الخوف من كتاب مثالب الوزيرين لأبي حيان التوحيدي

الباحث المراسلد. خليل بن محمد الحوقاني جامعة نزوى - مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية والإنسانية

Date Of Submission :2025-06-02
Date Of Submission :2025-06-02
Date Of Submission :2025-06-02
Date Of Submission :2025-06-18
Date Of Submission :2025-06-26
Date Of Acception :2025-10-01
Date Of Publication :2025-10-09
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

المقدمة
رواية "والله إن هذه الحكاية لحكايتي" هي واحدة من الأعمال الأدبية للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو. وتنتمي إلى الأدب السردي الذي يتناول موضوعات الهُوية، الذاكرة، والعلاقة بين الراوي والقارئ، وغالبًا ما تدمج بين الواقع والخيال، مما يجعلها رواية مليئة بالتأملات الفلسفية والنقد الأدبي. ويتميز كيليطو بأسلوبه الفريد الذي يجمع بين السرد الأدبي والتحليل الثقافي.
في هذه الرواية، كما في بعض أعماله الأخرى، يمزج كيليطو بين الأدب العربي الكلاسيكي والأدب العربي الحديث مستعملا أدواتهما الخاصة بهما. إذ تتعامل الرواية مع موضوعات مثل: التداخل بين الحياة الشخصية والتاريخ، وتكشف عن مدى تعقيد الروابط بين النصوص والتجارب الحياتية.
ومن بين الموضوعات المهمة التي يتعامل معها عبد الفتاح كيليطو في هذه الرواية، تعرّضه لكتاب "مثالب الوزيرين" لأبي حيان التوحيدي. وهو من الكتب النقدية المهمة في التراث الأدبي العربي، وتدور محاور موضوعاته عن وزيرين فاسدين في العصر العباسي هما: ابن العميد والصاحب ابن عباد. ويتحدث الكتاب عن الفساد السياسي والتجاوزات التي كان يقوم بها هؤلاء الوزراء في ذلك الوقت، حيث يسعى التوحيدي في هذا الكتاب إلى فضح سلوكهم وأفعالهم التي كانت تؤثر سلبًا في الدولة والمجتمع. ولم يقتصر النقد على هذين الوزيرين أو السلطة الحاكمة؛ بل تعدى إلى ذكر مفاسد عامة في المجتمع كالطمع والجشع والفساد الأخلاقي، فضلا عن التعامل مع المال العام بطريقة غير مشروعة.
فالكتاب في مجمله يتحدث عن علاقة الحاكم بالمحكوم، والفساد الإداري والسياسي الذي يؤدي بدوره إلى تدمير المجتمعات.
فلماذا اختار عبد الفتاح كيليطو هذا الكتاب في هذه الرواية وأشعرَ القارئ بالخوف منه، وأنه كتاب منفِّر قد يصاب قارئُه بالمس أو الجنون؟! هل كان الراوي يرمي إلى شيء معين يريد من القارئ اكتشافه والتوصل إليه أم أن أسلوب الراوي مع ما عُرِفَ به من استعماله للرمزية ورؤاه المتعددة تجاه الثقافة والفكر والأدب هو سبب تخويفه القارئ لهذا الكتاب أم أراد الراوي اصطناع خوف متوَّهم؛ يقصد من خلاله تحريك أفكار القارئ وتنبيهه إلى أهمية التراث القديم، وإيجاد علاقة بينه وبين التراث الحديث؟
وهل للخوف المصطنع تأثير على المجتمعات والشعوب، وهل يمكن أن يؤثر على توجهات الأفراد والمجتمع ككل سواء من ناحية ثقافية أو نفسية أو سياسية أو فكرية أو اقتصادية؟ وهل يتعمد الكُتَّاب والساسة ورجال الأعمال اللجوء إلى الخوف المصطنع للسيطرة على عقول الناس، وعلى أفكارهم؟
هذه أهم الأسئلة التي يمكن أن تتوقف عندها هذه الورقة لتكشف منهجية وأسلوب الكاتب عبد الفتاح كيليطو في روايته "والله إن هذه الحكاية لحكايتي".
المحور الأول: الخوف المصطنع "المتوهم" في التراث الأدبي العربي.
جاء في مقاييس اللغة: "الخاء والواو والفاء أصل واحد يدل على الذعر والفزع. يقال: خفت الشيء خوفا وخيفة. والياء مبدلة من واو لمكان الكسرة. ويقال: خاوفني فلان فخفته، أي كنت أشد خوفا منه. فأما قولهم تخوفت الشيء، أي تنقَّصته، فهو الصحيح الفصيح، إلا إنه من الإبدال، والأصل النون من التنقص  .." (ابن فارس، 1979، صفحة 1/230) وذكر الجرجاني في تعريفاته أن الخوف هو توقع حلول مكروه أو فوات محبوب (الجرجاني، 2004، صفحة 90). 
وقد تعددت اشتقاقات وصيغ لفظة الخوف في القرآن الكريم إلى أن وصلت 65 موضعا، وجاءت بمعان مختلفة حسب موقعها ومقامها، من ذلك قول الله تعالى: "ويرجون رحمته ويخافون عذابه" ذكر أبو هلال العسكري في تفريقه بين الرهبة والخوف أن الخوف سوط الله، يُقَوِّم به الشاردين من بابه، ويسير بهم إلى صراطه، حتى يستقيم به أمر من كان مغلوباً على رشده. ومن علامته: قصر الأمل، وطول البكاء (العسكري، 1980). والخوف هنا لا يتربط ما يعتري الإنسان من هواجس أو خواطر من حدوث مصيبة أو توقع مكروه، بل هو الخوف من الجليل – جل في علاه- من تجاوز حدوده بارتكاب نواهييه والابتعاد عن أوامره.
ومن الصيغ التي ورد فيها الخوف في القرآن الكريم قول الله تعالى: "ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ذكر الراغب الأصفهاني: "ويجوز أن يكون قوله تعالى "ألا خوف عليهم" من "خفت على فلان" أي أشفقت عليه أي: لا إشفاق عليهم لما هم فيه من النعيم" (الأصفهاني، صفحة 2/252).
وقد يأتي الخوف ويراد به العلم كما في قوله تعالى: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا" أي: علمت من بعلها (الواحدي، 1995، صفحة 5/293). أو قوله تعالى: "فمن خاف من موصٍ جنفا أو إثما" أي: علم من موصٍ خطأ في التوصية من غير عمد (الواحدي، 1995، صفحة 2/149).
وللخوف مرادافات كثيرة مثل: الهلع والجزع والرهبة والخشية والرعب والفرق والحذر والروع والوجل والوجف، وكلها ألفاظ تؤدي معاني متقاربة إلا أنها مختلفة الدرجات، فكل لفظة معنى يختص بها.
وقد ينتقل الخوف من حالة فردية إلى ظاهرة اجتماعية أو مجتمعية. وقد تتعدد المخاوف وتتنوع بتنوع أنواع العيش وتعقيداتها، من ذلك قد يكون الخوف مجلبة للذكاء، كما يكون قاتلا للتفكير والإبداع، فـ"الخوف قاتل للحرية والإبداع، مانع للمبادرة ومشتت للفكر ومبعث للقلق؛ لكنه من جهة أخرى مصير لذكاء الإنسان ومهاراته في مواجهة الأخطار" (إبراهيم، 2021، صفحة 44).
ولا يخرج الخوف المصطنع "المتوهم" في الأدب العربي عن الخوف في التعريفات آنفة الذكر، فهو حالة تصيب القارئ أو مجموعة من القراء؛ نتيجة توارد أنباء عن وجود كتاب أو كتب معينة، فكل من يقرأها يصاب بمس أو أذى أو لوثة عقلية أو تغير في الفكر، وهو ما يؤثر نفسيا على القراء؛ مما يجعلهم يبتعدون عن قراءة تلك الكتب.
يقصد بالخوف المصطنع "المتوهم" حالة من الإرباك والخوف يُصاب بها الأفراد أو المجتمعات؛ نتيجة وجود عوامل أو تأثيرات خارجية، كان لها أثر على نفسية المتلقي من الأفراد أو المجتمعات.
المحور الثاني: دور الكُتَّاب والساسة والمثقفين في السيطرة على عقول الناس وأفكارهم وثقافتهم عبر الخوف المصطنع.
لا شك أن مثيرات الخوف كثيرة ومتعددة بتعدد الأسباب والمسببات، وهو إن كان حالة طبعية تلازم الإنسان إلا أنه في حالة خروجه عن المألوف من هذه الحالة فقد يتهم بضعف الشعور وعدم المسؤولية والإدراك أو يتهم بالجنون. لكن لما كان الخوف سببا لتغير قناعات أو الهروب من توقع مكروه استغله الآخرون لمآربهم الخاصة. وهم على أقسام (إبراهيم، 2021، الصفحات 46-49):
- في الواقع الاجتماعي:
في الواقع الاجتماعي يعد الخوف هو الأبرز الملتصق بالشعوب المنقسمة؛ نتيجة سيطرة الاستعمار على مقدرات الشعوب وثرواتها؛ فتسود ثقافة الخوف الوشائجية الذاهبة بالمجتمع إلى تناحر أبنائها.
فهذه المجتمعات بطبيعتها جاهزة لإثارة الخوف، خوف تمزق المجتمعات وتناحرها، ويسميها الناقد الغذامي بالهويات النسقية؛ فهي تعيد إنتاج ذاتها دون أن تتفكك.
 ومن الملاحظ أن الغرب يسعى إلى السيطرة على الشعوب الفقيرة، واستغلال حاجتها وجهلها؛ عبر إذكاء وتغذية الحروب بين هذه الشعوب؛ لأجل السيطرة على مقدراتها وثرواتها، وهو يعد "أقسى أشكال الخوف المدمر، الذي يحرم الشعوب من السعي لامتلاك إرادتها وقدراتها المرتهنة لدى الأجنبي تحت وهم حمايتها" (إبراهيم، 2021، صفحة 47).
- في الواقع السياسي:
للسياسة وزعمائها دور كبير في إدارة الخوف وإثارته لدى الشعوب؛ وذلك عبر إيجاد تكتلات وأحزاب سياسية، عادة ما يتم تشكيلها عبر المجتمعات المدنية دون التفات للضحايا مستقبلا. فالمصالح السياسية والاعتبارات الشخصية فوق كل مصلحة وفوق كل اعتبار فــــ"كل القادمين حين يدخلون معترك السياسة، لديهم مناهج الطمأنة والتخويف، إنما لا ضمان أن يكون ذلك صحيحا، والأمر يتوقف على الاستجابات. وفي المجتمعات المضطربة، أو في ظل السلطات العاجزة، لا شيء يضمن ألا تذهب الفئات السياسية إلى الانقلابات، ولا ضمان ألا تحدث التمردات أو الثورات أو الحيل السياسية الموسومة بالدمقراطية، لكن لا ضمان أيضا أن ألا تذهب الأمور إلى التصلب أو الدكتاتورية؛ وبذلك يكون الخوف أو التخويف هو ما ينتج آلية السلطة، ولا سيما حين تتوجه إرادات القوى المهيمنة وخططها التي يغفل عنها الكثرة لإدامة التخلف لتدوم الهيمنة، والشعوب في غفلة أو مغيبة عن اللعبة التي تديم الخوف، وربما تنتبه بعد فوات الأوان" (إبراهيم، 2021، الصفحات 48-49).
وبذلك لا تخرج الشعوب من دوامة الخوف؛ لأن الخوف يصبح بمثابة الحاكم على هواجسهم ومشاعرهم وعقولهم.
- في الواقع الثقافي:
ربما يناسب هذا الواقع هو ما يسمى بالغزو الثقافي، ومخاوف هذا الغزو كثيرة ولا حصر لها، بداءة من الإعلام والصحافة وليس آخرها استعمال الدين لتنفيذ مآرب إرهابية تخاف منها المجتمعات.
وهذه النتيجة اتخذها المتربصون للتخويف من كتب التراث أو الكتب الصفراء كما يحلو للبعض تسميتها، فهل هذا التخويف شماعة ووهم مصطنع أم هو حقيقة ؟!
من خلال رواية "والله إنك هذه الحكاية لحكايتي" اتخذ الناقد عبد الفتاح كيليطو من كتاب مثالب الوزيرين لأبي حيان التوحيدي وسيلة للتخويف. فلماذا اتكأ على هذا الكتاب للتخويف وما هو غرضه وهدفه من ذلك؟!
ثانيا: كتاب مثالب الوزيرين لأبي حيان التوحيدي.
يعد كتاب مثالب الوزيرين من الكتب المهمة التي ألفها أبو حيان التوحيدي، وهو كتاب نقدي، نقد فيه أبو حيان التوحيدي الوزيرين الأديبين، الأول: ابن العميد "وكان التوحيدي يأمل من اتصاله بالوزير الفوز بالهدوء والاستقرار بعد غربة وتشرد، غير أنه لم يفز منه ما كان يؤمل، ولعل ابن العميد آلمه اعتداد التوحيدي بنفسه، واستطالته عليه، وهو – أي التوحيدي- صوفيّ السمت والهيئة "غرٌّ لا هيئة له في لقاء الكبراء ومحاورة الوزراء" وفي ابن العميد "أبهة الفرس وعظمة السلطان" فاحتقره وازدراه" (التوحيدي، 1961، الصفحات و - ز). والثاني: الصاحب بن عباد الذي حدثت بينه وبين التوحيدي جفوة وتباعد وتضاغن، يقول التوحيدي: " ... ولكنني ابتليتُ به، وابتُلي بي، ورماني عن قوسه مُعْرقا، فأفرغتُ ما كان عندي على رأسه مغيظا، وحرمني فازدريتُه، وحقرني فأخزيتُه، وخصَّني بالخيبة التي نالتْ مني، فخصصتُه بالغيبة التي أحرقته، والبادي أظلم، والمنتصف أعذر" (التوحيدي، 1961، صفحة 59).
فكان رد فعل التوحيدي على ما ناله من الوزيرين تأليف هذا الكتاب "مثالب الوزيرين" وله من اسمه نصيب، فأتى بعيوب ابن العميد والصاحب بن عباد ونقائصهما، وطعن فيهما، وفي أدبهما وخلقهما. 
ومن خلال حديث التوحيدي عن هذين الوزيرين ومثالبهما وما مارساه من جور وظلم ضد أتباعهما، تحدث كذلك عن الفساد السياسي والإداري الذي نخر الدولة، وما كان له من أثر سلبي على المجتمع.
أما الناحية الفنية الأدبية فالكتاب يتميز بكونه يستعمل أسلوبا لاذعا وساخرا في النقد؛ فضلا عما يحتويه من قوة في البلاغة والبيان والمنطق والحجة، فهو بهذا يعد مرجعا في الأدب الساخر والنقد الأدبي.

المحور الثالث: مشاهد الخوف في رواية "والله إن هذه الحكاية لحكايتي" عبر التعريض بكتاب مثالب الوزيرين.
المشهد الأول: (تَشَكُّل الخوف)
عبر روايته أوجز عبد الفتاح كيليطو أثر الكتاب على من لم يقرأه؛ فضلا عمن يقرأه بقوله: "أما حسن ميرو فإنه فتح كتابا ما كان له أن يقرأه. وفي الواقع لم يقرأه، بالكاد بضعة أسطر، وهذا ما قدر يبدو غريبا: أن يمارس كتابٌ تأثيرا على القارئ، أن يقلب حياته رأسا على عقب، فهذا ليس مفاجئا. أما كتاب لم يقرأه ... !! (كيليطو، 2015، صفحة 35)
هنا بدأ هاجس الخوف من كتاب "مثالب الوزيرين" أن يقرأ حسن ميرو كتابا قديما يعود إلى القرن الرابع الهجري. ويبين كيليطو أن حسن لم يقرأ الكتاب إلا بضعة أسطر فأصابه ما أصابه، وهو الأمر المحيِّر المستغرَب! وهو أمر يعاكس الواقع؛ إذ الخوف قد ينشأ ويؤثر على من يقرأ كتابا ويفهم مضمونه ويعرف محتواه جيدا.
ساق كيليطو مدخلا مهما للوصول إلى أبي حيان التوحيدي؛ مشيدا بفكره وعبقريته ومؤلفاته وإنجازاته التي قدمها للتراث العربي؛ إلا أن الرجل لم يحظ بالاعتراف بعبقريته من قبل معاصريه؛ بل الانطباع العام أن أغلب القراء لا يرتاحون إليه كثيرا؛ وقد يعود ذلك إلى تشاؤمه من الحياة وتقلباتها وما لاقى منها من نكران، فظهر ذلك في نفسيته وما تجسَّد فيها من مشاعر الحقد والكراهية ضد معاصريه، وقلما نجى أحد من سلاطة لسانه وسخريته في سائر كتبه (كيليطو، 2015، الصفحات 39-41).
المشهد الثاني: (الوقوع في وحل الخوف) 
أشار كيليطو إلى أن هاجس الخوف لدى حسن ميرو بدأ عندما شرع في كتابة أطروحته العلمية، فاقترح على مشرفه – من غير تفكر – أن يكتب عن التوحيدي، وقدّم عرضا من ثلاثة جوانب أساسية في شخصية التوحيدي: (الفيلسوف الإنسي، الصوفي، الهجّاء) وهو ما أزعج المشرف؛ جازما أنه موضوع مبتذل ومسبب للغثيان!! وهو ما شكّل – مبدئيا - هاجسا مخيفا لدى حسن.
من جانبه اقترح المشرف على حسن أن يحاول إعادة تشكيل هوية ومحتوى الكتب التي أحرقها التوحيدي، اقتداء بجهد وعمل يوليوس موريس الذي ألف كتابا بعنوان: "عن كتاب ضائع" والذي خصصه لمصنف التوحيدي لم يصل إلينا وهو "تقريظ الجاحظ". وقد اعترض حسن أنه يواجه كتبا لا يعرف عناوينها، بينما موريس اشتغل على كتاب معروف العنوان (كيليطو، 2015، صفحة 45).
توالت الهواجس المخيفة على حسن؛ مما زاد الطين بلة أنه اطلع على كتاب موريس عن التوحيدي، وفحصه كاملا، واطلع على ثبت المصادر والمراجع في الأخير. الصدمة التي أرعبته مرة أخرى أن موريس لم يستشهد بأي فقرة من كتاب "مثالب الوزيرين" للتوحيدي. وهذه المخاوف المتوالية شكَّلت لدى حسن حاجزا نفسيا من كتاب "مثالب الوزيرين" فلماذا بالذات هذا الكتاب الذي لم يستشهد به موريس ؟! الأمر مستغرَب مرة أخرى.
خلال دراسته العلمية، اطلع حسن على جل مؤلفات التوحيدي سوى كتاب "مثالب الوزيرين"؛ تعمدا كان يؤجل قراءته، فقد أصيب حقا بالخوف، بل يحاول التهرب إلى أعمال أخرى حتى لا يصطدم بهذا الكتاب سيئ الذكر. يحاول كيليطو بعد أن أوقع القارئ في شراك الخوف من كتاب "مثالب الوزيرين" أن يسوق بطريقته عدة تبريرات لهذا الخوف، والتي من أهمها (كيليطو، 2015، الصفحات 52-54):
1. ما أثير عن أبي حيان التوحيدي من شبهات حول إيمانه؛ إذ صنّفه البعض مع ابن الرِّيوندي وأبي العلاء المعري. إذ تشير الظنون أن كتابه "الإشارات الإلهية" يتضمن شيئا من تلك الشبهات المنسوبة إليه. لكنّ هذا غير مبرر للخوف من كتابه "مثالب الوزيرين" إذ غاية ما يحمله هو نقد لاذع وسخرية مقيتة من ابن العميد وابن عبَّاد.
2. ما أشيع عن كتاب "مثالب الوزيرين" أنه منبع للنحس، وأن من يقرؤه يعاني من انتكاسة خطيرة. فهل الإشاعة فعلا حقيقة أم أن حَسَنًا يتوهم هذا الخوف من صنع خيالاته؟! يضاف إلى ذلك تساؤل آخر: لمصلحة من تم ترويج هذه الإشاعة، هل لابن العميد أم لابن عبّاد؟ وهذا التساؤل يسقط عند معرفة أن كلا الوزيرين فارقا الحياة قبل أن يبيّض التوحيدي كتابه ويُنشره. فهل يمكن أن تصدر الإشاعة من مناصريهما عندما صُدِمَا بالكتاب؛ فشعرا بغضب غارم، وتمنيا أن تكون هذه الإشاعة سببا لإتلاف الكتاب الذي ذاع صيته للقريب والبعيد. الأهم أن الإشاعة انتشرت وفعلت فعلتها في التخويف من كتاب "مثالب الوزيرين".
3. قد يكون سبب التخويف من كتاب "مثالب الوزيرين" مجرد مزحة صاغها شخص ماكر أمام جمع من الأدباء، أمتعهم ما في كلام التوحيدي من خبث، ثم تداولوها فيما بعد واتخذت أبعادا لم يكن في الحسبان أن تصل لهذا الأمر.
4. قد يكون أبو حيان التوحيدي هو من أشاع هذه الشائعة عن كتابه، إما لصرف الاهتمام عنه؛ لأنه كان مجرد مسوَّدة أشار إليها في كتابه "الإمتاع والمؤانسة" ولم يبيضها؛ خشية رد ابن عباد وتجبّره. وأبو حيان كان يعي هذا الخطر؛ فشكّل هذا الخوف خطرا على الكاتب قبل القارئ. وإما أن يكون أطلق هذه الشائعة؛ لأجل الترويج لكتابه، فكل ممنوع مرغوب فيه.
5. قد يكون إطلاق أبي حيان لهذه الشائعة؛ لينتقم من القرَّاء، فهو الذي أحرق كتبه كلها حتى لا يستفيد منها القراء؛ فليعاقب أولئك الذين سيقرؤون ما تبقى. فهذه طريقة لإلغاء الكتاب مع إبقائه سليما من أي مسٍّ. وهذا الأمر سيستهدف القراء اللاحقين أيضا وليس السابقين فحسب. "فكما أن الحظ السيئ انصبَّ عليه، فليعاندهم أيضا".
المشهد الثالث: (مصائب المثالب على من يفكر بقراءته)
جسّد كيليطو مشهد حسن وهو يحاول الاقتراب والاطلاع على كتاب "مثالب الوزيرين" مصوِّرا المصائب التي حلّت بحسن جراء خطوته المحفوفة بالمخاطر أو بالأحرى "أوهاما وخيالاتٍ لا أساس لها" لكن الخوف المصطنع بسبب الكتاب.
كان حسن يدّعي وهمًا أن مصلحته هي تجنب أي اتصال بكتاب "مثالب الوزيرين"، وبما أن هذا الادعاء هو وهم مصطنع في حقيقته؛ فإن حسنا حاول عدة مرات التسلل إلى المكتبات بدعوى:
- التأكد من وجود الكتاب والنظر إليه من بعيد مع تفادي لمسه. مع وضع تساؤل مفتوح لِمَ لجأ حسن لهذا الأمر؟ ألئن الكتاب محرَّم أو وجوده بين يديه يشكِّل خطرا على حياته؟!
- تعرّض مرة للإغراء ففتح الكتاب ثم أغلقه مباشرة. ولما غادر توقع حدوث مكروه له: سقوط، لقاء غير مرغوب، حادث سير. إلا أن كل هذه التوقعات لم تحدث.
- هذه المرة فتح الكتاب مع وجود طمأنينة قليلة جدا، إلا أنه اكتفى بالتحقق من عدد الصفحات فحسب، وأرجعه فورا لمكانه.. كان قَلِقًا. لم يحدث له شيء يذكر في الأيام التالية.
- عاد بعدها إلى المكتبة، وهو يحمل أملأ مزيفا وخادعًا أنه لن يصاب بمكروه من هذا الكتاب، فقرر اقتناء الكتاب. أثناء سيره إلى المكتبة تعثر والتوى كاحله الأيسر، فاتَّهم كتاب "مثالب الوزيرين" أنه هو سبب ما ابتُلي به.
- بعد تحسن حالته، ظل مضطربا، عاوده التفكير لاقتناء الكتاب من جديد. وأثناء عودته من تلبية دعوة لبعض الأدباء، اكتشف أنه أضاع بطاقته الوطنية، وعبثا حاول الحصول عليها؛ مما اضطره لإصدار بطاقة جديدة. وبعد أسبوع وجد البطاقة أمام عينيه في طاولة مكتبته. إنه شؤم كتاب "مثالب الوزيرين".
المشهد الرابع: (خوف الجميع من المثالب)
اتخذ حسن ميرو قرارا خطيرا للغاية بشأن كتاب "مثالب الوزيرين"، قرر قراءة كل أعمال التوحيدي سوى هذا الكتاب، لن يقرأه، ولن يفتحه مرة أخرى، ولن يقتبس شيئا من فقراته في أطروحته العلمية. بل سيكتفي بذكر عنوانه في قائمة المصادر والمراجع (كيليطو، 2015، صفحة 83).
هذا القرار سيوقع حسن ميرو في صدام متوقع أو حرج مع لجنة المناقشة، على الرغم من محاولة إقناع نفسه أن ذلك لن يلاحظ من اللجنة المناقشة. "في كثير من الأحيان مرتكب خداع من هذا النوع يورِّط نفسه عاجلا أم آجلا، ومهما عمل جاهدا واحتال، فإنه يكشف حتما مراوغته" (كيليطو، 2015، صفحة 83).
ويظهر من قرار حسن ميرو أن قراره لا يخلو من مخاطر، منها:
- قد ينتبه أحد أعضاء لجنة المناقشة إلى غياب كتاب "مثالب الوزيرين"؛ فينتهز فرصة توجيه أسئلة محرجة لحسن ميرو، ويجبره على الاعتراف أنه لم يكتفِ بقراءته، بل سعى بمكر إلى الإيحاء أنه قرأه.
- سيكون هدفا للسخرية والتهكُّم، وستنشر الأقوال عن احتياله، وتتلطخ سمعته.
في المقابل من المتوقع أن لجنة المناقشة نفسها لم تطلع على كتاب "المثالب" إما كسلا أو خوفا كذلك. "سيعرضون عن ذكره، وإن فعلوا؛ فلتبرئة ذممهم أو لمضايقة حسن ميرو على سبيل الدعابة، وبنيّة إبراز تواطؤ غامض. نعم، نعرف الحكاية، نتفهم تخوفك، ونغض الطرف عن طيب خاطر.. لكنْ، كيف ستكون هذه المناقشة التي يلفها القلق والتردد؟ في النهاية، سيعود الجميع إلى ديارهم، وسيتوقع كل منهم أن يصيبه مكروه" (كيليطو، 2015، صفحة 84).
هذا الخوف المتوقع من لجنة المناقشة وما قد تسببه لحسن ميرو من لوم وحرج، ارتأى أن يلجأ إلى حيلة أخرى، وهي تغيير عنوان موضوعه، فلن يقوم بتحليل "مثالب الوزيرين" هروبا من فتح الكتاب والاطلاع عليه؛ بل البتّ في الإشاعة التي لازمت الكتاب، وسيصبح العنوان الجديد "إشاعة الوزيرين" وليس "مثالب الوزيرين"، وسيبحث عن أسباب الحظر المفروض على التوحيدي والتحذير من كتابه. 
يظن حسن ميرو عبر هذه الحيلة أنه سيفلت من ردة فعل لجنة المناقشة، فالموضوع جديد مبتكر، لم يتطرق إليه من قبل. وهنا يسوق مرة أخرى كيليطو الإشكالات المتوقعة من هذه الحيلة "بيد أنه بهذا المنظور الجديد قد يجعل الوضع أكثر سوءا، فالكتاب الذي كان من اللازم استبعاده أصبح الآن في الصدارة .. الشائعة قائمة بالفعل، لم يخترعها، لكنْ، ألا يسلط الضوء عليها عبر تخصيص كامل مجهوده لها؟ ألا يلحق الضرر بالتالي على التوحيدي؟ يختزله في "مثالب الوزيرين" ويقوم بتضييق الخناق حتى هذا الكتاب، بحصره في تهديد مفترض ومشكوك فيه... وعلى هذا النحو تواطأ مع المؤامرة التي حيكت منذ قرون ضد مؤلف عجوز.." (كيليطو، 2015، الصفحات 84-85).
آثر حسن ميرو أخيرا إلى حل وسط؛ من أجل تفادي تثبيط همته، وانهيار معنوياته، وهو عدم قراءة كتاب "مثالب الوزيرين" بل يكتفي بما اقتبسه غيره من هذا الكتاب، أي اقتباسات متفرقة من بطون الكتب. 
ويظهر كذلك أن هذه الحيلة ما هي إلا مهرب آخر لجأ إليه حسن ميرو؛ لئلا يطلع على كتاب "مثالب الوزيرين"، وكل تبريراته التي ساقها كيليطو لا تشفي غليل القارئ؛ للتحذير من هذا الكتاب. وقد سوّغ حسن ميرو لنفسه لجوؤه إلى هذا الحل الوسط بقوله: "لأنه كتاب ملعون؛ وأنا رجل حبُّ السلامة غالب عليّ، كما يقول التوحيدي عن نفسه" (كيليطو، 2015، صفحة 86). 
المشهد الخامس: (ترجمة المثالب ومخاوف جديدة)
أشار كيليطو أن كتاب المثالب تمت ترجمته إلى الفرنسية بواسطة المستعرب فريدريك لاغرانج تحت عنوان: "هجاء الوزيرين"، وعلق عليه أكت سود. ومن الملاحظ أن أول سطر في المقدمة يوجد تحذير خطير "كتاب خطير هذا الذي نقترحه على القارئ الناطق بالفرنسية" (كيليطو، 2015، صفحة 96).
هل انتقلت عدوى الخوف من القارئ العربي؛ لتشمل – كذلك – القارئ الفرنسي، هل المترجم جادٌّ في قوله أم هو مجرد إثارة فضول واهتمام القارئ أم هي أمانة المترجم لقول الحقيقة عن هذا الكتاب وتبرئة ذمته من أية تبعات تلحق به؟ يضاف إلى ذلك أن حسن ميدو لجأ إلى حسابات وتفاصيل أخرى أثارت مخاوفه: هل كتاب المثالب خطير في اللغة العربية فحسب أم يوجد هذا الخطر في أي لغة أخرى؟ هل يلغى تأثيره في الترجمة؟ هل يصير غير ضار في لسان الآخرين؟ 
المخاوف التي طرحها كيليطو على لسان حسن ميدو مشروعة؛ لكن ما يسقط تلك التساؤلات عندما نعلم أن الكتاب المترجم لم يكن كاملا للتوحيدي، بل مقتطفات مختارة من مختلف الكتاب، وهذا باعتراف المترجم نفسه "مقتطفات مختارة من كتاب طويل جدا، قد يعد تكرارا وحشوا، لو ترجم بكامله" (كيليطو، 2015، صفحة 97) وهذا يعني أن ما لم يتم ترجمته قد يكون هو ما يثير مخاوف الآخرين؛ فأخفاها المترجم خشية نفور القراء الفرنسيون.
المشهد السادس والأخير (هل أخطأ القاضي ابن خلّكان في حكمه على المثالب؟)
يبدو أن ابن خلِّكان صاحب "وفيات الأعيان" ممن تحاملوا على التوحيدي؛ إذ لامه على إخفاء محاسن الوزيرين ابن العميد وابن عباد؛ كما استنكر تأليف كتاب "مثالب الوزيرين" وعدَّه من الكتب الضارة.
أضف إلى أن ابن خلّكان صرح أنه قرأ "المثالب" وندم أشد الندم على قراءته؛ إذ شقي بسببه، وبلغه أن آخرين حصل لهم ما حصله له، وهو ما يفهم من كلامه: "وهذا الكتاب من الكتب المحدودة، ما ملكه أحد إلا وتعكّست أحواله، ولقد جرَّبتُ ذلك، وجرَّبه غيري، على من أخبرني من أثق به".
لم يصرح أحد قبل ابن خلّكان بهذا التصريح الخطير عن كتاب المثالب، فقد بدأت الإشاعة من كتابه هذا، وتداولها الناس بالقَبول؛ مما أوجد حالة من الهلع والخوف من هذا الكتاب؛ فقد أثبت قوله بالتجربة بنفسه، وتجربة الآخرين. بمجرد تملّكه تصبح غير آمن، ستصاب بمكروه. يقول كيليطو معلقا على كلام ابن خلِّكان: "بعد اعترافه، استقرَّت الشبهة في العقول. لولا تدخله لما عُدَّ كتاب المثالب ضار أبدا، مع أنه بهذه الصفة في الواقع لا بد من الإقرار بذلك. نحسُّ أن ابن خلّكان أراد تصفية حساب عنيف ونهائي، وما يشبه دعوة لإحراق الكتاب. هل كان حقا بحاجة إلى التهجم على مؤلف محظور ومرفوض، وإلى الإجهاز عليه ؟!" (كيليطو، 2015، صفحة 128)
المحور الرابع: التحولات الفكرية للتخويف من كتاب "مثالب الوزيرين" لأبي حيان التوحيدي.
بعد الوقوف على مشاهد الخوف في كتاب "مثالب الوزيرين" يبقى السؤال مفتوحا لماذا اختار كيليطو كتاب التوحيدي "مثالب الوزيرين" شماعة أو متكأ ليبني عليه روايته "والله إن هذه الحكاية لحكايتي"، خاصة بعد سياقاته المتتالية عن الأوهام المصطنعة لهذا الكتاب. في حين هنالك كتب أخرى حُذِرَ منها لسبب أو لآخر.
وقد ساق كيليطو بعض الأمثلة مبينا أن من قرأ تلك الكتب لم يصب بمكروه ".. هكذا زعموا أن من استظهر قصيدة ابن زيدون (أضحى التنائي بديلا عن تدانينا) سيموت في أرض أجنبية، بعيدا عن أحبائه، كما حدث لصاحبها.. كلام من المرجّح أن أحد الحسّاد أشاعه، أو لنقل إنه فدية نجاحها الكبير. لم يُلتفت إلى التحذير، وإلا لمات المشتغلون بالأدب في المنفى كلهم.. قيل أيضا إن مقامات الحريري إذا دخلت إلى منزل، فإن أهله يصابون لا محالة بالفقر والخصاصة.. لكن لا شيء حصل من هذا لأولئك الذين لا يُحصى عددهم، والذين قرؤوها واستظهروها طيلة قرون.. الشبهة التي تحول حول كتاب "ألف ليلة وليلة" أوعز ابن النديم صاحب "الفهرست" أنه ممل، إلى حد التسبب في موت قارئه..." (كيليطو، 2015، الصفحات 125-126).
لذا فكتاب "مثالب الوزيرين" لا يعدو أن يكون كتابا مثل تلك الكتب التي حُذِّرَ وخُوِّفَ منها؛ إلا أن من قرؤوها لم يصبهم أذى ولا مكروه. وقد استعمله كيليطو مثالا لأسباب يمكن استنباطها فيما يلي:
1. كشف الحقائق: كتاب "مثالب الوزيرين" يحتوي على مثالب ونقائص الوزيرين ابن العميد وابن عباد، وما ارتكباه في حق شعوبهما، واستغلالهما لمنصبهما، وهي وإن كانت ممنوعة لا يطلع عليها العامة، إلا أن التوحيدي كشف الحقائق عنهما في كتابه هذا. وقد يُنظر إلى الخوف في هذا الكتاب من باب الخوف من كشف المستور، المؤدي إلى ضياع السمعة والمكانة الاجتماعية والثقافية والسياسية.
2. إخفاء المستور: عمد التوحيدي في كتابه إلى إظهار ما كان خافيا عن الوزيرين الفاسدين – في نظره- والخوف المرتبط هنا هو الخوف من خروج الأسرار المخفية في القصور إلى العلن؛ فيحدث ما لا يحمد عقباه.
3. القرب من السلطة: الجرأة التي استعملها التوحيدي في كتابه، وفضحه لسلوكات الوزيرين الفاسدين، جعلت من الكتاب مصدرا مرعبا للآخرين القريبين من السلطة أو من يرغبون في التعامل معها، وكأن الكتاب تحذير مبطن لهؤلاء.
4. العمق المعرفي: يتميز كتاب المثالب في عمقه المعرفي ومنهجيته في بيان العلاقة الصحيحة التي ينبغي أن تكون بين الحاكم والمحكوم، وهذه المعرفة الصحيحة قد تكون مرعبة ومخيفة للمستبدين بالسلطة؛ فقد تقلب هذه الحقيقة مفاهيم الآخرين ورؤيتهم لعلاقة الحاكم بالمحكوم.
5. الخوف من التراث القديم: يمكن أن يكون اختيار كيليطو لكتاب "مثالب الوزيرين" مصدرا للخوف كرمزية فقط، فالكتاب ينتمي إلى القرن الرابع الهجري، ومثل محتواه كثير، ودلالة تلك الرمزية هو التحذير والابتعاد من كتب التراث القديمة ونصوصها الأدبية أو الفكرية أو عامة كتب التراث. وهذا الخوف قد يكون مردّه أن تؤثر هذه الكتب على الفكر المعاصر، وتعيده إلى الماضي الذي لا يتناسب وعصرنا. فكأن تلك الرمزية إلماحة إلى عدم صحة ما يقال عن كتب التراث أو تحجيم دورها الثقافي والفكري في عصرنا الحاضر، بل تحمل في طياتها قيمة علمية وفكرية معتبرة، ويمكن أن يكون لها دور كبير في فهم قضايا العصر وحل مشكلاته، فهي مصدر قوة وإلهام.
نتائج البحث:
بعد هذا التطواف في رواية "والله إن هذه الحكاية لحكايتي" وكتاب "مثالب الوزيرين" لأبي حيان التوحيدي، يمكن أن نتوقف عند أهم النتائج المستخلصة من هذه الورقة، وهي على النحو الآتي:
1. الخوف حالة طبيعية تصيب البشر، وقد يكون هذا الخوف مصدر إزعاج وقلق عندما يكون مصحوبا بتهديد اجتماعي أو سياسي أو ثقافي.
2. يستعمل بعض الحكام والقادة والمثقفين الخوف للسيطرة على الشعوب وعلى عقولها؛ لحرفها عن مسارها، والسيطرة عليها لخدمة مآربها الشخصية.
3. ما قيل عن كتاب المثالب قديما، وما أثير حوله من شبهات ما هي إلا تخرصات لا أساس لها في ميدان العلم والمعرفة، حتى وإن صدرت من كبار العلماء والأدباء؛ إذ ظهر أن أكثرها حسدًا وحقدًا ونكايةً بالتوحيدي، أو إشاعات يطلقها الآخرون فتصبح حقيقة مصدَّقةً عند من لم يُكلِّفوا أنفسهم عناء مطالعة الكتاب.
4. يتميز كيليطو بقدرته البيانية والبلاغية في صدم القارئ وإخافته من كتاب المثالب؛ مما يشعر القارئ نفسه بالخوف من هذا الكتاب، ثم ما لا يلبث أن يُسقط كيليطو ذلك الخوف بسوق عددٍ من التبريرات المنطقية والعقلية التي تدحض تلك الشبهات عن الكتاب.
5. يظهر للباحث أن لجوء كيليطو في روايته للتخويف من كتاب "مثالب الوزيرين" لأسباب قد تعود إلى الخوف عامة من كتب التراث القديم، وهو سبب لا أساس له من الصحة، وقد يعود إلى العمق المعرفي للكتاب وقدرته في تصحيح مفهوم علاقة الحاكم بالمحكوم، أو الخشية من كشف المستور وإظهار الحقائق المخفية أو التحذير من التقرب إلى السلطة واستغلال المناصب فيما قد يكون سببا لضياع الحقوق وانتشار الفساد في المجتمع.

توصيات البحث:
1. إعادة قراءة التراث بحس نقدي معاصر؛ وذلك من خلال إعادة النظر في كتب التراث التي حُذِّرَ منها أو روجت عنها إشاعات أو أساطير؛ كانت سببا في النفور منها، ولا ينبغي الاتكاء على ما قيل عنها دون الوقوف عليها والتأكد من صحة المنقول.
2. محاولة سبر أغوار رموز التخويف المصطنع في الأدب العربي؛ والتوسع في فهم طريقة التفكير لدى المجتمعات المثقفة أو التوسع في فهم آليات القمع السياسي والثقافي معا. 
3. حث الباحثين والكتّاب والمثقفين للولوج إلى عالم الكتابة عن علاقة المحكوم بالحاكم أو علاقة الشعوب بالسلطة، خاصة في هذا العصر؛ الذي كثرت فيه آليات القمع الفكري والثقافي، ومحاولة فهم لِمَ هذا الصراع المتكرر بين سيف الحكم وقلم الكاتب.
4. دراسة إمكانية تضمين الخوف الثقافي والأدبي في المناهج الدراسية، يكون هدفها إنشاء جيل ناقد واعٍ
لما للخوف المصطنع من دور في تشكيل ذهنية القارئ والنص على حد سواء.
المراجع:
• أبو حيان التوحيدي. (1961). مثالب الوزيرين. دمشق: دار الفكر.
• أبو هلال العسكري. (1980). الفروق اللغوية. بيروت: دار الآفاق الجديدة.
• أحمد ابن فارس. (1979). مقاييس اللغة. (عبد السلام هارون، المحرر) بيروت: دار الجيل.
• الجرجاني. (2004). التعريفات. مصر: دار الفضيلة.
• الراغب الأصفهاني. (بلا تاريخ). تفسير الراغب الأصفهاني. (د. علي عادل الشدي، المحرر) الرياض: دار الوطن.
• الواحدي. (1995). الوجيز في كتاب الله العزيز. سوريا: دار القلم.
• حسن أحمد إبراهيم. (2021). المجتمعات والخوف. مجلة المعرفة.
• عبد الفتاح كيليطو. (2015). والله إن هذه الحكاية لحكايتي. ميلانو: دار المتوسط.