المخالفة الصوتية وأثرها في بنية الكلمة ودلالتها
الباحث المراسل | د. مرتضى وداعة | جامعة ظفار |
د. أحمد بالخير | جامعة ظفار |
Date Of Submission :2024-08-22
Date Of Acception :2024-10-09
Date Of Publication :2024-10-29
مقدمة:
الأصل في الكلمة أنها تتكون من تضام عدد من الأصوات؛ لذلك فإن بناء الكلمات يرتبط ارتباطا وثيقا بالأصوات وفق علاقات معينة، وتفسر هذه العلاقات بظاهرات صوتية متعددة من بينها المخالفة الصوتية.
للمخالفة الصوتية دور بارز في أبنية كثير من الكلمات في اللغة العربية، وبناء على هذا الدور قد يحدث تغيير في الدلالة اللغوية، أوقد لا يحدث.
كل هذا جعل البحث يقدم هذا الموضوع: المـخـالفة الصوتية وأثرها على بناء الكلمة الصرفي ودلالتها اللغوية.
مشكلة الدراسة: هناك العديد من الأبنية تفسر على أساس ظاهرة المخالفة الصوتية، كما أن اختلاف المبنى ينبني عليه اختلاف في المعنى في غالب الأحيان؛ لذلك يطرح البحث السؤال الآتي:
ما أثر المخالفة الصوتية على بناء الكلمات الصرفيّ ودلاتها اللغوية؟
وهذا السؤال يمكن تفريعه إلى الأسئلة الآتية:
- ما أثر المخالفة على أبنية الكلمات؟
- ما علاقة أنواع المخالفة بالتغيير في أبنية الكلمات؟
- ما أثر المخالفة في دلالة الكلمات اللغوية؟
- هل لأنواع المخالفة علاقة بتغيير الدلالة اللغوية؟
الإجابة عن هذه الأسئلة توصل إلى نتائج يمكن وصفها بأنها حل لمشكلة الدراسة، وبأنها علمية.
أهداف الدراسة: تهدف هذه الدراسة إلى ما يلي:
- الوقوف على أثر المخالفة الصوتية على أبنية الكلمات.
- التعرف على أثر المخالفة الصوتية على الدلالة اللغوية للكلمات.
منهج الدراسة: تقتضي طبيعة الدراسة اتباع المنهج الوصفي التحليلي؛ وذلك لوصف كل ما يتعلق بالمخالفة الصوتية، ثم تحليل ما يتعلق بآثارها على أبنية الكلمات، ودلالاتها اللغوية.
الدراسات السابقة: لا يمكن القول إنّ هذه الدراسة هي الدراسة الأولى التي تناولت المخالفة الصوتية، لكن يمكن القول إنّ البحث لم يقف على دراسة بهذا العنوان:
المـخـالفة الصوتية وأثرها على بناء الكلمة الصرفي ودلالتها اللغوية
غير أن هناك دراسات لامست الموضوع، ومن بينها: دراسة الكنج، عثمان جميل قاسم، أثر التفخيم والمخالفة الصوتية في التوليد اللغوي (مقال 2009)، ودراسة بحرة، سامر زهير، قانون المخالفة الصوتية وأثره في نمو الثروة اللفظية للعربية الفصحى (مقال 2010).
وهناك دراسات تناولت المخالفة الصوتية في فصل أو مبحث ضمن الدراسة، ومنها: دراسة ابن موسى، سهير، ملامح الصوتيات التركيبية عند ابن جني (ماجستير 20129) ودراسة هاشمي، سهام، الدرس الصوتي عند ابن جني (ماجستير 2015)؛ حيث أفردت كل دراسة منهما فصلا خاصًا بالمخالفة الصوتية عند ابن جني.
محاور الدراسة:
فضلا عن المقدمة التي تحوي مشكلة الدراسة، وأهدافها، ومنهجها، والدراسات السابقة، والخاتمة التي تحوي أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة، فإن الدراسة تقع في محاور ثلاثة، هي:
- المخالفة الصوتية وما يتعلق بها: مفهوم المخالفة الصوتية، أسباب حدوثها، أنواعها، شروطها، مواقعها في الكلمة العربية.
- أثر المخالفة الصوتية في أبنية الكلمات.
- أثر المخالفة الصوتية في الدلالة اللغوية للكلمات.
المخالفة الصوتية وما يتعلق بها:
تعريفها: في اللغة من (خلف) التي تعني: أن يجيء الشيء بعد شيء يقوم مقامه، وخلاف قدام، والتغيير(ابن فارس، 1979). وخالفه إلى الشيء: عصاه إليه أو قصده بعد ما نهاه عنه، وهو من ذلك... وفي التنزيل العزيز: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ (هود:88)" (ابن منظور، د.ت).
وفي الاصطلاح ظاهرة المخالفة الصوتية عكس ظاهرة المماثلة، فإن كانت المماثلة هي تأثير صوت في صوت آخر قريب منه في المخرج أو الصفات حتى يصبح مثله تماما، فإن المخالفة تعني: "تغير أحد الصوتين في كلمة من الكلمات إلى صوت آخر مخالف"(هريدي، 2017)، وكما تعني: "تغيير أحد الصوتين المتماثلين في كلمة ما إلى صوت آخر مخالف، يغلب أن يكون من الصوائت الطويلة، أو أنصاف الصوائت، أو مــــن الأصوات المائعة وهي (ر، ل، م، ن)" (عبدالتواب، 1979).
مما سبق يتضح أن المخالفة:
-تقع في صوت واحد من الأصوات المتماثلة.
-قد تكون في الصوائت والموائع أكثر من الصوامت.
هذا، وما يربط معناها اللغوي بالمعنى الاصطلاحي أن ضمن المعاني اللغوية للمخالفة الشيء يحل محل شيء، والتغيير، وهذا يتوافق مع المعنى الاصطلاحي؛ حيث يحل صوت محل صوت آخر فيحدث تغيير في أصوات الكلمة، وبنيتها الصرفية.
ومنها في العربية (قيراط ودينار) بدلا من (قرّاط) و(دنّار) بدليل الجمع (قراريط) و(دنانير)، يقول المبرد (ت 286هـ): "والدليل على أن هذا إنما أبدل لاستثقال التضعيف قولك: دينار، وقيراط، والأصل: دنّار وقرّاط فأبدلت الياء للكسرة فلما فرقت بين المتضاعفين رجع الأصل فقلت: دنانير وقراريط" (المبرد، 1994). وذكر الزبيدي(ت379ه) أن أهل الأندلس في القرن الرابع الهجري يقولون (كرناسة) في(كرّاسة) كما كانوا يطلقون على الأسد كلمة (عَدَنْبس) بدلا من الكلمة القديمة (عدبَّس) (الزبيدي، 2000).
من الأمثلة يتضح أنه قد خالفت الراء الأولى الراء الثانية في (قرّاط) وأصبحت ياء، والشيء نفسه ما حدث لمخالفة النون الأولى للنون الثانية، أما ما ذكره الزبيدي فتحولت الراء إلى نون في (كرّاسة) والباء إلى نون في (عدبّس).
أسباب حدوثها: للمخالفة أسباب تؤدي إلى حدوثها، ومنها ما هو لغويّ صوتيّ، ومنها ما هو نفسي:
أما اللغوي الصوتي: فهو ميل المتحدث نحو تيسير الجهد العضلي عند انتاج الصوت؛ لأن الأصوات المتجاورة تتطلب جهداً أكبر من الأصوات المتباينة. يقول سيبويه(ت180هـ): " هذا باب ما شذّ فأبدل مكان اللام ياء لكراهة التضعيف، وليس بمطّرد، وذلك قولك: تسرّيت، وتظّنيت، وتقصّيت من القصة، وأمليت..." (سيبويه، 1982)، فسيبويه يعني أن الأصل: تسررت، تظننت، وتقصصت، وأمللت، فأبدل الأخير من المتماثلين ياء طلبًا للتيسير في النطق.
وأما النفسيّ: فقد لفت النظر إليه المستشرق براجستر، وهو مخافة الوقوع في الخطأ في النطق؛ ذلك لأن الخطأ في الأصوات المتماثلة المتجاورة أكثر حدوثا منه في الأصوات المتخالفة، هذا فضلا عن أن التأثير في السامع بأصوات متعددة أكثر فاعلية من التأثير بصوت واحد؛ لأن المماثلة تجعل من الصوتين صوتا واحدا (براجستر،1994). بينما المخالفة تكون بين صوتين متخالفين، وهذا مما يجعل السامع ينتبه للصوت الأول، ثم الثاني، بخلاف سماعه صوتا واحدا مضغوطًا، أي صوتا مضعّفًا.
أنواعها: هناك عدد من التقسيمات لأنواع المخالفة الصوتية، ولكن من أبرزها:
المخالفة المتصلة: هي تلك المخالفة التي تكون بين الأصوات المتماثلة المتتالية (الحروف المشددة) وقد يخالف الصوت الأول منها إلى نون أو راء، أو لام، مثل: (فرقع) بدلا من (فقّع) حيث كانت (فققع) ثم (فرقع)، و(إنجار) من (إجّار) وهو السطح؛ حيث حدثت المخالفة بين الجيمين فخالفت الأولى إلى نون. و(ذبذب) من (ذبّب) وهنا خالفت الباء الثانية، وأصبحت ذالا فالأصل: ذبّب. وطرمح من (طرّح)؛حيث خالفت الراء الثانية وتحولت إلى ميم.
المخالفة المنفصلة: هي تلك المخالفة التي يكون بين صوتيها صوت فارق، مثل: (اخضوضر) التي أصلها (اخضرضر) من (اخضرّر) فأبدلت الراء الأولى واوا لجوار مثلها. ومن أمثلتها كذلك: (اعشوشب) أصلها: (اعشبشب) و(بغداد) أصلها (بغــدان) و(أيهات) أصلها (هيهات) عند أهل الحجاز (عبدالجليل، 1998).
المخالفة الكمية: غالبًا ما تكون في أواخر المقاطع الصوتية (عبدالجليل، 1998) مثل: له (لهو)، به (بهي)، لك (لكي).
وهنا خالف المقطع المنتهي بحركة قصيرة؛ حيث أصبح ينتهي بحركة طويلة؛ يتضح ذلك من خلال ما يلي: فـ(له) نسيجها المقطعي: ل\هـ= ص ح\ ص ح فيصبح ل\ هو= ص ح\ ص ح ح. وكذلك (به، بهي) و(لك، لكي).
شروط حدوثها: يمكن القول إن المخالفة قد تحدث في أي كلمة من الكمات، لكن بشروط، هي (هريدي، 2017):
1-أن يكون بالكلمة صوتان متماثلان أو أكثر، مثل: مهدّم، مهردم (براجستر،1994).
2-أن يكون أحد الصوتين ساكانا سواء الأول أو الثاني، مثل: ممطر ومنطر؛ فالميم الثانية هي الساكنة، ومثل: إجّاص إنجاص، وهنا الساكن هو الجيم الأولى.
3-هذان الصوتان يمكن أن يكونا من جذر الكلمة التي تحدث فيها المخالفة (مورفيم الدلالة الأصل) كما هو في (كبكب) من (كبّب) أو قد يكون أحدهما مورفيما صرفيا وظيفيا مثل ميم المفعولية، والثاني فونيم من الفونيمات التي تشكل الجذر الدلالي، مثل: ممطر منطِر؛ فالميم الأولى ليست من أصل الكلمة، فهي ميم اسم الفاعل، والثانية هي من جذر الكلمة.
4-قد يكون الفونيم الصرفي في نهاية الكلمة كالضمائر المتصلة، مثل: التاء، النون وغيرهما، وقد يكون أكثر من ضمير؛ وذلك لاجتماع ضمائر الرفع والنصب في أواخر الكلمات. وذلك مثل الفعل المضعف (بتّ) عند إسناده لتاء المتكلم فيصبح (بتتُّ) ثم تحدث المخالفة (بتلتُ) و (بترتُ) (براجستر،1994).
مواقعها في الكلمات العربية: سبق القول إن المخالفة قد تكون متصلة، وقد تكون منفصلة، ولكل ضرب مواقع في اللغة العربية، ويمكن تفصيل ذلك فيما يلي:
أولا-مواقع المخالفة المتصلة: وهي تكون في هذه الأنماط من الأفعال (هريدي، 2017):
أ-الفعل الثلاثي الصحيح المضعّف العين (فعّل) في الماضي والمضارع والأمر، والمزيد من بناء (تفعّل) والمضارع والأمر والمصدر منه، وبناء (مفعّل) لاسم الفاعل والمفعول، وصيغ المبالغة المضعفة الوسط في: فعّال، فعّول، فعّيل...وهي في هذه الحالة توّلد أفعال وأسماء رباعية جديدة.
ب-مصادر الفعل الثنائي المضعّف، مثل: البتّ، والبرت، والبلت، وكلها بمعنى القطع.
ج-ما كان مشتقًا من الأفعال المبدوءة بصوت الميم من صيغة اسم الفاعل والمفعول على بناء (مُفْعِل) (مفعول) (مُفعَل) والمبالغة على وزن (مِفعال)، وما جاءت فيه الميم مزيدة في أول الكلمة، والمصدر الميمي، واسم الآلة. ومن الأمثلة على هذا النوع المخالفة في: ممغر ومنغر، وهو الطين الأحمر (الفيروز آبادي، 2002)، ممدوحة ومندوحة (ابن فارس، 1979).
د-ماضي الأفعال الثنائية المضعفة المسندة إلى مورفيمات ضمائر المتكلمين والمخاطبين (فعلتُ، فعلتَ، فعلتِ، فعلنا) مثل: بتّ بتتُ بتلتُ...إلخ.
هـ-الأبنية المسندة إلى مورفيمات الضمائر، مثل: (فعللتُ) ومنه: جلبب، شملل، جلببت، شمللت، وهي من: جلّب، وشمّل (سيبويه، 1982).
ثانيا-مواقع المخالفة المنفصلة: يكثر هذا النمط من المخالفة في صنفين من الأفعال، هما (هريدي، 2017):
أ-الأفعال الثنائية المضعفة، مثل: كبكب، دبدب، قهقه التي هي في الأصل من: كبّ، دبّ، قهّ، وهي تكون في الغالب حكاية عن الأصوات، والبعض يرى أنها رباعية.
ب-الأفعال الخماسية، مثل: (اخضرضر) التي خالفت فيها الراء فأصبحت واوا في: (اخضوضر) (براجستر،1994).
أما المخالفة الكمية فمواقعها أواخر المقاطع القصيرة، وتحولها إلى طويلة، مثل: به (بهي)، عندهُ (عندهو).
أثر المخالفة الصوتية في أبنية الكلمات: يظهر أن المخالفة المتصلة قد تؤثر على البناء الصرفي للكلمات، ويظهر ذلك من خلال ما يلي:
- في (رصّص) و(رصرص) من (رصص) بمعنى: إحكام البنيان وجمعه، وضمه بعضه إلى بعض (ابن منظور، د.ت)، حيث حدثت المخالفة في تحول الصاد الثانية إلى راء فأصبحت (رصرص) والنسيج المقطعي لـ(رصّص) هو: رصْ ص ح ص\ صَ ص ح\ ص ص ح\ ووزنها الصرفي هو: فعّل بتضعيف العين، وهو النسيج المقطعي نفسه غير أن وزنها الصرفي هو: فعلل. وهنا يظهر عدم اختلاف النسيج المقطعي؛ وذلك لأن المخالفة هنا هي إحلال صوت الراء المتحرك محل الصاد المتحركة، أمّا الوزن الصرفي فيختلف نتيجة لفك الإدغام (المماثلة) في (رصّصَ) وخولفت بالراء فتحول الفعل إلى الرباعي الذي وزنه (فعلل).
- في (كبّب) و(كبكب) مخالفة الباء إلى كاف، فالعرب تقول: تكبّبت الإبل، إذا صرعت من الهزال، ومنه قوله تعالى: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ﴾ (الشعراء:94) فتقول: كبكب، وكبّب(الجوهري، 1999)، يقول الطبري(ت310هـ) في تعليقه على الآية: "وأصل كبكبوا: كببوا، ولكن الكاف كرّرت كما قيل: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ (الحاقة:6) يعني به صرّ، ونهنهني يُنهنهُني، يعني به: نههني" (الطبري، د.ت)، والنسيج المقطعي هو نفسه لـ(رصّص) و(رصرص) وكذلك الميزان الصرفي.
من المثالين يمكن القول إن هذا النمط من الأفعال يتغير فيه وزن الفعل فبدلا من (رصّص، كبّب) عند حدوث المخالفة يصبح من الرباعي، ويكون الوزن الصرفي قبل المخالفة (فعّل) وبعدها (فعلل)، أمّا النسيج المقطعي فلا تأثير للمخالفة فيه.
وإذا أخذنا عددا من الأمثلة من غير هذا النمط، مثل:
- ما ذكره ابن جني في (رِخْوَد) و(رِخْدَد) والذي هو بناء من الأول على (جعفر) (ابن جني، 1953) فيلاحظ أن النسيج المقطعي لـ(رخود) هو رخ ص ح ص\ ود ص ح ص\ وهو النسيج المقطعي نفسه لـ(رخدد) أما الوزن الصرفي للأولى فهو (فِعْوَل) والثانية: (فِعلل) مثل: جعفر بكسر أوله.
- ما ذكره نشوان الحميري(ت573هـ) أن (أُصيلال) أصلها (أصيّال) إذ يقول معلقا على قول النابغة(البسيط) (النابغة الذبياني، 1996):
وقفتُ بها أصيلالًا أسائلها** أعيتْ جوابًا وما بالربع من أحدِ
"والأصل: أصيّال بياء مشددة، وليس ذلك بمطّرد" (نشوان الحميري،1999). وهنا خالفت الياء الثانية فأصبحت لاما، فالنسيج المقطعي لـ(أصيّال) بالوقف هو أ ص ح\ صيـْ ص ح ص\يالْ ص ح ح ص، وهو نفسه لـ(أصيلال) أما الوزن الصرفي فـ(أصيّال) وزنها: فعيّال، و(أصيلال) فعيلال، هذا بالرجوع إلى: أصيل التي على وزن: فعيل.
- في قولك: ثرّرت الشيء وثريّته بمعنى نديته (ابن فارس، 1979). يلاحظ حدوث المخالفة بتحول الراء إلى ياء، والنسيج المقطعي هو نفسه ص ح ص\ ص ح\ ص ح\ أما الوزن الصرفي للأول فهو: فعّل، وللثاني فهو: فعلل، وذلك لتضعيف الياء التي هي لام الكلمة.
- في الفعل (بتّ) الذي تحدث له مخالفة بتغير لام الكلمة (بتر) (بتك) بمعنى قطع، حيث يرى ابن فارس(ت392ه) أن الأصل هو الباء والتاء، وجعل عنوان الباب: باب الباء والتاء وما بعدهما من الثلاثي (ابن فارس، 1979). وهنا يلاحظ اختلاف النسيج المقطعي فهو في (بتّ) بتْ ص ح ص\ تَ ص ح\ أما فيما حدثت فيهما المخالفة فالنسيج المقطعي فهو بَ ص ح\ تَ ص ح\ ر ص ح، ومثلها بتك، وكذلك الميزان الصرفي؛ إذ إن (بتّ) وزنها (فعْل) أما ما حدثت فيهما المخالفة فوزنهما: فعَل (بفتح العين).
- ما جاء من مخالفة في (إجّاص) و(إنجاص) فيقال: إجّاصة، وإنْجاصة، وقيل هما: لغتان، وقيل من الدخيل (ابن منظور، د.ت)، والنسيج المقطعي: إج ص ح ص\ جاص ص ح ح ص حال الوقف بالسكون للكلمتين، وإذا أخذنا الأصل: (أجص) كما ذكر فـ(إجّاص) يكون وزنها: فعّال، و(إنجاص) وزنها: فنعال.
مما سبق يمكن القول إن المخالفة المتصلة تلعب دورا واضحا في الميزان الصرفي سواء كانت الكلمة ثلاثية أو غير ثلاثية، ويختلف الأمر بالنسبة للنسيج المقطعي؛ حيث يكون واحدا في غير الثلاثي، ويختلف في الثلاثي.
كما أن المخالفة المنفصلة لها أثر واضح في البناء الصرفي للكلمة، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:
- الكلمات التي تأتي أولها ووان الثانية منها معلة فتخالف الأولى إلى همزة، كما في: وواقف أواقف، وواصل أواصل، وواثق أواثق (بابستي، 1992). وأصل الكلمات (وقف، وصل، وثق) ونسيجها المقطعي: ص ح\ ص ح ح\ ص ح ص\ في كلا الوضعين قبل وبعد المخالفة، أما الميزان الصرفي إن كانت بالواو فوزنها: وفاعل، وبالهمزة أفاعل.
- في بعض الأفعال مضعفة العين، مثل: تصدّى من تصدّد، وتلظّى من تلظّظ، ودسّاها من دسّسها (الفراهيدي، 1985).
فـ(تصدّى) نسيجها المقطعي تـ ص ح\ صد ص ح ص\ دى ص ح ح، ووزنها تفعلى، ومثلها تلظّى، ودسّاها نسيجها: دس ص ح ص\ سا ص ح ح\ ها ص ح ح. ووزنها: فعلاها، أمّا الأصول: تصدّد فنسيجها: تـ ص ح\ صد ص ح ص\ د ص ح\ د ص ح\ ووزنها تفعّل، ومثلها: تلظظ، ودسّسها نسيجها المقطعي: دس ص ح ص\ س ص ح\ س ص ح\ ها ص ح ح، ووزنها: فعّلها. وهنا يظهر دول المخالفة في تغير بناء الكلمة من حيث النسيج المقطعي، الوزن الصرفي.
- الكلمــات الخــماسية التي علــى وزن افعــوعل، ومنها: اخضوضر، اخشوشن، اغــدودن (ابن منظور، د.ت). والأصل: اخضرضر، اخششّن، اغددّن، فحالفت، الشين، الدال، فأصبحت ووا، وفي: اخضوضر النسيج المقطعى: اخ ص ح ص\ ضر ص ح ص\ ض ص ح\ر ص ح وهو نسيج: اخضرضر؛ لأن الواو فقط حلت محل الراء، والوزن: افعوعل، أما وزن اخضرضر فهو: افعلعل. وهذا ينطبق على الأخريات.
عليه، فإن المخالفة لم تؤثر على النسيج المقطعي في هذا النوع من الأفعال بقدر ما أثرت على الميزان الصرفي.
مما سبق يمكن القول: إن المخالفة المنفصلة لا تؤثر في النسيج المقطعي في (فواعل) و(افعوعل) ولكنها تؤثر في الميزان الصرفي، أما في الأفعال التي فيها التضعيف فإنها تؤثر في بناء الكلمة من ناحية النسيج المقطعي والوزن الصرفي.
والمخالفة الكمية تؤثر في النسيج المقطعي فبدلا من أن يكون المقطع قصير مفتوح يصبح طويلا مفتوحا في نحو: بهِ (بالكسر) وبهي (بالإشباع). ومنه قول الشاعر(البسيط) (ابن الأنباري، 2002):
وأنني حيثما يَثْنِي الهوى بصري*** من حيثما سلكوا أدنو فَأَنْظُورُ
فالأصل (أنظُر) بضم الظاء فقط، والنسيج المقطعي لها (فأنظر) فَ ص ح\أ ن ص ح ص\ ظُ ص ح\ رُ ص ح. أما (فأنظورُ) فيتغير النسيج حيث يصبح المقطع في صوت الطاء طويلا مفتوحا؛ حيث نسيجها المقطعي كما يلي: فَ ص ح\ أنْ ص ح ص\ ظو ص ح ح\ رُ ص ح. هذا في حال الوصل، ومن حيث الوزن نجد أن أنظر على وزن: أفعُلُ بخلاف أنظور التي وزنها: أفعولُ.
ومن ذلك-أيضًا-قول الفرزدق(البسيط) (البغدادي، 1997):
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة** نفي الدارهيم تنقاد الصياريفِ
فهي في الأصل: صيارٍف، ونسيجها ص ص ح\ يا ص ح ح\ر ص ح\ ف ص ح وبعد المخالفة الكمية تغير النسيج المقطعي إلى: ص ص ح\ يا ص ح ح\ريـ ص ح ح\ف ص ح. ووزنها قبل المخالفة: فياعيل، وبعدها فياعيل. والقول نفسه ينطبق على (الدراهيم).
وقول الراجز(الرجز) (ابن الأنباري، 2002):
خود أناةٌ كالمهاةِ عُطبولُ**كأنَّ في أنيابها القرنـــــفولُ
وهي في الأصل: القرنفُل فأشبعت ضمة الفاء فأصبحت القرنفول، والنسيج المقطعي قبل المخالفة الكمية لـ(قرنفلُ): قـ ص ح\ رن ص ح ص\فُ ص ح\ لُ ص ح\ وبعدها: قرنفولُ يصبح النسيج: قـ ص ح\ رن ص ح ص\ فو ص ح ح\ لُ ص ح\ فمقطع \فُ ص ح\ يتحول إلى \ فو ص ح ح\ ووزنها قبل المخالفة: فُعَلّل، وبعدها: فعلّول.
عليه، فالمخالفة الكمية لها تأثير واضح في بناء الكلمات سواء من ناحية النسيج المقطعي، والميزان الصرفي.
أثر المخالفة الصوتية في الدلالة اللغوية للكلمات:
يرتبط المعنى بالمبنى، وتشكل أصوات الكلمة عند تضامها معنى تسهم فيه هذه الأصوات، ولكن البعض لا يدرك الفرق بين: نشِط ونشيط، وعسِر وعسير، وعطِش وعطشان.
وفي المخالفة الصوتية المتصلة يظهر هذا الأمر بوضوح، ومن ذلك أن: قطّ، قطع، قطف، قطم، كلها تدل على القطع للاشتراك في القاف والطاء، وهو الأصل، ثم خالفت: قطع بالعين فاكتسبت معنى الهجران مثلا، وخالفت: قطف بالفاء فخصت بقطف الثمار، وخالفت قطم بالميم فاكتسبت القطع مع الشهوة، ومنه قولهم: قطم الفصيل الحشيش بأدنى فمه (ابن فارس، 1979). وقد تكون المخالفة في أول الكلمة كما في: خضم، وقضم؛ فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ، والقضم لأكل الصلب اليابس (ابن جني، 1953). حيث يشتركان في الضاد والميم (ضم). ويربط ابن جنى(ت392ه) بين المعنى والصوت بقوله: " فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب، والقاف لصلابتها لليابس، حذْوّا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث" (ابن جني، 1953).
أمّا في نحو: ذبذب من ذبّب، والأصل: ذبب فـ(ذبّب) أكثر الذبّ، وهو الدفع والمنع، أما ذبذب فتعني التحرك والاضطراب (ابن منظور، د.ت). ومن ذلك – أيضا-ثرّر فهي تدل على الكثرة والغزارة، نقول: عين ثرة، أي غزيرة الماء، ووهي ثرّارة، وعندما تخالف تصبح ثرثار، وثرثارة بمعنى كثرة الكلام (ابن جني، 1953).
وفي نحو: إجّاص، وإنجاص بمعنى الكمثرى، وإجّار وإنجار بمعنى السطح، لا تؤدي لاختلاف المعنى؛ وذلك لأن المسمى المعني واحد، وهي هنا ناتجة لاختلاف في لهجات العرب. فقد ذكر ابن بري(ت582ه) في إجّاص وإنجاص أنهما لغتان، أي لهجتان، ويذكر ابن منظور(ت711هـ) أن إجّار: لغة الشام والحجاز، وإنجار لغة فيه ولم يسمها (ابن منظور، د.ت).
إذن يمكن القول إن المخالفة المتصلة تؤدي لاختلاف المعنى مع اشتراك في المعنى العام غير أنّ المسميات لا تحدث فيها تغييرا في المعنى؛ وإنّ المخالفة فيها ترجع لاختلاف اللهجات.
والمخالفة المنفصلة لها تأثير في تغيير المعاني في (افعوعل) فعلى سبيل المثال: اخشوشن من: خشن اخششّن، اكتسبت معنى المبالغة في الخشونة بعد المخالفة، ومثلها: اخلولق، اعشوشب، اغدودن، وغيرها، يقول سيبويه: (ت180هـ) " قالوا خشن، وقالوا: اخشوشن. وسألت الخليل(ت175ه)، فقال: كأنهم أرادوا المبالغة والتوكيد، كما أنه إذا قال اعشوشبت الأرض فإنما يريد أن ذلك كثيرًا عامًا، وقد بالغ" (سيبويه، 1982)، ويقول ابن جني(ت392هـ): " وقد أتبعوا اللام في باب المبالغة العين؛ وذلك إذا كررت...ألا ترى إلى ما جاء عنهم للمبالغة من نحو: اخلولق، واعشوشب، واغدودن" (ابن جني، 1953) ، ويقول ابن منظور(ت711هـ): " واخشوشن الشيء اشتدت خشونته وهو للمبالغة كقولهم أعشبت الأرض واعشوشبت...ومعنى خشن دون معنى اخشوشن لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو، وكذلك كل ما كان من هذا كاعشوشب ونحوه" (ابن منظور، د.ت)، ويقول الجوهري: (ت393ه) " أعشبت الأرض، إذا أنبتت العشب...واعشوشبت الأرض، أي كثر عشبها، وهو للمبالغة كقولك: خشن واخشوشن" (الجوهري، 1999).
كما أنها تؤثر في معاني الأفعال المضعفة التي تسند إلى تاء الفاعل، مثل: تقصيّتُ وتقصصّت، وكلاهما جائز. يقول ابن جني(ت392ه): " وتقصيّت...ليس من إعلال ذلك ونحوه بواجب، بل جميعه لو شئت لصححته" (ابن جني، 1953)، وهذه المخالفة وما ماثلها تؤدى إلى تغيير في الدلالة اللغوية؛ فتقصصّتُ الكلام حفظته، والخبر تتبعته، وتقصيت الأمر واستقصيته بمعنى استوثقته (ابن منظور، د.ت).
ولا تؤثر في المعنى إذا كانت في الأعلام كما في: بغداد، بغدان، بغداذ، وهي كلها تعني مدينة السلام في العراق، وهو خلاف لهجي لا غير وقد نبه الفيروز آبادي(ت817ه) على أنها لهجات (الفيروز آبادي، 2005).
ويبدو كذلك أنها لا تأثير لها في المعنى في مخالفة الواو إلى همزة في نحو: وواثق أواثق، ذلك لأنك تقول: أوثقته إيثاقا ووثاقا بمعنى ربطته بحبل أو نحوه (الزبيدي، 1990).
مما سبق يتضح أن المخالفة المنفصلة تؤثر في تغيير الدلالة اللغوية في الأفعال السداسية التي على وزن افعوعل، والمضعف المتصل بتاء المتكلم، ولا تؤثر في تغيير دلالة الأسماء أو ما خالفت وواه إلى همزة في بداية الكلمة.
والمخالفة الكمية لا تؤدي إلى تغيير في دلالة الكلمات التي تعتريها؛ ومن ذلك العقرب، والعقراب بمعنى واحد، ويرجع البعض هذه المخالفة الكمية للضرورة الشعرية، ويطلق عليها إشباع الفتحة ألفًا، وهي في قول الراجز(الرجز) (المالقي، 2002):
أعوذُ باللهِ من العقرابِ** الشائلات عقد الأذناب
وكذلك الدرهم والدرهام، بمعنى واحد، وعدها المالقي(702ه) من اختلاف اللهجات، كما في قول القائل(الرجز) (المالقي، 2002):
لو أنّ عندي مئتي درهامِ** لابتعتُ عبدًا مِنْ بني جذامِ
ومنها مواسِق، ومواسيق على غير قياس، بمعنى النوق الحاملة (الزبيدي، 1990)، حيث خالفت الكسرة إلى ياء.
عليه، فالمخالفة الكمية لا تأثير لها في تغير الدلالة اللغوية، وتتعلق بالضرائر الشعرية، واللهجات، والمسموع.
خاتمة:
في ختام هذه الدراسة يتم تلخيص أهم النتائج في النقاط الآتية:
- المخالفة المتصلة تلعب دورا واضحا في الميزان الصرفي سواء كانت الكلمة ثلاثية أو غير ثلاثية، ويختلف الأمر بالنسبة للنسيج المقطعي؛ حيث يكون واحدا في غير الثلاثي، ويختلف في الثلاثي.
- المخالفة المنفصلة لا تؤثر في النسيج المقطعي في (فواعل) و(افعوعل) ولكنها تؤثر في الميزان الصرفي، أمّا في الأفعال التي فيها التضعيف فإنها تؤثر في بناء الكلمة من ناحية النسيج المقطعي والوزن الصرفي معًا.
- المخالفة الكمية لها تأثير واضح في بناء الكلمات سواء من ناحية النسيج المقطعي، والميزان الصرفي.
- المخالفة المتصلة والمنفصلة تؤثران في تغيير الدلالة اللغوية ما عدا التي تقع في أسماء الأعلام منها، أما المخالفة الكمية فلا تؤثر في تغيير الدلالة اللغوية؛ وذلك لأنها ناتجة عن الاختلاف اللهجي أو الضرائر الشعرية.