لله...». ثمَّ یبلِّغه دعوة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی فی جمع کلمة المسلمین بمنطقة وادی مزاب فی الجزائر، وممَّا قاله الإمام: «... ألا وإنَّه لیسوؤنا ما یبلغنا من التخالُف فیما بینکم بسبب النوازل، وکفى بضغط إحدى الدول المتغلِّبة على عالم الإسلام محنةً وبلاءً، ویجبُ علینا وعلیکم أن لا نتنازع فی شیء ما احتمل لذلک سبیلا، والله تعالى یقول: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ﴾ [سورة الأنفال: 46]». الرسالة الثانیة([41]): «بسم الله الرحمن الرحیم الحمد لله وحده، والصلاة على نبیِّنا محمَّد وآله وصحبه. بلَغنا سؤال عن فتوى العالم القراریِّ المُجیز الأخذ بخبر التلفون والبرق فی هلال رمضان وشوَّال، وقاسه على شهادة الأعمى، والشهادة فی الظلمة، والشهادة من وراء حجاب، واستماع المؤذِّن، فالذی نراه ونعمل به ونحکم علیه الأخذ بکتاب الله والسنَّة وبما جرى علیه عمل الصحابة y، وتبعهم الخلف: هو أنَّه إذا تباعدت الدیار والمطالع فلکلِّ قوم هلالهم. والحجَّة فی رؤیة الهلال الشهادة العادلة، أو الشهرة القاضیة، أو حکم الحاکم بصحَّة الهلال، ودینکم یُسرٌ، فاشکروا الله الذی جعلکم من أهل هذه الشریعة الحنیفیَّة السمحة، ولو شاء الله لأعنتکم. وأمَّا الکلام فی قیاسه فنحن لا نعلم خبر التلفون على الحقیقة، مع أنَّه لا داعی لذلک. صوموا لرؤیته وأفطروا لرؤیته، فإن غُمَّ علیکم فأکملوا العدَّة ثلاثین، ولم یبلغنا أنَّ الأوائل تکلَّفوا فی طلب الهلال، فإنَّ أیام الحجِّ طوال، فلو کان یلزم البحث لکان الأوائل أحرى بذلک، فلم یبلغنا أنَّهم یلتمسون الخبر من الدیار البعیدة النائیة مع إمکان ذلک، والله أعلم. ونحن أهل المشرق نُقرُّ لکم ونسلِّم أنَّکم أکثر اطِّلاعًا للآثار والأخبار، إلاَّ أنَّ فیکم شدَّة لا تسلِّمون الأمر، ونحن بحمد الله نعظِّم علماءنا، وننقاد إلى أقوالهم وأحکامهم؛ بل ونحترمهم؛ بل ونحترم علماء المغرب، کالشیخ القطب محمَّد بن یوسف - رحمه الله -، ویسوؤنا ما یبلغنا من تخالفکم، وعدم توقیرکم لذلک الشیخ وأمثاله، وإن اختلف المشایخ فی مسألة من غیر مسائل الدین، فلیس ذلک بموجب فُرقة، ولا ینبغی لتلامذة هذا الشیخ أن یتحاملوا على الآخر بلا حجَّة، إلاَّ لِمَا یرونه من توقیرهم لشیخهم. الجاهل لا یتعدَّى طوره، فلا تعجلوا على القراریِّ بالبراءة، واعلموا أنَّا نأخذ بالسنَّة. والله حسبنا ونعم الوکیل، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلیِّ العظیم، وذلک من إخوانکم المشارقة أهل عُمان، إمام المسلمین: محمَّد بن عبد الله، ومن حضره من الإخوان». الرسالة الثالثة (جمادى الثانیة 1372هـ)([42]): «بسم الله الرحمن الرحیم من إمام المسلمین محمَّد بن عبد الله الخلیلی إلى إخوانه المشایخ الفضلاء المرتضین صالح بن علی [باعلی] وصالح بن یحیى وسعید بن علی [بن بَاسْعید، بُهُونْ عْلی] المزابیِّـین حجَّاج بیت الله وزواره وجیران حرمه – تقبَّل الله سعیکم وأثابکم رضوانه – سلام علیکم ورحمة الله وبرکاته، وعلى من جاور معکم من الإخوان. وإنِّی أحمد الله الذی لا إله إلاَّ هو إلیکم، وأشکره على فضائله وجزیل نواله، راجیا منه أن یغمرکم بنعمائه الشاملة، ویعمر قلوبکم بأذکاره الفاضلة، نحن ومَن قِبَلَنا بخیر – والحمد لله – وبعد: فإنَّ الولد سیف بن سعید المعولی الحاجَّ وصل معنا سالمًا، وتناولنا من یده کُتبکم الحاملة بمزید التحیَّات، ورسائلکم الحافلة بالأبحاث فی المسائل التی اختلفتم فیها، ولا بد أن ینظر إخوانکم العُمانیُّون فیها، ویطبِّقون المسألة على أثر السلف الصالح المستخرج من الکتاب العزیز والسنَّة المطهَّرة، مع أنِّی أقول إجمالاً: أوصیکم بالتثبُّت فی الأمور، وألاَّ تعجلوا على إخوانکم بقطع العذر والبراءة، واحتملوا للمسلمین فیما کان فیه محتمل، ومن دین المسلمین ألاَّ ینصبوا الرأی دینًا، فإنَّ الله U جعل هذا الدین یسرًا، وفتح للعلماء باب الاجتهاد، وألزم کلاًّ أن یأخذ بما أدَّاه إلیه اجتهاده فیما لم یکن فیه نصٌّ عن الله تعالى، بکتاب صادق، أو سنَّة یرویها صادق عن صادق، أو إجماع الأمَّة لثبوت العصمة لهم، فلا یجتمعون على ضلالة، وما کان وراء ذلک فهو محلُّ اجتهاد وبحث لا محلَّ قطع عذر وتخطِئات. فانظروا – رحمکم الله – بعین البصیرة، واعتمدوا على الحقِّ فهو السیرة التی أثرها الأسلاف، وقد رأیت فی غضون تلک الأبحاث، وعلى غصون تلک الورقات ما لو بُرهِن بالبرهان لتبیَّن أیُّ بیان أنَّه من مسائل الاجتهاد، وأنَّ للرأی فیه مجالاً، وللعلماء مقالاً، فلا یفضی بها إلى التخطئات وقطع الأعذار. واعلموا أنَّ النصوص تتناهى والحوادث لا تتناهى، فاقتضت حکمة العلیم الخبیر الرؤوف الرحمن الرحیم أن جعل للعلماء النظر والاعتبار، وأن یحکموا على تلک الحوادث بما أدَّاهم إلیه اجتهادهم فی التخریج والاستنباط والوزن، والمعیار؛ لذلک جاء: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِی الکِتَابِ مِن شَیْءٍ﴾ (سورة الأنعام: 38). فالله الله فیما یجمع الکلمة والتآلف، ویُبعد الشحناء والتخالف، ولا تکونوا کالذین فرَّقوا دینهم وکانوا شیعًا، فما مُنی الإسلام بشیء أعظم وأطمَّ من التخالف المؤدِّی إلى الفشل، المنتج لانحلال القوى، وذهاب الدول، هذا وإخوانکم أهل عُمان حریصون على اجتماعکم، وانتظام جماعتکم، ویُسیئُهم جدًّا ما یبلغهم عنکم من التفرُّق – جمعکم الله على الهدى، وسلک بنا وبکم نهج سلفنا الصالح – رضوان الله علیهم – والسلام علیکم جمیعا. محرَّرًا یوم 8 جمادى الثانیة سنة 1372هـ». [24/01/ 1953م]. رسالة أخویَّة جوابا على رسالة من أهل وارجلان بالجزائر (جمادى الثانی 1372هـ)([43]): «بسم الله الرحمن الرحیم وصلَّى الله على سیدنا محمَّد نبیِّه الأمین، وعلى آله وصحبه الطِّیبین الطاهرین، وسلَّم علیه وعلیهم أجمعین، أمَّا بعد: فسلام یُعطِّر الأکوان نشرُه، ویتجدَّد تجدُّد الأزمان نشره [کذا ولعلَّ الصواب بِشرُه، بالباء]، من إمام المسلمین محمَّد بن عبد الله الخلیلی على إخوانه الوارجلانیِّین المتمسِّکین بحبل الله المتین، والسالکین سنَّة نبیِّه الأمین ﷺ، والناهجین منهج الأسلاف الصالحین الهادین المهتدین، أهدیکم إخوانی من التحیَّات وافرها، ومن التسلیمات عاطرَها، ومن المحبَّة الدینیَّة زاهرَها، مبتهلاً إلى الله تعالى أن یجعلنا وإیَّاکم ممَّن اهتدى بهدیه القویم، وهداه إلى صراط مستقیم، ونرغب إلیه سبحانه أن یجعلنا أئمَّة للمتَّقین، وقادة لعباده إلى جنَّات النعیم، إنَّه کریم وهَّاب، یُعطی من یشاء بغیر حساب. إخوانی العزاز، وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته المتواصلة، ونفحاتُه الوهبیَّة الزکیَّة الشاملة. تناولت رسالتکم الحافلة الحاملة لتحیَّاتکم الجلیلة، ودعواتکم الصالحة الجزیلة، المبلِّغة عنکم ما انطوت علیه ضمائرکم من خالص الوداد الناشئ من صمیم الفؤاد، فشکرًا لکم وذکرًا، ولکم منِّی ومن إخوانی الأدنیَن والأقصَیْن من التحیَّات أسماها وأسناها وأشملَها؛ ومن خالص الدعوات أزکاها وأعلاها وأعمَّها وأکملها؛ مؤمِّلا أن تکونوا بحال تُغبطون علیها. إخوانی أوصیکم بتقوى الله والدعاء إلیه، والعمل بکتابه وسنَّة نبیه ﷺ، والسعی فیما یجمع کلمتکم، ویلمُّ شعثکم، وإیَّاکم وما یُورث الفُرقة، وانتثار نظام الوحدة، واقتدوا بسلفکم الصالح، فکونوا عباد الله إخوانا، وفی الخیر أعوانا، واللهَ نسأله التوفیق لنا ولکم، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلیِّ العظیم. والسلام علیکم ورحمة الله تعالى وبرکاته. من الإمام وجمیع الإخوان، حُرِّر فی یوم 8 جمادى الثانی عام 1372». [24/01/ 1953م]. تواصل الإمام مع أعلام الحرکة الإصلاحیَّة فی العالم الإسلامیِّ: کان للإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی صلات وطیدة بإخوانه فی العالم الإسلامی، وبالأخصِّ مع علماء المسلمین والقائمین على الحرکة الإصلاحیَّة، وهو یُعدُّ نموذجًا حیًّا فی ترسیخ العلاقة الحمیدة الطیِّبة مع العالم الإسلامیِّ. ولعلَّنا نستطیع أن نکتشف اهتمامات الإمام ومواقفه من خلال بعض النماذج من المراسلات التی کانت تتمُّ بینه وبین أعلام الحرکة الإصلاحیَّة فی عصره، وهو ما سنراه فی هذه النماذج. رسالة الإمام الخلیلی إلى المصلح الشیخ محمَّد رشید رضا: «بسم الله الرحمن الرحیم. من إمام المسلمین محمَّد بن عبد الله الخلیلی إلى حضرة السید العلاَّمة المحقِّق أخینا السیِّد محمَّد رشید رضا المحترم. السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته، أمَّا بعد؛ فإن رأیتم إبطاءنا فی الردِّ على کتابکم الکریم المرسل من مؤلَّفاتکم فذلک لا عن إهمال وعدم تقدیر، وإنَّ لکم ولأمثالکم من إخواننا من علماء الدین الحنیف منزلة کبرى فی القلب لا یحلُّها سواهم... [ثمَّ قال بعد بیان العذر] أمَّا مؤلَّفکم العظیم ففی غنى عن التقریظ والمدیح، وإعجابنا به لا یُحدُّ، ولا شک أنَّه الحجَّة الدامغة، والقول المتین لمن لا یدین بهذا الدین القویم. وفَّقکم الله لخدمة الإسلام والمسلمین، وبارک الله فیما تنوون وتقصدون. وسلام الله علیکم»([44]). من خلال هذا النصِّ المقتضب من رسالة الإمام الخلیلی نستشفُّ حرص الإمام على التواصل مع أعلام عصره، وبالخصوص مع رواد الحرکة الإصلاحیَّة التی تبنى الإمام مبادئها، وکان متفاعلاً معها، وکذلک وزیره المجاهد اللیبی سلیمان باشا البارونی، فحرکة الإصلاح فی العالم الإسلامیِّ کانت تمثِّل الفکر الإسلامیَّ المستنیر فی مواجهة التیَّارات الوافدة من الغرب من جهة، ومواجهة تیَّار الجمود ومحاربة البدع والخرافات والأوهام التی سیطرت على عقول المسلمین آنذاک. وتعبِّر هذه الرسالة - کذلک - عن انفتاح الإمام الفکریِّ على القضایا التی تهمُّ الأمَّة الإسلامیَّة فی ذلک العصر، واهتمامه بإصلاح أوضاعها، اعتمادًا على کتاب الله وسنَّة رسوله محمَّد ﷺ، فالإصلاح کان من أهمِّ الأمور التی اعتنى بها الإمام فی مسیرته الحافلة. رسالة الإمام الخلیلی إلى المجاهد اللیبی سلیمان باشا البارونی، وتفویضه لإصلاح ذات البین فی المملکة العربیَّة السعودیَّة: «من إمام المسلمین بعُمان محمَّد بن عبد الله الخلیلی إلى جناب المجاهد فی سبیل الله، الغیور فی دین الله، أخینا الشیخ سلیمان البارونی: حیث إنَّ العالم الإسلامیَّ فی اضطراب واهتمام بقضیَّة الخلافة والأماکن المقدَّسة، وقد تقرَّر على ما بلَغنا عقد مؤتمر لأجل ذلک، فإنَّنا نکلِّف جنابک باسم الأمَّة العُمانیَّة أن تحضر هذا المؤتمر الذی سیعقد لهذا الغرض الدینیِّ السامی فی مصر أو فی غیرها من البلاد الإسلامیَّة، ولیکن رأیک فی مسألة الخلافة مطابقا لقواعد الشرع الصحیحة، وهی لا تخفى علیک، أمَّا مسألة الأماکن المقدَّسة فلیکن رأیک فیها مبنیًّا على حمایتها من عبث العابثین بها، ووقایتها من تسلُّط کلِّ ید أجنبیَّة علیها، مهما کانت مقاصدها وصبغتها، وقد استحسنَّا جدًّا تکلیف جناب السلطان إیَّاک بالتوجُّه إلى الحجاز مندوبًا من طرفه، وحاملا کتاب نصیحة منه إلى المتحاربین حول بیت الله الحرام، فنعم الرأی الذی رأیتماه، فإنَّ المسألة من أهمِّ ما یجب أن یهتمَّ به کلُّ مسلم، وإنَّنا ما نزال فی شغل من ذلک، والمنتظَرُ من جنابک موافاتنا بالأخبار الصحیحة بدون فاصلة، والله تعالى نسأله أن یوفِّقک والمسلمین أجمعین إلى ما فیه خیر دینهم ودنیاهم، آمین. رمضان المعظَّم 1343هـ»([45]). تحمل هذه الرسالة جملة من العبر والدلالات، تنبئ کلُّها عن سعة اطِّلاع الإمام، وبُعد نظره، وحرصه على خیر الأمَّة الإسلامیَّة ووحدتها وتقدُّمها، وقد تناولت مسألة الخلافة الإسلامیَّة باعتبارها قضیَّة مهمَّة لها أثرها العظیم فی توحید المسلمین، وقضیَّة الأماکن المقدَّسة باعتبارها من الحرمات التی یجب أن تصان کما تصان الأوطان من غزو الغزاة وأطماع العُداة، فیجب حمایة هذه الأماکن من عبث العابثین بها، من داخل البلاد أو من تسلُّط أیِّ یدٍ أجنبیَّة علیها. وعالجت الرسالة -أیضا- مسألة الدعوة إلى نبذ الصراع والتقاتل بین المسلمین فی أرض الحجاز، فاستحسن الإمام تفویض السلطان للبارونیِّ بتبلیغ کتاب ینصحهم فیه بالکفِّ عن الخلاف وتوحید الکلمة ولَمِّ الشعث وإصلاح ذات البین، خاصَّة وهم مجاورون لبیت الله الحرام، وکفى بذلک واعظًا لهم. غیر أنَّ الملاحظة الطریفة التی نرید الإشارة إلیها فی هذه الرسالة، هی أنَّ الإمام کلَّف المجاهد سلیمان البارونیَّ بمهمَّة رسمیَّة، هی نفس المهمَّة التی کان مکلَّفًا بها من قِبَل سلطان مسقط آنذاک، فکان البارونیُّ سفیرًا لقائدین فی وقت واحد. ونستشفُّ من الرسالة تواضع الإمام وتأییده للحقِّ وإقراره بالفضل لأهل الفضل؛ فقد استحسن مبادرة السلطان بإرسال البارونی، وبارک هذه الخطوة لما فیها من الخیر العمیم لعُمان وللأمة الإسلامیَّة، مؤکِّدًا أنَّ مسألة إصلاح ذات البین وتوحید صفِّ المسلمین من أهمِّ ما یجب أن یهتمَّ به کلُّ مسلم. الوحدة الوطنیَّة والإسلامیَّة من خلال صِلته بحکَّام الدول وحکومات الأمم الأخرى: رسالته إلى الملک سعود بن عبد العزیز آل سعود بشأن الوحدة الإسلامیَّة ونبذ التعصُّب المذهبیِّ: «من إمام المسلمین محمَّد بن عبد الله الخلیلی إلى حضرة جلالة الملک المعظَّم سعود بن عبد العزیز الفیصل آل سعود المحترم حفظه الله. سلامٌ علیک ورحمة الله وبرکاته، وإنَّا نحمد الله على نعمه [...] إنَّ هذا لا یستبعد من حکومة جلالتکم العربیَّة الإسلامیَّة التی یسرُّها أن ترى المسلمین والعرب فی عزٍّ ومجد وهناءة وسعادة، وقد جعلتنا نیَّتکم الطیِّبة الخالصة ندعو لکم بالنصر والتوفیق على سعیکم الجمیل فی توحید کلمة المسلمین، وتکتُّلهم تحت لواء الإسلام، وانتسابهم إلیه، ودعائهم إلى کتاب الله وسنَّة نبیه ﷺ، وإلى ذلک أرشد القرآن العظیم، فقال: ﴿وَمَن یَبْتَغِ غَیْرَ الإِسْلاَمِ دِینًا فَلَن یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ﴾ [سورة آل عمران: 85]، ﴿إِنَّ الدِّینَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ﴾ [سورة آل عمران: 19]، وقال ﷺ: «کونوا عباد الله إخوانا، وعلى الخیر أعوانا»([46]). فیا صاحب الجلالة، قد استخلفکم الله فی بلاده، فنرغب إلیه سبحانه أن یجعلکم من الذین وصفهم فی قوله تعالى: ﴿الَّذِینَ إِن مَّکَّنَّاهُمْ فِی الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّکَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنکَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [سورة الحجِّ: 41]، ومن المعروف السعی فی توحید کلمة المسلمین فی إماتة الانتساب إلى المذاهب وإظهار التعصُّب اللذَیْن قَضَیَا على الإسلام، وتسلَّطَ على أبنائه عبدةُ الأصنام الأجانب الأکالب، وإنَّ لزوم ما کان علیه السلف الصالح والسیر بالمسلمین سیرهم هو الذی یعید علینا عزَّنا الشامخ ومجدنا الباذخ. هذا والسلام علیکم وعلى من یعزُّ علیکم. محررا یوم 23 جمادى الأولى 1373هـ»([47]). إنَّ هذه الرسالة تعدُّ الیوم وثیقة تاریخیَّة مهمَّة یحقُّ لها أن تکتب بماء الذهب، فهی تؤکِّد المواقف الواضحة الراسخة التی یقوم علیها حکم الإمام الخلیلیِّ، ونظرته القیادیَّة الإصلاحیَّة المتسامحة المتَّسعة لهموم الأمَّة الإسلامیَّة، وتؤکِّد شعور الإمام بخطر النعرات الطائفیة والصراعات القبلیَّة، وتأثیرها فی استقرار الدول والجماعات، وکان خطابه إلى الملک السعودیِّ یحمل کثیرًا من الحکمة والحنکة الدبلوماسیَّة، والنصائح الغالیة التی نذکر منها: الدعوة إلى التسامح ونبذ التعصُّب المذهبیِّ والطائفیِّ والقبلیِّ؛ وذلک لأنَّ الإمام یدرک ما عانته عُمان من ویلات وضعف وذلَّة بسبب الصراع القبلیِّ المقیت، وأنَّ التعصُّب المذهبیَّ الأعمى سیؤدِّی إلى تشتُّت المسلمین وفرقتهم وضعفهم وهوانهم على الخلق، ممَّا یفتح ثغرات لأعداء الإسلام الذین لا ینفکُّون یسعون إلى تفریق وحدة المسلمین، والتدخُّل فی شؤونهم، وإبعادهم عن منهج الله القویم، وإذکاء الصراعات فیما بینهم. النقطة الثانیة التی تعبِّر عنها الرسالة هی مسألة الاقتداء بالسلف الصالح؛ فالحرکة الإصلاحیَّة تقوم على مبدأ أثیر هو أنَّ صلاح آخر هذه الأمَّة لا یکون إلاَّ بما صلُح به أوَّلها، فعلى أئمَّة المسلمین أن یُصلحوا أحوال أقوامهم، ویرشدوهم إلى المحجَّة البیضاء، وأن یردُّوهم إلى دینهم القویم ردًّا جمیلاً، فباقتـفائهم لسِیَر الصالحین المتقدِّمین تصلح حیاتهم، ویقدروا حینئذ على توحید صفوفهم، والانتقال بالوحدة الإسلامیَّة من مرحلة الفکرة والطموح، لجعلها واقعا حیًّا ملموسًا فی الحیاة الیومیَّة. فهذه الرسالة - إذن - نموذج حیٌّ یؤکِّد أنَّ الإمام الخلیلی - رحمه الله - لم یکن یعیش منزویًا فی وطنه، معزولاً عمَّا یحیط به من تطوُّرات وأحداث فی دول الجوار أو على المستوى العالمیِّ، بل کان یشعر بقوَّة بالرابط الدینیِّ الذی یربط بنی الإسلام، فیأسى لحال الأمَّة، بل کان یراسل أولی الأمر لیقترح الحلول ویصف الدواء لمعالجة الداء، فکانت دائرة الأمَّة الإسلامیَّة إحدى دوائر اهتمامه وانشغاله باعتباره قائدًا وحاکمًا من حکَّام المسلمین. ومن الجمیل فی هذا المقام إیراد رسالة أخرى من الإمام الخلیلیِّ إلى سلطان نجد عبد العزیز بن عبد الرحمن آل سعود، وقد حملها الوزیر سلیمان البارونی لَمَّا أرسله الإمام والسلطان سعید بن تیمور لإجراء الصلح بین السعودیِّـین، ومحاولة رأب الصدع بین المسلمین المتقاتلین على جوانب البقاع المقدَّسة، فکان هذا نصُّها: «بسم الله الرحمن الرحیم إلى حضرة صاحب العظمة سلطان نجد وتوابعها، أخینا عبد العزیز بن عبد الرحمن السعود، لا برح فی رُقیٍّ وإجلال. السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته، أخوکم یحمد الله الواحد الأحد بحال یسرُّکم یرجو من الله أنَّکم بحال یسرُّ إخواننا المسلمین. منذ برهة من الزمن انقطعت مواصلات المکاتبات الودِّیـَّة بیننا، فعساها لشاغل خیر، والباعث على تحریر طرسنا هذا هو أنَّ حامله جناب الشیخ الجلیل عندنا سلیمان باشا البارونی، أحد رجال الإسلام، ومن علماء مذهبنا، قصد السفر إلى مرکز عدلکم الذی أضاءت أنواره أقصى ممالک الإسلام، فلزم تجدید مراسلات الصداقة وروابط المحبَّة بیننا، ولا شکَّ فی أنَّها لا تتغیَّر. وبهذه المناسبة أتشرَّف بأن أصرِّح لعظمتکم بأنَّنا فی کدر وأسف عظیمین من استمرار الحرب حول بیت الله الحرام بین إخوان مسلمین، کلٌّ منهم یعظِّم هذا البیت المقدَّس ویحترمه، نسأله تعالى أن یوفِّق الجمیع إلى الوصول إلى طریقة حلٍّ تحقن الدماء، وتُرضی أهل الإسلام أجمعین، وحیث إنَّ حامل کتابنا هذا هو على ما نحن علیه من الکدر کلَّفناه بأن یُعرب لعظمتکم عن أحاسیسنا الدینیَّة توضیحا لِمَا کتبناه هنا، فالمرجوُّ اعتماد کلامه فی هذا الصدد، فإنَّه الثقة الأمین، ولا شکَّ أنَّ لکم الخبرة التامَّة فیه وفی أمثاله، وله تفانٍ وتضحیة فی کلِّ ما یتعلَّق بإصلاح حال الأمَّة الإسلامیَّة. وفی الختام أتمنَّى دوام علائق المودَّة الخالصة وقبول احترامی. رمضان سنة 1343هـ»([48]). تتجلَّى فی هذه الرسالة المبادئ الفکریَّة التی تقوم علیها فکرة الوحدة الإسلامیَّة، ومسألة السعی إلى إصلاح ذات البین داخلیًّا وخارجیًّا عند الإمام الخلیلی. فقد استهلَّ الرسالة بالتنبیه إلى أهمِّـیَّة التواصل بین قادة وزعماء الأمَّة الإسلامیَّة لِمَا فیه الصالح العامُّ، وأکَّد على ضرورة إبقاء الروابط الودِّیـَّة والأخویَّة موصولة بین الطرفین، ثمَّ عرج إلى لبِّ الموضوع الذی فوَّض المجاهد الکبیر البارونی للحدیث فیه، وهو استعلام الوضع من سلطان نجد، ومحاولة بذل النصیحة لإصلاح ذات البین بین المتقاتلین من بنی الإسلام، وعبارة الإمام الخلیلی کانت صادقة معبِّرة عندما قال: «أصرِّح لعظمتکم بأنَّنا فی کدر وأسف عظیمین من استمرار الحرب حول بیت الله الحرام بین إخوان مسلمین»، فإنَّ الشعور الدینیَّ بأهمِّـیَّة وحدة صفوف المسلمین والاتِّفاق على الائتلاف ونبذ الشقاق والخلاف، یُعَدُّ عند الإمام من أهمِّ الأولویَّات وأوکدها وأخطرها على استقرار الجماعات والأمم([49]). رسالة احتجاج الإمام الخلیلی على الحکومة البریطانیَّة إثر تهدید الوحدة الترابیَّة العُمانیَّة: استُعرض فیما سبق کیف أنَّ الوحدة الوطنیَّة واستقلال التراب العُمانیِّ کان من الأمور المبدئیَّة الأساسیَّة فی فکر الإمام، وکیف أنَّ هذا المبدأ وفَّق بین جهود الإمام والسلطان سعید بن تیمور للذود عن حرمة التراب الوطنی؛ فوطَّد العلاقة بینهما، والتفَّ الشعب العُمانیُّ حول قیادته السیاسیَّة والروحیَّة من أجل استقلال الوطن وحمایته. وفی هذا الصدد نوثِّق هنا موقف الإمام الخلیلیِّ من الموضوع، فحینما باءت جهود الوساطة التی باشرها الخلیلیُّ بإرسال المندوبین للتفاوض مع قیادة المملکة العربیَّة السعودیَّة، فإنَّه توجَّه للإدارة الاستعماریَّة البریطانیَّة مباشرة بخطاب حادِّ اللهجة، معبِّرًا عن استعداد الشعب العُمانیِّ للتضحیة من أجل الوطن ضدَّ أیِّ جهة داخلیَّة أو خارجیَّة تسوِّل لها نفسها أن تعبث بوحدة ترابه واستقلاله، إذ کانت الإدارة البریطانیَّة تقف وراء هذه الحرکات بما تشجِّعه من عوامل التفرقة والخلاف وزرع القلاقل، وتأیید أی حرکة انفصالیَّة تستهدف إضعاف العُمانیِّـین وتشتیت قواهم، من باب المقولة: «فرِّق تسُدْ»، ولکنَّ الإمام تنبَّه لهذه الحرکات، وحمَّل الحکومة البریطانیَّة مسؤولیَّة ما سیحصل إن لم تبادر إلى إیقاف أطماع الدولة المجاورة فی ثرى عُمان وثرواتها. وهذا نصُّ الرسالة کما نشره الشیخ أبو الیقظان الجزائریُّ فی صحیفة «وادی میزاب» موثَّقًا کاملاً: «نزوى، (عُمان): 24 ربیع الثانی 1347هـ [8/10/1928م]. جناب قنصل بریطانیا العظمى فی مسقط. أمَّا بعد، فقد تواترت الأخبار من المصادر الصادقة بأنَّ فی بعض الجهات بواسطة بعض الأشخاص مؤامرات ضدَّ سلامة استقلال بلادنا العُمانیَّة، وأن شیخ «بنی بوعلی» رفع رایة أجنبیَّة على منزله فی قریة «عایقا» التابعة لمرکز «صور» معلنًا انفصال قبیلة «بنی بوعلی» عن المملکة العُمانیَّة والتحاقها بأجنبیٍّ عنها؛ ولذلک رأینا ضرورة إعلام جنابکم باسم الأمَّة العُمانیَّة بأنَّ الأمَّة لا تعترف بأیِّ اتِّفاق خارجیٍّ یتعلَّق بالبلاد مع أیِّ شخص کان، ولا تقبل أیَّة مداخلة أجنبیَّة بأیَّة صورة کانت، وتُمزِّق بسیوفها أیَّة رایة مُحدثَة مهما کانت صفتها، ولو فی شبر من الأرض داخل حدود مملکتها العُمانیَّة من ظفار إلى قطر، ومن البحر إلى الربع الخالی، وإنَّها مستعدَّة لمحاربة کلَّ من یتوسَّل إلى ذلک بأیَّة وسیلة کانت، ما دامت فی أفراد رجالها ذرَّة من الحیاة؛ لأنَّها ترى مملکتها جسمًا واحدًا لا یقبل التجزئة بوجه من الوجوه. فنرجو تبلیغ هذا إلى حکومة جلالة ملک بریطانیا العظمى تلغرافیًّا لیکون فی علمها، خدمةً للسلم وحقنا للدماء. وفی الختام تقبَّلوا احترامنا وسلامنا. کتبه عن إذن إمام المسلمین المعظَّم عیسى بن صالح الحارثی»([50]). إنَّ أبرز ما نستخلصه من هذه الرسالة الموجَّهة إلى الحکومة البریطانیَّة أنَّ الإمام الخلیلیَّ کان لسانًا معبِّرًا عن شعبه، رافضًا أیَّ تدخُّل أجنبیٍّ فی شؤون وطنه عُمان، وأنَّ تشجیع فئات بعینها للانفصال عن الوطن الأمِّ وإبداء الولاء للأجنبیِّ أمر غیر مقبول إطلاقا فی عُرف الإمام، وأنَّ وحدة التراب الوطنیِّ یعدُّ أمرًا لا مزایدة ولا مساومة فیه، کلُّ التراب الوطنی: من ظفار إلى قطر، ومن الساحل إلى الربع الخالی... هذه فی رأینا أقوى رسالة وأوضح بیان لاستمساک الشعب العُمانیِّ الأصیل بوحدة ترابه الوطنیِّ، واستعداده للتضحیة من أجله بالنفس والنفیس؛ کما قال الإمام - رحمه الله -: «مادامت فی أفراد رجالها ذرَّة من الحیاة». فرغم ما یعرف به الإمام من التواضع والهدوء والاتِّزان والتعقُّل والصفح والحلم وکلِّ ما أثر عنه من الأخلاق السمحة الطیِّـبة، فإنَّه لَمَّا یصل الأمر إلى المساس بالوطن واستقلاله ینقلب أسدًا هصورًا، وقائدًا عسکریًّا محنَّکًا عظیمًا، لا یخاف فی الله لومة لائم، ولا یتوانى عن التضحیة وبذل النفس فی سبیل أمَّته ووطنه. خاتمة: بعد هذا التطواف فی فکر الإمام الخلیلیِّ الوحدویِّ، وبعد استعراض صور مشرقة من مواقفه الحریصة على الوحدة الوطنیَّة والإسلامیَّة من خلال صلاته برعیَّته وبأعلام عصره، فإنَّنا نخرج بنتائج نجملها فی النقاط العشر الآتیة: - تُعدُّ مسألةُ وَحدةِ الترابِ العُمانیِّ واللحمة الوطنیَّة مسألةً جوهریَّة فی فکر الإمامِ محمَّد بن عبد الله الخلیلی؛ هذه الوحدة التی لا تنفکُّ تنبع من تصوُّر شاملٍ لمسألة الوحدة الإسلامیَّة التی حثَّ علیها الإسلام. - تولَّى الإمام الخلیلیُّ إمامة عُمان فی ظرف اجتماعیٍّ واقتصادیٍّ عصیب، کانت فیه النزعة القبلیَّة متحکِّمة مسیطرة، وحالة ثقافیَّة متردِّیة بسبب الفتن وتأثیرات الحربین العالمیَّتین الأولى والثانیة، وتکالب دول الاستعمار على البلاد العربیَّة، ما أدَّى إلى انقسام عُمان قسمین، ولکنَّه استطاع بإیمانه وعدله وحنکته أن یقضی على الفتن وینشر السلم والاستقرار ولو بشکل نسبیٍّ. - الفکر الوحدویُّ عند الإمام لم یکن ولید نظرةٍ آنیة محلِّیة ضیِّقة الأفق، ولا کان طفرة فی التاریخ العُمانیِّ، بل کان وراءها عقیدةٌ إیمانیَّةٌ راسخةٌ، وتصوُّرٌ شمولیٌّ لمسألة وحدةِ المسلمین، مصدرها القرآن والسنَّة وسیرة السلف الصالح من أئمَّة الإباضیَّة وعلمائهم. - على الرغم من الملابسات والنوایا التی تمَّ بمقتضاها توقیع معاهدة السیب بتاریخ 25 سبتمبر 1920م بین السلطان تیمور بن فیصل والإمام الخلیلی، فإنَّنا لا نستطیع إنکار تأثیرها الإیجابیِّ فی توطید علاقة السلطنة بالإمامة، ونشر السلم والاستقرار، وإطفاء نار الفتن والصراعات، ما أعطى فرصة للطرفین لبعث الحیاة الاقتصادیَّة والعلمیَّة، وتحسین الحیاة الاجتماعیَّة للعُمانیِّـین. - کان الإمامُ حریصًا على وحدةِ الصفِّ، وجمع الکلمةِ، ورأب الصدع، ونبذ الاختلاف الطائفیِّ والنزاع القبلیِّ، فاهتمَّ بإصلاح ذات البینِ، وجنح إلى السَّلم والصلح والإصلاح فی معاهدة السیب. - کان الإمامُ الخلیلیُّ حریصًا على تماسُک الشعبِ العُمانیِّ وتلاحُم أفرادِه بشتى طوائفه ومذاهبه، شعوریًّا وفکریًّا وجغرافیًّا أمام أطماع بعض دول الجوار، أو التهدیدات الاستعماریَّة الأجنبیَّة، وکان الإمام فی تمام الوفاق والتعاون مع سلطان مسقط -الشعب العُمانی من خلفهما - فی مسألة الدفاع عن سلامة التراب الوطنیِّ واستقلاله. - کان الإمام الخلیلیُّ حریصًا على التواصل مع عمَّال إمامته ومشایخ القبائل وأعیانهم. والرسائلُ الکثیرة جدًّا والشهادات الحیَّة المتضافرة تؤکِّد أنَّه کان یتابع الأوضاع عن کثب، ویسهر على انتظام حیاة الرعیَّة بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر. - یسجِّل التاریخ عنایة الإمام الخلیلی بمسألة السلام والأمن والاستقرار العالمیِّ، فکان یراسل الملوک والحکَّام، ویحاول إیجاد الحلول للفتن والصراعات الناشبة فی دول الجوار بالخصوص، وکان یستحسن مبادرات سلطان مسقط التی تصب فی هذا السبیل النبیل. - کان - رحمه الله - مهتمًّا بأحوال المسلمین فی بلاد المغرب الإسلامیِّ، مُتـتبِّعًا لشؤونهم، ومُجیبًا عن أسئلتهم ورسائلهم، حریصًا على وحدة صفِّهم واجتماعِ کلمتِهم، وکلِّ ما فیه صلاحُ دنیاهم وآخرتهم. 0- أخیرا، فإنَّ الإمام الخلیلیَّ الذی تُؤْثَر عنه قصص فی التواضع والتعقُّل والصفح والحلم... یتحوَّل شخصًا آخر لَمَّا یصل الأمر إلى المساس بالوطن واستقلاله، وینقلب أسدًا هصورًا، وقائدًا عسکریًّا محنَّکًا لا یتوانى عن التضحیة فی سبیل وطنه، وبذل نفسه فی سبیل أمته. ([1]) هو موضوع دراستنا للدکتوراه والذی یحمل عنوان: «التواصل الفکریُّ والثقافیُّ بین الجزائر وعُمان، من خلال المنجز الأدبیِّ المشترک من سنة 1910م إلى سنة 2010م». ([2]) مجلَّد مخطوط بید یحیى بن ناصر بن حمید بن سعید الراشدی: «رسائل الإمام الخلیلی» وبعض أحکام الإمام والمراسلات من أشیاخ عُمان. حرِّر سنة 1406هـ. (نسخة مصوَّرة من المخطوطة). ([3]) عبد الله، محمَّد مرسی: إمارات الساحل وعُمان والدولة السعودیَّة، 1793-1818، نشر المکتب المصری الحدیث، القاهرة، مصر، د. ط، 1978م، ص51. ([4]) ینظر مصطلحا الهناوَّیة والغافریَّة: مجموعة من الباحثین: معجم مصطلحات الإباضیَّة، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الدینیَّة، مسقط، سلطنة عُمان، ط1، 1429هـ/ 2008م، ج2، مصطلح: الهناویَّة، ص: 1043، ومصطلح الغافریَّة، ص: 772. ([5]) «Wingate» القنصل السیاسی البریطانی الذی وصل مسقط سنة 1919 خلفا لهیوارث. ([6]) غباش، حسین عبید غانم: عُمان الدیمقراطیَّة الإسلامیَّة، تقالید الإمامة والتاریخ السیاسی الحدیث 1500-1970»، نشر دار الفارابی، بیروت، لبنان، ط1، 2006، ص293. ([7]) الشکیلی، إبراهیم بن محمَّد بن حامد: مدرسة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی وأثرها فی نشر العلم، د. ن، د. م. ن، ط1، 1434هـ/ 2013م، ص26. ([8]) تنظر صورة للنسخة الأصلیَّة من معاهدة السیب أو اتِّفاقیة السیب فی ملحق الوثائق فی آخر البحث. ([9]) ینظر: التسخیری، محمَّد علی: حول الوحدة والتقریب، المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الإسلامیَّة، إدارة النشر والمطبوعات، طهران، إیران، ط1، 1423هـ/ 2003م، ص: 17. ([10]) المرجع نفسه، ص: 18. ([11]) رواه أحمد فی مسند الکوفیِّین، عن النعمان بن بشیر، رقم: 18472، ج4، ص278. وینظر: اطفیَّش، امحمَّد بن یوسف: جامع الشمل فی أحادیث خاتم الرسل، مکتبة الاستقامة، روی، د. ت. ن، ج1، ص: 131. ([12]) رواه الترمذیُّ فی کتاب الفتن، باب لزوم الجماعة، عن ابن عبَّاس، رقم: 2166. وقال: «حدیث حسن غریب لا نعرفه من حدیث ابن عبَّاس إلاَّ من هذا الوجه». ([13]) رواه مسلم فی کتاب الأقضیة، بَاب النَّهْیِ عَنْ کَثْرَةِ الْمَسَائِلِ مِنْ غَیْرِ حَاجَةٍ، عن أبی هریرة، رقم: 4578، دار الجیل، ودار الآفاق الجدیدة، بیروت، ج5، ص130. ([14]) الخلیلی، أحمد بن حمد بن سلیمان: الحقُّ الدامغ، د. ن، د. ط، مسقط، سلطنة عُمان، 1409هـ، ص: 7. ([15]) السعدی، فهد بن علی بن هاشل: لقاءات سماحة الشیخ أحمد بن حمد الخلیلی المفتی العام لسلطنة عُمان – الفکر والدعوة، نشر مکتبة الأنفال، مسقط، سلطنة عُمان، د. ط، د. ت. ن، ص: 241، 242. ([16]) غباش: عُمان الدیمقراطیة الإسلامیَّة، ص292. ([17]) الحسینی، فاضل محمَّد: «الدور البریطانی فی عقد اتِّفاقیة السیب عام 1920 بین سلطان مسقط وإمام داخلیَّة عُمان»، حولیَّة کلِّـیَّة الإنسانیَّات والعلوم الاجتماعیَّة، جامعة قطر، ع. 19، 1417هـ/ 1996م، ص177. ([18]) العبری: الإمام الرضی محمَّد بن عبد الله الخلیلی، ص72. ([19]) Aitchishon, C. U. A Collection of treaties, Engagement and Sands Relating to India and Neighboring Countries, Vol. XI, Delhi, P: 319. ([20]) ینبغی التنبُّه إلى عدم دقَّة التشبیه والفارق فیه، وهو أنَّ صلح الحدیبیة کان بین فئة مسلمة وفئة مشرکة، بینما معاهدة السیب کانت بین مسلمین یمثِّلون شعبًا واحدًا وفی بلد واحد. فلیُـنتبه. ([21]) Wingate (R), Not In The Limelight, London, Hutchinson and Co, Ltd, 1959, p. 90. ([22]) السالمی، محمَّد (الشیبة): نهضة الأعیان بحرِّیـَّة عُمان، ص: 431. ([23]) یرى الرحَّالة البریطانی ویلفرد تسینجر المعروف بـ (مبارک بن لندن) أنَّ السبب وراء رفض الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی السماح له بأن یستکشف عُمان الداخل عام 1950م کان یکمن فی «أنَّهم إذا ما أذنوا لی فی التجوال هناک أینما شئت فإنَّ ذلک یعنی أنَّ مسیحیِّـین آخرین سیقتفون أثری، فیأتون باحثین عن النفط، ساعین به إلى بسط نفوذهم على أراضیهم». هذا السبب الجوهریُّ الذی أدرکه تیسنجر إنَّما یدلُّ على أنَّ الإمام کان یدرک تماما هَوَس الأوربیِّـین فی البحث عن مکامن النفط فی منطقة الخلیج التی ساهمت بشکل کبیر إلى نشوء الأطماع الاستعماریَّة فی المنطقة، ونشوب بعض الحروب التی وثَّقها التاریخ بسبب النفط. ینظر: تسینجر، ولفرید: فوق الرمال العربیَّة، عرَّبه بتصرُّف: محمَّد محمَّد عبد القادر، ضمن سلسلة کتب ثقافیَّة (مختارات الإذاعة والتلفزیون)، المؤسَّسة المصریَّة العامَّة للأنباء والنشر والتوزیع والطباعة، الدار القومیَّة للطباعة والنشر، مصر. (د. ت)، (د. ط). وینظر: الحجری، هلال: عُمان فی عیون الرحَّالة البریطانیِّـین، قراءة جدیدة للاستشراق، تر. خالد البلوشی، نشر النادی الثقافی، مسقط، عُمان، ومؤسَّسة الانتشار العربی، بیروت، لبنان، ط1، 2013م، ص387. ([24]) غباش، حسین عبید غانم: عُمان الدیمقراطیة الإسلامیَّة، ص327. ([25]) ناصر، محمَّد صالح: الشیخ أبو إسحاق إبراهیم اطفیَّش فی جهاده الإسلامی، کولوریوم للنشر والتوزیع، وزارة الثقافة، الجزائر، ط2، 2013، ص: 106 وما بعدها. ([26]) اللمکی، سیف بن سالم بن سیف: «مخطوط فی سیرة الإمام الرضیِّ محمَّد بن عبد الله الخلیلی»، بحوزة أحفاد المؤلِّف، ورقة 2. ([27]) المسکری، هاشل بن راشد: «عُمان تسبح فی وهم (1)»، جریدة الفلق، زنجبار، ع. 552، بتاریخ 11جمادى الثانیة 1358هـ/ 29 یونیو 1939م. والجزء الثانی صدر فی الصحیفة ذاتها، ع. 553، بتاریخ 18جمادى الثانیة 1358هـ/ 05 أغسطس 1939م. ([28]) ینظر: الخلیلی، سعود بن علی: کلمة، صفحات من التاریخ العُمانی، د. ن، مسقط، سلطنة عُمان 2015. ([29]) ینظر: السالمی، محمَّد (الشیبة): نهضة الأعیان بحرِّیـَّة عُمان، ص: 289. ([30]) هذا هو الشطر الثانی لبیت من القصیدة الشهیرة (بلامیة ابن المقری) فی الحکمة، ومطلعها: «زیادة القول تحکی النقص فی العملِ» والبیت هو: «عقلُ الفتى لیس یُغنی عن مُشـاورةٍ کعفَّةِ الخود لا تُغـنی عن الرَّجـلِ». ([31]) مجلَّد مخطوط بید یحیى بن ناصر بن حمید بن سعید الراشدی: «رسائل الإمام الخلیلی» وبعض أحکام الإمام والمراسلات من أشیاخ عُمان. حرِّر سنة 1406هـ. (نسخة مصوَّرة من المخطوطة)، ص2. ([32]) العبری: الإمام الرضی محمَّد بن عبد الله الخلیلی، ص361 - 362. ([33]) یُنظر صورة رسالة القطب امحمَّد بن یوسف اطفیَّش لمحمَّد بن عبد الله الخلیلی فی ملحق الوثائق فی آخر البحث. ([34]) یعود تاریخ الرسالة إلى: 04 شوَّال 1327هـ / 19 أکتوبر 1909م، أی قبل خمس سنوات من وفاة القطب اطفیَّش، وکان عمر الخلیلی آنذاک 27 سنة. ([35]) ورد البیت فی النص مفتتحا بـ «قد یترک...» والأصل: «کذا یترک...»، ولم نقف على صاحب البیت، فالبعض ینسبه إلى أبی حیَّان التوحیدی، والآخر إلى الشاعر محمَّد الأمین بن سید إب الکُـنتی. فلیتأمل. ([36]) مؤسَّسة الشیخ عمِّی سعید: «جوابات الإمام القطب - القسم الأوَّل: الأجوبة العلمیَّة» نسخة أولیَّة، مرقون غیر منشور، 1434هـ/ 2013م، ص: 622-630. وتمَّ العثور على ستِّ رسائل من القطب اطفیَّش إلى الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی أجوبة منه على مسائل علمیَّة کانت بینهما. ([37]) ینظر: صورة من صفحة مخطوطة لنموذج من جوابات القطب اطفیَّش للخلیلی فی ملحق الوثائق آخر البحث. ([38]) نقصد مسألة الصوم والإفطار بالتلفون، ولیس هذا مجال تفصیل الحدیث فیها، فقد دُبِّجت فیها فصول ومقالات کثیرة. ([39]) رسالة مخطوطة عند الباحث الشیخ الحاج أحمد کروم المزابی الجزائری، نسخة منها مؤرَّخة فی 19 ربیع الثانی 1355هـ. ([40]) معجم أعلام الإباضیَّة، ج3، ص652، رقم 673. ([41]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص245، 246. السالمی: نهضة الأعیان، ص: 505، 506. ([42]) نسخة مصورة من المخطوطة بحوزتنا، بخط سیف بن سعید بن محمَّد المعولی، منقول من خط سفیان بن محمَّد بن عبد الله الراشدی. ([43]) اطَّلعنا على نسخة مخطوطة من الرسالة بمکتبة الشیخ حمد بن سیف بن عبد العزیز الرواحی. ([44]) رشید رضا، محمَّد: الوحی المحمَّدی، دار الکتاب الإسلامی، بیروت، د. ط، 1985م، ص361-362. ([45]) الخلیلی، محمَّد بن عبد الله: الفتح الجلیل من أجوبة الإمام أبی خلیل، المطبعة العمومیَّة بدمشق، د. ن، 1358هـ/1965م، ص39-40. ([46]) الربیع بن حبیب: الجامع الصحیح، باب جامع الآداب، رقم الحدیث: 696، د. ت. ن، ص178. ([47]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص44-45. ([48]) نقلا عن السیفی، محمَّد بن عبد الله بن سعید بن ناصر: النمیر، روایات وحکایات، مکتبة الأنفال، سلطنة عُمان، د. ط، د. ت. ن، ج3، ص177. ([49]) نشیر إلى أنَّ الإمام قد حمَّل البارونیَّ رسالة أخرى فی الموضوع نفسه إلى الملک الشریف علی بن الحسین، یمکن الاطِّلاع علیها عند: اطفیَّش، أبو إسحاق إبراهیم: «مجلَّة المنهاج»، السنة الأولى، الجزء 3 و4، مقال صادر فی شهر ربیع الأوَّل 1344هـ، ص169- 172. ([50]) نسخة مصورة من الوثیقة بحوزتنا، أبو الیقظان، إبراهیم بن عیسى: «احتجاج إمام عُمان»، جریدة «وادی میزاب»، العدد 112، صادر بتاریخ: 14/11/1928م. المخطوطات والوثائق: الخلیلی، محمَّد بن عبد الله: «رسائل الإمام الخلیلی» وبعض أحکام الإمام والمراسلات من أشیاخ عُمان. مجلَّد مخطوط بید یحیى بن ناصر بن حمید بن سعید الراشدی، حرِّر سنة 1406هـ. (نسخة مصوَّرة من المخطوطة). صورة رسالة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی إلى أهل میزاب، بخطِّ سیف بن سعید بن محمَّد المعولی، منقول من خطِّ سفیان بن محمَّد بن عبد الله الراشدی. صورة رسالة القطب اطفیَّش جوابا عن أسئلة محمَّد بن عبد الله الخلیلی. صورة رسالة القطب امحمَّد بن یوسف اطفیَّش لمحمَّد بن عبد الله الخلیلی لطلب الاعتراف بدرجة الاجتهاد المطلق. صورة للنسخة الأصلیَّة من معاهدة السیب أو اتِّفاقیَّة السیب. اللمکی، سیف بن سالم بن سیف: مخطوط فی سیرة الإمام الرضیِّ محمَّد بن عبد الله الخلیلی، بحوزة أحفاد المؤلِّف. الکتب المطبوعة: اطفیَّش، امحمَّد بن یوسف: جامع الشمل فی أحادیث خاتم الرسل، مکتبة الاستقامة، روی، د. ت. ن، التسخیری، محمَّد علی: حول الوحدة والتقریب، المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الإسلامیَّة، إدارة النشر والمطبوعات، طهران، إیران، ط1، 1423هـ/ 2003م. الخلیلی، أحمد بن حمد بن سلیمان، الحقُّ الدامغ، د. ن، د. ط، مسقط، سلطنة عُمان، 1409هـ. الخلیلی، سعود بن علی: کلمة، صفحات من التاریخ العُمانی، د. ن، مسقط، سلطنة عُمان، 2015م. الخلیلی، محمَّد بن عبد الله: الفتح الجلیل من أجوبة الإمام أبی خلیل، طبع بإشراف عزّ الدین التـنوخی، المطبعة العمومیَّة بدمشق، 1358هـ/1965م. الربیع بن حبیب: الجامع الصحیح، مسقط، سلطنة عُمان، د. ت. رشید رضا، محمَّد: الوحی المحمَّدی، دار الکتاب الإسلامیِّ، بیروت، د. ط، 1985م. السالمی، أبو بشیر محمَّد الشیبة بن عبد الله بن حمید: نهضة الأعیان بحرِّیـَّة عُمان، دار الکتاب العربی، القاهرة، 1960م. السرحنی، إبراهیم بن سعید: قلائد المرجان فی ذکر السیرة العطرة لأئمَّة عُمان، نشر وزارة التراث القومی والثقافة، مسقط، سلطنة عُمان، 1991م. السعدی، فهد بن علی بن هاشل: لقاءات سماحة الشیخ أحمد بن حمد الخلیلی المفتی العامُّ لسلطنة عُمان – الفکر والدعوة، مکتبة الأنفال، مسقط، سلطنة عُمان، د. ط، د. ت. السیابی، سالم بن حمود بن شامس: عُمان عبر التاریخ، وزارة التراث القومی والثقافة، سلطنة عُمان، ط2، 1407هـ/ 1986م. السیفی، محمَّد بن عبد الله بن سعید بن ناصر: النمیر، روایات وحکایات، مکتبة الأنفال، سلطنة عُمان، د. ط، د. ت، ج3. الشکیلی، إبراهیم بن محمَّد بن حامد: مدرسة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی وأثرها فی نشر العلم، ط1، د. ن، د. م. ن، 1434هـ/ 2013م. عبد الله، محمَّد مرسی: إمارات الساحل وعُمان والدولة السعودیَّة، 1793-1818م، المکتب المصری الحدیث، القاهرة، مصر، د. ط، 1978م. العبری، عبد الله بن مبارک بن سیف: الإمام الرضیُّ محمَّد بن عبد الله الخلیلی وفقهه، سلسلة تراث الإمام الخلیلی (1)، مکتبة الضامری للنشر والتوزیع، السیب، سلطنة عُمان، ط1، 1437هـ/ 2016. غباش، حسین عبید غانم: عُمان الدیموقراطیَّة الإسلامیَّة، تقالید الإمامة والتاریخ السیاسی الحدیث 1500-1970، دار الفارابی، بیروت، لبنان، ط1، 2006م. مؤسَّسة الشیخ عمِّی سعید: جوابات الإمام القطب – القسم الأوَّل: الأجوبة العلمیَّة، نسخة أوَّلیَّة، مرقون غیر منشور، 1434هـ/ 2013م. ناصر، محمَّد صالح: الشیخ أبو إسحاق إبراهیم اطفیَّش فی جهاده الإسلامی، کولوریوم للنشر والتوزیع، وزارة الثقافة، الجزائر، ط2، 2013. ناصر، محمَّد بن صالح والشیبانی، سلطان بن مبارک: معجم أعلام الإباضیَّة من القرن الأوَّل الهجری إلى العصر الحاضر؛ قسم المشرق، دار الغرب الإسلامیِّ، بیروت، لبنان، ط1، 1427هـ/2006م. المقالات والبحوث والدوریات: أبو الیقظان، إبراهیم بن عیسى: «احتجاج إمام عُمان»، جریدة «وادی میزاب»، ع: 112، صادر بتاریخ: 14/11/1928م. اطفیَّش، إبراهیم أبو إسحاق: «مجلَّة المنهاج»، السنة الأولى، الجزء 3 و4، مقال صادر فی شهر ربیع الأوَّل 1344هـ. الحسینی، فاضل محمَّد: «الدور البریطانی فی عقد اتِّفاقیَّة السیب عام 1920 بین سلطان مسقط وإمام داخلیَّة عُمان»، حولیَّة کلِّـیَّة الإنسانیَّات والعلوم الاجتماعیَّة، جامعة قطر، ع: 19، 1417هـ/ 1996م، ص 177. المسکری، هاشل بن راشد: «عُمان تسبح فی وهم (1)»، جریدة الفلق، زنجبار، ع: 552، بتاریخ 11جمادى الثانیة 1358هـ/ 29 یولیو 1939م. والجزء الثانی صدر فی ذات الصحیفة ع: 553، بتاریخ 18جمادى الثانیة، 1358هـ/ 05 أغسطس 1939م. الکتب والدراسات الأجنبیة: Aitchishon, C. U. A Collection of treaties, Engagement and Sands Relating to India and Neighboring Countries, Vol. XI, Delhi. (R), Not In The Limelight, London, Hutchinson and Co, Ltd, 1959