التحاورية في شعر النقائض

الباحث المراسلد. نور الدين الحاج كلية الاداب و العلوم الانسانية جامعة صفاقس - تونس

Date Of Submission :2024-08-22
Date Of Submission :2024-09-11
Date Of Acception :2024-10-09
Date Of Acception :2024-10-09
Date Of Publication :2024-10-29
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

 

التّحاوريّة في شعر النّقائض

 

 

مقدّمـــة:

     يتعلّق متصوّر "التّحاوريّة" (Dialogisme) الباختيني بسمة تكوينيّة في الخطاب، مادام "كلّ تواصل لفظيّ وكلّ تفاعل لفظيّ يحدث في شكل تبادل للملفوظات، أي في شكل حوار" (Bakhtine, 1981, P. 71). ولا يعني "باختين" بالحوار ههنا دلالته الضيّقة المتداولة، أي التواصل اللفظي المباشر بين متخاطبيْن أو أكثر، بل يقصد به كلّ تبادل لفظيّ أيّا كان شكله. ولذلك وجب تمييز "الحواريّ" (Dialogalالذّي يعني الحوار الخارجيّ من "التّحاوريّ" (Dialogiqueالذّي يفيد كلّ حوار داخليّ بين عديد الملفوظات في درَج ملفوظ واحد. وهو ما يجعل صوت المتلفّظ مسكونا بأصوات أخر، مختلفة مشاربُها، متعدّدة منابتها، تكون واضحة جليّة حينا، ملتبسة خفيّة حينا آخر، فإذا هو موسوم بأصدائها موشوم بآثارها (Détris, 2001, p. 84). 

     وليست التّحاوريّة، في نظر "باختين"، سمة طارئة على الخطاب دخيلة، وإنّما هي فيه حقيقة جوهريّة أصيلة لأنّ "التّوجيه الحواريّ، بطبيعة الحال، ظاهرة مميّزة لكل خطاب. إنّها الغاية الطبيعيّة لكلّ خطاب حيّ. فالخطاب يلتقي بخطاب الآخر في جميع الطّرق المؤدّية إلى موضوعه، وليس بمستطاعه تجنّب إقامة تفاعل حيّ ونشط معه" (Bakhtine, op. cit., 98).  

     ولهذا التفاعل طبيعة مزدوجة محكومة بنمطين من العلاقات: فقد يكون التفاعل تناصيّا، أي تحاوريّة بينخطابيّة (Interdiscurciveحين يتفاعل ملفوظ مّا مع ملفوظات أخرى سابقة يشترك معها في الموضوع نفسه. وقد يكون التفاعل أيضا تحاوريّة بين المتخاطبين (Interlocutive). فحين يتوجّه المتلفّظ بخطابه إلى مرسل إليه سواء أكان حقيقيّا أم افتراضيّا، يكون واقعا تحت تأثير ما يتوقّعه منه من فهم ومن ردود، بما أنّ كلّ ملفوظ يستدعي إجابةويستوجب فهما. ومعنى ذلك أنّ الخطاب لا يتفاعل مع ما قيل فحسب، بل يتفاعل أيضا مع ما يمكن أن يقال، أي مع ما يتوقّعه المتلفّظ من ردود المرسل إليه (Détris, op. cit., 84). وعلى هذا الأساس، عرّف "معجم تحليل الخطاب" التّحاوريّة بأنّها "تحيل على ما لكل ملفوظ من علاقات مع الملفوظات المنجزة سابقا، وكذلك مع الملفوظات الآتية التّي يمكن أن ينتجها المرسل إليهم" (م. ن، ص: 170)

     ولعلّ هذه الازدواجيّة التّحاوريّة أن تكون من أقوم المسالك إلى تدبّر شعر النّقائض لأننا نقدّر أنّ النقيضة قصيدة تحاوريّة بامتياز، إذ هي محكومة بهذه الازدواجيّة التّفاعليّة إن في تكوينها وإن في تأويلها. وهذا ما سنسعى إلى الاستدلال عليه في هذا البحث.

النّقائض بين تحاوريّة الخطابات وتحاوريّة المتخاطِبين:

       جاء في لسان العرب: "النّقض: إفساد ما أبرمتَ من عَقد أو بناء، وفي الصّحاح: النّقض نقضُ البناء والحبل والعهد [...] والنّقض اسم البناء المنقوض إذا هُدم. وفي حديث صوم التّطوّع: فناقضني وناقضته، هي مفاعلة من نقض البناء وهو هدمه، أي ينقض قولي وأنقض قوله، أراد به المراجعةَ والمرادّة [...] والنّقض ما نُكث من الأخبية والأكسية فغُزل ثانية" (ابن منظور، 2000، مادة [نقض]، ص، ص: 339، 340). وما يستفاد من هذه التعريفات اللّغويّة لفعل النّقض أنّ مداره على ثلاثة معان رئيسيّة هي التّقويض والمحاورة وإعادة البناء (م. ن.، مادة [رجع]، ص: 107). ولا تتحقّق هذه المعاني جميعها إلاّ عبر تفاعل طرفين متناقضين متعاندين، ولكنّهما متلازمان متساندان، إذ لا وجود لأحدهما إلاّ بالآخر. وهذا ما أبان عنه التّهانويّ في كشّافه لمّا عرّف النّقيضين بأنّهما "الأمران المتخالفان بالذّات، أي الأمران اللّذان يتمانعان ويتدافعان بحيث يقتضي لذاته تحقّق أحدهما في نفس الأمر انتفاء الآخر وبالعكس كالإيجاب والسّلب" (التهانوي، 1996، مادة [النقيض]، ص: 1726). 

       وأمّا اصطلاحا، فالنّقيضة "قصيدة يردّ بها شاعر على قصيدة لخصم له فينقض معانيَها عليه: يقلب فخرَ خصمه هجاء وينسبُ الفخر الصّحيح إلى نفسه هو، وتكون النّقيضة عادة من بحر قصيدة الخصم وعلى رويّها" (فرّوخ،1981، ص: 361). ويتضمّن هذا التّعريف الاصطلاحيّ للنّقيضة المعانيَ الرئيسيّة الثلاثة التّي كنّا استصفيناها من التّعريفات اللغويّة لفعل النّقض. فالنّقيضة محاورة بين شاعرين يسعى فيها الثاني إلى تقويض قصيدة الأوّل ليعيد بناءها عبر قلب أغراضها مع الحفاظ على إطارها العروضيّ من بحر ورويّ. وقد ذهب شوقي ضيف إلى أنّ الشّاعر يردّ على قصيدة خصمه "معنى معنى وفكرة فكرة" (ضيف، [د. ت]، ص: 198). على أنّ النّاظر في النّقائض يلحظ أنّها ليست على الصّورة التّي وصفها ضيف، فهي لا تنهض على هذا النّظام التّناظريّ الدّقيق، وإنّما الثّابت فيها قلب الفخر هجاء والهجاء فخرا دون أن يلزم الشّاعر النّاقض نظام قصيدة خصمه، ودون أن يردّ على جميع المعاني الواردة فيها[1].

     وإذا كان الأمر على هذه الجملة، فإنّ النّقيضة لا تنقدح شرارتها إلاّ عبر محاورة الآخر ومراجعته، أي عبر هذا التّفاعل الخلاّق بين الإعدام والإبرام، بين الهدم وإعادة الإنشاء، بين النّكث والغزل ثانية. وهو ما يجعلها غير مستقيمة بذاتها، غير متحقّقة بنفسها، إذ لا وجود لها إلاّ بضدّها، فعلى أنقاضه تقيم دعائمها وبنسيجه المنكوث تُحكم خطابها، وإذا هي معجونة بطينته، مأهولة بأصدائه. وذاك، فيما نقدّر، حكم نقيضها لا على سبيل التّحقّق، بل على سبيل التّوقّع. فالشّاعر الأوّل ينشئ قصيدته مستحضرا ما يمكن أن يردّ به الآخر عليه لأنّ "كلّ رسالة، على مستوى الفعل اللفظي، هي ردّ فعل لسانيّ على ردّ فعل لساني" (Jacques, 1979, P : 207 )، أي  إنّ العلاقة بين الملفوظين الأوّل والثاني ليست مجرّد علاقة ذات اتجاه واحد ارتجاعي، وإنّما هي أيضا علاقة تحاوريّة استشرافيّة. ولذلك أكّد "فرانسيس جاك" ضرورة الأخذ بعين الاعتبار هذه "الدّورانيّة" (Circularité) التّي تحكم الخطاب للنّظر في كيفيّة تأثير ردّ الفعل الافتراضيّ والمنتظر في سلوك المتلفّظ اللسانيّ (م. ن.، الصفحة نفسها)

     ولمّا كانت النّقائض قائمة على تفاعلات تناصيّة شتّى مختلفة أشكالها، متنوّعة أنماطها، فإنّ النقّاد العرب القدامى قد عرضوا لهذا الفنّ الشّعريّ في سياق تدبّرهم مسألة السّرقات، وإن لم يفصّلوا القول في استقصاء لطائفه ولم يتبسّطوا في استجلاء رقائقه1. فقد اكتفى ابن رشيق (تـ 456 هـ) بالتّعليق على نقائض جرير (تـ 114 هـ) والفرزدق (تـ 114 هـ) بقوله: "وكانا يتقارضان الهجاء، ويعكس كلّ واحد منهما المعنى على صاحبه، وليس ذلك عيبا في المناقضات" (ابن رشيق، 1981، ج. 2، ص: 284). وكأنّنا بابن رشيق ينفي أن تشمل السّرقات شعر النّقائض مبرّئا أصحابها من هذه التّهمة وإن أقرّ بأنّ النّقيضة تتأسّس على ما عدّه هو نفسه ضربا من السّرقة، واصطلح عليه بـ"العكس" (م. ن، ص: 289)، ووسمه غيره بـ"الهدم"1. ولعلّ مرجع هذا الموقف إلى أنّ الشّاعر النّاقض مضطرّ إلى انتجاع قصيدة خصمه، مجبر على النّظر إلى معانيها حتّى يستتبّ له فعل النّقض تقويضا وإعادة بناء، وهو ما يجعل احتذاءه سافرا مكشوفا، إذ ليس بمستطاعه إخفاؤه وتدليسه. 

     ولم يذهب ابن الأثير هذا المذهب لمّا أشار إلى أنّ "النّسخ"، وهو ضرب من السّرق الذّي "لا يكون إلاّ في أخذ المعنى واللفظ جميعا"، ظاهرة شائعة في النّقائض (ابن الأثير، 1962، ص: 230). فـ"قد أكثر الفرزدق وجرير من هذا في شعرهما، فمنه ما وردا فيه مورد امرئ القيس وطرفة في تخالفهما في لفظة واحدة كقول الفرزدق:

أَتعْدلُ أحْسابا لِئامًا حُماتُها   بأَحْسابِنا إنّي إلى اللهِ راجِعُ

وكقول جرير:

أَتعْدلُ أحْسابا كِرامًا حُماتُها   بأَحْسابِكم إنّي إلى اللهِ راجِعُ

ومنه ما تساوَيا فيه لفظا بلفْظ كقول الفرزدق:

          وغُرٍّ  قدْ  نَسَقْتُ  مُشَمِّــــراتٍ      طَوالِعَ  لا  تُطيقُ  لها جَوابــا

                            بكـــلِّ   ثَنيَّةٍ  وبكُلِّ   ثَغْـــــرٍ     غَــــرائبُهُنَّ  تَنِتَسبُ انْتِسابـــا

          بَلَغْنَ الشّمْسَ حينَ تكونُ شرْقا   ومَسْقطَ رأْسِها مِنْ حيْثُ غابَــا

وبذلك قال جرير من غير أن يزيد" (ابن الأثير، م. م.، ص، ص: 230، 231).

         لقد أنكر ابن الأثير أن يكون الأمر مجرّد توارد خواطر ومحض "وقع حافر على حافر" لأنّ الاتفاق قد يكون في المعاني المشتركة الرّائجة، أما الاتفاق في المعنى واللفظ جميعا فدليل ساطع على الانتحال وبرهان قاطع على الاجتلاب، لاسيما إذا ما كان الشّاعران متعاصرين: "ويقال إنّ الفرزدق وجريرا كانا ينطقان في بعض الأحوال عن ضمير واحد، وهذا عندي مستبعد، لأنّ ظاهر الأمر يدلّ على خلافه، والباطن لا يعلمه إلاّ الله تعالى، وإلاّ فإذا رأينا شاعرا متقدّم الزّمان قد قال قولا، ثمّ سمعناه من شاعر أتى من بعده علمنا بشهادة الحال أنّه أخذه منه. وهبْ أنّ الخواطر تتّفق في استخراج المعاني الظّاهرة المتداولة، فكيف تتّفق الألسنة أيضا في صوغها الألفاظ" (ابن الأثير، م. م.، ص: 232).   

     إنّ من المعاني الهجائيّة التّي تكاد تكون رائجة في نقائض جرير والفرزدق اتهام كليهما خصمه بالسّرقة والانتحال، كقول جرير (أورده ابن رشيق، م. م.، ص: 283). [من الوافر]

سَتَعْلمُ مَن يَكونُ أبوهُ قَيْنًا  ومن كانتْ قصائدُهُ اجْتِلابَا 

ولكن، يبدو أنّ ظاهرة أخذ المعنى بلفظه في النّقائض قد أحرجت أنصار الفرزدق وجرير، فأوجدوا لها تخريجا يجافي المنطق وينافي العقل لمّا ردّوها إلى توارد الخواطر. 

    ومهما يكن من أمر اختلاف المواقف في توصيف هذه الظّاهرة، فإنّ شعر النّقائض حقل خصب للتّفاعلات التّناصيّة. وهي تفاعلات قريبة المأخذ، مكشوفة للعيان، "لا تخفى على الجاهل المغفل" (م. ن.، ص: 280)، ولا تحتاج بصيرة حاذق بالشّعر ولا بيان. ولكن، إذا ما كان عكس المعنى وقلبه: (لئاما  كراما/ بأحسابكم  بأحسابنا)، أمرا مبرّرا، بل لا مناص منه في النّقائض لأنّه أساسها الذّي لا تستقيم إلاّ به، فبم نعلّل نسخ الشّاعر أبيات خصمه معنى ولفظا وصرفها إليه دون زيادة، والحال أنّ سرقته موصوفة مكشوفة، لا طاقة له على إخفائها ما دام لا ينقض إلاّ شعر من يعاصره زمانا ويجاوره مكانا؟ وهل تدخل هذه السّرقة في باب الاجتلاب والاستلحاق على جهة المثل والاستشهاد، أم هي أدخل في جدول الانتحال على سبيل ادعاء شعر الغير، أم تنخرط في سلك الإغارة والغصب غلبةً وسطوةً؟

     لم يطرق عبد القادر بقشى باب هذه المسألة حين عقد مقارنة بين المعارضة والنّقيضة. ولعلّ مردّ ذلك إلى أنّه لم يتدبّر النّقيضة من جهة كونها علاقة تناصيّة (Intertextuel)، أي "حضورا فعليّا لنصّ في آخر" (Genette, 1982, P : 8)، بل بوصفها علاقة اشتقاق تندرج في جدول ما اصطلح عليه "جينات"  بـ"النصيّة النّاسخة" (Hypertextualitéالتّي تعني كلّ علاقة تؤلّف بين نصّ (أ) هو "النص النّاسخ" (Hypretexte) ونص (ب) هو النصّ المصدر (Hypotexteعلى سبيل التّطعيم لا التّعليق (م. ن.، ص: 13).

      أشار بقشى إلى أنّ المعارضة والنّقيضة تتضارعان من جهة دلالتيهما اللّغويّة والاصطلاحيّة. "فهما معا يؤدّيان (كذا) معنى المباراة والمخالفة، وإن كانت المعارضة تبدو أكثر شمولا من حيث دلالتها على الاحتذاء والنّقض معا. كما أنّهما يشتركان (كذا) في كونهما انعكاسا لأثر سابق عليهما يتّحدان معه في الوزن والقافية والموضوع" (بقشي، 2007، ص: 72). بيد أنّهما تتمايزان من جهة الغاية المعقودة على كليهما. "فالشاعر في نقيضته همّه أن يفسد على الشّاعر الأوّل معانيه، فيردّها عليه" (م. ن.، ص: 73) بقلب الفخر هجاء والهجاء فخرا لتبكيته وإفحامه. أمّا المعارض، فـ"يقف من صاحبه موقف المقلّد المعجب أو المعترف ببراعته الفنيّة" (م. ن.، ص. نفسها) ويتجلّى الفرق الجوهريّ الثاني "في أنّ النّقيضة لا تكون إلاّ آنيّة: بمعنى أنّها تقتضي من الشّاعرين المتناقضين أن يكونا متعاصرين حيث (كذا) يسمع الواحد منهما للآخر ثمّ يردّ عليه. أمّا المعارضة فبقدر ما تكون آنيّة تكون زمانيّة: بمعنى أنّها تكون بين شاعرين متعاصرين أوغير متعاصرين" (م. ن.، ص. نفسها). وانتهى إلى أنّ "النّقيضة ذات وظيفة هجائيّة، فيما المعارضة تجسّد وظيفة فنيّة لا هجائيّة" (م. ن.، ص: 74). ولئن كان المعارض يقرّ بسلطة النّموذج الفنّي الذّي يحاكيه، فإنّ "شاعر النّقيضة في برنامجه الحواري لا يهادن محاوره، ولا يعترف بسلطته الفنيّة" (م. ن.، ص. نفسها).

     تحتاج هذه المقارنة، على قيمتها، إلى مراجعة وتدقيق، إذ نلاحظ بدءا أنّ صاحبها قد رادف بين النّقيضة والمصطلح الفرنسي (Parodie)1، ويبدو أنّه احتذى في ذلك محمّد مفتاح الذّي جعل مصطلح "المعارضة السّاخرة" عديل النّقيضة في سياق الموازنة التّي أقامها بين المفاهيم الغربيّة المتّصلة بمسألة التّناص والمفاهيم العربيّة القديمة المتعلّقة بمبحث السّرقات (مفتاح، 1986، ص، ص: 121، 122). على أنّ هذه المرادفة بين المصطلحين تفتقر إلى الوجاهة متى علمنا أنّ المحمول الدّلالي لمصطلح "المحاكاة السّاخرة"، وهي التّرجمة الرّائجة لـ"Parodie " مختلف عمّا حدّدناه للنّقيضة من دلالات1. فقد عرّف "جينات" المحاكاة السّاخرة بأنّها تحوير للموضوع مع الحفاظ على الأسلوب وتطبيقه على موضوع وضيع (Genette, op.cit., P : 35 ). وليس هذا حكم النقيضة لأنّها، وإن تأسّست على القلب الغرضي، تحافظ على المواضيع الرّفيعة التّي عليها مدار الشّعر العربيّ القديم من طلل ونسيب وفخر وهجاء ورثاء ومدح وغيرها. ويبدو أنّ ما تشتمل عليه النّقائض من سخرية لاذعة وهجاء فاحش هو الذّي قيّض لعبد القادر بقشى ومحمّد مفتاح مرادفتها بالمحاكاة السّاخرة. على أنّ السّخريّة في النّقائض ليست موجّهة إلى موضوع يُعدّ رفيعا كما هو شأن المحاكاة السّاخرة، وإنّما السّخرية فيها من الخصم للظهور عليه ولتشويهه وإخماد ذكره. وإذا ما كانت الغاية التّي إليها تجري المحاكاة السّاخرة نزع القداسة عن موضوع رفيع سائد لتقويضه وتجاوزه، فإنّ النّقيضة لا تصدر عن هذا الموقف النّقديّ ما دامت تكرّس المواضيع السّائدة ولا تزول عن النّهج المعروف والسَّنن المألوف.

     ويتجلّى الفرق بين النّقيضة والمعارضة، حسب بقشى، في كون الأولى "ذات وظيفة هجائيّة"، في حين تنهض الثّانية بـ"وظيفة فنيّة لا هجائيّة"، فـ" شاعر النّقيضة في برنامجه الحواري لا يهادن محاوره، ولا يعترف بسلطته الفنيّة". ولسنا ندري الأساس الذّي أقام عليه هذه المقابلة بين الوظيفتين، فهل يعني ذلك أنّ النّقيضة عارية من الوظيفة الفنيّة، والحال أنّ الهجاء فنّ شعريّ عريق تعاوره الفحول وخاض فيه المبرّزون في الشّعر، والحال أيضا أنّ أقطاب المعارضات يتبوّؤون بين شعراء عصرهم أعلى الطبقات وأسنى المراتب2؟ وهل أنّ النّاقض "في برنامجه الحواريّ" لا يعترف حقّا بسلطة خصمه الفنيّة؟

     قد يسعفنا خبر من الأغاني على تمهيد السّبيل إلى تمحيص هذه المسألة واستقصائها. ومفاد هذا الخبر أنّ بشّار بن برد كان يقول: "هجوتُ جريرا فأعرض عنّي واستصغرني، ولو أجابني لكنت أشعر النّاس" (الإصفهاني، 213، المجلد 3، ص: 99). لم يهج بشار جريرا لإحَن بينهما وضغائن، وإنّما طمعا في ردّ جرير عليه لأنّ في إجابته إجازةً له واعترافا بشاعريّته وإقرارا بأنّه ندّ له ونظير وبأنّه أهل لمباراة الفحول ومجاراتهم ومحاورتهم. "وارجع إلى أخبار الشّاعرين (جرير والفرزدق) تجدهما غير متحاقدين ولا متخاصمين، بل متصادقين متوادّين" (م. ن.، ص: 99). فممّا جاء في هذه الأخبار أنّ جريرا شفع للفرزدق لدى هشام بن الوليد (م. ن.، المجلّد 21، ص، ص: 266، 267)،) ورثاه بعد موته وبكاه أحرّ بكاء وأنّ الفرزدق أثنى على شعر جرير (م. ن.، المجلد 8، ص: 10) وانتصر له على خصومه (م. ن.، ص: 57).

     إنّه من الحيف اختزال النّقائض فيما تضمّنته من فاحش المهاجاة وساخر الملاحاة، ومن الحيف أيضا قصر أسباب نشأتها على العصبيّة القبليّة التّي أثار نعراتها بنو أميّة، ففرّقوا بين القبائل وحرّشوا بين الشّعراء لتدعيم أركان سلطانهم (النص، 1973، ص: 268). قد يكون لعودة هذا المكبوت دور في نشأة النّقائض، فهي تعجّ بالفخر القبليّ والتّغنّي برفعة الأنساب واستحضار الأيام والوقائع، وتحفل بهجاء قبائل الخصوم والتّشهير بها. لكنّنا نستبعد أن يكون إحياء العصبيّات القبليّة السّبب المحدّد في نشأة النّقائض، لا لأنّ الفرزدق وجريرا كانا من قبيلة واحدة هي تميم فحسب، بل أيضا لأنّ هذا الفنّ قد اشتدّ عوده واكتملت أركانه في القرن الثاني دون أن يكون له شأن يذكر في الجاهليّة زمن استعار العصبيّات واضطرام التّناحر بين القبائل. 

     يشير شوقي ضيف إلى سبب آخر أسهم في نشأة النّقائض وسمه بـ"العامل العقلي"، ويعني به "المحاورات والمناقشات التي كانت تدور بالبصرة في كلّ مكان ولاسيما في المساجد" (ضيف، م. م. ص: 185). وقضى، على هذا الأساس، بأنّ النّقائض "لم تعد مسألة أهاج فحسب، بل أصبحت مسألة مناظرات ومناقشات ومجادلات" (م. ن.، ص: 188). ولمّا كان من شروط المناظرة مبدأ التّكافؤ بين المتناظريْن (العيادي، 2014، ص: 46)؛ إذ "يقال: ناظرت فلانا أي صرت له نظيرا له في المخاطبة" (ابن منظور، مادة [نظر]، ص. 293)، وكانت المناقضة رديفة المناظرة (العيادي، م. م.، ص: 36)، استوجبت مثلها شرط التّكافؤ بين الشّاعر وخصمه. فلا عجب أن أعرض جرير عن الردّ على بشار، إذ لم يكن له كفؤا ليحاوره وعديلا ليناقضه. ولا عجب أيضا أن ارتبطت النّقائض بثلاثة شعراء من طبقة واحدة "اختلف النّاس فيهم أشدّ الاختلاف وأكثره" (الجمحي، م. م.، ص: 299).

     ومعنى ذلك أنّ الشّاعر، وإن لجّ في هجاء خصمه أقذع هجاء وأوجعه، يقرّ له ضمنيّا برسوخ قدمه في نظم القريض وبأنّه معه على جادّة واحدة. ولعلّ هذا أن يبرّر دعوة الفرزدق جريرا إلى نقض قصيدته والردّ عليها: [من الطويل]

فَدُونَكَ هَذي فانْتَقِضْها فإنَّها  شَديدٌ قُوَى أَمْراسِها ومَواصِلُهْ 

(جرير والفرزدق، م. م.، ص: 781)لا شكّ في أنّ هذا الإنشاء الطّلبيّ البلاغيّ يؤدّي معاني التحدّي والتّعجيز والفخر بإحسان سبك القصيدة وإحكام بنائها، ولكنّه يضمر تحريشا وإغراء ويبطن استدراجا إلى نقض القصيدة ومحاورتها لأنّ في ذلك اعترافا بجودتها وإقرارا بأنّ صاحبها ندّ لخصمه ونظير. 

     ولئن كانت المناقضة آنيّة "تتّجه بالخطاب رأسا إلى صاحب القصيدة" (الطرابلسي، 2010، ص: 143)، خلافا للمعارضة التّي تكون "بين طرفين متباعدين في الزّمن" ويكون المخاطَبُ فيها القارئ مطلقا (م. ن.، ص. نفسها)، فإنّهما تشتركان في كونهما "كتابة من درجة ثانية" يجاري فيها الثّاني الأوّلَ ويصبّ على قوالبه. ولذلك ذهب محمّد الهادي الطرابلسي إلى أنّ الفرق بينهما لم يكن واضحا في طور من تاريخ الأدب العربي في القديم (م. ن.، ص. نفسها). ولم يتحدّ الفرزدق جريرا إلاّ لإغرائه باحتذائه ومفاوضته لأنّ النّاقض، وإن هفا إلى إخماد ذكر خصمه وكتم صوته ولجم هديره، لا مناص له من إحيائه والجري برياحه. ولمّا كان الانتهاء "قاعدة القصيدة، وآخر ما يبقى منها في الأسماع" (ابن رشيق، ج.1، م. م.، ص: 239)، ختم الفرزدق قصيدته بهذا التّحدّي. وكأنّ "ما يبقى منها" هذا النّداء، نداء الخصم ليلتفت إليها ويردّ عليها، إذ "ليس هناك أشدّ رعبا من غياب الردّ" (Bakhtine, op. cit., P : 171) لأنّه يعني موت القصيدة في عزلتها الصّامتة واندثارها في وحدتها السّاكنة. أمّا نقضها ومحاورتها فاعتراف ضمني بجودتها وإدراج لها في حركة التّاريخ وسيرورة الإبداع. ففي نقيضتها يظلّ عرقها نابضا، وفي شقوقها تبقى أصداؤها صادحة تطاول البلى وتصاول الفناء.

   يُشير صاحب مقال "نقائض" في "موسوعة الإسلام" إلى أنّه "غالبا ما تعاود قوافي القصيدة الأولى الظّهور في القصيدة الثّانية، ولكن ليس على سبيل التّوازي" (Gelder, 1961, P : 921  ). فحين   نقض جرير قصيدة الفرزدق بقصيدته التّي مطلعها (جرير والفرزدق، م. م.، ص: 781): [من الطويل]

أَلَمْ تَرَ أنّ البَهْلَ أقْصَرَ باطِلُهْ    وأَمْسَى عَماء قَدْ تَجلّتْ مَخايِلُهْ 

 استرفد ما يناهز نصف قوافي1 قصيدة خصمه في إنشائها. ولسنا ننكر أنّ قيد وحدة الوزن والرّويّ يضيّق على الشّاعر النّاقض مجال اختيار القوافي فيضطرّ إلى انتجاع قوافي خصمه. ولكن، سواء أ كان هذا الاسترفاد اختيارا أم اضطرارا، فإنّ أصداء صوت الأوّل يظل يتردّد بقوّة في مطاوي الصّوت الثّاني في مواضع موسومة تركيبيّا وإيقاعيّا، فعلى المقاطع تُبنى أبيات القصيدة وفيها تتحقّق الوقفتان الوزنيّة والدّلاليّة. وهذا ما يجعل السّامع يستحضر القصيدة التّي سعى الشّاعر إلى نقضها ونكثها معيدا توزيع قوافيها توزيعا جديدا محافظا على سياقها الأول، أو مدرجا إيّاها في سياق جديد. فالقافية "وابله" في بيت جرير (م. ن.، ص: 790): [من الطويل]

ونَحنُ صَبَحْنا الموْتَ بِشْرًا ورَهْطَهُ    صُراحًا وجادَ ابْنيْ هُجَيْمَةَ وابِلُهْ 

استعارة مجراة في سياق فخري، لاذ بها الشّاعر للمبالغة في بيان شجاعة قومه وبأسهم وشدّة فتكهم بالأعداء. وهي تستدعي الصّورة عينها ودلالاتها الفخريّة نفسها في مقطع بيت الفرزدق (م. ن.، ص: 787): [من الطويل]

وقالوا لِعِبادٍ أَغِثْنا وقدْ رَأَوْا   شَآبيبَ مَوْتٍ يُقْطِرُ السّمَّ وابِلُهْ 

وقد يتّخذ هذا التّناص الجدوليّ (Paradigmatiqueشكلا آخر حين يُجري الشّاعر في سياق جديد قافية استخدمها خصمه، كقول جرير (م. ن.، ص: 782):

فَلمّا الْتَقى الحَيّانِ اُلْقِيَتِ العَصى    وماتَ الهَوى لمّا اُصيبَتْ مَقاتِلُهْ

فالقافية في هذا البيت متعلّقة بمعنى غزلي اجتناه جرير من جميل بثينة1، ولكنّها في بيت الفرزدق مجراة في سياق هجائيّ (م. ن.، ص: 775):

عَجبْتُ لِراعي الضّانِ في خُطَميّةٍ   وفي الدّرْعِ عَبْدٌ قَدْ اُصيبَتْ مَقاتِلُهْ

ورغم هذا التّحويل الغرضيّ (من الهجاء إلى النّسيب)، وهذا التّحوير البلاغي (من الحقيقة إلى المجاز)، فإنّ القافيتين تتصاديان وتتناديان لاسيما أنّهما متعلّقتان توزيعيّا بالفعل نفسه: "أُصيبت". وهو ما يؤكّد ما ذهبت إليه "كريستيفا" (Kristeva) حين أشارت إلى أنّ النصّ الشّعريّ "يتشكّل داخل الحركة المعقّدة لإثبات ونفي متزامنين لنصّ آخر" (Kristeva, 1969, P : 196 ).

     وقد يعضد التّناصَّ الجدوليّ في مستوى اختيار القافية تناصٌّ تركيبيّ في مستوى محور التّأليف (Axe de combinaisonليتأكّد ما بين القصيدتين من تحاور وتفاعل. ومثال ذلك قول جرير (أبو تمام، م. م.، ص: 68): [من الكامل]

يَا لَيْتَ شِعْري يَوْمَ دارةِ صُلْصُلٍ    أتٌريدُ صرْمِي أمِ تُريدُ دَلالاَ 

وهو بيت يستدعي بيتا للأخطل (تـ 92 هـ) ورد في القصيدة المنقوضة: [من الكامل]

أهِيَ الصّريمةُ مِنكِ اُمَّ مُحلَّمٍ   أمْ ذا الدّلالُ فطالَ ذاكَ دَلالاَ 

إنّ العلاقة التّناصيّة بين البيتين ظاهرة جليّة، إن من جهة محاكاة التّركيب الاستفهامي (أ...أمْ)، وإن من جهة التّماثل المعجميّ (صريمة/ صرمي، دلالا/ دلالا). وهذه المضارعة في مستوى محوري التّأليف والاختيار جعلت البيتين يؤدّيان معنى واحدا مداره على عتاب المحبوبة واستعطافها. 

     والمتأمّل في البيتين يلحظ أنّهما ينظران إلي بيتي امرئ القيس (القرشي، ص – ص: 156- 160): [من الطويل]

أَلاَ رُبَّ يَوْمٍ لي مِنْ البِيضِ صالِحٍ    ولا سيَما يَوْمٌ بِدارةِ جٌلْجُلِ 

[...]

أفاطمُ مَهْلاً بعضَ هذا التّدلُّلِ   وإنْ كُنْتِ قدْ أَزْمَعْتِ صرْمي فأَجْمِلِي

 ويجلو هذا التّوارد بينها طبيعة حركة الإنشاء الشّعريّ بوصفها حركة أساسها التّحاور وعمادها التّفاعل. إنّها ترسّبات متراكمة متتالية في الزّمن ناشئة عن هذا الجدل بين النّفي والإثبات وبين المحو وإعادة الكتابة. وبين هذا وذاك تتصادى الأصوات المتعدّدة في البيت الواحد وتتنادى ممّا يستوجب "طريقة قراءة جديدة تفجّر خطيّة النصّ" (Jenny, 1976, p : 266).

     وعلى هذا الأساس وسم "جيرار جينيت" (G. Genetteكتابه الذّي تدبّر فيه أشكال العلاقات بين النّصوص وأنماطها بـ"طروس" (Palimpsestes). فالطّرس الصّحيفة "التّي مُحيت ثمّ كُتبت" (ابن منظور، م. م.، مادة [طرس]، ص. 104). ولذلك فهو "مهيّأ بامتياز للقيام بالعمليّة الجينيالوجيّة (La démarche généalogique لأنّه يحتفظ بالكتابات التّي تبدو وقد امّحت من أجل أن تترك مكانا للكتابات الجديدة، فيخلف ذلك ترسّبات مستمرّة" (غروس، 2012، ص: 177). وتبدو النّقيضة الشّكل الأمثل للطّرس بوصفها قولا يسعى إلى طمس صوت الخصم ومحوه، ولكنّه يُبقي على آثاره قائمة وعلى أصدائه صادحة لأنّ النّقيضة "في كثير من الأحيان تعيد نفس عناصر (كذا) نسيجها (قصيدة الخصم) في شكل نسيج آخر" (البحري، 1992، ص: 92).

     ولعلّ المثال الطّرازيّ على ذلك هذان البيتان الشّهيران:

قال الفرزدق (ابن مثنى، [د. ت]، ص: 182): [من الكامل]

إنَّ الذّي سَمَكَ السّماءَ بنَى لَنا   بَيْتًا دَعائمُهُ اَعَزُّ وأَطْوَلُ 

فقال جرير (م. ن.، ص: 213): [من الكامل]

أَخْزَى الذّي سَمَكَ السّماءَ مُجاشِعًا    وبَنَى بِناءَكَ في الحَضيضِ الأَسْفَلِ 

يتحقّق في هذين البيتين بدقّة متناهية المعنى اللّغوي لفعل النّقض الذّي يعني "ما نُكث من الأخبية والأكسية فغزل ثانية" (ابن منظور، مادة [نقض]، ص:340).  فقد عمد جرير إلى تقويض بيت الفرزدق ونقض نسيجه ليعيد إبرامه وإحكامه من جديد. فمن لحمته وسداه قُدّ بيت جرير ونُسج، إن بتكرار ألفاظه وتراكيبه (بنى  بنى/ سمك السّماء  سمك السّماء)، وإن باستبدال بعض الألفاظ بنقيضها (أعزّ وأطول  الحضيض الأسفل). وعلى هذا النّحو تشرّب بيت جرير بيت الفرزدق وأثبته وإن قلب ما فيه من فخر إلى هجاء. وهو ما يعني أنّ النّقض ليس إلغاء وإقصاء، وإنما هو في جوهره تحاور وتفاعل وتوليد للاّحق من السّابق، إذ أنّ جريرا لم ينشئ بيته على أنقاض بيت جرير، بل بناه بأنقاضه وشيّده بأركانه.  ولمّا كان "الحوار بين النّصوص لا يكون فقط متّجها من النصّ المصدر (L’hypotexteإلى النصّ النّاسخ (L’hypertexte)، بل يُحدث أيضا عودة النصّ النّاسخ على النصّ المصدر" (م. ن.، ص. نفسها)، ساغ النّظر إلى بيت الفرزدق بوصفه أيضا نقضا لبيت جرير لأنّ العلاقة التّحاوريّة بينهما ليست أفقيّة ذات اتجاه واحد، وإنّما هي دائريّة يرتدّ فيها اللاحق على السّابق.

     بيد أنّ السابق ههنا لا يقتصر على بيت الفرزدق، فهو ينظر بدوره إلى بيت لبيد (أورده ستيتكيفيتش، 2004، ص: 97): [من الكامل]

فَبَنى لَنا بيْتا رفيعًا سَمكُهُ  فَسَما إليْهِ كَهْلُها وغُلامُها 

إنّ التماثل بين البيتين الفخريين ظاهر جليّ إن في الاختيارات العروضيّة (بحر الكامل)، وإن في الاختيارات التركيبيّة والمعجميّة (بنى لنا بيتا/ بنى لنا بيتا - سمَكه فسما/ سمك السّماء)، وهي اختيارات ميّزت أيضا بيت جرير. ومفاد ذلك أنّ العلاقة التحاوريّة ههنا لا تنحصر بين جرير والفرزدق، بل يتّسع شعاعها لتشمل شاعرا مخضرما هو لبيد. فلئن احتذي الفرزدق بيت لبيد واسترفده، فإنّ بيت جرير يستدعي البيتين كليهما ويجري برياحيهما معا، وإن قلب غرضيهما وخرج بهما من الفخر إلى الهجاء.   

     لقد هجا جرير خصمه بألفاظه وشنّع عليه بتراكيبه وصوره. وهذا، في تقديرنا، ما قصد إليه جرير بقوله (جرير والفرزدق، م. م.، ص: 812):

إذا صَقَلوا سَيْفًا ضَرَبْنا بِنصْلِه   وعادَ إلَيْنا جَفْنُهُ وحَمائلًهْ

  شرح مُحقّقا نقائض جرير والفرزدق هذا البيت بقولهما: "يقول هم قيون، فإذا صقلوا السّيوف، ضربنا بها، وصارت جفونها إلينا" (م. ن.، ص. نفسها). ولسنا نماري في أنّ ظاهر معنى البيت يناسب هذا الشّرح لاسيما أنّ تعيير جرير خصمه بمهنة الحدادة التّي كان يمارسها قومه من المعاني الرّائجة جدا في أهاجي جرير للفرزدق1. ولكنّنا نرى في البيت دلالات أخر ذات وظيفة ميتاشعريّة أدّتها استعارة تمثيليّة تجسّم طبيعة العلاقة التّحاوريّة القائمة بين النّقيضة وقصيدة الخصم. فمَثل السّيوف التي يصقلها أهل الفرزدق ليستخدمها قوم جرير في ضرب أعناق هؤلاء الخصوم، كمثل القصائد التّي ينشئها الفرزدق فيسلبها منه جرير ليهجوه بها حين يعارضها ويقلب معانيها عليه: إنّه يَكْلم خصمه بكلِمه ويُرديه بسيفه الذّي صقله بنفسه2.

     وفي هذا الجدل بين الهدم وإعادة البناء تتجلّى الوظيفة اللّعبيّة (Ludique) لفعل النّقض. فالشّاعر يستخدم ألفاظ خصمه وتراكيبه وصوره ويعيد توزيعها توزيعا جديدا لهجائه والتّشنيع عليه. على أنّ مدار هذه الوظيفة ليس "التّسلية"، كما ذهب إلى ذلك شوقي ضيف (ضيف، م. ن.، ص: 179)، وإنّما مدارها على امتلاك المعاني التّي "صقلها" السّابق وابتدأها. إنّ غرض المعارضة الأقصى يتجاوز مجرّد هجاء الخصم وتشويهه إلى بزّه غرر معانيه والاستحواذ على درر تصاويره. ولذلك لا ينظر الشّاعر إلى جميع أبيات قصيدة خصمه، بل يتخيّر منها ما يراه حقيقا بالاستمداد وجديرا بالاسترفاد. وهو ما يعني أنّ التّحاوريّة التّناصيّة هي، في صميمها، فعل نقديّ بامتياز.

    وعلى هذا الأساس نفهم ظاهرة النّسخ في النّقائض التّي كنّا أشرنا إليها سابقا. فهي، لاشكّ، ليست من قبيل توارد الخواطر وتساوي الضّمائر، وإنّما هي إغارة على شعر الخصم لبزّه روائعه على سبيل الغلبة والسّطوة. وما إعادة البيت بمعناه ولفظه إلاّ دليل على الإقرار بأنّه بلغ من الإحسان أقصاه ومن الإتقان أسماه حتى لا مزيد عليه. ولمّا كانت تلك صورته انتزعه الشّاعر من خصمه وألحقه بشعره وقد رأى "نفسه أولى بذلك الكلام من قائله" (ابن رشيق، ج.2، م. م.، ص: 285). بيد أنّ هذه الأبيات التّي يستلحقها الشّاعر ويدّعيها لنفسه لا تنقطع أرحامها عن نسبها الأوّل لتظلّ "أبياتا موزّعة، ممزّقة ذات رأسين وتنظر إلى جهتين" (كليطو، 1985، ص: 30 ).

     وهكذا يرمي الخصم بسهم في نقض قصيدته ويغدو طرفا في دحضها. وهكذا أيضا يفيض نصّه على النصّ اللاّحق ليتواصل فيه ويتجدّد به حتّى كأنّ الشّاعرين يتعاوران على كتابة قصيدة واحدة هدما وإعادة بناء. وهذا هو، في تقديرنا، المعنى العميق لما وسمه النقّاد العرب القدامى بـ"توارد الخواطر". فهم بإجازتهم نسخ جرير أبيات الفرزدق إنّما يقوّضون الحدود القائمة بين قصائدهما لاسيما أنّهما يغترفان من عدّ واحد ويصبّان على القوالب نفسها1. ولعلّ هذا أيضا ما قصد إليه جرير بقوله الذّي يستشرف فيه موته الوشيك بُعيد موت الفرزدق: "ما تقارب رجلان في أمر قطّ، فمات أحدهما إلاّ أوشك صاحبه أن يتبعه" (الإصفهاني، مجلد 21، م. م.، ص: 272). أليس هذا الأمر الذّي فيه يتقاربان سعيهما الدّؤوب إلى إنشاء قصيدة مثال يحاور فيها السّابق واللاّحق ويتضافران في "وحدة لا يمكن للزّمن أن يبليها"؟ (غروس، م. م.، ص: 177) على أنّ هذه القصيدة المثال تظلّ على الدّوام أفقا إبداعيّا يراوده الشّعراء دون أن يرتادوه، يهفون إليه دون أن يطالوه. إنّها وعد مؤجّل تجري إليه حركة الإبداع بوصفها جدلا لا يني بين النّقض وإعادة البناء وتحاورا متواصلا بين الماضي والحاضر والمستقبل أيضا. فلا عجب، والحال تلك، أن ذهب محمّد البحري إلى أنّ "الشّعر العربيّ القديم كلّه نقائض، إذ أنّه يولّد بعضه بعضا" (البحري، م. م.، ص: 92).

     ولمّا كانت التّحاوريّة ذات طبيعة "دورانيّة"، كما شدّد على ذلك "فرانسيس جاك"، وجب تدبّر أثر ردّ فعل المرسل إليه المتوقّع في خطاب المتلفّظ. فردّ الفعل هذا، وإن كان متوقّعا لا متحقّقا، نجده، بعبارة "أوركيوني" (Orecchioni)، "مدرجا في خطاب الباثّ [...] من جهة أنّ الباثّ يأخذ على الدّوام بعين الاعتبار الصّورة التّي كوّنها عن المرسل إليه وعن الكفاءات التّي أعارها له [...] وهو ما يستتبع أيضا أنّ غياب الـ"أنت" يفرض مراقبة متواصلة على خطاب الـ"الأنا" " (Orecchioni, 1990, T.1, p. 14).

     وبناء عليه، سنسعى إلى استقصاء أثر ما يتوقّعه الشّاعر من ردود فعل خصمه في إنشاء قصيدته. فهو، لا ريب، يصوغها مستحضرا على الدّوام كفاءة خصمه الشّعريّة وما يمكن أن يردّ به عليها. وإذا ما كانت القصيدة الثّانية نقيضة بالفعل، فإنّنا نفترض أنّ القصيدة الأولى نقيضة بالقوّة.

     كثيرة هي الأخبار التّي تروي استشراف الفرزدق وجرير ردّ أحدهما على الآخر1. وحسبنا شاهدا على ذلك هذا الخبر (الإصفهاني، المجلد 8، م. م.، ص، ص: 45، 46): "أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا محمّد بن سلاّم قال حدّثنا حاجب بن يزيد بن شيبان بن عَلقمة بن زُرارة قال: قال جرير بالكوفة: [من الطويل]

[...]

                    أقــــولُ لهُ يا عَبْدَ قَيْسٍ صَبابةً    بأَيٍّ  تَرَى مُستــوْقِدِ  النّارِ  أَوْقـــَدَا

  فقالَ أَرَى نارًا يُشَبُّ وُقودُهــا    بحيْثُ اسْتَفاضَ الجِزْعُ شِيحًا وغَرْدَقَا

   فأعْجبت النّاسَ وتناشدوها. قال: فحدّثني جابر بن جندل قال: فقال جرير: أعجبتكم هذه الأبيات؟ قالوا نعم. قال كأنّكم بابن القين وقد قال: [من الطويل]

أعِدْ نَظرًا يا عَبْدَ قيْسٍ لَعلَّما   أضاءَتْ لكَ النّارُ الحمارَ المقيَّدا 

قال: فلم يلبثوا أن جاءهم قول الفرزدق هذا البيت وبعده: [من الطويل]

     حمارٌ بمَرّوتِ   السُّحامَةِ  قارَبتْ         وَظيفيْهِ حَوْلَ البيْتِ حتّى تَردَّدا

   كُلَيْبيَّة لمْ يجْعَل اللهُ وجْهَها كَريمًا         ولم يَسْنحْ بها الطّيْرُ أَسْعَـــدا

قال: فتناشدها النّاس. فقال الفرزدق: كأنّكم بابن المراغة قد قال: [من الطويل]

         وما عِبْتَ مِنْ نَارٍ أَضاءَ وُقُودُها    فِراسًا وبِسْطامَ بنَ قَيْسٍ مُقيَّدا 

قال: فإذا بالبيت قد جاء لجرير ومعه: [من الطويل]

وأوْقَدْتَ بالسِّيدانِ نارًا ذَلِيلةً   وأَشْهَدْتَ من سَوْآتِ جِعْثِنَ مَشْهَدا "

     لا شكّ في أنّ هذا الخبر ونظائره تدخل في جملة الأخبار التّي "لا تخضع للواقع التّاريخيّ ولا حتّى لمبدأ المشاكلة" (Vraisemblance)، أي لممكن الوقوع (القاضي، 1998، ص: 618). فقد علّل روّاة هذه الأخبار مطابقة الردّ المتوقّع الردَّ المتحقّق بقول مسند إلى الفرزدق: "أوَ ما علمتَ أنّ شيطاننا واحد؟ (يعني نفسه وجريرا)" (الإصفهاني، المجلد 8، م. م.، ص: 25). وهو ما استغربه ابن الأثير حين علّق على أحدها بقوله: "وهذا من أغرب ما يكون في هذا الموضع وأعجبه" (ابن الأثير، م. م.، ص: 231). بيد أنّ لهذه الأخبار، على تهافتها، دلالةً على تلك "المراقبة" المتواصلة التّي يسلّطها المرسل إليه على الباث. فهو ينشئ قصيدته متوقّعا جواب خصمه حادسا ردّ فعله انطلاقا من الصّورة التي وقرت في ذهنه عنه ومن معرفته بمواطن قوّة شعره وضعفها وبمغازي قومه ومخازيهم. وهذا ما يجعل ردّه المتوقّع منتقشا في خطابه مؤثّرا فيه أيّما تأثير.

     إنّ النّاظر في الخبر السّابق يلحظ أنّ مداره على حوار شعريّ بين جرير والفرزدق. ورغم كون المتحاورين غير متواجهين، بل متباعدين مكانا، فإنّ الحوار بينهما قد تحقّق بفضل توقّع كلّ منهما ردّ الآخر: "كأنّكم بابن القين وقد قال:"، "كأنّكم بابن المراغة قد قال:". والملاحظ أنّ "النّار" في المقاطع الشّعريّة جميعها هي العلامة الجامعة بين الرّدود والرّحم الذّي منه توالدت وتواردت. وقد استخدمها جرير في المقطع الأوّل كناية عن العزّ والسّؤدد والنّجدة وإكرام الضيوف. وعمد الفرزدق إلى نقض فخر خصمه متوسّلا العلامة نفسها محرّفا إيّاها عن موضعها لتدلّ على الذلّ والهوان. وهو ما نقضه بدوره جرير موظّفا العلامة عينها لهجاء الفرزدق وتعييره بأخته.

     ومهما يكن من أمر غرابة الخبر واستحالته، فإنّه يجلو تحكّم ردّ الخصم المتوقّع في خطاب الشّاعر وفي هيآت تصريفه. فحين يتنبّأ الشّاعر بجواب خصمه يسبقه إليه ويسعى إلى سدّ المنافذ أمامه. وهو ما يعني أنّه على معرفة دقيقة بكفاءته الشّعريّة وبالسّمت الذّي يجري فيه شعره. ويترتّب على كلّ ذلك تضمّن خطاب الشّاعر ردّا على ردّ الخصم المنتظر. وههنا تتحقّق "دورانيّة" التّحاوريّة في النّقائض، إذ تغدو القصيدة بدورها نقيضة لنقيضتها. فانظر في البيتين الأوّلين لجرير تر أنّهما يهدمان ردّ الفرزدق ويقوّضانه عبر عكس معانيه وقلب ما جاء فيه من هجاء إلى فخر. وهذا الأمر ينسحب، في تقديرنا، على جميع النّقائض، فإن نحن قلبنا ترتيب القصائد فيها وجعلنا الأول تاليا، أي المنقوضة نقيضة لاستقام هذا النّظام واستتبّ هذا النّسق دون أن يلحق ذلك ضيما لافتا بالقصيدتين. 

      ومن الدّلائل على تأثير ردّ الخصم المتوقّع في بناء خطاب الشّاعر عزوف الفرزدق في العديد من قصائده عن استفتاحها بالنّسيب. يقول شاكر الفحّام في هذا السّياق: "لم يلتزم الفرزدق الاستهلال بالغزل التزام جرير، فستّ وعشرون من نقائضه هجم فيها على الغرض، دون تمهيد غزلي يوطّئ به لغرضه، فإن استفتح بالغزل مرّ به متعجّلا" (الفحام،م. م.، ص: 315). ففي قصيدته التّي مطلعها: [الطويل]

سَمَوْنا لِنَجْرانَ اليَمانِي وأهْلِهِ   ونَجْرانُ أرضٌ لمْ تُدَيّثْ مَقاوِلُهْ 

(جرير والفرزدق، م. م.، ص: 773) يهجم الفرزدق مباشرة على غرض الفخر دون مقدّمات. لكنّ جريرا نقضها بقصيدة استهلّها بمقدّمة غزليّة استغرقت ما يناهز ثلثها. ومثال ذلك أيضا قصيدة الفرزدق التّي مطلعها [الكامل] 

بَينْ إذا نَزَلْتْ عليْكَ مجَاشِعٌ   أوْ نَهْشَلٌ تَلَعاتِكمْ ما تَصْنَعُ 

(م. ن.، ص – ص، 781 – 785) فقد وثب فيها مباشرة على الفخر والهجاء دون أن يجعل لغرضه بسطا من النّسيب أو غيره. أمّا جرير فردّ عليه بقصيدة مطلعها: [الكامل]

بانَ الخَليطُ بِرامَتيْنِ فَودَّعُوا   أَوَ كُلّما رَفَعُوا لِبَيْنٍ تَجْزَعُ 

(م. ن.، ص: 1046) ووطّأها بمقدّمة غزليّة تمتدّ على سبعة وعشرين بيتا.

     وقد علّل شوقي ضيف هذه الظّاهرة تعليلا نفسيّا، فذهب إلى أنّ جريرا "ليس له ما يبتهج به من الآباء، وإنّما له ما يؤذيه، وما يشعر معه بالقصور والحزن. ولعلّ ذلك ما جعله يطيل مقدّمات نقائضه مع الفرزدق، فإنّه كان يودع فيها إحساسا عميقا بحزنه، وينفّس فيها عن شعور النّقص الذّي يشعر به إزاء خصمه. وعلى العكس كان الفرزدق يُقصّر هذه المقدّمات، وكان في بعض الأحيان لا يأتي بها، بل يهجم مباشرة على فخره" (ضيف، م. م.، ص: 211). ولسنا نرى علاقة قريبة أو بعيدة بين إطالة جرير مقدّمات نقائضه مع الفرزدق وما استشعره شوقي ضيف في جرير من إحساس بـ"القصور والحزن". وهو استشعار لا دليل يحقّقه ولا حجّة ترفده. وهب أنّ الأمر على ما وصف به جريرا، فكيف تكون إطالة النّسيب تنفيسا عن شعور بالنّقص؟ وهل ينسحب هذا الأمر على جميع الشّعراء العرب القدامى الذّين كثيرا ما استهلّوا قصائدهم بمقاطع غزليّة طويلة ما دامت تلك سنّتهم في افتتاحها؟ وهل يعني ذلك أنّ الفرزدق كان يهجم على الفخر دون مقدّمات لأنّ له "ما يبتهج من الآباء"، والحال أنّه سليل عائلة تمتهن حرفة الحدادة التّي استنكف منها العرب قديما واحتقروها لأنّها في عرفهم ليست من شأن الأسياد والأشراف؟

     لم يطل جرير مقدّماته الغزليّة ليودع فيها أحزانه ولينفّس عن شعور بالنّقص إزاء خصمه، بل لبزّه وتبكيته وللبرهنة على رسوخ قدمه في مجاراة الفحول. يقول أحمد حيزم: "افتتح جرير جلّ قصائد الهجاء بالنّسيب، وسارت له أبيات منه كادت تنطمس لها أبيات الهجاء، إلاّ أنّ النّسيب، وإن بكى فيه الشّاعر واستبكى ووصف الرّسم الدّارس والظعائن ولوم العاذل وذكر سرى الليل وإنضاء الرّاحلة والعير (القصيدة السّابعة)، وفصّل القول في صبابته ومرارة البين وفوت الشّباب، وما تحدثه إلمامة الطّيف من لذّة اللقاء (القصيدة الثلاثون)، فإنّه لا يكون مطيّة إلى الشّكوى شأن النّسيب في قصائد المديح، وإنّما هو سبيل إلى الفخر بالذّات شاعرةً، مرهفة الحسّ، متفوّقة في الصّبابة، تقارع منافسيها شجى القلب وسخنة العين، وبالذّات شاعرةً تقتسر من الآخر، شاعرا أو ناقدا أو عاميّا، إقرارها بتفوّق المتلفّظ وفحولته" (حيزم، 2019، ص: 99).

     ولم ينصرف الفرزدق عن المقدّمات الغزليّة إلاّ لأنّه "كان يحسّ في نفسه شيئا من جسوّ يباعد بينه وبين هذا الفنّ، فلا يطرقه إلاّ لماما. ولعلّ براعة جرير في هذا الميدان حالت بين الفرزدق وبين الجري فيه لأنّه أدرك أنّه متخلّف لا يقوى على طول المجاراة" (الفحام، م. م.، ص: 315). وقد اعترف الفرزدق بتفوّق جرير عليه في هذا المجال بقوله: "ويل ابن المراغة، ما كان أحوجه مع عفافه إلى صلابة شعري، وأحوجني مع شهواتي إلى رقّة شعره" (الإصفهاني، المجلد 8، م. م.، ص: 11). ومفاد ذلك أنّ كفاءة الخصم الشّعريّة ترسم حدود خطاب الشّاعر وتراقب مجراه وتسهم في طرائق بنائه وأشكال تصريفه. وهذه التّحاوريّة بين المتخاطبين (Dialogisme interlocutif) هي التّي تجلو أسباب اختلاف جرير والفرزدق في استهلال قصائدهما. يقول "جاك براس" و"ألكسندرا نواكوسكا"  موضّحين هذا الضّرب من التّحاوريّة: "إنّ الباثّ يعدّل خطابه وفق مخاطَبه، (أو الصّورة التّي كوّنها عنه) ووفق المعارف التّي أعارها إيّاه"   (Bres et Nowakowska, 2006, P : 26 ). فلمّا كان الفرزدق على وعي بأنّه لا يباري خصمه في الغزل ولا يجاريه في معانيه ورقّة ألفاظه، أعرض عنه ولم يتبسّط فيه. في حين أطال جرير مقدّماته الغزليّة لأنّه يعلم أنّه في هذا الميدان سابق وفي هذا المضمار فائت، وأنّ خصمه فيه مقصّر متأخّر. وعلى هذا النّحو تحكّمت صورة المخاطَب ومعارفه في هيأة بناء خطاب الشّاعر وفي طبيعة اختياراته الفنيّة.  

     وهذه التّحاوريّة بين المتخاطبين هي التّي نبرّر بها أيضا إسراف جرير في تعيير الأخطل بدينه وتحقيره لملّته، إذ "وجد جرير في نصرانيّة الأخطل وقومه منفذا سهلا إلى هجائهم، فلم تكد تخلو أهجية له فيهم من الإشارة إلى دينهم وتعييرهم بشرب الخمر وأكل لحم الخنزير وأداء الجزية، ولم يكن يتورّع عن قذف نساء تغلب بكلّ فاحشة" (النص، م. م.، ص: 461).  ومن الأمثلة على ذلك قول جرير: [من الكامل]

     قَبَحَ الالهُ وُجوهَ تَغْلِبَ كلَّمــا     شَبَحَ الحَجيجُ وكَبّرُوا إِهْلالا 

                          عَبَدُوا الصّليبَ وكذَّبُوا بِمُحمّدٍ    وبِجَبْرَئيلَ وكذَّبُوا مِيكــالاَ

 نُبّئْتُ تَغْلِبَ يَنْكَحونَ رِجالَهمْ   ويَرى نِساؤُهم الحَرامَ حَلالاَ 

(أبو تمام، م. م.، ص: 87). لقد سهّل دين الأخطل على جرير هجاءه بهذه المعاني ونظائرها، فلجّ في التّشنيع عليه بها وأمعن في طلبها ليعلوه ويظهر عليه، وقد وجدها ساحة ينفرد بها دونه يجول فيها ويصول، أمّا خصمه فلا يطيق لها جوابا. فأنّي له الدّفاع عن دينه والفخار به، بله رمي جرير بالكفر وتعييره بمعتقده، وهو يقيم وقومَه بين ظهراني الخلافة الإسلاميّة التّي كانوا يدفعون لها الجزية ويمتثلون لأحكامها؟ 

     جاء في كتاب الأغاني: "أخبرني أبو خليفة عن محمّد بن سلاّم قال أبو الخطّاب حدّثني نوح بن جرير قال: قلت لأبي: أنت أشعر أم الأخطل؟ [...] قال اُعنت عليه بكفر وكبر سنّ، وما رأيته إلاّ خشيت أن يبتلعني" (الإصفهاني، المجلد 8، م. م.، ص: 214). لقد كان جرير على وعي بأنّ تلك المعاني الهجائيّة المتعلّقة بالدّين والمعتقد ميدان محظور على خصمه ومضمار لا طاقة له على الجري فيه لا لعيّ في القريحة ولقصور في الملكة، بل لأنّه ذمّي. ولذلك قيل: "إنّ الأخطل ضيّق عليه كفره القولَ، وإنّ جريرا وسّع عليه إسلامه القول" (م. ن.، ص: 219). ولذلك أيضا انتهز جرير "كفر" خصمه واغتنمه، فرماه بما لا يستطيع ردّه وهجاه بما لا يقدر على نقضه. وما كان لجرير أن يسهب في تعيير الأخطل بدينه والسّخرية من معتقده إلاّ لأنّه لا يتوقّع منه في هذا الباب نقضا ولا ينتظر دحضا، أي أنّ للخصم الذّي يتوجّه إليه الشّاعر بخطابه تأثيرا بالغا في تحديد معانيه كيفا وكمّا. 

     يقول شوقي ضيف: "يشعر الإنسان شعورا واضحا حين يقرأ في نقائض الأخطل وجرير أنّ كلاّ منهما كان يقرأ قصيدة خصمه متأنّيا متمهّلا، متبيّنا كلّ معنى على حدة، ثمّ ينظم قصيدته، وكأنّ كلّ بيت فيها يردّ على بيت مقابل القصيدة الأولى. ولا نشكّ في أنّهما ولّدا معاني كثيرة في أثناء قيامهما بهذا العمل الفنّي المعقّد" (ضيف، م. م.، ص: 175). على أنّ النّاظر في النّقائض يلحظ غياب التّناظر الدّقيق بين القصيدتين الأولى والثانية. فالشّاعر لا ينقض قصيدة خصمه بيتا بيتا ولا يردّ على جميع معانيها لأنّ بعضها محظور عليه هدمها مُحجّر عليه دحضها كما هو شأن الأخطل بإزاء معتقد جرير. 

     ومن الشّواهد الكثيرة على انعدام هذا التّناظر قصيدة جرير التّي مطلعها: [من البسيط]

قُلْ للدّيارِ سَقَى أطْلالَكِ المَطَرُ   قَدْ هِجْتِ شَوْقًا وماذا تَنْفَعُ الذِّكَرُ 

وفيها ينقض قصيدة الأخطل الشّهيرة، ومطلعها: [من البسيط]

خَفَّ القَطينُ فَراحُوا منْك ما بَكَرُوا    وأَزْعَجَتْهُمْ نَوًى في صَرْفِهَا غِيَرُ 

(أبو تمام، م. م.، ص: 148). فقد وطّأ الأخطل لغرضه بمقدّمة غزليّة صوّر فيها أثر ظعن الحبيبة في نفسه موظّفا وصف الخمرة للتّعبير عن لوعة الفراق وألم الصّبابة، وشكا المشيب وإعراض الغواني عنه. ثمّ انتقل في البيت الثّامن عشر إلى مدح عبد الملك بن مروان وتبسّط في التّغني بخلائقه وتفنّن في تمجيد بطولاته معرّضا في هذا السّياق بقبيلة قيس بن غيلان. ولم يلتفت الأخطل إلى نفسه في هذا القسم إلاّ في بيتين اثنين لا على سبيل الفخر المحض، بل لتذكير الممدوح بحقّه عليه وليوجب عليه ذمامة التأميل وقد نصره على أعدائه بلسانه. أمّا القسم الأخير من القصيدة، ويبدأ من البيت الثّاني والسّبعين ليستغرق ثلاثة عشر بيتا، فقد جرّده لهجاء جرير ساخرا من وضاعة نسبه، معرّضا بلؤم قومه وجبنهم.

     أمّا جرير فقد استهلّ قصيدته بمقدّمة امتدّت على ثلاثة عشر بيتا، وفيها وقف على أطلال الحبيبة وشكا الزّمان ووصف ظعنها وحرقة بينها. ثمّ تخلّص إلى غرضه الذّي تأسّس على حركتين: خصّص الأولى للفخر بقبيلته، فأشاد برفعة قومه وبشرف أرومتهم وتغنّى بشدّة بأسهم وغلبتهم ناقضا بذلك ما رماهم به الأخطل. ومحّض الحركة الثانية لهجاء الأخطل وقبيلته تغلب. فأمعن في تعييره بكفرها وفي تذكريه باستباحة المسلمين لحماها وأطنب في السّخرية من سوء أخلاق قومه ومن قرمهم إلى أكل لحم الخنزير.

     لم يعرّض الأخطل بمعتقد جرير، ولم ينقض جرير قسم المدح في قصيدة الأخطل، فذانك أمران دونهما حدد وأيّ حدد. ولذلك لم تتناظر القصيدتان إن من جهة بنائهما، وإن من جهة المعاني المطروقة فيهما، شأنهما في ذلك شأن النّقائض عموما. فالردّ لا يكون بيتا بيتا كما قضى بذلك شوقي ضيف، ولكنّ ملاحظته الأخيرة في قوله السّابق قمينة بالاهتمام حقّا، إذ لا شكّ في أنّ الشّعراء قد "ولّدوا معاني كثيرة" في نقائضهم. فقد استرفد جرير بيت الأخطل في مدح عبد الملك بن مروان: (أبو تمام، م. م.، ص: 151)

الخَائِضُ الغَمْرَ والمَيْمُونُ طائِرُهُ    خَليفَةُ اللهِ يُسْتَسْقَى بِه المَطَرُ 

ليمدح قبيلة قريش: (م. ن.، ص: 173)

يَحْمِي الذّينَ بِبَطْحَاوَيْ مِنًا حَسَبِي    تِلْكَ الوُجوهُ التّي يُسْقَى بها المَطَرُ 

إنّ العلاقة بين البيتين ليست علاقة نفي وإلغاء، وإنما هي علاقة تولّد واشتقاق حتّى كأنّ الأوّل سُبك في الثّاني: (خَليفَةُ اللهِ يُسْتَسْقَى بِه المَطَرُ  تِلْكَ الوُجوهُ التّي يُسْقَى بها المَطَرُ). فقد نظر جرير إلى بيت خصمه ليقدح منه معنى جديدا يبزّ المعنى الأوّل ويفوقه جودة وإتقانا. فإذا ما ادّعى الأخطل أنّ ممدوحه "يُستسقى به المطر" كناية عن تناهيه في الجود والكرم، وهي صورة تُراعي المعقول ولا تجافي الممكن، فإنّ جريرا قد زاد الصّورة تخييلا وأخرجها على خلاف ما يُعقل ويعرف إمعانا في الإغراب والتّعجيب لمّا جعل وجوه قريش "يُسقى بها المطر". وعلى هذا النّحو دفع جرير بالمعنى إلى أقاصيه وارتقى به صعدا إلى ذرى التّخييل والتّعجيب لينتشر شعاعه ويتّسع ميدانه حتى لا مزيد عليه.

     وكذا شأن بيت جرير (جرير والفرزدق، م. م.، ص: 804): [الطويل]

أنَا الدَّهْرُ يُفْني المَوْتَ والدّهْرُ خالدٌ    فَجِئْنِي بِمثْلِ الدّهْرِ شَيْئًا يُطاوِلُهْ 

الذّي ينقض فيه بيت الفرزدق (م. ن.، ص: 758): [الطويل]

فَهَلْ أَحَدُ يابنَ المراغَةِ هارِبٌ   منَ المَوْتِ إنّ المَوْتَ لابُدَّ نائِلُهْ 

فقد لاذ الفرزدق بالاستعارة متشبّها بالموت بوصفه قوّة غاشمة لا تُصدّ وسطوة مرعبة لا تُردّ ليتوعّد خصمه باستحالة نجاته من بأسه وامتناع فراره من بطشه. لم يجد الفرزدق أشدّ رعبا من الموت وأمدّ قهرا من الفناء، إذ هو قدر محتوم وحوض لا بدّ من وروده، فاستعاره لنفسه على سبيل المبالغة في بيان حتميّة إفناء خصمه وقطع دابره. لكنّ جريرا لقّح من هذا المعنى معنى آخر يتجاوز ما ظنّ الفرزدق أنّه قد استوفاه وبلغ منتهاه حتى لا طاقة لخصمه على نقضه وجوابه1. فأوغل في المبالغة متشبّها بالدّهر الذي فيه يتّحد الأزل بالأبد فلا يطوله أمد، حتى كأنّ الشاعر قوّة إلهية2 خالدة قاهرة3 تُميت الموت وتقهر الفناء. وهكذا استدرج جرير المعنى إلى أقصى غاياته وجرّه إلى منتهى آفاقه ليقوّض بيت خصمه وليبزّه معناه.

     على أنّ الشّاعر لا يولّد معانيه ولا يلقحها من شعر خصمه حسب، بل يستمدّها ويستنبطها أيضا من محاورة المعاني التّي استقرّت سننا تُقتدى واستمرّت تقاليد تُحتذى. إنّها المعاني التّي تعاورها الشّعراء الأوائل وتداولوها فغدت أصولا معروفة وقواعد موصوفة في إنشاء الأقاويل الشعريّة. بيد أنّ هذه التّقاليد، وإن كانت "شفرة من القواعد الصّارمة" (Zumthor, 1972, P : 81)، فإنّها تظلّ "نسقا غير مكتمل" يحتاج على الدّوام إلى الرمّ والتّجويد. لكنّ هذه التّقاليد هي التّي تتحكّم في هذا الفعل و"تعيّنه وتنُشئه قبل ظهوره" (م. ن.، ص. نفسها). وهو ما يجعلها متعلّقة بالمستقبل أكثر من تعلّقها بالماضي، فهي "تُسقط هذا الماضي على المستقبل، وتشتغل بطريقة استشرافيّة" (م. ن.، ص. نفسها). وما عمود الشّعر سوى نموذج مجرّد لا يتحقّق في قصيدة محدّدة، وإنّما "يتجّلى جزئيّا في نماذج بعينها تجليّا ناقصا" (الطرابلسي، م. م.، ص: 142). فهو مشرع على ممكنات متعدّدة تهيّئ للشّعراء الابتداع داخل الاتباع للسموّ بهذا النموذج والارتقاء به صعدا نحو ذرى التّجويد والإحسان، وسبيلهم إلى ذلك التّحاور والتّفاوض.

     فالمعاني الغزليّة التّي وطّأ بها جرير والأخطل قصيدتيهما في المثال قبل السّابق تحتذي المعاني النّموذجيّة الغزليّة التّي ضبطتها السنن الشّعريّة. وهذا الالتزام بعمود الشّعر وبطريقته المعهودة في استهلال قصيدتيهما هو الضّامن لاندراجهما في التّاريخ وفي حركة الشّعر. وليس من شكّ في أنّ جريرا أنشأ مقدّمته وهو ينظر إلى مقدّمة خصمه لبزّه معانيها. ولكنه كان ينظر أيضا إلى مقدّمات الشّعراء الفحول الأوائل ليكرّرها ويتجاوزها في الآن نفسه لأنّ "التّقليد مشادّة بين معنى سابق وآخر لاحق" (كليطو، م. م.، ص: 28). وكذا شأن الأخطل الذّي طعّم المعاني الغزليّة المألوفة بمعان خمريّة. وكأنّنا به يسعى إلى جذب تلك المعاني المشتركة المتداولة إلى ميدان عُرف بتفوّقه فيه على جرير، ونعني به نعت الخمر1. ولعلّ هذا أن يقوم دليلا على تهافت ما ذهب إليه عمر الإمام حين قضى بأنّ "النقائض متجذّرة في الهامش، صادرة عن قيمه، معبّرة عن شواغله في خروجها عن سائر الأغراض" (الإمام، 1997، ص: 46). فهي، وإن خالفت شروط الهجاء من تقصير واجتناب للفحش والإقذاع، لم تخرج عن الأغراض المعروفة والمعاني المألوفة في الشعر العربيّ القديم2

خاتمة

     إنّ التّحاوريّة في النّقائض مفاوضة بين الشّاعر وخصمه وذاكرته في الآن نفسه. فالمفاوضة تعني "الشّركة العامّة في كلّ شيء" (ابن منظور، م. م.، مادة [فوض]، ص: 239)، وفاوضته "أخذتُ ما عنده وأعطيته ما عندي" (م. ن.، ص. نفسها). وما يشترك فيه شعراء النّقائض تلك المعاني النّموذجيّة الشّائعة التّي هي مدار الخصومة بينهم كنجدة الملهوف وقرى الضيوف والبأس الشّديد والشّرف الرّفيع وغيرها من المعاني التي عليها تُعطف القلوب. ولمّا كان "المهمّ بالنّسبة إلى الشّاعر أن يطابق القول معنى المقول لا المقول ذاته" (الواد، 1431 هـ، ص: 94)، لم يكن رهان هؤلاء الشّعراء التفرّد بالقيم التّي يتغنَّون بها، فهي ممّا يدّعيه جميع الشّعراء إلى أنفسهم وقبائلهم إذا ما افتخروا وأشادوا بفضائلهم، بل إنّ غرضهم الأقصى الاستحواذ على المعاني الدّالة على هذه القيم وامتلاكها. وسبيلهم إلى ذلك تحويل المشترك إلى خاصّ عبر السموّ بهذه المعاني إلى أقاصي حدودها بإحسان صوغها وإتقان حوكها حتى تكون قوافيهم أشرد في المنابر وقصائدهم أجول في المحافل. وأمّا ما يأخذه الشّاعر من خصمه فتلك الأبيات الجياد يلقح بها معانيه ويولّد منها الجديد المبتكر. وهو بذلك يعيد سبك معاني خصمه ويذيبها في شعره لتواصل رحلتها في الزّمن ولتستمرّ حركتها حيّة نابضة في سيرورة الإبداع، وذاك ما يعطيه الشّاعر لخصمه. 

     ولعلّ مفهوم "الرّفع" (Aufheben) الهيجلي أن يصف بدقّة الطّبيعة التّحاوريّة في النّقائض بوصفها نفيا وإثباتا، تقويضا وإعادة إنشاء في آن واحد. فهو يعني "تلك العمليّة المعقّدة التّي يتمّ من خلالها نفي أو إلغاء حالة مّا (كذا) مع الاحتفاظ بها في نفس الوقت (كذا)، ولكن في حالة أخرى جديدة تتجاوزها" (جادامير، 1997، ص: 83). فالشّاعر يثبت قصيدة خصمه في عمليّة نفيها ويحييها في فعل قتلها. وكذا شأنه مع التّقاليد الشّعريّة، فهو يحاورها ليتجاوزها وليرسّخها في آن واحد. 

     إنّ حركة الشّعر العربي القديم، بهذا المعنى، رحلة نقض متواصلة وتحاوريّة مستمرّة، وهي حركة ذات اتّجاهين متقابلين متعاندين ولكنّهما أيضا متفاعلان متساندان. فالتّجاوز لا يكون بالانفصال عن الموروث وإلغائه، وإنّما يكون عبر توليد الجديد من القديم واشتقاق الطّارف من التّالد استدراكا واستئنافا. وهي حركة تهفو إلى تحقيق النّموذج الأسمى الذّي يظلّ دائما أفقا إبداعيّا منشودا لا ينفكّ الشّعراء عن مراودته عبر هذا الجدل الخلاّق بين التكرار والابتكار.

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المصادر والمراجع

  1. المصادر:
  • أبو تمّام، نقائض جرير والأخطل، عُني بطبعها لأوّل مرّة عن نسخة الآستانة الوحيدة وعلّق حواشيها الأب أنطون صالحاني اليسوعي، المطبعة الكاثوليكيّة للآباء اليسوعيين، الجزء 3، بيروت - 1922، دار المشرق، بيروت- لبنان، [د.ت].
  • الأصفهاني (أبو الفرج)، كتاب الأغاني، تحقيق إحسان عبّاس وإبراهيم السّعافين وبكر عبّاس، دار صادر- بيروت، ط.5، 2013.
  • ابن مثنّى (أبو عبيدة معمر)، كتاب النّقائض، ج.1، دار الكتاب العربي، [د.ت].
  • جرير والفرزدق، شرح نقائض جرير والفرزدق، ج.3، برواية أبي عبد الله اليزيدي، عن أبي سعيد السكري، عن ابن حبيب، عن أبي عبيدة، تحقيق وتقديم محمد إبراهيم حُوّر ووليد محمود خالص، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي - الإمارات العربيّة المتّحدة، ط.2، 1998.
  • جميل بثينة، الدّيوان،دار صادر، بيروت، [د.ت].
  •  القُرشي (أبو زيد محمّد بن أبي الخطّاب)، جمهرة أشعار العرب، المجلد الأول، تحقيق خليل شرف الدين، منشورات مكتبة الهلال - بيروت، ط.2، 1991.
  1. المراجع:
  2. المراجع العربيّة والمعرّبة:
  • ابن الأثير (ضياء الدّين)، المثل السّائر في أدب الكاتب والشّاعر، ج.3، قدّمه وحقّقه وعلّق عليه أحمد الحوفي وبدوي طبانة، مكتبة نهضة مصر بالفجالة، ط.1، 1962.
  • الإمام (عمر)، النّقيضة غرضا شعريّا مهمّشا، موارد، مجلّة كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة- تونس، العدد الثاني، 1997.
  • البحري (محمّد)، حدود النصّ في النّقائض، مجلّة الفكر العربيّ المعاصر، العددان 96-97، سنة 1992.
  • بقشي (عبد القادر)، التّناص في الخطاب النّقدي والبلاغي، دراسة نظريّة وتطبيقيّة، تقديم محمّد العمري، أفريقيا الشّرق- المغرب، 2007.
  • بييقي- غروس (ناتالي)، مدخل إلى التّناص، ترجمة عبد الحميد بورايو، دار نينوى للدّراسات والنّشر والتوزيع، سورية- دمشق، 2012.
  • التنّوخي (القاضي)، كتاب القوافي، تقديم وتحقيق عمر الأسعد ومحيي الدّين رمضان، دار الإرشاد للطباعة والنّشر والتّوزيع، ط.1، 1870.
  • التّهانوي، موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تقديم وإشراف ومراجعة رفيق العجم، تحقيق علي دحدوح، نقل النصّ الفارسي إلى العربيّة عبد الله الخالدي، ج.2، مكتبة لبنان ناشرون، ط.1، 1996.
  • جادامير(هانز- جيورج)، تجلّي الجميل، ترجمة سعيد توفيق، المجلس الأعلى للثّقافة، 1997.
  • الجمحي (محمّد بن سلاّم)، طبقات فحول الشّعراء، السّفر الثّاني، قرأه وشرحه محمود محمّد شاكر، دار المدني بجدّة، [د.ت].
  • حيزم (أحمد)، من شعريّة اللّغة إلى شعريّة الذّات، قراءات في ضوء لسانيّات الخطاب، ابن النّديم للنشر والتّوزيع- الجزائر ودار روافد الثّقافيّة – ناشرون، بيروت- لبنان، ط.1، 2016.
  • ربعاوي (منصف)، الباروديا الأدبيّة، في النّظرية والتّطبيق والتّرجمة، تطبيقات على الشّعر العربي القديم، زينب للنّشر والتّوزيع، تونس، 2018.
  • الرحموني (محمد)، مفهوم الدهر في العلاقة بين المكان والزمان في الفضاء العربي القديم، الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، بيرت، ط.1، 2009.
  • ابن رشيق، العمدة في محاسن الشّعر وآدابه ونقده، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل- بيروت، ط.5، 1981.
  • شارودو (باتريك) و منغنو (دومينيك)، معجم تحليل الخطاب، ترجمة عبد القادر المهيري وحمادي صمود، المركز الوطني للترجمة، تونس، 2008.
  • الشّايب (أحمد)، تاريخ النّقائض في الشّعر العربيّ، مكتبة النّهضة المصريّة، ط.2، 1954.
  • ضيف (شوقي)، التّطوّر والتّجديد في الشّعر الأموي، دار المعارف، ط.8، [د.ت]، ص.198.
  • الطرابلسي (محمّد الهادي)، ثقافة التّلاقي في أدب شوقي، الدّار العربيّة للعلوم ناشرون، بيروت- لبنان ودار محمّد علي للنّشر، صفاقس- تونس ومنشورات الاختلاف، الجزائر، ط.1، 2010.
  • العيّادي (باشا)، المناظرة في الأدب العربيّ، دراسة أسلوبيّة - تداوليّة، دار كنوز المعرفة العلميّة للنشر والتوزيع، الأردن- عمان، ط.1، 2014.
  • الغيضاوي (علي)، الإحساس بالزمان، في الشعر العربي من الأصول حتى نهاية القرن الثاني للهجرة، القسم الأول: إطار أدبي لدراسة الزمان في الشعر العربي، جامعة منوبة، كليّة الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة - تونس، 2011.
  • الفحّام (شاكر)، الفرزدق، دار الفكر، دمشق، ط.1، 1977، ص. 305.
  • فرّوخ (عمر)، تاريخ الأدب العربي، ج.1، الأدب القديم من مطلع الجاهليّة إلى سقوط الدّولة الأمويّة، دار العلم للملايين - بيروت، ط.4، 1981.
  • القاضي (محمّد)، الخبر في الأدب العربي، دراسة في السّرديّة العربيّة، منشورات كليّة الآداب بمنوبة - تونس ودار الغرب الإسلامي- بيروت، 1998.
  • القط (عبد القادر)، في الشّعر الإسلامي والأموي، دار النّهضة العربية للطباعة والنّشر، بيروت، 1987.
  • كليطو(عبد الفتّاح)، الكتابة والتّناسخ: مفهوم المؤلّف في الثّقافة العربيّة، ترجمة عبد السّلام بنعبد العالي، دار التّنوير للطباعة والنّشر، ط.1، 1985.
  • مطلوب (أحمد)، معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها، ج.3 (د- و)، مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1987.
  • مفتاح (محمّد)، تحليل الخطاب الشّعري (استراتيجيّة التّناص)، المركز الثّقافي العربي، الدار البيضاء - المغرب، ط.2، 1986.
  • ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، ط.1، 2000.
  • ابن منقذ (أسامة)، البديع في نقد الشّعر، تحقيق أحمد بدوي وحامد عبد المجيد، مراجعة إبراهيم مصطفى، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، [د.ت].
  • النص (إحسان)، العصبيّة القبليّة وأثرها في الشّعر الأموي، دار الفكر، ط.2، 1973.
  • الهمّامي (الطّاهر)، الشّعر على الشّعر، بحث في الشّعريّة العربيّة من منظور شعر الشّعراء على شعرهم إلى القرن 5هـ/ 11م، جامعة منوبة، كلية الآداب بمنوبة، تونس، 2003.
  • الواد (حسين)، نظر في الشّعر القديم، جامعة الملك سعود، كرسي الدكتور عبد العزيز المانع لدراسات اللّغة العربيّة وآدابها، الرّياض، 1431 هـ.

 

 

  1. المراجع باللسان الأجنبي:

 

  • Bakhtine (Mikhaïl), cité par Tzvetan Todorov in Le principe dialogique, éd. Seuil, Paris, 1981.  
  • Détrie (Catherine) et autres, Termes et concepts pour l’analyse du discours, une approche praxématique, Honoré éditeur, Paris, 2001.
  • Kristiva (Julia), La révolution du langage poétique, éd. Seuil,1974.
  • Genette (Gérard), Palimpsestes, La Littérature au second degré, éd. Seuil, 1982.
  • Jacques (Francis), dialogiques, recherches logiques sur le dialogue, P.U.F,1979.
  • Jenny (Laurent), La stratégie de la forme, in « Poétique », N° 27, éd. Seuil, 1976.

 

  • Kristeva (Julia), Sémiotiké, recherches pour une sémanalyse, éd. Seuil, 1969.
  • Gelder (G. j. H. van), Encyclopédie de l’islam, 1° éd., Leyde, 1913 et Nelle éd., Paris, 1960.
  •   Zumthor (Paul), Essai de poétique médiéval, éd. Seuil, Paris, 1972.
  • Bres ( Jacques) et Nowakowska (Aleksandra), Dialogisme : Du principe à la matérialité discurcive in « Le sens, et ses  voix, Dialogisme et polyphonie en langage et en discours », sous la direction de Laurent Perrin, Recherches linguistiques, Etudes publiées par Université Paul Verlaine- Metz, N° 28, 2006. 
  •   Catherine kerbrat- orecchioni, Les interactions verbales, 1/ Approche interactionnelle et structure des conversation, Armand Colin, 3° éd. 1990.
  • Rabatel (Alain), Les voix du texte littéraire et les phénomènes d’hétérogénéité, in « Le sens et ses voix, Dialogisme et polyphonie en langage et en discours », sous la direction de Laurent Perrin, Recherches linguistiques, Etudes publiées par Université Paul Verlaine- Metz, N° 28, 2006. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

[1]  وحسبنا مثالا على ذلك نقيضة جرير الشّهيرة التّي مطلعها:

بانَ الخَليطُ بِرامَتيْنِ فَوَدَّعُوا     أَوَ كُلَّما رَفعُوا لبيْنٍ تَجْزَعُ [الكامل]

  • شرح نقائض جرير والفرزدق، ج.3، برواية أبي عبد الله اليزيدي، عن أبي سعيد السكري، عن ابن حبيب، عن أبي عبيدة، تحقيق وتقديم محمد إبراهيم حُوّر ووليد محمود خالص، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي - الإمارات العربيّة المتّحدة، ط.2، 1998. ص.1046.

فقد استهلّها بمقطع مداره على النّسيب يمتدّ على 24 بيتا ثم انتقل إلى الشكوى من ضيم الأعادي (بيت 25)، ليتدرّج إلى هجاء الشعراء والفخر بتفوّقه عليهم وبقدرته على إخماد أصواتهم. ولم يشرع في هجاء الفرزدق والأخطل إلاّ في البيت 32. والحال أنّ قصيدة خصمه الفرزدق تبدأ مباشرة بفخر تغنى فيه صاحبها بكثرة عدد قومه وعتادهم ساخرا من هوان قبيلة جرير:

بينْ إذا نَزَلتْ عليْكَ مُجاشِعٌ    أو نَهْشلٌ تَلَعاتُكم ما تَصْنَعُ [الكامل]

                                            في جَحْفَلٍ لَجِبٍ كأنَّ زُهاءهُ     شرْقيُّ رُكْنِ عَمايَتيْنِ الأرْفعُ

  • المرجع نفسه، ص.1043.

 

1  من الملاحظ أنّ أسامة بن منقذ قد محّض بابا في كتابه "البديع في نقد الشّعر" لتعريف "المعارضة والمناقضة"، ولكنه لم يشر إلى الفنّ الشّعريّ الذّي نحن منه بسبيل. فقد عرّفهما بقوله:" وهو أن يناقض الشّاعر كلامه بعضه بعضا، كما قال خَفاف:

إذا انتكثَ الخيْلُ أَلْفيْتَهُ    صَبورَ الجَنان رزينا خَفيفا ".

  • انظر أسامة بن منقذ، البديع في نقد الشّعر، تحقيق أحمد بدوي وحامد عبد المجيد، مراجعة إبراهيم مصطفى، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، [د.ت]، ص. 125.

1  عرّف أحمد مطلوب "الهدم" بقوله:"الهدم من السّرقات وذلك أن يأتي الشّاعر بكلام تضمّن معنى يعكسه الآخر، [...]

وقال ابن الجوزيّة: » هو أن يأتي غيرك بكلام تضمّن معنى فتأتي أنت بضدّه فكأنّه هدم ما بناه المتكلّم «  ونقل الزّركشيّ هذا التّعريف".

وقد مثّل عليه مطلوب بالأبيات نفسها التي استشهد بها ابن رشيق في معرض تعريفه "العكس".

  • أحمد مطلوب، معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها، ج.3 (د - ت)، مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1987، مادة "الهدم"، ص.ص.348، 349.

 

1  ورد عنوان المقارنة على هذه الصّورة: "المعارضة Pastiche والنّقيضة Parodie" (انظر المرجع نفسه، ص. 72.)

1  وقد تُرجم هذا المصطلح أيضا بـ"المحاكاة التّهكّميّة" (مجدي وهبة وكامل المهندس) وبـ"المحاكاة الهزليّة" (إبراهيم فتحي وبشير المجدوب) وبـ"الباروديا" (سعيد يقطين). ولتفصيل القول في هذه التّرجمات ولبيان شيوع ترجمته بـ"المحاكاة السّاخرة"، انظر:

منصف ربعاوي، الباروديا الأدبيّة، في النّظرية والتّطبيق والتّرجمة، تطبيقات على الشّعر العربي القديم، زينب للنّشر والتّوزيع، تونس، 2018، ص، ص.  18- 19.

2  من المعلوم أنّ الجمحي قد جعل جريرا والفرزدق والأخطل في الطبقة الأولى من طبقات الإسلام، انظر:

محمّد بن سلاّم الجمحي، طبقات فحول الشّعراء، السّفر الثّاني، قرأه وشرحه محمود محمّد شاكر، دار المدني بجدّة، [د.ت]، ص. ص.  297- 298.

  1. نريد بالقافية ههنا الكلمة الأخيرة في البيت استنادا إلى ما ورد في اللّسان: "وقال الأخفش: القافية آخر كلمة في البيت" (لسان العرب، ج.12، م.م.، مادة "قفا"، ص. 166)، وإلى ما جاء في "كتاب القوافي": "وقال سعيد بن مسعدة: القافية الكلمة الأخيرة" 

- القاضي التنّوخي، كتاب القوافي، تقديم وتحقيق عمر الأسعد ومحيي الدّين رمضان، دار الإرشاد للطباعة والنّشر والتّوزيع، ط.1، 1870، ص. 59.

1  نريد بيته:

يَموتُ الهَوى مِنّي إذا ما لَقيتُها    ويحْيَا، إذا فارقْتُها، فَيَعودُ [الطويل]

  • ديوان جميل بثينة، دار صادر، بيروت، [د.ت]، ص. 40.

1  يُروى أنّ البحتريّ فضّل الفرزدق على جرير وبرّر ذلك بأنّ "أهاجي جرير كلّها تدور على أربعة أشياء هي: القين والزّنا وضرب الرّوميّ بالسّيف والنّفي من المسجد، ولا يهجو الفرزدق سوى بذلك. وأمّا الفرزدق فإنّه يهجو جريرا بأنحاء مختلفة".

  • المثل السّائر، م. م.، ص. ص.  274- 275.

2  نعثر على استعارة السّلاح للقصيدة في بيت آخر لجرير يقول فيه:

وإنِ تَمْنَعوا عنّا السّلاحَ، فعِنْدَنا    سِلاحٌ لنا لا يُشْتَرى بالدّراهِمِ [الطّويل]

  • أورده الطّاهر الهمّامي في الشّعر على الشّعر، بحث في الشّعريّة العربيّة من منظور شعر الشّعراء على شعرهم إلى القرن 5هـ/ 11م، جامعة منوبة، كلية الآداب بمنوبة، تونس، 2003، ص. 94.

1  وهذا ما أشار إليه الفرزدق بقوله عن جرير: "إنّي وإيّاه لنغترف من بحر واحد". 

  • كتاب الأغاني، المجلّد الثامن، م.م.، ص. 8.

وفي السّياق نفسه، يقول عبد القادر القط: "ومهما يقل النقّاد عن بعض الفروق التّي لحظوها بين بعض الشّعراء كقولهم: إنّ الفرزدق ينحت من صخر وجريرا يغرف من بحر، فإنّ تلك الفروق تظلّ شيئا طفيفا داخل ذلك الإطار العام المشترك وفي تلك الصّورة الواحدة وجوانبها المُكرّرة".

  • عبد القادر القط، في الشّعر الإسلامي والأموي، دار النّهضة العربية للطباعة والنّشر، بيروت، 1987، ص. 362.

ولئن ذهب شاكر الفحّام إلى أنّ الروّاة قد ينسبون البيت الواحد إلى الشّاعرين ويثبتوه في قصيدتيهما، فإنّ ذلك دليل على ما نحن منه بسبيل.

  • انظر: شاكر الفحّام، الفرزدق، دار الفكر، دمشق، ط.1، 1977، ص. 305.

1  انظر على سبيل المثال:

  • كتاب الأغاني، المجلّد الحادي والعشرون، م.م.، ص. ص.  231- 232.
  • المرجع نفسه، ص. ص.  238- 239.
  • المرجع نفسه، ص. 255.
  • كتاب الأغاني، المجلّد الثامن، م. م.، ص. ص.  24- 25.
  • المرجع نفسه، ص. 26.

1  ورد في بعض الأخبار أنّ الفرزدق راهن على طلاق زوجته نوار إن نقض جرير هذا البيت. انظر: كتاب الأغاني، المجلّد الحادي والعشرون، م. م.، ص. ص.  249- 250.

2  جاء في الحديث القدسيّ:" يؤذيني ابن آدم يسبّ الدّهر وأنا الدّهر"، والمعنى نفسه ورد في الحديث الشريف:" لا تسبوا الدهر، فإنّ الله هو الدهر". أورده علي الغيضاوي في الإحساس بالزمان في الشعر العربي، من الأصول حتى نهاية القرن الثاني للهجرة، ج.1، جامعة منوبة، كلية الآداب والفنون الإنسانيّة بمنوبة - تونس، 2011، ص.34.

3  من معاني الدهر "الغلبة والقهر والدولة والدحر والدفع بعنف على سبيل الإهانة والإذلال"

  • انظر محمد الرحموني، مفهوم الدهر في العلاقة بين المكان والزمان في الفضاء العربي القديم، الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، بيروت، ط.1، 2009، ص، ص. 48، 49.

 

1  "قيل لجرير: ما تقول في الأخطل؟ قال: كان أشدّنا اجتراء بالقليل وأنعتنا للحمر والخمر"

  • كتاب الأغاني، المجلّد الثّامن، م. م.، ص. 205.

2  وهذا ما أثبته عمر الإمام في نهاية بحثه بقوله إنّ النقيضة "تكرّس تقاليد العرب الشّعرية وتحوّرها بما يستجيب لطبيعة التّحوّلات في المجتمع العربي الإسلامي"، المرجع نفسه، ص 51.