الشَّفاعة في رسالة (صاعد البغدادي) للوزير ( ابن الدُّب) دراسة تحليليَّة نقديَّة.
الباحث المراسل | د. سهاد الرّياحي | غبر مرتبطة بعمل حاليًّا |
Date Of Submission :2024-07-23
Date Of Submission :2024-07-23
Date Of Submission :2024-08-18
Date Of Acception :2024-10-09
Date Of Publication :2024-10-29
المقدّمة
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، حمدًا نبلغُ به رضاه، ونؤدّي به شكره، ونستوجب به المزيد من فضله، وصلّى الله وسلّم وبارك على سيّدنا ونبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعدُ:
فمن تمام فضل الله ونعمه أن يمثُلَ هذا البحث شامخًا بين أيديكم بموضوعه وهويّته، تحت مسمّى (الشّفاعة في رسالة صاعد للوزير ابن الدّبّ – دراسةً تحليليّة نقديّة)، حيثُ يتناول ظاهرةً اجتماعيّة إنسانيّة، احتفت بها الرّسائل الأندلسيّة في ذلك الوقت؛ بفعل النّكبات في القرن الخامس الهجريّ والأحداث التّاريخيّة وقتها، وجسّدها (صاعدٌ) بشفاعته للوزير (ابن مسلمة) بدافع الصّداقة والحسّ الإنسانيّ، وهي رسالة مُجْتَزَأَة ليس لها من الاكتمال، كما لم يَكُن لِصاحبها حَظٌّ من إحراز مُناهُ.
ويقودنا موضوع الرّسالة إلى الوقوف على مفهوم الظّاهرة ببُعديها اللّغويّ والاصطلاحيّ، ومن ثمّ البحث عن نسبتها للرّسائل الإخوانيّة، واستظهار ملامحها الفنّيّة وأبعادها النّفسيّة، الأمر الذي يصلُ بنا إلى إشكاليّة الدّراسة بإثارة التّساؤلات والفرضيّات، فأمّا عن إشكاليّة الدّراسة، فيُثيرها (ابنُ بسّام) الذي تفرّد بإثبات الرّسالة دون غيره، مقدّمًا لها بالحكم بعدم جدواها؛ لينهض هذا البحث مناقشًا ومفسّرًا ومحلّلاً ومستخلصًا لدواعي هذا الحكم، الذي لم نجد أمامنا خيارٌ يصرفنا عن التّسليم به، خصوصًا أنّه المتبنّي الوحيد لهذا النّصّ، وإضافةً إلى عدم ذكر أيّ خبرٍ يومئ إلى نجاح (صاعد) في مسعاه لخلاص صاحبه بشفاعته تلك، وهنا، تبرز أهمّيّة البحث بتحقيق أهدافه في الإجابة عن تساؤلات قد يتعثّر بها المتلقّي وتعتّمُ رؤيته لجدَّة الدّراسة، التي تتمحور إشكاليّتها حول عدم نجاح (صاعد) في استدرار عطف الخليفة سليمان ووزيره ابن الدُّب على الوزير المنكوب (ابن مسلمة) بأسلوبه وشفاعته، ودراستها على المستوى الفنّي وقراءتها من البُعد النّفسيّ.
فلماذا استأثر (ابنُ بسّام) بإيراد هذه الرّسالة – دون غيره – مع علمه وإقراره مسبقًا بعدم جدواها؟ وهل كان ذلك من باب الاستفاضة في جمع الأخبار المتعلّقة بالوافدين على الأندلس، وفي جمع كلّ منظومٍ ومنثور في ذخيرته؟ أم إنصافًا للرّجل وإقرارًا بأثره المنظوم والمنثور؟ أم إشارةً لهذه الظّاهرة الاجتماعيّة وأهمّيّتها على سبيل التّوثيق؟ وهل أدّى البناءُ الفنّي للشّفاعةِ حقّها؟ وهل نستطيعُ الحكمَ بذلك قطعًا – رغم عدم إثبات الرّسالة بنصّها الكامل – وإن كانت قد أوفَت بحقّها الفنّي؟ فهل كان لغياب فصول الرّسالة الأخرى أثرٌ على عدم اكتمال القيمة الفنّيّة لها، وإخفاق (صاعد) في بلوغ مرامه بالشّفاعة لصاحبه؟ وهل يُمكننا القول إنّ (صاعدًا) لم يتمثّل شخصيّة المستشفع بشكلٍ جيّد؟ الأمر الذي يُحتّم علينا استظهار الطّابع الاجتماعيّ والنّفسيّ لشخصيّة (صاعد) الشّفيع؟
وأكثر ما يستدعينا مناقشته هو سببُ اختيار هذه الرّسالة بشكلٍ يُثري أهمّيّة البحث، فلماذا وقع اختيارنا على رسالة (صاعد) دون آثاره الأدبيّة الأخرى؟ لينطق البحث بجدّته في دراسة رسالةٍ أدبيّة مغلّفة بالطّابع الإنسانيّ وتفتقرُ إلى الاهتمام البحثيّ والنّقديّ من قِبَل الدّارسين وإلى عنايتهم بها نقلاً وبحثًا ونقدًا، ولا سيّما أنها تطرحُ جدليّة كبيرةً باجتزائها واستقرارها في ذخيرة (ابن بسّام) وعدم تنقّلها في غيره من كتب الأدب والأخبار، على الرّغم من أنّ المصادر الأدبيّة والتّاريخيّة لم تخلُ من تناقل أخباره مع (المنصور) الذي أولاه عناية الكتاب، فترى جلّ أخباره تقترن بذكر اسمه مع (المنصور).
وبناءً على ما تقدّم، كانت الدّراسات السّابقة لهذا البحث تحوم حول التّعريف بـ (صاعد) وأخباره ووفادته على الأندلس وعلاقته بـ (المنصور)، بدءًا من كتاب (جذوة المقتبس) للحميديّ، و(بغية الملتمس) للضّبّي، و(إنباه الرّواة) للقفطيّ، و(البيان المغرب) لابن عذارى المراكشيّ، وكتاب (الإمتاع والمؤانسة) و(المقابسات) للتّوحيديّ، و(الصّلة) لابن باشكوال، و(نفح الطّيب) للمقري، وغيرها.
ومنها ما استظهرنا من خلالها خصائص الرّسالة الشّخصيّة في القرن الخامس الهجريّ، مثل (الحلّة السّيراء) لابن الأبّار القضاعيّ، وكتاب (أدب الرّسائل) لفايز القيسيّ، وبعضها برهنّا به على آراء نقديّة في الجانب اللّغويّ والبلاغيّ للرّسالة، كـ (كتاب سيبويه)، و(في معاني حروف الجرّ) لابن هشام، و(تاج العروس) للزّبيديّ، و(أساس البلاغة) للزّمخشريّ، وسواها مما اتّصل به البحث في هذا الجانب، ولم تغفل الاستفادة من المراجع الاجتماعيّة والنّفسيّة في سيكولوجيّة الشّخصيّة وأنماطها، والصّداقة من منظور علم النّفس.
ومع تعدّد تلك الدّراسات، إلاّ أنّها كانت مساندة تمهّد لنا طريق البحث من غير سابق معرفةٍ، إذ إنّني لم أقع على دراسةٍ تمسّ عنوانًا وموضوعًا بشكلٍ يستظهرُ رسالةَ (صاعد) في الشّفاعة بخصائصها الفنّيّة ومنطلقها النّفسيّ، أو حتّى على دراسة تحرّك مسألة تعثّر (صاعد) في شفاعته لـ (ابن مسلمة) بالمناقشة والفلسفة النّاقدة، وعليه؛ كان كتاب الذّخيرة لـ (ابن بسام) المرجعَ الأوّل والرّئيس لبحثنا هذا.
وسعيًا إلى ضبط المحتوى البحثيّ وتوجيهه إلى جادّة الطّريق، ارتأيتُ اختيار المنهج التحليليّ؛ كونه يعتمدُ أدوات التّفسير والنّقد والمناقشة وشرح المسبّبات وإثارة الفرضيّات والتّساؤلات من خلال تحليل حيثيّات النّصّ وخباياه بالتّفصيل والشّرح الوافيّ بمنهجيّة شموليّة متكاملة تراعي الصّيغة الجماليّة بأساليبها البلاغيّة واللّغويّة بنظرةٍ نقديّةٍ تعتمدُ التّأمّل التّفكير والاستقصاء والخروج بالأحكام واستنباط النّتائج المفصليّة التي تحقّق أهداف الدّراسة، وتشفع لـ (صاعد) عجزه في الشّفاعةِ لصاحبه.
ولتحقيق البحث غايته وأهدافه، جاءت عناوينه على النّحو الآتي:
- مفهوم الشّفاعة لغةً واصطلاحًا.
- التّعريف بـ (صاعد البغدادي).
- نصّ الرّسالة وموضوعها.
- ملامح البناء الفنّي في الرّسالة.
- الطّابع الاجتماعيّ والنّفسي لشخصيّة (صاعد) الشّفيع.
- الخاتمة والنّتائج.
أوّلاً: مفهوم الشفاعة لغةً واصطلاحًا
قبل الشّروع في مفاصل البحث، نقفُ على مفهوم الشّفاعة بالرّجوع إلى مادّتها اللّغويّة، وفي ذلك يقول ابن منظور: "وشَفَع لِي يَشْفَعُ شَفاعةً وتَشَفَّعَ: طَلب. والشَّفِيعُ: الشَّافِعُ، وَالْجَمْعُ شُفَعاء، واسْتَشْفَعَ بفُلان عَلَى فُلَانٍ وتَشَفَّع لَهُ إِليه فشَفَّعَه فِيهِ. وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: اسْتَشْفَعه طلَب مِنْهُ الشَّفاعةَ أَي قَالَ لَهُ كُنْ لِي شافِعاً"، وحول معاني التّوسّط والتّجاوز والطّلب تدور دلالات الشّفاعة بمفهومها وتعريفها الاصطلاحيّ، فهي: "التّوسّط بجلب منفعةٍ أو دفع مضرّة"، وهي، أيضًا: "السّؤال في التّجاوز عن الذّنوب من الذي وقع الجناية في حقه"، وهي ما نعني به عُرفًا: "سؤال الخير للغير".
ثانيًا: التّعريف بـ (صاعد البغدادي)
وفي مجال التّعريف بهذا الأديب البغداديّ، اجتمعت الأقوال وتناقلت صفحات الكتب الأخبار والأوصاف نفسها، فهو صاعد بن الحسن بن عيسى، البغداديّ تُرْبَةً، والطبريّ أصلاً، والرَّبعيُّ نسبًا. ورد من المشرق إلى الأندلس في أيّام هشام بن الحكم المؤيّد وولاية المنصور أبي عامر محمد بن أبي عامر، في حدود الثّمانين وثلاثمئة (380ه)، ويُظَنُّ بأنّ أصله من ديار الموصل، ودخل بغداد. روى بالمشرق عن أبي سعيدٍ السّيرافيّ وأبي عليّ الفارسيّ وأبي سُليمان الخطابيّ.
وبسبب مقدرته وبراعته في اللّغة قصد الأندلس مرتحلاً إليها؛ لِمَا بَلغَهُ أنّ اللّغة مطلوبةٌ بالأندلس، والآداب مرغوبٌ فيها من ملوكها ورعيّتها، إذ كان عالمًا باللّغة والأدب والأخبار، سريعَ الجواب، حسنَ الشّعر، طيّب المعاشرة، ممتعًا، فأكرمه المنصور، وزاد في الإحسان عليه، وكان مع ذلك مُحسنًا للسّؤال، حاذقًا في استخراج الأموال.
ويذكرُ الحُميدي غرابة ألفاظه، وسرعةَ بديهته في الإبانة عنها، فيقول: كان أبو العلاء كثيرًا ما يُسْتَغْرَبُ له الألفاظ، ويُسأَلُ عنها فيُجيبُ بأسرع جواب"، إضافةً إلى أنّه "مقدَّمٌ في علم اللّغة ومعرفة العويص، إذ إنّه أَحْضَرُ النّاس شاهدًا، وأرواهم لكلمةٍ غريبةٍ"، كما وصفه السّيوطيّ، وعلى الرّغم من افتتانه باللّغة واستنباط معاني الشّعر، إلاّ أنّه كان مقصّرًا في النّحو، بشهادة صاحب إنباه الرّواة على أنباه النّحاة.
وبناءً على ذلك، كان من متقدّمي ندامى المنصور بن أبي عامر، ونال منه دُنيًا عريضةً، فقد صنّفَ له كُتُبًا في أخبار العُشّاق، سمّى فيها أسماء غريبةً لا أصل لها، ونسبَ لها كلامًا منظومًا ومنثورًا، مثل كتاب (الهجفجف) وكتاب (الجَوَّاس)، الذي أُغرمَ به المنصور، فكان يَقْرَأُ عليه كلّ يومٍ شيئًا منه، زيادةً على معرفته بالموسيقا والغناء، وعلى هذا فقد أكرمه المنصور مفرطًا في الإحسان إليه والإقبال عليه.
ولا يفوتنا بأن أول إشارة لهذا الأديب في كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي المتقدم تاريخيًّا على من سبقت الإفادة منهم كانت في معرض الإشادة به، حيث إنّ "صاعدًا كان مع من فضّلهم أبو محمَّد المهلَّبي ،وقدَّمهم ونَوَّه بهم، ونبَّه على فضلهم، وأحوج الناظرين في أمر الملك إليهم وإلى كفايتهم" وفي مقام آخر في التنبيه على فضله، يشير التوحيدي في كتاب المقباسات إلى حرصه على حضور دروس يحيى بن عدي سنة إحدى وستين وثلاثمئة (361 هـ) في أمور العقل والمنطق واستنباط النفس.
وقد ذكره المراكشي في البيان المغرب حين طلب عبد الملك بن أبي عامر من شعرائه إدخال أشعار الرّبيع والزّهر في أغاني القيان، فاكتتب الناس في ذلك؛ لحسنه وغرابته، وكان من مستحسنه أبو العلاء صاعد البغدادي، فقال في النّرجس (الكامل):
جُمَل الفضيلة للبهار بِسَبْقِهِ وَلَطَالَمَا خَلَفَ البَهَارُ النَّرْجِسَ
وإخال أن فصاحته حملته على الكذب، وكانت عونًا له في الخلاص ممّا لا يعرف، اعتزازًا بنفسه ونأيًا بها عن القصور في المعرفة والجهل في أعين الحاضرين، فكانت وبالاً عليه في ماله ومنتهى أمره، وقد تحقق لي هذا الفهم من النعوت التي نَعَتَهُ بِهَا صاحبُ (إنباه الرواة) بقوله: "كان فصيح اللسان، حاضر الجواب سريعه، يُجيب عن كل ما يُسأَل، غَيْرَ متوقف، فَنُسِبَ لإكثاره إلى الكذب".
وقد ابتلي صاعد بلاء الوافد المغترب عند دخوله قرطبة، "فطعنوه في لغته وعلمه وعقله ودينه، فما رضيه أحد من أهلها، ولا رأوه أهلاً للأخذ عنه، ولا الاقتداء به، وغرّقوا كتابه المترجم بـ (الفصوص)، فها هو إلى اليوم في نهرهم يغوص". ويُجْمِعُ جُلُّ من ترجم له على كَذِبِه في النقل وعدم تثبيته، وقلة الصدق فيما يورده فلهذا رفض المنصور كتابه ورماه في النهر؛ لما قيل له: بأن جميع ما فيه لا صحَّةَ له.
وربَّما كانت فكاهته مدعاة لرَميه بالكذب والادّعاء بالعلم على الرغم من وجود صدقه في بعض ما يقول، ونَتَبَيَّنَ ذلك في قول الحُميدي: لولا أنَّ أبا العلاء كان كثير المزاح لما حُمِل إلَّا على التصديق، وقد ظهر صدقه فى بعض ما قال.
وكان الإجماع على كذبه مُصاحبا للإجماع على تقدمه وشهرته وبراعته، فأَوْرَدَ ابن بسَّام لُمَعًا من أعاجيبة وغرائب من أكاذيبه في نظمه ونثره تشهد و على ثبوت قدمه وشهرة تقدُّمه.
وفما سبق مشاكلة ٌلحاله في زمن المنصور، فيَوم ٌ يُكرَم فيه ويُثاب، وآخر ييُبتَلى فيه ويُتَّهم، ورغم البلاء الذي ابتُلِيَ به إزاء كذبه، إلَّا أنَّه منعمَّا فى عهد المنصور مقرَّبًا منه لدرجة أنه أخذ مكانةً في قلبه "حالت دون حضوره مجلس أُنْسٍ لأحدٍ ممن وَلِيَ الأمور بعده من ولده وادَّعی وَجعًا لَحِقَهُ في ساقه، لم يزل يتوكّأ به على عصا، ويعتذر به في التَّخلُّف عن الحضور عن الخدمة إلى أن ذهبت دولتهم"، فكان لحياته لون آخر بعد وفاة المنصور وتلك الفتنة التي حصلت في الأندلس، فلجأ إلى الرحيل إلى صقلية، ومات فيها سنة سبع عشرة وأربعمائة ٤١٧ هــ رحمه الله.
ثالثًا: نَصُّ الرّسالة وموضوعها
تلزمنا الإشارة بداية إلى تفرُّد ابن بسَّام بإيراد هذين الفصلين من الرسالة_فحسب_ دون غيره ممَّن كتب وجَمَعَ وأَلَّفَ، وعن موضوع الرسالة يشير ابن بشام إلى علاقة المودة والصداقة التى جمعت صاعدًا بالوزير عبد الله بن مسلمة أوّل دخوله الأندلس ومؤازرة صاعد له بعد تبدُّل حال الوزير المنكوب وانتكاسه، وهو ما أثبتَهُ صاحب الذَّخيرة فيما أوردة عن صاعد بقوله: "اتصل أول دخوله بالأندلس بالوزير عبد الله بن مسلمة فلمَّا نُكِبَ استعطف له الوزير أبا جعفر ابن الدُّب ليَشفع له عند الخليفة سليمان، وخاطبه فى ذلك بعدَّة رسائل، فكانت رُقًى لم تنفع ووسائل لم تنجع".
وقد كان لابن مسلمة مكانة عظمة يخلُص إليها القارئ لحديث ابن عذارى المراكشى عن غزوة عبد الرحمن بن أبي عامر المشؤومة - سنة 399 ه التي جلَبَت حتفه وخَتَمَتْ المغازي بعده، وشبَّت الفتنة ونقضت الدولة، فكان عبد الله بن مسلمة صاحب المدينة الزاهرة صنيعة آل عامر من جلَّة رجاله الذين استخلفهم للذَّوْد عنها، لكنه عند ما قويَ أمر محمد بن هشام سنة 399 ه، وانتزع الخلافة من هشام بن الحكم، وظفر بعبد الرحمن بن أبى عامر، بادر متقلّد مدينتها عبدالله بن مسلمة إلى ضبط أسوارها وأبوابها، فما نفع الله بشيء من ذلك كله.
ولا يفوتنا وفقا لموضوع هذه الرسالة انتماؤها للرسائل الشخصية في شكلها ومحتواها إذ إنها من الرسائل التي يعلن بها الكاتب عن عواطفه ومشاعره "حيث يُعبّر فيها الكتَّاب عن عواطفهم ومشاعرهم من ثناء وشكر وعتاب واستعطاف واعتذار وتهنئة وشفاعة واستمناح وتعزية ".
ومن هنا ظهرت رسائل الشفاعة والوصايا التى يوجهها الكتابب إلى الوزراء والأمراء وغيرهم، مستخدمين في ذلك مكانتهم وقدرهم وأقلامهم لمساعدة ذوي الحاجات من الكتاب والشعراء والقواد وغيره من مختلف الطبقات والأصناف في قضاء حاجاتهم، وباستعراضنا البناء الفنى لِفصلَيْ الرسالة تتجلّى خصائصها وتستبين معالمها.
رابعًا: ملامح البناء الفني في الرّسالة
وتظهر في هذه الرسالة بفصلَيْها المنصوص عليهما في كتاب الذَّخيرة لابن بسَّام دون غيره من كتب الأدب واللغة والأخبار (صورة صاعد المستشفع) الواثق المعتدِّ بنفسه ونفوذه وقدرته على استمالة أذهان ولاة الأمر ومسامعهم، واإلّا فمِنْ أيْنَ لِأحدهم أن يتكبدَّ عناء الشفاعة واستمناحَ الرَّجاءِ من غير أن تدفعه ثقتهُ وإكْبَارُ ذاته لِيُحَامِيَ عَنْ غَيْره .
وإن كان ابن بسام قد ذكر أنَّ ما نصَّ عليه فى هذه الرسالة إثما هما فصلان منها، إلا أّنَّ هذا لا يحول بيننا وبين استبانة خصائصها وملامح بنائها الفني، فأما عن الفصل الأول المشار إليه فإخالُه جزءًا من أجزاء المُقَدَّمَةِ التي اسْتَهَلَ بها صاعِدٌ رسالته؛ حَيْثُ إِنَّه يَتَجَلَّى به نمط الاستهلال بتِلكَ المُؤهَّلات التي تجتمع لدى الشقيع وتستدعي مِنْه طَلَبَ الشَّفَاعَةِ كَضَربٍ من ضروب المدح والإشادة المذكورة بقوله: " لمّا جمع الله طوائف الفضل عليك، وأذلق بك الألسن، وأرفف بك الخواطر، وَرَفرف إِلَيْكَ طير الآمال، ونُفِضَت إليك علائق الرّحال". وما كان ذلك إلّا استثارة في حال ممدوح شرَّع بابه لِطَرق الشفاعة، وجبر الخاطر، وإنجاز الآمال المنشودة، بما فضّل الله عليه من ولاية وسُلطان.
- ملامح اللُّغة في رسالة صاعد
ولـمَّا عَقد صاعد رسالته هذه على غرض الاستعطاف والشفاعة عمد إلى الأسلوب الخبري بجملة من الأفعال تحكي واقع ابن مسْلَمَةَ الذي انتقل من فسحة العزة والسّرور إلى فلَك الضَّعة والقصور بصور استعارية يَتَبَنَّاها المجاز اللغوي وبأسلوب نحوي دِلالي انتقل فيه لزوم الفعل لِفاعله إلى التعدّي الذي لا يجد المعناه تمامًا إلا بمفعوله.
ونلمح ذلك من خلال بعض الإضافات النحوية التي أضافت للمعنى المراد والمبتغى، كالتّضعيف الذي وُفِّق في اختياره استهلالا لمناقب ممدوحه صاحب الشّفاعة لما يؤدّيه من وظيفة التكثير فى الفعل حتّى "جَمَّع الله طوائف الفضل عليه"، و كاستخدامه لهمزة النقل أو الجعل -كما يُصطَلح عليها في كتب النحو، "فيَزداد الفعل مفعولًا إن كان مُتَعدّيًّا،...،ويصير متعدّيًّا إنْ كان لازمًا"، كما في قوله: "وأذلَقَ بك الألسُن وأرهف فيك الخواطر"، واختياره التعدية بحروف الجر التي تتعلق بالفعل، وتعقد له اتصالا واضحا وثيقا بشفيعه المُرْتَجى، لِيُطلق الله لسانه فصاحة وبلاغة في حضرته، وكيف لا وهو من " أذلق الله بك الألسن، وأرهف فيه الخواطر، ورفرف عليه طير الآمال، ونُفضت إليه علائق الرّحال » فقامت التّعدية بهذه الحروف بجدواها وَنَأَت بنفسها عن الحشو والزيادة.
فلم تُطلَق تلك الحروف عبثا، وما كانت دلالات السببية والظرفية المجازية وانتهاء الغاية المكانية إلّا استدعاءً لذاتٍ تُغيث الملهوف، فَتَأمُرُ بِخلاصه في مقام شَّفاعةٍ لا يقبل غير الفصاحة والبلاغة منطقًا في حضرته، فيغدو سببًا لتلك الفَنِّيَّة والذَّلاقة " وأذلق بك الألسن" التي خرجت بالكاتب من فضاء الحقيقة إل المجاز كَخُروج حروف الجر عن معناها الحقيقي إلى الظرفيَّة المجازية الموحِيَة بالتَّخييل والصُّورة الفنِّيَّة َ، لِتَحِلُّ الخواطرُ في حضرته مُرهفةً، وَتُصبحُ الآمالُ طَيْرًا يُرَفرِفُ عليه " وأرهف فيك الخواطر ،...، ورفرف عليك طير الآمال"، فتنتهي إليه الغاية بانتهاء الغاية المكانية التي لا يَصِلُ بها صاعدٌ غايةَ مُبتَغاه إلَّا بِمآلِها إلى أبي جعفر بن الدُّبّ، فـ" تُنفَضُ إليه علائقُ الرّحال ".
وَأَزْعُمُ أَنَّ صاعدا لم يطرق باب التعديةِ إِلَّا تصريحًا بِعظيم الحاجة وشدَّة العَوَز لِأَبي جعفر بن الدُّب؛ ذلك أنَّ التَّعدية في كتب اللغة تعني "التجاوز و الانتقال، وهو لفظُ يُطلَق على الفعل الذي يتجاوز فاعله إلى محل آخر، بمعونةٍ ووساطة تنقل الفعل اللازم وتُوصله لحال أخرى"، ولعلَّ حال صاعد في حاجته لأبي جعفر الذي يتوسط به أمام الخليفة سليمان مستشفعًا لصاحبه ابن مسلمة بعد اكتفائه بنفوذه وسلطته الزائلة كحال الفعّل اللازم مِنْ لزوم اكتفائه بفاعله إلى تجاوزه للمفعول بواسطة ناقلة، وهو ما أدَّته همزة النقل، وحروف الجُرَ، وأسلوب التضعيف تحت مسمى الفعل المتعدّي بغيره، وهو الفعل اللازم الذى يصل إلى مفعوله بواسطة، ويتعدَّى بثلاثة أشياء، وهي: الهمزة والتضعيف وحروف الجر، وعلى هذا نرى أن لهذه التَّعدية عملا دلاليًا تُوزَنُ به ألفاظ الرِّسالة وَيُثَمِّنُ دَوْرَهُ الغرَضُ والموضوعُ.
- ملامح الاستعارة في رسالة صاعد
ولمّا عُرفت الاستعارة بقيمتها ووزنها البلاغي أوكل إليها صاعد وظيفة النقل البياني الذي ينهض بجماليَّةِ الدَّلالة، وينطلقُ بِهِ خِيالُ النَّفس، ولا عجب في ذلك، ذلك أنَّ "الاستعارة من أدقّ أساليب البيان تعبيرًا، وأرقّها تأثيرا، وأجملها تصويراً، وأكملها تأديَةً للْمَعْنى، ولا غَرْو فهي مُنبثقَةٌ عن التشبيه، ...، ولكنَّه تشبيه مُضْمَر فى النَّفس،...، فبيئة الاستعارة الأولى التي وُلدَت فيها ومقوّماتها الأساسية هي النَّفس".
وإيمانًا بقدرة تلك النفس وقدرتها الإبداعية عَرَضَ صاعِدٌ مجموعة من الصور الاستعارية الناطقة بحال ابن مسلمة الذي عبثت به المتناقضات؛ لِتشَكِّلَ لوحة من المفارقات تشرحها الاستعارة بلاغة وتفصيلاً، ويُلوِّنها البديع مقابلة وجناسًا بأسلوبِ لغوِيٌّ تُكسبه الدِّقة.
فكانت تلك المفردات حاضرة بدقة في مطابقتها لِواقعِ الوزير المنكوب الذي أنزلَهُ صاعدٌ منزلة الوالِه في اضطرابه وحيرته والوَسْنان فى غفلته إلى أن صَفَعَهُ النَّحسُ لِيَصْحَوَ مِنْ سَعْدِه الذي لم يكتمل ونفوذه الذي لم يَدُمْ، فيُباشرُ كاتبُنا بِطَلَبِ الاستعطاف له " فَعَطفُك على والِهٍ نبّهَهُ النَّحسُ من سِنَةِ السَّعْدِ" حتى "أيْقَظَتْه الآفاتُ من رَقْدَةِ الغفلة "، فالآفات والغفلة مجرَّدان من القدرة الحسية فيمانُسِبَ إِليهما مِنْ فِعْلَيْ الصَّفع والإيقاظ، وهي من أفعال بني البشر، فكأَنَّ النَّحسَ والآفات أُناسٌ شاركوا واجتهدوا في سلبه نفوذَهُ وصَدْمِهِ بانقلاب حاله وَتَردّيها حتى " رَشَقَتهُ سهامُ الزَّمان بصنوف الامتهان"، فَكَانَتْ المقابلة البديعية بين حاله في نفوذه وحاله في ضَعَتِه وامتهانهِ بِنَهْجٍ زَاوَج فيه بين المقابلة بِصِبغتها البديعية والاستعارة المكنيَّة البيانيَّة.
ويتكرَّر مشهدُ تلك المقابلة بين الحاضر والماضى والرائح والغادي، وبين ما كان وما آل إليه المآل في فصلٍ آخر من الرسالة ذاتها استحقاقا في طلب الشفاعة لِعَزيزِ قومٍ ذَلَّ، فَيَسْتَفيقُ بها صاعدٌ لهُ العزَّة، وَيدْعونا مع الوزير أبي جعفر ابن الدُّب لتَذكُّر ما كان وما هو عليه الآن "فَحنانك عليه وعليَّ فيه واذكر تَعلُّق الآمال به وتعلُّق أمله بك، وَحَاجَة الرؤساء إليه، وحاجته إليك".
وبشعرية الكاتب المرهف رَسَم َصاعدٌ صورَهُ باستعاراتٍ خرَج فيها عن المألوف، وبِشَكْلٍ يُسْتَهجَنُ به الوصف، كهيئةِ وزير انقلبت به صفحة الزمان من ولاية إلى نكبة وإقالة، فقد "عضَّه الثقاف، وضاق به الخِناق، وانقطع به الرَّجاءِ، وَكَبَا بِهِ الدَّهْرُ".
فمن الغرائب التي لاترتضيها الحقائق والمعارف أن تشهدَ ثِقافًا " خشبة" بصورة حيوان مفترس يستعير لها من صيفات الكائن الحي ما يخرج بها عن عالم الجمادات بِفِعْلِ " العَضِّ " الذي تُثارُ له الحواسُّ، وَيُرْمَزُ بِهِ إلى المشبَّه به المحذوف كلازمةٍ من لوازمِهِ الْمُنادِيَة بالاستعارةِ المَكْنَيَّةِ التي مافَتِىءَ الكاتب يُطِلُّ بها علينا بأسلوبٍ خَبَريّ بلاغيّ يُؤَدِّي مَعْنى الاستعطاف لصاحبه الذي "انقطع به الرَّجاءُ"، وَالرَّجاء أيضا ليسَ مِنْ المادِّيّات المحسوسة التي تقبل فعل القطع بمعناه الحقيقي، وإنما هو صورةٌ استعاريةٌ بلاغيةٌ مكنيةٌ، حُذِفَ منها المُشبَّهِ بِهِ وَهُوَ " الحَبْلُ " بِوَصْلِهِ وتماسُكِه وتلاحُمِ بِنيَتِه، ودُلِّل عليه بشيءٍ مِنْ لوازمه، وهو" فعلُ الانقطاع " الذي يُؤدِّي بصفتِهِ وَهَيْئتِهِ فُرْقَةٌ وَشَتَاتًا،كَابْنِ مَسْلَمَةَ فِي يَأْسِه وانقطاع أملِه ورجائهِ.
و استمرار صاعدٍ بمثل هذا النَّوع من الاستعارة الذي يُفضي إلى التخييل إنَّما هو كَسْرٌ لبِنيَة التوقُّعات، وضَمانٌ باستثارةِ المتلقِّي واستمالته، ولا سيما أنَّه الرُّكن الأهمُّ من أركان هذا الخطاب والآمِرُ -بعون الله-بتغيير ومَسارِه من كبوة أُدينَ بها الدَّهرُ تعثُّرًا وتخبُّطًا إلى هَدْيٍ يَسْتوْجِبُ مَناطَ العقلِ والتَّكليف كَقَرنيةٍ حاضرةٍ عن المشبَّه به المحذوف، وهو (ابن مسلمة) الذي كَبا به الدَّهرُ، فاسْتَشْفى له صاعدٌ واسترقى بجزيل القولِ وَ بَديعِ التَّصوير، وَكَيْفَ لا " وإنَّ الكلمةَ لَتَرْقَأُ الدَّمَ "، فَكَأَنَّها دِيَة تُدْفَعُ لِتُحْقَنَ بها الدِّماءُ، فَتَسْكُن بعد جريانها وتنقطع، فيكون بها الاستطباب والنّجاة من غياهِبِ السجون ومَهاوي الرَّدى، فَتَغْدو الكلمة كالدَّواءِ استشفاءً بِشعريَّتها التي التي ترقَأ الدَّمَ، وهي اللَّازمة الشَّاهدة على مكنيَّة الاستعارة.
لِنَخْلُصَ بِنِتاجِ ما قاله عبد القاهر بطرديَّة العلاقةِ بين جمالِ الاستعارة وخفاءِ التَّشبيه " واعلم أنَّ من شَأْنِ الاستعارة أنَّك كلَّما زِدْت إرادَتَكَ التَّشبيهَ إخفاءً، ازدادت الاستعارةُ حُسْنًا، حتَّى إنَّك تَراها أغربُ ما تكون إذا كان الكلامُ قد أُلّف تأليفًا إن أرَدْتَ أنْ تُفصِحَ فيه بالتشبيه خَرَجْت إلى شيءٍ تَعافُه النَّفسُ ويَلفِظُه السَّمع".
ولا نَجورُ على صاعد باخترال الحديث عن مقدرته الإبداعية في النَّسيج الفني بالاستعارة بقالبها البياني أو المقابلة بهويَّتها لعلم البديع، وإنما كان للجناس كُمُحَسِّنٍ بديعيّ حظُّه من الاستعمالِ وأثَرُه في الإثراء الموسيقيّ، ومن ذلك مُجانَستُه بَيْن لفظَيْ "ولده، بلده" ،وَ "فَوْت، مَوْت "، و" مَنيَّة، أُمنية " جناسًا ناقصًا، " وهذا أمر لافِتٌ في الرَّسائل الإخوانية، فقد تضمَّنت بعضُ أغراضِها مقاديرَ متفاوتةً من صُوَرِ الجناس النَّاقصِ، وخاصَّة في أغراض المديح والمودَّة والشَّفاعة والاعتذار"، فَسمَّى المَوْتَ فَوْتًا لِبَغْتَتِه وفَجْأَتِهِ، وأمْسَتْ المُنِيَّةُ أُمْنِيَّة تَتَواءَمُ مع تَحَوُّلِ رُتْبَتِه ومَقامِه.
وقد لا أغالي إن قلت: إنَّ اعتمادَ صاعدٍ هذا النوَّعَ من الجناس النَّاقصِ غَيْر التَّامِ قَصْدٌ يَشْرحُ مرُادَه وغايَتَه، ولعلَّه يريد أنْ يُوازِيَ بَيْنَ السَّلب الذي ابتُلِيَ به ابن مسلمة، والنَّقصِ الذي نُعِتَ به هذا الجناس، باختلاف عددِ حروفهِ أو مخارجها، وفي ذلك إذعانٌ بِعَوَزِ جناسه إلى التَّمام الذي لن يصل اليه دون إنقاذِ صاحبه وتقويم أمره بهذه الشفاعة.
فما كانَ هذا الجناس إلَّا " استدعاءً لِمَيْلِ السَّامع "، إضافة إلى استثمار قيمته الفنية، فهو من الأساليب البديعيَّة التي تُوفّر "شرط الْمُثير المناسب من إيقاعات موسيقيَّة أو صُوَر لفظيَّة وصوتيَّة فيها فنُّ وإبداع وأصالة".
ويبدو لنا أنَّ صاعِدًا من المشارقة الذين غَلَبَ عليهم الثأثُّر والاحتذاء بالكتَّاب الأندلسيين في استحداث شكل فنِّيّ جدیدٍ لرسائلهم، يخلو في الغالب من الاستفتاح المعروف بالبسملة والتحميد والصلاة على الرسول الكريم، وتبدأ بالدعاء للمرسل إليه، أو بتمهيد يتفاوت بين الإسهاب والتطويل، تبعًا لِتَنوُّعِ مقامات الْمُرسَلِ إليهم، حيث لم يُطالِعنا في الفَصْلَيْنِ المذكورَيْن من الرّسالة شَكلُ المقدّمة التي يبدأ فيها الكاتب بالحمد والتَّصلية، ولا حتَّى مخرَجُ الخِتام بالسَّلام - احتكاما للنَّصَيْنِ الْمُثْبَتَيْنِ.
ومِمَّا يُلاحَظُ على خِتامِ الرّسالةِ -كما نصَّ عليها ابنُ سلَّام - امتزاجُها بأبياتٍ من الشِّعر ذَيَّل بها صاعِدٌ رِسالَتَهُ، بِشَكْلٍ من أشكالِ التَّوشيحِ الذي يُداعِبُ لواعِجَ النَّفسِ، ويَقصِدُها بِنغَمٍ موسيقيّ يَستدِرُّ بها الاستثارة والاستعطاف، ولعل هذا شاهد على أسلوب النثر فى فترة الحجابة، إذ كان يُعنى بتدعيم النَّثر بالشّعر الذي يتخلَّلُه أحيانا، ويأتي فى النّهاية أحيانا أخرى.
وقد يكون هذا المزْجُ والتَّدْعيم من باب استنفاذ السُّبُل واستجماع شتَّى الوسائل في بلوغ الْمُراد وتأصيل المعنى بإيقاع يستميل الأذن ويخاطب القلب ويُحرّك خَلَجات الرُّوح، ولعلَّ هذا ما رمى إليه بقوله: " فَإِنْ خِبْتَ من طِلابِكَ نَثْرًا قُلْتُ نِظامًا"، فبدأ أبياته مناديًا مُخاطِبا مُشيدًا مادِحًا بسبعة أبياتٍ غَلَبَ على أوِّلِها مُباشرةُ الخِطابِ وواقعيةِ الوَصْف.
والنَّاظِرُ في أبياتِه أحيانًا يَلْحَظُ بأنَّه قد شَرَعَ نَظْمَهُ واصِفًا وخَتَمَها مُصَوّرًا بِتَفاوُتٍ يُمَيِّزُ بعضها عن الآخر، فَبِدايَتُها صُوَرٌ تَنْزِعُ إلى الْبَساطة؛ لاستعمالِها وتَداولِها وعدم العَنَتِ فى تَدَبُّرِها، منها ما يَكْثُرُ استعمالُنا له بتشبيه الأبْناءِ بالْفِراخ التي تُعَوِّلُ على والِدَيْها في الرّعاية والاهتمام، ومنها تشبيه اليد اليُمْنى بالسُّورِ الذي يُحْتَمى به، وليس فى ذلك ما يُسْتَغْرَبُ، إلَّا أنَّ البراعةَ في الصّورة كانت في قالبِها اللُّغَوِيّ حين شبّه يَدَ العَوْن التي يَطلبُها بِ "الغيل" وهو الشَّجرُ الْمُلتَفُّ دونَ شَوْكٍ، فَيَلْتَجِىء إليه الْمُستَجيرُ بِاطمئناٍن يَنْأى بِه عن التَّوَجُّسِ والخوْفِ، وأرى في ذلك دقَّةً لُغويَّةً تُصيبُ الهدفَ بِحِذقٍ ومهارةٍ لِصاعدٍ فيها حُسْنُ تَصَرُّفٍ وَبَیانٍ.
وخِتامُها عَقْدٌ من التَّصويرِ يَشُدُّ إِزارَ المعنى وتَلتئِمُ به صورةُ النَّكبَةِ والانقلابِ الذي تَكَفَّلَ بِهِ الزَّمانُ حامِلاً وِزْرَ ما حَلَّ بِابْنِ مَسْلَمة في تَقَلُّبِهِ وَتَراخيهِ في الثَّباتِ على وَجْه النّعمة والرَّخاء، وَقَد آثَرَ صاعِدٌ التَّعبيرَ عن ذلك بِإيجازٍ نَطَقَتْ بِهِ الْكِنايَةُ عن صِفَةِ الْغَدْرِ، " فإنَّه رِخْوُ اليَدَيْنِ بِمَن يُحِبُّ مَلولُ" كالمرأة الخرقاء التي تَنْقُضُ غَزْلَها مِن بَعْدِ قوَّةِ أنْكاثًا، وكالشَّاةِ التي تَذهَبُ بِخَيْرِ ما ادَّخَرَتْ وصَنعَتْ فَتميلُ وتَتَأَرْجَحُ، ولا تحْفظُ لكَ كَدَّك وَجِدَّكَ.
ولا يَغيبُ عنَّا الاقتباسُ الواضِح ُفي البَيْتِ الأخير في قوله: "نَقَضَتْ غَزْلَها " وهُو مُقتَبَسٌ من قوله تعالى في سورة النَّحل آية 92: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا"، وهُو اقتباسٌ مقصودٌ في مَعْناه ومكانِه، إذْ خَتَمَ بِه صاعدٌ أبياتَه وما وَصَلَنا مِنْ هذه الرّسالة، بِما يَضْمَنُ لها قوَّتها وَإيفاءَها بالمعنى.
خامسًا: الطَّابع الاجتماعي والنفسي لشخصية صاعد الشَّفيع
لا شكَّ لَدَيْنا أنَّ مفهومَ الشَّفاعة ذو صبغة اجتماعية تُنادي بِتَعالُقِ هذا المصطلح مع المجتمع والفرد، وعلى هذا تلزمُنا الإجابة عمّا إذا كان صاعدٌ مؤهَّلًا اجتماعيًا ونفسيًّا لِتَبَوُّءِ مِنَصَّة الدّفاعِ والشَّفاعة.
ولَنْ نقْصِدَ لذلك سبيلا دونَ استعراض نمط الشخصية الذي قادَه للشَّفاعة وأثر ذلك على قبولها من عَدِمِه، وَوِفْقًا لنظريَّة الأنماط الشخصيَّة عند "هورني"، وهو تصنيف بحسب أسلوب التَّعامل مع النَّاس، فأرى أنَّ صاعِدًا - بناءً على نظريَّته- ينتمي إلى نمَط الشخصية الْمُشارك للنَّاس في مَيْلِه إلى التَّعاون والتَّفاهم والحُبّ، واستخدام الإقناع والاقتناع في حلّ المشاكل والتَّعامل مع الآخرين والرَّغبة فى مساعدتهم والاستجابة لعواطفهم.
وبما أنَّ صاعِدًا على درجةٍ عاليةٍ من الانتماء الاجتماعي، فهو عند " يونغ" من أصحاب الشَّخصية الانبساطيَّة التي تنطبِعُ انفعالاتها بالْمَرحِ والفرحِ، وَحُبّ الاجتماع بالآخرين، والتَّوجُّه نحْوَ الأشخاص بِدفْء وإيجابية عالية، وطاقة انفعالية تُقاسُ بها سِماُت الشَّخصية وِفْقَ عِلْمِ نفسِ السِّمة.
واعتمادًا على مهارةِ صاعدٍ اللُّغوية، نجتهدُ بتأطير شخصيته في إطارِ النَّمطِ الاجتماعيّ الْمُتعاونِ والْمُتسامحِ، والنَّمطِ المِقدام ِالْمُغامِرِ في تفضيله الأنشطة اللَّفظيَّة التي تُعينُه على التأثيرِ في الآخرين والحصولِ على القوَّة بما لدَيْهِ من طموحٍ وثِقَةٍ.
ومن منظور علم النَّفس أزعمُ أنَّ صاعِدًا يُقدِّم في رسالتِه هذه صورةً مُتكامِلَةً لِهَيْكَلِ علاقةٍ اجتماعيةٍ وثيقةٍ مِن علاقاتِ الصَّداقةِ القائمَةِ على مَشاعرِ الحُبِّ والمودَّةِ التي جمعته بِابْنِ مَسْلَمَة، مُؤدّيًّا وظيفةَ الصَّديقِ الْمُخلِص في تقديم الْمُساندةِ والدّفاعِ والْمُناصرةِ والنَّجدةِ عنْدَ الحاجةِ ودعْمِ الثّقة بالنَّفس، ذلك أنَّ هناك قَدْرًا من الاعتماد المتبادل بينهما يَنْطِقُ بهِ مَعْنى الصَّداقة، بأسلوبٍ تفاعليّ قامَ فيه صاعدٌ بتنميةِ تلكَ المشاعرِ الإيجابيَّة وَبَثّها في بُنْيانِ النَّصّ.
وبما أنَّ " التَّكيُّفَ مع المجتمعِ أكثرُ الوظائفِ النَّفسيةِ أهميَّة لكلّ من الفرد والمجتمع" ، فقد حَرِصَ صاعدٌ على تحقيق هذا التكيُّفِ الاجتماعيّ بظهوره بشخصيَّة الْمُساعد، الذي تَحْمِلُهُ حاجَتُه لمحبَّة الآخرين إلى مساعدتهم وصولًا بِنفسه إلى حالة من الاتّزان الاجتماعيّ بإشباع هذه الحاجة.
ونَخلُصُ من ذلك بأنَّ الدَّافعَ هو سببُ قيامِ هذه العلاقات والاجتهادِ في توطيدِها وإنجاحِها "فالدَّافعُ هو الذي يُوجّه السُّلوكَ وينشّطه وَيَرْسُمُ خطَّ سَيْرِه حتَّى يَتَحَقَّق هدفه، وعندما كان الشَّرطُ الرئيسيّ لتحقيقِ الدَّافعِ الاجتماعيّ هو وجود الآخرين كان لابُدَّ من الدُّخول في علاقاتٍ مع هؤلاء الأفراد والانتماءِ لهم ومشاركتِهم مشاعرَهم، ولعلَّ حاجةَ صاعِدٍ إلى الحُبِّ والانتماءِ وسط مُجتَمعٍ وَفَدَ إليه مُغْتَرِبًا عن دِيارِه تُعَدُّ دافعًا قوِيًّا إلى تطوير علاقة الَّصداقة مع أبناء هذا المجتمع ِكَمَظْهرٍ من مظاهرِ الانتماءِ الاجتماعيّ الذي تُعَبِّرُ عنه الحاجاتُ البشريَّة .
ولا يَكادُ يَغيبُ عنَّا أنَّ صاعدًا جسَّدَ صورةَ هذا الوِثاقِ الاجتماعيّ وتلك اللُّحمة الأخويَّة حين تَصَدَّر بِطَلَبِ الشَّفاعة لِاْبنِ مَسْلَمة عَقِبَ نكبَتِه إِثْرَ غَزْوَةِ عبد الرَّحمن بِن أبي عامرٍ التي جَلَبَتْ حَتْفَهُ وعَصَفَتْ بِوُزرائِه- كما تقدَّم سابقًا-، ولهذا كان أدَبُ العِناياتِ والشَّفاعاتِ من الظَّواهرِ الفنّيَّة الْمُعبّرة عن التَّضامنِ الاجتماعيّ الذي اقْتَضَتْهُ ظروفُ الأندلسِ التَّاريخيَّة مِن بَلايا وَمِحَنٍ في القرن الخامس بالذّات.
الخاتمة والنَّتائج
وفي خِتامِ البَحْثِ تؤتي الثّمارُ أُكُلَها بِحَصادِ كلِّ طَيّبٍ وَجديدٍ في شفاعةِ صاعدٍ البغداديّ لِابْن مَسْلمة، كظاهرةٍ اجتماعيَّةٍ أفرَزَتْها الأحداثُ السّياسيَّة والتَّاريخيَّة فى تِلك الفترة إلا أنَّ الْمُعضِلة في ذلك الإقرارُ بِعَدِمِ جَدوى تِلك الشَّفاعة في ظِلّ غِياب الرِّسالة عَنْ مَظانّ الكُتُب والتَّاريخ، واستِئْثارِ ابن بسَّام بِفَصْلَيْنِ منها دونَ غَيْره، مُقَدّمًا لَهُما بِحُكْمِ القُصورِ عن الْمُراد و الْمُبتغى، فَلَزِمَنا بِذلك مُحاكَمَة الأسبابِ الدَّاعية لِضَياعِ ثَمَرةِ هذه الشَّفاعةِ وَخُذْلانِ صاحبِها، وَبَعْدَ دِراسةٍ مُستفيضةٍ تَمَّ -بِعَوْن الله- الوصولُ إلى نتائج َتُفَسِّرُ حُكْمَ ابن بسَّام بِعَدِمِ نَفْعِ هذه الشَّفاعة كَوْنها بِلا طائلٍ-على حدّ قوْلِه.
1. فعلى صعيد نمط الشخصية وسَبْر أغوارِها نَخْلُصُ إلى أنَّ اتّهامَ صاعدٍ بِكَثْرةِ المزاح كانَ سَبَبًا في سَلْبِهِ أَهْليَّة الثّقة وَجَعْلِهِ مَظَنَّةَ التَّكْذيب.
2. أمَّا مِن الوِجْهَةِ التَّاريخيَّة فَتُلاحِظُ أنَّ عَدَمَ التَّرحيبِ الذي قوبِلَ بِه صاعدٌ المشْرِقيّ مِن بعض علماء الأندلس كان إرهاًصا واضحًا لتَذَبذُبِ حياتِه وَتقَلُّبِها بَيْن نِعمةٍ في عَهْدِ المنصورِ و نقمةٍ نَزلتْ عليه بِزَوالِ عِزّه، فقد كان ابتلاؤُه بِكُرْهِ مَنْ عاداهُ مِنْ علماء الأندلس سببًا في عدم الاعتداد به، فقد تربَّصوا بِه؛ لِتَفَوُّقه عليهم وَلَم يَرَوْهُ أهْلًا لِلْأَخْذِ عنه .
وَلا فَوْتَ بِضَياعِ عِزّه وانكسارِه بعد عهد المنصور، فَلَمْ يَلْقَ الحفاوَةَ وَالتَّأهيلَ وَالاحتفاءَ، وَلَمْ يُفْلِحْ في التَّودُّدِ والتَّقرُّبِ مِن الوُلاةِ
والخلفاءِ وأصحابِ الحُكْم من بَعده.
3. أمَّا على المستوى الفنّي للنَّصّ، فقد يكونُ اجتزاءُ النَّصّ وَعَدَم وصولِه مُكْتِمِلاً سبَبًا في التَّوَهُمِ بِقُصورِ فنِّيَّته في الفَصْلَيْنِ الْمَذكورَيْن، إلا أنَّ ذلك لم يَكُنْ حائِلًا مِنْ اسْتِجْلاءِ البناءِ الفنّي في حدود ما وَصَلَنا مِنه.
وَإذا أردنا مُحاكمة النَّص فنّيَّا لِمَعْرِفة إذا ما كان قُصورُه مُحرِّضًا مُباشِرًا على عدم قبولِ الشَّفاعة، فَسَنَنْدَفِعُ حينَها للتَّحامُلِ عليه؛ وذلك لِعِلْمِنا بِغِيابِ بَقيَّةِ فُصولِه وأجْزائِه، إلا أنَّ هذا الاجْتِزاءَ لا يُنَجّيه مِن القَضاءِ بِنُقصانِه واتّهام ماغاب منه بالضَّعفِ على وَجْه التَّرجيح والاحتمال، أو حتَّى المَيْل إلى الْجَزْمِ بالقَوْل بِقوّة الفصلَيْن المذكورَيْن مِن الرّسالة، وارتقائهما فنّيًّا على ما غابَ مِنْها، وإلّا لَما قامَ ابنُ بسَّام بِانتقائِهما دونَ غيرهما من أجزاء الرّسالة- على أغلب الظنّ-.
4. ومن النَّتائجِ البارزة أنَّ عدمَ وُجودِ رَدّ على رِسالة صاعِدٍ مِن قِبَلِ الخليفةِ سُليْمان إنَّما هُو إعلانٌ واضِحٌ بِعَدَمِ ارْتِضاءِ هذه الشَّفاعة؛ إذْ إنَّنا لمْ نَعثرْ على رَدّ بِالقبولِ أو العَدَمِ، وأَنَّى ذلك إنْ لمْ يَكُنْ للرّسالةِ نَصيبٌ مِن الوُجودِ إلّا بَيْنَ صفحاتِ كتابِ الذَّخيرة للشَّنْتَريني، وَلَوْ كان لها من الرَّدِّ حَظٌّ لَأَثْبَتَهُ صاحِبُ الْكتابِ مع الفصلَيْن الْمَذكورَيْن مِن الرِّسالة.
5. وَيَبْدو أنَّ لُحْمَةَ العلاقةِ بَيْنَ صاعدٍ وَ ابنِ الدُّبّ لمْ تَكُن بِتلك القُوَّة التّي تَضْمَنُ لهذه الشَّفاعة القبول، وَمِن جِهة أُخْرى فقد يكون للتحاسُدِ والتَّزاحُمِ على الوزارة يَدٌ طولى في عدم اجتهاد ابن الدَّبّ في التَّوسُّل لِابنِ مَسْلَمة عند الخليفة سُليمان - إن لم أُخْطِىء التَّأويلَ والتَّصَوُّرَ.
6. إنَّ لِصاعِدٍ من المُقَوِّمات ومن الثِّقل الأدبيّ والبلاغي ما يُؤهّله لِلْقيام بِطلب الشَّفاعة، إلَّا أنَّه لم يُحقّق تناسُبًا بَيْن الثِّقل الأدبيّ الذي حَظِي به وَبَيْن مكانته في قلوب من توسَّل إليهم من أصحاب النُّفوذ والسُّلطان، فَنَزَحَتْ عنْه غايَتُه.
وَبِناءً على ما سبق، فقد كان تصنيف هذه الرّسالة ضِمْنَ قائمَةِ الرَّسائلِ الإخوانيَّة مِن بابِ الْمُحْتوى والموضوع الذي يَتَعَلَّقُ بِالتَّوسُّل إِلى ِأربابِ النُّفوذ للشَّفاعةِ لِأصحاب الحاجات، ولَيْسَ لِعُمْقِ العلاقة بَيْنَ الشَّفيعِ والْمُستَشْفِع، الأمر الذي يُسَوِّغُ خَيْبَةَ صاعِدٍ في شَفاعتِه لِصديقِه ابن مَسْلمة، علمًا أنَّني قد اجتهَدْتُ فى البحث عن العلاقة بين صاعِدٍ وَ ابنِ الدُّبّ، أوْ ما يُومِىء إلى الصَّداقة والمودَّة بينهما، إلّا أَنَّني لم أجدْ لِذلك ذِكْرًا في كتب التراجم والتاريخ.
وبهذا تكتَمِلُ النَّتائجُ بِخلاصةِ القَوْلِ في تشَعُّبِ واجتماعِ الأسبابِ التي دفعت هذه الشَّفاعة إلى مُواجهةِ الإشاحةِ والإعْراضِ.
المصادر والمراجع
• القرآن الكريم.
• إبراهيم، عبد الستَّار، أُسُسُ علم النَّفس، دار المرّيخ للنَّشر، الرّياض، 1987م.
• آدلر، ألفريد، الطبيعة البشرية، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005م.
• الأنصاري، ابن هشام أبو محمَّد عبد الله جمال الدّين بن يوسف(ت761هـ)، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ومعه كتاب هداية السَّالك إلى تحقيق أوضح المسالك، تأليف :محمّد محي الدّين عبد الحميد، ط5، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1966م.
• ابن باشكوال، أبو القاسم خلف بن عبد الملك(ت578هـ)، الصّلة في تاريخ أئمة الأندلس، عُنِيَ بِنَشره وصحَّحه وراجع أصله : السَّيد عزَّت العطّار الحسيني، ط2، مكتبة الخانجي، 1955م.
• برافين، لورانس أ، علم الشَّخصية، ترجمة : عبد الحليم محمود السَّيّد، أيمن محمود عامر، محمَّد يحيى الرَّخاوي، مراجعة عبد الحليم محمود السَّيّد، ط1، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2010م.
• التّوحيدي، أبو حيّان علي بن محمَّد بن العبّاس(ت نحو400هـ)، الإمتاع والمؤانسة، ط1، المكتبة العصريَّة، بيروت، 1424هـ .
• التّوحيديّ، أبوحيّان، المقابسات، تحقيق : حسن السَّندوبي، ط2، دار سعاد الصَّباح، 1992م.
• الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن بن أبي محمَّد (ت471هـ، أو سنة 474هـ)، دلائل الإعجاز، قرأه وعلَّق عليه : أبو فهر، محمود محمَّد شاكر، ط3، مطبعة المدني، القاهرة، 1413هـ - 1992م.
• الجرجاني، علي بن محمَّد بن علي الزّين(ت816هـ)، التّعريفات، ضبطه وصحَّحه جماعة من العلماء بإشراف النَّاشر، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983.
• حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله(ت1067هـ)، كشف الظّنون عن أسامي الكتب والفنون، عُنِيَ بتصحيحه وطبعه وتعليق حواشيه:محمَّد شرف الدّين يالتقيا، والمعلّم رفعت بيلكه الكليسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د.ت). .
• الحَمَد، علي توفيق، و الزعبي، يوسف جميل، المعجم الوافي في النحو العربي، منشوات وزارة الثقافة والفنون، عمّان، 1984م.
• الحمويّ، ياقوت الرّومي، معجم الأدباء؛ إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تحقيق :إحسان عبّاس، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993م.
• الحنبلي، ابن العماد عبد الحي بن أحمد بن محمَّد أبو الفلاح(ت1089هـ)، شذرات الذّهب في أخبار من ذهب، حقَّقه: محمود الأرناؤوط، خرَّج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، ط1، دار ابن كثير، دمشق – بيروت، 1986م.
• ابن خلكان، أبو العبّاس شمس الدّين أحمد بن محمَّد بن إبراهيم بن أبي بكر(ت681هـ)، تحقيق : إحسان عبَّاس، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ط1، دار صادر، بيروت، 1900م.
• الزبيدي، محمَّد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق :عبد المجيد قطامش، راجعه:عبد العزيز علي سفر، وخالد عبد الكريم جمعة، ط1، مؤسَّسة الكويت للتقدُّم العلمي، الكويت، 1422هـ - 2001م.
• الزمخشري، أبي القاسم جار الله محمود بن عمر، أساس البلاغة(ت 538هـ)، ط1، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1996 م.
• الزَّيْني، محمود محمَّد، سيكولوجية الشَّخصيَّة بَيْنَ النَّظرية والتطبيق، دار المعارف، القاهرة، 1974م.
• أبو سريع، أسامة سعد، الصَّداقة مِن منظور علم النَّفس، المجلس الوطني للثَّقافة والفنون والآداب، الكويت، 1993.
• سيبويه، أبو بِشر عمرو بن عثمان بن قنبرالحارثي بالولاء(ت180هـ)، كتاب سيبويه، تحقيق وشرح: عبد السلام محمَّد هارون، ط3، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1988م.
• ضيف، شوقي، عصر الدول والإمارات الأندلس، ط3، دار المعارف، القاهرة، 1999م.
• عبَّاس، فضل حسن، البلاغة فنونها وأفنانها؛علم البيان والبديع، ط9، دار الفرقان، عمَّان، 2004م..
• عبد الصاحب، منتهى مطشر، أنماط الشّخصيَّة؛ على وفق نظريَّة الأنيكرام والقيم والذّكاء الاجتماعي، ط1، دار صفاء، عمَّان، 2011م.
• ابن عقيل، بهاء الدّين عبد الله (ت769هـ)، المساعد على تسهيل الفرائد، تحقيق: محمّد كامل بركات، ط1، جامعة أم القرى، دار الفكر، دمشق-دار المدني، جدَّة، 1402هـ ـ 1982 م.
• القضاعي، ابن الأبَّار محمَّد بن عبد الله بن أبي بكر البلنسي(ت658هـ)، الحلّة السّيراء، تحقيق:حسين مؤنس، ط2، دار المعارف، القاهرة، 1985م.
• القيسي، فايز عبد النَّبي فلاح، أدب الرسائل في الأندلس في القرن الخامس الهجري، تنسيق وفهرسة الشويحي، ط1، دار البشير، عمّان، 1989م.
• ابن محمَّد، علي، النَّثر الفنّي في الأندلس في القرنِ الخامس؛ مضاميه وأشكاله، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1990م.
• المراكشي، ابن عذارى أبو العبّاس أحمد بن محمَّد( ت712هـ)، البيان المغرب في اختصار ملوك الأندلس والمغرب، حقَّقه وضبط نشره وعلَّق عليه: بشّار عوّاد معروف، محمَّد بشّار عوّاد، ط1، دار الغرب الإسلامي، تونس، 2013م.
• المقدسيّ، موفَّق الدّين أبو محمَّد عبد الله بن أحمد بن قدامة(ت620هـ)، لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرّشاد، شرح محمّد بن صالح العثيمين، حقَّقَه وخرَّج أحاديثه: أبو محمَّد أشرف بن عبد المقصود، ط3، مكتبة دار طبريَّة، 1995.
• المقّري، شهاب الدّين أحمد بن محمَّد التّلمساني (ت1041هـ)، نفح الطيب من غصن الأندلس الرّطيب وذكر وزيرها لسان الدّين بن الخطيب، تحقيق: إحسان عبّاس، ط1، دار صادر، بيروت، 1997م.
• ابن منظور، جمال الدّين محمَّد بن مكرم بن علي (ت711هـ)، لسان العرب، الحواشي لليازجي وجماعة من اللُّغويين، ط3، دار صادر، بيروت، 1414هـ.
• الهاشمي، أحمد بن إبراهيم بن مصطفى، (ت1362هـ)، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، ضَبْط وتدقيق وتوثيق: يوسف الصميلي، ط1، المكتبة العصريَّة، بيروت، 1999م.
• هيكل، أحمد، الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلافة، دار المعارف، القاهرة، 1985م.
• السّفاريني، محمّد بن أحمد(ت1188هـ)، لوامع الأنوار البهيّة وسواطع الأسرار الأثريّة؛ لشرح الدرَّة المضيَّة في عقد الفرقة المرضيَّة، ط2، مؤسَّسة الخافقين، دمشق، 1982.
• الشَّنتريني، أبي الحسن علي بن بسَّام(ت542هـ)، الذّخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق: إحسان عبَّاس، ط1، دارالثَّقافة، بيروت، 1979م.
• الحميدي، محمد بن فتوح بن عبد الله الأزدي(ت488هـ)، جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، الدَّار المصرية للتأليف والنَّشر، القاهرة، 1966.
• القفطي، جمال الدّين أبي الحسن علي بن يوسف(ت624هـ)، إنباه الرّواة على أنباه النُّحاة، تحقيق: محمَّد أبو الفضل إبراهيم، ط1، مطبعة دار الكتب المصريَّة، القاهرة، 1371هـ - 1952م.
• السّيوطيّ، جلال الدّين عبد الرَّحمن بن أبي بكر (ت911هـ)، بغية الوعاة في طبقات اللُّغويين والنُّحاة، تحقيق: محمَّد أبو الفضل إبراهيم، ط2، دار الفكر، 1979م.
• الزّركليّ، خير الدّين بن محمود بن محمَّد بن علي بن فارس(ت1396هـ)، الأعلام، ط15، دار العلم للملايين، بيروت، 2002م.
• ابن يعيش، أبو البقاء يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السَّرايا(ت643هـ)، شرح المفصَّل للزمخشري، قدَّم له :إميل بديع يعقوب، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001م.
الدَّوريّات
• عيكوس، الأخضر، جماليات البديع المعنوي ووظيفته الفنية، مجلة كلية الإنسانيَّات والعلوم الاجتماعية، 1419هـ -1998م، شهر نوفمبر، العدد21، ص33.
الرَّسائل الجامعيَّة
• الذنيبات، مراد غالب، التَّعدّي واللُّزوم بين الدَّرس النَّحوي والتَّطبيق اللُّغوي، (رسالة ماجستير)، جامعة مؤتة، عمّان، الأردن، 2009 م.