دلالات الاختلاف في تراكيب آيات المتشابه اللفظي بــــالإظهار في موضع الإضمار

الباحث المراسلد. إبراهيم عبدالله الهنائي جامعة نزوى

Date Of Submission :2025-02-16
Date Of Submission :2025-02-16
Date Of Submission :2025-02-16
Date Of Submission :2025-04-06
Date Of Acception :2025-04-21
Date Of Publication :2025-04-22
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

 

بحث دلالة الاختلاف في تراكيب آيات المتشابه اللفظي

بـــــ "الإظهار في موضع الإضمار"

        إبراهيم بن عبدالله بن سليمان الهنائي

  1. مقدمة:

الأصل في الكلام الإظهار، ذلك أن المتكلم إذا رغب أن يعبّر عن كلامه يُظهره، فإذا تكرر يُضمره بالضمير المناسب الذي يعود إلى ذلك الاسم اختصارًا، واستبعادًا للتكرار، فالأنفس تستثقل التكرار، ولكن أحيانًا ولغرض أراده المتكلم، يخالف كلامه، فنجده يُظهر الاسم في الموضع الذي يلزم إضماره، ويُضمر في الموضع الذي يلزم إظهاره.

إن المتصفح والمتأمل في هذا الفن (الإظهار مكان الإضمار) و(الإضمار مكان الإظهار) وما فيه من البلاغة لا يتمالك إلا أن يكون معجبًا به، وبفوائده، وأسراره، والنكت البلاغية الكثيرة والمتنوعة التي انبثقت منه وفرضها السياق.

وذكر ابن السراج(ت:316هـــ) " اعلم: أنَّ الكلام يجيء على ثلاثة أضربٍ: ظاهر لا يحسنُ إضمارهُ، ومضمر مستعمل إظهارهُ, ومضمر متروك إظهاره.

الأول: الذي لا يحسنُ إضمارهُ: ما ليس عليه دليل من لفظٍ ولا حال مشاهدةٍ، لو قلت: زيدًا، وأنت تريدُ: "كَلِّمْ زيدًا" فأضمرت ولم يتقدم ما يدل على "كَلِّمْ" ولم يكن إنسان مستعدًّا للكلام لم يجز, وكذلك غيره من جميع الأفعال.

الثاني: المضمرُ المستعملُ إظهارهُ: هذا الباب إنما يجوز إذا علم  أنَّ الرجل مستغنٍ عن لفظكَ بما تضمره، فمن ذلك ما يجري في الأمر والنهي، وهو أن يكون الرجل في حال ضربٍ فتقول: زيدًا ورأسَهُ وما أشبه ذلك تريد: اضربْ رأسَهُ, وتقول في النهي: الأسدَ الأسدَ، نهيتهُ أنْ يقربَ الأسد، وهذا الإِضمار أجمع في الأمر والنهي 

الثالث: المضمرُ المتروك إظهارهُ: المستولي على هذا الباب الأمر وما جرى مجراه، وقد يجوز فيه غيره، فمن ذلك ما جرى على الأمر والتحذير، نحو قولهم: "إياكَ" إذا حذرته، والمعنى: "باعدْ إياكَ" ولكن لا يجوز إظهاره" (ابن السراج، أبو بكر محمد بن السري، الأصول في النحو، د.ت، ج2،ص 248-249)

وقد تناول البلاغيون هذا الفن، بيد أنهم لم يُفصّلوا في أغراضه تفصيلًا، ولم يتتبعوا جمالياته، فبعضهم اكتفى بالإشارة إليه في موضع الكلام دون استخراج نكته، وجمالياته، وأساليبه، كالسكاكي الذي ذكر بعض الأمثلة في كتابه (مفتاح العلوم) مكتفيًا بالإشارة إلى مواطن الإظهار والإضمار. (السكاكي: يوسف الخوارزمي ، 1987م، ص:  89،107،246،284)

أما عبد القاهر الجرجاني فيرى أن الإظهار والإضمار أبلغ من الآخر في مواضع معينة، وعلل في كتابه (دلائل الإعجاز) صور الإظهار في مقام الإضمار، فذكر أنه إظهار المفعول به في بعض المواضع أحسن من إضماره، وذكر أن هناك بابًا آخر من الإضمار يسمى (إضمار على شريطة التفسير) كــــ (أكرمني وأكرمت عبد الله) أردت أكرمني عبد الله، وأكرمت عبد الله، ثم تركت ذكره في الأول استغناءً في الثاني ( الجرجاني: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن،  1992م، ص: 163-164)

وذكر يحيى العلوي (ت 1345هـــ) أن علم الإظهار والإضمار متعلق بعلم المعاني، والإفصاح بالإظهار في موضع الإضمار له أثر واسع، وفائدة كبيرة، وأفرد لهذا العلم فصلًا بعنوان الإظهار في موضع الإضمار(العلوي، يحيى بن حمزة، الطراز المتضمن للأسرار البلاغية وحقائق الإعجاز ،1914 ، ص: 2/148)

وأما علماء المتشابه اللفظي، فنجد الزركشي قد توسع وأسهب في تناول هذا العلم في كتابه (البرهان في علوم القرآن) . (الزركشي: بدر الدين محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن ،  (ج2/ص 382، 478 ،484).

وممن تناول هذا العلم أيضا السيوطي (ت 911هــ) في كتابه (الإتقان في علوم القرآن)،    (السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين، الاتقان في علوم القرآن، 1394هـــ، 1974م، ج 3 ص244 ،ج 1ص 274)

وإذا بحثنا في الدلالة المعجمية للفظتي (الإظهار) و(الإضمار) نجد أنه قد جاء في (مقاييس اللغة) لابن فارس (ت 395هــ) في مادة (ظهر):

الظاء والهاء والراء أصل صحيح يدل على قوة وبروز، ومن ذلك ظهر الشيء، يظهر ظهورًا، فهو ظاهر إذا انكشف وبرز، ولذلك سمي وقت الظهيرة والظهرة  (الرازيّ، أحمد بن فارس بن زكريا، مقاييس اللغة، 1979م، ج3 ص471)

  • فالإظهار إذن: الانكشاف والبروز والظهور.

وأما مادة (ضمر) فجاءت عند ابن فارس (ت 395هــ):

الضاد والميم والراء أصلان صحيحان، أحدهما يدل على دقة الشيء، والآخر يدل على غيبة وتستر، ويُقال ضمر الفرس وغيره ضمورًا وذلك من خفة اللحم، ويُقال للموضع الذي تُضمّر فيه الخيل (مضمار)، والضمار: المال الغائب الذي لا يرجى، وأضمرت في ضميري شيئًا: يغيبه في قلبه، وصدره . (ينظر: نفسه، ج 3ص371.)

  • فالإضمار إذن: التستر والاختفاء، وعدم الظهور.

وسنتناول في هذا الفصل بالبحث والتحليل بعضًا من آيات المتشابه اللفظي التي لحقها الإظهار والإضمار، ونبين ما فيها من دلالة الإظهار والإضمار ونعلل ورودها فيه على نحو مخصوص، ونعتمد في ذلك على السياق خاصة لما له من أهمية قصوى في الكشف عن هذه الأسرار وإبرازها، مستندين إلى ما سطره علماء التفسير والمتشابه اللفظي. 

2-الإظهار والإضمار في: (أكثرهم – أكثر الناس):

قال تعالى: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} يونس 60.

وقال جل جلاله: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} غافر 61.

نلحظ في الآيتين الاختلاف في الضمير بين الإضمار والإظهار، فما السر وراء ذلك، وما دلالة هذا الاختلاف؟

سنقف في البداية على سياق الآيتين؛ لنعرف موضوعات كل منهما وأحوالهما.

تتحدث آية يونس في سياقها عن أهل مكة حين جعلهم في سعة من الرزق، وأمن وأمان، فافتروا على الله الكذب، حين حرّموا ما لم يحرّمه الله تعالى، وأحلّوا مالم يحلّه عليهم من الأرزاق، والأقوات، قال تعالى: ((قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ{59}، أخبروني أالله أذن لكم؟ وأشار الزمخشري أن الاستفهام في الآية للإنكار ( من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قومه مستنكرًا ما يقولونه الزمخشري: جار الله أبو القاسم بن عمر، الكشاف، 1998م ج3ص151) ، والرازي يرى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) استنكر ما يحكمونه على الرزق من حرمة بعضها  (الرازي: فخر الدين محمد بن عبد الله، مفاتيح الغيب، 1981،ج 17/ ص126) ، إذ جعلوا أنفسهم مهيمنين على أحكام الله ، ثم جاء قوله تعالى: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} يونس 60، وجاء في تفسيري نظم الدرر وإرشاد العقل للآية أي ما ظن الذين يتجرؤون على الله الملك الأعظم يفعل بهم يوم القيامة بكذبهم وافترائهم، أيحسبون أن الله لا يحاسبهم، وأنه سيصفح عنهم؟ كلا إنهم لفي أشد العذاب؛ لأن معصيتهم أشد المعاصي ( البقاعي: أبو الحسن إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، د.ت، ج 11/ص147)، (أبو السعود: محمد الحنفي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، د. ت، ج4/ص157). وذكر السمرقندي أن الله لذو فضل على خلقه حين يعاملهم بالحلم، وبتركه معالجة عقاب ما اقترفوه من كذب في الدنيا  وإمهالهم إياه، وإعطاء العقل، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ورغم ذلك أكثرهم لا يشكرون الله على نعمائه وفضله(السمرقندي: أبو الليث نصر بن محمد، بحر العلوم، 1413هــ، 1993م،ج 2/ ص 103) ، وذكر النسفي أنهم قابلوا ذلك الحلم بالكفر والعصيان  (النسفي: أبو البركات عبد الله بن أحمد، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، 1419هــ، 1998م،ج2ص29 ) ويرى ابن عاشور أن الاستفهام (وما ظن) من باب تعظيم الوعيد، والتهويل ( ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م،ج11ص 209)

وأما آية غافر، فذكر البقاعي فتتحدث في سياقها عن نعم الله وكرمه وفضله لخلقه، وعن سعة رحمته، وجزيل فضله، ووجوب شكره، فالله تعالى جعل لخلقه الليل مظلمًا باردًا؛ ليستريحوا، وليسكنوا فيه من حركتهم المستمرة في النهار ( البقاعي: أبو الحسن إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، د.ت، ج 8/ص282) ، إذ لو استمرت ليلًا ونهارًا لهلكت العقول والأجساد، ولكن برحمة منه جعله ساكنًا؛ ليستريح العقل والجسد من مشقه عناء طلب الرزق في النهار، وجعل النهار مبصرًا بالشمس، فيقومون من فراشهم إلى أعمالهم، ورزقهم، وحياتهم في شتى الجوانب بعد غفوة، وموتة قصيرة، وهذا يوجب عليهم تمام شكره، وذكره، ولكن أكثرهم لا يشكرون هذه النعم، بسبب جهلهم بالمنعم، وإغفالهم مواضع النعم  (نفسه، ج 7/ ص282.)، وباعتقادهم أن هذه النعم ليست من الله، كاعتقادهم أن هذه الأفلاك موجودة في الكون بذواتها، قال جل جلاله: ((اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ))، وبين ابن عاشور أن (لكن): استدراك، فالشأن أن يشكر الناس ربهم على فضله، فكان أكثرهم كافرين بنعمه ( ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م،ج24ص 186)، وإذا أراد الإنسان أن يعرف قيمة النعمة، فيتصور ليلًا بلا نهار، أو نهارًا بلا ليل، أو كونًا بلا هواء أو ماء، هل ستكون هناك حياة؟ كلا، ولكن "قليل من عبادي الشكور" الذين يقرون نعمة ربهم، ويصرفونها في طاعة مولاهم، ورضاه.

وعلل الزمخشري قوله تعالى عن (النهار مبصرًا)، ولم يقل لتبصروا فيه، فكيف يقول لتبصروا فيه، وهو بالأصل مبصر؟ فهذا من باب البلاغة، والفصاحة ( الزمخشري: جار الله أبو القاسم بن عمر، الكشاف،  1418هــ، 1998م، ج 5، ص 357)، وأما البيضاوي فيرى ذلك من باب المجاز العقلي . (البيضاوي: ناصر الدين أبا سعيد عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ت: 1418هــ،ج5،ص186)

وأما الدلالة والسر وراء الإظهار في آية يونس، والإضمار في آية غافر فقد جاءت تخريجات العلماء لتحديدها وتوجيهاتهم للمسألة التي تكتنفها كالآتي:

نظر الإسكافي (ت 420هــ) إلى المشاكلة اللفظية بين الآيات، وإلى السياق اللفظي، فذكر أن كل موضع يمكن الإضمار لقرب الذكر، ويمكن الإظهار لتعظيم الأمر، ويأتي لموافقة الآيات التي قبله وملائمتها، ومشاكلة ما تقدّم قبله من آيات.

ففي آية غافر جاء قوله تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ {61}) موافقة لقوله تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{57}، وبعده قوله تعالى: ((إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ{59}، فأظهر ذكر الناس في الآيتين قبل هذه الآية.

إذن أظهر ذكر الناس في آية غافر كما أظهر ذكرهم في الآيتين اللتين جاءتا قبلها، فالذكر جاء للمشاكلة والملائمة، وهذا بخلاف ما في آية يونس، فهناك بُنيت الآيات التي قبلها على الإضمار، قال جل جلاله: ((ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ{52}، ثم استؤنف خبر عن القوم الذين بعث الله رسوله إليهم (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ{53}، ثم قال بعده: (أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{55}، فأضمرهم، وأضافهم إلى أكثر، إلى أن انتهى إلى قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ{60})، فلزم الأمر هنا الإضمار، لما بُنيت الآيات التي قبلها على الإضمار (الخطيب الإسكافي: عبد الله بن محمد، درة التنزيل وغرة التأويل، 1422هـ، 2011م، ج3 ص146)

ولم يخرج الكرماني (ت 505هــ) عما أبانه الإسكافي من تخريج المسألة معتمدًا في ذلك على السياق اللفظي، وعلل الإضمار في آية يونس بأنه تقدم في هذه السورة قوله تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{57}، فوافقه القول في الآية {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} يونس60.

وأما آية غافر، فوافق القول فيها ما قبلها، وهو قوله تعالى: (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ{59})، ثم جاء بعدها قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ{61}، فجاء الإظهار للموافقة اللفظية بين الآيتين . (الكرماني: محمود بن حمزة، البرهان في توجيه المتشابه اللفظي لما فيه من الحجة والبيان، د.ت، المسالة 450، ص 220.)

وتابعه في ذلك الفيروز آبادي (ت 817هــ) في كتابه (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) . (الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، د.ت، ج1،ص 244)

وذهب الزمخشري (ت 538هــ) إلى أن الإظهار في موضع الإضمار في آية غافر {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} غافر 61 قد جاء من باب التخصيص لكفران النعمة بهم؛ لأنهم يكفرون بفضل الله، ولا يشكرونه .( الزمخشري: جار الله أبو القاسم بن عمر، الكشاف،  1418هــ، 1998م، ج 5، ص 357)

وتابعه في هذا التخريج كل من: البيضاوي (ت 685هــ) في كتابه (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) (البيضاوي: ناصر الدين أبا سعيد عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ت: 1418هــ،ج5،ص62)، وأبي السعود (ت 982هــ) في كتابه (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب العظيم) (أبو السعود: محمد الحنفي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، د. ت.، ج7/ص282). ، وابن عاشور (ت 1393هــ) في كتابه (التحرير والتنوير) ( ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م،ج24ص 186)

ويرى ابن الزبير الغرناطي (ت 708هــ) أن دلالة الإظهار في آية غافر لتقدم قوله تعالى قبلها: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{57})، ومراد هذه الآية الاعتبار والتذكير للخلق، فاقتضى ذلك تكرار الاسم الظاهر، ثم جاء بعدها قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ{61})، فوافق بين هذه الآية وما تقدمها من آيات؛ لتجيء الآيات على منهج واحد من التذكير، ولذا أُظهر الاسم وكُرّر.

وأما آية يونس، فتقدمها تأنيس بقوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ{58})، ثم القول بتعنيف الكفار في تحكيمهم: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ{59}، وبعدها قال: (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ{60})، ولم يتقدم تكرار للاسم الظاهر، فلذلك ورد الكلام على ما هو عليه من الأصل (بالمضمر)؛ ليحصل ربط الكلام.

  فجاء كل من الموضعين على ما يقتضيه سياق ما قبلهما ومقامه، رعيًا لتوافق الكلام وتناسبه. (الغرناطي: أحمد بن إبراهيم بن الزبير، ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظي من آي التنزيل، 1403ه، 1983م، ص 624)

ووافق ابن جماعة (ت 733هــ) من سبقه من العلماء في توجيه هذه المسألة بالنظر إلى التوافق اللفظي، فأظهر لفظ (الناس) وكرّره لمشاكلة في الألفاظ، وأضمر الناس في يونس، وكرّر ضمائرهم لمشاكلة الآيات التي جاءت قبل هذه الآية. (ابن جماعة: بدر الدين، كشف المعاني في المتشابه من المثاني، ت:1990م، المسألة 386، ص 323)

ويمكن ايجاز القول فضلًا عما ذكره علماء المتشابه اللفظي من تخريجات:

الأصل في الكلام أن يكون ظاهرًا، وإذا كرّر فالأصل في الثاني المكرّر أن يُضمر كقوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الشورى 40، ولكن أحيانًا يظهر المضمر لنكت بلاغية.

وقد وجدنا حين تتبعنا السياقين: المقامي والمقالي للآيتين أن مستخلص النكتة في آية يونس {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} يونس 60 يتمثل في:

  • الاستفهام (ما) للتعجب من حالهم، ويحتمل للتوبيخ والإنكار + ظن (المراد منها التوقع) جاء الملفوظ (ظن) بالماضي (ذلك لأن يوم القيامة واقع لا محالة)، وتحمل هذه الألفاظ بين طياتها غضب الله عليهم من ظنهم الكاذب، فضلًا على التهويل+ تنكير (فضل) للعموم والكثرة والتعظيم؛ لأن المنعم هو الله + تأكيد فضله وكرمه (بإن، وبالجملة الاسمية) + (لا يشكرون) التعبير بالفعل المضارع لداوم عدم شكرهم واستمرار جحودهم، فكان من المناسب عدم التصريح باسمهم وإضماره لكفرهم وجحودهم، وغضب الله عليهم، فلا تلذذ ولا مهابة لتكرار اسمهم وإظهاره+ البعد الاجتماعي المتمثل في كذبهم وافترائهم على الله، وجحودهم وكفرهم بالله، وهذا ديدنهم+ فضلًا على التناسب اللفظي كما بينه العلماء بين الآيات. 

      وأما مستخلص النكتة في آية غافر {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} غافر61، فهي:

  • الحديث عن نعم الله على خلقه+ اللام للتعليل (لكم)، فسكون الليل وإبصار النهار خلق لأجلكم ورغم ذلك تجحدون بالله وتكفرون به، وهو المنعم المتفضل عليكم+ تنكير (فضل) للتعظيم+ إضافة (ذو) إلى الفضل (ذو فضل) لتشعر بعظمة المنعم، أي هو صاحب الفضل والمنة+ لكن (للاستدراك)، أي قلة من الناس من تشكر والغالبية منهم تجحد، وتكذب+ وإعادة الاسم (الناس) وتكراره وعدم إضماره لمزيد من التشنيع على جحودهم وكفرهم+ فضلًا عما ذكره العلماء من التلاؤم والتوافق اللفظي بين الآيات.

    والخلاصة أنه يمكن القول: إن تخير الألفاظ في الآيتين السابقتين وتنوعها أدت غرض المتكلم وقصده إلى المخاطب، فناسب كل ملفوظ سياقه ومقامه، وأدى قصد المتكلم، وحقق الغرض. 

3-الإظهار والإضمار في (من دونه – من دون الله):

قال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلًا} الإسراء 56.

وقال جل جلاله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} سبأ 22.

ويجدر بنا قبل معرفة الأسرار والدلالة من وراء الاختلاف بالإظهار والإضمار في الآيتين السابقتين الوقوف على سياق الآيتين لمعرفة موضوع كل منهما.

فجاء في تفسير الكشاف أن هذه الآية نزلت في مكة لما ابتُلِيَت قريش بالقحط والمرض، فشكوا أمرهم للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وطلبوا منه أن يدعو الله لكشف البلاء عنهم، فجاء الرد من الله تعالى لنبيه: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم).

وكلا الموضعين في الآيتين خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- من الله تعالى، فآية الإسراء قل أيها الرسول لمشركي قومك من قريش الذين يزعمون أنهم لهم آلهة من دونه: إن هذه المعبودات التي يدعونها، ويعبدونها، وسميتموها باسمه ( الزمخشري: جار الله أبو القاسم بن عمر، الكشاف، 1418هــ، 1998م، ج 5، ص 118)، وجاء في مفاتيح الغيب (كما تدعون الله لكشف الضر عنكم لا تملك إزالة الضر، وجلب المنفعة) (الرازي: فخر الدين محمد بن عبد الله، مفاتيح الغيب، 1981،ج 20/ ص232) ، ولا تستطيع تحويله عنكم إلى غيركم، ولا تستطيع تحول حال العسر إلى حال اليسر، فالقادر والمتصرف في الأحوال، والأمور هو الله وحده.

والمراد بالزعم: الظن الكاذب، وزعمهم كان في عبادة الملائكة، وعيسى ابن مريم، ونفر من الجن، إذ كانوا يلتجئون إليهم وقت الشدة والبلاء.

وفسّر كل من: أبو السعود وابن عاشور أن الضر: المرض والفقر والعذاب والقحط (أبو السعود: محمد الحنفي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، د. ت ، ج5/ص179)، ويذكر أن قريشًا أُصيبت بالقحط سبع سنين بفعل دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم: "اللهم اجعلها عليهم سبع سنين كسنين يوسف" ( ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م،ج15ص 138).

وذكر الرازي أن التحويل: النقل من مكان إلى مكان، ويُقال حوله فتحول (الرازي: فخر الدين محمد بن عبد الله، مفاتيح الغيب، 1981،ج 20/ ص232) ، وجاء في تفسيري (معالم التنزيل ونظم الدرر) أن هؤلاء المزعومون بالقدرة لا يستطيعون التحول من حال شديد إلى أخف منه، كتحويل العسر إلى اليسر ( البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود بن الفراء، معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم، 1420هــ، ج3، ص139)، فكيف يستطيعون أن يبدلوه، ويحسنوه؟ ( البقاعي: أبو الحسن إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، د.ت، ج 11/ص449)

وذكر الرازي أن آية سبأ تتحدث عن الموضوع نفسه، بيد أن الآية زادت في وصف ضعف الآلهة التي يعبدونها من دون الله بقوله: (لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ)، فضلًا على أنه ليس لله معين في تدبير الأمور، وتصريفها في الحياة، فهم لا يملكون وزن نملة صغيرة في الأرض، ولا يستطيعون التصرف فيها، بل سبحانه هو المالك، والمتصرف في كل شيء (الرازي: فخر الدين محمد بن عبد الله، مفاتيح الغيب، 1981،ج 25/ ص255) وجاء في تفسيري (إرشاد العقل ومدارك التنزيل وحقائق التأويل) أن الظهير في الآية (وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ) المعين الذي يعينه في تدبر أمر السماوات والأرض وما فيهما (أبو السعود: محمد الحنفي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، د. ت ، ج7/ص131). ، فهم على الحالة من العجز، فكيف يصح أن يدعوا كما يدعى، ويرجوا كما يرجى؟ (النسفي: أبو البركات عبد الله بن أحمد، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، 1419هــ، 1998م،ج3ص61 )

ويظهر لنا من سياق الآية أنها قد تضمنت استفهامًا وجوابًا، فالاستفهام بصيغة الأمر واقع في قوله تعالى: ((ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ))، أي تطلبون من هذه المعبودات، وتسألونها العون، وكشف الضر، فيأتي الجواب من الله تعالى: (لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ)، أي: لا يملكون من خير، أو شر في الخلق، ولا في الملك .( الزمخشري: جار الله أبو القاسم بن عمر، الكشاف،  1418هــ، 1998م، ج 5، ص 118)، (البيضاوي: ناصر الدين أبا سعيد عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ت: 1418هــ،ج4،ص246)

ويرى ابن عاشور أن فعل الأمر (قل) للتبليغ (ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م، ج22ص 185). في الآيتين إشارة إلى ضعف عقولهم، وعدم تثبتهم بالتعبير بالزعم، فوصفهم المولى بالملفوظ (زعمتم) (البقاعي: أبو الحسن إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، د.ت، ج 11/ص449)، فضلًا على إظهار بطلان ما هو عليه من الزعم، والظن الكاذب.(ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م،ج15ص 138)، (أبو السعود: محمد الحنفي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، د. ت ، ج7/ص131).

وأما قوله سبحانه: (مثقال ذرة في السموات والأرض)، فخص بالذكر السموات والأرض؛ لأن بعض آلهتهم سماوية، كالملائكة، والكواكب، وبعضها أرضية كالأصنام (أبو السعود: محمد الحنفي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، د. ت ، ج7/ص131).

وأما عن الدلالة والسر وراء الاختلاف بالإظهار والإضمار في الآيتين، فلم أجد من علماء التفسير من بيّن ذلك، ودلّ على علة الاختلاف، إلا ما وجدته عند الأنصاري (ت 929هـــ) في كتابه (فتح الرحمن ما يلتبس من القرآن).

إذ نظر إلى التوافق، والمناسبة اللفظية بين الملفوظات في الآيات، فذكر أن دلالة الإضمار في آية الإسراء بقوله: (من دونه) لقرب مرجعه في قوله تعالى: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) الإسراء 54، وأما الإظهار في آية سبأ (من دون الله) بالاسم الظاهر، فذلك لبعد الضمير، وقرب الذكر في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) سبأ21 (الأنصاري: أبو يحيى بن زكريا، فتح الرحمن ما يلتبس من القرآن، 1983م ص 328)

وجاءت تخريجات علماء المتشابه اللفظي وتوجيهاتهم للمسألة كالآتي:

 نظر الإسكافي (ت 420هــــ) إلى السياق اللفظي، وذكر أن إظهار الاسم في آية سبأ، وإضماره في آية الإسراء؛ لأن قبل آية سبأ قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ{21})، وأما آية الإسراء، فقبلها قوله تعالى: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا{55})، فاُختير الإضمار في آية الإسراء لقوة الذكر قبل هذه الآية، إذ إنه تكرر الإضمار في عشرة مواضع في الآيات التي سبقت هذه الآيات: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا{54})، فهنا في خمسة مواضع (ربكم، وإن يشاء، ويرحمكم، ويعذبكم، وأرسلناك)، وفي قوله: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا{55})، (ربك، وأعلم، وفضلنا، وآتينا)، فكان الإضمار بعد الإضمار، ولذا كان من المناسب أن يُضمر الاسم هنا {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلًا} الإسراء56، وذلك للتناسب اللفظي بين الملفوظات التي سبقته في الآيات التي حوت الكثير من المضمرات.

وأما في آية سبأ، فتقدمها قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ{21})، وقوله تعالى: (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)19، وقوله تعالى: (وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ{15})، فذكر الاسم الظاهر جاء في ثلاثة مواضع، وفي الإسراء أكثر من عشرة مواضع للمضمر، فناسب الإظهار في آية سبا، وناسب الإضمار في آية الإسراء (الخطيب الإسكافي: عبد الله بن محمد، درة التنزيل وغرة التأويل، 1422هـ، 2011م، ج3 ص95) 

ولم يختلف الكرماني (ت 505هـــــ) عن الإسكافي (ت 420هــــ) في تخريج المسألة، وبيان دلالة الإظهار في آية سبأ، والإضمار في آية الإسراء، فذكر أن الإضمار في آية الإسراء (قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ) موجود؛ لأن الضمير يعود إلى الرب في قوله تعالى: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، وظاهر الأمر أن الكرماني يرى ذكر الإضمار هنا خشية التكرير. 

وأما في سبأ، فذُكر بالكناية يعود إلى الله كما صرحّ، فعاد إليه، وبينه وبين ذكره سبحانه صريحًا أربع عشرة آية، فلما طال الفصل صرحّ بالاسم، فذكره ظاهر لعلة طول الفصل بين الاسمين، فناسب ذكره ظاهرًا (الكرماني: محمود بن حمزة، البرهان في توجيه المتشابه اللفظي لما فيه من الحجة والبيان، د.ت، المسألة 277، ص 166)

وتوسع ابن الزبير الغرناطي (ت 708هـــــــ) في تخريج المسألة، وبيان دلالة الاختلاف بالإظهار والإضمار في الموضعين عمن سبقه، وذلك بالنظر إلى التناسبين: اللفظي والمعنوي في السياق.

فذكر أن آية سبا تقدمها قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ{20}) مخبرًا عن الكافرين، ثم جاء بعدها قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ{21})، فجاء الاسم الظاهر في آية سبأ في قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ)؛ حتى لا يظن القارئ لو جاء ضميرًا لعاد إلى إبليس، فلزم أن يكون الاسم ظاهرًا لإبعاد الإيهام عن عودة الضمير إلى المتتبع في الآية التي تسبقها، أي إلى إبليس.

وأما في الإسراء، فجاء قبلها قوله تعالى: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا{54}) ثم جاء قوله تعالى: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا{55})، ثم قوله تعالى: (قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ)، جاء مضمرًا مناسبًا وموافقًا لما جاء قبله، ولم يكن من المناسب أن يأتي اسمًا ظاهرًا، فجاء كلٌ على ما يناسب ويوافق (الغرناطي: أحمد بن إبراهيم بن الزبير، ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظي من آي التنزيل، 1403ه، 1983م، ص 768)

وتابع الفيروز آبادي (ت 817هـــ) الكرماني (ت 505هــــــ) في تخريج المسألة في كتابه (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز)، ناقلًا رأيه دون أن يضيف إليه شيئًا، مكتفيًا بما جاء به .(الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، د.ت، ج1،ص 293)

ويمكن أن نقول فضلًا عما بينه العلماء من تخريجات وتوجيهات وتفسيرات:

إن السياق هو الركيزة الأساسية في بيان الدلالة، وهو العلة من وراء الاختلاف بين الموضعين، فقد تبين لنا الآتي:

في آية الإسراء ({قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلًا} الإسراء 56: 

  • (قل) فعل أمر دل على التبليغ من الله تعالى لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، فضلًا على توبيخ المشركين في تخطئتهم وكذبهم. 
  • (ادعوا) إشارة إلى ضعف عقولهم.
  • (زعمتم) تحمل بين طياتها ضعف العقول والكذب وعدم القدرة. 
  • المضارع المنفي (لا يملكون) إظهار بطلان قدرتهم وادعائهم بالنفع، والتعبير بالمضارع دلالة الاستمرار حتى قيام القيامة في عدم القدرة على النفع والضر، وأن الله هو المالك والنافع لكل شيء.
  • (لا تحويل) استمرار ضعفهم، وقلة حيلتهم في تبديل الأمر من اليسر إلى العسر، أو دفعه، فأُضمر اسم الله للمدلولات السابقة، فضلًا على أن الآية بُنيت في ملفوظاتها على الإضمار (زعمتم، ويملكون، وعنكم)، فناسب الإضمار هنا.

      وفي آية سبأ قوله جل جلاله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} سبأ 22:

  • تشابهت آية سبأ مع آية الإسراء في مجموعة من الملفوظات التي تحمل المدلولات نفسها: (قل، وادعو، وزعمتم، ولا يملكون)
  • بيد أنها حملت ملفوظات أخرى لها دلالات قوية كــــــــــ (مثقال ذرة) الدال على مبالغة في حقارتهم، وضعفهم في عدم القدرة على ما يدعونه، إذ نفى عنهم عدم قدرتهم في أحقر الأشياء (مثقال ذرة)، فهم غير قادرين عليها، فكيف بما هو أكبر من ذلك؟ و(من دون الله) دلّ على عظمة الله الجبارة الذي حاز كل شيء بقدرته وعظمته، و(في السموات والأرض) دل على أن عظمته حوت السموات والأرض، ولن يستطيعوا نفع أنفسهم دون إذن منه، و(ما لهم من شرك) دلالة على الاستمرار في ذكر ضعفهم، وذلك أن ليس له شرك ومعين في ملكه وخلقه.

    وخلاصة المسألة: أنه قد أُظهر اسم الله في آية سبأ للمدلولات السابقة في ملفوظاتها، فناسب أن يُظهر اسم (الله) مهابة وعظمة أمام ضعفهم وحقارتهم، فضلًا عما بينه العلماء من تناسب لفظي، فناسب كلٌ في سياقه إذن.

4-إظهار فاعل (رآك) وإضماره:

      قال تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} الأنبياء 36.

وقال جلّ في علاه: {وَإِذَا رَأوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} الفرقان 41.

       ويجدر بنا قبل معرفة الأسرار والدلالة من وراء الاختلاف بالإظهار والإضمار لفاعل رآك (الذين كفروا) في الآيتين السابقتين الوقوف على سياق الآيتين لمعرفة موضوع كل منهما.

       ونجد حين ننظر في سياق الآيتين وبعد النظر في التفاسير أنه يتحدث عن موقف مرور النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي جهل ومعه أبو سفيان، إذ قال أبو جهل لأبي سفيان: هذا نبي عبد مناف، سخرية واستصغارًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فنزلت هذه الآية (إذا رآك الذين كفروا)، أي المكذبون بآياته، المعاندون، المستكبرون في الأرض، الجاحدون فضله من كفار قريش كأبي جهل، وأبي سفيان وأشباههما (الرازي: فخر الدين محمد بن عبد الله، مفاتيح الغيب، 1981،ج 22/ ص170) ، وأنت أشرف الخلق، وأطهرهم عظمة وجلالًا (البقاعي: أبو الحسن إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، د.ت، ج 12/ص419)، (يتخذونك هزوًا)، أي يستهزئون بك وينتقصونك، ويسخرون منك في تعاملهم معك  (أبو السعود: محمد الحنفي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، د. ت ، ج6/ص66)، إذ كانوا يقول بعضهم لبعض(ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م،ج17ص 85)، مشيرين إليك على سبيل الاحتقار والاستصغار ( الزمخشري: جار الله أبو القاسم بن عمر، الكشاف، 1418هــ، 1998م، ج 4، ص 352)، حين بلغوا من الجهالة، والعناد، وسوء الأدب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مبلغًا ما بعده مبلغ: (أهذا الذي يذكر آلهتكم) (الرازي: فخر الدين محمد بن عبد الله، مفاتيح الغيب، 1981،ج 24/ ص84) ، ويريدون بذلك: أهذا الذي يسبّ آلهتكم، ويذكرها بالعيب، والنقص، ويسخر منها، ويذمها ( السمرقندي: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، بحر العلوم، 1413هــ، 1993م، ج2،ص317) ويقول عنها: إنها ليست بآلهة، وإنها لا تنفع ، ولا تضرّ (أبو السعود: محمد الحنفي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، د. ت ، ج6/ص66)، ، ويزعم أنه رسول من عند ربه بعثه إلينا؟ وقالوا ذلك كفرًا، وعنادًا، وإنكارًا واحتقارًا ، وجحودا ( الزمخشري: جار الله أبو القاسم بن عمر، الكشاف،  1418هــ، 1998م، ج 4، ص 145)، وبطبيعة الحال هذا أذىً قاسٍ من قبلهم نحو النبي -صلى الله عليه وسلم- أشدّ من أذاهم في غيابه (ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م،ج17ص 85)، وإعلاء وتعظيم لآلهتهم، واستصغار من شأن الرسول -عليه الصلاة والسلام-( أبو زهرة، محمد بن أحمد مصطفى، زهرة التفاسير، د.ت، ج9،ص 4862) فحاشا الرسول عن وصفهم هذا، فهو -عليه الصلاة والسلام- طاهر متواضع، لا يمشي في الأرض مرحًا، ويعرض عن المشركين، ويرفق بالضعفاء (ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م،ج19ص 32)، وفي آية الفرقان قالوا:(أهذا الذي بعث الله رسولًا)، وكذلك هذا القول لأبي جهل قاله لأبي سفيان(السمرقندي: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، بحر العلوم، 1413هــ، 1993م، ج2،ص461)، وقال ذلك: تهكمًا وسخرية(أبو السعود: محمد الحنفي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، د. ت، ج6/ص22)، مع إنكارهم رسالته وبعثته  -صلى الله عليه وسلم-،(البقاعي: أبو الحسن إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، د.ت، ج 13/ص391) فصاروا لا يقرون برسالته، ويعدونه ليس أهلًا بأن يختاره الله لرسالته دونهم، ولا لقيادتهم استكبارًا منهم (ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م،ج19ص 32)، بل كانوا جاحدين معاندين، (وهم بذكر الرحمن هم كافرون)، أي كافرون بالله، وما يجب أن يذكر به من التوحيد والألوهية (النسفي: أبو البركات عبد الله بن أحمد، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، 1419هــ، 1998م،ج2ص402) وكانوا من منكري القرآن وأن يكون منه آية دالة على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكفرهم بما جاء فيه من إثبات البعث (ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م،ج17ص 85)، وكانوا جاحدين نعم الله عليهم والهدى وما أنزله الله من كتب سماوية، وإرسال الرسل، مع استهزائهم بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا رد من الله تعالى، ودفاع عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- حين سخروا منه (البقاعي: أبو الحسن إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، د.ت، ج 12/ص419) حين قال: (وهم بذكر الرحمن هم كافرون)، وتكرير الضمير (هم) في الآية للتأكيد على كفرهم وعنادهم (البيضاوي: ناصر الدين أبا سعيد عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ت: 1418هــ،ج4،ص51)

       ولم أجد عند أهل التفاسير من بيّن الدلالة، وفسّر العلة وراء الإظهار والإضمار لفاعل (رآك) في هذه المسألة.

       ووجدت النزر اليسير عند علماء المتشابه اللفظي ممن تناول هذه المسالة؛ ولربما علة ذلك أن الإظهار والإضمار في المسألة مرتبط بالتناسب اللفظي بين الآيات، وكان جليًّا واضحًا، ولذا لم يقف الكثير منهم عند هذه المسألة.

       وأما تخريجات من وقف عند هذه المسألة، فجاءت كالآتي: 

       نظر الإسكافي (ت 420هــ) إلى التناسب اللفظي بين الآيات لبيان دلالة إظهار الفاعل (الذين كفروا) في آية الأنبياء؛ ذلك لأن قبل هذه الآية جاء قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{35})، فلم يأتِ ذكر الكفار في الآية، فكان الأنسب ذكر (الذين كفروا) في الآية، وذلك في قوله تعالى: (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ{36}.

       وأما في سورة الفرقان، فإن قبل قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا{41}) جاء قوله: (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا{40}، أي ألم يرَ الكفار في زمنك القرية التي أصابها مطر العذاب، فيتعظوا ويحذروا، فحين كان ذكر (الكفار) متقدمًا لأقرب الكلام لآية الفرقان، كان من المناسب الإضمار(الخطيب الإسكافي: عبد الله بن محمد، درة التنزيل وغرة التأويل، 1422هـ، 2011م، ج2 ص901)

       وتابعه في تخريجه وبيان الدلالة والعلة للمسألة الكرماني (ت 505هــــــ)، إذ ذكر أن دلالة إظهار الفاعل في آية الأنبياء لأنه لم يتقدمها ذكر ملفوظ (الكفار)، فصرح باسمهم في الآية (الذين كفروا)، وأما في آية الفرقان، فجاء ذكر (الكفار) في الآية التي سبقتها، فناسب الإضمار في هذه الآية .(الكرماني: محمود بن حمزة، البرهان في توجيه المتشابه اللفظي لما فيه من الحجة والبيان، د.ت، رقم المسألة (308) ص 178)

       ونجد من علماء المتشابه اللفظي من توسع إلى حد ما في بيان الدلالة والعلة من وراء الاختلاف بالإظهار والإضمار، وهو ابن الزبير الغرناطي (ت 708هــــ) في كتابه (ملاك التأويل)، فهو لم يكتفِ بالنظر إلى التناسب اللفظي، بل وظف التناسب المعنوي.

       فذكر أن في سورة الأنبياء لم يأتِ ذكر يخصّ، ويعني الكفار المعاصرين للرسول -صلى الله عليه وسلم- في الآيات التي جاءت قبل الآية، ولكن تقدم قبلها قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ{30})، والمراد بــــــ (الذين كفروا) كل كافر مكلف من العرب معاصر للرسول -صلى الله عليه وسلم- أو غير معاصر، ولم يقع بعدها ما يعارض عموم الآية، ولذا لزم إظهار الفاعل (الذين كفروا)، ولو قال: (وإذا رأوك)، لكان الضمير يعود إلى (الذين كفروا) في الآية التي سبقتها، وهذا الذكر ليس خاصًا بالمعاصرين، وليس ذلك من المناسب، ولكن خصهم بالذكر (الذين كفروا) في الآية لتكبرهم وجحودهم.

       وأما آية الفرقان، فربط بين معاني ملفوظات الآيات ودلالاتها لبيان الدلالة، فذكر أن قبل آية الفرقان جاء قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا{32})، والمنزل عليه القرآن معروف أنه -النبي صلى الله عليه وسلم-، فالذين قالوا: إن المقصود (بالذين كفروا) هم المعاصرون للنبي -صلى الله عليه وسلم- قصدوا ذلك بالقطع، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً)، فحين تقدم ذكرهم في الآية، وقصدوا  بالذكر خاصة، وأُخبر عنهم، ناسب أن يأتي بالضمير في الآية (وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا{41})، ولم يكن ليناسب أن يضمر في آية الأنبياء، فجاء كل على ما يناسب .(الغرناطي: أحمد بن إبراهيم بن الزبير، ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظي من آي التنزيل، 1403ه، 1983م، ص 834)

ويمكن أن نقول فضلًا عما ذكره العلماء من تأويلات وتخريجات للمسألة: إن سياق الآيتين يبين لنا بشكل واضح دلالات الملفوظات التي وظف فيها الإظهار والإضمار، ويبرز ذلك في: 

  • أولًا: الذكر قد يكون بالذم، وقد يكون بالمدح، والعرب تقول قديمًا فلان يذكرك، فقد يكون ذمًّا أو مدحًا بحسب المقام، فإن كان مقربًا محبوبًا كان ذلك مدحًا، وإن كان بخلاف ذلك فإنه ذم، ولذا ذكر آلهتهم من قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما وصفوه ذمًا، ولذا أتوا بالاستفهام الدال على التعجب مع التحقير (أهذا).
  • ثانيًا: مجيء اسم الإشارة (هذا) في (أهذا الذي يذكر آلهتكم)، و (أهذا الذي بعث الله رسولًا) دالّ على الاستصغار والاحتقار، والسخرية، وحسب وصفهم من غير المناسب أن يبعث الله هذا الرجل، فإنكار المشار إليه رسولًا؛ لأن في الإشارة الاعتراف برسالته، ولكن إشارتهم (هذا) جاءت احتقارًا وإنكارًا، وما ذاك إلا من شدة حقدهم وكرههم للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والعجب كل العجب من هؤلاء، إذ إنهم قبل البعثة كانوا يلقبونه بالصادق الأمين، وبعد البعثة تغيرت موازين التفكير عندهم حقدًا، وكرهًا.
  • ثالثًا: التعبير بالمصدر (هزوًا) في الآيتين مبالغة في احتقارهم وتهكمهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
  • رابعًا: التعبير عن الاتخاذ بالفعل المضارع مع ضمير الجمع (يتخذونك) دلالة على حقدهم جميعًا، واستمرارهم في ذلك حتى اليوم.
  • خامسًا: استعمال أداة الحصر (إلا) هو للتشنيع بهم، وذكر ابن عاشور (ت 1393هـــ) أن اتخاذهم انحصر في الاستهزاء (ابن عاشور، محمد ابن الطاهر، التحرير والتنوير، 1984م،ج19ص 32) 

    وخلاصة القول مما سبق: 

إن الاسم في سورة الأنبياء قد أُظهر بعد تهكمهم، وسخريتهم حين ذكر آلهتهم وجادلهم بالحجة والقول، وبأنها لا تنفع ولا تضر، لمزيد من التشنيع بهم، وبأفعالهم، (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ).

وأما في آية الأنبياء، فأضمر الاسم، بعد سخريتهم وتهكمهم في ذات الرسول (وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا)، إهانة وتحقيرًا بهم. 

      فناسب إذن كل ملفوظ سياقه ومقامه، وأدى قصد المتكلم، وحقق الغرض.

 

 

 

 

 

 

 -خاتمة:

بحثنا دلالة الاختلاف بالإظهار والإضمار في آيات المتشابه اللفظي، فبينا دلالة كل من الإظهار والإضمار في الآيات التي تناولناها بالدراسة والتحليل، معتمدين في ذلك على التنوع الأسلوبي في التراكيب، وعلى السياقين: المقامي والمقالي.

وتوصلنا من تحليل تراكيب آيات المتشابه اللفظي المختارة، وما طرأ عليها من إظهار وإضمار في ملفوظاتها، وبعد الوقوف على أقوال العلماء إلى الآتي:

  • الاظهار والاضمار وما ينتظم بينها من علاقات أثرًا بارزًا في بيان المعنى الدلالي للتغيرات التي ربما تطرأ على بنية التركيب.
  •  من دلالات الإظهار في آيات المتشابه اللفظي: التشنيع والتحقير الذي خص به (الكفار)، والمهابة والروع الذي خص به رب العزة، فضلًا على التناسب اللفظي بين الآيات.
  • الإضمار غالبًا ما يكون للتناسب اللفظي بين الآيات، فضلًا على التناسب المعنوي في بعض المواضع.
  •   يُعَدّ السياق الركيزة الأساسية لبيان دلالة الإظهار والإضمار في آيات المتشابه اللفظي.
  • الاستفهام غالبًا ما يأتي للتعجب والإنكار في الآيات المتشابهة لفظيًا التي لحقها الإظهار والإضمار في ملفوظاتها.
  • تنكير الملفوظات في آيات المتشابه اللفظي: كــــفضل، وهزوًا (للتعظيم، والعموم، والمبالغة).
  • غالبًا ما يعبر بالفعل المضارع قبل النفي للدلالة على الاستمرار كقوله تعالى: (ولكن أكثرهم لا يشكرون)، وكثرة المنفيات في الآيات للتأكيد.
  • دلالات إظهار الاسم وإضماره مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتناسب اللفظي بين الآيات.
  • للإظهار دلالات متنوعة إذا كرر الاسم ومن ضمن هذه الدلالات: أنه إذا كُرر (اسم الله)، فله دلالة المهابة، والعظمة، وإدخال الروع في قلوب الأعداء، وقد يحمل دلالة التلذذ بتكرير الاسم، أو التقرير والتمكين، وأما إذا كُرر اسم (الكفار)، فدلالة ذلك التشنيع والتحقير.

     وهذه الاستنتاجات تؤكد أهمية السياقين: المقامي والمقالي وظروف القول والتخاطب التي تتعاضد مع البنى النحوية والتركيبية والدلالية في بيان دلالة الإضمار والإظهار. 

فضلا على أنها تعطي قيمة كبيرة للسياق في تحديد معاني الاختلاف في تراكيب المتشابه اللفظي، ولكنها تنبه أيضًا إلى أن هذا السياق له مكونات كثيرة من جهة وهذه المكونات تتعاضد مع العناصر التركيبية والدلالية من جهة أخرى.

 

 

 

 

 

 

 

المصادر والمراجع

      القرآن الكريم، قراءة حفص عن عاصم.

• أبو زهرة، محمد بن أحمد مصطفى، زهرة التفاسير، د.ط، د.ت

• البقاعي: أبو الحسن إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، د. ط، د.ت

• ابن السراج، أبو بكر محمد بن السري، الأصول في النحو، تح: عبد الحسين الفلتي، مؤسسة الرسالة، لبنان، بيروت، د.ط، د.ت

• العلوي: يحيى بن حمزة، الطراز المتضمن للأسرار البلاغية وعلوم حقائق الإعجاز، دار الكتب، مطبعة المقتطف، مصر، ت: 1914، 2/148.

• الكرماني: محمود بن حمزة، البرهان في توجيه المتشابه اللفظي لما فيه من الحجة والبيان، تح: عبد القادر أحمد عطا، دار الفضيلة

      ابن جماعة: بدر الدين، كشف المعاني في المتشابه من المثاني، تح: عبد الجواد خلف، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، ت:1990م. 

      ابن عاشور، محمد ابن الطاهر (ت 1393ه)، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، ت: 1984م.

      ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد، لسان العرب، المطبعة الخيرية ببولاق، مصر، 306هجرية. 

      أبو السعود: محمد الحنفي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ط، د. ت.

      الألوسي: أبو الفضل شهاب الدين، روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت.

      الأندلسي: أبو حيان محمد بن يوسف، البحر المحيط، تح: عادل أحمد، وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، ت: 1413هــ 1993م

      الأنصاري: أبو يحيى بن زكريا، فتح الرحمن ما يلتبس من القرآن، تح: محمد علي الصابوني، دار القرآن، بيروت، ط 1، ت:1983م.

      البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود بن الفراء (ت 510ه)، معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم، تح: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث، بيروت، ط 1، ت: 1420هــ.

      البيضاوي: ناصر الدين أبا سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ت: محمد بن عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، ت: 1418هــ.

      الجرجاني: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الفارسي الجرجاني (ت 471ه)، دلائل الإعجاز، تح: محمود محمد شاكر، المدني القاهرة، المدني جدة، الطبعة الثالثة، ت:1413هــ، 1992م

      الخطيب الإسكافي: عبد الله بن محمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 420ه)، درة التنزيل وغرة التأويل، تح: محمد مصطفى آيدين، معهد البحوث العلمية، جامعة أم القرى، ت: 1422هـ، 2011م.

      الرازيّ: أحمد بن فارس بن زكريا القزوينيّ الرازيّ، معجم مقاييس اللغة، تح: عبد السلام هارون، دار الفكر، ت: 1399هــ، 1979م.

      الرازي: فخر الدين محمد بن عبد الله بن عمر التميمي، مفاتيح الغيب، دار الفكر للطباعة والنشر، ط 1، ت: 1981م.

      الزركشي: بدر الدين محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث، الجمهورية العربية المصرية، ط 3، 1404هــ، 1984م.

      الزمخشري: جار الله أبو القاسم بن عمر، الكشاف، تح: عادل محمد، علي محمد معوض، مكتبة العبيكان، الرياض، ط 1، ت:1418هــ، 1998م.

      الزيد، عبد الله بن أحمد بن علي، معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم المسمى مختصر تفسير البغوي، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 1416هـ.

      السكاكي: يوسف بن أبي يعقوب بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي (ت 626ه)، مفتاح العلوم، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، ت: 1407هــ، 1987م.

      السمرقندي: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم (ت 375ه)، بحر العلوم، تح: علي معوض وآخرين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1413هــ، 1993م.

      السيوطي: جلال الدين، معترك الأقران في إعجاز القرآن، تح: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية بيروت، ط 1، ت:1408هــــ، 1988م.

      السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين (ت 911ه)، الإتقان في علوم القرآن تح: محمد أبي الفضل إبراهيم، الهيئة العامة المصرية، ت: 1394هـــ، 1974م.

      الغرناطي: أحمد بن إبراهيم بن الزبير، ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظي من آي التنزيل، تح: سعيد الفلاح، دار الغرب الإسلامي، ط 1، 1403ه، 1983م

      الكرماني: محمود بن حمزة، البرهان في توجيه المتشابه اللفظي لما فيه من الحجة والبيان، تح: عبد القادر أحمد عطا، دار الفضيلة، د.ط، د.ت.

      النسفي: أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود (ت 710ه)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، تح: يوسف علي بديوي، دار الكلم الطيب، بيروت، ط 1، ت: 1419هــ، 1998م.

      عبد الباقي: محمد فؤاد، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الكتب المصرية، القاهرة، د. ط، د. ت.

•الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، تح: محمد عليّ النجار، المكتبة العلمية، بيروت.د.ت