سيمياء العنوانات الرئيسة في نثر محمود درويش

الباحث المراسلأ.د. عيسى محمد السليماني جامعة نزوى
فاطمة خميس الشقصي طالب ماجستير

Date Of Submission :2025-08-14
Date Of Acception :2025-10-01
Date Of Publication :2025-10-09
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

 

" سيمياء العنوانات الرئيسة في نثر محمود درويش "

مهاد: 

       تعددت الاتجاهات السيميولوجية الغربية منذ نشأتها على يد كل من الفيلسوف الأمريكي شارل ساندرز (Charles Sanders)، الذي اعتبرها إطارًا مرجعيًا يضمُّ مختلف العلوم من رياضيات، وميتافيزياء، وتشريح، وغيرها، وفردينان دوسوسير Ferdinand de Saussure)‏) مؤسس علم اللغة الحديث، الذي عالج السيميائية من وجهة نظر لغوية؛ إذ يرى " أن اللغة هي نظام علامات تعبر عن أفكار، ومن هنا يمكن مقارنتها بكتابة أو أبجدية الصم/ البكم، بالطقوس الرمزية، وبالإشارات العسكرية... لكنها تبقى أهم هذه النظم. من هنا يمكننا تصور علمًا يدرس حياة العلامات ضمن الحياة الاجتماعية، ... وسنطلق على هذا العلم اسم السيميولوجيا."[1]

       ورغم هذا التعدد إلا أن السيميائية اتفقت في الإطار العام الذي يُعنَى بـ" دراسة الإشارات"[2]، أما تعريفاتها الاصطلاحية فتباينت بتباين الرؤى المعرفية التي يتبناها المعرِّف، فيعرفها سوسير بأنها " دراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية"[3]، أما بيرس (Pierce) فيرى أن السيميائية " نشاط معرفي شامل، يهتم بكل ما تنتجه التجربة الإنسانية عبر مجمل لغاتها ومن خلال كل أبعادها، فهي رؤية للعالم تتلخص في النظر إلى الوجود الإنساني من خلال وضعه باعتباره علامة في الكون"[4] ويعرفها إمبرتو إيكو (Umberto Eco) بأنها " كل ما يمكن اعتباره إشارة"[5]، وقد تأخذ الإشارات شكل كلمات وصور وأصوات وإيماءات و...، وهكذا تتعدد التعريفات بتعدد مجالات قائليها، لتصبح السيميائية علمًا مستقلًا تبنتها علوم كثيرة " كالأنثروبولوجيا والسسيولوجيا والتحليل النفسي والتاريخ والخطاب الحقوقي وكل ما له صلة بالآداب والفنون البصرية وغيرها. بل شكَّلت السيميائيات منذ الخمسينات من القرن الماضي في المجال الأدبي، تيارًا فكريًا أثرى الممارسة النقدية المعاصرة، وأمدها بأشكال جديدة لتصنيف الوقائع الأدبية وفهمها وتأويلها"[6]

ومن بين الذين نظروا للسيميائية في مجال اللغة والأدب رولان بارت Roland Barthes))، الذي كان له الفضل في إيلاج السيمياء في الحقل الأدبي، بل تعدّى ذلك إلى دخولها الثقافة الشعبية فدرَس مظاهر ثقافية عديدة، كالموضة والطعام والمصارعة وغيرها. وقد استقت سميولوجيا بارت أساسياتها من سيميولوجيا سوسير، غير أنَّ الأول قلب فكرة الأخير حول علاقة اللسانيات بالسيمياء؛ فبينما جعل سوسير الألسنية جزءًا من علم العلامات، قلب بارت الآية ليجعل علم العلامات جزءًا من الألسنية. يقول بارت Roland Barthes)): " لقد اعتقد صوسير ... أن اللسانيات ليست سوى قسم في علم الأدلة العام، إلا أنه من غير الأكيد قطعًا أن تكون في الحياة المجتمعية المعاصرة أنظمة أدلة غير اللغة البشرية؛ لما لهذه الأخيرة من سعة وأهمية."[7]، وعلل بارت فكرته بقلة النظم الدلالية كالإشارات والرموز وغيرهما مقارنة باللغة؛ فهي ليست قمينة بتأسيس علم مستقل، كما أنها تمتزج باللغة بصورة أو بأخرى، لهذا تبقى السيمياء ضمن إطار علم اللغة.[8]

       يَعُدُّ بارت النص ثمرة اللغة، وحتى يتشكَّل لابد للغة من أن تحارب داخلها، مضطلعةً بالكلمات والعلائق القائمة بينها، فما النص إلا نسيج الدلائل والعلامات التي تشكل العمل الأدبي، وهذه العلامات في نظر بارت مرتبطة باللغة كما أسلفنا. إن تركيز السيمياء على قراءة أعماق الدال، واستكناه ما وراءه، وتقفِّي إنتاج المعنى عبر دلالة الشفرات والعلامات، يساهم في قراءة فاعلة للنص، من خلال إعمال مخيلة المتلقي في استبطان جوهر العلاقات القائم بين الدلائل، وكشف خباياها.[9]

       يأتي عنوان العمل الأدبي في مقدمة تلك النصوص التي تساهم في تأريث سيمياء النص؛ فالعناوين في نظر بارت " عبارة عن أنظمة دلالية سيميولوجية، تحمل في طياتها قيمًا أخلاقية واجتماعية وإيديولوجية"[10]، فمهما بدا العنوان نصًا مختزلًا إلا أنه يستقي كينونته ووجوده من النص الأمّ، وما على القارئ إلا أن يسبر أغوار النَّصّيْن، وقراءة العلاقة القائمة بينهما من خلال استنطاق الإشارات والعلامات المتوارية فيهما.

       وبالنظر إلى عنوانات كتب درويش النثرية، نجدها لا تكف عن إثبات فعل كينونتها كونها عتبة نصية، تسهم في تشكيل وتوجيه فهم المتلقي للعمل الأدبي، وتفتح آفاقًا متعددة للتأويل والتحليل، إذ تعمل كمفاتيح لاستكشاف عمق النصوص، وتحفّز القارئ على التأمل والتفسير.  فالعنوان ليس مجرد إشارة شكلية، أو معنىً حرفيًا لكلمة، بل هو جزء حيوي من العمل الأدبي، يحمل دلالات ورموزًا تعزز من عمق النص، وتثري تجربة القراءة.

       سنتناول تحليل سيمياء هذه العنوانات من جانبين: أولها لغوي، يركز على التركيب الجُمَلي والهيكل الداخلي للعبارة وتنظيمها، والآخر دلالي يعتني بدلالات الرموز والمعاني العميقة، التي قد ترتبط بالثقافة أو التاريخ أو السياق الاجتماعي أو الجانب النفسي وكل ما يتوارى خلف العنوان من إيحاءات مختلفة.

 

أولًا: التحليل اللغوي للعنوانات: 

       حظيت الجملة الاسمية بلحاظ طرفي الإسناد عند الكاتب، بعشرة عنوانات، تمكَّنَ عبرها من لعبة (إيجاز الحذف) في طرفي الإسناد، وكانت على الوجه الآتي: 

  1. حذف المبتدأ: 

       تضمَّن هذا القسم ثلاثة عنوانات: (في وصف حالتنا، في انتظار البرابرة، في حضرة الغياب)، حُذِفَ المبتدأ هنا؛ لأنه لا يشكِّل بؤرة المعنى في نظر الكاتب، بل أراد من جزء من الخبر أن يدع المتلقي في مساحة التقدير؛ لكي يدرك ما يرمي إليه. ففي عبارة (في وصف حالتنا) تركّزت بؤرة المعنى في الضمير (نا + حالة)، ويريد الكاتب لفْت النظر إلى (حالتنا) التي لا تسُرّ، لذلك ابتسر لفظة (وصف) مما لا يترك مجالًا لتقدير المبتدأ. تناول الضمير (نا) في حالتنا) عدة دلالات أهمها الشمولية والشعور الجمعي، فالوصف لا يعكس حالة فردية شخصية، وإن عبَّر درويش عن تجارب شخصية غير أنها لا تتقاطع مع تجارب ومعاناة الشعب الفلسطيني، ولا ريب في أن الخطاب الجمعي يواري خلفه ضمنًا معنى التناقض والتباين بين الأفراد في الفكر والشعور ومدى المعاناة، مما يمكن أنْ يعكس تعقيد الحالة التي يتناولها الكاتب، ناهيك عما يخلقه الضمير (نا) من الشعور بالحميمية والانتماء، فيجعل القارئ طرفًا في هذا الشعور الجمعي، معززًا بذلك التواصل العاطفي مع النص.

       أمَّا (في انتظار البرابرة)، يبدأ العنوان بحرف الجر (في) الذي يُستخدم للتعبير عن الزمان والمكان، استخدمه درويش هنا لتحديد وضعية معينة في الزمن، وهي (الانتظار)، وكلمة (انتظار) مصدر من الفعل (انتظر)، يُشير إلى حالة فعلية أو معنوية تحمل دلالة الترقب لشيء غير محدد بَعْد ولكنه مُتوقَّع، كما يُفيد تقديم الإطار الزماني أو الحالة النفسية للأفراد والمجتمع، وجاءت (انتظار) مضافة إلى كلمة (البرابرة) جمع لكلمة (بربري)، التي تحمل معاني متعددة تتراوح بين الأعداء والغرباء والمحتلين، واستخدام الجمع يُعطي شعورًا بالعدد الكبير والتهديد المتعدد الأوجه، هذا التركيب الإضافي (انتظارُ البرابرة) يحمل دلالة مشهدية تُعمِّق فعل الترقُّب، وتُنذر بمستقبل غامض.

       لقد أفرغ درويش معنى الانتظار الذي يرسم في ذاكرة المتلقي أغلب الأشياء الجميلة، ولكنه حصر ذلك الانتظار في كلمة (البرابرة) مؤثلًا لفظاظة المحتل، وثقل هذا الانتظار، لذا لم يعد المبتدأ يشكِّل أمرًا مهمًا عنده.

        في حين تمرْكزت بؤرة المعنى في كتاب (في حضرة الغياب) في الجار والمجرور (في حضرة)، فحرف الجر (في) يفيد معنى الظرفية الزمانية أو المكانية، ويوحي بوجود حدث أو حالة تحْدُث ضمن إطار محدد، هذه الحالة هي حالة الحضور، الذي يمكن أن يكون ماديًا أو معنويًا، غير أنَّ المضاف إليه (الغياب) أكَّد الحضور المعنوي، عاكسًا حالة نفسية معقدة تجمع بين النقيضين (الحضور والغياب)، إذ يمكن للغياب أن يكون حاضرًا بقوة في الوعي والذاكرة. هنا يحار المتلقي من المعنيّ بالغياب؟ أهم الأهل؟ أم الوطن؟ أم الأمل؟ أم الروح؟ وهنا أيضًا لم يعد المبتدأ مهمًا. وإذا أردنا –اجتهادًا- تقدير المبتدأ، فلعل الكاتب يقصد ذاته (أنا في حضرة الغياب). إنّ استخدام مفردة (حضرة) بدل الحضور أضفت على (الغياب) طابعًا مهيبًا، وكأنه حالة يُحترَم وجودها وتأثيرها، لا سيما وأنَّ مفردة (حضرة) في الثقافة العربية تحمل دلالات الاحترام والتقدير، وعادة ما تستخدم في سياقات رسمية أو دينية للإشارة إلى وجود شخصية أو حالة مهيبة.

 

  1. حذف الخبر:

       تدخل في هذا القسم غالبية العنوانات؛ إذا اشتمل على سبعة من أصل العشرة، وهي: (شيء عن الوطن، ذاكرة للنسيان، الرسائل، عابرون في كلام عابر، حَيْرة العائد، وأثر الفراشة). والمتأمل فيها يجد أن المستوى الظاهر لهذه العبارات يصنفها ضمن الجملة الاسمية التي حُذف منها الخبر، ونرى أن هذا الخبر المفتوح قد يُغلَق بمفردة وردت في المبتدأ.

ففي (شيء عن الوطن) يريد الكاتب أن يجعل الخبر مفتوحًا، ويدع المتلقي يقدره على ما يريده من وحي كلمة (الوطن)، وليس فقط من كلمة (شيء)، فينصرف الذهن إلى جزء من العنوان (الوطن)؛ لينفتح الخبر على جملة احتمالات، فمفردة (شيء) اسم نكرة يعطي إحساسًا بالغموض والعمومية، إذ قد يشير إلى فكرة أو شعور أو تجربة أو حدث، مما يفتح الباب لتفسيرات وتأويلات متعددة، ليأتي الجار والمجرور (عن الوطن) محددًا موضوع هذا الشيء. ولمَّا كان الوطن مرتبطًا بالكاتب، فلا ريب أنه يعني فلسطين.

       بينما مفردة (ذاكرة) في عنوان (ذاكرة للنسيان) لا تمنحنا ذاك القدر من الطاقة الإيحائية التي يمنحنا إياها الجار والمجرور (للنسيان). ماذا يريد الكاتب أن ينسى؟ أيريد أن ينسى المتلقي ما بذاكرة صاحب العنوان؟ أم يريد من الذاكرة الجمعية للعرب كلهم أن لا ينسوْا هذه الذاكرة؟، بالرغم من أن كلمة (ذاكرة) تُشير إلى القدرة على استرجاع المعلومات والأحداث، إلا أن الجار والمجرور (للنسيان) حوَّل الغاية من هذه الذاكرة، إلى ذاكرة مخصصة للنسيان. إنَّ استنطاق مفردة الـ (ذاكرة) النكرة يُضفي على معنى العنوان الكثير من المعاني المتوارية خلف هذا التنكير؛ والتي من بينها الشمولية والتعميم؛ فالذاكرة ليست محددة لشخص أو لحادثة بعينها، مما يسمح بقراءة العنوان بطرق متعددة، إذ يمكن أن تنطبق فكرة (ذاكرة للنسيان) على تجارب مختلفة وشخصيات متنوعة. ينسرب معنى التلميح إلى طبيعة الذاكرة من التنكير أيضًا؛ فكأن العنوان يقول إن الذاكرة في حد ذاتها تحمل جانبًا من النسيان، فهي ليست مجرد مخزن للأحداث، بل مفطورة على النسيان الإجباري والاختياري، فقد يختار المرء ما يحتفظ به وما ينساه، وهذا بدوره يعمِّق البعد الفلسفي في العنوان؛ إذ يُلقي الضوء على الجانب العالمي المشترك بين الذاكرة والنسيان كجزء من التجربة الإنسانية، فالذاكرة ليست ملكًا لفرد واحد فقط، وإنما هي مفهوم واسع يشمل كل البشر.

       اعتمد درويش على التكثيف اللغوي في انتقائه للعنوان، حيث استخدم كلمات قليلة لإيصال معانٍ متعددة ومعقدة، أثْرى ذلك جمعه بين النقيضين (الذاكرة والنسيان)؛ وربما يرمز من خلالهما إلى عملية التذكر التي تحتوي ضمنًا محاولة النسيان، فدرويش يتذكر الأشياء محاولًا نسيانها، لاسيما أنه يقف شاهد عيان على أحداث حصار بيروت، وما صاحب هذه الأحداث من مجازر دموية، وتشريد وتعذيب للشعب الفلسطيني، هذه الأحداث التي تكتظ بها ذاكرته، ولا تجد سبيلًا للنسيان رغم المحاولة "وليس في وسع القصيدة أن تغيِّر ماضيًا يمضي ولا يمضي

 ولا أن توقف الزلزال". [11]

       يتفرد كتاب (الرسائل) مع سميح القاسم، ليكون الوحيد بين المجموعة الذي جاء في كلمة واحدة وبصيغة الجمع، فكلمة (رسائل) جمع تكسير لكلمة (رسالة)، يعكس عمق وتعدد جوانب التواصل بين الأديبين، كما يُشعرنا بوجود طاقة ديناميكية في العنوان، لذا جاء العنوان مطلق الخبر لأن (الرسائل) متعددة إلى جهات متعددة، فالرسائل معرِفة موجَّهة، ولكن المُرسَل إليهم متعددون لا يمكن حصرهم، من هنا جاء الخبر مفتوحًا أيضًا. إنَّ كلمة (الرسائل) تتضمن بُعدًا وجوديًا وزمانيًا؛ إذ تعكس تجربة إنسانية عميقة تتناول فاعلية وأهمية التواصل البشري، علاوة على أنها تؤرخ لحقب زمنية محددة.

       بينما ينثال معنى العبور في عنوان (عابرون في كلام عابر) فارضًا سطوته عبر مفردتين (عابرون) و(عابر)، يبدأ العنوان بمبتدأ يدل على الفاعلين، الذين يعبرون، مضفيًا على العنوان معنى الحركة وعدم الثبات، واستعمل الكاتب جمع المذكر السالم (عابرون) للدلالة على الشعور الجمعي؛ فهو يرى أنْ لا شيء يبقى، فنحن وكلامنا عابرون كما عبر غيرنا، وسيأتي غيرنا لينظر إلينا من بعيد. الجار والمجرور (في كلام عابر) يربط الفاعلين بمكان تواجدهم، فكلامنا نحن العابرين أيضًا عابر؛ لأننا لا نكتبه ليخلد بل نكتبه ليُعبِّر عنا، فهو عابر لا لأنه لا قيمة له، بل لأنه لنا، يعبِّر عنا، ويمضي معنا.

       إنَّ استخدام الجذر اللغوي (عَ. بَ. رَ) في (عابرون) و (عابر) يعزز الإيقاع في العنوان مما يزيد من جاذبيته، كما يؤكد فكرة العبور والمرور المؤقت، تمْثُل الدلالة الزمنية بقوة في هذا العبور، إنه الزمن المؤقت الذي لا يعرف الاستقرار، مع المحتل العابر، ومع الشخصيات الفلسطينية المؤثرة والعابرة، ومع الشهيد العابر، ومع الأدب العابر، وهكذا... الثبات غير متأبٍ هنا رغم سطوة العبور، فالعنوان يعكس ضمنًا جدلية المؤقت والدائم، مما يجعل القارئ يتساءل عن ماهية الأشياء العابرة والأشياء الباقية، وهي انعكاس لجدلية المواطن والمحتل فأحدهما باقٍ متجذر، والآخر مجرد عابر.

       يُلخص (العائد) في عنوان (حَيْرة العائد) مفردة الحيرة، التي تُشير إلى حالة من التردد والارتباك وعدم اليقين، فالعائد يحمل معه تجربة العودة بعد فترة من الزمن بما فيها من تغييرات وتحولات. تعكس الحيرة الوجودية حالة من التأمل والتساؤل حول الذات والمكان والعلاقة بينهما، فهي ليست مجرد تردد بسيط، وإنما حالة عميقة من التفكير في الأمور الجوهرية المتعلقة بالهوية والانتماء. يُعبِّر التركيب الإضافي (حيرة العائد) عن الصراع الداخلي الذي يواجهه العائد بين ما كان يتوقعه وبين ما يجده عند عودته، هذا الصراع يعكس التوتر النفسي الذي يمكن أن يسبب شعورًا بالضياع والارتباك، وبالتالي لا يمكن تأطير هذا الضياع الممتد بخبر، فالحيرة ملأى بالكثير مما لا يمكن ترجمته.

       يضطلع التركيب الإضافي في عنوان (أثر الفراشة) بمهمة عميقة، تنقل المتلقي من البساطة الظاهرية إلى العمق الضمني؛ فالمبتدأ (أثر) يشير إلى العلامة أو النتيجة التي يتركها شيء ما، مما يبرهن على وجود تأثير ملموس ومحسوس، هذا التأثير مصدره يحدده المضاف إليه (الفراشة)، كائن في غاية الرقة والجمال والهشاشة، ورغم ذلك يترك أثرًا. لقد حدد التركيب الإضافي العلاقة بين النتيجة (الأثر)، الذي تقدم فاعله (الفراشة)، ليؤكد درويش على أن الأشياء البسيطة في ظاهرها تترك أثرًا، وقد يكون كبيرًا وبؤرة تغيير لمسارات كثيرة.

        يعكس العنوان (أثر الفراشة) فكرة الاستمرارية، والتأثير الدائم للأفعال أو الأشخاص حتى بعد غيابهم، إذن هو مرتبط بزمن محدود، وقد يكون درويش يرمز إلى ذاته واستعداده للرحيل الأبدي لا سيما وأن هذا العمل هو آخر نتاجاته الأدبية بالتزامن مع ديوانه الأخير (لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي)، ولن تنتهي ما دام للفراشة أثر.

       العنوان المتفرد الذي نعُدُّه في إطار الجملة الفعلية (وداعًا أيتها الحرب، وداعًا أيا السلام)، فقد أجمع النحويون على أن المصدر المنصوب هنا نائب عن فعله، ولأن الكاتب بطبيعته لا يميل إلى الحرب، ولكنه لم يثق أن يحلَّ السلام قريبًا، جسَّد هذا التناقض الواضح في العبارتين، ولم يستطع أن يرعن إلى أحدهما، لأن واقع الحال لا يوحي برجحان إحدى الكفتين.

يتكون العنوان من جملتين متوازيتين (وداعًا أيتها الحرب) و (وداعًا أيا السلام)، مما يضفي عليه أثرًا شعريًا، كما أن تكرار المصدر (وداعًا)، وأسلوب النداء يعززان الطابع الدرامي والوجداني فيه، إذ ينتقل الكاتب بمفهومي (الحرب، السلام) من التجريد إلى التشخيص مضفيًا عليهما البعد الإنساني. ينطوي العنوان على وداع مزدوج لكل من الحرب والسلام، الذي يرمز إلى حالة من الفقدان الشامل لكل منهما، وهنا يواري درويش شعوره باليأس واستحالة حلول السلام الذي يراه بعيد المنال.

       صفوة القول، استطاع محمود درويش أن يجعل من الجملة الاسمية الناقصة أيقونة توحي بالثبات للرسائل التي تحملها مضامين عنواناته النثرية؛ ولعل هذا النقص يحمل في باطنه دلالات نفسية تنطوي عليها حياة الكاتب، من التهجير والوحدة، والتنقل بين المنافي، والبعد عن الوطن، والحياة القابعة بين الاستقرار والاغتراب، بين الحرب والسلام، بين الشعر والنثر، بين الصحة والمرض، بين الوجود والتلاشي.

 

ثانيًا: التحليل الدلالي للعنوانات: 

       يقودنا التحليل الدلالي لعنوانات نثر محمود درويش إلى تفحصها وسبر أغوارها عبر أنساق متعددة، واستجلاء علاقتها المباشرة والضمنية مع النص، ولتسهيل تناولها قسمناها إلى أربع مجموعات وفق العامل المشترك بينها كالآتي:

  1. عنوانات الحالة الوجدانية:
  • يوميات الحزن العادي.
  • في وصف حالتنا.
  • في انتظار البرابرة.
  • حيرة العائد.
  • أثر الفراشة.
  1. عنوانات التناقض الداخلي (الأوكسيمورون):
  • ذاكرة للنسيان.
  • في حضرة الغياب.
  1. عنوانات الوطن والقضية:
  • شيء عن الوطن.
  • وداعًا أيتها الحرب.. وداعًا أيها السلام.
  • عابرون في كلام عابر.
  1. عنوانات ذات تعبير مباشر:
  • الرسائل.

 

  1. عنوانات الحالة الوجدانية:

       تعكس العنوانات الخمسة الأولى من القائمة في أعلاه حالات وجدانية متفاوتة ومتضاربة في الوقت ذاته، فمن اعتياد الحزن في (يوميات الحزن العادي)، إلى الشعور الجمعي باكتظاظ الأحداث المأساوية التي تستدعي الوصف (في وصف حالتنا)، مرورًا بحالة من الترقب والانتظار المقيت المصحوب بالخوف والقلق والأحاسيس المتباينة (في انتظار البرابرة)، وصولًا إلى موجة من الحيرة المصاحبة للعودة بشتى أطيافها: شخصًا، مكانًا، زمانًا، وذاكرة، وانتهاءً بالأثر الذي تُخلِّفه الأعمال الصغيرة في ظاهرها، العميقة في جوهرها.

       ففي (يوميات الحزن العادي) تومئ كلمة (يوميات) إلى نوع من الكتابة الشخصية والذاتية، فهي تأملات وانعكاسات وجدانية يوثقها محمود درويش بصورة حداثية رمزية بعيدة عن المباشرة، توحي هذه الكلمة (يوميات) بالاستمرارية، فالحزن الموصوف ليس شعورًا عابرًا، إنما هو حالة مستمرة تتكرر يوميًا.

       يختزل درويش كم المشاعر المأساوية التي يحفل بها النص بكلمة واحدة في العنوان (الحزن)، واضعًا القارئ مباشرة أمام حالة عاطفية معينة طافحة بالألم والأسى. ويمكن أن تكون هذه الكلمة (الحزن) رمزًا للمعاناة الجماعية التي عاشها الشعب الفلسطيني، فالكاتب يتناول القضية بلغة الفرد، بينما هو حزن جماعي، يُعبّر عن آلام شعب بأسره. 

       إن وصف الحزن بـ (العادي) يعمِّق الحالة الوجدانية التي يستوعبها العنوان؛ إذ تشير إلى أن الحزن الموصوف ليس استثنائيًا أو عاديًا، بل هو مألوف ومتكرر، ولعلَّ التكرار يقودنا إلى قطبين متناقضين: أولهما امتداد حالة الحزن وتعمقها، وثانيهما الاعتياد الموحي بالتكيُّف، وقد يتضمَّن العنوان سخرية ضمنية من الوضع المؤلم. ورغم كل ذلك، نجد في العنوان ما يدل على الاستمرار والثبات؛ إنها الـ (يوميات) المستمرة التي تختزل في أعماقها صورة الفلسطيني المتجذر بأرضه مهما هُجِّر وعُذِّب واغترب.

       يخلق التناقض الظاهري في العنوان بين كلمتي (الحزن) و (العادي) نوعًا من الصدمة، ويُثير الفضول، كيف يمكن أن يكون الحزن عاديًا؟ هذه المفارقة تُمثّل إغراء للقارئ، ومن ثَمَّ تجذبه لفهم النص ومعرفة محتواه.

       كما يوحي العنوان بأسلوب الكتابة التأملي والتوثيقي؛ كونه يتناول سلسلة يوميات حزينة، تجمع بين الشخصي والجماعي، بين الألم والاعتياد، هذا التأمل -لا ريب- أنه يخلق الكثير من الأسئلة في أعماق الكاتب، أغلبها لا تتطلب إجابة بقدر ما هي ولوج إلى عالم من الحيرة المفعمة بالأسى. 

  • "من أين كان يأتي الأمل؟
  • من الخارج...
  • من أين يأتيك الحزن؟
  • من مسام جلدي.
  • ومن أين يأتيك الفرح؟
  • من بكاء الأطفال القادمين إلى الجحيم..."[12]

       "أيحتاج الألم إلى تعريف؟ ذلك ما تقدمه هذه المقالات التي لا تُعرِّف الألم إلا بوصفه مدخلًا."[13] هذا ما قاله محمود درويش في مدخل كتابه (في وصف حالتنا)، يستهل عنوانه بحرف الجر (في) الذي يوغل الآخر في الانغماس والتعمق في وصف الحالة الجمعية قبل أن تكون شخصية، غير أن هذا الوصف يأتي من شعور داخلي كامن (في) ذات الشاعر المرتبطة بتجارب ذاتية أو جماعية. 

       تمنح كلمة (وصف) العنوان شيئًا من السعة واللامحدودية، علاوة على الدقة والاهتمام بالتفاصيل، وهنا تدخل الحيادية والتحليل، ينحدر كل من الزمان والمكان من عمق هذا الوصف، كل ذلك يمنح الكاتب مجالًا فضفاضًا للتعبير عن قضيته، وتقديم تصوير واقعي ودقيق عن معاناة شخص في إطار شعب، " لا ننظر إلى الوراء لنرى الليل الذي ساقونا فيه، يوم كنا صغارًا ووحيدين، ويوم انتصب لاستقبالنا نصف مليون خيمة مطرزة باللغة الفصحى وأناشيد السيوف والرماح..."[14].

       بينما توحي كلمة (حالتنا) بمزيج من الشمولية والراهنية والتعددية؛ فالضمير (نا) - كما أشرنا في التحليل اللغوي للعنوان-  يفيد الجمع والشمولية، مما يدلل على أن محمودًا لا يصف معاناة فرد بل معاناة شعب، هذا الوصف يركز على الوضع الراهن والأحداث الجارية متعددة الجوانب: سياسية، اجتماعية، نفسية وغيرها من جوانب الحياة.

       يعكس العنوان من منظور سياسي الصراع المستمر بين الفلسطيني والمحتل للحفاظ على الهوية والثقافة في ظل الظروف الصعبة، ويثبت محاولات الفلسطينيين للتعبير عن ذواتهم وحقوقهم، بينما يتكشَّف الجانب النفسي من خلال ما يعتري الكاتب من حيرة وقلق جرَّاء تقصّيه الحقائق والوقائع للبحث عن التفاصيل ووصف الحالة، علاوة عما يُشعرنا به الضمير (نا) من الوعي الجماعي والذاتي بالحالة الموصوفة. 

       في العنوان مساحة واسعة لإثارة فضول القارئ، تتمركز في كلمة (حالتنا) التي تدفعه إلى التساؤل عن ماهية هذه الحالة الموصوفة، وتفاصيلها، ومن المقصود فيها: هل فرد؟ أم أسرة؟ أم شعب...، تسندها كلمة وصف التي تمنحها جاذبيتها وإثارتها، فالتركيب الإضافي (وصف حالتنا) هو البؤرة التي تستحوذ على ذهن القارئ من العنوان.

       في الوقت الذي يكون فيه الوصف وسيلة درويش لامتطاء صهوة التعبير عن الواقع، يستحيل الانتظار (في انتظار البرابرة) وسيلته لبثِّ معاني الترقُّب المقلق لدى القارئ. فكلمة (انتظار) تحمل دلالات نفسية ووجدانية كثيرة، علاوة على الترقُّب والقلق، فهي تدل على الاستعداد والجاهزية؛ لأنها تتضمن وصول شيء أو حدوث شيء ما، سواء كان سيئًا أم جيدًا. تحدد كلمة (البرابرة) الشيء المُنتظَر، إذ تحمل " مضمون الاستبداد والعنف وتحطيم البنية الاجتماعية"[15] ويعني الكاتب بلا شك الصهاينة، فهو يعي عدوه ولا أخلاقيته في ممارسة انتهاكاته لحقوق الفلسطينيين، هذا الانتظار ليس آنيًا لحظيًا، فالمحتل يمارس عنجهيته منذ زمن في الأراضي الفلسطينية بل والعربية، إنما يقصد الكاتب في انتظار " متى يضربون وأين سيضربون؟"[16].

 يستعيد محمود درويش قصيدة الشاعر اليوناني قسطنطين كافافي (في انتظار البرابرة) الذي اكتشف أنْ لا وجود للبرابرة المُنتَظَرين، يقول:

" يقولون إنَّ البرابرة لم يعد لهم وجود

والآن ما الذي سيحل بنا بلا برابرة؟

لقد كانوا، هؤلاء الناس، نوعًا من الحل"[17]

       يستفتح درويش نصه المُعنوَن بعنوان الكتاب (في انتظار البرابرة) بالشطرين الأخيرين من قصيدة كفافي، إلا أنه قَلَبَ المعادلة، ففي حين يكتشف الشاعر اليوناني أن لا وجود للبرابرة، يُصرِّح درويش بوجودهم وعربدتهم ولكن لا وجود للهدنة معهم، يقول: " لقد وضع البرابرة الجدد الحدود في جيوبهم فصاروا يطلعون من حياتنا بشكل أليف مألوف، ولكن متى يضربون هذه المرة؟ وأين يضربون هذه المرة؟ سؤال مشدود كأوتار الرعب من المحيط إلى الخليج."[18] وقد يكون درويش قصد بهذا العنوان (في انتظار البرابرة) ساسة الدول التي تدير قضايا الوطن العربي كالقضية الفلسطينية، أي في انتظار قراراتهم ونتائج مؤتمراتهم العقيمة " متى يضربون؟ ليخلص القاعدون على عروش الانتظار من هذا القلق ومن هذا الجسد في غارة واحدة، ولينصرفوا إلى إدارة شؤون الرثاء والتفاوض المجاني بلا عقبات"[19].

       إنَّ جَمع العنوان بين كلمتي (انتظار) و (البرابرة) يخلق تناقضًا ظاهريًا، إذ يحمل الانتظار في طياته عادة ترقُّب الأشياء الجميلة والمرغوبة، لكن كلمة (البرابرة) كسرت العادة، وأضفت عليه معنى الخوف والعدوانية، وبين الكلمتين اجترار لثلاثة أزمنة متشابكة: الحاضر والمستقبل والماضي؛ فلحظة الانتظار الراهنة مشبعة بتوقعات مستقبلية، مما تعكس نفسية قلقة ومضطربة، والتوقعات المستقبلية تكمن في قدوم (البرابرة)، فالمخاوف إذن مرتبطة بما يخبّئه ويأتي به المستقبل، هذا الاستدعاء المستقبلي للبرابرة -الذين يمثِّلون رمزًا للأعداء والمحتلين التاريخيين- مبني على تجارب سابقة (الماضي).  تداخل هذه الأزمنة الثلاثة يوحي بالاكتظاظ الذي تولده جوانب حياتية متعددة: اجتماعية وسياسية ونفسية، كل ذلك من شأنه دفْع المتلقي إلى استنطاق النصِّ لفكِّ شيفرات العنوان الغامضة.

       يتقازم مشهد الانتظار أمام الحيرة في (حَيرة العائد)، يكتب محمود درويش عن عوْدات مختلفة، عن عَوْدات فردية وجماعية، ولكنه يبقى في حيرة، هل عاد حقًا؟ إن شعور الحَيْرة مقرون بالشك والارتباك والتردد، ويعكس حالة من الصراع الداخلي بين أفكار متناقضة، كل هذه المشاعر نتجت جرَّاء العودة، فكلمة (العائد) أيضًا تحمل دلالات متضاربة، بين الحنين والارتباط بالوطن، أو بزمان معين، أو حالة نفسية أو اجتماعية محددة، كما تحمل في طياتها معنى التغيير والتحوُّل؛ فالعائد مُحمَّل بالعديد من تجارب الغياب، علاوة على التغييرات التي طرأت على المكان الذي غاب عنه. إن الجمع بين مفردتَيْ (الحَيْرة) و (العائد) شأنه شأن الجمع بين (انتظار) و(البرابرة) -كما أسلفنا- يعكس تناقضًا ظاهريًا؛ فالعائد ينبغي أن يكون قد خطَّط لعودته حاملًا هدفًا معينًا، لكن درويشًا في حالة حَيرة، وهذا ما عبَّر عنه في نصّ الكتاب، حين كتب مجموعة نصوص رثائية تحت عنوان عام (أكثر من وداع)، تحدّث في حفل تأبين (إميل حبيبي) عن عودة الأخير التي لم تتحقق: " لن تستطيع العودة إلى الوراء لإجراء التعديل المُبتغى على مصيرك. تلك كانت حسرتك الأخيرة أن تتخلى عن السياسة منذ البداية لتكون أديبًا منذ البداية"[20]، أما عودة (إبراهيم أبو لغد) فكانت هدفًا رنا إليه، فهو "من القلائل الذين لم يروا في الخروج من بيروت نهاية. إذ رأى فلسطين أمامه: سنعود"[21]، وكان سعيه محملًا بالنتيجة التي طالما انتظرها واقعًا، " لقد أنجز إبراهيم حق العودة بطريقته الخاصة. فلم يعُد إبراهيم ليموت، بل عاد ليُسهم في تطوير الحياة التعليمية، عاد لينشر رسالة المثقف الفلسطيني إلى ذاته ومجتمعه وإلى العالم: التمسك بحق العودة..".[22] في حين تبدَّت عودة محمود درويش ناقصة رغم فرحه، عاد إلى وطنه الشخصي -كما نعته- للمشاركة في تأبين إميل حبيبي، إنها العودة القصيرة الحزينة، يقول: " حصلت على تصريح لمدة ثلاثة أيام للمشاركة في تأبين إميل حبيبي ولزيارة بيت أمي. وهناك احترقتُ بلهفة العودة، فمن هنا خرجت وإلى هنا أعود."[23] من هنا نفهم الحَيْرة التي اكتنفت العائد، لم تكن عوْدة بقدر ما كانت زيارة سريعة " وأما الحاضر، فلم يكن أكثر من زيارة يعود الزائر بعدها إلى توازنه الصعب بين منفى لا بد منه، وبين وطن لا بد منه."[24] لم يعُد محمود درويش ليبقى، هذه العودة التي كلفته ثمنًا باهظًا من الاحتراق، واجترار الذكريات، والرغبة في البقاء المسلوب، و يُقِرُّ أنه لم يعد "ولم أعد بعد، لم تنته الطريق لأقول مجازًا أنَّ الرحلة ابتدأت."[25]

       إن هاتين الكلمتين المركبتين (حَيرة العائد) من شأنهما دفْع المتلقي إلى رغبة اكتشاف ما يواريه العنوان، ولا يتأتَّى ذلك إلا باستقراء المضمون؛ لاجتلاب العلائق بين الحَيْرة والعودة، هذا التكثيف اللغوي تنثال من أعماقه أبعادٌ دلالية تشي باقتضابٍ عن مضمون خَفِي لا يمكن اكتناهه إلا بالولوج إلى النصّ.

       يأتي عنوان كتاب (أثر الفراشة) في خاتمة هذه المجموعة، علاوة على أنه خاتمة نثريات محمود درويش، ولعله سبب تسميته التي تحمل في طيَّاتها دلالات عميقة، شكَّلها التركيب الإضافي بين (أثر) و (الفراشة). يستحضر العنوان صورة الفراشة التي ترمز غالبًا إلى الرقة والجمال والهشاشة والتحوُّل، لتكون مضافة إلى كلمة (أثر) مما يُوَلِّد علائق معقَّدة بين الوجود الخفيف العابر، والأثر المستمر.

       تتمظهر الحالة الوجدانية في العنوان من فكرة التغيير والتحوُّل، فهما جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، فتجاربه وخبراته الصغيرة المتراكمة، تصبح مع الوقت عميقة وعظيمة وذات أثر وجدوى. ربَّما استقى درويش هذا العنوان من (نظرية الفوضى) (The butterfly effect) التي تقول: إن حركة جناح فراشة في أوروبا، قد يتسبب بإعصار في الصين؛ يرجع ذلك إلى موجات صغيرة جدًا تطلقها الفراشة تؤثر مع مرور الزمن في إحداث تغيرات في الطقس في مكان آخر، المثال يتحدث عن مساهمة دون سببية، حتمية، بين حركة جناحي الفراشة والإعصار[26]. وهذا بدوره يُؤكِّد أنَّ أصغر الأشياء والأحداث في حياتنا قد تؤثِّر علينا مستقبلًا بصورة كبيرة.

       من هنا، يوحي العنوان بالأثر الممتد بعد الخبرات الصغيرة والكثيرة، المتراكمة مع الزمن، ولا ريب في أنَّ كاتبنا يتحدث عن نفسه بعد حياة حافلة بالتجارب مختلفة الأطياف، فهو لا يقزِّم نفسه بقدر ما يدرك أنه ذرة في هذا العالم الواسع، ولكن رغم ذلك، تترك أثرًا. ربَّما قصد درويش أثره العام في الحياة في شتى المجالات، وقد يكون رمى إلى أثره الأدبي الذي يُخلِّد اسمه بعد وفاته، ولعله أراد أثر الأدب الذي سخَّره في خدمة القضية الفلسطينية على سير مجرياتها، بشكل أو بآخر.

       يُمثِّل العنوان الرئيس للكتاب، عنوان أحد نصوصه الشعرية، يتضح من كلماتها في مُختلَف مقاطعها إلمام درويش بنظرية الفوضى، يظهر بجلاء من مطلعها:

 


 

أثر الفراشة لا يُرى 

أثر الفراشة لا يزول[27]

 

 

يواصل الكاتب في إثبات نظرية الفوضى حين يقول متحدثًا عن الأثر: 

هو خِفَّة الأبديِّ في اليوميّ

أشواقٌ إلى أعلى

وإشراقٌ جميل[28]

 

هو شامةٌ في الضوء تومئ

حين يرشدنا إلى الكلمات

باطننا الدليل[29]

 

       تعكس الفراشة دلالات روحية ونفسية كثيرة، ارتبطت بمعتقدات الشعوب وثقافاتها، فسكان أمريكا الأصليين مثلًا يروْن فيها رمز التحوُّل والتطور، بينما تُشير في المسيحية إلى الولادة والعمق الروحي، في حين تومئ إلى أرواح الموتى في الثقافة اليابانية، بينما تُعَدُّ ازدواجية الورد والفَرَاش عند الصينيين رمز الحب والولاء[30]. هذه الدلالات المختلفة تتبدَّى جلية في نصوص كتاب (أثر الفراشة) كالشعور بدنو الأجل، وتكرار مفردة (الموت)، يقول محمود درويش:

"إذا قيل لي: ستموت هنا في المساء

فماذا ستفعل في ما تبقّى من الوقت؟"[31]

وقوله أيضًا:

"صدَّقتُ أني متُّ يوم السبت،

قلتُ: عليَّ أن أوصي بشيء ما

فلم أعثر على شيء..."[32]

والحديث عن الحب أحيانًا: 

"وشفَّافٌ حضورك، فلا أدري إن كانت روحك تسكن جسدك، أم أن جسدك يلبس روحك ويشعّ لؤلؤة في عتمتي..."[33]، ويقول في موضع آخر: "وأغبط لساني الذي يناديك باسمك بحرص مَنْ يحمل أربع كؤوس كريستال بيدٍ واحدة. أتذوق حروف اسمك، حرفًا حرفًا، كفواكه موسيقية."[34]، كما تكثر نصوصه الموحية بالتأمل والنضج الفكري والنظرة للحياة، مما يشفّ عن حالة من نضج التجربة الحياتية، وخلاصة التكوين الفكري، من ذلك قوله: " للحكمة أسلوب الطبيب في النظر إلى الجرح. وإذ ننظر إلى الوراء لنعرف أين نحن منا ومن الحقيقة، نسأل: كم ارتكبنا من الأخطاء؟ وهل وصلنا إلى الحكمة متأخرين؟"[35]، ويقول في وجهة نظر: " الفارق بين النرجس وعبّاد الشمس هو الفرق بين وجهتي نظر: الأول ينظر إلى صورته في الماء، ويقول: لا أنا إلا أنا. والثاني ينظر إلى الشمس ويقول: ما أنا إلا ما أعبد. وفي الليل، يضيق الفارق ويتسع التأويل!"[36] والشواهد المتعلقة بالمواضيع السابقة  في الكتاب كثيرة ومتكررة.

       من هنا، نستنتج لا عشوائية انتقاء محمود درويش للفراشة دون غيرها في هذا العنوان، في مرحلة عمرية تنمُّ عن نضج فكري، وخلاصة الكثير من التغيُّرات الحياتية، وبَعْد العديد من الوعكات الصحية التي أشعرته بدنو الأجل، كونها مخلوق متحول ومتعدد الأطوار، مرتبط بالطبيعة، هش وجميل وجذاب، وديع ومسالم.

       وهكذا، تضاربت المشاعر الوجدانية في هذه الفئة من العنوانات، بين اعتياد الحزن، والحالة المكتنِزة بالكثير من التفاصيل المؤلمة، والانتظار المرهون بثلاثة أزمنة متباينة، والعودة المسلوبة الثبات، لتصير موطن حَيْرة وقلق وارتباك، ليبقى أثر كل ذلك محفورًا في الذاكرة، ومُدوَّنًا في الكتب.

  1. عنوانات التناقض الداخلي (الأوكسيمورون):

      تُمثِّل عنوانات الفئة الثانية ظاهرة فريدة من نوعها، مأتى الفرادة اشتمالها على ظاهرة (الإرداف الخُلفي) التي تسمى بـ (الأوكسيمورون Oxymoron) وهو مصطلح يوناني يتركب من كلمتين (oxus) بمعنى حاد أو ذكي، و (moron) بمعنى غبي أو أحمق، وهي بذلك تعني التناقض. ويُقصَد بها اصطلاحًا "الدمج بين المتناقضين بشكل غير مألوف"[37] وتكمن أهميتها في قدرتها على التكثيف الدلالي، وإضفاء الغموض على النص، كما أنها تعزز عنصر الدهشة بالنسبة للقارئ فتدفعه إلى التروِّي في عملية القراءة، والتأمل المُضنِي للوصول إلى المعنى.[38]

       يستخدم محمود درويش (الأوكسيمورون) لاستكشاف مفهوم مُعقَّد من خلال الدمج بين ثنائية متناقضة، يظهر ذلك جليًا في عنوانين: (ذاكرة للنسيان)، و (في حضرة الغياب). يتضح ذلك في العنوان الأول من التناقض بين مفردتي (ذاكرة) و (نسيان)، فبينما يُقصَد بالذاكرة علميًا " القدرة على حفظ المعلومات، واسترجاعها، وتذكرها."[39] يُخالف النسيان هذا المعنى ليكون" عدم القدرة على تذكر المعلومات والمهارات والخبرات السابقة التي مرَّ بها الفرد."[40]، هذا التناقض بين القدرة وعدمها اختزله درويش في الأحداث التي سطَّرها في كتاب (ذاكرة للنسيان) الذي صدر 1987م، متناولًا الحديث عن حصار الاحتلال الصهيوني لبيروت، في حرب امتدت خمسة عشر عامًا، حرب طائفية وسياسية ارتُكبت خلالها العديد من المجازر في حق الفلسطينيين، أفظعها مجزرة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها زهاء 3500 فلسطيني.[41] ذاكرة درويش التي عايشت وشاهدت ووثَّقت الكثير من تفاصيل هذه الحرب، عبثًا تحاول تخطي كل ذلك. يكثِّف الأوكسيمورون دلالة العنوان؛ إذ يعكس صراعًا داخليًا نفسيًا يعيشه الكاتب بين تجذُّر مرارة وأحداث الحرب في الذاكرة، ورغبته في محوها ونسيانها وتجاوزها حتى تستمر الحياة. وهذا ما نلمسه في قصيدته التي يقول في جزء منها: 

"أشلاؤنا أسماؤنا. أسماؤنا أشلاؤنا

حاصرْ حصارك بالجنون

وبالجنون

وبالجنون

ذهب الذين تحبهم، ذهبوا

فإمَّا أن تكون

أو لا تكون"[42]

       يحاول محمود درويش التنصُّل من مشاهد الحروب والدماء باستحضار ما في ذاكرته من مشاهد شتَّى بعيدة عن المرارة، فيستعيد أحيانًا ذكرياته مع محبوبته، نجد ذلك في قوله: " جالسًا في ركن قصي عن الآخرين وعن نفسي، أفكر في ما يرد عليَّ من منام يخرج من منام: هل أنت حي؟ متى حدث ذلك؟ هل تحميني الذاكرة من هذا التهديد؟ هل تستطيع سوسنة الماضي أن تكسر هذا السيف المرصَّع بالقذائف؟"[43]، يواصل تكرار مفردتي (الذاكرة) و (النسيان) بصورِ متعددة في نصوصه: " ليتَ واحدًا منا يمقُت الآخر ليصاب الحب بالحب. وليت واحدًا منا ينسى الآخر ليصاب النسيان بالذكرى."[44] ويقول في موضع شعري: " ولتكن بيروت ما شاءت. ستنساني لأنساها

أَأَنسى؟ ليتني.. يا ليتني!"[45]

       وكيف يمكن لدرويش أن ينسى أنه لاجئ في أحضان بيروت، تفاصيل كثيرة تذكِّره باغترابه هو والكثيرين من بني جلدته، " أهناك ما يكفي من النسيان كي ينسوا؟ من سيساعدهم على النسيان في هذا القهر الذي لا يتوقف عن تذكيرهم باغترابهم عن المكان والمجتمع؟ من يرضى بهم مواطنين؟ من يحميهم من سياط الملاحقة والتمييز: لستم من هنا!"[46]

       يسترسل في حديثه عن الحب في مواضع كثيرة، رامزًا –ربَّما- بهذا الحب إلى فلسطين، موطنه الذي يستحضره في أبهى صوره حين يعيش أقتم الأوضاع وأسوأها، لتكون ذكرى الحب سلواه. يقول: " فلا تسأليني إن كنت أحبك أيتها الفرس الطالعة من مدائح العرب. أيتها الفرس التي تترجل عن حضن فارسها لتذهب إلى مهرتها الصغيرة، التي ترعى بين الصواريخ وأقداح البيرة..."[47]

       ويستعين كاتبنا بالذاكرة للعبور إلى النسيان؛ فنراه في مواطن من الكتاب يجتر معلومات بعيدة تارة عن الموضوع الرئيس؛ كحديثه عن خَلْق القلم والماء، وتدرج الخَلْق[48]، وتارة أخرى يتحدث عن الإفرنج في نُبَذ تاريخية، فيتناول دخول الفرنج بيت المقدس مستعينًا بكتاب (البداية والنهاية) لابن كثير[49]، ويستدل بكتاب الاعتبار في معرض حديثه عن انعدام غيرتهم[50]. يبدو أن محمودًا يفعِّل ذاكرته -أحيانًا- باجتلاب ذكريات جميلة خَلَدت فيها، وأحينًا أخرى، يهرب من واقعه في سردياته المريرة عن الحرب باستقصاء معلومات منوعَّة، كمعرِض حديثه عن الخَلْق والماء، وباستقراء التاريخ أيضا كحديثه عن الفرنج، ولعلَّه بذلك يستشفي بالكتابة في تدوينه ما يود نسيانه، وتشتيت صور التدوين بهذا التقاطع، كونها آلية من آليات الدفاع النفسية، وربَّما رمى بـ (ذاكرة للنسيان) أنه يُخلِّد ما يود نسيانه عبر هذه الذاكرة أي الكتاب الذي يكتبه، يُفرِّغ ما في أعماقه لينسى هو الأحداث، ويُخلِّدها الأدب. 

       يستعيد محمود درويش الغياب، في ماضٍ كَمَن في أعماقه ردحًا من الزمن، حتى تجلَّى ذاكرةً وحضورًا وتوثيقًا، قبل عامين من وفاته. (في حضرة الغياب) تُعاضِد ظاهرة الأوكسيمورون الجانب الدلالي لتمنحه قوة وظهورًا؛ إذ يجمع بين النقيضين (الحضرة) و (الغياب)، مما يُبرهن على أن الغياب لا يعني النسيان أو العدم، بل للغياب هنا حضور قوي في الذاكرة والوجدان. يكثِّف التناقض فكرة مفادها أن المفقود أحيانًا يكون له حضوره القوي، ويوحي بصراع داخلي يشتجر في ذات الشاعر، بين الرغبة في الحضور، والشعور بالغياب، وهذا منوط بفتح شهية القارئ جرّاء شعوره بالتوتر الأوكسيموروني لاستكشاف مضمون النص.

       ينسلُّ (الحضور من الغياب)، الذي قد يعني به الموت، يستحضره الشاعر كأنه في جنازته، صانعًا حوارًا وجوديًا بينهما؛ يدلل على ذلك انطلاق النص في الكتاب: " ولنذهبنَّ معًا أنا وأنت في مساريْن: أنتَ إلى حياةٍ ثانية، وعَدَتْك بها اللغة، في قارئ قد ينجو من سقوط نيْزكٍ على الأرض. وأنا، إلى موعدٍ أرْجأْتُه أكثر من مرةٍ، مع موتٍ وعدتُهُ بكأس نبيذٍ أحمر في إحدى القصائد."[51]، ومن هنا يأخذ الكاتب في استحضار شريط حياته، يسترجع الذكريات مذ كان طفلًا، يتتبعها تتبع الكائن فيها كينونة آنية، فهو الحاضر الغائب، يرى في الحضْرة وقْعًا مهيبًا، فيُعد عدته لمثول الحدث لغةً ومشهدًا: " وأخرجوك من الحقل.  أما ظلك، فلم يتبعك ولم يخدعك، فقد تسمَّر هناك وتحجَّر، ثم اخضر كنبتة سمسم خضراء في النهار، زرقاء في الليل"[52]، يواصل محمود تقفِّي ذكرياته، بتفاصيلها معلنًا حضورها الأبدي: " في مساء ما، رأيتُ نساء الحيِّ ذاهبات آيبات بحماسة، يحملن على رؤوسهن أكياسًا ملأى بحجارة يكدسنها على سطوح المنازل كالذخيرة، والرجال منهمكون بتدبيب رؤوس العصيّ بالمسامير. ما هذا؟ سألت، فقيل لك: غدًا صباحًا تندلع الحرب بين الحمولتين الكبيرتين في القرية..."[53] لينتهي به المطاف إلى رثاء نفسه، وإلى ختام حواره مع الموت: " مُسجَّى أمامي بلا ضجيج، هادئًا هادئًا، ولا رأي لك في ما حولك. فوقنا سماء محايدة. وحولنا جهات تعرَّف بأنواع أشجارها..." ويكرّر درويش في المقالة الأخيرة لفظتيْ (الحضور) و (الغياب) أكثر من مرة، يقول: " وحسدوني على جرحي البليغ، لأنه عثر على ما يشبه الوصف البليغ لسطوة الغياب الحاضر في كلامي."[54] ويعاودها مرةً أخرى في موضع آخر: " فماذا أقول لك يا صاحبي، في حضرة هذا الغياب الناصع..."[55].

       يعكس العنوان تأمُّلًا وجوديًا، سواء من حيث المفارقة بين الموت والحياة، أم من حيث المفارقة بين أحداث الحياة، " فكل إنسان يعتقد أنه حر منذ الأزل حرية كاملة، ويظن أنه باستطاعته أن يبدأ حياة جديدة، ولكن التجربة سرعان ما تعلمه أنه ليس حرًا، وأنه خاضع للضرورة"[56]، وهكذا خضع محمود درويش للتجربة والضرورة في سيرورة أحداث حياته، عكَسَتْ جانبًا منها حالة الأوكسيمورون التي سيطرت على العنوان، لينثال الإغراء عبرها، فاتحًا أفق التوقع لدى المتلقي، محددًا بوْصلته تجاه النصّ.

 

  1. عنوانات الوطن والقضية:

       بَيْن (الذاكرة) و (النسيان) و (الحضرة) و (الغياب) مراحل عديدة، وتطواف لا انقطاع له من الصراع والاغتراب مرَّ بها محمود درويش، هذا بدوره ساهم في تشكيل تجربته الأدبية شعرًا ونثرًا، ولا ريب في أنه سخَّر أدبه لخدمة القضية الفلسطينية، وكل مُؤَّلفاته تناولتها بطرقٍ شتَّى، لكننا نسلِّط الضوء هنا على سيمياء العنوان تحديدًا، مما حدا بنا تصنيف كل من: (شيء عن الوطن) و (وداعًا أيتها الحرب.. وداعًا أيها السلام) و (عابرون في كلام عابر) تحت مُسمَّى: الوطن والقضية.

       يُفصح عنوان (شيء عن الوطن) عن تناوله قضايا الوطن، لكنه يبقى غامضًا أمام كلمة (شيء)، وما الذي يواريه درويش خلف هذه الكلمة، هل يواري الحنين إلى وطن ضائع أو غير مكتمل؟ أم أنها تعكس اتساع هذا الوطن واكتظاظه بالأشياء التي يود الكاتب الحديث عنها، لكنه اكتفى بشيء واحد (القضية وتداعياتها)؟ ومهما يكن، فإن كاتبنا لا يكف في جميع مقالات الكتاب عن الحديث عن قضايا الوطن المختلفة، على الصعيد السياسي والأدبي والاجتماعي والبيئي أيضًا، ضاربًا بالقيود المفروضة على الكلمة في الداخل الفلسطيني عرض الحائط. الجدير بالذكر أن العنوان الرئيس هو عنوان داخلي لأحد نصوص الكتاب، ربما اختاره درويش ليكون عينه عنوان الكتاب لشموليته، واحتوائه مواضيع الكتاب كافة، علاوة على وقوعه بين المباشرة والغموض، فالوطن قد يكون مكانًا أو ذاكرة أو حالة نفسية، بل هو أعمق من ذلك بكثير.

يشترك كتاب (شيء عن الوطن) مع كتب هذه المجموعة في حديثه عن النضال وعدم الاستسلام، فللمحتل أمَد، وسيرحل لا محالة. نجد ذلك في مواضع كثيرة، من ذلك: " لقد اختار العرب في إسرائيل طريق نضالهم السياسي، بالخبرة والممارسة القاسية. وهم باقون في هذا الوطن لأنه وطنهم. ولن يزيدهم عنصر التحدي إلا سببًا جديدًا للبقاء."[57]، وقوله: " ومرة أخرى رأينا انتصار السواعد الشريفة على الصخور المهزومة، فهل تكون المعركة القادمة أقسى وأشد. وفي الليلة ذاتها غنَّى "بيت سيجر": سننتصر في ذات يوم!"[58]، تقودنا هذه الفكرة إلى عنوانَيْ (وداعًا أيتها الحرب.. وداعًا أيها السلام) و (عابرون في كلام عابر)، لأنهما في ظاهرهما يومئان بحالة من عدم الاستقرار: الأولى تأرجح الشعب الفلسطيني بين الحرب والسلام، فلا حرب دائمة، ولا سلام دائم، والثانية: العبور المتكرر الذي يشُفُّ عن التهجير والتنقل بين المخيمات والمنافي، إلا أنهما في الأصل يتصلان اتصالًا وثيقًا بالوطن والقضية والنضال؛ ففي عنوان (وداعًا أيتها الحرب.. وداعًا أيها السلام) نرى الكاتب يرمي إلى انطلاق المقاومة الفلسطينية التي تسعى نحو التحرير، ومنها فالوداع للحرب وهُدَن السلام، فلا هدف للمقاوم الفلسطيني إلا الحرية وطرد المحتل. نلمس ذلك في الكثير من مقالات الكتاب، من ذلك قوله في رثاء غسان كنفاني: " وطوبى للقلب الذي لا توقفه رصاصة. لا تكفيه رصاصة! نسفوك كما ينسفون جبهة، وقاعدة، وجبلًا، وعاصمة. وحاربوك كما يحاربون جيشًا... لأنك رمز، وحضارة جرح. ولماذا أنت... لماذا أنت؟ لأن الوطن فيك صيرورة مستمرة وتحوّل دائم. من سواد الخيمة حتى سواد النابالم. ومن التشرد حتى المقاومة."[59]، ويُثبت درويش هذه الفكرة بجلاء في مقالة (مسَّادة تسقط): " مهما تكن النتائج- مهما تكن، فإن شيئًا واحدًا تاريخيًا قد حدث. هو أن البحر الهادئ قد نطق حركة وفعلًا وغضبًا، وأن السفينة الطائشة قد أدركت أنها تطفو على سطح ماء متحرك، وأنها هي التي اختارت أن تقطع الصلة باليابسة."[60]، والشواهد التي تثبت الفكرة في نصوص الكتاب كثيرة، فهذا التناقض بين الحرب والسلام في العنوان ليس إلا إشارة لبُعدٍ ضمنيٍّ أعمق، إنها المقاومة الفلسطينية التي مع اشتعالها وامتدادها ستقلب المعادلة: " وأن تطول- معناه أن يأخذ الفارق التاريخي الواسع.. الواسع جدًا بين طاقاتنا وبين طاقات العدو مداه الكامل. نحن قادرون على امتصاص الخسائر وتعويضها. نحن قادرون على التكاثر. وهم عاجزون عن ذلك إذا طالت الحرب."[61]

       يُبرِز عنوان كتاب (عابرون في كلام عابر) صورة المقاومة والنضال في لفظتيْ العبور؛ فالعبور هنا لا يشير إلى الكاتب أو الشعب الفلسطيني كما توقَّعناه في التحليل اللغوي، بل على العكس يُشير إلى الوجود المؤقَّت للمحتل، فهو عابر إذ لا أرض له ولا جذور في فلسطين، أما الكلام العابر فربما يدل على الوعود الزائفة والخطابات الكاذبة التي يقدمها المحتل بلا مصداقية، ولعلَّ الكاتب قصد بها أيضًا عبور حديثه، وما يوثِّقه في كتبه عن واقع القضية الفلسطينية مع المحتل، هذا العبور الذي سيستحيل تاريخًا يومًا ما.

       تضطلع كلمة (عابرون) بثقل العنوان، فهي تستأثر عليه؛ من خلال تكرارها في صيغتين مختلفتين (عابرون) و (عابر)، مُؤكِّدًا التكرار على حالة من عدم الثبات والاستقرار تستحوذ عليه، كما استحوذت على قصيدة درويش التي تحمل عنوان الكتاب ذاته؛ فتكراره كلمة (انصرِفوا) للمحتل توحي أيضا بالحركة والعبور وعدم الثبات، يقول:

" فخذوا حصتكم من دمنا... وانصرِفوا

وادخلوا حفل عشاء راقصٍ... وانصرِفوا

وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء...

وعلينا نحن، أن نحيا كما نحن نشاء!"[62]

ويُكمل درويش في أحد مواضع القصيدة: 

"أيها المارون بين الكلمات العابرة

آن أن تنصرِفوا

وتقيموا أينما شئتم، ولكن لا تُقيموا بيننا

آن أن تنصرِفوا

ولتموتوا أينما شئتم، ولكن لا تموتوا بيننا"[63]

هذا التكرار من شأنه دفع المتلقي إلى الرغبة في استنطاق المضمون، والغوْص في العلائق التي تربط بينه وبين النص، إذ يمثِّل بؤرة الإغراء، مما يعزز من قوة وظيفة العنوان.

       يركز درويش في مقالات الكتاب على انتفاضات الشعب الفلسطيني المختلفة الحيثيات، سواء بالدم أم بالكلمة، فها هو يقول: " لقد عرَّفتنا الانتفاضة على سرنا البسيط، البسيط إلى حد المعجزة، وعلى سرنا الخارق، الخارق إلى حد المألوف. عرَّفتنا على مصادر قوتنا الذاتية وفي وطن الوطن، وفي المنافي التي استطعمنا أن ننجز فيها معجزة البقاء، بقاء الهوية والأداة، المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية..."[64] ويقول في موضع آخر عن انتفاضة وقوة الكلمة: " ليس في وسع الوعي الإسرائيلي أن ينجو من قوة الكلمات، الكلمات التي تقولها التجربة الإنسانية تحت الاحتلال، في دفاعها عن وجود كأنه لم يكن موجودًا في وعي الإسرائيلي، وفي ابتكارها الفذ لطريقتها في مقاومة عشرين عامًا من القهر المادي والنفسي..."[65].

       تُضفي كلمة العبور على العنوان مصاحبة زمنية، فالزمن ماثِل في العبور، وماثِل في القضية، وماثِل في الكلمة، وماثِل في التطورات التي تشهدها الانتفاضة ضد المحتل، هذا المثول يصحبه أمل، فلا ديمومة للمحتل مع العبور، بل هو مرور خاطف وعابر.

 

  1. عنوانات ذات تعبير مباشر:

       جميع العنوانات السابقة حملت دلالات ضمنية، قريبة أو بعيدة من تعبيرها اللغوي، فبينما احتاج بعضها إلى قراءة النَّصّ للكشف عن معناها الموارَب، اتَّسم البعض الآخر بقدر من الوضوح، شفَّ عن اتصاله بالمضمون، باستثناء عنوان كتاب (الرسائل)، الذي انتمى إلى المجموعة الأخيرة من تصنيفنا عنوانات محمود درويش النثرية، والتي حملت صفة المباشرة.

       يأتي عنوان كتاب (الرسائل) مُجنِّسًا النص، ذلك أنه لا يتناول في ظاهره تلميحًا عن مادة الكتاب، وإنما يُخبرنا بالجنس الأدبي الذي ينتمي إليه (فن الرسائل). هذه الرسائل متبادلة بين شِقَّي البرتقالة الفلسطينية كما أسماهما إميل حبيبي، ويعني: محمود درويش وسميح القاسم. إنَّ الناظر إلى العنوان يُدرك من الوهلة الأولى اختصاره لعملية الاتصال والتواصل بين أديبين تربطهما علاقة صداقة، فها هو درويش يبادل سميحًا تفاصيل يومه وشعوره: " لا أعرف الهدوء منذ شهور. ولا أجد وقتًا للتعويض عن الوقت الضائع بين مدينتين. ومن فرط ما شاهدت من مدن لا أعرف أية مدينة. كأنني سحابة في الريح أو صوت على حجر."[66]، كما تربطهما الموهبة الأدبية، فكثيرًا ما يتبادلان الحديث عن قضايا الأدب والكتابة، من ذلك: "قلتَ لي إنك تخاف كتابة النثر. لماذا تخاف؟ يبدو لي يا عزيزي، أن النثر هو ديوان هذا العصر، إذا أبقى التلفزيون له باقية! وماذا لو سرق النثر شيئًا من الشعر. أليس النص نصك؟"[67]، فضلًا عن تقاسمهما هموم الوطنية والانتماء، والحديث عن الانتفاضة والحرية وهموم الشعب، فطالما طالب محمود درويش من منفاه صاحبه أن يكتب له عن أخبار الوطن: " فاكتب لنا من هناك عن هزيمة الحرب الإسرائيلية الدائمة لفك الارتباط بين الأرض وشعب الأرض، واكتب لنا عن هزمة الإسرائيليين في محاولة فرض السلام الإسرائيلي على العب الأعزل المحاصر، لحاط الملوك والرؤساء العرب علمًا بما لا يعلمون من البديهيات..."[68] هذه المعلومات تختصر مضمون الرسائل؛ إذ من المتوقَّع تناولها العلاقة الأخوية بين الأديبين، واستحضار الذكريات بينهما، والحديث عن الوضع السياسي في فلسطين، واهتمامهما بمسار القضية، وحواراتهما في الشعر والأدب. علاوة على كونها وثائق تاريخية وشخصية؛ إذ تحوي الكثير من تفاصيل الحياة اليومية، والأحداث الكبرى، مخترقةً الزمان والمكان. 

       وصفوة القول، استقى محمود درويش أغلب عنوانات كتبه النثرية، من أحد عنواناتها الداخلية، معتمدًا في انتقائه على قوة سيميائيتها؛ إذ حملت الكثير من العلامات، أشهرها التناقض الظاهري والداخلي، مما كان له الأثر الكبير في إشهار الوظيفة الإيحائية والإغرائية، اللتين تدفعان المتلقي إلى السعي نحو النص، واستنطاقه، لسبر العلاقة الكامنة بينه وبين العنوان.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع:

 

  • أثر الفراشة، محمود درويش، ط 2، رياض الريس للكتب والنشر، 2009م، بيروت- لبنان.
  • أسس السيميائية، دانيال تشاندلر، ترجمة طلال وهبه، ط1، مركز المنظمة العربية للترجمة، 20088م، بيروت- لبنان.
  • بحثًا عن البرابرة، الياس خوري، مقالة منشورة في مجلة البدايات، العدد 11، 2015م. https://bidayatmag.com/node/584
  • جدارية، محمود درويش، ط2، رياض الريس للكتب والنشر، 2001م، بيروت- لبنان. 
  • جماليات الدهشة الشعرية في ديوان "الأهلة" لمحمد عبدالباري، هاني علي محمد، حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، الحولية 43، مجلس النشر العلمي، 2023م.
  • حيرة العائد، محمود درويش، ط 2، رياض الريس للكتب والنشر، 2009م، بيروت- لبنان.
  • ذاكرة للنسيان، محمود درويش، ط 8، رياض الريس للكتب والنشر، 2007م، بيروت.
  • الرسائل، محمود درويش وسميح القاسم، ط 1، الأهلية للنشر والتوزيع، عمَّان- الأردن.
  • رمزية الفراشة عند الشعوب وفي الأدب، إسراء أبو عجينة، 2021م، مقالة منشورة في الموقع التالي: رمزية الفراشة عند الشعوب وفي الأدب
  • سيكولوجية الذاكرة والنسيان، فايز سليم حداد، مجلة المعرفة، س 52، ع 594، 2013م.
  • سيمياء العنوان، بسام قطوس، ط 1، مكتبة كتانة، 2001م، عمَّان- الأردن.
  • السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، سعيد بنكراد، ط3، دار الحوار للنشر والتوزيع، 2013م، سوريا.
  • السيميائية علم العلامات، منال بنت سلطان تركستاني، مجلة أنساق للفنون والآداب والعلوم، المجلد 3، العدد 2، 2022م.
  • السيميولوجيا بقراءة رولان بارت، وائل بركات، مجلة جامعة دمشق، المجلد 18، العدد 2، 2002م.
  • شعرية النص الموازي، جميل حمداوي، ط2، دار الريف للطبع والنشر الإلكتروني، 2020م، تطوان- المملكة المغربية.
  • شيء عن الوطن، محمود درويش، ط 1، الدار الأهلية للنشر والتوزيع، 2016م، عمَّان- الأردن.
  • عابرون في كلام عابر، محمود درويش، ط 1، الأهلية للنشر والتوزيع، عمَّان- الأردن.
  • في انتظار البرابرة، محمود درويش، ط 1، الأهلية للنشر والتوزيع، 2016م، عمّان- الأردن.
  • في انتظار البرابرة قصيدة للشاعر اليوناني كفافيس، ترجمة رفعت سلام، قصيدة منورة على موقع بيان مراكش، 2018م، bayanemarrakech.com.
  • في حضرة الغياب، محمود درويش، ط 1، رياض الريس للكتب والنشر، 2006م، بيروت- لبنان.
  • في وصف حالتنا، محمود درويش، ط1، الأهلية للنشر والتوزيع، 2016م، عمّان- الأردن.
  • قراءة في العدمية، عماد الدين الجبوري، مقالة منشورة على موقع اندبندت، 2019م، independentarabia.com، شوهد بتاريخ 15 يوليو 2024م.
  • قراءة في كتاب "ذاكرة للنسيان للكاتب الفلسطيني "محمود درويش"، خالد اليعقوبي، مقالة نُشرت على موقع جسور، 2022م، قراءة في "ذاكرة للنسيانللكاتب محمود درويش- بقلم ذ.خالد اليعقوبي - Ponts de lecture جسور القراءة (jossor.net)، شوهد بتاريخ 9 يوليو2024م.
  • ما السيميائية، ستيبانوف. ي. س، ترجمة قاسم المقداد، مجلة المعرفة، س20، ع 235، وزارة الثقافة، غير محكمة، 1981م.
  • مبادئ في علم الأدلة، رولان بارت، ترجمة وتقديم محمد البكري، ط2، دار الحوار للنشر والتوزيع، 1987م، سوريا.
  • نظرية الفوضى: الشواش، لطيفة بنت محمد المقبالية، التنمية المعرفية، ع 4، 2011م، غير محكمة. و:  نظرية الفوضى، بشار قصاب، مقالة نُشرت على موقع الجزيرة، 2019م، نظرية الفوضى.. كيف تسبب فراشة باليابان بإعصار بأمريكا؟! | الجزيرة نت (aljazeera.net)، تاريخ الاطلاع عليه: 12 يوليو 2024م.
  • وداعًا أيتها الحرب.. وداعًا أيها السلام، محمود درويش، ط 1، الدار الأهلية للنشر والتوزيع، 2016م، عمَّان- الأردن.
  • يوميات الحزن العادي، محمود درويش، ط 4، رياض الريس للكتب والنشر، 2007م، بيروت- لبنان.

 

 

 

 

 

 

 


 


[1]ما السيميائية، ستيبانوف. ي. س، ترجمة قاسم المقداد، مجلة المعرفة، س20، ع 235، وزارة الثقافة، غير محكمة، 1981م، ص 53.

[2]أسس السيميائية، دانيال تشاندلر، ترجمة طلال وهبه، ط1، مركز المنظمة العربية للترجمة، 20088م، بيروت- لبنان، ص 28.

[3]السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، سعيد بنكراد، ط3، دار الحوار للنشر والتوزيع، 2013م، سوريا، ص 9.

[4]السيميائية علم العلامات، منال بنت سلطان تركستاني، مجلة أنساق للفنون والآداب والعلوم، المجلد 3، العدد 2، 2022م، ص 503.

[5]أسس السيميائية، دانيال تشاندلر، ص 28.

[6]السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، ص 10.

[7]مبادئ في علم الأدلة، رولان بارت، ترجمة وتقديم محمد البكري، ط2، دار الحوار للنشر والتوزيع، 1987م، سوريا، ص 27-28.

[8]يُنظَر: السيميولوجيا بقراءة رولان بارت، وائل بركات، مجلة جامعة دمشق، المجلد 18، العدد 2، 2002م، ص 58-60.

[9]يُنظَر: سيمياء العنوان، بسام قطوس، ط 1، مكتبة كتانة، 2001م، عمَّان- الأردن، ص 18، ص 24.

[10]شعرية النص الموازي، جميل حمداوي، ط2، دار الريف للطبع والنشر الإلكتروني، 2020م، تطوان- المملكة المغربية ص 63.

[11]جدارية، محمود درويش، ط2، رياض الريس للكتب والنشر، 2001م، بيروت- لبنان، ص 36. 

[12]يوميات الحزن العادي، محمود درويش، ط 4، رياض الريس للكتب والنشر، 2007م، بيروت- لبنان، ص 28-29.

[13]في وصف حالتنا، محمود درويش، ط1، الأهلية للنشر والتوزيع، 2016م، عمّان- الأردن، ص 8.

[14]في وصف حالتنا، محمود درويش ، ص 63.

[15]بحثًا عن البرابرة، الياس خوري، مقالة منشورة في مجلة البدايات، العدد 11، 2015م. https://bidayatmag.com/node/584

[16]في انتظار البرابرة، محمود درويش، ط 1، الأهلية للنشر والتوزيع، 2016م، عمّان- الأردن، ص 15.

[17]في انتظار البرابرة قصيدة للشاعر اليوناني كفافيس، ترجمة رفعت سلام، قصيدة منورة على موقع بيان مراكش، 2018م، bayanemarrakech.com.

[18]في انتظار البرابرة، ص 15.

[19]السابق، ص 16.

[20]حيرة العائد، محمود درويش، ط 2، رياض الريس للكتب والنشر، 2009م، بيروت- لبنان، ص 68.

[21]السابق، ص 73.

[22]السابق، ص 74.

[23]السابق، ص 48.

[24]السابق، ص 48.

[25]حيرة العائد، ص 48.

[26]يُنظَر: نظرية الفوضى: الشواش، لطيفة بنت محمد المقبالية، التنمية المعرفية، ع 4، 2011م، غير محكمة. و: نظرية الفوضى، بشار قصاب، مقالة نُشرت على موقع الجزيرة، 2019م، نظرية الفوضى.. كيف تسبب فراشة باليابان بإعصار بأمريكا؟! | الجزيرة نت (aljazeera.net)، تاريخ الاطلاع عليه: 12 يوليو 2024م.

[27]أثر الفراشة، محمود درويش، ط 2، رياض الريس للكتب والنشر، 2009م، بيروت- لبنان، ص 131.

[28]السابق، ص 132.

[29]السابق.

[30]رمزية الفراشة عند الشعوب وفي الأدب، إسراء أبو عجينة، 2021م، مقالة منشورة في الموقع التالي: رمزية الفراشة عند الشعوب وفي الأدب.

[31]أثر الفراشة، ص 47.

[32]السابق، ص181.

[33]السابق، ص 156.

[34]السابق، ص 158.

[35]السابق، ص 54.

[36]السابق، ص 171.

[37]جماليات الدهشة الشعرية في ديوان "الأهلة" لمحمد عبدالباري، هاني علي محمد، حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، الحولية 43، مجلس النشر العلمي، 2023م، ص 58.

[38]يُنظَر: السابق، ص 58-59.

[39]سيكولوجية الذاكرة والنسيان، فايز سليم حداد، مجلة المعرفة، س 52، ع 594، 2013م، ص 205.

[40]السابق، ص 212.

[41]قراءة في كتاب "ذاكرة للنسيان للكاتب الفلسطيني "محمود درويش"، خالد اليعقوبي، مقالة نُشرت على موقع جسور، 2022م، قراءة في "ذاكرة للنسيانللكاتب محمود درويش- بقلم ذ.خالد اليعقوبي - Ponts de lecture جسور القراءة (jossor.net)، شوهد بتاريخ 9 يوليو2024م.

[42]ذاكرة للنسيان، محمود درويش، ط 8، رياض الريس للكتب والنشر، 2007م، بيروت ص62.

[43]ذاكرة للنسيان، ص 120.

[44]السابق، ص 122.

[45]السابق، ص 158.

[46]السابق، ص 19.

[47]السابق، ص 133.

[48]يُنظَر: السابق، ص 45-48.

[49]يُنظَر: ذاكرة للنسيان، ص 113-118.

[50]يُنظَر: السابق، ص118-119.

[51]في حضرة الغياب، محمود درويش، ط 1، رياض الريس للكتب والنشر، 2006م، بيروت- لبنان، ص 9-10.

[52]السابق، ص 14.

[53]السابق، ص 28.

[54]في حضرة الغياب، ص 166.

[55]السابق، ص 167.

[56]قراءة في العدمية، عماد الدين الجبوري، مقالة منشورة على موقع اندبندت، 2019م، independentarabia.com، شوهد بتاريخ 15 يوليو 2024م.

[57]شيء عن الوطن، محمود درويش، ط 1، الدار الأهلية للنشر والتوزيع، 2016م، عمَّان، ص 15.

[58]السابق، ص 90.

[59]وداعًا أيتها الحرب.. وداعًا أيها السلام، محمود درويش، ط 1، الدار الأهلية للنشر والتوزيع، 2016م، عمَّان- الأردن، ص 22-23.

[60]السابق، ص 51.

[61]السابق، ص54-55.

[62]عابرون في كلام عابر، محمود درويش، ط 1، الأهلية للنشر والتوزيع، عمَّان- الأردن، ص 54.

[63]السابق، ص 55.

[64]عابرون في كلام عابر، ص 172.

[65]السابق، ص 87.

[66]الرسائل، محمود درويش وسميح القاسم، ط 1، الأهلية للنشر والتوزيع، عمَّان- الأردن، ص 156.

[67]الرسائل، ص 83- 84.

[68]السابق، ص 87.