انتخاب محمَّد بن عبد الله الخلیلي إماما، قراءة تحلیلیَّة
الباحث المراسل | فوزي بن یونس بن حدید | إمام وخطيب |
کانت عُمان قبل تعیین الإمام سالم بن راشد الخروصی تعیش اضطرابات سیاسیَّة کبیرة. إذ قامت حروب أهلیة بعد انهیار دولة الیعاربة إن صح التعبیر قوامها طرفان عصیّان على الإمامة، هما الغافریَّة والهناویَّة. وبقیت عُمان تعانی صراعات قبلیة ممیتة مات فی هذه الحروب خیرة العلماء، وحدثت ما یشبه الفتنة التی کادت تفتک بعُمان بأسرها. صراعات على السلطة وحروب دامیة هنا وهناک، کل ذلک کان کافیا بأن یجعل الغازی الخارجی یطمع فی السیطرة على منجزات البلاد بعد المکاسب العظیمة التی حققها أبناؤها.
غیر أن الموازین لم تکن فی صالح التَّدخُّل الأجنبی، فقد تنبّه على ذلک الإمام السالمی t واستجمع قواه وشاور من کان له نفوذ وقوة فی قبائلهم لیعلن عودة الإمامة من جدید عبر المسالک المعروفة عند الإباضیَّة، وبعد تشاور ارتضوا تعیین سالم بن راشد الخروصی t إماما للمسلمین فسار فی المسلمین سیرة حسنة، وبسط الأمن والأمان فی ربوع عُمان ماعدا الساحل الذی کان یسیطر علیه السلطان، ولکن ید الغدر کانت تترصده رغم عدله، ولم ینج الإمام سالم من الاغتیال على ید أحد الرعاع.
ولما فرغ منصب الإمامة باغتیال الإمام سالم بن راشد الخروصی t، اجتمع أهل الحل والعقد من العلماء الأخیار لاختیار إمام، کان الاجتماع أشبه باجتماع سقیفة بنی ساعدة، اتبعوا نهج الاختیار والتکلیف من فئة مهمة من المجتمع وهم أخیارهم وأعلمهم وأفقههم بالحیاة. ونظرا لما یتمتع به محمَّد بن عبد الله الخلیلی من صفات خَلقیة وخُلقیة فائقة تؤهله لأن یکون فی هذا المنصب باقتدار، اختارته الصفوة من العلماء عملا بالمهمة الصعبة الملقاة على عاتقهم وتحملوها دنیا وأخرى. وفی هذا الصدد یقول یوسف الخمیسی: «ولما کادت أن تتحطم - یقصد بیضة الإسلام- أرسل الله لها (محمَّد الخلیلی) فمسح عنها ظلمات البحر ومهّد لها طریق العلم، وحطّم بإرادته صخور الجهل والأمیة، ومضت تجوب البحار والمحیطات ترفعها موجة وتخفضها موجة أخرى»([1]).
هذا البحث عبارة عن قراءة تحلیلیة لانتخاب محمَّد بن عبد الله الخلیلی t، والظروف الاستثنائیة المحیطة فی ذلک الوقت. والطریقة التی اتبعها العُمانیُّون فی انتخابه، متبعا أسلوب التحلیل والمناقشة، مبینا التحوّل الدیمقراطی الجوهری (الدراماتیکی) فی الحیاة السِّیاسیَّة فی عُمان فی القرن العشرین ومقارنا ذلک بالحکم السیاسی المعاصر. وقد قسمت البحث إلى مبحثین وهما: الوضع السیاسی فی عُمان مطلع القرن العشرین، وترشیح محمَّد بن عبد الله الخلیلی للإمامة، وذکرت طرق العملیَّة الشوریة التی تمت فی ذلک الوقت من اجتماع خیرة علماء عُمان وتهیئة الوضع لانتخاب إمام جدید، وتعیین محمَّد بن عبد الله الخلیلی إماما.
ولا شک أن هذا النوع من البحث یعتمد على الحدس باعتباره قد سلک مسلک التحلیل والمقارنة، وهذه صعوبة فی حدّ ذاتها؛ لأنَّها تعتمد فی الأساس على المناقشة رغم توافر المصادر والمراجع التی تحدثت عن هذه الشخصیَّة العظیمة. ولا یفوتنی أن أشکر الدکتور الشیخ أحمد بن مهنی مصلح على ملاحظاته وتشجیعه.
الوضع السیاسی فی عُمان مطلع القرن العشرین:
بعد اغتیال الإمام عزان بن قیس وتحدیدا سنة 1871م، انهار نظام الإمامة فی عُمان بعد أن شهدت الفترات الماضیة ولادة هذا النظام منذ القرن الثانی للهجرة النبویة الشریفة. حیث واجه صعوبات جمة محورها اختیار الإمام الذی سیحکم المسلمین. وقد تفرّد الإباضیَّة بالالتزام بنظام الخلافة الراشدة. یُختار الإمام عن طریق الانتخاب من أهل الدین والصلاح أو ما یسمى بأهل الحل والعقد الذین یحرصون على أن یکون الإمام من أتقى أهل زمانه، ومن أعلمهم([2]) وله مؤهلات عسکریة جیدة تؤهله للدفاع عن حرم الدولة، وفی هذا الشأن قال أبو الیقظان إبراهیم عن صفات الإمام: «من شروط الإمامة عند الإباضیَّة أن یتحلى الإمام المنتخب بصفات الکمال من الإسلام، والحریة، والعقل، والعلم، والشجاعة، والتقوى، ولا یشترطون العصمة إذ لا معصوم غیر الأنبیاء والملائکة عندهم»([3]).
ومن خلال هذا النظام استطاع الإباضیَّة فی المشرق والمغرب أن یتمیزوا سیاسیا، إذ أنشؤوا مرجعیة سیاسیَّة تعتمد على أربعة مسالک وهی: الدفاع، الظهور، الشراء، الکتمان([4]). وفی کل مرحلة من هذه المراحل شروط ومقومات تحفظ کیان الدولة من الانهیار. وعلى مدى التاریخ الإباضی ومنذ نشأته فی القرن الأول الهجری استطاع الإباضیَّة أن یکرسوا هذه المفاهیم الأربعة حسب الوضع السیاسی القائم وأن یتکیفوا مع الواقع. وإن وقعت بعض الصدامات العنیفة إلاَّ أنَّه فی الجانب الآخر کان هناک من یمارس مسلکا آخر، حتَّى کتب التاریخ أنَّهم أصحاب مبادئ سیاسیَّة رفیعة المستوى یمکن أن تکون منهاجا فی التعامل الدبلوماسی مع الدول الأخرى.
ومع النصف الثانی من القرن التاسع عشر میلادی وبدایة القرن العشرین شهدت عُمان تدهورا واضطرابا سیاسیا کبیرا. فبعد أن فرغ منصب الإمامة باستشهاد الإمام عزان بن قیس، لم یتوافق العُمانیُّون على من سیخلفه. وإنَّما کبرت الخلافات وازدادت النزاعات بین القبائل الیمنیة والقبائل النزاریة، ممَّا أحدث شرخا سیاسیا کبیرا وحربا أهلیة استمرت سنوات عدیدة، قتل فیها الکثیر من أخیار عُمان. وازدادت النعرات الطائفیة والقبلیة حدة ممَّا أرهق البلاد وجعلها تعیش حالة من الفوضى نتیجة الحرب الأهلیة التی استنزفت الدولة وأنهکتها اقتصادیا وفکریا.
کما ضعف التبادل التجاری بین المناطق الدَّاخلیَّة والموانئ الساحلیة نتیجة ارتفاع الأسعار ونقص النقود وغیرها من الأسباب الأخرى؛ ممَّا جعل عُمان تعیش نزاعا سیاسیا مریرا، أفقدها توازنها وأجبر علماءها المخلصین على أن یجلسوا مرة أخرى لتدارس الأمر والخروج من هذه الأزمة الخانقة التی تعیشها البلاد على کافة المستویات([5]).
هذا الوضع ساهم إلى حد کبیر فی هجرة العُمانیِّـین إلى الخارج للبحث عن لقمة العیش وعن مکان آمن لهم ولأسرهم بعد التوتر الأمنی الشدید الذی ساد البلاد، وانعدام الأمن، وکثرة قطاع الطرق؛ ممَّا أوجد حالة من الاحتقان ممَّا یجری داخل الساحة العُمانیَّة. وکان العُمانیُّون قد رأوا فی القارة الإفریقیة ملاذا آمنا للعیش فی جنباتها فاتخذوا من زنجبار مکان إقامة، وبرع کثیرون فی التجارة وتحسنت أحوالهم وتغیرت لدیهم مفاهیم الاستقرار. بل إن بعضهم هاجر إلى دول الجوار، وعمل فیها سنوات طوالا للسبب نفسه([6]). وفی هذا الشأن یقول حمد النعمانی: «أدت حالة الفقر المدقع بالداخل إلى هجرة الکثیر من العُمانیِّـین من شعب الإمامة للخارج بعد أن شکلت مناطق الإمامة بیئات طاردة فاتجهوا إلى شرق إفریقیا ودول الخلیج؛ کسبا للرزق، وبحثا عن مستقبل واعد هناک، فالتحق الشباب بالمدارس النظامیة وتعلموا العلوم الحدیثة»([7]).
وظلت الأمور على حالها بین شد وجذب، إلى أن قیّض الله سبحانه وتعالى لعُمان رجلا له من الحکمة والحنکة والبصیرة ما حوّل البلاد من حال إلى حال. هذا الرجل الشهم الصادق هو الإمام نور الدین السالمی - رحمه الله تعالى - فقد کان حریصا على وحدة المسلمین على کلمة سواء، فاجتهد - وهو المتصف بالورع والتقوى والعلم والحزم والحسم- لکی یعید الإمامة إلى مجدها الأول. وکانت نفسه تخایله وتتوق إلى إصلاح الوضع فی البلاد الذی بات لا یحتمل التردد أو الانتظار. بل جاهد بنفسه لتغییر الحال والخروج من الأزمة بسلام. وبعد أن لبس جُبّة العلم، وترأس الفتوى، وتحلّق حوله الناس ازدادت ثقته بالله، وتوکل علیه وآل على نفسه «أن یقیم أود الدین ویقوّم اعوجاجه. التقى بشیوخ عصره وکاتبهم بأن یعلنوا إمامة الظهور بعُمان. فتلقى استحسان بعضهم، واعتذر بعضهم الآخر، ولکن وعدوه خیرا. فقام بزیارة من بلده القابل بعد استقراره بها إلى تنوف، إذ التقى بالشیخ حمیر بن ناصر النبهانی شیخ مشایخ بنی ریام، وأبدى له رغبته فی إعادة نظام الإمامة إلى عُمان»([8]).
وفی هذه اللحظة التاریخیة المفصلیة من تاریخ عُمان الحدیث استطاع الإمام نور الدین السالمی - رحمه الله -، وبفضل الثقة التی اکتسبها من الجمیع سواء من الغافریَّة أو الهناویَّة ومن زعیمی الطائفتین – آنذاک - وهما الشیخ العلاَّمة عیسى بن صالح الحارثی - أمیر الشرقیَّة ومعه زعماء قبائل وبطون کثیرة وهو من عائلة عریقة فی الرئاسة والعلم ویمثل الطائفة الهناویَّة- والزعیم حمیر بن ناصر النبهانی شیخ مشایخ بنی ریام من سلالة بنی نبهان ملوک عُمان فی الأزمنة السابقة ومعه شیوخ وزعماء قبائل کثیرة أیضا([9])- أن یوحد الصف ویلمّ الشعث.
توافق الزعیمان وأبدیا رغبتهما واستعدادهما للقیام بأعباء التجهیز لقیام الإمامة من جدید. وکان الشیخ السالمی t تساوره نفسه عن الإمام الذی سیکون رجل المرحلة المقبلة، فرأى فی زوج ابنته الإمام سالم بن راشد الخروصی - رحمه الله - الرجل الأکفأ لهذا المنصب الخطیر والحساس فی الوقت نفسه، فأسرّ ذلک فی نفسه ولم یبده لأحد حتَّى استقامت الأمور وتوافق زعماء القبائل على رغبة الإمام السالمی وخطته فی إنقاذ البلاد من أتون حرب أهلیة. ولما شعر الإمام السالمی بالأمان أعلن أمام هیئة العلماء أنَّه عیّن سالم بن راشد الخروصی إماما على المسلمین. وبموجب هذا التکلیف لا یحق لسالم بن راشد الخروصی أن یرفض؛ لأنَّه أمر صدر من أعلى هیئة فی البلاد.
ورغم ما روی عن الإمام سالم بن راشد الخروصی من أنَّه رفض العرض فی البدایة رفضا قاطعا، إلاَّ أن تهدید الإمام السالمی له إن لم یقبل العرض کان سببا کافیا لأن یتراجع الإمام سالم بن راشد الخروصی عن قوله ویبدی استعدادا لتحمل المسؤولیة والنهوض بالدولة وتوحید الصفوف. وهی لا شک مسؤولیة صعبة تکاد تکون محالا قبل أن یمهّد الشیخ السالمی الطریق لها. ولکن رغم ذلک کانت الصعوبات على أشدها، حیث ورد أن الإمام السالمی - رحمه الله - «أمر تلمیذه الشیخ أبا زید الریامی بسلِّ السیف والوقوف عند رأس سالم لقتله إذا رفض الإمامة؛ لأنَّه رأى فی ذلک تشتیتا لرأی الأمَّة وإضعاف قوتها، فقبل الإمام سالم بن راشد الخروصی العرض مرغما والدموع تسیل من عینیه لعظم تحمّل هذه المسؤولیة وتم الاتفاق والبیعة فی تنوف عام 1913م»([10]).
اغتیال الإمام سالم بن راشد الخروصی رحمه الله:
بعد مبایعة سالم بن راشد الخروصی إماما على المسلمین، استبشر الناس خیرا بعودة الإمامة إلى مجدها الأول. لا سیما أن الإمام المنتخب کان من خیرة شباب عُمان فی عصره وأشدهم تمسکا وغیرة على الدین وأکثرهم جرأة على قول الحق([11]). یملک مواصفات القائد السِّیاسیَّة والخبرة المعرفیة والأسالیب الدفاعیة، حیث تربى فی حجر والده الزاهد، ثمَّ عاش فی کنف العلم والمعرفة، ولازم شیخه الإمام نور الدین السالمی رضی الله تعالى عنه ولم یفارقه إلاَّ وقت زیارته لأبویه وأقاربه([12]). هذه السیرة النقیة أسهمت إلى حد کبیر فی اختیاره إماما على المسلمین وهو الرجل الذی یغضب عندما تُنتهک حرمات الله ویسعى إلى الخیر ویسارع إلیه. وهو الرجل الذی أحبه الناس فانقادوا لأوامره؛ لما رأوا فیه من صدق وإخلاص، وجرأة وحسن سیرة، وتمیّز فی القیادة والریادة رغم أنَّه لم یتعلم ذلک فی کبریات الجامعات والکلیات([13]).
واستطاع – بفضل الله - أن یوجد مجتمعا متماسکا، فحاول أن یستمیل القبائل الکبرى فی عُمان إلى صفّه فی وقت کانت تشهد عُمان انقساما سیاسیا بین الداخل والساحل، فخضعت له «قبائل الجبل الأخضر، ونزوى وإزکی وبهلا وبعض مدن الشرقیَّة إضافة إلى مدن فی سلسلة جبال الحجر منها سمائل والرستاق وعبری فی منطقة الظاهرة إلى الأودیة فی الشمال من البریمی»([14])، واستمر حکمه سبع سنوات وأربعة أشهر واثنین وعشرین یوما([15]) سلک فیها الإمام t سیرة العدل والإنصاف، فکان عهده ممیزا بعد فترة من التدهور الذی شهده عصر الإمامة. کیف لا؟! والشیخ السالمی یثنی علیه وهو فی لحظاته الأخیرة من الحیاة، فیقول: «لا أخاف علیکم من وهنٍ وإمامکم سالم بن راشد، ولا من جهلٍ وعالمکم عامر بن خمیس»([16])، بینما أخوه الشیخ ناصر بن راشد کان إذا قیل له: من أکبر أنت أم الإمام؟ فیقول: «هو أکبر منی وأنا ولدت قبله». اکتسب مهابة فی القلوب بعد أن غرس فی نفوس المسلمین الورع والتقوى وهو المؤمن التقی الورع الزاهد العفیف، أشدّ الناس غیرة على محارم الله. أحس المسلمون فی حکمه بالأمن والأمان واستقرار الوضع ریثما یجد حلولا لمشاکل الناس الذین وثقوا فیه وفی حکمه العادل.
وإذا کان الرسول ﷺ هو نفسه لم ینج من محاولات لقتله والاعتداء على جسده الشریف، فما بالک بالخلفاء العادلین والراشدین وهم أولیاء الله الصالحون الذین ینظرون بنور الله سبحانه وتعالى. ولقد أثبت التاریخ الإسلامی أن الخلیفة العادل یترصده المنافقون والمغرضون الذین فی قلوبهم مرض؛ لإثارة الفتن، وزرع الشبهات والإشاعات للنیل من الهرم الأکبر فی السلطة. وحیث کان الإمام سالم بن راشد الخروصی متواضعا یستقبل الناس بعفویة وتلقائیة یسهل الوصول إلیه والجلوس بین یدیه، استطاع أحد الرعاع أن ینال منه ویغتاله. «حیث خرج رحمه الله فی عسکره لإنفاذ الحکم فی وهیبة الذین امتنعوا عنه فنزل الخضراء من وادی عندام فنام بین أصحابه فی الوادی آمنا مطمئنا لإنصافه بین الرعیة بالسویة فاغتاله أعرابی فزاری یقال له سطین ولد التوبلی ویکنى أبا بسرة أغراه سفهاء قومه على فعله، وکان ذلک لیلة الخامس من ذی القعدة سنة 1338هـ»([17]) رضی الله عنه وأرضاه.
کیف یُغتال الخلیفة العادل بین قومه وهو الذی أخرج العُمانیِّـین من أتون الحرب الأهلیة ووحّد صفوفهم وعدل بینهم بالحق؟! کیف یغتال من کان یصدع بالحق ویساعد ویساند الضعفاء والمساکین والمحتاجین ویواسی الضعفاء ویغیث الملهوفین؟! ذلک هو کید السیاسة حینما تختلّ الموازین وعندما یصرّ السفهاء على النیل من العادلین. کان الحدث أشبه بالصاعقة التی تذکّرنا باغتیال أئمة العدل من قبله من الخلفاء الراشدین عمر بن الخطَّاب وعمر بن عبد العزیز رضی الله عنهما، فکلاهما تعرض لید الغدر والخیانة التی أبت إلاَّ أن تغتال لغة العدل محاولةً نشر الفوضى والاضطرابات. وحتى یرجع العباد إلى ما کانوا علیه من لغة القتل والاعتداء والبقاء للأقوى، وهو المفهوم الذی یرفضه الإسلام بشدة.
وقد شکَّل اغتیال الإمام سالم بن راشد الخروصی - رحمه الله- ضربة قاصمة للإمامة الجدیدة التی وطّد أرکانها، وبنى أسسها من جدید الإمام المصلح نور الدین السالمی t إذ لم تکن الدولة مستعدة لهذا الحدث الجلل الذی أصاب الأمّة وأذاقها مرارة الحرمان من إمام شهد له الجمیع بحسن السیرة والسلوک، والجرأة فی تطبیق حکم الله. وکأنّ اغتیاله شکّل مرحلة جدیدة من الحکم حیث لم یستخلف الإمام سالم بن راشد الخروصی أحدا من حاشیته، ولم یرشّح أحدا من تلامیذه لکی یمسک بزمام الأمور ویکون إماما للمسلمین من بعده. تفاجأ المسلمون وانزعجوا کثیرا لاغتیال إمامهم العادل الذی استشهد غیلة، فباع نفسه لله راضیة مرضیّة، وترک فراغا کبیرا لا یملؤه إلاَّ من کانت صفاته شبیهة بصفات الإمام الرضیّ سالم بن راشد الخروصی.
ومع تسارع وتیرة الأحداث، ما الذی یمکن أن یحدثه فراغ منصب الإمامة بعد اغتیال الإمام العادل وهل من السهل ملء هذا الفراغ بعد ظهور من یصارع الترکیبة الجدیدة للدولة العُمانیَّة ویفسدها؟ إنَّه الفراغ الذی لا ینبغی أن یستمر طویلا حتَّى لا تعود الغوغائیة والحمیّة الجاهلیة إلى المکان الذی عهد العدل والإنصاف. وهل سیتغیر نظام الحکم ؟ وهل سنشهد مرحلة جدیدة من الحیاة السِّیاسیَّة فی عُمان الداخل إبان تغیّر الأوضاع؟
التوتر الطائفی والقبلی:
ترجع قوّة الإمامة فی تلک العصور إلى قوة السلطة الدینیَّة المتمثلة فی علماء کل عصر؛ فالعلماء لهم دور بارز فی الحیاة السِّیاسیَّة واختیار هرم السلطة فی الدولة، وکلما قویت شوکتهم اختاروا الأصلح والأتقى والأعدل من الأمَّة لیحکم الدولة. وإذا مرّت سنوات من القحط الدینی تدنى مستوى الاختیار وحاد عن الطریق الدیمقراطی لیأخذ منحى القوة والاستبداد وسلطة الأنا. وعندما تطمع النفس البشریة فی الاستبداد والتسلط تتبع هواها والشیطان ولا یهمها مصلحة العباد والبلاد.
ولعل هذا ما حدث فی أواخر عهد دولة الیعاربة حینما ضعفت السلطة الدینیَّة، واستکانت وقویت شوکة محمَّد بن ناصر الغافری الذی استغل الفرصة للانقضاض على السلطة عندما أعلن نفسه وصیًّا على الإمام الطفل سیف الیعربی. ومن هنا بدأ الخلاف یدق بین القبائل، وطبول الحرب قد أشرفت على بدایتها؛ هذا الأمر استفز الشیخ خلف بن مبارک الهنائی، وأعلن على الفور معارضته لما یحدث، ولما أصرّ الاثنان على موقفهما أعلن خلف الهنائی الحرب على غریمه محمَّد بن ناصر الغافری وکان ذلک سنة 1728م([18])، وفی هذا الإطار قال سیف المسکری: «تم إعلان الشیخ محمَّد بن ناصر الغافری وصیا على سیف بن سلطان الثانی لیکون بذلک ثالث وصی للمذکور»([19]). وقال أیضا: «وسارت البلاد طوال تلک الفترة فی طریق الاقتتال العنیف والشرس حیث أزهقت الأرواح، وهدمت الحصون والقلاع، وقطعت أشجار النخیل ودکّت الأفلاج وأذاق کل طرف الآخر الهزائم»([20]).
وبظهور الحرب الطائفیة بین القبیلتین وجموعهما انقسمت القبائل العُمانیَّة إلى قسمین بناء على الولاءات العرقیة والظروف السِّیاسیَّة والمصالح الشخصیَّة ممَّا تسبب فی فوضى عارمة لفترات متلاحقة، حروب أهلیة کبّدت الدولة العُمانیَّة خسائر فادحة فی الأرواح، وحطّمت اقتصاد البلاد، وأرهقت جیوب الناس وشتّتت شمل العائلات؛ فاضطر کثیر منهم إلى الهجرة من البلاد بحثا عن الأمان، منهم من اتجه إلى البحرین، ومنهم من کانت وجهته السعودیَّة، وکثیر منهم فضَّلوا الهجرة إلى زنجبار بحثا عن الرزق وابتعادا عن شبح الهوس بالسلطة واستشرافا للأمن والأمان.
وظلت البلاد فی حالة من الخوف والهلع بعد أن وصل العِداء بین الحزبین أو بین القطبین أشدّه فی فترة من الزمن، ولم یترک فسحة للأمل فی الخروج من الأزمة، وبقیت الأمور على حالها فترة طویلة بین شد وجذب، وقتل وتقتیل، وترویع للآمنین. فکان المرء یخاف على عائلته ورزقه من عبث الجاهلیة الذی استبد بالمکان مرة أخرى ولا یعرف وجهته بعد أن تحصّن الرعب فی کلِّ مکان، وبعد أن أصبح مستهدفا من أی فصیل من الفصائل المتناحرة، بل ظل التناحر متواصلا حقبا من الزمان، نتج عنه وفاة کثیر من القرّاء وحفاظ القرآن الکریم فی هذه الحروب العبثیة، بل استمر حتَّى بعد مقتل الزعیمین خلف بن مبارک الهنائی ومحمَّد بن ناصر الغافری.
وعلى إثر موجات الخلاف القبلی الطائفی والتوتّر الذی شهده عصر ما بعد الیعاربة، ظل الحال على ما هو علیه حتَّى بعد استشهاد الإمام عزان بن قیس البوسعیدی الذی حاول أن یجمع القبائل على کلمة سواء. وظل التوتّر یتأجج بین فترة وأخرى وازدادت حدّته فی عصر السلطان ترکی الذی تدخّل بین الطائفتین، ولکن تدخّله ذاک لم یحظ بقبول القبائل الغافریَّة فامتد القتال بین الحزبین إلى إزکی وبرکة الموز ونزوى وصولا إلى ینقل. فانقلب المیزان السیاسی وظل السلطان ترکی یلعب على وتر الطائفیة للقضاء على سلطة الإمامة. ولما استطاعت القبائل الهناویَّة إقناع السلطان باستبدال قبائل البلوش بالقبائل الهناویَّة، سعى السلطان ترکی إلى إجبار الغافریَّة على الخضوع لسلطته بالقوة، وظلت القبائل متناحرة وتتغیر ولاءاتها السِّیاسیَّة وتتبدّل حسب الإغراءات المادیة والمناصبیة ممَّا یوحی باشتعال ساحة الصراع المریر بین الهناویَّة والغافریَّة فی مراحل تاریخ البلاد([21]).
وفی وقت کانت تعیش فیه الدولة حالة من الاضطراب السیاسی المریر لتوتر العلاقات بین الحزبین المتناحرین، کانت هناک أصوات تدعو إلى التعقّل والکفّ عن الاعتداءات الصاخبة التی مزّقت البلاد وأردتها اقتصادیا بسبب انقطاع التبادل التجاری. وبسبب هذه الحروب توقّفت القوافل التجاریَّة وساد الکساد وعمّ الفقر والبطالة والجهل، حتَّى صار المرور بوادی سمائل ضربا من المخاطرة والمجازفة بل والنهب سواء بسواء، حتَّى وصل الأمر بین الطائفتین إلى أن یرفض الطرفان التزاوج بینهما، حیث صارت القبیلة هی المرجع الأساس فی کلِّ ذلک حسب انتماءاتها.
ومن هذا المنطلق، کانت عُمان فی تلک الفترة تعیش على وقع الأزمة الطائفیة التی سرعان ما تحرّکها الخلافات القبلیة، وتؤجّجها الصراعات والحروب الأهلیة. فما کادت البلاد تشفى من مرضها الأول حتَّى عادت الحمیة مرة أخرى بعد استشهاد الإمام عزان بن قیس. ثمَّ ما لبث الإمام سالم بن راشد الخروصی أن وحّد الصف، وحاول أن یجد حلولا للمشاکل القبلیة القدیمة التی قهرت الإنسان العُمانی وعطلت إمکانیاته ومواهبه وأفقدته روحه وإنسانیته، ورسخت فکرة الولاءات ممَّا جعله یعیش حیاة متناقضة لا یدری أی الطریقین سیسلک. وکانت تلک الحقبة من التاریخ عقبة کأداء فی وجه أی تقدم أو تطور، أو ازدهار قد تشهده البلاد مع لو کان الحال أفضل ممَّا کان علیه.
وبعد أن فقدت عُمان إمامها العادل سالم بن راشد الخروصی أوجست فی نفسها خیفة من ظهور التحزبات القبلیة من جدید على الساحة السِّیاسیَّة، وسطوة رجال السلطة على الحکم. لذا ترجع عُمان إلى سالف عهدها من الحروب الأهلیة والولاءات الحزبیة وتخوض معارک داخلیة ترجعها خطوات کبیرة للوراء، فهل شکّل فراغ منصب الإمام خطرا على الأمَّة العُمانیَّة؟ وإن لم یشکل ذلک فهل استطاعت فعلا تجاوز المحنة؟
فراغ منصب الإمامة:
لما استشهد الإمام سالم بن راشد الخروصی t کانت عُمان تعیش حالة من الازدواجیة السِّیاسیَّة فالداخل یسیطر علیه الإمام. أمَّا الساحل ونقصد به مسقط ومطرح على الأرجح فیحکمه السلطان فیصل بن ترکی ثمَّ السلطان تیمور بن فیصل. وکانت القوات البریطانیة قد فرضت الحمایة على الساحل العُمانی منذ سنة 1891م، حیث کانت متخوفة جدًّا من الحرکة السِّیاسیَّة فی الداخل وتتابعها عن کثب، مرة تحاول إغراء زعماء القبائل بالانضمام إلى السلطان وفی أخرى تستخدم القوة المفرطة لاستعادة السیطرة على مدن الساحل، فهذا الکرّ والفرّ بین الطرفین أحدث فجوة فی العلاقات السِّیاسیَّة وباعد بینهما، بالإضافة إلى تدهور الحالة الاقتصادیَّة بالبلاد التی ساهمت هی الأخرى فی تعسّر الحالة الاجتماعیَّة. کل هذه العوامل کانت عوائق کبیرة أمام الإمام الجدید الذی سیحکم المسلمین([22]).
وقد مثّل فراغ منصب الإمام نکسة کبرى فی حیاة المسلمین؛ إذ ربما تعود الأمور إلى ما کانت علیه من الحروب الأهلیة بین الطائفتین المتصارعتین - لا سیما - فی ظل الوضع الاقتصادی المتأزم وانعدام الرجل الذی یلتف حوله الجمیع ویعلنون له الولاء والطاعة بعد أن هدأت حدّة المعارک واطمأنت النفوس للواقع الجدید الذی یحمل کل الخیر والبشْر، واقعٍ کان یمسک فیه الإمام سالم بزمام الأمور ویحرص على العدل والمساواة بین الناس وهو مبتغى کل فرد من الدولة. غیر أن الذی حدث أحدث إرباکا فی النفوس وأوجد حالة من القلق على المستقبل الذی یحمل المفاجآت السارة وغیر السارة. وکان کل فرد یسأل ویتساءل عن الإمام الجدید وما الذی یمکن أن یفعله رجال العلم؟ وأستبقى الوحدة قائمة أم ستتفکک؟ وهل سنقرأ صفحة جدیدة من الحکم؟ وهل سیتحول الحکم إلى رجل له نفوذ وسلطة غیر عابئ بمن یرشحه علماء القرن؟ أسئلة کانت تدور فی خلد الناس آنذاک لا شک. ولکنهم غیر موقنین بما سیحدث وغیر جازمین بأن الإمام الجدید یمکن أن یسیطر على الوضع.
غیر أن عُمان استطاعت أن تتجاوز المحنة نسبیا فی أثناء فترة فراغ منصب الإمام بفضل الأرضیة الخصبة التی زرعها الإمام سالم بن راشد الخروصی t أثناء حکمه؛ فقد ربّى أصحابه على الزهد والورع والتقوى، وولّى القضاء من کان یُعرف بالثقة والعلم والعدل، علّمهم السیاسة والقیادة فی المواقف الصعبة. ودرّبهم على مواجهة المشکلات. فاتبعوا المنهج الصحیح والسبیل القویم الذی رسمه الشرع لهم. وتبین أنَّهم جعلوا الرسول ﷺ قدوة وأسوة حسنة. فنهجوا سبیله وسلکوا طریقه وتخلّقوا بأخلاقه واستنّوا بسنته، فکانوا أشبه برسولهم من اللیلة باللیلة والتمرة بالتمرة.
لقد عاشوا حالة طوارئ بالمفهوم الحدیث للسیاسة فی الدساتیر الدولیة. إذ یقعد الرئیس عن أداء مهامه عادة عندما یفرغ منصب الرئاسة بموت أو مرض، فیتولى شؤون البلاد نائبه أو رئیس البرلمان مدة من الزمن إلى حین انتخاب رئیس جدید للبلاد. وهو المفهوم الدیمقراطی والمونولوجی([23]) للحیاة السِّیاسیَّة إبان شغور منصب الرئیس، ولا یستحسن المماطلة أو التأخیر فی إجراء الانتخابات الجدیدة حفاظا على تماسک الدولة، وخوفا من الاضطرابات التی قد تحدث، والاحتجاجات التی قد تتطور إلى أعمال عنف. لذلک لا بد أن یحفظ الدستور وجه البلاد فی حالات الطوارئ حتَّى لا تتدهور الأوضاع فی البلاد وهذا ما حصل تقریبا بعد اغتیال الإمام سالم بن راشد الخروصی t.
فحسب الروایات المتعددة فإن الشیخ عبد الله بن عامر العزری([24]) هو من تولّى شؤون البلاد أثناء خروج الإمام سالم بن راشد الخروصی إلى الخضراء بوادی عندام لمواصلة الجهاد من أجل توحید البلاد على کلمة سواء، فأبلى الشیخ بلاء حسنا فی حفظ النظام إبان شغور منصب الإمام([25]). فهو الرجل الذی کان یثق فیه الإمام ویسند له بعض المهمات الصعبة؛ لما رأى فیه من الکفاءة العالیة لإدارة الأمور فی البلاد، وما یتصف به من حزم فی القرار. ولا نعجب من ذلک حینما نعلم أن الرجل کان قد تولى شؤون القضاء، ومن شأن القاضی أن یکون عادلا وحاسما فی قراراته وحازما فی تطبیق شرع الله، فلا محاباة ولا مجاملة ولا خوف من أحد من البشر.
ولما تبیّن أن الأمور قد تخرج عن السیطرة، وأنَّه ربما تثور النعرات الطائفیة التی کانت سائدة –آنذاک - بین الطائفتین الهناویَّة والغافریَّة من جدید؛ ارتأى العلماء أن یحفظوا عهد الإمامة الذی أثبت نجاعته ونجاحه طوال قرون من الزمن، وتفرّد به الإباضیَّة مشرقا ومغربا. فتحرّکت الجموع للتشاور والتباحث، وکان على أهل العلم المسؤولیة الکبرى فی اختیار إمام یحکم المسلمین خلفا للإمام سالم بن راشد الخروصی الذی فاضت روحه للمولى U؛ لأنَّها استقرأت الخطر الداهم الذی یمکن أن یشتعل فی أی وقت ویتأجج، خاصَّة وأن التاریخ ماثل أمام أعینهم وهو یفتک بأهلهم فی حروب ما أنزل الله بها من سلطان.
وفی هذا الوقت کان الجمیع یترقب، وربّما طمع أحدهم فی الاستیلاء على الأمر – لا سیما - أن القوات البریطانیة کانت تتابع ما یجری فی الداخل باهتمام. وربما لها عیون تنقل لها ما یحدث على الساحة السِّیاسیَّة من تطورات بعد أن استطاعت أن تفرض سلطتها على موانئ مسقط ومطرح. فهی تعدُّ ما یقوم به الإمام فی الداخل ثورة وتمرّدا على السلطان وعلى قواتها. وعلیها أن تعدّ العدّة لسحق هذا التمرد بأی طریقة. ولکنَّها لا تعرف مدى قوة الإمام وجیشه خاصَّة بعدما ورد من تحذیر من الوکیل السیاسی والقنصل البریطانی فی مسقط إلى زعماء القبائل أن حکومته لن تقف مکتوفة الأیدی بإزاء عمل کهذا. وأن ردّ الإمام سالم الخروصی کان سریعا وحازما إذ حذّره هو الآخر من التفکیر فی التَّدخُّل فی شؤون عُمان أو الاعتداء على الإمامة الإباضیَّة([26]).
وبعد أن شعر الجمیع بالخطر الذی یهدّدهم من السلطان تیمور بن فیصل بعد وفاة والده، وما یمکن أن تقْدم علیه الحکومة البریطانیة من عمل عسکری معاد([27])، توصلوا إلى حقیقة واحدة وهی ضرورة انتخاب إمام جدید فی أقرب وقت؛ نظرا لوجوب الإمامة، وهو ما یفسّره قِصر المدة بین استشهاد الإمام الرضی سالم بن راشد الخروصی t وانتخاب الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی t من بعده. فقد استشهد الإمام سالم حسب الروایات فی الخامس من ذی القعدة 1338 هـ، وبویع الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی - رحمه الله - فی الثالث عشر من ذی القعدة من السنة نفسها 1338 هـ، أی بعد ثمانیة أیام([28]) فقط، وقیل بعد ثلاثة أیام([29]).
وأیا کانت الروایات الصحیحة، فإن الصحیح هو أن المدة کانت قصیرة جدًّا، وبقیام الإمامة توطد الأمن، وحل الاستقرار، ونجت عُمان من الوقوع فی فخّ الحروب من جدید أو تفکّک أواصر الدولة التی عمل على بنائها، واجتهد فی تأسیسها کل من الشیخ السالمی والإمام سالم - رحمهما الله - من جهة، والحرص على انتخاب إمام جدید فی أقرب فرصة.
ویستمر مشهد البحث عن رجل یملک مواصفات القائد العظیم الذی یستطیع أن یقود البلاد فی المرحلة القادمة، وهی تحمل کل هذه المخاطر الدَّاخلیَّة والأطماع الخارجیَّة، ویوفر بیئة آمنة للحیاة الاقتصادیَّة والاجتماعیَّة. فکلما توفر الأمن السیاسی والأمن النفسی ازدهرت الحرکة الاقتصادیَّة وتطوّرت الحالة الاجتماعیَّة، وانتشر العلم والمعرفة. فهل حقًّا استطاع العُمانیُّون فی الداخل تحقیق هذه الأمنیة الغالیة؟ وهل فکّروا فعلا فی انتخاب الإمام العادل الذی سیصدح بالحق، ویحقق العدل والمساواة؟ وکیف صارت أحوالهم؟
ترشیح محمَّد بن عبد الله الخلیلی للإمامة:
بینما کان الناس فی عُمان الداخل فی حالة ترقب لما تسفر عنه مفاوضات ترشیح إمام جدید بین علماء الأمَّة لیخلف الإمام سالم بن راشد الخروصی، برز على الساحة شاب یافع مقدام، یخاف الله ، وتبدو علیه علامات الصلاح. تربى فی حجر العلم والتقوى والورع، إذ کان جده طودا من أطواد العلم والمعرفة وهو المحقق العالم الرضی سعید بن خلفان الخلیلی الذی ذاع صیته بین الناس فی تحقیق أعلى رتب العلم وأسراره، وکان أبوه الشیخ عبد الله بن سعید الخلیلی کثیر الاطلاع على فنون العلم، کثیر قیام اللیل وهو الأمیر والسید فی وادی سمائل، بینما کان عمه أحمد فقیها ورعا، علیه مدار الفتیا والقضاء، شهما جریئا یأمر بالمعروف، وینهى عن المنکر فی وقت الکتمان ولا یرد له أمر([30]).
وقد قیل «الإنسان ابن بیئته». فالرجل الذی بدأ النّاس یرشّحونه لأداء هذه المهمة الصعبة عاش فی بیئة علمیة متوازنة، وتشرّب الأخلاق من معیَّن النبوّة الساطعة المسطّر فی مشهد العائلة الملتزمة بآداب الإسلام. شهد له الناس بمواصفاته العالیة، العلماء منهم قبل العوام، وأوردوا فی ذلک شهادات موثّقة فی الکتب والمخطوطات على حسن سیرته وسلوکه قبل تولیه الإمامة. ومن المبشرات على صدقه أنَّه کان یحرص على أن یؤدی واجبه بإتقان. ویخاف ربّه الرّحمن من أی تقصیر أو خذلان. ویدافع عن المساکین ویجالس الفقراء والمحتاجین ویقضی شؤون المستضعفین. هکذا بدت سیرته الناصعة بین الناس. وهکذا کانت إرادة الله سبحانه وتعالى أن یمنّ على عُمان من یحکمها بحکمة واتزان. فالأوضاع السِّیاسیَّة لا تحتمل التصعید. والحالة الاقتصادیَّة مهترئة إلى حد بعید. والناس کلهم فی ضیق وضنک من العیش شدید.
ومن أهم مشاهد الدّفق الدیمقراطی فی ذلک العصر، أننا لا نرى من یرشّح نفسه للإمامة مثل ما نراه الیوم من تسابق محموم على کرسی الرئاسة بین المتنافسین؛ لأنَّ الورع کان یمنعهم عن التقدم لأداء هذه المهمة التی یعدُّونها من أصعب المهمات، ولأن الإمام سیتحمل تبعات الناس وسیکون على المحکّ وهو یقابل الله U، ویقبل على هذه المهمة الخطیرة، فکان من یملک الکفاءة لا یطلب الإمامة بل یُدفع نحوها دفعا، فیقبلها أحیانا على مضض أو تحت التهدید کما وقع مع الإمام سالم بن راشد الخروصی - رضی الله عنه وأرضاه -.
فالترشّح کان غائبا عن الساحة فی تلک العصور وبقی الترشیح ممَّن له ناصیة التفریق بین من یصلح ومن لا یصلح، على أن الترشیح بدایة لا یکون من عامَّة الناس لأنَّه قد تخفى على العامَّة أسرار الشخصیَّة المرشّحة للفوز بنیل هذا المنصب الخطیر.
وقد عمد الإباضیَّة إلى اتِّباع طریقة جدیدة ومبتکرة فی العمل السیاسی عند اختیار المرشح للإمامة، تتسم بالحیاد التام فی الترشیح بناءً على معطیات موضوعیة ووسائل تتمیز بالصدق والشفافیة حتَّى تنجح العملیَّة الدیمقراطیة فی رسم سیاسة الدولة المقبلة، ومنح عملیَّة الاختیار کل عناصر النجاح.
ولو أجرینا مقارنة بسیطة بین الطریقتین القدیمة والحدیثة، لوجدنا أن الطریقة القدیمة أنجع وأنجح فی الاختیار؛ لأنَّ من یقود الحملة الانتخابیة لیست له قرابة بالشخصیة المرشّحة ولا تربطه بالمرشَّح صلة منفعیة کما یحدث الیوم فی الحملات الانتخابیة التی تأخذ مسارا مُرْبِکا فی العملیَّة الدیمقراطیة. وقد یضطر أحد المرشحین إلى أن یستخدم کل الوسائل الشَّرعیَّة وغیر الشَّرعیَّة؛ للحصول على تأیید العامَّة من الناس. بینما یکون الإمام المنتخب فی مأمن من الصراعات النفسیة والأیدیولوجیة قبل انتخابه إماما. بل أحیانا یفاجأ بترشیحه ویمتنع أن یقبل ذلک بدایة؛ تواضعا منه، وخوفا من وجود من هو أکفأ منه لتولی هذه المسؤولیة، بل خوفا من المساءلة یوم القیامة من أن یکون قد قصّر فی أداء مهمته الجلیلة.
وبینما تتوالى التخمینات فی اسم المرشح الجدید للإمامة فی عُمان بعد اغتیال الإمام الرضی سالم بن راشد الخروصی t، تردّد على مسامع الناس الشخصیَّة المرشحة، وبدت ملامحها تتّضح یوما بعد یوم، وکم کانوا یتمنّون أن یروا الشاب محمَّد بن عبد الله الخلیلی حسنَ الخَلْق والخُلق هو المرشح الأوفر حظا لنیل هذا الشرف الکبیر، بعد أن تبیّنت لهم سیرته العظیمة فی أهله وقومه.
وبعد أن نال موافقة أهل العلم وأهل الخبرة فی الحکم، اختار أهل الحل والعقد الشاب محمَّد بن عبد الله الخلیلی إمامًا على المسلمین، وأعلنوا ذلک رسمیا. ولو بقی الإمام السالمی t حیًّا لاختاره دون شک. ولکن أراد الجمیع أن ینتظر ویتریث قبل ذلک حتَّى یصدر أمر رسمی بتکلیفه واختیاره إماما على المسلمین. فما هی طریقة اختیار الإمام؟ وهل تحققت الشروط فی الإمام الجدید المرتقب؟ وکیف جرت عملیَّة الانتخاب؟ وهل یمکن أن نصف ما حدث بأنَّه عملیَّة دیمقراطیة فی الحکم الإسلامی؟ وهل تتعارض معها مبادئ الدیمقراطیة الحدیثة؟
اجتماع خیرة علماء عُمان:
اتخذ شکل اختیار الإمام الجدید منحى دیمقراطیا بالمفهوم الحدیث، فلم یعرف الإباضیَّة التوارث فی الحکم، بل إن المنتخَب لا بدّ أن تتوافر فیه الکفاءة والقدرة على الإمساک بزمام الأمور. ولما أحسّ علماء عُمان – آنذاک - بالخطر المحدق إذا لم یسارعوا إلى عقد لقاء عاجل یبحثون فیه المسألة. تباحثوا فیما بینهم وتشاوروا حتَّى خلصوا إلى إجماع على شخصیَّة معیّنة تدیر البلاد فی الفترة القادمة. وهبّ علماء التقوى والورع والزهد وفی مقدمتهم العلاَّمة الشیخ رئیس القضاة أبو مالک عامر بن خمیس المالکی - وهو الرجل الذی امتلک خبرة واسعة من خلال ملازمته الشیخ السالمی t الذی أوصى الناس بالأخذ من علمه عندما قال قبیل وفاته t: «لا أخاف علیکم من جهلٍ وعالمکم عامر بن خمیس»([31]). وکان أحد عاقدی الإمامة على الإمام سالم بن راشد الخروصی. ومتمرّسا فی انتقاء الرجال المخلصین لأمّتهم والصادحین بالحق، وقد أحسن الاختیار فی الأول، فلا شک أنَّه بالخبرة یستطیع أن یقدّم للأمة رجلا له من المواصفات لا تقلّ عن مواصفات الإمام الذی قبله.
وکان أیضا معه العلاَّمة الشیخ ماجد بن خمیس العبری الذی أدرک الإمامین: عزان بن قیس، وسالم بن راشد الخروصی. وعلم أسرار الاختیار، والأسالیب المتبعة فی ذلک؛ لأنَّه یشعر أن ما یفعله أمانة فی عنقه إلى یوم القیامة وأنَّه مسؤول عن اختیار المناسب من الرجال للإمامة، ومن بینهم کذلک الشیخ الزاهد أبو زید عبد الله بن محمَّد بن رزیق الریامی([32]). والشیخ الأمیر العالم عیسى بن صالح الحارثی - الذی بلغت شهرته الآفاق لما یتمتع به من سمعة وتمسّک بالمبادئ والقیم. کیف لا ؟! وهو کما یقول الشیخ أبو الیقظان: «وزعیمهم الأکبر – یقصد الهناویین فی ذلک العصر- هو الشیخ العلاَّمة عیسى بن صالح أمیر الشرقیَّة وتحته زعماء قبائل وبطون کثیرة وهو من عائلة عریقة فی الرئاسة والعلم»([33]).
ومن ضمن کوکبة العلماء أیضا الشیخ العالم محمَّد بن سالم الرقیشی، والشیخ أبو علی سیف بن علی بن عامر المسکری، والشیخ حمدان بن سلیمان بن سیف النبهانی، والشیخ مهنا بن حمد بن محسن العبری، ثمَّ الأشیاخ العباهل الأوتاد أولاد هلال بن زاهر الهنائی ثمَّ بقیة العلماء ثمَّ الأمراء والرؤساء ثمَّ الخاصَّة والعامَّة([34])؛ حیث ساهمت هذه الکوکبة من العلماء الأجلاء الذین اجتمعوا فی جامع نزوى فی انتخاب من یرونه صالحا لقیادة عُمان نحو برّ الأمان.
کان الاجتماع أشبه باجتماع سقیفة بنی ساعدة حینما تمّ اختیار أبی بکر الصدیق t خلیفة على المسلمین بعد وفاة الرسول ﷺ. حیث تفاجؤوا بنبأ الوفاة، ولم ینبئهم بطریقة الحکم من بعده. ولم یخبرهم بمن یرشّحه خلیفة على المسلمین، لکن الإشارات التی کان یرسلها ﷺ کانت کفیلة بأن تتوجّه جمیع الأنظار إلى من کان رفیقه فی الشدّة والرخاء. هذه المقارنة وإن کانت مع الفارق إلاَّ أنَّها شبیهة جدًّا بالحالة التی کان علیها العُمانیُّون بعد اغتیال الإمام سالم بن راشد الخروصی -رحمه الله-. إذ اتبع العلماء الأجلّاء الذین عایشوا الواقع الجدید نهج الاختیار والتکلیف. وهو نهج شوریٌّ دیمقراطیٌّ فی الحکم الإسلامی یعتمد فی الأساس على الترشیح دون الترشّح. وهو مفهوم أقرب إلى الخلافة الإسلامیَّة فی صدرها الأول؛ إذ لم یرشِّح أحدٌ من الخلفاء الراشدین نفسه للحکم، ولم یورِّث أحدٌ منهم أبناءه فی الحکم. بل کانوا یقترحون أسماء قد تکون قادرة على تسییر شؤون الدولة. ویمکن أن یرشّحوا منهم أحدا وینتخبوه أو یکلّفوا آخر من غیر القائمة.
وبالمفهوم الحدیث، فإن هذا الاجتماع هو أقرب إلى جلسة البرلمان الذی اُنتخب أعضاؤه من قبل الشعب وهم العلماء والفقهاء. فوّضهم الشعب؛ لیکونوا ممثّلین عنه فی اختیار من هو الأصلح لقیادة الأمّة. هو نظام برلمانی من الطراز الرفیع. استطاع خلاله العُمانیُّون أن یسطّروا ملامح الحکم الجدید. فالذین اجتمعوا فی جامع نزوى للتباحث لم یکن من بینهم محمَّد بن عبد الله الخلیلی. ولم یکن یعتقد محمَّد بن عبد الله الخلیلی أنَّه هو المرشّح لهذه المهمّة الصعبة. اجتمعوا؛ لأداء واجب یلحّ علیهم بشدّة وهم خیار الشعب وصفوته وأعلمه وأفقهه بالحیاة، وأدراه بما یمکن أن یَحدُث فیما لو تراخوا فی تحدید من سیکون الإمام. فکان التحرک فی البدایة من الشیخ العلاَّمة عامر بن خمیس المالکی([35]).
تهیئة الوضع لانتخاب إمام جدید:
لم تشر المصادر إلى وقوع خلافات بین العلماء حول الشخصیَّة السِّیاسیَّة المرتقبة التی رشحوها لتکون على رأس هرم السلطة فی عُمان الداخل بعد اغتیال الإمام سالم بن راشد الخروصی t ولم یبدِ أیٌّ منهم ملاحظات عنها أو اعتراضات علیها، وسار المسار السیاسی على أفضل وجه دیمقراطی. حیث إبداء الرأی والمشورة بکلِّ حرّیّة، وعدم فرض الرأی بالقوة أو الاستفزاز. بل کانت العملیّة الانتخابیة تسیر بشفافیة وحسن نیّة، فما دام الشعب قد فوّض العلماء فی اختیار الإمام فإن الأمور تسیر بسلاسة وانسیابیّة ولا یعکّر صفوها شیء من الشُّبهات؛ لأنَّ الشخصیّة المرشّحة معروفة لدى جمیع العلماء بأنَّها تمتلک جمیع المواصفات المطلوبة.
وبعد أن استقرّت الأوضاع قلیلا، واطمأن الشعب إلى أن الأمور تسیر فی الاتجاه الصحیح بعد أن توافق علماء الأمّة على من یرونه صالحا أن یکون إمام المستقبل. استقرأ نواب الشعب (العلماء المجتمعون فی جامع نزوى) المشهد السّیاسیّ فی البلاد، وأعلنوا صراحة اسم الإمام الجدید الذی سیحکم البلاد بناء على اختیار مدروس، وطالبوا الآخرین بمبایعته. تقدّم أولا رئیس القضاة العلاَّمة الشیخ عامر بن خمیس المالکی ثمَّ العلاَّمة الشیخ ماجد بن خمیس العبری، ثمَّ تبعتهما السلسلة الذهبیة من العلماء الذین کانوا من أهل الحل والعقد ممَّن ذکرناهم آنفا، ثمَّ بقیة العلماء والقضاة ثمَّ الأمراء والرؤساء وأعیان البلاد وشیوخ القبائل والخاصَّة من الناس والعامَّة([36]).
وقد کان العلماء یشعرون أنَّهم هم المسؤولون عن هذا الاختیار، ولا یُترک الأمر إلى عامَّة الشعب لأمرین أساسیین حسب رأیی هما: الأمر الأول: أنَّهم اتبعوا نهج الصحابة - رضوان الله علیهم -. وأمَّا الأمر الثانی فیبدو لی أن أمر الانتخاب من قبل الشعب لا یتحقق إلاَّ بعد الترشیح والاختیار. فإذا تمّ التوافق على أحد منهم تمّت مبایعته. وإن صار الخلاف على من یتولى الإمامة یلجأ الشعب إلى صندوق الاقتراع، ویختار بین الاثنین أو الثلاثة من یشاء. ومن فاز بالأغلبیة المطلقة کان له شرف تعیینه إماما. أمَّا إذا تُرک الأمر على عواهنه، فإن الفوضى ستسود بین أفراد الشعب ولا یصل إلى نتیجة بل سیحدث اقتتال، وتنتشر الشحناء والبغضاء وتسیر البلاد إلى منحى خطیر لا یحمد عقباه. والتاریخ ماثل أمام أعینهم. وفی هذه الحالة قد یستغلّ من کانت لدیه قوة على الأرض لیستبد بالحکم ویُرضخَ الشعب کلّه تحت قدمیه.
لذلک لا بد من التفکیر فی طریقة ذکیّة تخرج البلاد من محنتها بأقلّ الخسائر والأضرار الممکنة؛ لأنَّ المسألة تتعلَّق برأس الحکم، وهرم السلطة الذی یدیر البلاد. وقد ثبت تاریخیا أن من یمسک السلطة عن طریق الإکراه القسری أو بالتوارث لا یَحْکُم بالعدل؛ لأنَّه سیستهویه عالم الإغراءات والشهرة والمال، ویبتعد عن منهج الله، ویحارب کل من یعارضه من أفراد ومجموعات، ویسعى بکلِّ قوّة إلى الحفاظ على کیانه، ولا یسمح لأحد بمنافسته. وهو ما یسمى الیوم بالحکم الاستبدادی أو الدیکتاتوری. فالاستبداد عدوٌّ للدیمقراطیة والشورى، وترسیخٌ لمبدأ الأنا.
وعلى هذا الأساس، فسّر العلماء عملهم ذاک بأنَّه عمل شرعی یستند إلى مستندات من الواقع الإسلامی الذی حدث فی بدایات القرن الأول الهجری، وأجمعوا على صحّته ونجاعته فی الحکم. حیث لا مبرّر لاستخدام القوة ضد الشعب ما دام یعتقد صاحب السلطة أنَّه مهدّد بالعزل إذا ظهرت منه بوادر توحی بأنَّه قد یحید عن الطریق المستقیم، أو أنَّه یغیّر بعض القیم والمبادئ لمصالحه الشخصیَّة. وکذلک؛ امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى عندما قال: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَیْنَهُمْ﴾ ( سورة الشورى: 38)، فالشرع قد فتح الأبواب أمام طرق عدیدة فی اختیار الحاکم شرط أن تکون واضحة لا لبس فیها ولا غموض ولا تعقید، ولا اتِّباع لهوى. کل ذلک کان ماثلا أمام العلماء وهم یمتحنون أنفسهم فی اختبار عسیر.
فعلا کان التحضیر والتهیئة للانتخابات أمرا عسیرا. فلیس من السهل إقناع الناس بشخصیة معیَّنة. ومن الصعب جدًّا إرضاء کل الناس والبحث عن شخصیَّة یتوافق علیها الجمیع، ویعلن الجمیع مبایعته لها. ذلک شأن عظیم وامتحان غیر یسیر؛ لأنَّه سیحدد وجه البلاد، ویخضعها لتوازنات أو مفارقات، قد تنجح أو تصیب البلاد بحالة من الأرق الشدید. لذلک یبدو لی أن علماء ذلک العصر قد تمرّسوا بعملیَّة الفرز - إن صح التعبیر- بعد أن خبروا الحیاة السِّیاسیَّة فی عهد الإمامین: نور الدین السالمی وسالم بن راشد الخروصی - رضی الله عنهما -. وهی العملیَّة التی تسبق الاختیار والتکلیف.
وبدأت الاستعدادات لتعیین الإمام الجدید، وتناقلت الأخبار اسم المرشح القادم الذی سیحکم البلاد ویرسی العدل والإنصاف، ویتبع نهج سلفه الصالح. یسترشد بالعلماء والفقهاء وهم أهل الحل والعقد. بیدهم عقد الإمامة وبیدهم أیضا نقضُها، ویُطالب الإمام بالحفاظ على الأمن والاستقرار، ویوفّر للأمة موارد رزق. فیأخذ من الأغنیاء زکاة أموالهم ویعطیها الفقراء، وینصف المظلوم، ویعاقب الظالم مهما کان. ویحث على طلب العلم والمعرفة فی کلِّ المجالات، ویسعى إلى عقد تحالفات، وترسیخ مبدأ اللامرکزیة. فیمنح ولاته اتخاذ القرار دون الرجوع إلیه خاصَّة فی أمور تستدعی التَّدخُّل العاجل والفوری.
وبعد أن اشتمَّ الشعب رائحة الإمام الجدید التی عبقت فی المکان والزمان؛ کان یتعین علیه أن یهبّ لمبایعته ومبارکته إماما للمسلمین على مرأى ومسمع من الناس، وهی عملیَّة تتمیز بالشفافیة والحیادیة التامة. فهل تحقق ذلک فعلا؟ وهل سارت العملیَّة الانتخابیة کما أراد لها أهل الحل والعقد؟ هذا ما یتم بیانه فیما هو آتٍ بمشیئة الله.
تعیین محمَّد بن عبد الله الخلیلی إماما لعُمان:
لم یکن فی خلد محمَّد بن عبد الله الخلیلی أن یتولى الإمامة یوما. ولکنَّها الضرورة الشَّرعیَّة - کما یبدو-تقتضی أن یتدخل أهل الصلاح والعلم لانتخاب من یرونه أهلا لهذه المهمّة الجلیلة. ولم یکن لیقبلها من أوّل وهلة؛ لأنَّ الرجل عُرف عنه زهدُه فی الدنیا، غیر مُقبل على الرئاسة والتنصیب الأعلى. غیر أن الظروف الحیاتیة والملابسات التاریخیة، والأحداث الجاریة فرضت نفسها على واقع الحیاة، وأحدثت تحوّلا جذریّا فی الحیاة السِّیاسیَّة، ولعبت الخبرة والکفاءة دورهما فی تحریر الإنسان من قیود التبعیة والتقلید الأعمى. بل جعلت الحیاة السِّیاسیَّة تعیش أوج دیمقراطیتها رغم ضنک العیش وقلّة الموارد وتداخل المتغیّرات الاجتماعیَّة وتشعّبها.
ومنذ بدایة عهد الأئمة فی عُمان کان الاختیار منصبًّا على من یملک ناصیة العدل والحزم والحسم، ومن له درایةٌ بالواقع، وحکمةٌ وحنکةٌ فی التعامل مع قضایا الواقع دون تهییج الرأی العام، وتوفیر أقصى درجات الأمن والأمان حتَّى یشعر الجمیع أنَّهم فی رعایة إمام عادل. وحتى تتمّ حلقات التکامل البشری فلا بأس أن تتمتّع شخصیَّة الإمام بالسمات والخصائص اللازمة لإظهار الهیبة التی یتمتع بها، وبالأناقة والعنایة بالهندام والنظافة. فتلک من الأساسیات التی تتأثر بها الرّعیّة حینما یکون إمامها أو رئیسها بهذه المواصفات الخَلقیة والخُلقیة. فهل کان الرجل الذی سیحکم البلاد فی الفترة القادمة یملک هذه المواصفات؟
محمَّد بن عبد الله الخلیلی رجل ذو هیبة ووقار، عاش فی عائلة میسورة. یتصف بالوسامة والعنایة بالمظهر. فقد جاء فی نهضة الأعیان: «من صفات الإمام الخَلقیة أبیض اللون، وحسن الخَلق، ونحیف البنیة، طویل القامة، متوسط حجم اللحیة لیست طویلة ولا قصیرة، واسع العینین، یمشی مسرعا، مرتدیا السکینة».
وأمَّا عن أخلاقه فقد کان شدید الفراسة، ینظر بنور الله تعالى کما قال رسول الله ﷺ: «اتقوا فراسة المؤمن فإنَّه ینظر بنور الله»([37]) کما أنَّه بعیدُ الصلف، بعیدُ الغضب إلاَّ إذا انتُهکت محارم الله، واسع الصدر، دائم الفکر، حمولٌ للأذى، أکثر دهره صامتا، إذا تکلّم تکلّم بعلم، وإذا سکت سکت عن أدب.
وقد کان کثیرا ما یفاجئ من أراد مناجاته أو تکلیمه بین الناس بالمعنى الذی جاء من أجله بعبارة وجیزة لا یحسنها الزائر؛ لیعرب له عن قصده. بالإضافة إلى أنَّه یباسط الناس الخاصَّة والعامَّة، ویقص علیهم القصص الدینیَّة والآداب الدنیویة، ولا یردّ سائلا ولا مسترفدا، ویسلی الموجع، ولا یملک ما بیده. أکْرمُ أهل زمانه، یقضی حاجة کل إنسان بغضّ النظر عن سنّه وجنسه. یقوم فی بعض الأحیان بمعالجة المرضى الضعفاء. ملک الناس بالمحبة والسیاسة واللّین وطیب الخُلق لا بالقوة والجبروت([38]).
وقال أبو بشیر السالمی: «کان الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی قبل ارتقائه عرش الإمامة فی رغد من العیش، حیث کان متأنّقا فی اللّباس والمأکل والمشرب، ذلک؛ لأنَّه ورث عن آبائه ثروة کبیرة، فباع أصولها بمائة ألف قرش،..... ولما تولّى أمر المسلمین رغب عن ذلک کله إلى الزهد والتواضع، فأنفق جمیع ماله فی سبیل الله وخدمة المسلمین. ومضى t فی سیرة رسول الله ﷺ وسیرة خلفائه الراشدین وأصحابه الکرام - رضی الله عنه وأرضاه -»([39]).
وبعد سرد بعضٍ من صفاته التی أهّلته أن یقود المرحلة المقبلة من الحیاة السِّیاسیَّة. بویع محمَّد بن عبد الله الخلیلی فی مراسم مهیبة إماما على المسلمین یوم الجمعة الثالث عشر من شهر ذی القعدة سنة 1338هـ. حیث اجتمع العلماء والأعیان ومشایخ القبائل وأهل الحل والعقد بجامع نزوى وأجمعوا على مبایعته. وکان على رأس المبایعین له الشیخ العلاَّمة رئیس القضاة أبو مالک عامر بن خمیس المالکی رحمه الله([40]). ثمَّ توالى الناس على مبایعته والإقرار والقبول بإمامته، وإظهار الولایة والطاعة له فی عرس دیمقراطی شهدته عُمان فی تلک السنة النورانیة. «وعلى إثر ذلک قام العلاَّمة الشیخ عامر بن خمیس المالکی - رحمه الله - فخطب فی الناس خطبة العقد، ثمَّ قام أبو زید فخطب فی العسکر، وبعد انتهاء الخطبتین انفضّ المجلس ودخل الإمام دار الإمامة»([41]). فالذین عقدوا الإمامة للإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی متمرسون فی العمل السیاسی لهم السبق والرّیادة فی تهدئة الأمور، وتوجیه العامَّة نحو الاختیار الأفضل.
قال الشیخ أبو الیقظان - رحمه الله - مصوّرا المشهد السیاسی فی عُمان الداخل: «فإذا وقع الإجماع على انتخاب إمام وجب على أهالی البلاد أن یسمعوا له ویطیعوه، ووجب على منتخبیه أن یکونوا أول السامعین والمؤیدین والمقاتلین بین یدیه إذا مست الحاجة»([42]). وقد وقع الإجماع على تعیین محمَّد بن عبد الله الخلیلی إماما على المسلمین وبایعوه وعاهدوه على الطاعة ما دام یسیر فیهم سیرة العدل والإنصاف.
کان الإمام فی ذلک الوقت فی ریعان شبابه، إذ لم یتجاوز التاسعة والثلاثین([43]) من عمره. وهو العمر الذهبی فی حیاة الإنسان العملیَّة؛ لأنَّ إدارة دولة فی حاجّة ماسة إلى عقل رشید وسدید. یخرجها ممَّا هی فیه من الصراعات، وفی حاجة ماسّة إلى شخصیَّة تتمتع بالنشاط والحیویة. کان یعلم أن السیاسی لا بد له من مستشارین فی مختلف مجالات الحیاة، فکانت نظرته فاحصة ثاقبة، ورؤیته بعیدة المدى، لا یجد الهوى فی نفسه سبیلا، ویقطع حبال الأمانی کلّما راودته شکوک بالعزة والعظمة. فقد عیّن الشیخ عیسى بن صالح الحارثی مستشارا عسکریا وسیاسیا دبلوماسیا لما یتمتع به من وقار واتزان، ویحظى باحترام کزعیم عملی من زعماء البلاد. وقرّب إلیه زمرةَ العلماء الأوفیاء الذین عاشوا فترة من الزمن مع سلفه الإمام العادل سالم بن راشد الخروصی - رضی الله عنه وأرضاه - الذین خَبِروا السیاسة والحروب وعَلِموا مواضع الخطر والخلل فی أرکان الدولة الجدیدة الفتیّة بقیادة الشاب الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی - رضی الله عنه وأرضاه -.
وقد بیّن الشیخ أبو الیقظان هیکل الإمامة فی ذلک الوقت عندما قال: «الإمام فی الداخل کالسلطان فی الساحل. والشیخ فی المنطقة الممتازة هو الحاکم المطلق وفی کل ولایة والٍ وقاضٍ شرعی وجندٌ بقدر سعة الولایة وله قائد..... فالأهالی بفطرتهم جنود محلیون، ولا یسود البلاد إلاَّ حکم الشریعة الإسلامیَّة سواء فی ذلک الساحل أو الداخل. والحدود الشَّرعیَّة تقام فی منطقة الإمام دون هوادة»([44]).
فمن خلال سیرته العظیمة والعطرة، الموثّقة فی الکتب والمؤلفات العدیدة والمتعدّدة، تبیّن أن الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی t سار فی الناس سیرة حسنة. شهد له أساتذته وتلامذته وکل من عاصره شهادات موثّقة ذات وزن کبیر. وکثیر منها مدوّن فی مظان الکتب، بل حاز إعجاب غیر المسلمین عندما رأى بعضهم الإمام وهو یدیر شؤون المسلمین، فکان خیر خلف لخیر سلف.
فهل تعدُّ عملیَّة اختیار محمَّد بن عبد الله الخلیلی للإمامة عملیَّة دیمقراطیة بالمفهوم الحدیث للمسار السیاسی؟ وهل یمکن أن نسمّی ذلک تحوّلا دراماتیکیًّا (نوعیا) فی العملیَّة السِّیاسیَّة؟ وهل یمکن أن یصبح نموذجًا حیًّا فی الانتخابات الحدیثة یخرج العملیَّة الانتخابیة برمّتها من المأزق السیاسی الذی تعانی منه الدول؟
ملء الساحة السِّیاسیَّة:
بتعیین الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی، اکتمل المشهد السیاسی فی عُمان الداخل، واستقر الوضع فی البلاد، وحل الأمن والأمان مکان الخوف والاضطراب، ولم یعد هناک فراغ فی السلطة بل سارت العملیَّة الانتخابیة وفق الأسس الدیمقراطیة وحسب المفهوم الشوری للحکم. وبعیدا عن المفهوم الوراثی للحکم الذی أثبت فشله فی اختیار الحاکم الکفء کانت عملیَّة انتخاب الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی دیمقراطیة من الطراز الرفیع. هذا المسار الذی تفرد به الإباضیَّة دون غیرهم من المذاهب الأخرى له أصوله السِّیاسیَّة المتعارف علیها فی منهج أهل الحق والاستقامة([45])، غیر أن التحول الدراماتیکی الذی حصل فی الحیاة السِّیاسیَّة جعل الإباضیَّة – حسب رأیی- یتبنون محاور أساسیة للوصول إلى الحکم، وهی:
الترشیح: دأب الإباضیَّة منذ تأسیس ما یعرف بالحکم السیاسی على مبدأ الترشیح لا الترشّح. یرشّحهم غیرهم ولا یرشّحون أنفسهم؛ عملا بقول الرسول: «من تواضع لله رفعه»([46]) وقوله ﷺ لأبی ذر الغفاری لما طلب الولایة: «إنک ضعیف، وإنها أمانة، وإنها یوم القیامة خزی وندامة إلاَّ من أخذها بحقها وأدى الذی علیه فیها»([47]). فهم یأنفون أن یقدّموا أنفسهم؛ لیحکموا الرعیة دون أن یُقْدم أهل الحل والعقد على ترشیحهم؛ مخافة من الله U، وخوفا من التقصیر، وتواضعا منهم، وتأصیلا لرکن الاختیار وهو رکن أساسی فی العملیَّة السِّیاسیَّة. فالذی یرشّح نفسه للإمامة یجلب لنفسه تهمة تحقیق مآربه الشخصیَّة بعد جلوسه على العرش، وقد یستهویه الکرسی فیستبد بالحکم. وإن کان لیست له نیة فی ذلک إلاَّ أن الشبهة قائمة، ومادامت الشبهة قائمة فإن آثارها قد تطال الرعیة فی المقام الأول، لذلک عمل الإباضیَّة على تنزیه أنفسهم من خلال عدم الترشّح. أمَّا إذا رشّح أهل الثقة فی البلاد الإمام فیظل مأمون الجانب، بعیدا عن أی شبهة؛ لأنَّه لا یدری إن کان هو المرشّح أو غیره، ویبقى من یحکم البلاد فی وجلٍ وخوفٍ من التفریط فی أداء الأمانة([48]).
الاختیار: بعد أن تتحدّد قائمة المرشحین من قبل أهل الحل والعقد - وقد یکون هناک أکثر من مرشّح للإمامة- تتم عملیَّة الاختیار -وهی عملیَّة دقیقة ولیست سهلة کما یعتقد بعض الناس- وفق معاییر وضوابط معیَّنة ومحددة ومواصفات عالیة. ثمَّ یستعرض أهل الحل والعقد جمیع الحالات التی رشّحوها للإمامة حالة بعد حالة. ویرون مدى توافقها مع مواصفات الإمام العادل. فمن نقصت فیه صفة من الصفات طُرح من القائمة. ومن اتصف بجمیع الصفات حاز على الثقة ورُشِّح لیکون فی مقام المسؤولیة.
التکلیف: إذا توافق العلماء ومن یمثلون النخبة من الشعب على إمام یملک جمیع المواصفات التی حددها الشرع لنیل ثقة الشعب یقومون بتکلیفه بالإمامة. وهی عملیَّة دیمقراطیة شوریة منذ الصدر الأول للإسلام؛ لأنَّ عملیَّة التکلیف تتبعها عملیَّة العزل إن هو لم یسِر على طریق السلف الصالح. وبالتالی فإن الإمام إمّا أن یثبت جدارته فی الأمانة والثقة والصدق. وأمَّا أن یحید عن الطریق، ویخالف الأمر، ویعرّض نفسه للمساءلة وبالتالی العزل أو الإقالة.
البیعة: وهی مفهوم تجریدی (تراجیدی) للحکم السیاسی، تتم بموافقة أهل الحل والعقد، وهم فئة العلماء والعقلاء والحکماء من الأمَّة على تعیین الإمام ومبایعته. على أن یکون عادلا بین الرعیة منصفا فی حکمه، عالما بأحوال الناس، منصتا لهمومهم، مبادرا لحل مشاکلهم، مسؤولا عن أمنهم وأمانهم. وعلى الرعیة الذین یبایعونه الطاعة والولاء ومساندة الإمام والذود عن حیاض الوطن والقیام بالواجبات المنوطة بهم.
تتم المبایعة أولا من العلماء والشیوخ والأعیان ثمَّ عامَّة الشعب. وهی الإعلان الرسمی لتنصیب الإمام. ومنذ تلک اللحظة تصیر الأمور إلیه وهو الذی یصدر القرارات المهمة لتعیین من یراه صالحا لخدمة الأمَّة من المستشارین والوزراء والولاة الذین یمثلونه فی أرجاء البلاد، ویعتمد علیهم فی المهمّات وتصحیح المسار.
ذلک هو ملخّص الترکیبة السِّیاسیَّة عند الإباضیَّة. وهو النهج الذی سار علیه الإباضیَّة زمن الإمام الخلیلی - رحمه الله -. غیر أن هناک نقطة مهمّة فی الحکم نرید أن نعرّج علیها وهی غیر واردة فی الدساتیر الحدیثة التی اعتمدت الدیمقراطیة الشکلیة فی اختیارها الرؤساء، وهی مدة بقاء الإمام فی الحکم. إذ لا تنص الأعراف الانتخابیة فی العهد الإسلامی على تحدید مدة بقاء الإمام أو الخلیفة فی الحکم. وإنَّما تحدد نهایة حکمه إما بالوفاة أو العزل.
فالإمام لیست أمامه مدّة محددة یقضیها ویرحل. بل إن بقاءه مرهون بعدله وإنصافه. فهو مراقب من قبل هیئة العلماء. وحکمه یبقى مادام یسیر على نهج الاستقامة. فإن رأوا فیه ما یخل بالمروءة أو ما یضعضع الحکم نتیجة میله لقبیلة أو عرق أو غیر ذلک أو یستبد فی حکمه فإنَّه یُعزل فورا ویُستبدل بغیره. وکذا الأمر فی حالة الوفاة. أمَّا أن تقام انتخابات فی کلِّ خمس سنوات فذلک ممَّا لا یستساغ حتَّى فی وقتنا الحاضر حسب رأیی؛ لأنَّ الحاکم أو الإمام لا بد أن تعطى له المدة الکافیة للإصلاح والتغییر. ولا تحدّد بمدة زمنیة قصیرة؛ لأنَّه قد لا یستطیع أن یفی بوعوده خلالها، فیعدُّ خائنا فی نظر البعض من الناس، بل علیه أن یواصل العمل إن کان موقنا أنَّه سیبلغ الهدف.
ولا شک أن هذا التحول الذی حدث فی عهد الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی قد جعل الحیاة السِّیاسیَّة والاجتماعیَّة والاقتصادیَّة مستقرة؛ لأنَّ عملیَّة الانتخاب سارت على النحو الدیمقراطی الذی یُعتمد فیه على الکفاءة لا على الجنس أو العرق. ولیس بالضرورة أن تأخذ عملیَّة الانتخاب شکلا معینا ومحددا. إذ لم یرد فی القرآن الکریم ولا فی السنَّة النبویَّة الشریفة قواعد الحکم. بل اجتهد کل فصیل کیفما یراه صالحا، وبالتالی لا تقتصر عملیَّة الاختیار على صنادیق الاقتراع باعتبارها الحل الوحید لاستقصاء آراء الشعب کما یحب أن یسمیها رجال الساسة الیوم. بل هناک طرق أخرى قد تکون أکثر فاعلیة ولها نتائج مثمرة على الحالة الأمنیة والاقتصادیَّة. ولکل عصر ظروفه واستثناءاته تقتضی من العملیَّة السِّیاسیَّة أن تکون وفق رؤى واستراتیجیات محددة.
فالحیاة السِّیاسیَّة ونظام الحکم فی البلاد یعتمدان فی الأساس على اجتهاد العلماء والفقهاء والعقلاء والحکماء ورجال القانون. لکن الدساتیر الحدیثة لا یمکن اعتبارها نموذجا رائعا للحکم أو ملزمة للناس فی کلِّ عصر وفی کل زمان ومکان. أو أنَّها ثابتة لا تتغیّر ولا تتبدّل ولا تُنقّح، بل یمکن أن تتغیر الطرق والأسالیب المنهجیة فی الحکم حسب معطیات العصر وظروفه. فما کان شائعا فی بدایة القرن العشرین قد لا یصلح فی القرن الحادی والعشرین، وما طرأ على الحکم فی العصر الحدیث لیس بالضرورة أن یکون هو أساس النجاح فی کلِّ الأحوال. فقد تکون هناک طرق أخرى مثلى تستدعی تغیّر الأحوال واتِّباع مسالک جدیدة قد تکون مفیدة وناجعة، وتسیر بالبلاد نحو الأمان. ولعل التجربة الخلیلیة خیر مثال على ذلک، إذ تبلور الحکم الدیمقراطی فی ظل سیاسة الاتزان التی سلکها الإباضیَّة فی تاریخهم النضالی. وهم فی کلِّ مرة ینتجون إبداعا سیاسیا تعتمد علیه الدساتیر الدولیة.
خاتمة:
لقد تبین ممَّا سبق أن انتخاب الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی - رحمه الله - مرّ بمراحل دیمقراطیة. فمنذ اغتیال الإمام سالم بن راشد الخروصی، أدرک العلماء وأهل الحل والعقد هول الموقف. وما زالت الفتنة التی قامت بعد انهیار دولة الیعاربة تخیمّ فی أذهانهم. وخوفا من حالة الانفلات والفوضى والحروب سارع هؤلاء إلى إخمادها قبل انتشار أُوارها. وعقدوا العزم على انتخاب الإمام الجدید فی أقرب فرصة ممکنة. وفعلا بعد ثمانیة أیام على الأرجح تم تعیین الشاب محمَّد بن عبد الله الخلیلی - رحمه الله - إماما على المسلمین بعد أن أجمعت کل القوى على صلاحه وکفاءته وتأهّله. ومن هنا کانت النتائج التالیة:
- لا یعترف الإباضیَّة بنظام الوراثة فی الحکم، بل إنَّهم یجعلون الکفاءة والعدل بین الرعیة أساس الاختیار. وإن کان الابن کفؤا ولم ترد ملاحظات على مروءته وصلاحه فیمکن أن ینتخب. وأن یکون إماما کما حدث فی الدَّولة الرستمیَّة بالمغرب العربی.
- اخترع الإباضیَّة نظاما جدیدا فی الحکم وهو الترشیح ثمَّ الاختیار ثمَّ التکلیف. فالإمام لا یرشِّح نفسه لأنَّ فی ترشیح نفسه شبهة. والشبهة مرفوضة فی نظام الحکم الإباضی حتَّى لو کان الرجل کفؤا. وبالتالی فإن الإمام المنتخب یخضع للتمحیص والتدقیق حتَّى یکون ضمن القائمة. وشروط الإمامة عند الإباضیَّة معروفة تمیزوا بها عن غیرهم من المذاهب الأخرى. ومن ثمَّ فإذا رشّح أهل الحل والعقد شخصا أو أکثر للإمامة وهم الذین یمثلون الشعب، واختارهم الشعب؛ لأمانتهم وللثقة الکاملة فی حکمهم على الأشخاص وتمییز الطیب من الخبیث، تقع عملیَّة الاختیار بین المرشحین إن کانوا أکثر من واحد. أمَّا إذا کان المرشح واحدا فیتم تکلیفه بالإمامة. وإذا تم التکلیف لا یحق لهذا الإمام أن یرفض. وإذا رفض تقطع عنقه کما أراد فعل ذلک الإمام السالمی مع الإمام سالم بن راشد الخروصی - رحمهما الله -.
- البیعة أو الانتخاب، فبعد أن یتم التکلیف من العلماء الأجلاء تعقد ما یسمى البیعة أو المهرجان الانتخابی کما هو متعارف علیه الیوم. وفیه یقوم الشعب بانتخاب الإمام فی جو دیمقراطی بهیج بعیدا عن کل المناوشات والخصومات والتأثیرات والحملات الانتخابیة الادعائیة التی تقوم بها الدول الیوم. ففی ذلک الیوم یصبح الإمام مکلّفا رسمیا وتوکل إلیه جمیع المهمات والصلاحیات وما على الشعب إلاَّ الطاعة والولاء ما دام یحکم بالعدل والإنصاف.
- یجوز للعلماء وهم الفئة التی تمثل الشعب عزل أو إقالة الإمام إذا رأوا فیه ما یخالف الشرع، أو ما یخلّ بالمروءة، أو ما یدلّ على الفساد الإداری أو المالی أو غیر ذلک. وما عدا ذلک لا یحق للشعب أن یحتجّ أو یرتجّ فی أی وقت یریده، بل علیه أن یعمل مع الحاکم لتوطید الحکم ولبسط الأمن والأمان.
- ما تمیّز به الإباضیَّة فی نظام الحکم فعلا عن الدساتیر الحدیثة التی جعلت صندوق الاقتراع هو الفیصل فی الانتخاب وحددت مدة للرئیس، هو عدم تحدید مدة بقاء الإمام. فبقاؤه مرهون بعدله وإنصافه وقدرته على ممارسة الحکم وما عدا ذلک هو مرفوض. وهو المنطق الذی یفرض نفسه، فإن الإمام المعین أو الرئیس لا بد أن یمنح المدة الکافیة لتحقیق التنمیة المستدامة والعدل بین الرعیة، فلیست مدة أربع سنوات أو خمس سنوات کافیة لأن یعمل الرئیس فی حقل التنمیة وبسط الأمن والأمان فلا بد له من وقت طویل؛ لأنَّ الاستراتیجیات لا بد أن تکون طویلة المدى لثبات مدى فاعلیتها. فما أن یأتی رئیس یرید أن یطبق خطة معیَّنة حتَّى تأتی انتخابات تزیحه عن الحکم، ویأتی خلفه فینسف ما قام به فی لمحة عین لیبدأ خطة جدیدة وهکذا، فأیهما أفضل؟
([1]) الخمیسی، یوسف بن ناصر: ولادة عاصمة الثقافة الإسلامیَّة، ط1، بیت الغشام للنشر والترجمة، مسقط، 2015م، ص97.
([2]) غباش، د. حسین: عمان الدیمقراطیة الإسلامیَّة، تقالید الإمامة والتاریخ السیاسی الحدیث، ط3، دار الفارابی، بیروت، لبنان، 1999، ص70.
([3]) أبو الیقظان، إبراهیم: سلیمان البارونی باشا فی أطوار حیاته، الدار العمانیة، 1376هـ/1956م، ج2، ص58.
([4]) «الإمامة هی رئاسة عامَّة فی أمور الدین والدنیا لشخص وهی خلافة الرسول فی إقامة الدین وحفظ حوزة الملة».
ینظر تفاصیل المسالک الأربعة فی:
-جهلان، عدون: الفکر السیاسی عند الإباضیَّة من خلال آراء الشیخ محمَّد بن یوسف اطفیش، جمعیة التراث- القرارة، الجزائر، ص127 نقلا عن الشیخ محمَّد اطفیش فی شرح عقیدة التوحید ط، حجریة، ص437، وللاطلاع على تفاصیل المسالک الأربعة ینظر: ص148-210.
- الخروصی، د. سالم بن هلال: الفکر السیاسی عند الإباضیَّة والزیدیة، ط1، مکتبة مدبولی، 2006، ص97- 106.
- غباش: عمان الدیمقراطیة الإسلامیَّة، ص68-69.
([5]) جیران لاندن، روبرت: عمان منذ 1856 مسیرا ومصیرا، ط5، وزارة التراث القومی والثقافة، 1415هـ/1994م، ص453- 468.
([6]) البسام، علی بن حسین بن عبد الله: الأوضاع السِّیاسیَّة والاقتصادیَّة فی سلطنة مسقط وأثرها على الملاحة والتجارة فی عهد السلطان ترکی بن سعید وابنه فیصل، 1873- 1914م، ص20-24.
([7]) النعمانی، حمد بن حمید: مقال خاص کتب لموقع قلعة التاریخ على مواقع التواصل الاجتماعی بتاریخ 13 أبریل 2015م. https://www.facebook.com/permalink.php?storyfbid=741182655898585&id=689938381023013.
([8]) السالمی، أبو بشیر محمَّد بن عبد الله: نهضة عمان بحریة عُمان، من مکتبة التراث، د.ط. د.نا، ص149. وینظر: غباش: عمان الدیمقراطیة الإسلامیَّة، ص276-277.
([9]) ینظر: غباش: عمان الدیمقراطیة الإسلامیَّة، ص276.
([10]) ینظر: السالمی: نهضة الأعیان، ص162، 163. والحارثی، سعید بن حمد: اللؤلؤ الرطب فی إبراز مستودعات القلب، د.نا، د.م، د.ت، ص19. والفارسی، ناصر بن منصور، نزوى عبر الأیام، معالم وأعلام، ط1، أصدرته إدارة نزوى بمناسبة عام التراث العمانی، 1994م، 1415هـ/1994م، ص198.
([11]) السالمی: نهضة الأعیان، ص197.
([12]) ینظر ترجمة الإمام سالم بن راشد الخروصی فی: اللؤلؤ الرطب، ص160- 182.
([13]) السالمی: نهضة الأعیان، ص198.
([14]) ینظر: المصدر نفسه، من ص213 إلى 302.
([15]) السالمی: نهضة الأعیان، ص311.
([16]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص22.
([17]) الفارسی: نزوى عبر الأیام معالم وأعلام، ص198- 199. وینظر: السالمی: نهضة الأعیان، ص310.
([18]) ینظر: الطائی، عبد الله بن محمَّد: تاریخ عمان السیاسی، ط1، مکتبة الربیعان للنشر، الکویت، ص73.
والعبیدانی النخلی، حمید بن محمَّد بن رزیق: الفتح المبین فی سیرة السادة البوسعیدیین، عرض ودراسة الدکتور عبد الله محمَّد جمال الدین، د.نا، القسم التاریخی، ج 1، ص27- 30. والهاشمی، د. سعید بن محمَّد: دراسات فی التاریخ العمانی، ط1، النادی الثقافی، مسقط، دار الفرقد، 2011 م، ص248- 300.
([19]) المسکری، سیف بن عدی: الإمامة والصراع على السلطة فی عمان أواخر دولة الیعاربة، (1131هـ / 1719م ـ 1162هـ / 1749م) ط1، بیت الغشام للنشر والترجمة، مسقط، 2015م، ص97.
([20]) المرجع نفسه، ص98.
([21]) ینظر: الطائی: تاریخ عمان السیاسی، ص70-79.
([22]) ینظر: الشعیلی: محمَّد بن حمد، التنافس البریطانی الفرنسی فی عمان 1888-1913م، دراسة سیاسیة، ط1، دار الفرقد للطباعة والنشر، دمشق سوریا، 2014م، ص206-207.
([23]) یقصد بها حدیث النفس فی السیاسة.
([24]) ینظر ترجمته فی: الفارسی: نزوى عبر الأیام، معالم وأعلام، ص201. والشکیلی، إبراهیم بن محمَّد بن حامد: مدرسة الإمام محمَّد بن عبد الخلیلی وأثرها فی نشر العلم، ط1، د. نا، 1434هـ/2013م، ص119-120.
([25]) الریامی، ناصر بن عبد الله: زنجبار شخصیات وأحداث (1828 - 1972)، ط3، بیت الغشام للصحافة والنشر والترجمة والإعلان، 2016 م، ص395.
([26]) الترکی، د. عبد الله بن إبراهیم: قیام نظام الإمام فی عمان (1331- 1339هـ/ 1913-1920م)، بحث على الإنترنت منشور فی مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشریعة والدراسات الإسلامیَّة، العدد (46) محرم 1430هـ، ص284-285، 287- 290.
ینظر: رد الإمام سالم بن راشد الخروصی على الوکیل السیاسی والقنصل البریطانی، فی نهضة الأعیان بحریة عمان، ص234- 235.
([27]) نهضة الأعیان بحریة عمان، ص239.
([28]) المصدر نفسه، ص377.
([29]) السرحنی، إسماعیل بن إبراهیم: قلائد المرجان فی ذکر السیرة العطرة لأئمة عمان، مسقط، وزارة التراث القومی والثقافة، 1991م، ص46.
([30]) ینظر: تراجم أبیه وجده وعمه فی نهضة الأعیان بحریة عمان، ص380-394.
([31]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص215.
([32]) ینظر: شذرات من سیرته فی اللؤلؤ الرطب، 284-294.
([33]) سلیمان البارونی باشا، ج2، ص58.
([34]) السالمی: نهضة الأعیان، ص395- 397.
ینظر تراجم العلماء - أیضا - فی: مدرسة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی وأثرها فی نشر العلم للشکیلی، ص330- 340.
([35]) ینظر ترجمته فی: نزوى عبر الأیام للفارسی، ص206- 207.
([36]) السالمی: نهضة الأعیان، ص395-396.
([37]) حدیث ضعیف رواه الترمذی رقم 3127. ورواه الطبرانی فی الکبیر وابن جریر الطبری فی التفسیر (14/ 46).
([38]) السالمی: نهضة الأعیان، ص378-379. وینظر: السرحنی: قلائد المرجان فی ذکر السیرة العطرة لأئمة عمان، ص46.
([39]) السالمی: نهضة الأعیان، ص379.
([40]) المصدر نفسه، ص376-377.
([41]) المصدر نفسه، ص396.
([42]) سلیمان البارونی باشا فی أطوار حیاته، ص58.
([43]) إذا اعتبرنا مولده سنة 1299هـ، ومبایعته کانت سنة 1338هـ، فإنَّ عمره وقت استلام الحکم لم یتجاوز التاسعة والثلاثین وهو فی قمة النشاط والحیویة.
([44]) سلیمان البارونی باشا فی أطوار حیاته، ص58.
([45]) کلام جمیل للشیخ محمَّد السالمی فی هذا المجال، ینظر: نهضة الأعیان، ص165.
([46]) أخرجه ابن ماجه من حدیث أبی سعید ورواه أبو یعلى وأحمد.
([47]) رواه مسلم فی صحیحه والإمام أحمد فی مسنده.
([48]) لمزید من التفاصیل ینظر: غباش: عمان الدیمقراطیة الإسلامیَّة، ص72-73. وینظر: صور عزل الإمام وخلعه وطلب الإقالة فی الفکر السیاسی، ص152-156.
- القرآن الکریم.
- أبو الیقظان، إبراهیم بن عیسى: سلیمان البارونی باشا فی أطوار حیاته، الدار العُمانیَّة، 1376هـ/1956م.
- البسام، د. علی بن حسین بن عبد الله: الأوضاع السِّیاسیَّة والاقتصادیَّة فی سلطنة مسقط وأثرها على الملاحة والتجارة فی عهد السلطان ترکی بن سعید وابنه فیصل،1873- 1914م.
- الترکی، د. عبد الله بن إبراهیم: قیام نظام الإمام فی عُمان (1331- 1339هـ/ 1913-1920م)، بحث من الإنترنت منشور فی مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشریعة والدراسات الإسلامیَّة، العدد (46) محرم 1430.
- جهلان، عدون: الفکر السیاسی عند الإباضیَّة من خلال آراء الشیخ محمَّد بن یوسف اطفیَّش، جمعیة التراث- القرارة، الجزائر.
- جیران لاندن، روبرت: عُمان منذ 1856 مسیرا ومصیرا، ط5، وزارة التراث القومی والثقافة، 1415هـ/1994م.
- الحارثی، سعید بن حمد: اللؤلؤ الرطب فی إبراز مستودعات القلب، لا طبعة ولا دار نشر ولا تاریخ.
- الخروصی، د. سالم بن هلال: الفکر السیاسی عند الإباضیَّة والزیدیة، ط1،مکتبة مدبولی، 2006 م.
- الخمیسی، یوسف بن ناصر: ولادة عاصمة الثقافة الإسلامیَّة، بیت الغشام للنشر والترجمة، ط1، مسقط، 2015م.
- الریامی، ناصر بن عبد الله: زنجبار شخصیات وأحداث (1828ـ1972)، ط3، بیت الغشام للصحافة والنشر والترجمة والإعلان، 2016 م.
- السالمی، أبو بشیر محمَّد بن عبد الله: نهضة عُمان بحریة عُمان، من مکتبة التراث، لا دار نشر ولا طبعة.
- السرحنی، إسماعیل بن إبراهیم: قلائد المرجان فی ذکر السیرة العطرة لأئمة عُمان، مسقط، وزارة التراث القومی والثقافة، 1991م.
- الشعیلی، محمَّد بن حمد: التنافس البریطانی الفرنسی فی عُمان 1888-1913م، دراسة سیاسیة، ط1، دار الفرقد للطباعة والنشر، دمشق سوریا، 2014م.
- الشکیلی، إبراهیم بن محمَّد بن حامد: مدرسة الإمام محمَّد بن عبد الخلیلی وأثرها فی نشر العلم، لا دار نشر، ط1، 1434هـ/2013م.
- الطائی، عبد الله بن محمَّد: تاریخ عُمان السیاسی، مکتبة الربیعان للنشر، الکویت، ط1.
- العبیدانی النخلی، حمید بن محمَّد بن رزیق: الفتح المبین فی سیرة السادة البوسعیدیین، عرض ودراسة الدکتور عبد الله محمَّد جمال الدین، لا دار نشر، القسم التاریخی.
- غباش، د. حسین: عُمان الدیمقراطیة الإسلامیَّة، تقالید الإمامة والتاریخ السیاسی الحدیث، 1500ـ 1970، ط3،دار الفارابی، بیروت، لبنان، 1999.
- الفارسی، ناصر بن منصور: نزوى عبر الأیام، معالم وأعلام، ط1،أصدرته إدارة نزوى بمناسبة عام التراث العُمانی 1994م، 1415هـ/1994م.
- المسکری، سیف بن عدی: الإمامة والصراع على السلطة فی عُمان أواخر دولة الیعاربة، (1131هـ / 1719م ـ 1162هـ / 1749م) ط1،بیت الغشام للنشر والترجمة، مسقط، 2015م.
- النعمانی، حمد بن حمید: مقال خاص کتب لموقع قلعة التاریخ على مواقع التواصل الاجتماعی.
- الهاشمی، سعید بن محمَّد: دراسات فی التاریخ العُمانی، النادی الثقافی، مسقط، ط1،دار الفرقد 2011م.