الصفات الخُلُقیَّة للإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلي (الجانب السلوکي)
الباحث المراسل | جمال رمضان العیسیـین | إمام وخطيب |
إنَّ من مظاهر الأصالة فی أیَّة أمَّة من الأمم وفاءَها وعرفانها بالجمیل للعاملین المخلصین من أبنائها، وإنَّ أمانة التعریف ورفع الغبار عن سیرة هؤلاء الرجال رسالة فی عنق الدارسین والباحثین، فهم غیر معذورین إن عذرت العامَّة من الناس، وهم أوَّل المحاسبین حین یحاسب المسؤولون والرعاة. ومن الرجال الذین أفنوا حیاتهم فی خدمة العلم، وسخَّروا أوقاتهم وأموالهم فی إسعاد الناس وتلبیة حاجیاتهم، وساسوا الرعیَّة بالعدل وسموِّ الأخلاق والقیم، ونشروا الأمن والأمان فی کلِّ ربوع عُمان، الإمام العادل والبحر الزاخر والشیخ الفاضل محمَّد بن عبد الله بن سعید بن خلفان الخلیلی الخروصی- رحمه الله.
ولقد اخترت موضوع (الجانب السلوکی للإمام الخلیلی)، لزیادة التعرُّف إلى هذه القامة السامقة، لاسیما أنَّ سلوک المرء فی الغالب مرآة عاکسة لمخبره، وهذا ما کان واضحا وجلیًّا مع هذا الإمام الجلیل، فکلَّما تعمَّقت فی صفاته الخُلُقیَّة اتَّضح لک صفاء معدنه، وتجلَّت لک أخلاقه العالیة وخصاله الحمیدة. والناظر من بعید لهذا الموضوع یراه سهل المنال- وهذا ما وقع للباحث فی هذه الورقة- لکنَّ الذی یفتح الباب ویسیر فی هذا الطریق ستعترضه صعوبات منها:
- قلَّة المصادر المطبوعة التی تحدَّثت عن الإمام الخلیلی، وإن وجدت فهی لم تتعمَّق فی الجانب السلوکی.
- الاعتماد على المقابلات التی أجراها غیری من الباحثین مع من بقی على قید الحیاة من تلامیذ الإمام - أمدَّ الله فی عمرهم -، وذلک لبعد أماکن إقامتهم، ولضیق الوقت، ولارتباطی الشدید بالعمل.
- هناک تقارب شدید وتداخل فی المعنى بین الصفات؛ وصعوبة اختیار الشاهد أو الدلیل على تلک الصفات، أو ضرورة تکراره مع أکثر من صفة واحدة. ولهذا السبب أیضا جمعت أکثر من صفة تحت عنوان واحد.
أرجو أن أکون قد وُفِّقت فی إظهار بعض صفات هذا الرجل العظیم، وهذا الإمام العادل فی هذا البحث، وما توفیقی إلاَّ بالله، وهو من وراء القصد.
صفات الإمام الخَلقیَّة وانعکاسها على صفاته الخُلُقِیة:
کان الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی – رحمه الله - «جمیل الخلق، أبیض اللون، حَسَن الخُلق، مدوَّر اللحیة، نحیف البنیة، تنجذب النفس إلیه حبًّا، تعلو وجهه الهیبة والوقار»([1]). وکان أیضا وسیمًا وأنیقا خاصَّة قبل ارتقائه عرش الإمامة؛ لأنَّه کان فی رغد وبحبوحة من العیش. فقد کان – رحمه الله – «یلبس الأبیض الجدید، ویشمُّ الطِّیب، وکان کثیرا ما یتعطَّر بالعود یُهدَى إلیه من زنجبار وغیرها، ویضع ماء الورد على عمامته، ولا سیما یوم الجمعة عند خروجه إلى الجامع. ولقد قال عنه الشیخ سعید الحارثی: بأنَّک إذا رأیته لا تملُّ من رؤیته، وتودُّ أن لا تصرف نظرک عنه، وهو نور یمشی على الأرض. وقال عنه أحد طلاَّبه: الإمام الخلیلی نور من الأنوار»([2]). إنَّ هذه الصفات المتمثِّلة فی حسن الهیئة وجلال المظهر، زادها جمالا وبهاء سلوکٌ راق وخلق کریم تحلَّى به الإمام الخلیلی، فما هی صفاته الخُلُقیَّة؟
التقوى والورع والزهد فی الدنیا:
سئل الإمام علیٌّ – کرَّم الله وجهه - عن التقوى فأجاب: «هی الخوف من الجلیل، والعمل بالتنزیل، والرضا بالقلیل، والاستعداد لیوم الرحیل»([3])، ویقول الحقُّ سبحانه وتعالى: ﴿یَآ أَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ (سورة آل عمران: 102). ویقول: ﴿یَآ أَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (سورة الحشر: 18). والتقوى هی مخافة الله فی السرِّ والعلن، کما قال رسول الله ﷺ عن الإحسان: «أن تعبد الله کأنَّک تراه، فإن لم تکن تراه فإنَّه یراک». والتقوى هی أساس تقبُّل الأعمال، ﴿إِنَّمَا یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ﴾ (سورة المائدة: 27)، وذلک مستفاد من خلال أسلوب الحصر بأداة «إنَّما»؛ لذلک کان التقوى والورع سمة حیاة الإمام، رجاءً فی ثواب الله سبحانه، وخوفا من عقابه.
لقد کان الإمام الخلیلی کثیر العبادة، بقیام اللیل وصوم النهار، عملا بالآیة الکریمة: ﴿کَانُوا قَلِیلاً مِّنَ اللَّیْلِ مَا یَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ وَفِی أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (سورة الذاریات: 17 - 19). فکان الإمام مسافرا مع مجموعة من أتباعه على ظهور الدواب من سناو إلى نزوى، وعندما وصلوا نزوى کان التعب قد أخذ منهم أشَدَّه؛ فاستلقى کلُّ واحد عند راحلته، «إلاَّ الإمام فإنَّه توضَّأ، ثمَّ أحیا لیله بین راکع وساجد إلى أذان الفجر»([4]). وفعل الإمام مثل ذلک عندما بات فی حصن بهلا، إذ کان یقوم آخر اللیل یصلِّی حتَّى طلوع الفجر([5]). وکان الإمام یطیل القراءة فی صلاة السحر؛ فیقرأ سورة الکهف فی رکعة واحدة مع بطء القراءة والتدبر([6]).
وفی أثناء الحرب العالمیة الثانیة انخفض تصدیر الأرز إلى عُمان؛ ممَّا أدى إلى ارتفاع سعره وندرته فی الأسواق المحلیة؛ وأدى إلى اعتماد المجتمع بشکل أساس على السمک والتمر واللحم، وکان الإمام- رحمه الله- یأکل مثل الناس لم یتمیز منهم بشیء. وعندما طبخت له زوجته وجبة أرز اشترته من نفقتها الخاصَّة رفض الإمام أن یأکل منها، وقال لها: «لا آکل إلاَّ ما یأکله العامَّة، لا حاجة لی به، اِحملیه، أو اطعمی الجمیع»، وتقول زوجه معلقة على هذا الموقف: «فردَّنی إلى أن أتابعه، فآکل ما یأکله، فما دخل بطوننا شیء غیر الموجود للعامَّة، حتَّى فرَّج الله، وارتفع الغلاء، وعاد الناس إلى ما کانوا علیه»([7]).
وقد کان – رحمه الله – إضافة إلى تقواه وورعه زاهدا فی الدنیا، إذ صغرت فی عینیه؛ فأصبح لا یرى لها قدرا، على الرغم أنَّه کان یعیش فی رخاء وسعة فی الرزق مع عائلة میسورة الحال، إذ قیل عنه: إنَّه «کان قبل ارتقائه عرش الإمامة فی رغد من العیش، وتأنُّق من اللباس؛ لأنَّه کان غنیًّا، فلمَّا ولی الأمر رغب عن ذلک مع کثرة غناه، فکان یطوی الأیَّام واللیالی، ویفطر على التمر والعوال»([8]).
وزار القاضی حمود بن عبد الله الراشدی الإمام، وهو فی فراش المرض فی غرفته بحصن نزوى، فوجده «قد نام على فراش لا ینام على أمثاله إلاَّ الفقراء المنقطعون. فجیء إلیه بحلیب، فطلب له السُّکَّر. فقیل له: لیس فی البیت سکَّر منذ ثلاثة أیَّام. قال: لا بأس، عسل النحل فی الحلیب أطیب من السُّکَّر، فتناول بقیَّة عسل کان عنده، فصبَّ الحلیب علیه وشربناه»، یقول الراشدی معلِّقا على هذا الموقف: «هذا مَثَلٌ للحکَّام! أیکون بیتٌ مثله فارغا من الشیء الضروریِّ ثلاثة أیَّام؟!»([9]).
وقد تشبَّه الإمام الخلیلیُّ بالخلیفة عمر بن عبد العزیز فی زهده عندما اشتهى یوما بعض الأکل فی بیته، فلمَّا حضر عفَّ عنه وقال: لا أحبُّ أن أعطی نفسی ما تشتهی.
جوع الخلیفة والدنیا بقبضته
فی الزهد منزلة سبحان مولیها([10])
ومن تقوى الإمام وورعه وزهده فی الدنیا إکثاره من صیام التطوُّع؛ «حتُّى ابتلی بنقصان فی بصره؛ لکثرة صیامه وتقشُّفه فی المعیشة، بقی خمسة أشهر مکفوفا؛ فاحتاج إلى علاج، فأرسل إلى الدکتور تومس الأمریکی من مسقط فلبَّى دعوته، فعالجه فأبصر من إحدى عینیه»([11]).
ویرتبط بتقوى الإمام وزهده وإخلاصه أن أکرمه الله بإجابة الدعاء. وممَّا یؤثر عن الإمام الخلیلی فی هذا الجانب، ویدل على سرعة استجابة الله تعالى لدعائه، أنَّه خرج فی زیارة تفقدیة لمدینة بدیَّة، فاشتکى له أهلها من شدة الریح التی منعتهم من الخروج من المنزل إلاَّ بغطاء للوجه والرأس، فأمر الإمام بالخروج للصلاة، ثمَّ دعا الله لهم لیرفع عنهم البلاء؛ فسکنت الریح وسعد الناس بذلک. واشتکوا له من الجراد الذی أتى على الأخضر والیابس، ولم یترک لهم شیئا، فما کان من الإمام إلاَّ أن أمرهم أن یحضروا له بعض الجراد، ففعلوا فکتب على جناح بعضها ثمَّ دعا، وأخلى سبیلها، فطارت تقود جیوش الجراد معها، فاستراحت بدیَّة منها نهائیا. وقد روی عنه أنَّه بینما کان یصلی صلاة المغرب فی بدیَّة أضاء نور فی المحراب الذی قام یصلی فیه إماما للجماعة([12]). وعند عودته من بدیَّة توقَّف الإمام فی بلدة محرم، فاشتکى له الناس الجفاف وقلة المطر، فأمرهم بالخروج لصلاة الاستسقاء، وبعد الصلاة دعا لهم بالغیث النافع، وکان ذلک فی الصباح وما أن حان وقت العصر، حتَّى انهمر المطر، وسالت میاه الوادی ببرکة دعاء الإمام([13]).
وعند وفاة الإمام – رحمه الله – وفی أثناء حفر قبره قیل: إن رائحة طیبة کانت تخرج منه، وکأن سراجا یضیء لهم القبر، وهم یحفرونه لیلة وفاته t. وکان الطقس فی أثناء تشییع جنازته شدید الحرارة والمقبرة بعیدة عن مکان الغسل، إلاَّ أنَّه وبمجرد خروج الجنازة أظلَّتهم سحابة إلى أن أتموا مراسم الدفن، وهذه من کرامات الله لأولیائه الصالحین([14]).
القوة والشجاعة والصبر:
کان الإمام الخلیلی لا یتبرَّم ولا یضجَّر، تأتیه الحوادث، وتطرقه الکوارث، فلا یتغیَّر، ولا یتضعضع، یتلقَّاها بصدر أوسع من الدهناء، فإذا جاء الجدُّ فهو اللیث عادیا. ومن الأمثلة التی تروى عن قوَّته وشدَّة تحمُّله للتعب «أنَّه خرج فی مائة راکب فی سفر من سناو إلى نزوى، فما وصل مع الإمام إلاَّ خمسة من المائة، الجَلِدُ منهم من حطَّ الرحل عن ناقته، وإلاَّ سقط عنها من التعب. أمَّا الإمام فإنَّه نزل عن ناقته، وتوجَّه إلى الماء، فتوضَّأ، واستقبل القبلة یصلِّی، حتَّى أُذِّن لصلاة الصبح»([15]).
ومن قوَّته وشجاعته – رحمه الله – ما حدَّث به الشیخ الرقیشی معجبا بالإمام الخلیلی، إذ یقول: «لَـمَّا کنَّا فی برکاء، والبارجة نتراءاها فی البحر، خرج أکثر أصحاب الإمام یمشون على الساحل، فأمطرت البارجة علیهم وابلا من الرصاص فرَّقهم، وصاروا یتحیَّزون ویتحرَّفون، إلاَّ الخلیلیَّ لم یغیِّر مشیته حتَّى من بطء إلى سرعة فی الأقلِّ، والرصاص من حوله کأنَّه المطر، فقیل له: لِمَ لا تأخذ حذرک من الواقع؟ قال: لأیِّ شیء خرجنا؟ إلاَّ لإحدى الحسنیین؟»([16]). ﴿قُل لَّن یُصِیبَنَا إِلاَّ مَا کَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ (سورة التوبة 51). وکان الإمام الخلیلی –رحمه الله – أسدا هصورا لا یشق له غبار فی ساحة الوغى؛ فعندما وصل الإمام بجیشه قرب الجبال المحیطة ببلدة الطو، وجدوا على رؤوسها أناسا مسلحین، فأشار علیه أصحابه بالتوقف، وعدم التقدم خوفا من أن یکون الواقفون على الجبل من أعداء الإمام، یریدون الفتک به وبمن معه، إلاَّ أنَّه استمر فی المسیر، وصعد الجبل فوجد أن المرابطین فی أعالی الجبل من أنصاره ینتظرون قدومه([17]). وکان الإمام یحضر تطبیق الحدود رغم أنَّه یعلم أن من بین الحاضرین من أقارب المقام علیه الحد، وهم یحملون أسلحتهم، ویمکن أن یطلقوا علیه النار إن أرادوا الانتقام من الإمام([18]).
وأمَّا صبره فیکفیه – رحمه الله – أنَّه صبر على فقدان نعمة البصر خمسة أشهر، وتحمل ما ابتلی به، وصبر إلى أن أتاه الفرج. وکتب إلیه أحد القضاة یشتکی إلیه سوء الحال، فرد علیه الإمام قائلا:
شکا إلیَّ جَمَلی طــــــول السُّـرَى
صبرا جمیلا فکلانا مبتلى([19])
الکرم والسخاء:
التربیة الخلقیة التی تلقاها الإمام والتزم بها، جعلته کریما وسخیا فی العطاء، ولا یبخل على أحد بما فی یده، ولو کان ما بیده قلیلا. فقد کان للإمام ثروة خاصَّة ورثها عن آبائه، فباع أصولها بمائة وخمسین ألف قرش، «أنفقها فی سبیل الله، لإعزاز الکلمة، وأن تکون له ذخرا عند الله. وتوفی ولم یعقب ولدا ولا مالا، فهو -رحمه الله- منقطع القرین»([20]). ویقول صاحب اللؤلؤ الرطب فی معرض حدیثه عن کرم الإمام إلى حد أنَّه عوتب على ذلک: «وحضرت یوما فی مجلسه، وسمعته یقول لما عوتب على کثرة الإنفاق من بیت مال المسلمین: ما أنفقناه فی هوى، وإنَّما أنفقناه فی مصالح المسلمین، فإن متُّ عطشانا فلا نزل القطر، وکأنی وقد أتى من بعدنا من یأکله خضما وقضما»([21]). وکان عندما یصادف بعض الفقراء ویخبرونه بأنَّه لا لباس لهم یتسترون به، یطلب منهم أن یتبعوه إلى باب القلعة، فیعطیهم دشداشته التی علیه، ویصعد القلعة وهو بالإزار والقمیص الداخلی([22]).
«ولما أراد الانتقال من سمائل إلى نزوى باع بعض أمواله فی سمائل بخمسة وعشرین ألف قرش لرجل اسمه عزیز، وترک المال عنده، فعلم الناس بذلک فتکاثروا على الإمام یطلبون العطاء، فکان یکتب لهم على أوراق إلى عزیز؛ لیصرف لهم المبلغ المکتوب، حتَّى أصبح بیت عزیز کخلیة نحل من کثرة الناس، وما فتئ الإمام یخرج من سمائل حتَّى وزعت أمواله کلها، ولم یبق له شیء»([23])؛ وهذا لعمری قمة الکرم والسخاء فی العطاء، فهو سلیل بیت کرم وجود. «لا یرد سائلا ولا مسترفدًا، ولا یملک ما بیده، أکرم أهل زمانه، کأنما عناه القائل([24]):
ولو لم یکن فــی کفه غیرُ نفسه
لجاد بها فلیتَّق الله سائلهُ([25])
ویبرز کرم الإمام وسخائه بشکل خاص مع طلاب العلم «وقد وصل دین الدولة فی عهده بسبب کراریس جزء عمّ لحفظ القرآن اثنین وأربعین قرشا، وقد باع شیئا من أملاکه لسداد الدین»([26])؛ وذلک حرصا منه على تعلیم الناشئة القرآن وحفظه، وعلى طلب العلم ولو دفع فی ذلک الغالی والنفیس.
صفات الإمام الخلیلی فی المجال الاجتماعی:
تعددت الصفات التی تحلى بها الإمام الخلیلی فی المجال الاجتماعی، ویندرج تحتها الأدب، وحسن التعامل مع الآخرین، والتواضع، والبساطة، وخدمة الناس، والتفانی فی العمل إلى جانب حنکة سیاسیة، وتغلیب المصلحة العامَّة على المصالح الفردیة، والشخصیة.
الأدب وحسن التعامل مع الغیر:
أمَّا عن أدبه – رحمه الله – فلا تسأل، فقد کان قمة فی الأدب مع الناس عامَّة صغیرهم قبل کبیرهم، «فإذا تکلم تکلم بعلم، وإذا سکت فعن أدب»([27]). ومن حسن تعامله مع الآخر أنَّه یرجع الفضل لأهل الفضل، فعندما یعلّم المتعلمین الصلاة، یقول لهم: «هکذا کان یصلی الشیخ عیسى»([28]). وکان الإمام «لطیفا فی کلامه، إذا تکلم یسمع کلامه من کان فی مجلسه، وإذا قال شیئا تکلم بحکمة، وإذا سکت فعن تفکر وتدبر، ولا یروی القصص إلاَّ التی فیها العلم والأدب»([29]). وکان یرد على أسئلة سائلیه، ویعلّق على المواقف التی لم تعجبه، بکلِّ أدب واحترام، فیضرب لذلک السامع الأمثال بدون توجیه النقد المباشر. ففی مرة جلس أحد شیوخ القبائل بین الإمام وأحد العلماء الذین کان جالسا بجنبه، فقال الإمام: «کان الوالد سعید بن خلفان یتقدم على الإمام عزان فی المجلس ویقول: أریکم فضل العلم، أریکم فضل العلم»([30]). وفی موقف آخر «کان الإمام جالسا مع أصحابه، فتقدم أمامه رجل، فسأله عن الفرق بین الذات والصفات، فلم یجبه الإمام على سؤاله، ولما سؤل الإمام عن ذلک قال: «کان رجل عالم خاف على علمه الضیاع، لأنَّه لا یأتیه أحد یتعلم منه، ومن شدة طلبه للمذاکرة حرصا على بقاء العلم، اشترى تیسا وعلّمه أنَّه إذا تکلم یهز التیس رأسه، فهذا یرید أن أتکلم أنا، وهو یهز رأسه، لا یعرف ما أقول»([31])؛ وهذا دلیل على قمة أدب الإمام مع السائل؛ حیث لم یرد إحراجه؛ لأنَّ السائل فی الأصل حتَّى لو أجابه الإمام لن یفقه جوابه؛ لأنَّ المسألة کلامیة لا یستوعبها عقله.
وشکَا الشیخ إبراهیم بن سعید العبری إلى الإمام طرد أهل عبری له، فضرب له الإمام مثالا لیأخذ منه طریقة للتعامل مع الموقف، قائلا له: «کان رجل عنده زولیة طویلة وعریضة، وضع فی وسطها حرف ذهب، وقال لأصحابه: من أخذ هذا الحرف فهو له، على شرط أن لا یطأ الزولیة، فتحیر أصحابه مع رغبتهم فی الحرف، فقام واحد منهم فطوى الزولیة، حتَّى وصل إلى الحرف فأخذه، وکان أحکمهم»([32]). والقصد من ضرب الإمام هذه الأمثال للشیخ إبراهیم تبیان أن الوصول إلى قلوب الناس سهل، ولکن یحتاج إلى فطنة، وذکاء، وسرعة بدیهة دون إحراج الآخرین، وهذه أیضا دلیل على قمة أدب الإمام.
ویروى أن الطبیب الذی عالج له عینیه، طلب منه أن یأخذ له صورة، فامتنع الإمام، ووضَّح له الإمام رأیه الفقهی فی الموضوع بکلِّ أدب، وقال: هذا لا یجوز عندنا، فقال الطبیب: أنا أتحمل المسؤولیة إن کان لا یجوز، وأنا الذی أفعل غیر الجائز، لا أنت، قال الإمام: لکننا لا نعینک على معصیة([33]).
فحسن التعامل مع الغیر خُلقٌ من خُلُقِ العلماء، بحثا عن الأجر والثواب من عند الله، والإمام الخلیلی یعدها من مسؤولیاته تجاه المسلمین. فتارة، یخدم طلبة العلم کأنه طالب منهم، «فکان لا یرى منزلة لأحد فوق منزلة المتعلمین، کان یجلّهم ویرعاهم، ویفتح لهم المجلس، ویقدمهم فی الصلاة، ویتعهدهم بنفسه، ویداوی مرضاهم إلى آخر ما یحتاجون إلیه من عوز، وکان لا یستنکف من أی طلب یقدمونه ولو صغر»([34]). ومن حسن تعامل الإمام مع عامَّة الناس أنَّه إذا أراد أحد منهم أن یحدث الإمام منفردا یقوم الإمام من مجلسه، ویجلس معه على الأرض، سواء أکانت مفروشة أم لا، فیقضی حاجته دون ملل ولا ضجر، حتَّى إن کان الإمام فی ذلک الوقت مشغولا، وقیل «إن أحدهم قال له: لا أحب أن أزعجکم. فقال له الإمام: أزعجنی سبعین مرة»([35]).
وکان – رحمه الله – یقدم غیره على نفسه، حتَّى فی شرب الماء؛ وذلک من باب احترام الغیر، فلا یشرب قبل طالب الماء، فیظن الناس أنَّه لا یرید، فبعد شرب الناس یقول للساقی: «أسکب، فیسلی الحاضرین الذین شربوا قبله أن ما فی آخر الإناء أبرد»([36]). ومن حسن تعامله مع الآخرین أنَّه کان کثیر النصح لهم، إذ یَعُدُّ النصیحة من الدین، ومن أفضل الأعمال، فلا یبخل بها على أی کان، طالب علم، أم عاملا عنده، أم من عامَّة الناس.
وکان الإمام یباشر علاج الطلبة، وعامة الناس بنفسه عن طریق الرقیة بالقرآن – لإنعدام المستشفیات فی دولة الإمامة فی ذلک الوقت، فقام بنفسه بعلاج الشیخ حمود بن عبد الله الراشدی، والشیخ علی بن سالم الحمیدی من داء الرمد الذی ألمّ بهما فشفیا بإذن الله، ولم یصابا بالرمد بعد ذلک([37]). ومن مواقفه مع عامَّة الناس «أنَّه جاءه یوما رجل أشیب، وهو یصرخ، ویقول للإمام: وجع فی بطنی أعطنی الدواء، والإمام یبتسم ویقول له: إن شاء الله. ولم یتوقف ذلک الرجل عن طلبه، حتَّى قام الإمام ودخل البیت، وأتى بإناء فیه ماء، لعله قرأ علیه بعض الآیات، وأعطاه إیَّاه فشفاه الله تعالى»([38]).
التواضع والبساطة:
التواضع خُلق العلماء العظماء، اتصف به الإمام الخلیلی، فعلى الرغم من مکانة الإمام السِّیاسیَّة، وتمیزه بالعلم الشرعی الغزیر، إلاَّ أن تواضعه وبساطته جعلاه «یجلس إلى الناس، الخاصَّة والعامَّة: یباسطهم، ویعلمهم أمور دینهم ودنیاهم، ویقضی نهاره فی خدمة المسلمین، وتقصده المرأة والخادم والصغیر والکبیر والضعیف والقوی، لا یأنف من أحد، فیقضی حاجتهم ویرجع إلى مجلسه، حتَّى أنَّه فی بعض الأوقات یتولى بیده علاج بعض المرضى من الضعفاء، ویتولى أمور المسلمین، حتَّى (بروات)([39]) الطعام لدواب الضیوف ودواب الدولة»([40]).
ویستشهد الإمام بأقوال طلبته الفقهیَّة، وهنا تتجلى الأخلاق إذ یتواضع الإمام العالم لطلابه، ویقدرهم، ویوقرهم، ویعترف بعلمهم، وبفتواهم. وقد سئل «عن إمام الجماعة إذا أحس بالداخل، هل له أن یزید قراءة سورة أو أنَّه یتباطأ فی الرکوع والسجود لأجل الداخل؛ لأنَّه إذا لم یزد قراءة أو لم یتباطأ، فلا یدرک الداخل ذلک الحد، احتج المرخصون بقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (سورة المائدة: 2) والمانعون بقوله: ﴿وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَکُمْ﴾ (سورة محمَّد: 33). فکان جواب الإمام «یا مالک أراک قد اطلعت على أقوال العلماء، وهم البحور الزاخرات؛ فاشرب من عذب بحورهم، ودع الجداول، فمن قصد البحر استقل السواقی»([41]). فمن تواضع الإمام الخلیلی أن یشبه غیره من العلماء، رغم تفوقه علیهم بشهادة الجمیع بأنَّه عالم زمانه، بالبحور الزاخرات وعلمهم بالماء العذب. وهذا تشبیه تمثیلی رائع؛ فالبحور دلالة على الاتساع، والزاخرات دلالة على غزارة العلم الذی شبهه بالماء العذب أعاده إلى أصله، بحیث ینزل من السماء عذبا زلالا ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا﴾ (سورة النبأ: 14)، وفی المقابل تواضع فصغّر نفسه فشبهها بالجداول «والجدول هو النهر الصغیر المعروف»([42])، الذی لا یکاد یذکر مع اتساع البحار، وغزارة مائها، ووجه سائله – تواضعا – إلى الاعتماد على فتاوى غیره، فهو فی قرارة نفسه لا یزال طالب علم أمام غیره من العلماء.
ومن تواضعه –أیضا- عندما سأله بعض تلامیذه عن الجمع بین الأختین المملوکتین، قال: «اختلف فیها ابن عباس، وجابر بن زید، فواحد منهما أجازه اعتمادا على قوله تعالى ﴿أَوْ مَا مَلَکَتْ أَیْمَانُکُمْ﴾ (سورة النساء: 3)، ومنعه الآخر اعتمادا على قوله تعالى ﴿وَأَن تَجْمَعُواْ بَیْنَ الأُخْتَیْنِ﴾ (سورة النساء: 23)، قال سائله: فما ترجح أنت ؟ قال: أقول لک: اختلف فیها ابن عباس وجابر بن زید، فما عسى أن یکون قول محمَّد مع هذین الحبرین؟! ولم یجبه بغیر هذا»([43]).
وأمَّا تواضعه مع الصغار، وحبه إدخال المرح والسرور علیهم یتضح فیما روى الشیخ یحیى بن سفیان «أنَّه ذهب هو وأخواه الصغیران للإمام الخلیلی برسالة من أبیهم، فوجدوه مشغولا بأمور الدولة، فسلّمه الشیخ یحیى الرسالة، وطلب الإذن بالانصراف، فطلب منهم الإمام الانتظار، حتى یدخل السرور والبسمة على الطفلین، ترک أعماله، وأخذ یبحث عن شیء یکرمهما به، فلم یجد سوى قطعة حلوى واحدة فقط، فحاول قسمتها بینهما، فقال له أحدهما: أعطنی إیَّاها وسنتصرف، فرد علیه الإمام بلطف: تریدها وحدک، وأخوک ماذا نعطیه؟ إلى أن قسّمها، وأعطى کل واحد منهما نصیبه»([44]).
التوسُّم والفراسة والذکاء:
اتصف الإمام الخلیلی – رحمه الله – بالتوسم والفراسة وقوة الحدس والذکاء، فإذا دخل علیه الزائر وجه نحوه بصره، «فاستخرج بتوسمه ما أکنّه بین یدیه، فعبر له عن فکره، قبل أن یفوه بمراده، بعبارة وجیزة، لا یحسنها الزائر، وأعرب له عن قصده الذی جاء إلیه، إن خیرا أو شرا، فیتحقق بعد الفحص صدق حدسه»([45]). وممَّا روی عن ذکائه «أن رجلا من منح عنده زوجة ثریة، یطمع فی إرثها، فأبطأ علیه موتها، فسولت له نفسه اغتیالها، فدفعها فی بئر البیت، وظن أنَّها قد ماتت؛ فهرب إلى نزوى، وأتى الإمام الخلیلی، فنادى أیها الإمام: إن أهل منح قتلوا زوجتی، رموها فی البئر. قال الإمام: وما شأن زوجتک حتَّى یجتمع علیها أهل بلد کلهم؟ فأمر الإمام بسجنه؛ حتَّى یتضح أمر زوجته. أمَّا الزوجة فأدرکها جیرانها، وأخرجوها من البئر سالمة. فأرسل والی منح إلى الإمام من یخبره عن الواقعة، ویطلب منه إلقاء القبض على الزوج. قال الإمام: عرفنا ذلک من قبل، وفعلنا»([46]).
صفات الإمام الخلیلی فی المجال السیاسی:
اتصف الإمام الخلیلی بالعدید من الصفات التی جعلته قائدا سیاسیا محنکا، ومقبولا بین أبناء دولته. وفی طلیعة تلک الصفات الهیبة والوقار والحلم والشدة والعلم والاجتهاد والجد والإخلاص فی العمل.
الهیبة والوقار والحنکة السِّیاسیَّة:
ذاع صیت الإمام داخل عُمان وخارجها، ودخلت هیبته قلوب أتباعه، واستقرت الثقة به فی أعماقهم، وصاروا یذکرونه بالخیر، ویذعنون له بالطاعة والولاء([47]). وکانت أخلاق الإمام العالیة وسیرته الطیبة تسبقانه أینما حل وارتحل؛ فهابه الکبیر ووقره الصغیر، واحترمه القاصی والدانی داخل البلاد «حتَّى إن بعض الوفود یرتجّ علیه أن یفوه عنده بشیء»([48]). فعندما أعاد الاستقرار إلى جعلان بنی بوحسن، بعدما أصابها الفساد، وانتشرت فیها السرقة والقتل والتمرد، حضر رؤساؤها ومرؤوسوها، فطلب منهم الإمام البیعة، والدخول فی طاعته، فأعطوه البیعة وهم راضون([49]). ولما ولى الإمام على جعلان الوالی محمَّد بن زاهر الهنائی، والقاضی سفیان بن محمَّد الراشدی أوصاهما بالجدِّ والحذر فی الإمرة، فسمعا لقوله، وهما یرتجفان من ثقل المسؤولیة([50]).
وکل من أراد زیارة الإمام لسبب ما، فیسمع عن هیبته ووقاره، یأخذ حذره؛ احتراما لهذا الإمام الجلیل، وهکذا فعلت زوجة الطبیب الأمریکی تومس، الذی جاء من مسقط لعلاج الإمام من مرض أصاب عینیه فأضعفهما، «فقد وصلت مع زوجها إلى نزوى، وهی من رأسها إلى قدمیها محتشمة فی لباسها، ولم تظهر شیئا من مفاتنها أو شعرها، وکانت تلبس جلبابا فضفاضا أرخته إلى رسغیها، وإلى أسفل قدمیها»([51]).
وأمَّا فی المجال السیاسی فقد کان الإمام الخلیلی- رحمه الله – سیاسیًّا محنَّکا، کرَّس وقته لخدمة الدولة ونشر العدل والأمن بین الناس بکتاب الله المنزل وسنة نبیه المطهر، یقول عنه الشیخ سیف بن سالم اللمکی: «إن الإمام -رحمه الله- وطّد لعُمان الأمن والأمان فی کلِّ مکان، برا وبحرا، بحکمته وسیاسته وکرامته وعلمه، حتَّى قال أحد الصحفیین الذین زاروا عُمان من إحدى الدول الأوروبیة: إن الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی یستطیع أن یسود العالم کله بحکمته وسیاسته، وهذا الاعتراف قاله علنا»([52]). فمنذ أن استلم الإمامة سعى إلى تنظیم الدولة فی أغلب المجالات، وعیّن القضاة والولاة فی المناطق التی کانت تحت قیادته، وکان یتابعهم خطوة بخطوة، إما بالمراسلات أو بنفسه، واتخذ من حصن نزوى مقرا یدیر منه شؤون الإمامة، وفیه یستقبل الزوار والوفود، ویشرف على أحوال الدولة وشؤون البلاد([53]).
وللحفاظ على تماسک دولته، کان الإمام یداری بعض الزعماء فیما لیس فیه مخالفة للشرع؛ وذلک لأنَّه یعلم یقینا مکانة الزعماء بین أقوامهم؛ فمن خلالهم یستطیع أن یتحکم فی سیاسة الدولة. فقد جاء أحد الزعماء إلى نزوى ونزل فی مسجد السنود بمنطقة البحیر بنزوى، وأرسل رسوله إلى الإمام یطلبه للحضور إلى المسجد، فلمَّا حضر الرسول إلى الإمام بحصن نزوى، وأخبره بطلب الزعیم، غضب الحاضرون من تصرف هذا الزعیم، وعدُّوه تطاولا على الإمام، لکن الإمام فاجأهم بالنزول عند ذلک الطلب، بل أمر حاشیته بتجهیز القهوة والحلوى، وأن یلاقوه فی المکان المحدد وقت صلاة العصر. فصلى الإمام العصر فی مسجد السنود مع الزعیم القبلی، وجلس معه للقهوة، فارتاح الزعیم، «ولم یضر ذلک الإمام شیئا»([54]).
وفوض الإمام الخلیلی الشیخ سلیمان باشا البارونی تنظیم شؤون مالیة الدولة وإدارتها، وجعله ممثلا لدولته فی الخارج، إذ أرسل له رسالة قال له فیها: «من إمام المسلمین بعُمان محمَّد بن عبد الله الخلیلی إلى جناب المجاهد فی سبیل الله الغیور فی دین الله، أخینا الشیخ سلیمان البارونی – وفقه الله، السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته: حیث إن العالم الإسلامی فی اضطراب واهتمام بقضیة الخلافة والأماکن المقدسة، وقد تقرر على ما بلغنا عقد مؤتمر لأجل ذلک، فإنا نکلف جنابک باسم الأمَّة العُمانیَّة أن تحضر هذا المؤتمر الذی سیعقد لهذا الغرض الدینی السامی فی مصر أو غیرها من البلاد الإسلامیَّة، ولیکن رأیک فی مسألة الخلافة مطابقا لقواعد الشرع الصحیحة، وهی لا تخفى علیک»([55])، وهذا خیر دلیل على مواکبة الإمام لما یحدث فی العالم الإسلامی وغیره.
واتخذ الإمام ممثلین خاصین له یعتمد علیهم فی بعض المهمات. فقد أرسل الشیخ عیسى بن صالح الحارثی لیمثله فی «توقیع معاهدة السیب بین حکومة السلطان تیمور بن فیصل ودولة الإمامة، وقد صادق الإمام على ما قام به الشیخ عیسى بن صالح»([56]). وأرسله الإمام - أیضا- للصلح بین القبائل عدة مرات، نجح فی بعضها، وأخفق فی بعضها الآخر؛ لیضطر الإمام إلى متابعتها بنفسه. وکانت بین الإمام والشیخ عیسى مراسلات فی موضوعات مختلفة، منها طلبا للمشورة أو للمساعدة أو الفتوى، فعلى سبیل المثال، سأل الإمام الشیخ عیسى: «ما تقول فی الأعراب الذین شهروا بأخذ الرکاب سرقة، وتواتر فعلهم ذلک واشتهر، إذا أمکن الله منهم هل یصح قتلهم؟ وکذا إذا اشتهر أخذهم للأحرار ولو مرة واحدة؟»([57])، وغیرها من المراسلات الواردة فی «الفتح الجلیل». ومن حنکة الإمام السِّیاسیَّة أنَّه لم ینس أمر النساء، بل کان على تواصل دائم معهن عن طریق المرأة الصالحة الرضیة الزکیة زهرة بنت شامس بن محمَّد بن خمیس السیفیة فیما یخص شؤونهن، وما یحتجن إلیه من أمر الفتوى ومطالبهن الخاصَّة([58]).
الحلم والشدة فی الأمر والنهی:
کان الإمام الخلیلی حلیما، إلاَّ أنَّه شدید عند انتهاک محارم الله، یأمر بالمعروف، وینهى عن المنکر؛ استجابة لأمر ربه U، ﴿الَّذِینَ إِن مَّکَّنَّاهُمْ فِی الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَءَاتَوُا الزَّکَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنکَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ (سورة الحجِّ: 41). ومن حلمه – رحمه الله – أنَّه وجد فی أحد الأیام رجلا فی غرفته یبحث فی أغراضه، وأخذ منها تمرا وعسلا بدون استئذان، فترکه الإمام یذهب، ولم یعاقبه على ما فعل([59]). وفی موقف آخر، جیء إلى الإمام بکیس من الأموال النقدیة من الرستاق، فطلب أحد الحاضرین من الإمام أن یعطیه من تلک الأموال؛ مدعیا أن له على الدولة دینا، فأعطاه الإمام منها حسبما قال، ثمَّ قام آخرون الواحد تلو الثانی، والإمام یعطیهم ممَّا فی الکیس، حتَّى لم یبق إلاَّ ثلاث قطع نقدیة قبض علیها الإمام فی یده، وقام لیدخل الحصن، فتبعه أحدهم، فقبض على ید الإمام قبل أن یدخل من الباب وأخذ من یده بالقوة تلک النقود الثلاثة، مدعیا أنَّه محتاج إلیها، واضطر الإمام للاتکاء على الجدار؛ کی لا یسقط على الأرض، وهو یبتسم، ودخل الإمام بیته، ویده فارغة([60]). فهذا الموقف شبیه بما حدث للنبی ﷺ والأعرابی یلزه إلى السمرة، حتَّى قبض رداءه یطالبه بالعطاء. وهذا التصرف من الإمام یدلُّ على خلق رفیع، لا یتصف به إلاَّ العلماء الأتقیاء الذین یجمعون بین التواضع والحلم والأخلاق العالیة الرفیعة، لاسیما مع عامَّة الناس، ویصعب أن یتصف بها فی عصرنا الحاضر أحد من الحکام أو العلماء إلاَّ ما ندر، وکان استثناءً.
ویصل الأمر ببعض الأشخاص إلى أن یستغل حلم الإمام ورحمته وعطفه بالناس؛ لتسجیل مواقف ضد الإمام. فقد جاء أحد زعماء القبائل إلى قلعة نزوى، فوجد الباب مفتوحا، فقال للإمام: «إنَّه من الإهمال وترک الحزم أن تترک الباب مفتوحا، فأجابه الإمام أن من أمن سیح الکدس قادر على تأمین قلعة نزوى. وسیح الکدس منطقة خارج نزوى، کانت تعج بقطاع الطرق إلى أن طهرها الإمام منهم»([61]). فکان حلم الإمام، وحسن تدبیره للأمور الأبرز فی معالجة هذه الحادثة ذات الطابع الشخصی.
وعندما تنتهک محارم الله، فإن الإمام لا یتوانى فی اتخاذ الشدة وتطبیق حکم الشرع، فقد اعترف عنده رجل بقتل رجل، فأمر الإمام قاضیه الشیخ الرقیشی أن یحکم فی القضیَّة، فحکم الشیخ بقتله حدا. فبقی الإمام یفکر وقتا طویلا فی حیثیات الموضوع قبل یأمر بتنفیذ الحکم([62]). وحضر الإمام ذات یوم لصلاة المغرب فشم رائحة الدخان فی المکان، فسأل عن مصدره، فقیل له: أن الضیف الغریب هو من یدخن، فقال الإمام لذلک الضیف: «إن المسلمین أکرموک، فأنزلوک فی معقلهم، وأنت لم تحترمهم ولم تحترم نفسک، أتعصی الله وأنت مسرور؟! اُخرج من الحصن، فلا نبیح لک البقاء فیه!»([63]).
ومن شدَّة الإمام فی الحق «أنَّ زعیمین دخلا علیه فی مجلسه وأخذا یشتکیان من أحد رجال الدولة نکالا فیه، والإمام یدافع عنه تارة بأنَّه مختار من أهل العلم لذلک المنصب، وطورا یخبرهما بأن سببهما غیر مقنع، وهما یصران على عزله، وأنهما لن یغادرا إلاَّ وهو معفو من هذه الوظیفة. فهنا غیَّر الإمام جلسته، واحمرَّ وجهه، وبدا علیه الغضب، واشتد علیهما فی الکلام، حتَّى ظهرا کقزمین أمام عملاق، فسکتا، بل وأخذ أحدهما یرتعش خوفا من بطش الإمام، ثمَّ خرجا ناکسی الرؤوس، عائدین بخفی حنین»([64]). وکتب الإمام إلى أحد عماله عتابا شدیدا قال فیه: «أقسم لأضعن العصا على ضلعک، والقید على رجلک»([65])، وقسم الإمام وشدته على هذا العامل لم یکن من فراغ، بل لأنَّه ارتکب شیئا أغضبه علیه، فقد اشتکى القوم من هذا العامل التهاون فی أداء عمله، وتأخیر مصالح الناس.
وعن حلم الإمام وشدته یقول الشیخ سیف بن محمَّد الفارسی، وهو أحد تلامذة الإمام:
إمـــــام بایعوه فقـــــام فیهـــــــــــــم
على نهــــج الصـراط المستطیـــــب
وکان مهـــــــذَّب الأخلاق سهــــــلا
وألیـــــــن جانبا لفتى أریــــــــــــب
قـــــــویَّ القلـــــب فی الهیجاء جلدا
وأصعــــب جانبـــــا لفتى خبیــــــب
وأورعهم وأعلمـــــهم کتابـــــــــــــا
وسنَّة شرعة الداعی المجیب([66])
العلم والاجتهاد والحجِّـیَّة:
اتصف الإمام الخلیلی – رحمه الله – بغزارة علمه، وتبحره فی شتى العلوم منذ أن کان طالبا متمیزا عند مشایخه العلماء، فلا غرابة؛ لأنَّه نشأ فی حجر أبیه العالم الشیخ عبد الله بن سعید الخلیلی الذی ربّاه على معالی الأمور، وعلمه، وأحسن تأدیبه. وأخذ الإمام الخلیلی العلم -أیضا- عن عمه الشیخ العلاَّمة أحمد بن سعید بن خلفان الخلیلی، وعَدَّه قدوة له، فسار على منهجه، واقتفى خطاه. وحب الإمام للعلم وشغفه بطلبه، جعله لا یکتفی بما تعلمه من أبیه وعمه، بل سافر إلى کعبة العلوم فی ذلک الوقت الشیخ نور الدین السالمی - رحمه الله - فی الشرقیَّة؛ لیغترف من علمه الغزیر، ویتأسى بأخلاقه، فتعلم على یدیه التفسیر والحدیث والأصول وغیرها من فنون العلم، فصار بذلک علمًا من الأعلام، بل أکبر عالم فی عصره بعُمان، وحجة فی المعقول والمنقول والمنثور والمنظوم، إلیه منتهى رئاستها وحل مشکلاتها، وکشف العویص منها([67]).
ومن المواقف التی تدلُّ على اجتهاد الإمام وسهره فی طلب العلم، أنَّه جلس مرة بعد صلاة العشاء فی المسجد یقرأ، وأمر المؤذن أن ینصرف، وأکد له أنَّه سیطفئ السراج، ویغلق باب المسجد فور انتهائه من القراءة، فخرج المؤذن، وعندما عاد لأذان الفجر وجد الإمام فی مکانه، وعلى حاله لم یشعر بذهاب اللیل، ولم یکف عن القراءة([68]). وقرأ الإمام «شرح کتاب النیل وشفاء العلیل» للعلامة القطب ستَّ مرَّات([69]). ومن شغف الإمام بالبحث فی المسائل الفقهیَّة التی یختلف فیها العلماء لیخرج فیها بالحکم الحاسم، أنَّه تدارس مع عمه الشیخ أحمد بن سعید الخلیلی مسألة فی الطلاق، کان عمه الشیخ أحمد یحتج فیها بقول والده الشیخ سعید بن خلفان الذی یرى بعدم الرجعة، فی حین کان الإمام یرى فی المسألة خلافا، ولما رجع الإمام إلى بیته أغلق على نفسه باب غرفته، وأخذ یطالع ما کتب فی المسألة فی المصادر المختصة، حتَّى جاء من یدق علیه الباب بعد طلوع الشمس، فقد شغله انهماکه فی القراءة بحثا عن الجواب الشافی للمسألة عن الشعور بوقت صلاة الفجر وطلوع الشمس([70]). وإن کان من الصعب أن تفوت الإمام صلاة الفجر، لکنَّه فی النهایة إنسان، قد یغفل وینسى، وربما شغلته المسألة عن ذلک إلى طلوع الشمس.
تعدَّت شهرة الإمام العلمیة حدود عُمان، وانتشرت خارجها؛ فطلب منه قطب الأئمة الشیخ امحمَّد اطفیَّش أن یشهد له بأنَّه مجتهد من الدرجة الثالثة([71]). وقال الشیخ السالمی: إن الإمام محمَّد لیس أقل درجة فی العلم من جده العلاَّمة سعید بن خلفان الخلیلی، وهذه شهادة قطب من أقطاب العلماء قالها الإمام السالمی عندما کان الإمام الخلیلی طالبا عنده([72]). وقال عنه: إنَّه أعلم الجماعة الذین معه، وکذلک أعلم من العاقدین علیه، مع العلم بأن العاقدین علیه کانوا من کبار العلماء. ولا غرابة فی تزکیة الإمام الخلیلی من کبار العلماء، فهو قد بلغ درجة الاجتهاد، بل وتفرد برأیه فی بعض المسائل، ورجّح بعضها، وخالف قول أصحابه المشارقة وجمهورهم، ومن هذه المسائل، على سبیل الذکر لا الحصر:
• یقول بتحریم ربا الفضل ولو کان ذلک یدا بید.
• یقول أن المُولى عنها إذا خرجت عن زوجها بتمام مدة الإیلاء، فعلیها عدة الطلاق، ولا یکفیها مضیّ تلک المدة عن العدة.
• یرى أن من سافر عن زوجته، وأطال الغیبة، وخافت العنت، ورفعت إلى الحاکم أمرها، له أن یطلقها دفعا لضررها، لأنَّ الشارع راعى ذلک وجعل للنساء على الرجال حقا غیر الإنفاق. ومن ذلک الحق العشرة، ولکن لا یطلقها الحاکم إلاَّ بعد الاحتجاج على الزوج، إن کانت الحجة تناله.
• حکم بالشفعة للغائب فی غیر غزو ولا حجٍّ([73]).
ولم یکن – رحمه الله – عالما فقط بل کان أیضا صاحب حجة یقارع بها غیره، منذ أن کان طالبا؛ إذ کان یناقش مشایخه بالحجة والدلیل والبرهان. وقد أجمع علماء عصره على وجود هذه الخصال فیه، عندما اجتمعوا على عقد البیعة له بالإمامة فی جامع نزوى یوم الجمعة 13 من ذی القعدة 1338هـ؛ فبیعتهم له دلیل إجماع على أن الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی أفضل الموجودین بعُمان وأعلمهم، وأنَّه جمع الشروط الشَّرعیَّة التی تتوافر فی القائم، وأنَّه القادر على حمل عبء المسؤولیة([74])؛ فألزموه قبول الإمامة، وکلّفوه ذلک بعد طول احتجاج ومناظرة، قرَع صداها صُمَّ الآذان، وفتح مسالک الأوهام؛ لعجزهم عن مناظرته، لکونه أعلمهم، ومع طول احتجاج، ما رأى من الواسع إلاَّ قبول أمرهم([75]).
الإخلاص والتفانی فی العمل:
ینظر الإمام الخلیلی إلى العمل أنَّه عبادة، بل من أجل العبادات؛ لما فیها من مسؤولیة تجاه الناس بقضاء حوائجهم کاملة، وفی وقتها بدون تأجیل أو تأخیر، ومع الله بالإخلاص فیها وأدائها على الوجه الذی یرضیه U، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفَاءَ وَیُقِیمُوا الصَّلاةَ وَیُؤْتُوا الزَّکَاةَ وَذَلِکَ دِینُ الْقَیِّمَةِ﴾ (سورة البیِّنة: 5). فکان الإمام یقوم بالإشراف بنفسه على مدرسته التی أنشأها فی نزوى، ویتفقد الحلقات التی یتعلم فیها الطلاب، ویوجه الأسئلة إلیهم، ویحل المسائل التی أشکلت على الطلبة ومشایخهم([76]). وکان یسعى فی قضاء أمور عامَّة الناس، وینظر فی مصالحهم، والرد على تساؤلاتهم، وکتابة الرسائل إلى القضاة والولاة والشیوخ بما فیه المصلحة العامَّة للدولة، بل کان الإمام لا یتعالى عن الرعایة بدواب الضیوف والدولة؛ فیأمر بصرف الطعام لها؛ رأفة بها وحفاظا علیها؛ لأنَّها من أملاک الدولة، وهو مسؤول عنها.
وکان یواکب الأحداث والمشکلات التی تقع فی البلاد أولاً بأول، ویسعى بنفسه إلى حلها ولو کلفه ذلک السفر مسافات طویلة وتحمل مشاقه. ففور وصول الأخبار إلیه عن المشکلات التی اشتعلت بجعلان بنی بوحسن، وما صاحبها من قتل وفساد ونهب، توجه إلى هناک؛ لمعالجة تلک القضیَّة بنفسه، فوصل جعلان فی منتصف جمادى الثانیة من سنة ثلاث وستین وثلاثمائة وألف هجریة، وتمکن من إخماد نار الفتن بهیبته، وعدله، ورجاله المتفانین فی طاعته، وتنفیذ أوامره، وبتعاون أهل الشأن أنفسهم معه، والرضا بحکمه([77]).
وکان الإمام دائما ما یقف وقفات تأمل یحاسب فیها نفسه ویراجع أعماله. فحین صلى صلاة الاستسقاء فی نزوى، ولم ینزل المطر، أخذ یسأل نفسه عن سبب عدم نزول المطر بعد ثمانیة أیام من الصلاة، وذلک بخلاف المعهود عندما کان الغیث ینزل بعد الصلاة مباشرة. وأرسل إلى المشایخ یسأل عن السبب وأین یکمن التقصیر فی حق الله ؟([78]).
تغلیب المصلحة العامَّة:
من فلسفة الإمام الخلیلی وسیاسته فی الحیاة، وما اشتهر عنه من أحکام فی بعض المسائل أنَّه یغلِّب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، فعندما اختیر للإمامة رفض أول الأمر، ولکنَّه سرعان ما راجع نفسه، ورأى أن مصلحة الناس والبلاد تقتضی أن یوافق على تحمل المسؤولیة. ومن یطالع رسائله إلى المشایخ والقضاة والولاة، یجد فیها تغلیب للمصلحة العامَّة على مصلحة الفرد، فقد أرسل رسالة إلى الشیخ سعود بن عامر المالکی «أجاز له فیها تطلیق النساء اللاتی سافر عنهن أزواجهن، ولم یترکوا من المال ما یمولهن، وذلک بعد إبلاغ الحجة، حیث تجب الحجة وتبلغ أو بعد تعذرها أو تعسرها أخذا بالرخصة ورفعا للضرر، وکذلک جعل له تزویج من لا ولی لها إلاَّ الحاکم»([79])، وفی ذلک رفع للضرر عن النساء المعلقات اللائی لم یعد أزواجهن من السفر لفترة طویلة.
ومن المسائل التی رأى فیها الإمام الخلیلی تغلیب المصلحة العامَّة، إصداره الحکم بمنع أهل سمائل من قطع وحفر الصفا والجبال والحجر من بطون الأودیة، ومنعهم من حفر الأفلاج فوق المعتاد، وإنَّما أباح لهم تصریج([80]) سواقی الأفلاج إذا ارتفعت من بطن الوادی؛ فقد رأى الإمام فی ذلک الحکم رفعًا للحرج ودفعا للضرر عن الجمیع، وتغلیبًا للمصلحة العامَّة على المصلحة الخاصَّة، وقال موضحا الغایة من هذا الحکم: «إن منعکم، وتضییقکم، وعدم وسعکم على بعضکم البعض ممَّا یضیق علیکم، ولا نرى ذلک صلاحا لکم، وإنَّما الصلاح فی المواسعة والمواساة فیما بینکم إلاَّ فیما حجر الشرع بینکم»([81]).
ولکی یستتبَّ الأمن فی البلاد، وللحفاظ على مصالح العباد، رفع الإمام الخلیلی شعار «العدل أساس الحکم»، فأقام حدود الله على المجرمین، لاسیما الذین یخلون بأمن المجتمع وسلامته، فأقام حد القتل على (140) شخصا فی نزوى (العاصمة) ممَّن ثبت إخلالهم بأمن البلاد، وحکم بإهدار دم (40) شخصا ارتکبوا جرائم خارج نزوى([82]). وتشیر هذه الأرقام إلى صعوبة الوضع الاجتماعی واختلال الأمن فی البلاد قبل أن یتمکن الإمام من بسط مظلة الأمن والأمان فیها.
وکما کان الإمام یسعى إلى تحقیق المصلحة العامَّة وتغلیبها داخل دولة الإمامة، کان کذلک دیدنه خارجها، إذ رأى – رحمه الله – أن یراسل إخوانه المغاربة فی وادی مزاب، یدعوهم إلى رأب الصدع فی الخلاف الذی نشأ بینهم فی مسألة الصوم بالتلفون والتلغراف، وما أحدثته هذه المسألة من فتنة بلغت حد التخطئة والبراءة من المخالف فی الرأی، فکتب إلیهم: «من إمام المسلمین محمَّد بن عبد الله الخلیلی، إلى إخوانه المشایخ الفضلاء المرتضین حجاج بیت الله، تقبل الله سعیکم. أقول إجمالا: أوصیکم بالتثبت فی الأمور، وألا تعجلوا على إخوانکم بقطع العذر والبراءة، واحتملوا للمسلمین فیما کان فیه محتمل. ومن دین المسلمین أن لا ینصبوا الرأی دینا، فانظروا بعین البصیرة. فالله الله فیما یجمع الکلمة والتآلف، ویبعد الشحناء والتخالف، فما منی الإسلام بشیء أعظم وأطمّ من التخالف المؤدی إلى الفشل. هذا وإخوانکم أهل عُمان حریصون على اجتماعکم، ویسوؤهم ما یبلغهم عنکم من تفرّق. جمعکم الله على الهدى، وسلک بنا وبکم نهج سلفنا»([83]).
مرثیَّات الإمام:
لأجل تلک الصفات النبیلة والأخلاق والسلوکیات التی تمیز بها الإمام الخلیلی أحبته رعیته فی أثناء حیاته، وقدروه واحترموه وذکروه بالخیر حاضرا وغائبا. ولما توفی – رحمه الله – شیعوه بالدموع والحزن والأسى، فصلى علیه الحاضرون فی نزوى، وصلى علیه الغائبون فی غیرها من الولایات، کما صلی علیه فی الحرمین المکی والمدنی وفی المغرب وزنجبار. ونعاه – رحمة الله علیه – القریب والبعید، ورثاه القاصی والدانی من محبیه ومریدیه بقصائد نذکر منها على سبیل المثال:
رثاه الشیخ محمَّد بن علی الشریانی([84]) فی قصیدة مطلعها:
إذا المـــــــوت دکَّ الطود فانهدَّ وانهدم
فأصبــــح مغشیًّــــا على الحلِّ والحرم
فأضحى غبــــار الفقد فی الأفق مطبقا
متـى أصبح اسم الإمامة کالعدم([85])
وقد رثاه الشیخ عبد الله بن علی الخلیلی – رحمه الله – فی قصیدة (الرثاء الباکی) مطلعها:
أأصیبت فی مقلتیها السمـــــــــاء
فبکت من بکائها الغبراء([86])
وبقصیدة (الموقف الرهیب)، مطلعها:
إلـــــــــهی تَدَارَکْ أمَّتی أن تغرقا
ونحلتها البیضاء أن تتمزَّقا([87])
ورثاه الشیخ إبراهیم مطیاز المزابی المغربی بقصیدة مطلعها:
أغــالب حزنا لیس مثلی یغالبه
ویظهر إن أخفیته الدمع ساکبه
لی الله إن أجزع فلست بعاجز
لفقد متـــــاع فی حیاتی أطالبه
إلى قوله:
إمـــــــــــام عظیم للخلیلیِّ ینتمـــــــــــــی
أرومــــــــــة مجدٍ قد نمته ذوائبــــــــــــه
محمَّـــــــــــد عبد الله ملجأ قومــــــــــــــه
وکـــــــــــهف لمن ترجى لدیه مطالبــــــه
إمــــــــام له فــــــی منهج الحقِّ سیــــــرة
ولیــــــــس له فیــــــها خصیم یکالبــــــــه
وفـــــیٌّ تقیٌّ مصلح ومحافــــــــــــــــــــظ
على مقتضى الإسلام کانت رغائبه([88])
کما أرسل رجال الإصلاح فی وادی مزاب رسالة تعزیة قالوا فیها: «بسم الله الرحمن الرحیم إخواننا الکرام رجال عُمان الأمجاد، صانهم الله وأخذ بأیدیهم السلام. أمَّا بعد: فقد نعی إلینا والأسف یملأ الفؤاد، والأسى یوشک أن یشق المرائر، إمام المسلمین محمَّد بن عبد الله الخلیلی – رحمه الله – فإنا لله وإنا إلیه راجعون. أحقا أفل نجم عُمان الذی طالما أزهر وأستضیء بنوره؟ أحقا سقطت دعامة من دعائم المذهب الشریف، ومال رکن عدله القائم؟ أی وربی إنَّه لحق، وإنه لرزء عظیم وحادث جلل»([89]).
خاتمة:
إن وسامة الإمام الخلیلی، وجمال مظهره، مرآة عاکسة لصفاء مخبره - رحمه الله – هکذا أخبر عنه کل من التقى به، أو عایشه وخاصة تلامیذه. وتقوى الإمام وورعه، جعلاه یزهد فی الدنیا، ویطلقها، على الرغم من انتمائه إلى أسرة میسورة الحال، فعاش ولا هدف له من هذه الدنیا إلاَّ طاعة الله؛ طمعا ورجاءً فی ثوابه وخوفا من عقابه، وتدل کراماته على أنَّ المولى U یحبه ویرعاه ویؤیده. وکان الإمام الخلیلی کریما وسخیا إلى حد المبالغة، لا سیما على طلاب العلم، ولا یرد سائلا مهما کان طلبه، ویؤثر غیره على نفسه، على الرغم من حاجته الضروریة إلیه. وکان متأدبا، إذا تکلم فلا یسمع منه إلاَّ طیبا، یدعو للخیر بالحکمة والموعظة الحسنة، ویضرب الأمثال لیختصر الکلام، وإذا سکت فعن حکمة. وفی حین أن التواضع خلق من خلق العلماء الأتقیاء فهو ما تمیز به الإمام الخلیلی، فعلى الرغم من مکانته العلمیة والاجتماعیَّة، إلاَّ أنَّه کان متواضعا مع مشایخه؛ فلا یتقدمهم فی إجابة السائل فی مجلسهم إلاَّ إذا أذن له، وإذا أفتى یرجع الفضل لأهل الفضل، ویجلس مع عامَّة الناس فی مجالسهم، ویخدمهم بنفسه، ولا یتقدمهم فی الأکل، ولا فی الشرب، ویکلمهم ویسمع إلى صغیرهم قبل کبیرهم، وفقیرهم قبل غنیهم، ویداوی مرضاهم بیده ویسهر على راحتهم. وکان – رحمه الله – بسیطا فی ملبسه ومسکنه ومأکله وفی جلوسه وتصرفاته. واشتهاره بالفراسة والذکاء الحاد والتوسم جعلته یسبق محدّثه فیما یکنّه فی نفسه؛ فیعبر له عن فکره، قبل أن یتفوه بمراده، ویفحم خصومه بسرعة الجواب والإقناع معتمدا على الحجة والدلیل والبرهان. واتصافه بالهیبة والوقار، أکسباه احترام من یجالسه. وکان الإمام سیاسیا محنکا، سعى إلى تنظیم أمور دولته منذ البدایة، فأرسل القضاة والولاة إلى المناطق والولایات، ونشر العدل بإقامة الحدود، واستتب الأمن والأمان بالقضاء على الفتن والحروب والمنازعات، وأبرم المعاهدات، وأرسل السفراء، وبعث بالمراسلات، فشهد له القاصی والدانی بالعدل والمساواة. وکان الإمام - کذلک - حلیما ما دامت الأمور فی حدود الشرع، أمَّا إذا انفلت العقد أو کاد أو انتهکت محارم الله فهو الشدید والقوی، والصبور والهصور والشجاع فی ساحة الوغى. مواکب للأحداث والمستجدات على الساحة، صاحب حجة مقنعة ودلیل ساطع فی مقارعة الخصوم، مجتهد فی حل المسائل والترجیح بینها، محب للعلم مجتهد فیه؛ إذ یسهر اللیالی فی البحث بین الکتب ویشجع على طلبه بکلِّ الإمکانیات المتوفرة لدیه، فقد أقام مدرسة تربویة علمیة بجامع نزوى قدم فیها الغالی والنفیس؛ حتَّى أصبحت منارة علم یقصدها الطلاب من کلِّ مکان؛ لیرتووا من مختلف العلوم، ثمَّ لینشروها فی کلِّ مکان من دولة الإمامة وخارجها. ونظرته البعیدة للمستقبل جعلته یغلّب المصلحة العامَّة على مصلحة الفرد فی أغلب أوامره ونواهیه، فقهیة کانت أو سیاسیة؛ ذلک لأنَّه کان یعلم – رحمه الله – أن الفرد من دون الجماعة لا یساوی شیئا، وأن مصلحته یجب أن تذوب أمام مصلحة الجماعة، ولهذا السبب ولغیره قد نجح الإمام الخلیلی فی حسن تسییر دولته، إذ جنبها الفتن والصراعات والانشقاقات، ونشر بعدله الأمن والأمان.
([1]) السالمی: نهضة الأعیان، ص288.
([2]) الشکیلی: مدرسة الإمام، ص46.
([3]) المعولی: المعتمد فی فقه الحجِّ والعمرة، ص67. الصالحی: سبیل الهدى والرشاد فی سیرة خیر العباد، ص421.
([4]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص164.
([5]) المرجع نفسه، ص163.
([6]) الخلیلی: الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی ومنهجه الفقهی، ص46.
([7]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص161-162.
([8]) المرجع نفسه، ص161.
([9]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص261.
([10]) حافظ إبراهیم: دیوان حافظ إبراهیم، القصیدة العمریة، ص85.
([11]) السالمی: نهضة الأعیان، ص289.
([12]) الخلیلی: الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی ومنهجه الفقهی، ص48.
([13]) المرجع نفسه.
([14]) المرجع نفسه، ص179.
([15]) المرجع نفسه، ص164.
([16]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص24.
([17]) الخلیلی: الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی ومنهجه الفقهی، ص35.
([18]) المرجع نفسه، ص35.
([19]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص265.
([20]) المرجع نفسه، ص290.
([21]) المرجع نفسه، ص165.
([22]) الخلیلی: الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی ومنهجه الفقهی، ص43.
([23]) المرجع نفسه، ص43.
([24]) السالمی: نهضة الأعیان، ص289.
([25]) التبریزی: دیوان أبی تمام، ط1، ج2 ص15.
([26]) السیفی: النّمیر، ج5، ص28.
([27]) السالمی: نهضة الأعیان، ص288.
([28]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص114.
([29]) الشکیلی: مدرسة الإمام محمَّد بن عبد الخلیلی وأثرها فی نشر العلم، ص45.
([30]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص161.
([31]) المرجع نفسه، ص172.
([32]) المرجع نفسه، ص173.
([33]) المرجع نفسه، ص167.
([34]) المرجع نفسه، ص160.
([35]) البهلانی: حدیث السمر، ص142.
([36]) الشکیلی: مدرسة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی وأثرها فی نشر العلم، ص61.
([37]) المرجع نفسه، ص115.
([38]) السیفی: النّمیر، ج5، ص173.
([39]) مفردها بروة وتعنی وریقة صغیرة تختص بأمر عاجل، کصرف مبلغ من الأموال مثلا أو حضور شخص ما.
([40]) السالمی: نهضة الأعیان، ص289.
([41]) الخلیلی: الفتح الجلیل من أجوبة الإمام أبی خلیل، ص191.
([42]) ابن منظور: لسان العرب، ص99.
([43]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص115.
([44]) الخلیلی: الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی ومنهجه الفقهی، ص44.
([45]) السالمی: نهضة الأعیان، ص289.
([46]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص30.
([47]) الرواحی: الدعوة الإسلامیَّة فی عمان فی القرن الرابع عشر الهجری، ص150.
([48]) السالمی: نهضة الأعیان، ص289.
([49]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص237.
([50]) المرجع نفسه، ص241.
([51]) السیفی: النّمیر، ج5، ص20.
([52]) الشکیلی: مدرسة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی وأثرها فی نشر العلم، ص47.
([53]) السالمی: نهضة الأعیان، ص302.
([54]) الشکیلی: مدرسة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی وأثرها فی نشر العلم، ص50.
([55]) السالمی: نهضة الأعیان، ص344.
([56]) غباش: عمان الدیمقراطیة الإسلامیَّة، ص295.
([57]) الخلیلی: الفتح الجلیل، ص508.
([58]) الشکیلی: مدرسة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی، ص53.
([59]) المرجع نفسه، ص39.
([60]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص162.
([61]) الخلیلی: الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی ومنهجه الفقهی، ص39.
([62]) المرجع نفسه، ص268.
([63]) المرجع نفسه، ص166.
([64]) المرجع نفسه، ص28.
([65]) الشکیلی: مدرسة الإمام، ص57.
([66]) الفارسی: دیوان خلاصة الفکر وسلافة الشعر، ط 1، ص71.
([67]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص288.
([68]) الخلیلی: محمَّد بن عبد الله الخلیلی ومنهجه الفقهی، ص52.
([69]) البوسعیدی: مطالع السعود، ط1، ص18.
([70]) الشکیلی: مدرسة الإمام، ص95.
([71]) الشکیلی: مدرسة الإمام، ص98.
([72]) المرجع نفسه، ص98.
([73]) السالمی: نهضة الأعیان، ص305.
([74]) المرجع نفسه، ص301. شهداد: الصراع فی عمان، ص99.
([75]) السالمی: نهضة الأعیان، ص287.
([76]) الشکیلی: مدرسة الإمام، ص109.
([77]) الحارثی: اللؤلؤ الرطب، ص236.
([78]) السیفی: النّمیر حکایات وروایات، ص13.
([79]) الشکیلی: مدرسة الإمام، ص54.
([80]) تصریج: صیانة وترمیم بمادة الصاروج العمانی.
([81]) السیفی: النّمیر، ج5 ص204.
([82]) الرواحی: الدعوة الإسلامیَّة فی عمان، ص157.
([83]) مصلح: الإمام الخلیلی والمغاربة ثقة متبادلة، ص5.
([84]) الشکیلی: مدرسة الإمام، ص147.
([85]) الأزکوی: الدرر المنتقاة، ص133.
([86]) الخصیبی: شقائق النعمان، ط 4، ج2، ص276.
([87]) المرجع نفسه، ص278.
([88]) مصلح: الإمام الخلیلی والمغاربة ثقة متبادلة، ص11.
([89]) المرجع نفسه، ص9.
- ابن منظور، جمال الدین محمَّد بن مکرم: لسان العرب، ط 6، بیروت لبنان، 2008 م.
- الإزکوی، عامر بن سلیمان: الدرر المنتقاة وسلم الارتقاء، مطبعة النصر التجاریَّة، نابلس. (ب. ت).
- البهلانی، یحیى بن محمَّد: حدیث السمر، ط1، مکتبة أبی مسلم، سلطنة عُمان، 1417هـ/1997م.
- البوسعیدی، خلفان بن سالم: مطالع السعود فی حیاة العلاَّمة محمَّد بن مسعود، ط1، مکتبة الضامری للنشر والتوزیع: سلطنة عُمان، 1424هـ/2003م.
- التبریزی، الخطیب: دیوان أبی تمام، ط1، ج2، دار الکتاب العربی، بیروت 1992م.
- الحارثی، سعید بن حمد: اللؤلؤ الرطب (د. ن، د. ط، د. ت).
- إبراهیم، حافظ: دیوان حافظ إبراهیم، القصیدة العمریة، ط3، ج1، المطبعة الأمیریة، القاهرة، 1948.
- الخصیبی، محمَّد بن راشد: شقائق النعمان على سموط الجمان فی أسماء شعراء عُمان، ط4، ج2، وزارة التراث القومی والثقافة، سلطنة عُمان.
- الخلیلی، عبد الله بن علی: دیوان وحی العبقریة، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عُمان، 1398 هـ / 1978 م.
- الخلیلی، محمَّد بن أحمد بن حمد: الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی ومنهجه الفقهی، بحث تخرج غیر مطبوع 1424هـ/2003م.
- الخلیلی، محمَّد بن عبد الله: الفتح الجلیل من أجوبة الإمام أبی خلیل، المطبعة العمومیة، دمشق، 1385هـ/1965م.
- الرواحی، سالم بن محمَّد: الدعوة الإسلامیَّة فی عُمان فی القرن الرابع عشر الهجری، ط1، مکتبة الضامری للنشر والتوزیع، السیب، سلطنة عُمان، 1436هـ/2015 م.
- السالمی، محمَّد بن عبد الله: نهضة الأعیان بحریة عُمان، ط1، دار الجیل، بیروت، 1419هـ/1998م.
- السیفی، محمَّد بن عبد الله: النَّمیر حکایات وروایات، ج5، العالمیة للتجلید، 1433هـ/2012م.
- الشکیلی، إبراهیم بن محمَّد: مدرسة الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی وأثرها فی نشر العلم، ط1، فؤاد البعینو للتجلید، بیروت، لبنان، 2013م.
- شهداد، إبراهیم محمَّد إبراهیم: الصراع فی عُمان خلال القرن العشرین 1913-1975، ط1، دار الأوزاعی، الدوحة، قطر 1409هـ/ 1989م.
- الصالحی، محمَّد بن یوسف: سبیل الهدى والرشاد فی سیرة خیر العباد، ط1، ج1، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1414هـ.
- غباش، حسین عبید غانم: عُمان الدیمقراطیة الإسلامیَّة تقالید الإمامة والتاریخ السیاسی الحدیث (1500 -1970)، ط1، دار الجدید، بیروت، لبنان، 1997.
- الفارسی، سیف بن محمَّد: دیوان خلاصة الفکر وسلافة الشعر. ط1، مکتبة الإشراق، 1417هـ.
- مصلح، أحمد بن مهنی: الإمام الخلیلی والمغاربة ثقة متبادلة، بحث قدم فی ندوة الإمام الخلیلی، غیر مطبوع، سلطنة عُمان، ولایة بهلا، یونیو، 2014.
- المعولی، المعتصم بن سعید: المعتمد فی فقه الحج والعمرة، ط1، بیروت، لبنان، 1432هـ/2011م.