ألفاظ من اللهجة الظفارية الحضرية في الشعر العربي الفصيح - ديوان جرير أنموذجا (ت: 110هـ)

الباحث المراسلد. سعيد بن بخيت بن مستهيل بيت مبارك جامعة ظفار

Date Of Submission :2023-02-22
Date Of Publication :2023-02-22
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

مقدمة: 

          ما زالت اللهجات العربية المعاصرة في شتى بقاع الوطن العربي على امتداده الكبير تشهد على فصاحة هذا الجيل من مستخدمي اللهجات، إذ تظهر بين الحين والآخر ألفاظ في اللهجات العربية المعاصرة هي امتداد ظاهر للفصحى القديمة؛ مما يجعل الباحثين أمام مهمة بحثية تاريخية، وهي إحياء هذه الألفاظ اللهجية وهي في الأصل عربية أصيلة فصيحة؛ حتى نحافظ أولا على ثراء العربية، ونقرّب اللفظ العربي الفصيح من الجيل، لاسيما أن هذا اللفظ له في اللهجات ما يقابله إما صوتا أو صرفا أو دلالة.

          وقد نجد في قطر عربي ما ألفاظًا لهجيةً معاصرةً ربما يقتصر وجودها على ذلك القطر دون سواه، وهكذا نجد ألفاظا أخرى في قطر آخر يقتصر وجودها عليه، إلا أن هذه الألفاظ اللهجية كلها موجودة في العربية الفصيحة، الأمر الذي يشير إلى تمدد العربية الفصحى وتفككها حتى توزعت بين الأمصار العربية وظهرت على صورة لهجات يظن الناظر إليها للوهلة الأولى أنها أولا مختلفة ولا يمكن أن تنتمي إلى لغة أصل، وأنها ثانيا لا تمت إلى العربية الفصحى بصلة.

          في هذا البحث سوف أدرس إحدى اللهجات العربية المعاصرة في شبه الجزيرة العربية، مستعينا بالمنهج الوصفي استظهار السمات المشتركة بين ألفاظ انتشرت في اللهجة الظفارية الحضرية أشبهت اللفظ العربي الفصيح. وهي لهجة لا تنتشر انتشارا واسعا ومعروفا في شبه الجزيرة العربية، إنها اللهجة الظفارية الحضرية. وأقول الحضرية حتى أُخرج لهجاتٍ أخرى في ظفار وهي ليست في مدونة هذا البحث، مثل: اللهجة الشحرية (الجبالية) واللهجة المهرية واللهجة الكثيرية واللهجة الهبيوتية.

          لقد تصفحت ديوان الشاعر الأموي جرير، ومسحته بحثا عن كلمات موجودة في اللهجة الظفارية اليوم في الاستعمال المعاصر، فوقفت فيه على خمس وأربعين كلمة (45) استعملها الشاعر جرير وهي ما زالت حية في اللهجة الظفارية، وإن الناظر إلى هذه الكلمات لا يعرف معناها لصعوبتها، لكنه إن كان من أبناء اللهجة الظفارية الحضرية فإنه حتما سيعرف معنى هذه الكلمات؛ لأنه يستعملها بطبيعة الحال في حياته اليومية.

          لقد تناولت هذه الألفاظ فوجدتها قسمين: قسم منها لم يتغير مبناه ولا معناه، والقسم الثاني تغير مبناه قليلا والمعنى في القسمين ظل واضحا وأن انحرف شيئا يسيرا رددناه بلطف إلى معنى قريب جدا من المعنى الفصيح القديم. قام هذا البحث على: مقدمة وثلاثة مباحث هي: بين الاسمية والفعلية، بين الزيادة والنقصان، بين اللفظين دلاليا.

          لقد بلغت الكلمات التي ماثلت الفصحى اثنتين وعشرين كلمة، في حين أن عدد الكلمات التي خالفت الفصحى ثلاث وعشرون كلمة، وإن من الغريب حقا أن نقف في مثل هذا النوع من الشعر القديم على كلمات تمثل لهجة نادرة كلهجة أهل ظفار المعاصرة، تكون متطابقة معها في المبنى والمعنى، وأرجو أن يفتح هذا البحث الباب لبحوث أخرى تتناول إحدى اللهجات العربية المعاصرة في قطر عربي آخر لدراستها والوقوف على ألفاظها (الخاصة) في الشعر العربي القديم، وإحياء هذه المفردات العربية الأصيلة التي يظن أبناء اللهجة بأنها غير فصيحة.

 

تمهيد:

إن مظاهر التطور الصرفي في هذه المدونة هي الأكثر شيوعا من بين مظاهر التطور الأخرى التي تجعل الفصحى تؤول إلى اللهجة،  فالمظاهر الصوتية والمعجمية كانت أقل شيوعا من المظاهر الصرفية، فضلا عن مظاهر التطور اللفظي النحوية التي هي أقل بكثير. 

لن أتناول في هذا المبحث جميع الألفاظ التي تطورت صرفيا لكثرتها ولضيق المقام عن عرضها ودراستها، لكنني سأتحدث عن مبدأ هذا التطور الصرفي العام الظاهر في معظم هذه الألفاظ الظفارية التي وردت في ديوان الشاعر جرير،  إنه مبدأ الاشتقاق، والذي يبدو أن اللهجة الظفارية الحضرية قد استثمرته لإجراء التطور في اللفظ العربي الفصيح،  وبنظرة عجلى إلى الاشتقاقات بين اللهجة الظفارية الحضرية المحكية اليوم والاشتقاقات في الفصحى سوف يتبين ضيق الاشتقاق والصيغ المستعملة في اللهجة الظفارية، وهذا ما يمكن للباحث اللساني ملاحظته في معظم مسارات التطور اللغوي حيث يضيق الاستعمال اللهجي عن الاستعمال الفصيح في التأنيث والتذكير،  والإضمار،  والإظهار والحذف، والإعراب والتسكين على سبيل المثال لا الحصر. 

لم تكن اللغة على حد تعبير الدكتور عبد السلام المسدي متسلطة على الإنسان، لم تكن العلاقة بينها وبين الإنسان على هذ النحو أبدا، بل كانت مرتبطة بالإنسان زمانه ومكانه، وكأن بيئة الإنسان هي التي تشكله وتوجهه فتتشكل أيضا لغته، يقول: "ولكن تحسس حقائق الأمور باشتقاقها من مكامن الظاهرة الطبيعية يدعونا إلى مزيد من الكشف المجهري عن نواميس الظاهرة اللغوية في علاقتها بالإنسان فيتجلى لنا بالاستتباع النظري والتحرك الجدلي أن اللغة لم تكن قط في منظور الفكر العربي مؤسسة قسرية تتسلط على الفرد من علٍ".(المسدي، 1986م، ص254).

مما يعني أن الإنسان عبر مقيديّ الزمان والمكان في كل بيئة عاش فيها سوف يصنع لغته الخاصة، وهذا هو ما جعل الفصحى تؤول إلى لهجات يضيق الاستعمال اللغوي فيها ويتسع وهو أكثر ضيقا وأقل اتساعا إذا ما وازنته بالاستعمال الفصيح في معظم مستويات الاستعمال اللغوي الفصيح الصوتي والصرفي والتركيبي والدلالي.

ويقرر الدكتور إبراهيم السامرائي في كتابه "العربية تاريخ وتطور" أن "العربية في بداوتها حفلت بأصول كان لها أن تكون من مواد الحضارة حين تحول العرب إلى عصورهم الحضارية" (السامرائي، 1993م، ص9). ثم يسير في فصل كامل من الكتاب في استعراض كثير من الألفاظ المعاصرة في لهجة العراق، وهي ما زالت تستخدم في اللهجة المعاصرة مع انحرافات يسيرة إما صوتية أو صرفية أو دلالية.

          ينبغي في هذا البحث التطرق إلى بعض المظاهر الصرفية المتعلقة غالبا بالاشتقاق التي تجعل اللهجة الظفارية الحضرية تختلف عن الفصحى اختلافا يسيرا، والمظاهر الدلالية التي بقيت كما هي في ألفاظ بعينها وانحرفت شيئا يسيرا في ألفاظ أخرى. ويمكنني هنا قصر هذا البحث على ثلاثة مظاهر تجنبا للإطالة.

 

أولا: مبحث بين الاسمية والفعلية:

          يمكن ملاحظة الاختلاف بين المفردة اللهجية الظفارية والمفردة الفصحى في أن الأولى تميل إلى استعمال اللفظة على صورة الفعل، في حين أنها في الفصحى تكون على صورة الاسم، من ذلك ما يأتي:

قبقاب: 

وهي في قول جرير (التميمي، 1986م، ص44)             (البسيط)

أَقْصِرْ فإنَّكَ ما لمْ يُؤْنِسوا فَزَعًا .. عندَ المِرَاءِ خَسيفُ النُّوكِ قَبْقَابُ

يهجو جرير في هذا البيت الفرزدق ويعيره بأن قومه لا يفزعون للحرب لما فيهم من كثرة الحمقى (خسيف النُّوك) الذي لا قبل لهم بالحرب وشدتها، وأن فيهم من كل قبقاب: أي رجل كثير الكلام قليل الفعل.

          قال ابن منظور في معجم اللسان: "ورجلٌ قبقابٌ وقباقبٌ: كثير الكلام أخطأ أو أصاب، وقيل: كثير الكلام مخلِّطُه، أنشد ثعلب: أو سكتَ القوم فأنت قبقابْ" (منظور، قبقب).

          في اللهجة الظفارية تستعمل اللفظة بصيغة الفعل وهي (بِيْقبقب) بالباء والياء المدية اللتين تشيران إلى زمن الفعل المضارع، وهما شبيهتان بالباء والياء في لهجة أهل مصر إلا أن الياء عندهم ليس مدية، بل متحركة بالكسرة مثل قولهم: الراجل بِيِتْكلم. 

          ربما استعمل الظفاريون هذه اللفظة بصيغة الاسمية المصدرية فقط كقولهم: أيش من تقبقاب هذا. أي ما هذا الصوت المزعج، وهنا ينصرف معنى اللفظة إلى صوت الأشياء وليس صوت الرجل، في حين أن الصوت الذي يصدره الرجل ويزعج به الآخرين تستعمل له اللفظة بصيغة الفعل كقولهم: طول الجلسة وهو بِيْقبقب فوقنا. أي لم يفتأ يتحدث ويكثر من الكلام في المجلس، والجدير بالالتفات هنا أن القبقاب في الفصحى ليس بالضرورة أن يكون مكثرا من الكلام السخيف أو الذي لا فائدة منه، فقد يكون رجل قبقابٌ بالكلام المفيد والنافع، كما في قول ابن منظور في اللسان.

          ومن استعمالات اللهجة الظفارية لهذه اللفظة قولهم: الباب بِيْقبقب. أي أنه يصدر صوتا ربما لخلل في مساميره، ونقول: السيارة بِتْقبقب. بالمعنى نفسه. الحق أن أبا نصر الجوهري في الصحاح قد أورد هذه المادة ولم يسند اللفظة مطلقا إلى الإنسان، فقد أورد معاني لها كأن تكون صوت جوف الفرس، وهدير الأسد أو الجمل، وقال: القبقب هو البطن (الجوهري،2009، قبقب). أقول ربما كانت اللفظة في استعمالها الأولي لم تسند إلى عاقل، ثم أسند بعد ذلك إلى الإنسان في سياق الذم والتعييب، وهذا ما نراه في اللهجة الظفارية حيث بقي استعمال اللفظة فيها محتفظا بأصلها القديم في الدلالة، حيث لا تستعمل اللفظة فيها إلا لغير العاقل أو لعاقل مذموم!. وفي اللسان: "قبقبَ الرجل: حمُقَ" (منظور، قبقب).

          ولم ترد اللفظة في اللهجة الظفارية إلا في صيغتين هما: بِيْقبقب وتقبقاب،  والثاني مشهورٌ في اللهجة الظفارية الحضرية ومثاله: تحَمَّال من تَحمُّل، وتطَفَّال من تَطَفُّل، وتبَجَّاح من تَبَجُّح. نقول في اللهجة الظفارية: فلان فيه صبر وتَحَمَّال. أي هو ذو صبر وتحمل، وإن كانت كلمة (تحَمَّال) هنا أصبحت تعني في اللهجة الاهتمام بإنجاز الأمور. ونقول: يا خي إيش هذا التبَجَّاح الي فيك. أي ما أشد تَبَجُّحَك!. 

          وربما نتلمس في هذه الصيغة اللهجية الظفارية الأصل القديم الذي تحدث عنه اللغويون، وهو ميل العرب في لغتهم إلى التخفيف، وأن الفتحة أو الألف أداة هذا التخفيف غالبا، عليه فقد استثقلت اللهجة الظفارية الضمة في عين المصدر فحولتها إلى فتحة لثقل الأولى وخفة الثانية، فاستحالت كلمة (تَعَطُّر) إلى (تعَطَّار) وكلمة (تَمَلُّق) إلى (تمَلَّاق)، وكذلك هو الحال في لفظة (تقَبْقاب) فلو كانت في الفصحى لكانت من (تقبقب) والمصدر (تقبْقُب) وليس (تقَبْقَاب) إلا أن اللهجة كما مر استثقلت ضمة الوسط فحولتها إلى فتحة طلبا للتخفيف. 

ولا يختلف الفعل المضعف عن الفعل الصحيح، ولا يختلفان في صيغة المصدر كذلك، فلو كان في الفصحى (توسوس) لكان المصدر (توسوُس) مثله: تحسس وتحسُّس، وتغرغر وتغرغُر. لكنها جميعا في اللهجة الظفارية بالفتحة عوضا عن الضمة الثقيلة، نقول: توَسْواس في توسوُس، وتحَسَّاس في تحسُّس، وتغَرغَار في تغرغُر.

رامح: 

وهي في قول جرير (التميمي، 1986م، ص79):           (الطويل)

بها كلُّ ذَيَّالِ الأصِيلِ كأنَّهُ .. بِدَارَةِ رَهْبَى ذو سِوارَيْنِ رَامِحُ

الرامح هو الحصان الذي يضرب بقوائمه بقوة، وفي اللهجة الظفارية نقول عن الرجل: بِيْرمح برجوله. أي يرمح برجله بقوة كما يصنع الحصان أو الدابة.

لقد وردت اللفظة في الفصحى على صيغة اسم الفاعل، ووردت في لهجة أهل ظفار بصيغة الفعل، وبالنظر في المعاجم القديمة يتبين أن العربية الفصحى تتسع اشتقاقا في استعمال هذه اللفظة التي تضيق اشتقاقا في الاستعمال اللهجي في لهجة أهل ظفار تحديدا.

وقد وردت اللفظة باشتقاقات عدة في اللسان منها: رمح ورامح والرمَّاح ورُمَيْح بالتصغير ورموح على المبالغة (منظور، رمح)، وإن هذا التنوع الاشتقاقي يقابله تنوع دلالي يبين ثراء الفصحى والاختزال الشديد الذي أصاب استعمال اللفظة في اللهجة الظفارية المعاصرة، ومن هذه الدلالات ما أورده صاحب الصحاح من أن رمح ضربة بالرمح إلى جانب أنها تكون ضربة بالرجل، فقولنا: رجلٌ رامحٌ، أي: رجل ذو رمح. ومعنى (ثورٌ رامحٌ) أي: له قرنان (الجوهري، 2009، رمح)، فهذه كما يبدو صيغٌ تختلف في دلالاتها عما هو مستعملٌ في اللهجة الظفارية.

ومنها أيضا الرمَّاح الذي يتخذ الرمح، والرماحة هي الحرفة، والرامح عند العرب أحد السِّماكين، وهما كوكبان معروفان يسمى أحدهما الرامح (الجوهري، 2009)، لقد غابت هذه الاستعمالات تماما عن اللهجة المعاصرة وضاق استعمال اللفظة على الصعيدين الاشتقاقي والدلالي.

رُزَّح: 

وردت في قول جرير (التميمي، 1986م، ص86)                 (الطويل)

رأت صِرْمةً للحنظلي كأنها .. شَظِيُّ القنا منها: مُناقٌ ورُزَّحُ

في هذه القصيدة يمتدح جريرٌ نفسه ويفتخر بخصاله، وفي هذا البيت يذكر أن له – وقد كنى عن نفسه بالحنظلي – قطعة من الإبل (صِرمة) بها النجائب المنتقاة، وبها الرُّزَّح أي العيية الضعيفة.

والمفرد من رزح رازح وهو المعيي، وفي لهجة أهل ظفار: ارزح يا فلان. مستعملة بكثرة وتعني تستحق ما أصابك من بلاء فأرهقك وأعياك وهي عبارة تشفي، ومنها الاشتقاقات: ارزحي للمؤنثة، وارزحوا لجمع الذكور، وارزحن لجمع النسوة، وكلها مستعملة بكثرة في اللهجة، وهي كما يظهر أفعال أمر وليس من قبيل الأسماء، وقد وردت في شعر جرير اسما لجمع الذكور وهو ما لم يرد في اللهجة الظفارية، وقد يرد في الفصحى اسما مفردا، يقول ابن فارس في المقاييس: "الراء والزاء والحاء أصلٌ يدل على ضعفٍ وفتور، فيقولون: رزح، إذا أعيا" (الرازي، 1979، رزح). وقد جاءت في هذا المعجم الصيغ: مرازيح، ورزحى، والمِرْزح وكلها تدل على الاستكانة والضعف.

ثانيا: مبحث بين الزيادة والنقصان:

         وذلك أن اللفظة تكون في الفصحى تامة الحروف في حين أنها ترد في اللهجة الظفارية منقوصة الحروف، والعكس صحيح، ومن ذلك الألفاظ الآتية: 

خريق:

وردت في قول جرير (التميمي، 1986م، ص125)                  (البسيط)

ريحٌ خريقٌ شمالٌ أو يمانيةٌ .. تعتاده مثلَ سَوْفِ الرائمِ الجَلَدَا

قال الشاعر هذا البيت في مقطع طللي من قصيدة يمدح فيها العباس بن الوليد بن عبد الملك (حبيب، 1/391)، ويشبه فيها هذه الريح القوية في علاقتها مع الطلل بالناقة (الرائم) التي تحن على وليدها (الجلدا) بالشم (السوف)، وكأنه هذه الريح قد اعتادت على هذا الطلل واقتربت منه في أزمان متتالية كقرب هذه الناقة الوالدة من صغيرها.

الخريق ريح شديدة، وهي شائعة في اللهجة الظفارية جدا باسم: بو خريقة، وهي ريح شديدة الهبوب محملة بالأتربة. يقول ابن يعيش: " وكما شبه "فَعُولٌ" بـ "فَعِيل"، فألحق به تاء التأنيث كذلك شبهوا "فَعِيلًا" بـ "فَعُولٍ"، فأسقطوا منه تاء التأنيث، فقالوا: "شاةٌ سَدِيسٌ"، إذا أتت عليها السنة السادسة، وقالوا: "رِيحٌ خَرِيقٌ"، أي: باردة شديدةُ الهبوب. قال الشاعر:

كأن هُبُوبها خَفَقانُ رِيح … خَرِيقٍ بين أعلام طوال

و"كَتِيبَةْ خَصِيفٌ" (يعيش، 2001م، 3/289)، فالأصل في "فعيل" إسقاط علامة التأنيث منه كما في: ثوبٌ كسيفٌ، وامرأة قتيلٌ. وذلك أن هذه الأسماء فيها معنى المفعول إذ تثبت علامة التأنيث إذا كان الاسم لا يحمل معنى المفعول نحو: امرأةٌ جميلةٌ، وجارةٌ كريمةٌ. 

والجدير بالذكر هنا أن "خريق" اسمٌ كان ينبغي أن تلحقه تاء التأنيث لأنه على وزن فعيل وليس فيه معنى المفعول، فكان الأصل أن تقول العرب: ريحٌ خريقةٌ. إلا أن الاسم ذُكر شذوذا يقول السيوطي في المزهر: "وجاءت أشياء شاذة فقالوا: ريحٌ خريقٌ، وشاةٌ سديسٌ، وكتيبةٌ خصيفٌ" (السيوطي، 1998م، 2/192). وشاة سديس أي: بلغت السنة السادسة، وكتيبة خصيف أي: كثير اختلاط سواد جيشها ببياضه، لقد احتفظت اللهجة الظفارية الحضرية في الاستعمال المعاصر بصفة التأنيث في اللفظة وتجنبت الشذوذ، نقول في اللهجة الظفارية: بو خريقة قرح. أي بدأ هذا النوع من الريح بالهبوب. والزيادة في هذه اللفظة جاءت في اللهجة الظفارية بإثبات علامة التأنيث، والنقصان جاء في العربية الفصحى بحذف هذه العلامة.

نفيان: 

وردت هذه اللفظة في قول جرير (التميمي، 1986م، ص 192): (البسيط)

حيّ الديارَ التي بلّى معارفَها .. كلَّ البِلى نَفَيَانُ القطْر والمَورِ

هذا البيت في مقدمة طللية من قصيدة يمدح فيها جرير يزيد بن عبد الملك، يقول بأن رشاش (نَفَيَان) المطر والأتربة قد درست منه الديار وبليت، وذلك من شدة عوامل التعرية عليها.

ونَفَيَان المطر أي رشاشه، وفي اللهجة الظفارية نقول: نَفْ. أي رذاذ المطر الخفيف وهي مشهورة ومستعملة بكثرة. وربما اختزلتْ اللفظة حتى أصبحت على حرفين فقط، حيث تخلصت اللهجة من الياء ومد الألف والنون وفتحة الفاء.

وفي تاج العروس جاءت لفظة "نَفِيٌّ" وتعني: "نَفِيُّ المطر كغَنِيّ: ما تنفيه الريح وترشّه؛ نقلَهُ الجَوْهري" (الزبيدي، 1965م، 4/120). وربما تكون هذه اللفظة المنقوصة (نَفِيّ) أقرب مما استعملته اللهجة الظفارية، وربما كانت هي الأصل في استعمال العرب إلا أن الشاعر جريرا قد مال إلى التمام في اللفظة (نَفَيَان) مراعاةً للوزن الشعري.

ضغا: 

وردت في قول جرير (التميمي، 1986م، ص 404):     (الوافر)

ضغا الشعراء حين رأوا مُدِلًّا .. إذا امتدّ الأعنةُ ذا اعتزامِ.

وإن جريرًا كثيرًا ما يهجو الشعراء مجتمعين محاولا إبراز مقدرته الشعرية الكبيرة وغلبته عليهم جميعا، ولا تجد هذا عند خصومه مثل الفرزدق والأخطل الذي لم يستعدَوا الشعراء كما فعل جرير. فقد هجا أول ما هجا الشاعرَ غسان السَّليطِيّ، قال يهجوه (المثنى، 1998م، 1/8):

لا تحسبنِّي عن سليطٍ غافلا            إنْ تَعْشَ ليلا بسليطٍ نازلا

لا تلقَ أقرانًا ولا صَواهِلا               ولا قِرًى للنازلينَ عاجلا

وقد هجا الأعور النبهاني فقال (المثنى، 1998م، 1/94):

وجدنا بني نبهان أذنابَ طيِّءٍ                    وللناس أذنابٌ تُرى وصُدورُ

      وأعورَ من بنهان أما نهارُهُ                     فأعمي وأمـــــــا ليلُهُ فبصيرُ

وهجا البعيث المجاشعي فقال له (المثنى، 1998م، 1/318 )

لَئنْ راهنَتْ عَدْوًا عليك مجاشعٌ                 لقد لقِيَتْ نقْضًا وطاشتْ حُلُومها

وذلك إلى جانب هجائه المحتدم مع الفرزدق والأخطل، وقد أشار إلى عدائه هذا مع الشعراء وانبرائه للرد عليهم وغلبتهم في قوله (المثنى، 1998م):

أعدّ اللهُ للشعراء مني                    صواعقَ يُخضعون لها الرّقابا

وضغا تعني في الفصيحة صوّت ورفع صوته متذللا متألما، وفي اللهجة الظفارية ثمة لفظة ربما تشبه هذه اللفظة وهي "ضَغْرَر" أي صاح بصوت في تذلل وانكسار من ألم أو أذى.

وقد جاءت اللفظة في اللهجة مزيدة عنها في الفصحى بالراء المضعفة، نقول في اللهجة الظفارية الحضرية في حال الطفل المصاب: طول الليل بيضغرر. أي: طوال الليل وهو يصوّت من الألم والمرض، وتستعمل كثيرا في الإخبار عن الطفل الذي يكثر من البكاء وقد يكون من دون ألم ولا مرض، كالأطفال الذين يبكون عادة إذا منعوا من شيء يريدونه، فيعمدون إلى البكاء الطويل حتى يحصلوا على ما يريدون.

ثالثا: مبحث بين اللفظين دلاليا: 

          يبدو أن الاختلاف الدلالي بين العربية الفصحى واللهجة الظفارية الحضرية لم يكن أكثر حضورا – على الأقل في عينة هذا البحث – من الاختلاف بينهما في الجانب الصرفي، إلا أن هذا لا يعني أن التطور الدلالي أقل حضورا، فلطالما كان المعنى هو النتيجة التي تقدمها التطورات الأدائية في اللغات؛ "لأن كل دراسة لغوية – لا في الفصحى فقط بل في كل لغة من لغات العالم – لا بد أن يكون موضوعها الأول والأخير هو المعنى وكيفية ارتباطه بأشكال التعبير المختلفة، فالارتباط بين الشكل والوظيفة هو اللغة، وهو العرف وهو صلة المبنى بالمعنى" (حسان، 1994م، ص 9).

          إن مقولة الأستاذ تمام حسان السابقة تغري بالوقوف على ملمح مهم من الملامح التي تجعل العربية تتطور وتتغير، إنه العرف، وكيف أن الأعراف وهي جزء تصنعه الجماعة البشرية في ظروف ما وزمان ما توجه ابن اللغة نحو استحداث أداءاتٍ جديدة تؤدي غالبا إلى دلالاتٍ جديدة، وهذا يحيل أيضا إلى فكرة الاقتصاد العضلي التي تطرق لها الدكتور أحمد علم الدين الجندي مشيرا إلى أن هذا الاقتصاد العضلي في النطق سبيل إلى تحقيق الانسجام الصوتي وأن ابن اللغة عادة ما يمارس هذه الأداءات الاقتصادية من حيث لا يشعر، يقول: "ولا شك أن الانسجام الصوتي فيه اقتصاد للجهد العضلي، وهذا الاقتصاد يميل إليه الإنسان من غير عمد" (الجندي، 1983م، 1/276).

          لقد وردت في ديوان جرير ألفاظٌ ما زالت حيةً في اللهجة الظفارية الحضرية تشير إلى المعاني نفسها تمامًا وأحيانًا مع اختلاف طفيف بين اللفظين في المعنى، وفيما يأتي عرضٌ لنماذج من هذه الألفاظ التي إما تطابقت في الدلالة تمامًا بين الفصحى واللهجة الظفارية أو اختلفت اختلافًا يسيرًا. 

أولا: ألفاظٌ تطابقت في الدلالة:

قُصَّة: 

وردت في قول جرير (التميمي، 1986م، ص 45):          (الكامل)

يَتَراهَنونَ على التيُوسِ كأنَّما.. قَبضُوا بِقُصَّةِ أَعْوَجِيٍّ مُقْرَبِ

في هذا البيت يهجو جرير رجال بني طُهيةَ ويصفهم بأنهم يعاملون التيوس معاملة الخيل الأصيلة (الأعوجيات) المقربة عند أهلها المحببة إليهم، وكأن الواحد منهم إذا ما مسح على قُصّة (شعر مقدمة الرأس) التيس يشعر بالفخر وكأنه قد مسح على قصة فرس أعوجي أصيل، إشارة من الشاعر إلى انحطاط هؤلاء الذين ينسبون إلى قبيلة طُهيةَ لولعهم بحرفة الرعي وهي من أوضع الحرف لديهم. 

          لفظة قُصّة تعني " شعرُ الناصية؛ قال عدي بن زيد يصف فرساً: له قصّةٌ فَشَغَتْ حاجِبَيه، والعيْنُ تُبْصِرُ ما في الظُّلَمْ وفي حديث سَلْمان: ورأَيته مُقَصَّصاً؛ هو الذي له جُمّة. وكل خصلة من الشعر قُصّة" (منظور، قصص). وعند ابن فارس "القُصّة الناصية" (فارس، 1979، قصّ)، وما زالت هذه اللفظة شائعة جدا في ظفار لاسيما بين النساء؛ إذ تتعمد المرأة الظفارية إخراج بعض الخصلات من شعرها عند النساء والمحارم من الرجال مظهرا من مظاهر التزين، ويطلق على هذه الخصلات من الشعر المتدلية على جبين المرأة الظفارية القصة بضم القاف، وربما لم تعد محافظات السلطنة ومناطقها الأخرى تستعمل هذه اللفظة العربية القديمة، إلا أن إثبات هذه الفرضية يحتاج إلى مسح بقية اللهجات في السلطنة.

          وربما نستشف من الاستعمال القديم لهذه اللفظة أنها كانت تستعمل للدلالة على شَعَر مقدمة رأس الفرس، لا يظهر هذا المعنى من استعمال جرير لها فحسب، بل من تطرق اللغويين في المعاجم لدلالتها وحصرها في هذا المعنى تحديدا، إلا أن اللفظة اليوم انتقلت من الدلالة على شعر مقدمة رأس الفرس إلى شعر الناصية عند المرأة، وأرى أنه من الصعوبة بمكان الوقوف على الأسباب التي دعت إلى هذا الانتقال الدلالي، ويمكن هنا الاستئناس بمقولة للمستشرق الفرنسي فندريس وهو يحدد أنواع التغييرات التي تصيب الكلمات في اللغات، يقول: "ترجع أحيانا التغييرات المختلفة التي تصيب الكلمات من حيث المعنى إلى ثلاثة أنواع: التضييق والاتساع والانتقال" (فندريس، 1950، ص 256)

2. البراذين:

وقد ردت في قول جرير (التميمي، 1986م، ص 458):     (البسيط) 

قالت قريشٌ وللجيرانِ مَحرَمةٌ .. أين الحواريُّ يا فَيْشَ البَرَاذينِ

في هذا البيت يهجو جريرٌ مجاشعًا قبيلة الفرزدق ويشبه رجالها بالبراذين (نوع من الخيل غير أصيلة)، والرجل الفَيَّاشُ هو المفاخر يدعي الغلبة والسيادة ولا شيء عنده، يقول ابن منظور في اللسان" البِرْذَوْنُ: الدابة، معروف، وسَيْرَتُه البَرْذَنَةُ، والأُنثى بِرْذَوْنَةٌ، قال: 

رأَيتُكَ، إذْ جالَتْ بكَ الخَيْلُ جَوْلةً                  وأَنتَ على بِرْذَوْنةٍ غيرَ طائلِ

 وجمعه بَراذينُ. والبراذين من الخيل: ما كان من غير نِتاج العِرابِ. وبَرذَنَ الفرسُ: مشى مشيَ البَراذينِ، وبَرْذَنَ الرجل: ثقل" (منظور، برذن)

          لقد انتقلت دلالة هذه اللفظة -كما يبدو من كلام ابن منظور- من الدلالة على نوع من الدواب إلى الدلالة على صفة في البشر، بل في الرجال على وجه التحديد، ولئن كانت الفصحى أبقت على المعنى الأصيل للفظة، وهو هذا النوع من الخيول غير الأصيلة فإن اللهجة الظفارية لم تعد تستعمل هذه اللفظة إلا للدلالة على الرجل الضعيف المستكين الذي لا يقوى على إدارة شؤونه إلا بمعونة من الآخرين، نقول: فلان تعبان بَرْذُول. أي لا ينتظر منه نفعٌ ولا عون، وهي شائعةٌ جدا في اللهجة الظفارية. 

          ولا يخفى على الناظر إلى هذه اللفظة بين الفصحى واللهجة الظفارية الحضرية التطور الصوتي الذي أصابها حيث استبدلت اللام بالنون في اللهجة وذلك في صيغتي المفرد والجمع، نقول: برذول وجمعه براذيل. وكانت في الفصحى: برذون وبراذين. كما لا يخفى على المختصين التقارب في المخرج بين اللام والنون والاتفاق بينهما في بعض الصفات. 

 

 

خاتمة: 

          في هذا البحث استعرض الباحث عينة من الألفاظ العربية القديمة التي وردت في ديوان الشاعر الأموي جرير بن عطية التميمي التي ما زالت تستعمل اليوم في لهجة أهل ظفار الحضرية، والجدير بالذكر أن هذه الألفاظ تستعمل في لهجة أهل الحضر بمحافظة ظفار وليس في اللهجات المحكية المعاصرة لها كاللهجة الشحرية (الجبالية) واللهجة المهرية واللهجة الهبيوتية.

          لقد تميزت المادة المعجمية التي تحصل عليها الباحث في ديوان الشاعر جرير بالتنوع البنائي الذي يرجع إلى ظاهرة الاشتقاق التي تميزت بها العربية الفصحى وظهرت أيضا في اللهجات، إن خاصية الاشتقاق تظهر مدى قدرة اللفظة على المرور بسيرورة بنائية تاريخية؛ مما أتاح للباحث أن يدرس هذه الصورة اللهجية التي استقرت عليها اللفظة في اللهجة من عدة جوانب بحثية كانت هي بطبيعة الحال محاور هذا البحث: بين الاسمية والفعلية، وبين الزيادة والنقصان، وبين اللفظين دلاليا.

          والأمل كبير في أن يكون هذا البحث استثارة علمية لبحوث مشابهة تستهدف الخصوصية المعجمية في لهجة ما في قطر ما بالنظر في مدونة ما من مدونات اللغة العربية الفصحى، حيث يمكن لهذه الأعمال أن تسهم وإن كان بشكل عشوائي في دعم أعمال المعجم العربي التاريخي المبعثرة هنا وهناك. 

 

 

جدول ألفاظ اللهجة الظفارية الحضرية في ديوان جرير

م

الشاهد

الكلمة

التغيير

1

يُخالجْنْ الأزمّةَ لا قِلاصٌ .. ولا شهْبٌ مشافرُهُنّ نيبُ

مشافرُهُنّ

لا يوجد اختلاف بين الكلمة في الفصحى واللهجة، وهي تعني الشفاه. 

2

أقصر فإنك ما لم يؤنسوا فزعا .. عند المراء خسيف النوك قبقاب 

أقصر 

شائعة في اللهجة لكن بحذف الهمزة و تضعيف الوسط بمعنى لا مجال لك للمحاولة فأنت عديم الفائدة، وفي اللهجة كذلك: قصّرنا عليك.

3

أقصر فإنك ما لم يؤنسوا فزعا .. عند المراء خسيف النوك قبقاب

قبقاب

مستعملة بمعنى الفصيح وهو الرجل كثير الكلام، لكنها تستعمل بصيغة مغايرة مثل: تقبقاب ، و بيقبقب فوقنا.

4

يتراهنون على التيوس كأنما.. قبضوا بقصة أعوجي مقرب

بقصة

لم يتغير ضبطها في اللهجة الظفارية ولم يتغير معناها كذلك، والقصة شعر الناصية. 

5

الضاربو النخل لا تنبو مناجلهم .. عن العذوق ولا يعييهم الكرب

العذوق 

مفرده عذق والكلمتان مستعملتان في لغة المزارعين في ظفار إلى الآن. والعذق ساق يحمل ثمر الموز المرصوص على شجرة الموز. 

6

الضاربو النخل لا تنبو مناجلهم .. عن العذوق ولا يعييهم الكرب

الكرب

مسمى من أجزاء النخلة هو في الفصحى الأصل العريض لسعف النخلة، وفي لهجة أهل ظفار ثمرة جوز الهند إذا قشرت ويبست. ونخل أهل ظفار ثمره جوز الهند وليس التمر. 

7

فليست ديار الحي لم يمس أهلها .. بعيدا ولم يشحج لبين غرابها

يشحج

صوت الغراب وفيه بحة ما زالت لهجة ظفار تستحضرها فيقول الظفاري : تشحج حلقي. إذا بح صوته من كثرة الكلام. 

8

إن الغراب بما كرهت لمولع.. بنوى الأحبة دائم التشحاج 

التشحاج

صياح الغراب، وأهل ظفار يستعملون الكلمة مع تغيير في التشكيل. 

9

بها كل ذيال الأصيل كأنه  .. بدارة رهبى ذو سوارين رامح 

 

رامح

الرامح هو الحصان الذي يضرب بقوائمه بقوة، وفي اللهجة الظفارية نقول عن الرجل: بيرمح برجوله. تشبيها له بالحصان أو الدابة التي ترمح بقوائمها.

10  

لقد هاج هذا الشوق عينا مريضة .. أجالت قذى ظلت به العين تمرح 

تمرح

أي تديم ذرف الدمع،  وفي اللهجة نقول: مرحت عيني أي فركتها بقوة. وفي الفصحى مرحت جلدي أي دهنته، وهو كذلك في لهجة أهل ظفار. 

 

11

رأت صر مة للحنظلي كأنها .. شظي القنا منها مناق ورزح 

رزح

المفرد رازح وهو المعيي، وفي لهجة أهل ظفار: رزح يا فلان. مستعملة بكثرة وتعني تستحق ما أصابك من بلاء فأرهقك وأعياك وهي عبارة تشفي.

12

وكل أسمر خطي يقحمه .. في حومة الموت إصدار و إيراد 

يقحمه

فعل بمعنى القفز، وهو شائع في عامية أهل ظفار: يقحم. 

13  

ولو فرجت قص مجاشعي  .. لتنظر ما وجدت له فؤادا 

قص

القص عظمة مسطحة متصلة بالقفص الصدري، وهي مستعملة في لهجة أهل ظفار بمبناها ومعناها. 

14  

قد قرب الحي إذ هاجوا لإصعاد  .. بزلا مخيسة أرمام أقياد 

مخيسة

يتحدث عن الإبل أي مذللة، ونقول في اللهجة: رجال خيس. أي فيهم ذلة وهوان.

15  

ريح خريق شمال أو يمانية .. تعتاده مثل سوف الرائم الجلدا 

 

خريق 

ريح شديدة،  وهي شائعة في اللهجة الظفارية باسم: بو خريقة، وهي ريح شديدة الهبوب.

16  

نزع الفرزدق ما يسر مجاشعا  .. منه مراهنة ولا مشوار

مشوار

المشوار هو مجرى تجري فيه الدابة لتختبر حين البيع،  والكلمة مستعملة في اللهجة الظفارية بمعنى الذهاب لقضاء حاجة. 

17

ذكرت بها عهدا على الهجر والبلى .. ولا بد للمشعوف أن يتذكرا

المشعوف

هو المتيم الذي تغير حاله ونحل جسمه من الشوق، واللفظة مستعملة في اللهجة الظفارية لوصف الرجل النحيل رث الحال ضعيف الجسم عموما وليس لعلة الوجد.

18

همُ تركوا عمرا وقيسا كلاهما .. يَمُجُّ نجيعا من دم الجوف أحمرا

يَمُجُّ

مج في الفصحى بمعنى قذف الماء أو العصير من فمه، وهي في اللهجة الظفارية على النقيض من ذلك أي بمعنى ارتشف من الماء أو العصير، وتستخدم في اللهجة على اسم المرة تقريبا لكن بضم الميم "مُجَّة" أي رشفة.

19  

حيّ الديار على سَفْيِ الأعاصير .. أسْتَنْكرتْنيَ أم ضَنَّتْ بتخبيري؟

ضَنَّتْ

ضنت تعني في الفصحى بخلت، وفي اللهجة الظفارية تُلفظ بالظاء وتعني بخل على نفسه تحديدا وليس على غيره، أي أنه آثر الآخر بطعام أو بلباس أو فائدة ما، نقول في اللهجة: يا فلان كُل لا تظُن بالأكل، إيش فيك! ظنيت؟ أي أبخلت على نفسك وآثرتنا بالطعام؟

20

حيّ الديار التي بلّى معارفَها .. كلَّ البِلى نَفَيَانُ القطْر والمَورِ

 

نَفَيَانُ

نفيان المطر أي رشاشه، وفي اللهجة الظفارية نقول: نف. أي رذاذ المطر الخفيف وهي مشهورة ومستعملة بكثرة.

21

صبّحْن في الركب، إن الركب قحَّمَهم .. خِمسٌ جموحٌ فهذا وِرْدُ تبكيرِ 

قحَّمَهم

من معانيها في الفصحى أن يرمي الرجل بنفسه في أمر دون تفكير، ومنها اقتحم أي هجم وانكب على الشيء بقوة، وفي اللهجة الظفارية تعني تحديدا قفز أو وثب، كما أن ربطها هنا بالخيل وهي في المعركة يعطي أي معنى القفز.

22

فاستوردوا منهلا ريان ذا حبَبٍ .. من زاخر البحر يرمي بالقراقيرِ

بالقراقيرِ

القراقير السفن العظيمة، والواحد منها قرقور، وفي اللهجة الظفارية نطلق الكلمة بنفس لفظها تماما على أقفاص كبيرة تصنع بطريقة معينة يضعها الصيادون في ظفار في البحر فإذا دخل فيها السمك لم يستطع الخروج منها، والغريب أن الواحد منها "قرقور" أيضا، وهي مشهورة ومستعملة في اللهجة.

23

أسراقَ ! إنك لو تفاضل خِندفًا .. بثَقَتْ عليك من الفرات بحورُ.

بثَقَتْ

بثق الماء: اندفع فجأة، وفي اللهجة الظفارية تستعمل الكلمة خصوصا مع اندفاع الدم من الجرح.

24

وإذا الأزمة أُعلقت أزرارُها .. جرْجرْنَ بين لهًا وبين حناجرِ.

جرْجرْنَ

جرجر الرجل الماء في حلقه أي حركه فأصدر صوتا، وفي اللهجة الظفارية نقول للمتألم من حلقه: يا فلان تقرقر بماي حار وملح. وفيه شفاء من التهابات الحلق، إلا أننا في اللهجة نلفظها بالقاف.

25

لا يستطيع امتناعا فقْعُ قَرقَرةٍ .. بين الطريقين بالبيد الأماليسِ.

قَرقَرةٍ

القرقر من الأرض المنخفضة اللينة، وفي لهجة أهل ظفار جرجرة وجرجارة وهي الأرض المستوية الترابية.

26

إذا أوضع الركبان غورا وأنجدوا .. بها فارجُزا يا ابني مُعيَّةَ أو دعا.

فارجُزا

أي فادفعا بالسير، وفي اللهجة الظفارية نقول للرجل: اُرْجُزْ أي ارقص رقصة تشبه السير السريع مع القفز قليلا عن مستوى الأرض.

27

ألا إنما مجد الفرزدق كيره .. وذخرٌ له في الجنبتين قعاقِعُ.

قعاقِعُ

المفرد قعقعة وهي الصوت الكثير، نقول: قعقعة السلاح وقعقعة الرعد، وفي اللهجة الظفارية تطلق كلمة القعاقع على الضفادع لأنها تُصدر أصواتا كثيرة.

28

بُقيا من الغُدَّةِ والسوافي .. عوجٍ ظماءٍ نظرَ المُشتافِ.

المُشتافِ

المشتاف هو الحريص على النظر الممعن فيه، وفي اللهجة الظفارية نقول عن الشيء: صغير واجد ما يشتاف. أي يحتاج المرء إلى إمعان النظر لإبصاره.

29

تقول ذاتُ المِطرَف الهفهافِ .. والرِّدفِ والأناملِ اللطافِ.

الهفهافِ

تطلق في الفصحى على الخفة في الحركة مثل الجناح الهفهاف أي الخفيف في الطيران، والرجل الهفهاف الخفيف الحركة، وامرأةٌ هفهاف أي دقيقة الخصر ممشوقة القوام، وهي في اللهجة الظفارية بالمعنى ذاته، نقول: جاني فلان بيهفهف، أي سريع في حركته ولا تقال غالبا إلا للنحيف الرشيق من الرجال.

30

أتانا حديثٌ كان لا صبر بعده .. أتت كلَّ حيٍّ قبل ذاك المتالِفُ. 

المتالِفُ

هي المصائب التي تتلف المرء وتهلكه، وفي لهجة أهل ظفار الحضرية نقول: تلفت، وفيني تلف، وأنا تلفان، بمعني التعب والإعياء، وهي مستعملة بكثرة.

31  

إن الزيارة لا ترجى ودونهم .. جهمُ المحيا وفي أشباله غَضَفُ.

غَضَفُ 

الغضف في أشبال الأسد تعني الاسترخاء وهذا يوحي بصغرها وضعفها مما يجعل الأسد أشد شراسةً، وفي اللهجة الظفارية نقول: يا فلان اغتظف. أي اسكن واهدأ، ونقول: فلان ما فيه غظف. أي ليس في هدوء وسكينة؛ فهو كثير الحركة والتوتر.

32

إن البلية من يمل حديثه .. فانشح فؤادك من حديث الوامق. 

فانشح

نشح الدابة سقاها، وفي اللهجة الظفارية نقول: فلان بينشح. أي يوزع مبالغ مالية لمن حوله يرميها لهم من كثرتها. وتستخدم كثيرا في عطايا السلطان الخاصة. 

33

ومن يأمن الحجاج، أما عقابه .. فمرٌّ، وأما عقده فوثيقُ. 

فوثيقُ

الوثيق الثابت المحكم، وفي لهجة أهل ظفار تطلق الكلمة بالضبط نفسه على كل المصنوعات ذات الجودة العالية والصناعة المحكمة، نقول: سرير وثيق. أي محكم الصنع ذو جودة عالية. 

34

فما ترجو وليس هوى الغواني .. لأصحاب التَّنَحْنُحِ والسعالِ. 

التَّنَحْنُحِ

هو تردد الصوت في الحنجرة، وفي اللهجة الظفارية تستخدم بنفس المعنى. 

35

أمست طهيةُ كالبكار أفزها .. بعد الكشيش هديرُ قَرمٍ بازلِ. 

هديرُ

هو تردد الصوت بقوة، ومنه هدير الأسد وهدير الرعد، وفي لهجة أهل ظفار نقول: جانا بيهدر. أي وهو يرفع صوته بقوة من الغضب.

36

لكنْ سَوادةُ يجلو مقلتَيْ لَحِمٍ .. بازٍ يصرصرُ فوق المرقبِ العالي.

يصرصر

يصف هذا الصقر بأنه يصوت، والصرصرة في لهجة أهل ظفار تعني الصوت المتكرر من الصادر من الأشياء غير العاقلة، وكثيرا ما نطلقها على الصوت الذي يصدر من باب قديم، نقول: الباب بيصرصر.

37

هلا سألت غثاء دجلة عنكم .. والخامعاتِ تجمّعُ الأوصالا.

الخامعات

الخامعة هي الضبع، وقد سمي بهذا لأنه كأن في سيره عرج، وفي اللهجة الظفارية يكثر استعمال كلمة "خمَع" بمعنى الرجل الأحمق، فربما تطورت اللفظة من الإشارة إلى العيب الخلقي إلى الإشارة إلى العيب العقلي.

38

فُسِخَ العَباءُ وريحُ نسوةِ تغلبٍ .. عدسٌ يقرقِرُ في البطون وفولُ.

يقرقِرُ

القرقرة هي تردد الصوت، وفي اللهجة الظفارية تستعمل الكلمة غلبا لوصف صوت المعدة في حالة الجوع الشديد، نقول: بطني بتقرقر. إذا أصدر البطن صوتا.

39

فإن تُغلَبْ فإنك تغلِبيٌّ .. نزلتَ بغاية الحَمِقِ اللئيمِ

الحَمِقِ

ما فيه فسادٌ في عقله، وفي لهجة أهل ظفار نقول: فلان حَمَق. أي غضب، ولا شك أن الغضب يجعل المرء يتصرف بطريقة تشبه تصرف الحمقى حيث يذهب عقله.

40

ضغا الشعراء حين رأوا مُدِلًّا .. إذا امتدّ الأعنةُ ذا اعتزامِ.

 

ضغا

ضغا تعني في الفصيحة صوت ورفع صوته متذللا متألما، وفي اللهجة الظفارية ثمة لفظة ربما تشبه هذه اللفظة وهي "ضَغْرَر" أي صاح بصوت في تذلل وانكسار من ألم أو أذى.

41

ظللنا بمستَنِّ الحرور كأننا .. لدى فرسٍ مستقبل الريح صائمِ.

بمستَنِّ

مستن الحرور هو الريح الحارة المضطربة، وفي اللهجة الظفارية نقول: فلان جا بيستن. أي سريعا في حركته قوة واضطراب.

42

وأشفي من تَخَلُّجِ كل جنٍّ .. وأكوي الناظِرَيْنِ من الخُنانِ.

الخُنانِ

الخنان داء يصيب الأنف (زكام الإبل). وفي لهجة أهل ظفار الخَنَن هو الذي في صوته غنة وهي تخرج من خيشوم الأنف، وبعضهم يرى أنه مرض.

43

قالت قريش وللجيران مَحرَمةٌ .. أين الحواريُّ يا فيش البراذينِ. 

 

البراذينِ

المفرد بِرْذَوْن، وهي الخيل غير الأصيلة بين الحصان والبغل، وفي لهجة أهل ظفار نقول: ناس براذيل، أي فيهم ضعف وليس فيهم نخوة، والمفرد برذول. 

44

وليس لسيفي في العظام بقيةٌ .. وللسيفُ أشوى وقعةً من لسانيا. 

أشوى

أشوى وقعة أي أضعف، وهي كما هي في اللهجة الظفارية وبالمعنى نفسه، نقول: امتحان اليوم أشوى من امتحان أمس. يعني أخف وأيسر.

45

تراغيتمُ يوم الزبير كأنكم .. ضباع بذي قار تَمنَّى الأمانيا.

تراغيتمُ

أي صوت بعضكم لبعض، وفي اللهجة الظفارية نقول: فيكم رغي كثير. أي تكثرون من الحديث الذي لا طائل منه.

 

المراجع:

 

إبراهيم السامرائي. (1993م). العربية تاريخ وتطور. بيروت: مكتبة المعارف.

ابن منظور. (بلا تاريخ). لسان العرب. القاهرة: دار المعارف.

ابن يعيش. (2001م). ، شرح المفصل للزمخشري. (تقديم: د. إيميل بديع يعقوب، المحرر) بيروت: دار الكتب العلمية.

أبو عبيدة معمر بن المثني. (1998م). كتاب النقائض (نقائض جرير والفرزدق). (وضع حواشيه: خليل عمران المنصور، المحرر) بيروت: دار الكتب العلمية.

أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري. (2009م). الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية. راجعه واعتنى به: د. محمد محمد تامر وأنس محمد الشامي وزكريا جابر أحمد. دار الحديث، القاهرة.

أحمد بن فارس. (1979). مقاييس اللغة العربية. (عبد السلام محمد هارون، المحرر) دار الفكر.

أحمد علم الدين الجندي. (1983م). اللهجات العربية في التراث. الدار العربية للكتاب.

تمام حسان. (1994م). اللغة العربية معناها ومبناها. الدار البيضاء: دار الثقافة.

جرير بن عطية الخطفى التميمي. (1986م). ديوان جرير. بيروت: دار بيروت.

جلال الدين السيوطي. (1998م). المزهر في علوم اللغة (المجلد ). (تحقيق: فؤاد علي منصور، المحرر) بيروت: دار الكتب العلمية.

عبد السلام المسدي. (1986م). التفكير اللساني في الحضارة العربية. تونس: الدار العربية للكتاب.

فندريس. (1950). اللغة. (عبد الحميد الدواخلي، و محمد القصاص، المترجمون) القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.

محمد بن حبيب. (بلا تاريخ). شرح ديوان جرير (المجلد 3). (نعمان محمد طه، المحرر) القاهرة: دار المعارف.

محمد بن محمد بن عبد الرزاق الزبيدي. (1965م). تاج العروس من جواهر القاموس. (تحقيق: مجموعة من المحققين، المحرر) الكويت: دار الهداية للنشر.