تلقي السخرية وتأويلها في كتاب "السخرية في شعر البردوني" لعبد الرحمن الجبوري (دراسةٌ في نقد النقد)
الباحث المراسل | د. عيسى بن سعيد بن عيسى الحوقاني | جامعة نزوى |
تلقي السخرية وتأويلها في كتاب "السخرية في شعر البردوني" لعبد الرحمن الجبوري
(دراسةٌ في نقد النقد)
د. عيسى بن سعيد بن عيسى الحوقاني
أستاذ النقد الأدبيّ المساعد، جامعة نزوى
الملخص:
اضطلع جملةٌ من الباحثين بدراسة السُّخرية في الخطابات الشعريّة الحديثة، ولا يختلف اثنان على غزارة المنتج البحثيّ في هذا المجال، ولا يزال إنتاج هذا النوع من الدراسات مستمرًا ولا ضير في استمراره ما استمرَّ إنتاج الخطابات الشعرية الساخرة، إلّا أنّ هذا الإنتاج مع غزارته لم ينل ـ في حدود علمنا ـ حظًا من الدراسات النقديّة التي تقف على مواطن قوته فتعزّزها، وعلى مواطن ضعفه فتحاول معالجتها أو التخفيف من حدتها على أقل تقدير؛ ولهذا ارتأينا دراسة كتاب "السخرية في شعر البردوني" لعبد الرحمن الجبوري دراسة نقدية تركّز على تلقي (الجبوري) للسخرية وتأويلها في شعر البردوني.
وتندرج هذه الدراسة ضمن نقد النقد وتسير على وفق المنهج الوصفيّ التحليليّ مع الإفادة من نظريّتي التأويل، التلقي، وتتبّع إشكاليّات تلقي الجبوري للسخرية وتأويلها في شعر البردوني، وتثير الدراسة ثلاثة أسئلة أساسية: ما الأسس التي انطلق منها الجبوري في تقسيم موضوعات السخرية في شعر البردوني؟ وكيف تناول الجبوري أساليب السخرية في شعر البردوني؟ وما الإشكاليات التي اعترت أطراف الخطاب في كتاب الجبوريّ؟
واقتضت إشكاليّة الدراسة وأسئلتها تقسيمها إلى ثلاثة محاور:
ـ تناول أساليب السخرية وتأويلها.
ـ أطراف الخطاب (النص، الكاتب، المتلقي)
الكلمات المفتاحية: التلقي، التأويل، السخرية، البردوني، الجبوري.
The Issues of Studying the Ironic Poetic Discourse in 'Irony in The Poetry of Al Baraddoni' book by Abdul Rahman Al Jubouri
Issa Saeed Al-Hawqani, Assistant Professor of Literary Criticism, University of Nizwa
alhuqani@unizwa.edu.om
Abstract:
Several modern Arabic studies have studied the ironic discourse in contemporary poetic writings. No one disagree on the abundance of the research writings in this field, and the production of this type of study is still ongoing. However, there is no harm in that as long as the production of ironic poetic discourses continues, but this production, although it is abundant, it has not had its luck with critical studies that stand on its strengths and strengthen them, and on its weaknesses, and try to solve them or at least alleviate them. Thus, this study aims to study 'Irony in The Poetry of Al Baraddoni' book by Abdul Rahman Al-Jubouri, a critical study that focuses on Al-Jubouri's methodology to studying irony in Al Baraddoni's poetry.
This study falls within the criticism of criticism and proceeds according to the descriptive-analytic approach in addition to the theories of reception and interpretation. It also follows the issues that have faced Al-Jubouri's study of irony in Al-Baradouni’s poetry. Further, the study illustrates three main questions:
- What are the bases adopted by Al-Jubouri in dividing the ironic topics of Al-Baraddoni's poetry?
- How did Al Jubouri deal with irony methods in Al-Baraddoni's poetry?
- What are the issues found in the parts of discourse in Al-Jubouri's book?
The issue and the questions of the study necessitated dividing it into three themes:
- The issue of dividing the ironic topics according to Al-Jubouri
- The issue of studying the methods of irony according to Al-Jubouri
- The issues of the parts of discourse (text, writer, recipient)
Keywords: discourse, irony, Al-Baraddoni, al-Jubouri
المقدمة:
تُعدُّ السخرية من أبرز الأساليب التي وظفها الأدباء عامةً والشعراء خاصةً؛ لنقل مشاعرهم وأفكارهم إلى المتلقين، إلّا أنّ أبرز توظيفٍ للسخرية يظهر ـ غالبًا ـ في نقد الظواهر السلبيّة التي تظهر في المجتمعات سواء أكانت متعلّقة بالقضايا السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الاقتصادية أو الدينيّة، فكثيراً ما يلجأ المبدعون إلى نقد تلك الظواهر بطريقة ساخرة تكون مباشرة تارة، وغير مباشرة تارة أخرى.
والسخرية ليست وليدة العصر؛ إذ إنّها من الأساليب الفنيّة الضاربة في عمق التاريخ الأدبيّ، وليست خاصةً بأدب الأمّة العربيّة فحسب، بل هي حاضرةٌ في أدب مختلف الأمم الشرقيّة والغربيّة، ولا تقتصر السخرية على جنس أدبيّ محدّد، فلها حضورٌ ملموسٌ في مختلف الأجناس شعريّة كانت أو نثريّة؛ فمن خلال السخرية يستطيع المبدع التعبير عن مكنونات نفسه بتقديم نقدٍ مغلفٍ عن الواقع الذي حوله.
وقد لفتت كثرة السخرية في أدبنا العربيّ انتباه جملةٍ من النّقاد في العصر الحديث، فتناولوها بالدراسة والنقد والتحليل في منتجاتٍ بحثيّة متنوعةٍ في منهاجها، ومتباينة في طرائق تحليلها؛ إذ تختلف هذه المنتجات البحثيّة من ناقد إلى آخر باختلاف المشارب الثقافية، والتوجهات الفكريّة، والانتماءات النقديّة، وقد أثمر هذا الاختلاف تنوّعًا من ناحية، وغزارة من ناحية أخرى في إنتاج هذا الضرب من التأليف النقديّ.
ولا يزال المنتج النقديّ القائم على دراسة السخرية غزيرًا، إلّا أنّ هذه الغزارة الإنتاجيّة لم تصاحبها دراسات تضطلع بدراستها دراسة نقديّة؛ ولهذا اخترنا واحدةً من الدراسات العربيّة الحديثة التي اختصت بدراسة السخرية عند شاعر عربيّ معاصر، ألا وهي دراسة عبد الرحمن الجبوري لشعر البردوني في كتابه (السخرية في شعر البردونيّ) إذ إن هذا الكتاب النقديّ لم ينل حظًا من الدراسة النقديّة التي تسبر أغواره، وتقف على إشكاليّاته، فنقد النقد لا بدّ منه للنهوض بالدراسات النقديّة عامةً، ودراسات تحليل الخطاب الساخر خاصةً؛ إذ لا يُتصوّر لضربٍ من ضروب النقد أنْ يتطوّر دون أنْ تصاحبه دراساتٌ نقديةٌ تُعنى بالوقوف على نقاط قوته، ومواطن ضعفه؛ لوضع اليد على الإشكاليّات التي تعتريه، فإذا لم تصل إلى حلٍّ جذريٍّ لها فيكفي أنْ تخفّف من حدّتها على أقلّ تقدير؛ لتُسهم في النهوض بهذا الضرب من المؤلفات النقديّة.
والمتمعّن في كتاب (السخرية في شعر البردونيّ) لعبد الرحمن الجبوري تستوقفه ثلاث إشكاليّات: أولها إشكاليّة تقسيم موضوعات السخرية، وثانيها إشكالية دراسة أساليب السخرية، وآخرها إشكاليّات أطراف الخطاب (النص، الكاتب، المتلقي) ونحاول في هذه الدراسة أن نقف عليها، وأن ندرسها دراسةً نقديّة
.
المحور الأول: تقسيم موضوعات السخرية
احتلَّت موضوعات السخريّة الجزء الأكبر من دراسة عبد الرحمن الجبوري؛ إذ تناول موضوعات السخرية في شعر البردوني في جميع الفصول الثلاثة التي اشتملت عليها دراسته المكونة من (128) صفحة ولم يخرج عن ذلك إلّا في ست صفحات خصصها لمفهوم السُّخرِية وحياة البردُّوني.
ركّز الجبوري اهتمامه على موضوعات السّخرية، وانطلق في البحث عن علاقة السخريّة بالأديب السَّاخِر من جهة، وبأساليب السخرية التي وظفها من جهة أخرى؛ ولهذا يتتبع الجبوري حياة (البردّوني)؛ للبحث عن الظّروف المحيطة به ودورها في إفراز موضوعات السخريّة التي طرقها (البردوني) في شعره.
وقسّم الجبوري كلَّ فصلٍ من الفصول الثلاثة إلى موضوعاتٍ متعدِّدة، يمثِّل كلٌّ منها الموضوع الأساسيّ، فقد اشتمل الفصل الأول (السُّخرِية السّياسيَّة) على أربعة مباحث، هي: السُّخرِية من نظام الإمامة، والسُّخرِية من النّظام الجمهوري في اليمن، والسُّخرِية من رجال الأمن والسّلطة، والسخرية من السياسة العربيّة المنحرفة، واشتمل الفصل الثاني (السُّخرِية الاجتماعية)، على ثلاثة مباحث هي: السُّخرِية من التّفاوت الطّبقي، والسّخرية من الفساد الاجتماعي، والسُّخرِية من قضايا المرأة، أمّا الفصل الثالث (سخرياتٌ أخرى)، فقد اشتمل على خمسة مباحث هي: السُّخرِية من الحياة، والسُّخرِية من الزَّمان، والسُّخرِية من الموت، والسُّخرِية الثّقافيَّة، والسُّخرِية الذّاتيَّة.
ويمكننا القول: إنَّ الجبوري قد أولى السخرية السياسيَّة والسخرية الاجتماعية عند البردّوني اهتمامًا أكبر عن الموضوعات الأخرى؛ إذ جعل لكلٍّ منهما فصلًا مستقلًّا بينما جعل الموضوعات الأخرى مجتمعةً في فصلٍ واحدٍ، فالموضوعات السياسيِّة والاجتماعية حظيت بالاهتمام الأكبر في دراسة الجبوريّ مقارنة بغيرها من الموضوعات، ولا شكّ في أنّ كثافة حضور السخرية السياسية والاجتماعية في مدونة الدراسة فرضت على الجبوري أن يوليهما اهتمامًا أكبر من غيرهما.
ويبدو جليًّا أنَّ (السُّخرِية السياسيّة) في شعر البردوني ـ حسب الجبوري ـ تتفرع إلى أنواعٍ أربعةٍ: أولها السُّخرِية من نظام الإمامة، وثانيها السُّخرِية من النّظام الجمهوري في اليمن، وثالثها السُّخرِية من رجال الأمن والسّلطة، وآخرها السخرية من السياسة العربيّة المنحرفة، وكذلك حال (السخرية الاجتماعيّة) في شعر البردوني إذ تتفرّع ـ حسب الجبوري ـ إلى أنواعٍ ثلاثة: أولها السُّخرِية من التّفاوت الطّبقي، وثانيها السُّخرية من الفساد الاجتماعيّ، وآخرها السُّخرِية من قضايا المرأة، ويبدو أنّ الجبوري لم يجد لأنواع السُّخرية التي استعصت على التصنيف أيّ جامع يمكن أن يجمعها؛ فاضطرّ إلى إدراجها تحت عنوان (سُّخرياتٍ أخرى)، فهذه الأنواع من السُّخرية حسب الجبوريّ "لم تكن لتندرج تحت عنوانٍ محدّدٍ لاختلاف موضوعاتها" ( الجبوري، 2011م، ص5)
والمتمعّن في التقسيمات الفرعية لموضوعات السُّخرية عند الجبوري يدرك تداخل موضوعات السُّخرية السياسيّة إذ إن النوع الثالث من موضوعات السُّخرية السياسيّة يتداخل مع النوعين الأول والثاني، فلا يوجد كبير عناء في إدراك أنّ (السُّخرِية من رجال الأمن والسّلطة) لا تخرج عن كونها سُخرية من نظام الحكم إماميًّا كان أم جمهوريًّا، فإفرادها بعنوانٍ مستقلٍ لا مسوّغ له، فالتقسيم الأدق ـ في نظرنا ـ وضع السُّخرية المتعلقة برجال الأمن في عهد حكم الإمامة ضمن موضوعات (السُّخرِية من نظام الإمامة) ووضع السُّخرية المتعلقة برجال الأمن في العهد الجمهوريّ ضمن موضوعات (السُّخرِية من النّظام الجمهوري في اليمن) وبهذا تكون أقسام السخرية السياسية في شعر البردوني حسب مضامينها ثلاثة فقط، ولا يمكننا التسليم بالتقسيم الذي ذهب إليه الجبوريّ؛ إذ يوهم المتلقي بوجود أربعة أقسام خلافًا لحقيقة ما تكشفه مضامين النصوص الشعريّة البردونيّة.
وحال (السُّخرية الاجتماعيّة) لا يختلف عن (السُّخرية السياسيّة) في اضطراب أنواعها وتداخل قضاياها، فقد قسّم الجبوري (السُّخرية الاجتماعيّة) في شعر البردوني إلى ثلاثة أنواع تبدو للوهلة الأولى منطقيّة إلّا أنّ سبر أغوار النصوص التي يسوقها الجبوري في كلّ نوع من الأنواع الثلاثة تؤكّد عدم دقة هذا التقسيم، فأغلب النصوص التي ساقها في (السُّخرِية من التّفاوت الطّبقي) أقرب في التصنيف إلى القسمين الثاني أو الثالث، فعلى سبيل المثال لا الحصر يعدُّ الجبوري قصيدة (قالت الضحية) ضمن (السُّخرِية من التّفاوت الطّبقي) إذ يقول: "يفصح لنا الشاعر عن مأساة امرأة وقعت ضحية الفقر وسلطان المال فارتكبت الخطيئة، وسارت في دروب الغواية تحت تأثيرهما فيسخر الشاعر منها" ( الجبوري، 2011م، ص83) قد يكون تصنيف هذه القضية ضمن (السُّخرِية من التّفاوت الطّبقي) مقبولًا للوهلة الأولى ولكن يبقى التساؤل قائما: ما الذي يمنع تصنيفها ضمن النوع الثاني (السُّخرية من الفساد الاجتماعي)؟ بل أليست الأقرب إلى النوع الثالث (السُّخرِية من قضايا المرأة)؟ والتساؤل ذاته يثار في تصنيف الجبوري سُخرية البردوني من تزويج الصبيات من شيوخ طعنوا في السن ضمن (السُّخرِية من التّفاوت الطّبقي) أليست هذه القضية ذاتها سُخرية من الفساد الاجتماعي عامةً ومن قضايا المرأة خاصةً؟!
ومن الأدلة التي تثبت اضطراب أنواع (السُّخرية الاجتماعية) في تقسيم الجبوري أنّه يورد القضية ذاتها في نوعين مختلفين من أنواع السخريّة، فقد صنف قضية المرأة التي "ارتكبت الخطيئة، وسارت في دروب الغواية" ( الجبوري، 2011م، ص83) ضمن (السُّخرِية من التّفاوت الطّبقي)، ويعود ليصنّف القضية ذاتها ضمن (السُّخرِية من قضايا المرأة) إذ يقول: "سخر الشاعر من البَغيّ إذ رأى فيها متعةً رخيصة للرجل يقبل عليها متى شاء، ويعرض عنها متى أراد، وهي محتقرة في الحالين تباع وتشترى عواطفها بالمال" ( الجبوري، 2011م، ص107) وإذا حاولنا البحث عن مخرجٍ لهذا التداخل بالتمييز بين القضيتين: الأولى سببها التفاوت الطبقي، والأخرى سببها رغبة المرأة في البغاء، فإنّ هذا المخرج ينفيه ما ذهب إليه الجبوري ذاته؛ إذ يؤكد في الحالتين أنّ المرأة ضحية التفاوت الطبقي، فعلى الرغم من تصنيفه لقضية المرأة البَغيّ ضمن (السُّخرِية من قضايا المرأة)؛ فإنّه يؤكد أنّ سبب بغائها يعود إلى التفاوت الطبقي إذ يقول: "قرن الشاعر سخريته من هذه الظاهرة بالفقر الذي كان من أبرز أسباب انتشارها، ففي مجتمعٍ يسيطر الفقر على الكثرة الغالبة من أبنائه في حين يرتكز الثراء في أيدي قلة قليلةٍ لابدّ أن تكون ظاهرة البغاء فيه منتشرة إلى حدٍّ ما" ( الجبوري، 2011م، ص106، 107) ولهذا يبقى التساؤل قائما عن ظاهرة البغاء: أهي سُخرِية من قضايا المرأة أم سُخرِية من التّفاوت الطّبقيّ؟!
وتبدو أنواع السُّخرية التي تضمنها الفصل الثالث مستعصيةً على التصنيف؛ ولهذا أوردها الجبوري في فصل مستقلٍ أطلق عليه (سخريات أخرى)، وأرجع الجبوري ذلك لسببين: أولهما "تعدد الموضوعات التي تناولها الشاعر في سخريته" ( الجبوري، 2011م، ص5) وثانيهما "اختلاف موضوعاتها" ( الجبوري، 2011م، ص5) والمتمعّن في أغلب الأنواع الخمسة التي تضمنها الفصل الثالث يجدها تتداخل مع الأنواع التي تضمنها الفصلان الأول والثاني، فمن ضمن أنواع السُّخريات التي وردت في الفصل الثالث (السُّخرية من الحياة)؛ فهل حقا استعصى هذا النوع على التصنيف ضمن السخرية السياسية والسخرية الاجتماعية؟ يبدو الأمر هكذا في الظاهر؛ إلّا أنّ سبر أغوار النصوص والقضايا التي وردت ضمن (السخرية من الحياة) تثبت خلاف ذلك فمن القضايا التي أوردها الجبوري في (السخرية من الحياة) قضية فقر الشاعر إذ يقول: "شكّل الفقر وجهًا آخر من وجوه قسوة الحياة على الشاعر، فقد عاش في أسرة فلاحيّة فقيرة تعيش على الفلاحة التي لم تكن لتسدّ رمق الجوع لأفرادها" ( الجبوري، 2011م، ص121) ويبقى التساؤل قائمًا: ما الذي يمنع من إيراد هذه القضية ضمن موضوعات (السخرية الاجتماعية) خاصةً تلك المتعلقة بـ (السُّخرِية من التّفاوت الطّبقي) فأغلب النماذج التي أوردها الجبوري في (السخرية من الحياة) يمكن تصنيفها ضمن (السخرية الاجتماعية).
وحتى لا يطول بنا المقام يمكن الجزم بأنّ أغلب أنواع السخرية التي وردت في الفصل الثالث يمكن إدراجها ضمن (السخرية الاجتماعية) أو (السخرية السياسيّة) وهذا ما يؤكّده الجبوري نفسه عندما تناول (السخرية من الزمن) إذ يقول: "والزمن أحد هذه المظاهر التي سخر منها في قصائده، وقد ارتبط موقفه من الزمن بموقفه الرافض لكلّ النظم السياسيّة والاجتماعيّة الفاسدة والسائدة في اليمن" ( الجبوري، 2011م، ص128) ولهذا فلا حاجة لإخراج السخرية من الزمن عن (السخرية الاجتماعية) و(السخرية السياسيّة) بما أنّها مرتبطة بالقضايا السياسيّة والاجتماعيّة، فإشكاليّة التداخل بين موضوعات السخرية في تقسيم الجبوري تبدو واضحة جليّة، ولا شكّ في أنّ رغبة الباحث في زيادة التفريعات والتقسيمات لأنواع السخرية، وإثبات تنوّع موضوعاتها وكثرتها عند الشاعر الذي يدرس شعره أدّت إلى هذا التداخل والاضطراب في التقسيم.
المحور الثاني: تناول أساليب السخرية وتأويلها.
تعتمد الأساليب كما يراها (حازم القرطاجني ت 684هـ) على تعجيب النّفس وإيلائها من خلال التّناسب والتّشاكل بين أجزاء النصِّ بصورةٍ غير مألوفة، فتحدث انحرافًا كميًّا أو نوعيًّا عمَّا هو معهودٌ في أسلوب التّخاطب، فتثير بذلك العجب والمتعة في المتلقّي؛ فتأنس نفسه، وإذا ارتاحت النّفس واستأنست بما وجدت سهل بذلك قبول المضمون، وقد شبَّه القرطاجني الأقاويل الشعريَّة بآنية الزّجاج التي تشفُّ عن صورة ما تحويه. (القرطاجني، 1979م، ص90ـ ص120)
ويعمل الأسلوب بما يتضمَّنه من صور وأخيلةٍ وتراكيب منتظمةٍ على تهيئة المتلقّي تهيئةً نفسيّةً؛ إذ يجعله قادرًا على الإقبال على النصِّ بما يحمله من أفكارٍ ومضامين مختلفةٍ، فالأسلوب قوّةٌ تتجوَّل في النصِّ، تحاول بذلك فرض هيمنتها من بداية النصِّ إلى نهايته، وبذلك تقاس جودة النصِّ من رداءته، وقد يستطيع القارئ أحيانًا أن يصل من خلال النصِّ إلى حال الكاتب وظروفه المحيطة به. (الخصيبية، 2021ـ 2022م، ص67)
وللسُّخرية أساليب كثيرة يتفاوت توظيفها في النصّ الشعريّ من شاعرٍ إلى آخر، حسب القدرات الإبداعيّة من ناحية، والحمولة المعرفيّة من ناحية أخرى، فهناك أساليب عامة يشترك فيها الشعراء وهناك أساليب يبتكرها المبدعون فيمتازون بها عن غيرهم، وهنا يأتي دور الناقد في سبر أغوار النصوص الساخرة، ووضع اليد على مكامنها، للوقوف على الأساليب العامة المتعارف عليها، وإبراز ما امتاز به الشاعر إن كان في إنتاجه ما يتفرّد به عن غيره من الشعراء.
ويمكن رصد بعض الأساليب السّاخرة التي أشار إليها الجبوري في النماذج التي أوردها عند تناول موضوعات السخرية في شعر البردوني كالاستفهام، والحذف، والصورة الكاريكاتوريَّة، والرمز، والإقحام، وأساليب البيان، والمفارقة،استعمال اللهجة المحليَّة، والتكثيف، والتكرار، والتتابع، (الجبوري، 2011م، ص32، ص33، ص36، ص34، ص45، ص51، ص56، ص61، ص70، ص93، ص94، ص105، ص133) وعلى الرغم من تعدّد الأساليب التي أشار إليها الجبوري؛ فإنّ تلك الإشارات تبقى سطحيّة؛ لأنّها تأتي عرضًا في إطار دراسة موضوعات السخرية.
فقد أشار الجبوري إلى الاستفهام الإنكاريّ وإلى الحذف في قول البردونيّ ساخرًا من الإمام أحمد: [الخفيف] (البردوني، المجلد1، 1979م، ص587)
كيف كنّا نقتاتُ جوعًا ونعطي أرذل المتخمين أشهى المطاعمْ
كيف كنّا ندعوه مولىً مُطاعًا وهو للإنجليز أطوع خادمْ
لم يكشف الجبوري عن الدور الذي اضطلع به كلّ من الاستفهام وحذف الجواب في هذا الخطاب الساخر؛ وإنّما ذكر ما هو معروف بالضرورة إذ يقول: "يستهل الشاعر البيت الأول باستفهامٍ إنكاريّ يحمل دلالة التعجّل؛[1] لذا حذف الجواب؛ لأنّ الاستفهام البلاغي لا يحتاج إلى جواب، إنّه يعجب من نفسه ومن الشعب، كيف كانوا يدعون الإمام مولاهم المطاع طاعة مطلقة، وهو في الحقيقة خادم لأعدائهم الإنجليز" (الجبوري، 2011م، ص33) ولا شكّ في أنّ الاستفهام في النص اضطلع بدورٍ بارزٍ في رسم الصورة الساخرة لكلٍّ من الشعب والإمام في نصّ البردوني، إلّا أنّ الجبوري لم يولِ ذلك عناية تذكر في تحليله.
ومن أساليب السخرية التي أشار إليها الجبوري في شعر البردوني الصّورة الكاريكاتوريَّة عند تناوله قصيدة (مآتم وأعراس) إذ يقول البردوني واصفًا الإمام أحمد: [الخفيف] (البردوني، المجلد1، 1979م، ص588)
هدّنا الضعف فادّعى قوة الجنّ وبأس الردى وفتكَ الضياغمْ
عملق الدّجلُ شخصه وهو قزمٌ تتضنّاه قاعدًا وهو قائمْ
وصبيّ الشذوذ وهو عجوزٌ نصفه ميّتٌ وباقيه نائمْ
وأثـيـمٌ أيــامــــه للــــدنــايــــــــا ولياليه للبغايا الهوائمْ
حاول الجبوري شرح الصورة الكاريكاتوريَّة التي رسمها البردوني للإمام أحمد إذ يقول: "تستكمل الصورة الكاريكاتوريَّة الساخرة أبعادها في فضح تصرّفات الإمام اللاأخلاقيّة فهي أقرب إلى تصرفات صبيّ غير سويّ، شاذ لا يستطيع أن يردع نفسه عن الرذائل على تقدّمه في السن" (الجبوري،2011م، ص33) هذا الشرح لا يبيّن بأيّ حال من الأحوال الدور الساخر الذي اضطلعت به الصورة الكاريكاتوريَّة في نصّ البردوني، فبدل أن يعتني الجبوري بالصورة الكاريكاتوريَّة مكتملة اجتزأ منها لفظة (عجوز) وأخذ يشرح دلالتها في النص ويقارنها بلفظتي (شيخ) و(كهل) إذ يقول: "استخدم الشاعر لفظة عجوز في بيان تقدّم الإمام في السن إمعانًا منه في السخرية منه؛ لما فيها من دلالاتٍ على الخبث والدهاء والحيلة، واستواء المؤنث والمذكر في حين نجد أنّ لفظتي شيخ وكهل فيهما دلالة على الوقار زيادة عن دلالة التقدم في السن" (الجبوري،2011م، ص33،34) هكذا غاب دور الصورة الكاريكاتوريَّة في بناء السخرية حينما اختزلتْ في توظيف لفظة (عجوز).
وإضافة إلى اجتزاء الصورة الكاريكاتوريَّة في قصيدة (مآتم وأعراس) فإنّ الجبوري لم يولِ عنايةً بالمفارقة في هذه القصيدة على الرغم من أنّها اضطلعت بدورٍ كبيرٍ في تكريس السخرية، ورسم الصورة الكاريكاتوريَّة في النص؛ إذ تقوم على إبراز التّناقض بين وضعين متقابلين، وهذا ما يظهر جليًّا في العنوان القصيدة؛ إذ جمع الشاعر بين متناقضين لا يجتمعان (مآتم وأعراس)، وتظهر المفارقة كذلك في القصيدة حين جمع بين (القوت والجوع) في قوله: [الخفيف] (البردوني، المجلد1، 1979م، ص587)
كيف كنا نقتات جوعًا ونعطي أرذا المتخمين أشهى المطاعمْ
لقد اضطلعت المفارقة بدورٍ كبيرٍ في إبراز السخرية في النص إذ إنّها "صيغة بلاغية تعبر عن القصد باستخدام كلمات تحمل المعنى المضاد. والمفارقة أخفّ من الهزء والسخرية لكنّها أبلغ أثرًا بسبب أسلوبها غير المباشر؛ لذلك يتطلّب إدراكها ذكاء وحسًّا مرهفا" (خفاجي، 2007م، ص51) ولا شكّ في أنّ ملاحظة الأضداد وإعادة تشكيلها مهارة لا تتأتّى لكلّ المتلقين؛ إذ يتطلّب إدراك المفارقة وتأويلها حسًّا نقديًّا رفيعًا "لا يقتصر على القدرة على رؤية الأضداد في إطار المفارقة، بل على القدرة على إعطائها شكلًا في الذهن كذلك، وهو ينطوي على قدرة تمكّن المرء عند مواجهة أيّ شيء على الإطلاق أن يتخيّل أو يتذكّر أو يلاحظ شيئًا آخر يشكّل معه تضادّ المفارقة" (ميويك، 1982، ص75) وقد فات الجبوري الإشارة إلى المفارقة في هذا النص مع أنّها أسهمت إسهامًا كبيرا في اكتمال الصورة الكاريكاتوريَّة التي حاول الجبوري التركيز عليها في نص البردوني.
ومن أساليب السخرية التي أشار إليها الجبوري في شعر البردوني حذف حرف من الكلمة كما رود في قصيدة (بعد سقوط المكياج) التي سخر فيها من رجال الثورة اليمنيّة، فبعد عنوان القصيدة يقدم البردوني إهداءً "إلى (الفا ــ ح)" (البردوني، 1980م، ص60) ويرى الجبوري أنّ الشاعر "أراد الفاتح، ولكنّه حذف حرف التاء استهزاءً وسخرية ... إنّه أحد الثوار الذين تزعّموا الثورة وأحد أعضاء حكومتها الجديدة" (الجبوري، 2011م، ص45) هذا الحذف كما يراه الجبوري "يفتح أمام القارئ أبوابًا مشرعةً في التأويل، وتبدو مرارة السخرية وقوّتها حينما يختار القارئ حرفًا آخر يضعه في الفراغ الذي تركه الشاعر؛ لذلك فمن الممكن أن نقرأ الكلمة هكذا (إلى الفاضح) مثلًا" (الجبوري، 2011م، ص45) وما يدعم الجبوري فيما ذهب إليه من تأويل قول الشاعر في المطلع المقطع الثاني من القصيدة: [الرمل] (البردوني، 1980م، ص62)
كنتَ حسب الطقسِ تبدو ثائرًا صرتَ شيئا ... ما اسمُه؟ ياللخجلْ
ومن الملاحظ أنّ الجبوري قد بيّن في هذا المقام الدور الذي اضطلع به الحذف في تكريس السخرية؛ إذ أكّد على أن الحذف يفتح أبواب التأويل من ناحية، وأنّ مرارة السخرية تزداد قوّة حسب الحرف الذي يضعه القارئ مكان الحرف المحذوف من ناحية أخرى.
ولا يعني ذلك أنّ الجبوري يُعنى بما تضطلع به الأساليب في الخطاب الشعري الساخر فغالبا ما يشير إلى تلك الأساليب دون عناية تذكر بدورها في النصّ، فعند تناوله للحوار في قصيدة (للمحكوم عليه) يشير إلى دورٍ ما اضطلع به الحوار في القصيدة؛ إذ يقول: "يضطلع الحوار بدورٍ بارزٍ في سخرية الشاعر من السلطة؛ إذ يفضح من خلاله تصرفاتها المشبوهة" (الجبوري، 2011م، ص46) إلّا أنّه لم يبيّن كيف فضح الحوار السلطة في تصرفاتها المشبوهة، فمعرفة وجود حوارٍ في النص، والتأكيد على أنّ له دورًا في السخرية ليس تحليلًا فنيًّا، بل هو نتيجة فلا بدّ من بيان ذلك الدور الذي اضطلع به الحوار في النص الشعريّ من الناحية الفنيّة بعد سبر أغواره، فالتأويل كما يرى (تزفيتان تودوروف Tsvetan Todorov) "ليس عملًا أليًّا وإنّما لا بدّ من وجود شيء ما داخل النص أو خارجه يشير إلى أنّ المعنى المباشر غير كافٍ، وأنّ هذا المعنى ليس سوى نقطة انطلاق لبحث يفضي في نهاية المطاف إلى معنى آخر" (تودوروف، 2017م، ص134) ويبدو أنّ المعنى الآخر في تأويل أساليب السخرية لم يكن له ذلك الحظ من الحضور في دراسة الجبوري للسخرية في شعر البردوني.
المحور الثالث: ـ أطراف الخطاب (النص، الكاتب، المتلقي)
يُعدُّ كتاب الجبوري (السخرية في شعر البردوني) خطابًا يشتمل على نصٍّ نقديِّ قدمه مؤلفه للقراء، وهذا الخطاب النقديّ كباقي الخطابات يقوم على ثلاثة أطراف أولها النصّ، وثانيها (الكاتب) وثالثها (المتلقي ـ القارئ) وهذه الأطراف الثلاثة في هذا المنتج النقديّ تعتريها جملة من الإشكاليّات، فهناك إشكاليّاتٌ تتعلّق بالنصّ، وإشكاليّات تتعلّق بالناقد، وإشكاليّات تتعلق بالمتلقي.
ولا شك في أنّ النص ركيزةٌ أساسيَّةٌ في الإبداع الأدبيّ؛ إذ يربط بين طرفيِّ الخطاب (الكاتب والمتلقّي)، والنصّ وعاء يحوي أفكار الكاتب وعواطفه، إضافةً إلى ما يشتمل عليه من أبعادٍ ثقافيّة والاجتماعيّة، وقد ظهرت الكثير من المناهج النّقديَّة التي تسعى إلى فهم النصّ بعيدًا عن الذاتيّة، ومع هذا لا يمكن إغفال الذوق الشخصيّ؛ إذ يكون حاضرًا لحظة تعامل الناقد مع النص الأدبي، يكفي أنّ الناقد يختار النصّ الذي يدرسه والاختيار ـ غالبًا ـ يقوم على الذوق؛ ولهذا يمكن القول: إنّ الاختيار ضرب من ضروب النقد، وهناك جملة من الكتب في تراثنا العربيّ قامت على أساس الاختيار كحماسة أبي تمام، وجمهرة أشعار العرب.
وإعمال الذوق في النصوص الأدبيّة حسب (أرنود بينيت ـ Arnaud Bennett) يختلف باختلاف العصر الذي ينتمي إليه النص الأدبيّ إذ يرى أنّ "الأعمال الأدبيّة الحديثة (المعاصرة) يجب أن ترضي أذواق الأجيال المتعاقبة، بينما يكون العكس صحيحًا حين يتعلّق الأمر بالكلاسيّكات فذوقك هو الذي يجب أنْ يتخطّى حدود الكلاسيكيّات"(بينيت، 2018، ص32) ولا شكّ في أنّ إرضاء أذواق الأجيال المتعاقبة، وتخطي حدود الكلاسيكيّات في تذوّق النصوص أمرٌ لا يتأتّى لجميع المتلقين؛ إذ يختلف الذوق باختلاف المشارب الفكريّة والثقافيّة، وباختلاف الإيديولوجيّات التي ينتمي إليها المتلقون، ولا يمكن إغفال اختلاف الأذواق باختلاف المكان والزمان.
ويمر النصُّ بمراحل مختلفةٍ قبل أن يظهر في صورته النهائيّة؛ إذ يمر منتج النص بمرحلة الصّراع أو التّفاعل الدّاخليّ بين فكره وشعوره، ثم يوجّه نصّه سواء أكان منطوقًا أو مكتوبًا إلى متلقٍ سواء أكان ذلك المتلقي مستمعًا أو قارئًا؛ ولكي يتحقّق التواصل بين الطرفين (صاحب النص ـ المتلقي) لا بدّ أن يكون النصّ في صورته النهائيّة متماسكًا ومتّرابطًا؛ ليتحقّق التواصل والتفاعل "وهذا التّفاعل يؤدِّي بالنصِّ إلى إحداث وظيفته التي تتمثَّل في خلق التّواصل بين مُنتِج النصِّ ومُتلقِّيه ".( العموش، 2008م، ص22)
وحتى تتحقق العلاقة بين مُنتِج النصِّ ومتلقِّيه لا بدّ أنْ تتضافر في النصّ عدة مستويات منها: الصّوتيّ والتّركيبيّ والدّلاليّ والعناية بانتقاء الألفاظ وحسن تركيب الجمل والموازنة بينها، ولا شكّ في أنّ فكرة النص وغرضه والقالب الفني الذي وضعه فيه المنتج يسهم في إقبال المتلقّي على النص واندفاعه نحوه.
وهناك سبعة معايير على منتج النص الالتزام بتحقيقها في نصّه؛ لينجح في تحقيق التواصل بينه وبين المتلقي، وقد أشار إلى هذه المعايير كلٌّ من ( روبرت دي بوكراند R.A .De Beaugrande)، و( دريسلر W.U. Dressler ) في كتابهما (مدخل إلى علم لغة النص) حين تعرّضا لتعريف النصِّ: أولها الاتّساق المتمثّل في التّرابط النّحوي، والاتّساق الدّاخلي بين بنيات النصّ، وثانيها الانسجام المتمثّل في ترابط المفاهيم والأفكار في عالم النص، و ثالثها القصديَّة وهي أن ينوي منشئ النصِّ جعل صورةٍ من صور اللغة متَّسقةً تؤدِّي وظيفةً معيَّنة، ورابعهاالمقبولية وتتعلَّق بموقف المتلقّي إزاء النصّ، وخامسها المقاميَّة وتتمثّل في جعل النصُّ مفيدًا في موقفٍ معيَّن، وسادسها الإعلاميَّة المتمثّلة فيما يحمله النصُّ من معلوماتٍ تهمُّ المتلقي، وآخرها التّناص الذي يتمثّل في العلاقات التي تقوم بين نصٍّ ما ونصوصٍ أخرى. (دي بوكراند، و دريسلر، 1992م، ص103-105)
ولا شكّ في أنّ منتج النص يسعى إلى تحقيق التواصل بينه وبين المتلقي؛ إلّا أنّ هذا السعي لا يتحقق على الدوام، أو فلنقل إنّ نسبة تحقّق التواصل تختلف باختلاف المتلقين؛ إذ إنّ الذين يتلقون النصّ يتباينون في مشاربهم الثقافيّة، وانتماءاتهم الفكريّة والدينيّة والسياسيّة، وطبيعة النصّ وما يحمله من إشاراتٍ بنيويَّةً قد تجعل القارئ يتعامل معه بعيدًا عن المؤلِّف وعن مقصديَّته، وحتى لو أقصينا منتج النصّ سيظل التباين قائمًا بين النصِّ والمتلقي، فالأول يتشبَّث بألفاظه وجمله من خلال علاقاتها الدّاخليَة وإشاراتها البنيويَّة، والآخر يوظِّف معارفه وقدراته في تفكيك النصِّ وتأويله، وهذا التأويل بلا شك يتأثّر بالظروف المحيطة به، فالنصُّ حين ينتقل إلى مرحلة التفاعل مع المتلقي " يفتح قناةً للتّواصل بينه وبين القارئ، ممَّا يسمح بظهور، ما يسمِّيه ريكور، الفعل التأويلي الذي ينتج عنه جدليَّة المعنى المحدَث في النصّ، ثمَّ الحدث المكتشَف من طرف المؤوِّل، انطلاقًا من احتكاكه بالنصِّ ومقاربته من منظورٍ خارجيّ وليس فقط داخليّ".( العارف،2018م، ص73)
إنّ تأويل النصّ لا يقوم على فهم المتلقي فحسب؛ فالتراكيب والصيغ والأفكار التي يبني عليها المبدع نصه قد تُحدث فجوةً بين مقصديّة النص وتأويل المتلقي، فالنص ذاته له دورٌ كبيرٌ في توجيه التأويل، ولا شكّ في أنّ إشكاليّات تعتري النص الشعريّ الساخر تحول دون إدراك المتلقي له، لا نقصد في هذا المقام الإشكاليّات التي تعود على المتلقي (الناقد)، وإنّما نقصد استعصاء النص الشعريّ على التأويل لأسباب تعود إلى طبيعة النصّ ذاته.
والبعد السّاخِر في النص يختلف باختلاف المجتمع وثقافته، فالثقافة الدينية والسلوك الاجتماعيّ سيكونان حاضرين في التأويل كما هو الحل في تناول الجبوري للسخرية في أبيات من قصيدة (أعراس ومآتم) إذ يقول البردوني واصفا رجال حكومة الإمام: ]الخفيف[ (البردوني، المجلد1، 1979م، ص382)
ويولّي على الوزارات والحكم رجالٌ كالعانسات النواعم
ولُصوصًا كأنَّهم قومُ (يأجُـوجَ) صغــار النُّهـــى كِبَــــارُ العَمائِـــــمْ
وطِــوالُ الذُّقـونِ شُعْثًـا كأهــلِ الكهفِ؛ بلْ كالكُهوفِ صُمٌّ أعاجــمْ
يحاول الجبوري توضيح الصور التي رسمها البردوني للمسؤولين في النص، فعن الصورة الأولى يقول: "يملأهم الحقد على أبناء الشعب، وهاجسهم الوحيد هو الانتقام منه، ولذا فهو يشبّه هؤلاء النساء العوانس الناقمات على كلّ شيء ومن كلّ شيء" (الجبوري، 2011م، ص34) هكذا يسلّم الجبوري بهذه الصورة كما رسمها البردوني دون أن يشير إلى أنّ هذا البعد السّاخِر في هذه الصورة يختلف باختلاف المجتمع وثقافته، بل سيختلف من متلقٍ إلى آخر حسب الحمولة المعرفية والتجارب العاطفيّة التي مرّ بها المتلقي، فوقع السخرية على من ينظرون إلى العوانس نظرة عطف وشفقة ليس كوقعها على من ينظرون إليّهن نظرة احتقارٍ وازدراء، وليس كوقع الذين ينظرون إليهن بأنّهن عبءٌ أسريّ وعارٌ اجتماعيّ، وهنا تكمن إشكاليّات أطراف الخطاب، فهناك مقصديّة صاحب النص، وهناك النص وما تدل عليه بنيته، وهناك الناقد وما توصّل إليه من تأويل بوصفه متلقيًا للنص، وهناك المتلقي لتأويل الناقد، وهذا المتلقي سيضطلع بوظيفة نقد النقد، فقد لا يقتنع بهذا التأويل النقديّ بناءً على اختلاف تكوينه الثقافي وحمولته الاجتماعيّة عن تكوين الناقد، وفي نظرنا أنّ على الناقد أن يجعل أبواب التأويل مشرعةً ولا ينغلق على تأويلٍ واحدٍ، وله بعد ذلك أن يرجّح التأويل الذي يميل إليه بالأدلة والبراهين.
ويشرح الجبوري الصورة الثانية (كأنَّهم قومُ يأجُـوجَ صغــار النُّهـــى كِبَــــارُ العَمائِـــــمْ) فيقول: "يشبههم الشاعر بقوم يأجوج وأجوج الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم، ... وهم كما صوّرهم القرآن وهو أحد أوجه الشبه التي أرادها الشاعر، فأعوان الإمام مفسدون، ولهم أشكالٌ قبيحة وهذا وجه الشبه الثاني" (الجبوري، 2011م، ص34) أمّا عن الصورة الثالثة (طِــوالُ الذُّقـونِ شُعْثًـا كأهــلِ الكهفِ) فيقول: "يوظّف الشاعر صورة قرآنيّة أخرى في التشبيه ... فهم ذوي ذقون طالت، واتّسخت وصار منظرها مقزّزًا" (الجبوري، 2011م، ص34) ويرى الجبوري "أنّ هذا التشبه غير موفقٍ فوجه الشبه الذي أراده الشاعر هو بشاعة الشكل والهيئة فالفارق كبير بين أهل الكهف وهؤلاء في المعاني الإنسانيّة والإيمانيّة" (الجبوري، 2011م، ص34،35) ولهذا يرى الجبوري أنّ التشبيه الرابع (بل كالكهوف صمٌّ أعاجم) جاء استدراكًا للتشبيه الذي قبله "لذا استدرك الشاعر التشبيه الأول بتشبيه آخر ..." (الجبوري، 2011م، ص35)
ولا شكّ في أنّ اعتراض الجبوري على تشبيه البردوني لرجال الإمام بأصحاب الكهف نابعٌ من الحمولة الدينيّة، فعلى الرغم من أنّ علماء البلاغة يؤكدون على أنّ التشابه بين طرفي التشبيه لا يلزم أنْ يكون في كل الصفات فإنّ اعتراض الجبوري على هذا التشبيه مشروع وله مسوّغاته، إلّا أنّ الجزم بأنّ الفارق بين طرفي التشبيه أدّى إلى استدراك البردوني بالتشبيه التالي فيه نظر؛ إذ إنّ تضافر التشبيهين معًا اضطلع بدور لم يكن لأحدهما أن يضطلع به منفردًا دون الآخر، فلم يكن ذلك التشبيه استدراكًا للذي قبله بقدر ما كان استكمالا للصورة الساخرة التي رسمها البردوني لرجال الإمام.
وعلى الرغم من اعتراض الجبوري على تشبيه البردوني لرجال الإمام بأصحاب الكهف؛ فإنّه أغفل إشكاليّة أطراف الخطاب؛ فلم يشر إلى أنّ هذا البعد السّاخِر في هذه الصور يختلف من مجتمع إلى آخر، بل يختلف من متلقٍ إلى متلقٍ آخر في المجتمع الواحد حسب الحمولة المعرفية والانتماء الديني والتكوين ثقافيّ، فالصورة الساخرة التي رسمها البردوني لا تحقّق استجابةً عند المتلقين ما لم ترتبط بحمولتهم الثقافية، وذاكرتهم الجمعيّة، وهذه الاستجابة تتفاوت باختلاف المتلقين، إلّا أنَّ الجبوري غفل عن هذا التفاوت في إدراك البعد الساخر لتلك الصور فقدمها من والجهة الثقافيَّة التي تتوافق معه ومع محيطه من ناحية التكوين المعرفيّ والانتماء الدينيّ والقوميّ، فلا شكّ في أنّ المسلمين وأهل الكتاب على اطلاع بقصة أهل الكهف وبقوم يأجوج ومأجوج؛ فتنبني الصورة لديهم ويتحقّق بعدها الساخر على وفق تصوّرهم المتحصّل من تكوينهم، ولا يتصوّر أن ذلك البعد يتحقّق عند غيرهم، وهنا تكمن إشكاليّة المتلقي في إدراك البعد الساخر للنص.
والباحث في النص الشعري عامةً والساخر منه خاصةً يجد نفسه أمام منطوق النص من ناحية، ومقصدية المبدع من ناحية ثانية، وتأويل المتلقيّ من ناحية أخرى، ولهذا يبقى التساؤل قائما: أتكون عنايته بأحدها أم بالثلاثة معًا؟ وإذا كانت النظريَّة القصديَّة تسعى للبحث عن مقاصد المؤلِّف؛ فإنّ (أمبرتو إيكو Umberto Eco) ضمّن نظريَّته ثلاثة مقاصد (المؤلِّف-النصّ-القارئ) في محاولةٍ لإعادة صياغة قضايا التّأويل، (إيكو، 2000م، ص23) ويأتي التّأويل على نوعين: أولهما تّأويل يقوم على أساس الكشف عن الدّلالة التي يقصدها المؤلِّف فقط، وآخرهما تّأويل يقوم على أساس أنَّ النّصوص كلّها تحتمل تّأويلًا ينتج نّصوصَا كثيرة. (بولصنام، 2021م، ص156)
إنّ احتمال حدوث تعارض بين مقصديّة المبدع في نصوصه وقدرة المتلقّي على إدراك تلك المقصدية أمرٌ وارد لا محالة، ويمكن رد هذا التعارض إلى ثلاثة أسباب: أولها ضعف قدرة المبدع على صبِّ مقاصده الفكريَّة في نصوصه، وثانيها ضعف استيعاب النصِّ لفكرة المبدع بالشّكل الصّحيح من خلال قصورٍ في الوسائل والأساليب المناسبة، وآخرهاضعف قدرة المتلقّي على استيعاب قصد المبدع. (تجاني، 2016م، ص306)
وبالنظر إلى طبيعة النّصوص الأدبيّة عامةً والشعريّة منها خاصة فلا يمكنها أنْ تتمحور حول المقصديَّة الظّاهرة لمبدعها؛ إذ إنّ سبر أغوار النصوص وتحليها تحليلًا نفسيّا قد يظهر مقاصد خفيَّة لم يلتفت إليها المبدع نفسه، ففي النصّ مقصد ظاهرٌ ومقصدٌ مضمَرٌ يتوارى خلف النصّ، فإذا قرأ المبدع نصّه بروح الناقد الحصيف أصيب بالدّهشة والانبهار.
وقد يكلّف الناقد النصَّ فوق ما يحتمل؛ لإثبات الظاهرة التي يدرسها، فيأتي بمقصديّة ينسبها إلى المبدع مع أنّ المبدع لم يصرّح بتلك المقصديّة من ناحية، ولا النصّ يحتمل بالضرورة تلك المقصديّة، ومن ذلك على سبيل المثال ما ذهب إليه الجبوري في تفسير توظيف البردوني لكلمةٍ عاميٍّة فيقصيدة (سندباد يمني في معهد التّحقيق): إذ يقول على لسان المحقّق: [بحر الطويل] (البردوني، 1979،ص728)
أحَبّيْتَ؟ لا بل مِتُّ حُبًّا مَن التي؟ أحبَّيتُ حَتَّى لا أَعي مَنْ حَبائبي
وكمْ متَّ مراتٍ؟ كثيرًا كعادتي تموتُ وتحيا تلك إحدى مصائبي
فحسب الجبوري "يقترب الشاعر كثيرًا من اللهجة الشعبيّة في قوله على لسان المحقق أحبيّتَ؟... ولم يقل (أحببتَ) وكأنّما يريد أن يبيّن ضحالة ثقافة هذا المحقّق البليد ساخرًا منه" ( الجبوري، 2011م، ص56) فهذه المقصديّة التي نسبها الجبوري إلى الشاعر لا يمكن التسليم بها، ويبقى هذا تأويلًا؛ إذ إنّ الشاعر لم يصرّح بهذه المقصديّة، ولا نتصوّر أن يتّخذ البردوني من اللهجة الشعبيّة اليمنيّة أداةً للسخرية، فهو شديد الانتماء إلى وطنه، ولا يمكن ـ فيما نرى ـ أن يجعل الكلام باللهجة اليمنيّة دليلًا على البلادة وضحالة الثقافة، فتوظيف الألفاظ الدارجة شائعٌ عند شعراء العصر الحديث وله دلالاته وإيحاءاته، فقد تضفي الكلمة الدارجة في سياقها على النَّص من القوة والتأثير والدلالة والإيحاء ما لا تضفيه الكلمة الفصيحة في السياق ذاته.
ولا شكّ في أنّ المطّلع على قصيدة البردوني يدرك أنّ السخرية من ضحالة ثقافة المحقق وبلادته قد تحقّقت بتضافر جملة من البنى ولا يلزم أن تكون الكلمة اليمنيّة الدارجة (أحبّيت) من ضمنها؛ إذ إنّ السخرية تتحقق بدونها، إلّا أنّ توظيفها في النصّ حمل دلاتٍ أخرى من أهمها الدلالة على البعد الجغرافيّ والانتماء المناطقيّ، وقد تحمل اللفظة دلالة على الانتماء القبليّ أو المذهبيّ خاصة أنّ اللهجات في البلد العربيّ الواحد تتنوّع على حسب التنوّع المناطقيّ أو القبليّ؛ ولهذا كان على الجبوري أنْ ينظر إلى هذا التوظيف من زوايا مختلفة وألّا يجزم بمقصديّة الشاعر من خلال تأويل واحد، فالتأويلية كما يرى (شلير ماخرـ Schleier Macher) "فنّ تجنب سوء الفهم" (كولوقلي، 2013م، ص27) إلّا أنّ الممارسة التأويليّة التي اضطلع بها الجبوري لفهم دلالات توظيف الكلمة اليمنيّة الدارجة في نصّ البردوني لم تحقّق ما دعا إليه شلير ماخرـ
هكذا تتجلّى إشكاليّات أطراف الخطاب في هذا المؤلف النقديّ، فهناك النصوص التي استعصت على التأويل بطبيعتها، وهناك الشاعر الذي أبدع النص فحاول من خلاله نقل مشاعره وأفكاره إلى المتلقي، وهناك المتلقي الذي حاول فهم مقصديّة الشاعر على حسب قدراته، وهناك الناقد الذي حاول التحليل والتأويل، فأخضع النصّ لتصوّراته النقديّة وتأويلاته الفكريّة.
الخاتمة:
تناولنا في هذه الدراسة تلقي السخرية وتأويلها في كتاب "السخرية في شعر البردوني" لعبد الرحمن الجبوري، فوقفنا على ثلاثة أنواع من الإشكاليّات التي اعترت هذه الدراسة: أولها إشكاليّة تقسيم موضوعات السخرية، وتتعلّق بالمنهج، وثانيها تناول أساليب السخرية وتأويلها، وتتعلق بالتحليل الفنيّ للأساليب وربطها بالخطاب الساخر، وآخرها أطراف الخطاب وتتعلّق بالنص والكاتب والمتلقي، ويمكننا في الختام أن نجمل أهم النتائج التي توصّلنا إليها في الآتي:
ـ انطلق الجبوري من الموضوعات في دراسة السُّخرية في شعر البردونيّ؛ ولهذا كانت عنايته بمضامين الخطاب الشعريّ الساخر أكثر من عنايته بالجوانب الفنيّة.
ـ تمكّن الجبوري من تصنيف بعض موضوعات الخطاب الساخر في شعر البردوني واستعصت عليه موضوعات أخرى، فجاء تقسيمه مضطربًا إذ يمكن إدراك الجامع الذي يربط بين الموضوعات المندرجة ضمن القسمين الأول (السخرية السياسيّة)، والثاني (السخرية الاجتماعية)، أما الموضوعات المندرجة في القسم الثالث (سخريات أخرى) فلا رابط يجمع بينها.
ـ أدرج الجبوري جملة من موضوعات السخرية في شعر البردوني ضمن القسم الثالث (سُخريات أخرى) بدعوى أنّها لا تندرج ضمن الموضوعات السياسيّة ولا الاجتماعيّة، إلّا أنّ أغلب تلك الموضوعات يمكن إدراجها ضمن (السخرية الاجتماعية) أو (السخرية السياسيّة).
ـ حاول الجبوري إبراز التنوّع في الموضوعات الساخرة التي طرقها البردوني في شعره، إلّا أنّ هذه المحاولة أدّت إلى تداخلٍ واضحٍ بين الموضوعات نتج عنه اضطراب في التقسيم.
ـ جاءت أساليب السخرية منثورة مفرّقة في النماذج التي تناول فيها الجبوري موضوعات السخرية، ولم يفرد لها فصلًا مستقلّا؛ الأمر الذي جعل حظّ الأساليب في هذه الدراسة قليلًا على الرغم من كثرتها وتنوّعها في شعر البردوني الساخر.
ـ أشار الجبوري في دراسته إلى جملة من أساليب السّخرية التي وظّفها البردوني في شعره كالاستفهام، والحذف، والصورة الكاريكاتوريَّة، والرمز، والإقحام، وأساليب البيان، والمفارقة، واستعمال اللهجة المحليَّة، والتكثيف، والتكرار، والتتابع، إلّا أنّه لم يولِ اهتمامًا يذكر بالوظائف الفنيّة التي اضطلعت بها تلك الأساليب في النصوص الشعريّة.
ـ أغفل الجبوري دور المتلقي في فهم السُّخرية وتوجيه دلالتها، فلم يشر إلى اختلاف البعد السّاخِر في النص باختلاف المجتمعات والثقافات، وباختلاف الحمولة المعرفيّة والانتماء الديني والتكوين الثقافيّ للمتلقيّ.
ـ انغلق الجبوري في تحليل النصوص على تأويلٍ واحدٍ للخطاب الشعريّ الساخر يكاد يجزم به، ويسلّم بصحّته، ولم يفتح آفاقًا تأويليّة متنوّعة، وكان جديرًا به أن يترك أبواب التأويل مشرعةً، وله أن يرجّح بالأدلة والبراهين التأويل الذي يميل إليه.
ـ كلّف الجبوري بعض النصوص فوق ما تحتمل؛ لإثبات الظاهرة التي يدرسها؛ الأمر الذي جعله ينسب أحيانًا إلى البردوني مقصديّة لم يصرّح بها من ناحية، ولا النصّ يحتملها من ناحية أخرى.
قائمة المصادر والمراجع:
1ـ إيكو، أمبرتو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ترجمة: سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء، بيروت-لبنان، ط1، 2000م.
2ـ البردوني، عبدالله، ديوان البردوني، المجلد1، دار العودة، بيروت، ط1، 1979م.
3ـ البردوني، عبدالله، وجوه دخانية في مرايا الليل، دار الحداثة، بيروت، ط5، 1980م.
4ـ بولصنام، إلهام، التأويل والقصدية بين السياق والنسق، مجلة ريحان للنشر العلمي-مركز فكر للدراسات والتطوير، ع6، 2021م.
5ـ بينيت، أرنود، الذوق الأدبي كيف يكون، ترجمة: دلال الرمضان، منشورات تكوين، الكويت، ط1، 2018م.
6ـ تجاني، أمينة، القصدية والنظام اللغوي: قصة سليمان عليه السلام "مقاربة لغوية"، حوليات المخبر، جامعة محمد خيضر بسكرة، ع6، 2016م.
7ـ تودوروف، تزفيتان، الرمزية والتأول، ترجمة: إسماعيل الكفري، دار نينوى، سورية، دمشق، ط1، 2017م
8ـ الجبوري، عبدالرحمن محمد، السخرية في شعر البردوني (دراسة دلاليّة)، جامعة كركوك، كلية التربية، المكتب الجامعي الحديث، ط1، 2011م.
9ـ الخصيبية، لينا بنت زاهر، الخطاب الشعري الساخر في الدراسات العربيّة الحديثة (دراسة نقديّة) رسالة ماجستير، جامعة نزوى، سلطنة عمان، 2021ـ 2022م.
10ـ خفاجي، قيس حمزة، المفارقة في شعر الروّاد، دار الأرقم، بابل، ط1، 2007م.
11ـ دي بوكراند، روبرت، و دريسلر، ولفغانغ، مدخل إلى علم لغة النص، ترجمة إلهام أبي غزالة وعلي خليل، مطبعة دار الكتاب-بيروت، ط1، 1413هـ-1992م.
12ـ العارف، مصطفى، نظرية النص والتأويل: المقاربة الهرمينوطيقية للنص عند بول ريكو، مركز الاستقلال للدراسات الاستراتيجية والاستشارات، ع2018م.
13ـ العموش، خلود، الخطاب القرآني-دراسة في العلاقة بين النص والسياق، جدار للكتاب العالمي، عَمّان-الأردن، ط1، 2008م.
14ـ القرطاجني، حازم، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تقديم وتحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت-لبنان، ط3، 1979م.
15ـ كولوقلي، غنيمة، نظرية التلقي، خلفياتها الإبستمولوجيّة وعلاقاتها بنظريّات الاتصال، دار التنوير، الجزائر، ط1، 2013م
16ـ ميويك، دي سي، موسوعة المصطلح النقدي: المفارقة، ترجمة: عبد الواحد لؤلؤة، دار الرشيد للنشر، العراق، 1982م
[1] يبدو أنّ الخطأ في الطباعة وإنّما يقصد (التعجب)