التشكيل الأسلوبي في النص القرآني ودوره في إحياء اللغة العربية دراسة وصفية على سورة النبأ نموذجًا
الباحث المراسل | د. عبدالله محمد جمود | جامعة نزوى |
Date Of Submission :2025-01-14
Date Of Submission :2025-01-14
Date Of Submission :2025-01-14
Date Of Submission :2025-01-16
Date Of Submission :2025-01-16
Date Of Submission :2025-01-16
Date Of Submission :2025-01-19
Date Of Submission :2025-01-19
Date Of Submission :2025-02-12
Date Of Submission :2025-02-12
Date Of Submission :2025-02-12
Date Of Acception :2025-03-21
Date Of Publication :2025-04-22
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
تُعدّ دراسات "التشكيل الأسلوبي في النص القرآني ودوره في اللغة العربية" أمرٌ في غاية الضرورة؛ كون القرآن يشكّل المثل الأعلى للخطاب العربي، والأول في التأثير في المخاطبين به؛ ولذلك فالتشكيل الأسلوبي والتنوع الخطابي من أبرز دواعي مراعاة المخاطبين، وعوامل تأثيره بغرض تحقيق الخطاب غاياته، وتقديمه للمتلقين بوسائل عدة تناسب حالهم ومستواهم.
وتكشف الدراسات مدى ارتباط تلك الأساليب بالنص، وبالمخاطب، وبالمقام، وبالغرض، وقدرة التشكيلات على إعطاء كلَّ مقام حقّه، ودور ذلك في كشف الكنوز الأسلوبية واللغوية لتقديم المعنى في النص القرآني أمام الطلبة والدارسين.
والمجتمع العربي الشهير بالفصاحة والبلاغة، كان وعاء مناسبًا لتلقّي القرآن الكريم؛ وصار الناقلُ الحصيفُ له، والمتمثّل الأنيق لتشكيلاته الأسلوبية واللغوية، في خطابه الأدبي، وظهور أثر ذلك في نتاجهم الأدبي، شعرًا ونثرًا؛ الأمر الذي زاد اللغة العربية حياةً وثراءً ونتاجًا.
وقد تناولتُ في هذا المقال التشكيل الأسلوبي في النص القرآني ودوره في إحياء اللغة العربية من خلال سورة النبأ نموذجًا، فبيَّنتُ مفهوم التشكيل الأسلوبي عند النّقاد، وناقشت مستويات التشكيل الأسلوبي في النص (الصوتية، والتركيبية والدلالية)، وأوضحت دوره في إحياء اللغة العربية في النص، وإثرائها بألوان الأساليب التي تقدّم بها المعنى من خلال السورة.
مشكلة الدراسة
تتمثل مشكلة الدراسة في "التشكيل الأسلوبي في النص القرآني ودوره في إحياء اللغة العربية" ويمكن صياغة مشكلة الدراسة في السؤالين الآتيين:
- ما هو التشكيل الأسلوبي في النص القرآني؟
- ما دور التشكيل الأسلوبي في النص القرآني في إحياء اللغة العربية؟
أسئلة الدراسة
- ما مدى توفّر التشكيل الأسلوبي في النص القرآني في سورة النبأ؟
- ما مستويات التشكيل الأسلوبي في النص القرآني في سورة النبأ؟
- ما هي مظاهر الإثراء اللغوي في التشكيل الأسلوبي للنص القرآني في سورة النبأ؟
فرضيات الدراسة
تفترض الدراسة أنّ التشكيل الأسلوبي في النص القرآني أسهم في إحياء اللغة العربية.
أهمية الدراسة
التشكيل الأسلوبي والتنوع في الخطاب، من أهم الأساليب التي يزخر بها القرآن الكريم، الأمر الذي له دوره البارز في اللغة، وفي المتلقين، وتكمن أهمية الدراسة فيما يأتي:
- جدّيّة الدراسة وحداثتها حول التشكيل الأسلوبي في النص القرآني في سورة النبأ.
- أنها تفتح الباب للدارسين؛ للإبحار في دراسة ألوان التشكيل الأسلوبي في القرآن الكريم.
- تعد إسهامًا في إثراء المكتبة العمانية، بلمسةٍ عن التشكيل الأسلوبي في النص القرآني.
منهجية الدراسة
- المنهج الوصفي التحليلي: هو المنهج المناسب لإجرائها دراسة وصفية، تتناول التشكيل الأسلوبي في النص القرآني، وتوضّح دوره في إحياء اللغة العربية.
- حدود الدراسة: تتمثل حدود الدراسة في تناول التشكيل الأسلوبي في النص القرآني ودوره في إحياء اللغة دراسة على سورة النبأ.
أهداف الدراسة
تسعى هذه الدراسة لتحقيق عدد من الأهداف، أهمها:
- التعريف بالتشكيل الأسلوبي.
- مناقشة مستويات التشكيل الأسلوبي في النص القرآني في سورة النبأ.
- توضيح دور التشكيل الأسلوبي للنص القرآني في إحياء اللغة العربية في سورة النبأ.
هيكل الدراسة
قسّمتُ الدراسة إلى مبحثين، تناولتُ في المبحث الأول منها الإطار النظري، والدراسات السابقة. وتناولت في المبحث الثاني الإطار التطبيقي للدراسة (التشكيل الأسلوبي في النص القرآني في سورة النبأ)، وذلك على النحو الآتي.
المبحث الأول: المفاهيم والمصطلحات والدراسات السابقة
نتناول في هذا المبحث المفاهيم والمصطلحات، والدراسات السابقة، وبيانها كما يأتي:
- المفاهيم والمصطلحات
مفهوم التشكيل في اللغة والاصطلاح
التشكيل في اللغة من قولهم: "شَكَلَ" والشَّكْل يعني: المِثْل، وهَذَا عَلَى شَكْل هَذَا، أَي: عَلَى مِثَاله. وَيُقَالُ: هَذَا مِنْ شَكْله، أَي: مِنْ ضَرْبه. وَهَذَا طَرِيقٌ ذُو شَواكِل، أَي: تَتَشَعَّب مِنْهُ طُرُقٌ. وشَكْلُ الشَّيْءِ: صورتُه. وتَشَكَّل الشيءُ: تَصَوَّر. وشَكَّلَه: صَوَّرَه.( ابن منظور، ت 1414ه،صـــــــ: 11/ 357 )
والتشكيل في الاصطلاح هو:" نتاجُ عمليةِ توحيدٍ، ترتَّبَ عليها تنظيمُ عناصر مختلفة، وتوزيعها، بحيث كوَّنتْ هيكلًا جديدًا فقدَتْ عناصرُها فردِيَّتَها، ومعناها؛ لصالح الشكل الذي أصبحت جزءًا لا يتجزأ منه". (بدوي، أحمد زكي ، 1991، صـــ: 148 )، وقيل هو:" عملية تركيبية متكاملة، تهتمّ بالمضمون اهتمامها بالشكل؛ فتنتظم فيها كل عناصر الإبداع في كُلٍّ حيويٍّ متناغمٍ". ( العف، عبد الخالق، د.ت، صـــــ: 4 و 5 )
مفهوم الأسلوب في اللغة والاصطلاح
الأسلوب لغة من الطريق والمذهب والفن:" يقال للسطر من النخيل أسلوبٌ، وكل طريق ممتدٍّ فهو أسلوبٌ، قال: والأسلوب الطريق، والوجه، والمذهب ... ويُجمع: أساليب. والأسلوب: الطريق تأخذ فيه. والأسلوبُ، بالضم الفنّ، يقال: أخذ فلان في أساليب من القول، أي: أفانين منه". ( ابن منظور، ت: 1919،صــــ: 1/ 473)
والأسلوب في الاصطلاح يعرفه ابن خلدون عن أهل الصناعة بأنه:" عبارة عندهم عن المنوال الّذي ينسُجُ فيه التّراكيب، أو القالب ... وتلك الصّورة ينتزعها الذّهن من أعيان التّراكيب وأشخاصها ... فيرصّها فيه رصًّا كما يفعله البنّاء في القالب، أو النّسّاج في المنوال". ( ابن خلدون، 1988، صــــ: 786)
مفهوم التشكيل الأسلوبي
يُعرَّف التشكيل الأسلوبي بأنه:" عمليةٌ مركبةٌ، تتمُّ في نسيجٍ متشابكٍ، معقّدٍ على جميع المستويات، الصوتية والصرفية والتركيبية والمعجمية، في آنٍ معًا".( مصلوح، سعد، في النص الأدبي، 2002م، صــــ: 363).
- الدراسات السابقة
الدراسات حول التشكيل الأسلوبي كثيرة ومتعدّدة، وأغلب ما توفّر لدي منها كان فيما يتصل بالشعر، سوى القليل منها، ومن غير الربط بدوره في اللغة. ومن هذه الدراسات ما يأتي:
- دراسة: دهمان، عبد القادر محمد، بعنوان (أساليب الخطاب في القرآن الكريم)، دولة الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطاع الشؤون الثقافية، مجلة الوعي الإسلامي، 2015م. وهدفَتِ الدراسة إلى الإجابة عن السؤال: ما هو الخطاب الذي فيه مواجهة بين المخاطِب والمكلَّف أو المخاطب؟ ومن هو المخاطَب؟ وكيف وصل إلى المخاطبين؟ وما هي أساليب الخطاب القرآني المباشر؟ واعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، وتوصلت الدراسة إلى عدد من النتائج، أهمها: أن القرآن يخاطب النفس البشرية من كل مداخلها، ويخاطب الانسان ويكرمه، وفيه الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والعرض، والنفي، والترجي. وفيه التوجيه، والتشخيص، والتعليم، والقصة، والعبرة، والآية الكونية، والحجة، والدليل، والإعجاز. ويتميَّز بعمق التأثير، وملامسة الأحاسيس الإنسانية. ويثير الأفكار العقلية، ويتلاءم مع الواقع. يوافق مقتضى الحال ومقتضيات المعاني. يقف عند الثوابت، ويترك التجديد ومواكبة العصور للفقه الإسلامي.
- دراسة: عبده، محمد صالح ناجي (خطاب لقمان، قراءة في التشكيل الأسلوبي للنص القرآني) مجلة السعيد للعلوم الانسانية والتطبيقية، مجلد 1، العدد 2، ديسمبر، 2017م، وهدفت الدراسة الى مقاربة قصة لقمان التي عرضها النص القرآني، وذلك من خلال اجراءات المنهج الأسلوبي، وتوصلت الدراسة الى عدد من النتائج، أهمها: جاء النص في بنية لغوية مختارة على مستوى التوكيد وحضور لفظ الجلالة وحروف المعاني والتنكير والتقديم والتأخير، واحتوى ظواهر أسلوبية كثيرة ومتنوعة، وتشكلت أسلوبية الشرط في نماذج أهَّلت لمشروعية الوقوف عندها، وتعامل النصُّ مع التصوير تعاملًا فريدًا، معتمدًا على تعدّد الأداء التصويري، وحقّق النص فرادة غير مسبوقة على مستوى الاختيار، والتوزيع، واستثمار البنية اللغوية، وتوظيف الأساليب.
- دراسة: العولقي، صالح عبد الله منصور، بعنوان: (تنوّع خطاب القرآن الكريم في العهد النبوي، دراسة لغوية) ماجستير في اللغة العربية وآدابها، إشراف أ. د. عبد الله بابعير، قسم اللغة العربية، كلية التربية، جامعة عدن، الجمهورية اليمنية، 2008م. وهدفت إلى دراسة خطاب القرآن الكريم في العهد المدني، ورصد الظواهر النحوية والدلالية فيه، وتحليلها، والتطورات اللغوية في تنوع موضوعاته، والمخاطبين به، وطريقة الخطاب. وتوصلت الدراسة إلى: أنَّ استهلال جميع سور القرآن الكريم كان بالبسملة، عدا سورة التوبة. ولم يأتِ في السور المدنية بعض التراكيب التي في السور المكية، كالقسم والاستفهام. وأكثر افتتاحات سور العهد المدني كانت بالأفعال. وقد تنوَّع خطاب القرآن في السور المدنية للمكلفين وغيرهم بحسب مستوى المخاطبين. وبحسب الصيغ شمل كل صيغ الخطاب المتعارف عليها. وتنوَّع خطابه في العهد المدني باستخدام مستويات اللغة المختلفة. ولم يدع في خطابه وسيلةً للإيضاح إلا طرقها، كـ: الأسلوب الإنشائي، والخبري، والإفصاحي.
- دراسة: خان، محمد أنور، بعنوان (أساليب تقديم المعنى في القرآن)، رسالة دكتوراه، إشراف دكتور سيد علي أنور، مقدَّمة في الجامعة الوطنية للغات الحديثة، إسلام أباد، باكستان، 2007م. وهدفت إلى معالجة الأساليب التي تلعب دورًا في إبلاغ المعاني، على مستوى المفردات، والتركيب، والصوت. ومنهج الدراسة هو المنهج الوصفي. وتوصلت الدراسة إلى أن القرآن اختار أجمل الكلمات وأخفها نطقًا وأبلغها سمعًا، واتسم بالانسجام والتآلف. واستُعمل فيه صيغة الجمع مكان المفرد. ووردت فيه كلمات من كل اللهجات العربية، ومن المعرَّب. واختصت كلماته بالتناسب الصوتي، واتساع المعاني، والجِدَّة، والاختراع، والتنوع في المواضيع، والدلالات. وتنبع بلاغته من نظْمه وإبداع أسلوبه، وتصوير المعاني تصويرًا ينفُذُ إلى البصائر. كما راعى القرآن التفاصيل الدقيقة في اختيار كلماته. وكانت طريقته في تصوير المعاني هي من جعلت تلك المعاني حاضرة أمام المتلقين عبر العصور والأزمان.
المبحث الثاني: الإطار التطبيقي (التشكيل الأسلوبي في النص القرآني في سورة النبأ).
ونتناوله من خلال دراسة مستويات اللغة، الصوتية والتركيبية والدلالية، من خلال سورة النبأ، ويتمثّل فيما يأتي:
- التشكيل الأسلوبي في مستوى البنية الصوتية
في هذا المستوى نتناول الإيقاع على المستوى الداخلي والخارجي، وذلك كما يأتي:
- الإيقاع الداخلي
وهو:" انسجامُ الصورة مع الصوت". ( تبرماسين، عبد الرحمن، 2003م،صــــ: 1/ 94) ومن فنونه:
- التكرار
وهو:" أنْ يكرّر المتكلمُ اللفظةَ الواحدةَ؛ لتأكيد الوصف، أو المدح، أو الذم، أو التهويل، أو الوعيد". (العدواني، عبد العظيم، د. ت، صـــــ: 375)، وقد ورد التكرارُ في السورة على مستوى الفعل، والحرف في قوله: ﴿كَلَّا سَيَعلَمُونَ٤ ثُمَّ كَلَّا سَيَعلَمُونَ٥﴾. (سورة النبأ)، فتكرار الحرفُ (كلا)، أفاد توكيد المعنى وتقويته. ومعناه كما ذكر الفراء:" والكلمة قَدْ تكرّرها العربُ عَلَى التغليظ والتخويف" (الفراء، يحيى، د. ت، صــــ: 3/ 287)
ويقول الزمخشري:" كَلَّا ردعٌ للمتسائلين هزؤًا. وسَيَعْلَمُونَ وعيدٌ ... وتكرير الردْع مع الوعيد تشديدٌ في ذلك. ومعنى ثُمَّ الإشعار بأنّ الوعيد الثاني أبلغ من الأوّل وأشد" (الزمخشري، محمود، 1407، صـــ: 4 / 684)
، وفي الدُّرّ المصون:" التكرارُ للتوكيد" (السمين الحلبي، د. ت، صـــــ: 10/ 649). كما تكرَّر الفعل "جعلنا" في: ﴿وَجَعَلْنَا نَومَكُمْ سُبَاتًا٩ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاسًا١٠ وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشًا١١﴾، (سورة النبأ) في ثلاثة مواضع، وهو يفيد التأكيد بأنَّ ذلك كلَّه تسخيرٌ من الله للكون لأجل الإنسان، وتهيئة لظروف حياته.
ومنه تكرار النفي بالحرف في نحو: ﴿لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَردًا وَلَا شَرَابًا﴾ (سورة النبأ)، ، فقد كرَّر حرف النفي (لا)؛ ليفيد التوكيد على نفي أنْ يذوقوا البرْدَ، أو يذوقوا الشرابَ. وقيل: لا يطعمون فيها بردًا يُبرّدُ حرَّ السعير عنهم. ولا شرابًا يرويهم من شدّة العطش، إلا الحميم. وقيل: لا يذوقون بردَ الشراب، ولا الشراب. وقيل إنَّ البرْدَ هنا النوم، ومعنى الكلام: لا يذوقون فيها نومًا ولا شرابًا. (الفراء، يحيى، د.ت، صـــ:228، والطبري،2000م، 24/ صــــ: 163).
- المقابلة
والمقابلة:" هي أن يؤتى بمعنيَيْن متوافقَيْن، أو معانٍ متوافقة، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب".(الهاشمي، أحمد، د.ت، صـــــــــ: 304)، وقد وردت فيقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا الّليْلَ لِبَاسًا﴾، وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً﴾ (سورة النبأ)، فقد قابل بين الليل والنهار، وبين الراحة (لِبَاسًا) والعمل (مَعَاشًا)، وهو من المحسنات البديعية.
- الجناس
وهو:" تشابه لفظَيْن في النطق، واختلافهما في المعنى" (الهاشمي، د.ت، صـــــــــ: 325)، وإنْ اختلفت فيه بعضُ حروف اللفظَيْن، فهو الجناس المُحَرَّف (الصعيدي، عبد المتعال، 2005، : 4/ صــــــــ: 643)
وقد جاء في قوله: ﴿حِسَابًا﴾، و: ﴿خِطَابًا﴾. فقد توافق اللفظان في الحركات والسكنات، واختلَفَا في بعض الحروف.
- السجع
وهو:" اتفاق اللفظ في آخر الجُمَل بالحرف الواحد" ( الجاحظ، عمرو بن بحر، 1423هـ،صــــ: 243)، وقد جاء في معظم آيات السورة، كما في قوله تعالى: ﴿مِهَٰدًا﴾، وقوله: ﴿أَوتَادًا﴾.( سورة النبأ) فالسجع هنا بتنوين الدال المفتوحة. وجاء في قوله تعالى: ﴿وَهَّاجا﴾(سورة النبأ)، وقوله: ﴿ثَجَّاجا﴾ (سورة النبأ ). فجاء السجع بتنوين الجيم المفتوحة.
وجاء السجع في بقية آيات السورة بتنوين الباء المفتوحة، كقوله تعالى: ﴿أَبوَٰبا﴾، و: ﴿سَرَابًا﴾، و: ﴿مََٔابا﴾ و: ﴿أَحقَابًا﴾، و: ﴿شَرَابًا﴾، و: ﴿حِسَابًا﴾، و: ﴿كِذَّابا﴾، و: ﴿كِتَٰبا﴾، و: ﴿عَذَابًا﴾، و: ﴿كِذَّٰبًا﴾، و: ﴿حِسَابًا﴾، و: ﴿خِطَابًا﴾، و: ﴿صَوَابًا﴾، و: ﴿مََٔابًا﴾، و: ﴿تُرَٰبًا﴾.(سورة النبأ).
- الإيقاع الخارجي
الإيقاع الخارجي في الشعر يتمثّل في الوزن والقافية، فيمضي عليهما الشاعر في البيت والقصيدة. ( الطرابلسي، محمد الهادي1961م،صــــــ: 108 ).ويوازيه في القرآن الكريم الفاصلة القرآنية. وهي:" كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع" ( الزركشي، محمد بن عبد الله، 1957م: 1/ صـــــ: 53 ).، وعليها يمضي النص إلى نهاية السورة، وربما في كل مجموعة من الآيات، فتنتهي بوقفة تختلف عن غيرها ضمن السورة. وفي سورة النبأ تنوّعت الفاصلة بين الاسم والفعل، وحافظت على الصيغة السجعية، التي تميّزتْ بها السورة، ففي الآيات(1-4)، قوله: ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾، و: ﴿مُختَلِفُونَ﴾، و: ﴿سَيَعلَمُونَ﴾ ( سورة النبأ )، كانت رؤوس الآيات تقف على نون الجمع المسبوق بواو الجماعة، سواءٌ في ذلك الأفعال الخمسة، أو جمع المذكر السالم. وفي بقية آيات السورة من الآية: (6 - 40)، وقفت الآياتُ كلُّها على تنوين الفتح، مع تنوّع الحروف السابقة له، وأغلبها حرف الباء، وذلك على امتداد (34) آية أو موضعًا، كالدال في: ﴿مِهَٰدًا﴾، والجيم في: ﴿أَزوَٰجًا﴾، والتاء في: ﴿سُبَاتًا﴾، والسين في: ﴿لِبَاسًا﴾، والشين في: ﴿مَعَاشًا﴾، والفاء في: ﴿أَلفَافًا﴾، والقاف في: ﴿وَغَسَّاقًا﴾، والزاي في: ﴿مَفَازًا﴾، والباء في: ﴿تُرَٰبًا﴾.( سورة النبأ)
وبالتأمل في البِنى الصوتية السابقة التي شكّلت بِنْية النص يبرُز دورُها في دفع الملل عن المتلقي، وشدّ انتباهه؛ والتنقّل بذهنه مع وقْع الكلمات، وتنوّع موسيقاها ونبراتها، وأساليب الكلام؛ الأمر الذي ولَّدَ انسجامًا كالانسجام الحاصل بين الصوت والصورة المقدَّمة في النص، وأثرى النص بأنواع الأساليب اللغوية لتقديم معناه للمتلقي، فبلغت غاية التأثير في اللغةِ النص والمتلقي.
- التشكيل الأسلوبي في مستوى البِنْية التركيبية
وسنتناول هذه البِنْية في المستويين الصرفي والنحوي، وذلك كالآتي:
- البِنْية التركيبية في المستوى الصرفي.
نتناول في المستوى الصرفي البِنْية الصرفية في السورة في الأسماء والأفعال، وذلك كالآتي:
- في الأسماء
الاسم يدلُّ على الثبوت، وإذا أردتَ الدلالة على الثبوت جئتَ بجملة مُسندِها اسم (السامرائي، فاضل صالح، 2000م: 1/ صـــــ: 16، و4/ صـــــ: 36). وقد وردت في السورة أسماء ذات دلالات متنوعة، حسية ومعنوية، من عالم الغيب، ومن عالم الشهادة، ومن ذلك:
قوله: ﴿ٱلنَّبَإِ﴾، و: ﴿ٱلأَرضَ﴾، و: ﴿وَٱلجِبَالَ﴾، و: ﴿ٱلَّيلَ﴾، و: ﴿ٱلنَّهَارَ﴾، و: ﴿ٱلصُّوْرِ﴾، و: ﴿ٱلسَّمَآءُ﴾، و: ﴿جَهَنَّمَ﴾، و: ﴿كِتَٰبًا﴾، و: ﴿وَكَأسًا﴾، و: ﴿ٱلرَّحمَٰنِ﴾، و: ﴿وَٱلمَلَٰٓائِكَةُ﴾.(سور النبأ )
وهذه نماذج للأسماء، وقد بلغ عددُ الأسماء التي وردت في سورة النبأ سبعة وسبعون اسمًا صريحًا، من كل البِنى الصرفية، وتشكّلت من خلال تشكّل دلالاتها الحسية، والمعنوية، والغيبية، والمشاهدة، وذلك أثرى لغة النص، وجعل المتلقي يقلّب خياله متصفّحًا صُوَر تلك الأسماء والمخلوقات الدنيوية والأخروية.
- في الأفعال
الفعل يدل على الحدوث والتجدد، وإذا أُريد الدلالة على ذلك جيء بجملة مُسندِها فعل (ناظر الجيش، محمد بن يوسف، 1428ه: 8،صــــ 3720). وقد تنوّعت البِنى الفعْلية في السورة بين المضارع والماضي والأمر. وتعدد بناء عليه فاعلُها، وبعضها مبنيٌّ للمعلوم، وبعضها مبنيٌّ للمجهول، ومن هذه الأفعال:
- المضارع
منه الفعل المضارع المرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة(الدعاس، أحمد عبيد، وآخرون، 1425ه: 3/ صــــــــــــــ: 414)، في قوله: ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ ( سورة النبأ). ومنه الفعل المضارع المجزوم بـ: "لم"، وعلامة جزمه السكون كونه صحيح الآخر ( الهمذاني، المنتجب، 2006م: 6/ صـــــ: 321، ودرويش، محيي الدين ، 1415ه: 10/صــــ: 351)، في قوله: ﴿ألَمْ نَجعَلِ﴾ ( سورة النبأ).. ومنه الفعل المضارع المنصوب بـ: "أنْ" مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. ( الهمذاني، المنتجب، 6/ صـــــ: 321، ودرويش، محيي الدين ، 10/صــــ: 352)، في قوله: ﴿لِّنُخْرِجَ﴾ (سورة النبأ ). ومنه الفعل المضارع المبني للمجهول، المرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. (الدعاس، أحمد عبيد، وآخرون، 1425ه: 3/ صــــــــــــــ: 414) ، في قوله: ﴿يُنفَخُ﴾ (سورة النبأ). والفعل المضارع المرفوع بالضمة الظاهرة على آخره ( الهمذاني، المنتجب، 2006م: 6/ صـــــ: 328، ودرويش، محيي الدين ، 1415ه: 3/صــــ: 416)،، في قوله: ﴿يَقُومُ﴾ (سورة النبأ).
- الماضي
منه (خَلَقْناكُمْ) الفعل الماضي المبني على السكون؛ لاتصاله بـ: "نا" الفاعلين (الهمذاني، المنتجب، 2006م: 6/ صـــــ: 321، ودرويش، محيي الدين، 1415ه: 3/صــــ: 315)، في قوله: ﴿وَخَلَقنَٰكُمْ﴾ (سورة النبأ). ومنه (كانَ) الفعل الماضي الناقص الناسخ، المبني على الفتح (درويش، محيي الدين، 1415ه: 3/صــــ: 414)،، في قوله: ﴿كَانَ﴾ (سورة النبأ). ومنه (فُتِحَتْ) الفعل الماضي المبني للمجهول، المبني على الفتح لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة([1]) (درويش، محيي الدين، 1415ه: 3/صــــ: 415)، في قوله: ﴿وَفُتِحَتِ﴾ (سورة النبأ). ومنه (كَذَّبُوا)، الفعل الماضي المبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة (الأخفش الأوسط، أبو الحسن، 1990م: 2/صــــ: 564، ودرويش، محيي الدين، 1415هــ، 10/ صـــ: 357)، في قوله: ﴿وَكَذَّبُواْ﴾ (سورة النبأ). ومنه (أَذِنَ)، الفعل الماضي المبني على الفتح؛ لعدم اتصاله بشيء. (الدعاس، أحمد عبيد، وآخرون، 1425ه: 3/ صــــــــــــــ: 416)، في قوله: ﴿أَذِنَ﴾ (سورة النبأ).
- الأمر
ومنه (ذُوقُوا) فعل الأمر المبني على حذف النون؛ لأن مضارعه من الأفعال الخمسة (الدعاس، أحمد عبيد، وآخرون، 1425ه: 3/ صــــــــــــــ: 416)، ، في قوله: ﴿فَذُوقُواْ﴾ (سورة النبأ).
تلك نماذج للفعل، وقد بلغت الأفعالُ في تركيبة النص ثمانية وثلاثون فعلًا من مختلف الصيغ. وبالتأمل في البِنْية التركيبية للفعل، وتنوعها بين الماضي والمضارع والأمر، والمتعدي واللازم، والمعلوم والمجهول، والتام والناقص، نجدها لعبت دورًا بارزًا في لغة النص، وإثارة انتباه المتلقي مع مراحل الفعل في النص، فبدا أثَّرها في المتلقي، وبلغت بمعنى النص منتهاه.
وبالنظر في البِنْية التركيبية الصرفية للنص في سورة النبأ، وما تمثله دلالة الأسماء ودلالة الأفعال، وربطها بالمعنى، فإن التباين في الورود والحضور له دلالاته، فالأسماء تفيد الثبوت والاستقرار، ويُعتمد عليها حين يكون القصد ثبات المعنى. وعلى العكس الأفعال، فهي تفيد التجدد والحدوث، ويبدو معناها عند النطق بها، فتتجلى دلالاتها. ( درويش، أحمد، د. ت: صـــ 151 – 153).
- البِنْية التركيبية في المستوى النحوي
نتناول فيه تركيب الجُمل التي تألَّفت منها السورة، نوعه ودلالته، ونبيّن ذلك كالآتي:
- تركيب الجملة الاسمية
والجملة الاسمية كل جملة تركبت من مبتدأ وخبر، ودلّتْ على الثبوت والدوام. (العيني، محمود، 2010م، 1/ صـــ: 512 السامرائي، فاضل،2000م: 1/ صـــ: 16). وقد وردت في السورة بعدد محدودٍ، وأغلبها مسبوق بإنَّ الناسخة المؤكّدة، وفي سياقات مختلفة، إخبارية ترغيبية وترهيبية، وذلك في ثلاث جُمل والرابعة جملة تتقدمها ليت من أخوات إنّ. وجملتان إحداهما مبتدؤها ضمير منفصل، والأخرى اسم اشارة، بدون أداة توكيد. وذلك كالآتي: ومنه قوله تعالى: ﴿هُم فِيهِ مُختَلِفُونَ﴾. (سورة النبأ)
تألَّفت الجملة الاسمية السابقة من: مبتدأ ضمير (هم) + جار ومجرور (فيه) + خبر مفرد (مختلفون). ووقع شبه الجملة اعتراض بينهما.
ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ يَومَ ٱلفَصلِ كَانَ مِيقَٰتا﴾. (سورة النبأ)
وقد تألَّفت الجملة الاسمية السابقة من: إن + اسمها + مضاف إليه + كان الناقصة + اسم كان (هو) + خبر كان + خبر إن الجملة. وهي جملة مركبة من جملتين؛ كون خبرها في حد ذاته جملة.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ لِلمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾ (سورة النبأ).
تألَّفت الجملة الاسمية السابقة من: إنَّ + خبر إنّ مقدم (جار ومجرور) + اسم إنَّ مؤخرٌ.
وفي قوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ ٱليَومُ ٱلحَقُّ﴾ (سورة النبأ).
تألَّفت الجملة الاسمية السابقة من: مبتدأ + بدل + خبر.
وفي قوله تعالى: ﴿يَٰلَيتَنِي كُنتُ تُرَٰبًا﴾ (سورة النبأ).
تألَّفت الجملة من: حرف تنبيه + حرف تمنٍّ ونصبٍ + نون الوقاية + اسم ليت + فعل ناسخ + اسم كان + خبر كان + خبر ليت جملة.
وبإعادة النظر في الجمل الاسمية والتأمل في دلالتها على مستوى الجمل، وعلى مستوى السورة، نجد كل واحدة منها قد دلّت دلالة تختلف عن الأخرى بحسب بنيتها التركيبية من ضمير، أو وصفٍ مشتقٍّ، أو توكيدٍ، أو إشارةٍ، أو تمنٍّ، وما يتخلَّلُ ذلك من تقديم وتأخير وتنويع الخبر، فكل تلك الدلالات والفوائد عوامل أدَّتْ دورها في إثراء لغة النص، ومنحه قدرة بالغة التأثير في جودة النص، وفي المخاطبين.
- تركيب الجملة الفعلية
الجملة الفعلية كلُّ جملةٍ تتركب من فِعْلٍ وفاعلٍ، وتدل على التجدّد والحدوث. (الجارم، علي، وأمين، مصطفى، د. ت، صـــ: 51، السامرائي، فاضل،2000م، 1/ صــ: 16) . وقد تنوَّعت الجملة الفعلية في السورة، فجاءت في الماضي، والمضارع، والأمر، والمعلوم المجهول، وأغلبها متصلة بضمير (نا) الفاعلين، ويعود على الله تعالى، وكان حضوره لافتًا. ومن هذه الجمل:
في قوله تعالى: ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ (سورة النبأ).. فقد تألَّفت الجملة الفعلية السابقة من: فعل مضارع لازم + فاعل.
وفي قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰدًا﴾ (سورة النبأ).، تألَّفت الجملة الفعلية السابقة من: همزة الاستفهام + لمْ الجازمة + فعل مضارع مجزوم متعدٍّ لمفعولَيْن + فاعل مستتر + مفعول به أول + مفعول به ثاني.
وفي قوله تعالى: ﴿وَخَلَقنَٰكُم أَزوَٰجًا﴾ (سورة النبأ).، تألَّفت الجملة الفعلية السابقة من: واو عاطفة + فعل ماضٍ متعدٍّ + فاعل (نا فاعلين) + مفعول (كاف خطاب) + حال.
وفي قوله تعالى: ﴿لِّنُخرِجَ بِهِۦ حَبًّا وَنَبَاتًا﴾ (سورة النبأ). ، تألَّفت الجملة الفعلية السابقة من: لام التعليل + أنْ مضمرة + فعل مضارع منصوب متعدٍّ + فاعل (ضمير نحنُ) + جار ومجرور + مفعول به + واو عاطفة + اسم معطوف.
وفي قوله تعالى: ﴿كَانَ مِيقَٰتا﴾ (سورة النبأ). ، تألَّفت الجملة الفعلية السابقة من: فعل ماضٍ ناقص ناسخ + اسمه (ضمير مُستتر) + خبره.
وفي قوله تعالى: ﴿يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ﴾ (سور النبأ )، تألَّفت الجملة الفعلية السابقة من: فعل مضارع متعدٍّ مبنيٍّ للمجهول + نائب فاعل (جار ومجرور).
وفي قوله تعالى: ﴿وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّابًا﴾ (سور النبأ )، تألَّفت الجملة الفعلية السابقة من: واو عاطفة + فعل ماضٍ متعدٍّ + فاعل (واو الجماعة) + حرف جر + اسم مجرور مضاف + مضاف إليه (نا) + مفعول مطلق.
وفي قوله تعالى: ﴿يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلمَلَٰٓائِكَةُ﴾ (سور النبأ )، تألَّفت الجملة الفعلية السابقة من: فعل مضارع مرفوع + فاعل + حرف عطف + اسم معطوف مرفوع.
وبإعادة النظر في الجُمل الفعلية التي وردت في السورة، والتأمل في دلالتها على مستوى الجمل، والدلالة العامة، نجدها قد لعبت دورًا بارزًا في إثراء لغة النصّ، وتوليد عبارات وأفكار ملأت جو النصّ؛ حتى آتى ثماره كاملة، وتلك إحدى أسرار التشكيل في بِنْية الجُمل، للتأثير في النص والمتلقي.
- أسلوب النفي
النفي من أساليب العربية في الكلام، ( سيبويه، عمرو، 1988م: 2/ 274، وابن السراج، محمد ، د. ت: 1/ صـــ: 379) ومما ورد منه هنا النفي بـ:" لا"، كقوله تعالى: ﴿لَّا يَسْمَعُونَ فِيْهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّٰبًا﴾ (سورة النبأ )، أي: في الجنة، وهي كذلك ليس فيها لغوٌ في الكلام، ولا كِذَّابٍ لأحدٍ. فقد نفى عن أهلها أنْ يسمعوا فيها لغوًا، واللغو: سقط الكلام، وكرَّر النفي بـ: "لا"؛ كونهم لا يسمعون فيها كِذَّابًا، فلا يكذِّب فيها بعضُهُم بعضًا، ولا يسمعون ذلك. (الطبري، محمد، 2000م،24/صــــــ: 173، والزمخشري، محمود، 1407هــــ: 4/صــــ 690 وابن عطية، عبد الحق، 1422ه: 5/صــــــ: 428).
- أسلوب الشرط
والشرط من أساليب العربية في تركيب الكلام. ( ابن جني، أبو الفتح، د. ت، صــــــ: 133)، ومنه قوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ ٱليَوْمُ ٱلحَقُّ فَمَنْ شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مََٔابًا﴾ (سورة النبأ )، أي: فمن شاء الفوز من عباد الله اتَّخذ بالتصديق بيوم القيامة والعمل له مآبًا آمِنًا في الآخرة. وعند بعضهم في الكلام وعدٌ ووعيدٌ وتحريضٌ؛ ذلِكَ أنه يَوْمٌ حَقٌّ، فَمَنْ شاءَ النجاة اتَّخَذَ العمل الصالح ليُهيئ له مَرْجِعًا آمنًا. وقد وقعت "من" هنا شرطية، وجملة "شاء" في محل جزم جملة الشرط، وجملة "اتَّخَذَ" في محل جزم جملة جواب الشرط.( الطبري، محمد، 2000م،24/صــــــ: 179، والزمخشري، محمود، 1407هــــ: 5/صــــ 429، درويش، محي الدين، 1415ه.10/ صــــ: 395)
- أسلوب الاستثناء
والاستثناء من أساليب العربية في تركيب الكلام، وبابٌ من أبوابها ( المنتجب الهمذاني، 2006، 2/ صــــ: 309، أبو العباس، محمد، د.ت، 4/ صـــــ: 389، السري، محمد د.ت، 1/ صــــ: 290، ومحمد بن الوراق، 1999م، صــــ: 395 ، الفتح، ابن جني، 1988، صــــ: 66 ). ومنه قوله تعالى: ﴿لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَردا وَلَا شَرَابًا ٢٤ إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا﴾(سورة النبأ). فقد استثنى من الشراب الحميم، ومن البَرْد: الغَسَّاق. فلا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا، إلا حميمًا قد أُغلي حتى انتهى حرُّهُ، ولا بردًا إلا غَسَّاقًا ( الطبري، محمد، 2000م،24/صــــــ: 164). وعند الزمخشري يجوز أن يُراد لابثين فيها أحقابًا، غير ذائقين بردًا ولا شرابًا، إلا حميمًا وغسّاقًا... أو أنْ يكون من: "حَقِبَ عامُنا" إذا قَلَّ مطرُهُ. فينتصب حالًا عنهم، يعني: لابثين فيها حقيبين، وقوله: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً﴾ تفسيرٌ له، والاستثناء منقطع، يعنى: لا يذوقون فيها بردًا وروحًا ينفّس عنهم حرّ النار، ولا شرابًا يسكّن من عطشهم، ولكن يذوقون فيها حميمًا وغسّاقًا .( الزمخشري، محمود، 1407هـــ، 4/ صــــ :689)
وبالتأمل في الأساليب النحوية الماضية (النفي، والشرط، والاستثناء)، نجدها قد أثْرَتْ لغة النص بدلالاتها المتنوعة، وذهبت بخيال المتلقي كل مذهب، مرة مع النفي، وثانية مع الشرط. وأخرى مع الاستثناء؛ فبدا أثرُ التنوع الأسلوبي في لغة النص، وحقَّق تأثيره في المتلقين.
- أدوات الربط
الربط بين المفردات والجمل والفقرات أساس توليد المعنى، وتحقيق التآلف بين معاني النص، جملًا وفقرات ونصًّا. ويكون الربط بالضمائر، أو الحروف، أو الإشارة. ( السيرافي، الحسن، 2008م: 2/ صـــــــ: 384 )، ومنه الربط بـ: (عن): ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ١ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلعَظِيمِ٢﴾(سورة النبأ). فقد ربط التساؤل بالجواب بحرف الجر عن، فوقع بداية السؤال وبداية الجواب. قال الزجاج:" الكلام تام في قوله: عَمَّ يَتَساءَلُونَ ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيبٌ فيقول: يتساءلون عَنِ النبأ الْعَظِيمِ، فاقتضى إيجاز القرآن وبلاغته أن يبادر المحتجّ بالجواب الذي تقتضيه الحال والمجاورة؛ اقتضابًا للحجة وإسراعًا إلى موضع قطعهم". (الأندلسي، عبد الحق بن غالب، 1422هــ، 5/ صـــ: 423)
و(ثُمَّ)، كالفاء، إلا أنها أشدّ تراخيًا، في قوله تعالى: ﴿كَلَّا سَيَعلَمُونَ٤ ثُمَّ كَلَّا سَيَعلَمُونَ٥﴾ (سورة النبأ). ربط بين الجملتين، الجملة الزاجرة للكفار الذين اختلفوا وتساءلوا عن النبأ العظيم، والجملة المؤكِّدة، بالتكرار، بحرف العطف ثُمَّ، وهو حرف يفيد دلالة الترتيب والتراخي (أبو العباس، محمد ت 285هـــ، د. ت. 1/ صـــ: 10).
و(الواو) وهي الأصل في حُرُوف الْعَطف؛ وتوجبُ الِاشْتِرَاك بَين الشَّيْئَيْنِ ( محمد، ابن الوراق، 1999م. صـــ: 377 ). كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰدا٦ وَٱلجِبَالَ أَوتَادًا٧وَخَلَقنَٰكُمْ أَزوَٰجًا٨ وَجَعَلنَا نَومَكُمْ سُبَاتًا٩ وَجَعَلنَا ٱلَّيلَ لِبَاسًا١٠ وَجَعَلنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشًا١١ وَبَنَينَا فَوقَكُمْ سَبعًا شِدَادًا١٢ وَجَعَلنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا١٣ وَأَنزَلنَا مِنَ ٱلمُعصِرَٰتِ مَآء ثَجَّاجًا١٤﴾ (سورة النبأ ). والواو هنا للجمع؛ لقوَّتها وخروجها من عضوين، وأنَّها دلَّت على الجمع فِي الْإِضْمَار، نَحْو: (قَامُوا) ( أبو العباس، محمد ت 285هـــ، د. ت. 1/ صـــ: 10 ). وقد ربط الواو بين عدد من الجمل، في تعداد ما خلقه الله وهيأه للإنسان في السماء والأرض وفي نفسه، بدلالة الواو الذي يفيد الجمع. (محمد، ابن مالك، 1990، 4/ صــــ: 38).
و(اللام) وهي الجارّة، ومن معانيها التعليل، وتربط بين السبب والمسبّب؛ لأنها تفيد التمكّن والاتصال بين العلة والمعلول. (حسن، عباس، د. ت: 2/ صــــ: 539). ومنه قوله: ﴿وَأَنزَلنَا مِنَ ٱلمُعصِرَٰتِ مَآء ثَجَّاجًا ١٤ لِّنُخرِجَ بِهِۦ حَبّا وَنَبَاتا﴾ (سورة النبأ). فقد ربطت اللام بين المسبَّب والسبب، بين السبب (إنزال الماء من السحب المعصرات)، وبين المسبَّب (إخراج الحَبّ والنبأت بحرف اللام) (محمد، ابن مالك، 1990 ، 4/ صــــ: 49).
و(الفاء) حرف عطف، يدل على الترتيب والتعقيب. ( أبو العباس، محمد ت 285هـــ، د. ت. 1/ صـــ: 10 و محمد ، ابن الوراق، 1999م. صـــ: 377 )، ومنه: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ كِتَٰبًا٢٩ فَذُوقُواْ فَلَنْ نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا٣٠﴾ (سورة النبأ). فقد ربط بين إحصاء الأعمال في الكتاب، وبين الأمر بتذوق العذاب؛ توبيخًا وتحقيرًا لهم في استحقاقهم ذلك نتيجة أعمالهم، فلا تعويض هناك مقابل التقصير، فالجزاء من جنس العمل؛ فالفاء الجوابية معناها الربط، وتلازمها السببية، قيل: والترتيب. ( أبو العباس، محمد ت 285هـــ، د. ت. 1/ صـــ: 10 )
وانظر في أدوات الربط السابقة تجدها عواملَ إثراءٍ في لغة النص؛ بدلالاتها المتنوعة بالتبيين، كـ: (عن)، والفارق الزمني، كـ: (ثم)، والجمع، كـ: (الواو)، والترتيب كـ: (الفاء)، والتعليل كـ: (اللام)، وربطها للنص كاملاً ليخرجَ متماسكًا متصلًا، لا يبدو فيه انفصال.
- التشكيل الأسلوبي في مستوى البنية الدلالية
وسنتناول هذا المستوى في السورة على جانبَين (الصورة، والتركيب)، كما يأتي:
- في الصورة
كالتشبيه، وهو مشاركة أمر لآخر في عدد من الأمور أو المعاني ( الحنفي، د. ت، 2/ صــ: 127)، ومنه التشبيه البليغ الذي يكون بحذف أداة التشبيه ووجه الشبه من الكلام. ( الهاشمي، أحمد، د.ت، 242، والصعيدي، عبد المتعال، 2005م، 3 / صـــ: 445 )، كقوله: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاْدًا ٦ وَالْجِبَاْلَ أَوْتَاْدًا٧﴾ (سورة النبأ)، وأصل الكلام: جعلنا الأرض كالمهاد، الذي يفترشه النائم، والجبال كالأوتاد التي تثبت الدعائم، فحذف أداة التشبيه، ووجه الشبه الجامع بينهما، فأصبح التشبيه بليغاً، وهو أرفع أنواع التشبيه؛ لأنه يرفع المشبّه إلى مرتبة المشبّه به، حدّ المماثلة التامّة.( الهاشمي، أحمد، د.ت، 242، والصعيدي، عبد المتعال، 2005م، 3/ صـــ: 445 و والصابوني، محمد، 1997م، 3/ صــــ : 483).
والاستعارة، وهي:" استعارةُ الكلمة لشيءٍ لم يُعْرَفْ بها، مما قد عُرِفَ بها" . ومنها قوله: ﴿وَجَعَلنَا ٱلَّيْلَ لِبَاسًا﴾ (سورة النبأ) فجعل الليل لكم غشاءً يتغشاكم سوادُه، وتغطيكم ظلمته، كما يُغطّي الثوبُ لابسَه؛ لتسكنوا فيه عن التصرّف فيما كنتم تتصرّفون فيه نهارًا ( الطبري، محمد، 2000م ، 24/ صــــ: 151 و القرطبي، محمد، 1964 م، 19/ صـــ: 172).. ففيه استعارة مكنية؛ حيث شبه الليل بالثياب الذي يُغطّى به الجسد، ثم حذف لفظ الثياب، وأتى بشي من لوازمه، وهو اللبْس.
والكناية: وهي:" لفظٌ أريد به لازم معناه، مع جواز إرادته معه" (السبكي، أحمد، 2003م، 2/ صـــ: 206 ).ومنه قوله: ﴿وَكَوَاعِبَ أَترَابا﴾ (سورة النبأ)، فالصورة كناية عن النساء العذارى الموعودين بهنّ في الجنة، وتوحُّدهن في عُمُرِ الفتوّة والشباب، وغاية الاستواء في السنٍّ والحُسْن. والكواعب اسم فاعل للجمع: وهن الفتيات اللائي فلكت أثداؤهن، أيْ: برزت واستدارت.( الطبري، محمد، 2000م ، 24/ صــــ: 170).
ومنه قوله: ﴿يَومَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلمَلَٰآئِكَةُ صَفّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَن أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحمَٰنُ﴾ (سورة النبأ). والمعنى: أنّ الرّوح والملائكة وهم أفضل الخلائق وأشرفهم وأكثرهم طاعة لله وأقربهم منه، لا يتكلمون بين يديه، إلا بإذنه، فكيفَ بمن عداهم من الخلق؟ (الزمخشري، محمود، 1407هـــ، 4/ صـــ: 691، والأندلسي، ابن عطية، 1422هــ، 5/ صـــ: 428 والقرطبي محمد، 1964م، 19 /صـــ: 187) وهذا كناية عن الهيبة والوجل الذي يسود الخلق في موقف الحشر. (القرطبي محمد، 1964م، 19/ 188).
والإطناب: وهو من أبواب المعاني في البلاغة العربية، ويكون بالتكرير والتفصيل. (الصعيدي، عبد المتعال، 2005م، 2/ صـــ:346، وعتيق عبدالعزيز، 1430، 2009م، صـــ: 178)، ومنه قوله تعالى: ﴿كَلَّا سَيَعلَمُونَ ٤ ثُمَّ كَلَّا سَيَعلَمُونَ﴾ (سورة النبأ). فالإِطناب هنا بتكرير الجملة بالعطف؛ لتأكيد الوعيد والتهديد. وقد أتى لفظُ" "كَلَّا" زجرًا وردعًا للمتسائلين هزؤًا من الكفار. و{سَيَعْلَمُونَ} وعيدٌ بأنهم سيعلمون أنّ ما تساءلوا عنه، وضحكوا منه حقٌّ؛ لأنه واقع لا ريب فيه. وتكرير الردع مع الوعيد تشديد في ذلك. وأفاد العطف بـ: ثُمَّ الإشعار بأنّ الوعيد الثاني أبلغ من الأوّل وأشدّ. (الزمخشري، محمود، 1407هـــ، 4 / صـــ: 684 والأندلسي، ابن عطية، 1422هــ، 5/ صـــ: 424، الصابوني، محمد علي، 1997م، 3 /صـــ: 485).
والحذف: وهو من أساليب العربية في الاختصار. (الهاشمي، أحمد بن إبراهيم، د. ت، صـــ: 131)، ومنه قوله: ﴿عَنِ النبأ العظيم﴾ (سورة النبأ). ففي الآية إِيجازٌ بحذف الفعل؛ لدلالة المتقدِّم عليه، أي: "يتساءلون عن النبأ العظيم". والنبأ قيل: هو القرآن، وقيل البعث، وقيل يوم القيامة. (الطبري، محمد، 2000م، 24/ صــــ: 150والزمخشري، محمود، 1407هـــ، 4/ صـــ: 684). وعند ابن عطية:" الكلام تامٌّ في قوله: {عَمَّ يَتَساءَلُونَ}، ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيبٌ، فيقول: "يتساءلون عَنِ النبأ الْعَظِيمِ"؛ فاقتضى إيجازُ القرآن وبلاغتُه أَنْ يبادِرَ المحتَجُّ بالجوابِ الذي تقتضيه الحالُ والمحاورةُ؛ اقتضاباً للحُجَّة، وإسراعاً إلى مَوْضِعِ قَطْعِهم".(والأندلسي، ابن عطية، 1422هــ، 5/ صـــ: 423)
- في التركيب
ومنه الخبر، كـ: ﴿وَجَعَلنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشًا﴾ (سورة النبأ). في الآية خبرٌ؛ فأخبر أنّه جعل النهار سببًا لتحصيل المعاش بعد السكون والراحة ليلًا. وفيه إضمار، والتقدير: وجعلنا النهار وقتَ معاشٍ؛ تتصرفون فيه لقضاء حوائجكم، وجعلناه مُشرقاً مضيئاً؛ ليتمكّن الناس من التصرف فيه، بالذهاب والمجيء للمعاش والتكسّب والتجارات وغير ذلك (الصابوني، محمد علي، 1997م، 3 / صــ: 483).
والإنشاء: وهو ما لا يحتمل صدقًا ولا كذبًا. (العلوي، يحيى، 1423هــ: 1/ صـــ: 26). ومنه الطلبي، كالأمر في قوله: ﴿فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُم إِلَّا عَذَابًا﴾ (سورة النبأ). قيل: لم تنزل على أهل النار آيةٌ أشدّ من هذه؛ فهم في مزيدٍ من العذاب أبدًا. (الطبري، محمد، 2000م ، 24/ صــــ: 169). وفيها إنشاء طلبي بصيغة الأمر، وهو لا يُراد منهم فعل شيء كشأن الأمر عادةً، بل خرج عن معناه الأصلي إلى معنى بلاغي؛ إذ المُراد: الإِهانة والتحقير لهم (الصابوني، محمد علي، 1997م، 3 / صــ: 486 ).
والاستفهام، كقوله: ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ﴾ (سورة النبأ)، ففي: {عمَّ}، اللفظ للاستفهام، وسقطت منها ألف ما ليتميز الخبر عن الاستفهام، وهو لا يريد أن يسأل عن تسآؤلهم حقيقة؟ فهو يعلمه، ولكن المعنى خرج إلى معنى آخر لغرض تفخيم الشأن والقصة والأمر؛ فقد كان المشركون يتساءلون عن البعث إِنكاراً واستهزاءً فجاء اللفظ بصيغة الاستفهام للتفخيم والتهويل وتعجيب السامعين من أمرهم. (الزمخشري، محمود، 1407هـــ، 4/ صـــ: 684، و القرطبي، محمد 1964م، 19/ صـــ: ،170 والصابوني، محمد، 1997م، 3/صـــ: 482 ).
والتمني: كقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ ٱلكَافِرُ يَٰلَيتَنِي كُنتُ تُرَٰبًا﴾ (سورة النبأ)، ففي الآية أسلوب إنشائي طلبي، بصيغة التمني، فيقول الكافر يومئذ؛ لما يلقى من عذاب الله الذي أعدّه للكافرين، يقول متمنيًا: "يا ليتني كنت ترابًا" كالبهائم، التي فُصل بينها وجُعِلت ترابًا. ( الطبري، محمد، 2000م، 24/ صـــ: 180).
وبإمعان النظر في البِنى الدلالية التي وردتْ في السورة، والتنقّل معها من خلال الصور التشبيهية والاستعارية والكنائية والإطناب والحذف، سنجد الصورة التمثيلية بارزة أمامنا. ولا بدّ من إعمال الخيال في الصورة الاستعارية؛ كونها مستعارة لغير ما هي له. وفي الكناية ما يوحي به لفظها يقود إلى مدلولها. والإطناب بتقديم المعنى مكررًا يؤكد على الإقناع والتأثير. والحذْف يجعل المخاطب يجمع بين الدلالات، ويكتشف الروابط التي بينها؛ لتدل على المحذوف. وكذلك التنوّع في أساليب الكلام بين الخبر، والإنشاء، بصيغ الأمر والاستفهام والتمني ودلالاتها البلاغية... كلُّ ذلك أثرى لغة النص، وشكَّل أساليب تقديم المعنى والصورة، فانعكس أثر ذلك جليًّا في لغة النص، والمتلقّين. وهذا هو الدور الأساسي للتنويع في إحياء اللغة العربية.
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد تناولت في هذه الدراسة (التشكيل الأسلوبي في النص القرآني في سورة النبأ ودوره في إحياء اللغة العربية)، وهذه الدراسات مهمة وضرورية؛ بغية التعرّف على مفهوم التشكيل الأسلوبي عند النقاد، ومناقشة مستوياته في النص القرآني سورة النبأ، وتوضيح دوره في إحياء اللغة العربية وإثرائها.
وقد واجهتني في هذه الدراسة صعوبات تتعلق بقلّة الدراسات الموضوعية عن التشكيل الأسلوبي في النص القرآني، لكنني بالجد والاجتهاد تجاوزتُ ذلك ابتغاء الخروج في هذه الدراسة بصورة تعدّ مفتاحًا لمشروعات ودراسات واسعة، تتناول ذلك في دراسات موضوعية تزيدنا عمقًا وفهمًا لكتاب الله، ولأساليب خطابه واللغة العربية عامة. وقد توصَّلتُ إلى أن التشكيل هو قولَبَة اللغة في قوالب متنوعة، على مستوى الصوت والتركيب والدلالة؛ وفقًا لمقتضى الحال. وقد تنوَّعت البنى الصوتية والتركيبية والدلالية في سورة النبأ تنوّعًا أسهم في إثراء اللغة، وقدَّم المعنى جليًّا.
أرجو أنْ أكون وُفّقت إلى الحق والصواب، وأنْ يكون جهدي لبِنةً صالحة، وبداية لمشروعات كبيرة وكثيرة، تتناول التشكيل الأسلوبي في النص القرآني من جوانب موضوعية؛ لنَنْعَمَ بفهمٍ عميقٍ للخطاب القرآني، الذي يقوم عليه أمرُنا في هذه الحياة، وفي الحياة الآخرة.
النتائج
توصلتُ من خلال هذه الدراسة إلى عدد من النتائج، أهمها:
- التشكيل الأسلوبي عملية مركبة تقوم على قولبة اللغة في قوالب معينة على مستويات متعددة.
- التشكيل الأسلوبي يعني التنويع في الوسائل والطرق والقوالب التي يُقدَّم بها النص.
- تنوَّع التشكيل الأسلوبي في النص القرآني في سورة النبأ فشمل مستويات اللغة المختلفة.
- مستويات التشكيل الأسلوبي في سورة النبأ هي المستوى الصوتي، والتركيبي، والدلالي.
- غلَبتْ البِنْية الاسمية البِنْية الفعلية في سورة النبأ، فأفادت الثبوت في المعنى العام للنص.
- تنوَّعت الصيغ البنائية والتركيبية والأسلوبية في بنية النص في سورة النبأ على مستوى الاسم، والفعل، والجملة، والخبر والإنشاء، وتنوَّعت معها دلالاتها؛ ما أسهم في إثراء لغة النص.
- لعب التشكيل الأسلوبي دورًا بارزًا في إثراء لغة النص القرآني، وتوليد الوسائل التي أدَّى بها المعنى بسلاسة، وبالتالي إحياء اللغة العربية
- مؤلِّف النص، والنص، والمتلقي، عوامل تلعب دورًا بارزًا في تشكيل أسلوب النص.
المقترحات والتوصيات
بناء على هذه النتائج التي توصلتُ إليها في هذه الدراسة نقترح توجيه المزيد من الأبحاث والدراسات الأكاديمية للتعمق في دراسة التشكيل الأسلوبي في النص القرآني دراسات موضوعية، وتخصيص البرامج التعليمية والإذاعية التي تعطي هذا الجانب حقه. ونوصي بالآتي:
- دراسة التشكيل الأسلوبي في القرآن الكريم آيات الترغيب نموذجًا دراسة وصفية تحليلية.
- دراسة التشكيل الأسلوبي في القرآن الكريم آيات الترهيب نموذجًا. دراسة وصفية تحليلية.
- دراسة التشكيل الأسلوبي في القرآن الكريم في آيات الحرب نموذجًا. دراسة وصفية تحليلية.
- دراسة التشكيل الأسلوبي في القرآن الكريم في آيات الحوار نموذجًا. دراسة وصفية تحليلية.
- دراسة التشكيل الأسلوبي في القرآن الكريم في آيات الوصايا الربانية نموذجًا. دراسة وصفية تحليلية.
قائمة المراجع
- القرآن الكريم.
- ابن السراج، محمد بن السري أبو بكر، ت 316ه، الأصول في النحو، تحقيق عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، د. ط، د. ت.
- ابن المعتز، عبد الله بن محمد المعتز بالله ابن المتوكل العباسي، أبو العباس، ت296هـ، البديع في البديع، دار الجيل، ط1، 1410هـ - 1990م.
- ابن الوراق، محمد بن عبد الله بن العباس، ت 381ه، علل النحو، تحقيق محمود الدرويش، مكتبة الرشد، الرياض، السعودية، ط1/ 1999م.
- ابن جني، أبو الفتح بن عثمان، ت 392ه، اللمع في العربية، تحقيق فائز فارس، دار الكتب الثقافية، الكويت، د. ط، د. ت.
- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد ولي الدين الحضرمي الإشبيلي، ت 808ه، تاريخ ابن خلدون، تحقيق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، ط2، 1988م.
- ابن عطية، عبد الحق بن غالب، أبو محمد الأندلسي، ت542ه، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1422ه.
- ابن مالك، محمد بن عبد الله، أبو عبد الله جمال الدين، ت 672ه، شرح التسهيل، تحقيق د. عبد الرحمن السيد، د. محمد بدوي، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 1990.
- ابن منظور، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين، (ت: 711هـ)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط: 3، 1414ه.
- الأخفش الأوسط، أبو الحسن المجاشعي، ت 215ه، معاني القرآن، تحقيق الدكتورة هدى قراعة، مكتبة الخانجي القاهرة، ط1، 1990م.
- بدوي، أحمد زكي، معجم مصطلحات الدراسات الإنسانية، بيروت، دار الكتاب المصري، دار الكتاب اللبناني، د. ط، 1991م.
- تبرماسين، عبدالرحمن، البنية الإيقاعية لقصيدة المعاصرة في الجزائر، القاهرة، دار الفجر، د.ط، 2003م.
- حسن، عباس، ت 1398ه، النحو الوافي، دار المعارف، ط15، د. ت.
- الجاحظ، عمرو بن بحر الكناني، أبو عثمان، ت255هـ، الرسائل الأدبية، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ط2، 1423هـ.
- الجارم، علي، وأمين، مصطفى، النحو الواضح في قواعد اللغة العربية، الدار المصرية السعودية للطباعة والنشر والتوزيع. د. ط، د. ت.
- الحنفي، إبراهيم بن محمد بن عربشاه، عصام الدين (ت: 943هـ)، الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم، حققه وعلق عليه عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
- درويش، أحمد، دراسة الأسلوب بين المعاصرة والتراث، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، د. ط، د. ت.
- درويش، محي الدين بن أحمد، إعراب القرآن وبيانه، ت 1403ه، دار الإرشاد للشؤون الجامعية، حمص، سوريا، دار اليمامة دمشق بيروت، ط4، 1415ه.
- الدعاس، أحمد عبيد، وحميدان، أحمد محمد، والقاسم، إسماعيل محمود، إعراب القرآن الكريم، دار المنير ودار الفارابي، دمشق، ط1، 1425ه.
- الزركشي، محمد بن عبد الله، أبو عبد الله بدر الدين، ت 794ه، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي احلبي وشركائه، ط1، 1957م.
- الزمخشري، محمود بن عمر، أبو القاسم، ت 538ه، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1407ه.
- السامرائي، فاضل صالح، معاني النحو، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2000م.
- السبكي، أحمد بن علي بن عبد الكافي، عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، ت 773ه، تحقيق الدكتور عبد الحميد هنداوي، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2003م.
- السمين الحلبي، أحمد بن يوسف، شهاب الدين أبو العباس، ت 756ه، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق الدكتور أحمد الخراط، دار القلم، دمشق، د. ط، د. ت.
- سيبويه، عمرو بن عثمان بن قنبر، ت 180ه، الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي القاهرة، ط3، 1988م.
- السيرافي، الحسن بن عبد الله، أبو سعيد، ت 368ه، شرح كتاب سيبويه، تحقيق أحمد مهدلي، وعلي سيد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2008م.
- الصابوني، محمد علي، صفوة التفاسير، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 1997م.
- الصعيدي، عبد المتعال، ت 1391ه، بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة، مكتبة الآداب، ط17، 2005م.
- الطبري، محمد بن جرير بن يزيد، ت 310ه، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 2000م.
- العدواني، عبد العظيم بن الواحد، ابن أبي الإصبع، ت654هـ، تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن، تحقيق الدكتور حفني محمد، الجمهورية العربية المتحدة، لجنة إحياء التراث العربي، د. ط، د. ت.
- العف، عبد الخالق، التشكيل الجمالي في الشعر الفلسطيني المعاصر، مطبوعات وزارة الثقافة، فلسطين، ط2، د. ت.
- عتيق، عبدالعزيز، علم المعاني، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط:1، 1430، 2009.
- العيني، محمود بن أحمد بدر الدين، ت 855ه، المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، تحقيق أ. د. علي فاخر، أ. د. أحمد توفيق، د. عبد العزيز فاخر، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، مصر، ط1، 2010م.
- الفراء، يحيى بن زياد بن عبد الله، أبو زكريا الديلمي، ت 207ه. معاني القرآن، تحقيق أحمد النجاتي، ومحمد النجار، وعبد الفتاح الشلبي، دار المصرية للتأليف والترجمة، مصر، ط1، د. ت.
- القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر، أبو عبد الله شمس الدين، ت 671ه، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق أحمد البردوني، إبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1964م.
- المبرد، محمد بن يزيد، أبو العباس، ت 285ه، المقتضب، تحقيق محمد عظيمة، عالم الكتب، بيروت، د. ط، د. ت.
- مصلوح، سعد، في النص الأدبي، دراسة أسلوبية إحصائية، عالم الكتب، القاهرة، ط3، 2002م.
- ناظر الجيش، محمد بن يوسف بن أحمد، محب الدين الحلبي، تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد، ت 778ه، دراسة وتحقيق الدكتور علي فاخر، وآخرون، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، مصر، ط1، 1428ه.
- الهاشمي، أحمد بن إبراهيم، ت 1362ه، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، ضبط وتدقيق الدكتور يوسف الصميلي، المكتبة العصرية، بيروت، د. ط، د. ت.
- الهمذاني، المنتجب، ت 643ه، الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد، حقق نصوصه وخرجه: محمد الفتيح، دار الزمان للنشر والتوزيع، المدينة المنورة، السعودية، ط1، 2006م.
- واليزابيث درو، الشعر كيف نفهمه ونتذوقه، ترجمة الدكتور إبراهيم الشوش، منشورات مكتبة منيمنة، بيروت، ط1، 1961م.
- العلوي، يحيى بن حمزة بن علي، ت 745ه، الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 1423ه.
المجلات والدوريات
- الطرابلسي، محمد الهادي، في مفهوم الإيقاع، حوليات الجامعة التونسية، ع32، تونس.