الأدب الرّقمي في سلطنة عُمان: الشعر أنموذجًا
الباحث المراسل | د. علي بن حمد الفارسي | جامعة الشرقية |
مفهوم الأدب الرقمیّ
لا شک أنّ مظاهر الحضارة الحدیثة تنعکس بوضوحٍ على الأجناس الأدبیة المعاصرة، وهذا الانعکاس یشیر إلى ارتباط هذه الأشکال الإبداعیة بمجتمعها وعصرها الذی تعیشه، وفی ضوء المکتسبات العلمیة الحدیثة؛ فقد برز مع ظهور شبکة المعلومات العالمیة ووسائل التواصل الاجتماعی نمط جدید من الأدب یستعین بهذه التقنیة ویوظفها فی سبیل تحقیق مقبولیة واسعة لدى القراء، وقد أفرد عدد من النقاد العرب لهذا النمط من الأدب جملة من الکتب والدراسات، من هذه الکتب: دراسة زهور کرام فی: "الأدب الرقمی: أسئلة ثقافیة وتأملات مفاهیمیة"، إذ حاولت الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بظاهرة الأدب الرقمی، مقسمة کتابها إلى قسمین: نظری: یبحث فی تاریخ هذه التجربة عالمیًّا ومدى انتمائها إلى نظریة الأدب، وتطبیقی: نطالع فیه إحدى التجارب العربیة الإبداعیة فی هذا المجال، وکذلک کتاب سعید یقطین: "من النص إلى النص المترابط: مدخل إلى جمالیات الإبداع التفاعلی"، إذ رصد فیه الباحث أشکال جدیدة للأدب تخالف طبیعة الأدب التقلیدی، من حیث: البُنیة، وقناة الاتصال، ودور المتلقی فیه.
وظهرت مع هذه الدراسات مجموعة من المصطلحات المرتبطة تتعلق بظاهرة الأدب فی الحاسوب أو الأجهزة الذکیة، لاسیما فی وسائل التواصل الاجتماعی: تویتر، فیسبوک، انستغرام... عبر صور تعبیریة مختلفة: مسموعة أو مکتوبة أو مقروءة أو مصورة أو کلها مجتمعة.
هذه المصطلحات تداخلت إلى درجة أصبحت تمثل إشکالیة فی المصطلح الرقمی، فیجد الباحث: "الأدب المعلوماتی"، و"الأدب التفاعلی"، و"الأدب التفاعلی الرقمی"، و"الأدب الإلکترونی/الشبکی"، و"أدب مواقع الشبکة الرقمیة"، و"الآثار الأدبیة الرقمیة"، و"الأدب الرقمی"، و"الأدبیة الإلکترونیة"، و"الأدب الدیجیتالی"، و"الأدب الآلی"، و"الأدب الروبوتی"، و"الأدب المبرمج"، و"الأدب الحاسوبی"، و"أدب الشاشة"([1])، ولعل هذا التداخل مرده إلى أن کل "اصطلاح إنما صدر عن فهم محدد لکیفیة معینة، أو صور الأداء الشکلی، أو زاویة النظر لخاصیة من خصائصه أو لشکل من أشکال تجلیه"([2]).
وهذا الاضطراب والتداخل طبیعی حتى یمر الوقت وتستقر المفاهیم وتنضبط المصطلحات. الذی یهم فی هذا النقاش، تجرید مصطلح واضح یناسب ظاهرة الأدب المرتبط بوسائل التواصل الاجتماعی على وجه الخصوص، وضبط المفهوم المتعلق به.
ویرى الباحث أن مصطلح الأدب الرقمی قریب إلى الممارسة التی سیعمل البحث على وصفها، ویرى فیلیب بوطز Philippe Booz أن الأدب الرقمی هو "کل شکل سردی أو شعری یستعمل الجهاز المعلوماتی وسیطًا، ویوظف واحدة أو أکثر من خصائص هذا الوسیط"([3])، ویمکن تلخیص هذا المفهوم فی ثلاث عبارات: الممارسة الأدبیة + الجهاز المعلوماتی أو الرقمی + صورة تعبیریة یسمح بها الجهاز سواء کانت مسموعة أم مقروءة أم مکتوبة أم مصورة أم کلها معًا، ویجب ألا یقف البحث عند هذا المستوى فحسب، بل یضاف إلیه فی المفهوم الذی یحاول الباحث الوصول إلیه هو: "کل نص أدبی ظهر من طریق وسائل التواصل الاجتماعی التی تعد أبرز ملامح التعبیریة: الرقمیّة، وحظی بخاصیة التفاعلیّة".
ویکمن تجرید هذا المفهوم الذی وصل البحث إلیه فی الشکل الریاضی الآتی:
الأدب الرقمی = النص الأدبی + الجهاز الرقمی (الذکی) + صورة تعبیریة: مسموعة أو مقروءة أو مکتوبة أو مصورة أو کلها مجتمعة + وسائل التواصل الاجتماعی+ التفاعلیّة: (تفاعل المتابعین مع النص: التفاعل الإیجابی أو السلبی).
وبعد قراءة واسعة فی تجربة الأدب الرقمی بسلطنة عمان، رأى الباحث أن یقسم هذه الدراسة إلى قسمین: القسم الأول: تم فیه رصد بعض التجارب الشعریة الرقمیة بالسلطنة، وتتبع أشهر الشعراء الذین لدیهم وعی بالأدب الرقمی التفاعلی، وهو عبارة عن إبداعات "تولدت مع توظیف الحاسوب(...) واتخذت(...) صورا جدیدة فی الإنتاج والتلقی"([4])، إذ یوظف المبدع الأوعیة الإلکترونیة وتطبیقات التواصل الاجتماعی لعرض تجاربه الشعریة من جهة، ومشارکة المتلقی فی نتاجه الأدبی ولا یقف دوره على وظیفة الإرسال فحسب کما هو واقع الأدب الرسمی التقلیدی، فتجدهم ینظمون مع المتلقی حوارًا على نصوصهم الإبداعیة من جهة أخرى. من هنا تختلف وجهة نظر الباحث عن نظرة فایزة یخلف التی ترى أن الأدب الرقمی التفاعلی: "لیس إلا تبیانا لحالة نقل المادة، شعرا کانت أو نثر بوسیلة إلکترونیة"([5])؛ لذلک اشترط -فی المادة التی یعرضها الباحث- الحوار الذی یقوم على النص، بالإعجاب والتفاعل من قبل القارئ/المتلقی والتعلیق على النص.
ویبدو أن قلة الدراسات المسحیة أو التحلیلیة للأدب الرقمی فی عمان، هی ما وجّه الباحث لعرض تصور عام عن واقع هذا الأدب الذی یتمیز بصفات خاصة أبرزها التفاعلیّة.
والقسم الآخر: یتناول نماذج من نصوص شعریة تنطبق علیها صفات الأدب الرقمی الذی یتمیز بالتفاعلیّة، فحاول البحث أن یحلل هذا الحوار الدائر بین الأطراف التقلیدیة الثلاثة: المرسل والنص والمتلقی، عبر الوسیط: الحاسوب والشبکة الإلکترونیة وبرامج التواصل الاجتماعی.
نماذج من الأدب الرقمی الشعری فی سلطنة عمان
سنتناول فی هذه القراءة المسحیة الموجزة رصدًا سریعًا لطبیعة الأدب الإلکترونی أو الرقمی فی سلطنة عمان عبر المعاییر الآتیة: قراءة العتبة / البایو التی تکشف لنا عن تصور الشاعر أو تؤطر طبیعة النصوص الإبداعیة المطروحة فی الحساب: تاریخ النشر، الکم والکیف، ونماذج منها، ونرى أن من أشهر هؤلاء الأدباء الرقمیین، الأسماء الآتیة:
1- محمد قراطاس@mohammadqaratas، ویعرف نفسه فی بایو / عتبة، تطبیق التواصل الاجتماعی (تویتر) بقوله: "شاعر.. یبحث عن کوکب جدید یتشبث به لینتقل علیه إلى مجرة جدیدة ... أدعوک لقراءة بعض نتاجی فی المفضلة"، فهذا وعی صریح باستثمار هذا التطبیق لنشر النتاج الأدبی للشاعر على المتابعین، وأن تتم معاملة تغریداته وفقًا لتعریفه بأنها نصوص أدبیة بما أنه شاعر. فوجود حساب له فی تویتر دلیل وعی بأهمیة هذا الوسط الرقمی وهذه الأوعیة الإلکترونیة، فقد نشر منذ مطلع عام 2017 أکثر من ثلاثین نصًّا شعریًّا قصیرًا بین نص عمودی أو (الشکل التناظری الذی تکتب به النصوص التقلیدیة)([6])، ونص حر، وهو نتاج مستمر یدرک أهمیة هذا الوعاء الإلکترونی فی بعث المتابعین للتفاعل مع النص الأدبی/الشعری، وعادة ما یوقع صاحب الحساب فی نهایة کل نص بالوسم: #محمد قراطاس، حتى یستطیع المتلقون التفاعل فی ظل هذا الوسم، ویثبت ملکیته علیه لیتم تمییزه عن غیره من الإبداعات التی یعید تدویرها فی حسابه، ونقدم هذا النموذج من حسابه:
کما أن لدى محمد قراطاس حسابا آخر فی الفیس بوک باسمه مربوط بحساب تویتر یعرض فیه ما یعرضه فی تویتر؛ أی أنه یعرض نتاجه فی أشهر تطبیقین فی وسائل التواصل الاجتماعی: تویتر والفیس بوک، وعادة ما یرفق الشاعر صورة معبرة تنسجم معنویا مع توجه أو خطاب النص الشعری، وهو وعی سیمیائی فی إکمال هذه الصورة لأرکان المعنى وتأثیرها فی المتلقی، و"ذلک بتفعیل الصوت والصورة والحرکة على مستویّ الإبداع"([7]).
2- مبارک العامری: أما الشاعر العمانی المخضرم مبارک العامری، وهو من رجالات مؤسسة الشعر الرسمیة وأصدر دواوین شعریة کثیرة مطبوعة، فلدیه حساب فی الفیس بوک باسم Mubarak Alamri، العتبة/البایو فی حسابه یخلو من عبارة أو تعریف إلا من واجهة أو صورة من دیوانه المطبوع (بسالة الغرقى)، وهی إیحاء بأن صاحب الحساب مبدع (شاعر)، وهو توجیه ضمنی أو سلطة غیر مباشرة من قبل المبدع فی أن یتم معاملة کتاباته على أنها نصوص أدبیة، وقد نشر مبارک العامری منذ مطلع عام 2017 نصوصا کثیرة بشکل شبه یومی، بل أنه أحیانا ینشر فی الیوم الواحد أکثر من نص، فقد نشر بتاریخ 5 ینایر 2017 ستة نصوص شعریة قصیرة، لکن نلاحظ أن الشاعر مبارک العامری لا یوظف الصورة فی شعره إلا قلیلا، ولیس کمحمد قراطاس الذی یوظف الصورة فی أغلب قصائده المنشورة على حسابات التواصل الاجتماعی، أما فی حساب تویتر فلم نجد له حسابا یحمل اسمه وإبداعه، وهذا نموذج من نصوصه:
3- حسن المطروشی: ولدیه حساب فی تویتر بعنوان: @shaddad992، وقد کتب فی العتبة/البایو، کلمة واحدة فقط هی: "شاعر"، وهو حساب نشط ینشر فیه الشاعر نصوصه الأدبیة باستمرار، کما أنه یعید بعض النصوص الأدبیة التی تعود إلى شعراء آخرین، من باب الإعجاب بها وتبنیها، ولکنه لا یوظف الصورة فی إکمال اللوحة الشعریة لنصوصه، وقد نشر بتاریخ 20 نوفمبر 2017، ثلاثة نصوص أدبیة جملة واحدة متتابعة، کما أنه یعید نشر نصوصه التی نشرها فی الفیس بوک على شکل صورة فی تویتر؛ حتى یتجاوز ضیق المساحة فی تویتر (140 حرفا) سابقا من جهة، ویوسع جهة القراءة والتفاعل.
4- د.هلال الحجری، أما الشاعر والأکادیمی السابق والمترجم هلال الحجری@ فلدیه حساب فی تویتر لکنه غیر نشط، فی حین أن حسابه فی الفیس بوک أکثر نشاطا، فلم أجد له تعریفا فی العتبة/البایو فی الفیس بوک، ویحمل حسابه نصوصا إبداعیا مع نظرات نقدیة عدیدة، نورد بعضها، یقول بتاریخ 27 دیسمبر 2017:
"کنت أود الدفاع عن المتنبی فی قوله:
خلقت ألوفا لو رحلت إلى الصبا ** لفارقت شیبی موجع القلب باکیا
على أساس فهمی بأن هناک فرقا بین "ألوف" و"ألیف" حیث تختص الثانیة بالحیوان.
ولکنی وجدت صاحب القاموس المحیط یقول:
"وشاة رؤوم: ألوف تلحس ثیاب من مر بها".
فصرفت النظر!".
ومن نصوصه الإبداعیة النص الآتی:
کما أنه ینقل نصوصا من دیوانه: "هذا اللیل لی"، ویشیر إلى ذلک، انظر على سبیل المثال: القصیدة التی مطلعها: لن أکون سهلا ومجانیا، التی نشرها بتاریخ 25 أکتوبر 2017.
5- الشاعر عبد الله العریمی @araimipoet، إذ یضع فی البایو/ العتبة فی تویتر العبارة الآتیة: "من أول الحب حتى آخر الشعر"، وهو شاعر عمانی شاب تمیز شعره بالأصالة من جانب، والانفتاح على الحداثة والتجدید من جانب آخر، وینشر عبر حسابه مقاطع صوتیة قصیرة لقصائده یلقیها، فهو یجمع فی نصه بین "(علامات لغویة + علامات غیر لغویة)، ویفعل التراسل مع الفنون إلى آفاق أخر تخصبها الوسائط التقنیة"([8])، فیحاول بأکثر من تقنیة أو وعاء إلکترونی إحداث الأثر الجمالی.
6- إبراهیم سعید@EbrahimSea: وهو شاعر شاب من جیل الشباب، قد وضع فی العتبة/البایو فی تویتر، التعریف الآتی: "قطف النور وزرع الضیاء فی طریق الحیاة ... الکتابان الأخیران: قهوة الله، تحقیق دیوان السید الرئیس نفائس العقیان"، فنلاحظ أن الشطر الأول من التعریف، کتب بلغة أدبیة تحتمل التأویل؛ کأن یکون هذا مبدأه فی الحیاة، أما الشطر الآخر، فهو شطر توثیقی یسرد بعض مؤلفاته، فحسابه فی تویتر ینشط باستمرار فی نشر نصوص أدبیة قصیرة له، ومنها هذا النص القصیر الآتی:
ونلاحظ أن إبراهیم سعید لا یسعى إلى توظیف الصورة أو الوسائط الأخرى فی إکمال الصورة الشعریة التی بثها للمتلقی، کما أن لدیه حسابًا آخر فی الفیس بوک Ebrahim Saeed، ینشر فیه نصوص أدبیة، کثیر منها قد نشره فی حسابه فی التویتر، وهذا نموذج منها.
7-عائشة السیفیة: وفی رصدنا هذا لمظاهر الأدب الرقمی فی السلطنة لا یفوتنا الإشارة إلى الشاعرات العمانیات، ومنهن عائشة السیفیة: Aysha Al-Saifi، وهو حساب فی الفیس بوک، لا یحمل فی عتبته تعریفا معینا تنطلق منه المؤلفة/المبدعة فی تأطیر نصوصها، ونلاحظ أن عائشة تهتم بإرفاق )صورة) مع نصها المنشور، وعادة ما تکون هذه الصورة (بورتریه لها أو سیلفی) صورتها هی، وهی مؤثرة جدا فی إحداث الأثر الفنی والجمالی لدى المتلقی.
کما نود أن نشیر إلى أن هذه بعض النماذج من الأدب الرقمی فی السلطنة، وثمة حسابات إبداعیة أخرى نشطة، نشیر إلیها بإیجاز، منها حساب للکاتب والشاعر عبدالرزاق الربیعی: razaq961@، والخطاب المزروعی @akalmazrouai، وبدریة البدری @Freesky1511، ومشعل الصارمی MLSHALALSARMI@ الذی تمیز بتصویر قصائده فی مقاطع عبر تطبیق السناب شات موظفا الصورة والصوت الحرکة، والشاعر عقیل اللواتی @aqeelabm.
فی خاتمة هذا الرصد الموجز، نود أن نشیر أن هذا العدد الذی لا بأس به من مجموع الشعراء العمانیین، یدرک قیمة الأوعیة الإلکترونیة ووسائل التواصل الاجتماعی فی توسیع قاعدة القراء، وأن ثمة أدبًا فی سلطنة عمان یعد أثرًا من "آثار مقروءة-مرئیة فی الآن نفسه"([9])، نستطیع أن نطلق علیه الأدب الرقمی، فأصبح یمثل ظاهرة لا بد من رصدها ثم تحلیلها، کما أنهم تجاوزوا الطابع الرسمی للنصوص التی یقتصر نشرها على المستوى المطبوع فحسب، ولم یعد توظیف التقنیة "ترفًا فی العمل الشعری المعاصر بل هی طرف فیه، إذ إنها فعل مؤثر فی أدائه وتکوینه"([10])، کما أن استقراء العتبة/البایو لدى معظم هؤلاء الشعراء یوحی بوعی فی طبیعة النشر فی هذا الإطار الرقمی، کما أن التفاعل من قبل المتابعین بالإعجاب تارةً، وإظهار المحبة تارةً أخرى، یوحی بأن دورهم لم یعد یقتصر على القراءة فحسب؛ بل أحیانا یسهم المتابع فی إنتاج النص (کما سیأتی بیان ذلک لاحقا)، فدورهم تجاوز سلطة القراءة إلى سلطة التوجیه والإنتاج؛ أی التحول من سلطة القارئ إلى سلطة المتابع، فهو یفرض سلطة ضمنیة تارةً وأخرى ظاهرة.
مظاهر التفاعلیّة فی الأدب الرقمیّ بالسلطنة
نحاول فی هذا القسم من الدراسة استجلاء مظاهر التفاعلیّة فی النص الرقمیّ العُمانیّ، من طریق تحلیل النصوص، وإقامة حوار مع أطراف العملیة الإبداعیة التقلیدیة، فأساس اختیارنا للعینة تقوم على الشرط الأساس التفاعلیة؛ بحیث ینتج المبدع نصه ثم یرد على تعلیقات القارئ، ولیس أن یتولى الإرسال فقط، فهذه ممارسة أساسیة فی الأدب التفاعلی کما نتصوره نحن فی دراستنا هذه. فالتفاعلیة لدینا تقوم على "مجموعة من العناصر التفاعلیة الأساسیة هی: النص، الصوت، الصورة، الحرکة، المتلقی، الحاسوب. مع التشدید على العلاقة التفاعلیة الخارجیة(الجمع بین المبدع والمتلقی) أی: إن الأدب التفاعلی هو الذی یجمع بین نشاط الکاتب أو السارد، ونشاط المتلقی معا"([11]).
ویقوم شرط التفاعلیة لدینا، على رصد حجم تفاعل المتابعین عبر الإعجاب (C) أو إظهار المحبة (Y) دون إبداء الرأی، وهو نوع من أنواع التفاعل السلبی و"یشمل الأغلبیة الصامتة"([12])، أو التفاعل الإیجابی الذی یتعمد إقامة حوار مع المبدع فی النص، ویتخذ منه المبدع مواقف تتراوح بین: "القبول لرأی المتلقی فی النتاج الشعری للمبدع وهو موقف نقدی"([13])، أو "التفسیر والشرح"([14])، أو "التعلیل"([15]).
نموذج (1)
من هذه الأمثلة البارزة على سمة "التفاعلیة"، النص الآتی الذی نشره الشاعر مبارک العامری:Mubarak Alamri، فی منشور له بتاریخ: 3 ینایر 2017، على الفیس بوک:
"یــــــرقصــــان الفالــــس
بشــغـــف فـــــائــــــــــــقٍ
کنورسَـــــــیــــــنِ عاشقینِ
على إیقاع (بحر)عمــــــان
فیمــــا أعینهما الخضــــــر
تستحضر الدانوب الأزرق
من غیمات شتراوس الابن
الماطرة موسیقى وحـــب..
وقد نال هذا النص/المنشور، 59 تفاعلاً بین إعجاب وإظهار محبة، وقد علقت @بدریة النبهانی:
"جمیل جدا...
ولکن أستاذی الخلیج أضحى بحرًا(J)
وهو ما استدعى تعلیق الشاعر:
"شکرًا عمیقا أیتها العزیزة. سأعدله حالاً".
فغیّر الشاعر کلمة خلیج إلى (بحر)؛ کی یتوافق مع الاسم الرسمی المعتمد الآن (لبحر عمان) وسابقًا کان (خلیج عمان)، فحضر المتلقی فی هذا الحوار عبر التفاعل السلبی الذی یظهر فی الإعجاب وإظهار المحبة، والتفاعل الإیجابی الذی تمثل فی إبداء الرأی من قبل المتابع الذی یحاکم النص کأنه وثیقة رسمیة، کما ظهرت استجابة المبدع فی قبول توجیه المتلقی/المتابع، ومنه غیّر کلمة فی النص فی ضوء سلطة المتابع، علمًا أن شعر مبارک العامری فی حسابه هذا أقرب إلى الومضات الشعریة التی تکتب من شعر النثر غالبًا أو "الثنائیات التناظریة"([16]).
نموذج (2)
وفی نص آخر نشره مبارک العامری Mubarak Alamri، على الفیس بوک أیضًا، بتاریخ 6 أبریل 2017:
یقول فیه:
"هأنذا أبصــــــــــرُ
فـــی آخرِ النفــــــقِ
ضوءًا ساطعًــــــــا
یشی بخـــــــــلاصٍ
قادمٍ من أزمنـــــــةٍ
تشدو على أغصانِ
حدائقِها الخُضْـــــرِ
طـیورُ الحُـــــب..".
فقد تفاعل مع القصیدة أکثر من مئة متابع/متلقٍ، بین إعجاب(C) وإظهار المحبة(Y)، وهی کما نرى مواقف انطباعیة، لا تقدم آراءً نقدیةً، بالمقابل وجدنا من تعلیقات القراء آراء نقدیة لا بأس بها، فبعض المتابعین أدرک دلالة النص أو استشعر أن الشاعر کأنه یرثی نفسه فی هذا النص ویرى الموت قریبا، فقد کتب @عبد الکریم الطبال: "قد یکون وهما"، وهو ما استفز الشاعر @مبارک العامری للتعلیق بقوله: "وإن کان کذلک، أیها العزیز، فهو وهمٌ جمیل..".
وتفاعل المتابعون/ المتلقون، بالتعلیق أیضا فـ@Aziza Alhabsi ، نسجت على نمط القصیدة النص الآتی:
"أبصر معـــــــک
نفس الضـــــــــوء
بنفس النفـــــــــــق
ونفس الخلاص..".
فقد تفاعلت مع الشاعر بإظهار نفس التجربة التی یمر بها، وإن کانت تجربة الشاعر تنطلق من ألم واقعی لا یشعر به إلا هو.
کذلک@ Wafaa Salim، کتبت:
"وأنـــــا أبصــــــــــــــرُ
ضـــــــــوءًا خافتًـــــــــا
یـــــــــذهب ویأتـــــــــی
وکـــــــــــأنه فی حالتـــه
قــــــادم مــــــــــن أرضٍ
یسکنها صقیع الموت ..".
وتفاعل @غریب المشیفری
"إذا فهو الخلاص من ..عتمة الألم".
وعلق@ Ahmed Alazri: جمیلة وعذبة هی حروفک کشدو طیور الحب فی الحدائق الخضر یتخللها الضوء القادم من آخر النفق...".
ولم یتفاعل الشاعر مبارک العامری إلا مع تعلیق @عبد الکریم الطبال، رغم أنه یحمل تشکیکًا لتوهم الشاعر؛ لکنه یدرک المغزى أن الشاعر فی هذه الأبیات کأنه یرثی نفسه!
هنا تظهر القیمة الحقیقیة لمعنى الأدب التفاعلی، فلیست کل التفاعلات تستوقف الشاعر أو الأدیب حتى إذا قدمت فی قالب شعری -کما رأینا فی المثال السابق- بل تظهر قیمة التفاعل فی القدرة على استفزاز المبدع الأول للتعلیق وربما التفنید، فقیمة التفاعل لیست تتعلق بالمتلقی بقدر ما ترتبط بالتعلیق نفسه؛ أی بالکلام على الکلام.
نموذج (3)
نشر هلال الحجری فی حسابه على الفیس بوک بتاریخ: 20 دیسمبر 2016، النص الآتی:
لو کانت الأرض مربّعةً
لوجدنــــا نحن الأطفالَ
زوایـــــــــا نختبئ فیها
ولکنهـــــــا مُــــــدوّرة
لــــــذا، علینـــــــــــــا
مـــــــــــواجهــــــــــة
العـــــــــــالـــــــــــــم
بــــکلِّ شجاعــــــــة!"
هذه القصیدة فاز بها طفل أفریقی، حین طرحت الیونسکو مسابقة شعریة للأطفال، وکانت الجائزة أن النص الفائز سینقش على صخرة فی سطح القمر!
(أحمل هذه الحکایة فی رأسی منذ عشرین سنة تقریبا، ولا أعلم أین قرأتها. هل هذه الحکایة حقیقیة؟ لأنی بدأت أشک بأنها من الخیالات التی کانت تنتابنی فی ذلک الوقت ! هل من معین؟).
وحاز النص على أکثر من 92 بین إعجاب وإظهار محبة، وقد علق @خالد بن حمد: "عجیبة... کیف لنص مثل هذا أن یصل القمر ولا یمر علینا نحن أهل الأرض!"، وهو تعلیق أقرب إلى التشکیک فی صحة النص... ونسبته إلى طفل أفریقی. وکذلک تعلیق @فالح العجمی: F.S.Alajmi: "هذه یبدو من إبداعات شاعرنا الجلیل... بورکت کلماته وفکره!"، ویبدو أن هلال الحجری أراد أن یستفز المتابعین عبر الأسئلة التی طرحها والقصة التی نسجها حول النص؛ للتعلیق على نسبة القصیدة إلى طفل أفریقی من عدمه، وفعلاً کانت استجابات المتابعین تتسم بإدراک مغزى المؤلف وقیمة النص من الناحیة الجمالیة، ومسایرة المبدع فی فضائه المتخیل وعدم محاکمة النص على أنه وثیقة.
نموذج (4)
وقد نشر الشاعر إبراهیم سعید Ebrahim Saeed بتاریخ 14 إبریل 2017، فی صفحته على الفیس بوک المنشور الآتی:
"فتنتــــــــــک أسقـطــــــــــــت
جدوى فتاوی الحجاب والنقـاب
جمـــالک قرآن مبیــــــــــــــن
أغتنـــــــی بنـــــــــــــــــــوره
عـــــــــــــــــن نــــــــــــزول
الـــــــــــــروح الأمیـــــــــــن
أنـــــــــــت نبیّـــــــــــــــــــة
وأنــــــــــــا منــــــــــــذ الآن
أبــــــــــــوبکر الصـــــــدیق
لـــــــــــدین وجهــــــــــک".
وقد استفز هذا النص المتابع/المتلقی @عبد الرحمن البوسعیدی فکتب: أخی إبراهیم... دین الله أرفع من أن نبتذل معانیه فی مغازلة امرأة، صباح الرزانة فی القول والعمل.
وقد رد علیه الشاعرEbrahim Saeed:
ومن ابتذله؟
أنت قرأتها (مغازلة امرأة) فأهنت بقراءتک الاثنین الدین وخلق الله، کأن مغازلة المرأة عندک شیء مبتذل والانجذاب لما خلق الله مسألة ساقطة، فارتفع بقراءتک یرتفع المعنى المکتسب... وشکرًا على المشارکة.
ثم علّق@ عبد الرحمن البوسعیدی: "أنا أتنفس الجمال فی کل آیات الله، وأکبر عظمته فی کل جمیلة، من بنات الطین أو من بنات الحرف، إلا أنه لیس یصح فی ذهنی أن "أتحذلق" بحشر رموز الدین الرصین فی فقاعات لفظیة ینبهر لها المغرمون بشذوذ القول... لأن ذلک یصنع من الجمال ما لیس جمیلاَ".
وقد رد علیه الشاعرEbrahim Saeed: "کما أسلفت لک هی قراءتک الشخصیة وتعکس داخلک؛ لکن الإیمان الحقیقی بالله لا ینتفض من تشبیه... والمقصد رفیع".
هذه الحواریة المفتوحة بین المؤلف/الشاعر والمتلقی/المتابع فی معترک النص ودلالته، لم یکن یسمح بها الخطاب النقدی الرسمی، فلا یوجد هناک تفاعل مباشر بین الأطراف الثلاثة کما حدث فعلا الآن فی الأدب التفاعلی.
وهنا یناقش المتابع مع المؤلف قضیة جوهریة فی الشعر الحدیث أو شعر الحداثة، ألا وهی قضیة التمرد على النصوص والرموز الدینیة والموقف من المقدسات، وقد أجابه الشاعر بما یوحی بأنه لا یثور على المقدسات والرموز الدینیة أو یبتذل معانیها، إنما للنص دلالة أبعد غورًا مما یظنه المتابع/المتلقی عبدالرحمن البوسعیدی.
نموذج (5)
النص یولّد النص/ الإبداع یلد الإبداع
نشر حسن المطروشی فی صفحته/حسابه على الفیس بوک بتاریخ 18 أبریل 2017، الأبیات الآتیة:
أنا حفیدُ البراری وابْنُ خَیْمَتِهــــــا
کنّا معًا لأذانِ الحُبِّ نَجتمــــــــــعُ
أبی هُنَا کانَ یرعى نوقَ إخوتِــــهِ
وکان جَدّی هنا کالسیفِ یَضْطَجِعُ
أنا الضحیةُ فافتحْ یا أخی جسـدی
وحرّرْ البحرَ کی یَطایرَ البَجَــــعُ
هذا النص استدعى تفاعل 160 متابعًا بین إعجاب وإظهار محبة، کما أوجد 51 تعلیقًا، بین تعزیز ورأی نقدی وإبداع موازٍ/معارضة لأبیات الشاعر، فقد نجح الشاعر فی استفزاز الشعراء الآخرین للکتابة الموازیة، إذ کتب الشاعر اللبنانی @محمد علی شمس الدین/Mohamadali Chamsedine
ولی علامة أنی رافع علمی
هذا القمیص لمن صلوا ومن رکعوا
وقد برر معارضته بقوله:
سلمت وعشت أخذنی السیاق.
وکتب تحته @یحیى اللزامی:
(کنا معا لأذان الحب نجتمع)
ارفع أذانک فإنی ملبٍّ یاحسنُ
وکتب تحتهم@ علی الرباعی:
أنا الرباعیُّ عرّابٌ بأسئلتی .. لی فی مناخ الهوى والحُبِّ منتجعُ
وقد کتب @عامر عاصی رأیًا نقدیًّا:
فی ثلاثة أبیات، تمزج بین عوالم مختلفة، وترحل فی أکثر من مناخ
دمت أیها الشاعر".
قاصدا بذلک مزج الشاعر بین بیئات فی شعره: البراری والشجر والبحر، وهذه الظاهرة تتمیز بها السلطنة کثیرا، فتجد النخلة تنمو بجوار الأمواج وشاطئ البحر، وترى النوق ترعى فی سهل یطل على المحیط الهندی؛ وذلک نتیجة تداخل بیئات السلطنة بعضها مع بعض: الصحراء والبحر والسهل والجبل.
نموذج (6)
ومن النصوص التی تستوقف الباحث لدى حسن المطروشی، النص الآتی الذی نشر بتاریخ 16 فبرایر 2017:
أنــــــــا لــــم أقلْ شیئًــــا
لجـــــــارتی الجمیلــــــة
منذُ أعوامٍ سِـــــــــــوى:
"أهلاً.. صباحُ الخـــیرِ"،
ثمُّ ألوذُ بالصبرِ الجمیلْ
أنا لم أقلْ إلا القلیــــلْ".
فقد تفاعل مع هذا النص 190 متابعًا بین إعجاب وإظهار محبة، واستدعى 65 تعلیقًا، بعضها حمل تعزیزًا للشاعر من مثل: "عذب وجمیل"، و"تکثیف شعری جمیل"، و"نص جمیل کالعادة"، وبعضها حمل آراءً نقدیة مثل قول @د.إبراهیم السعافین: "إلا القلیل"، فقد وضع المتابع/الناقد: السعافین یده وأبرز البنیة الأساسیة للنص، فکل البناء النصی یقوم على هذه اللبنة/الأسّ، کما نلاحظ أن بعض التعلیقات تعامل النص کأنه وثیقة إدانة ضد الشاعر/مثل: "تحیة لک..ولجارتک الجمیلة..یا مبدع"، و"أشک فی أنک لم تقل إلا القلیل.أعرفک"، و"لقد قطعت ثلاثة أسداس الشوط یا شاعرنا الجمیل(نظرة، سلام، کلام) بقی ثلاثة..شد حیلک. ید ذراع عضلات".
وأما محمد آل مبارک فقد کتب:
ذاک فــــــــعــــــــل الأغنیــــــــــــــــاء
یاصدیقی..فلتقل شیئا جمیلا فی المساء..
یــــــــــــــــــــــا جمیلــــــــة..یااااا....
هل تقبلین دعوةً أولى بصدق للعشاء؟
ذاک مــــــــــا یدعى بعلمِ الحـــــب..
حـــــــــــــبِّ الانتــــــــــمــــــــــــاء
ســـــــتـــــــــــرى کل جمیــــــــــلْ
لا تکن فی الوصل والعرض بخیل...
لا تضیع الوقت مثل الأغبیــــــــــاء..
فقد استفزّ الشاعر المتابعین عبر النص المکتوب والمسکوت عنه فی النص، وکل قارئ منهم "سیملأ الفراغات بطریقته الخاصة"([17])، وذلک من طریق: التفاعل السلبی، والآراء النقدیة والتعلیقات العامة، کما استفز المتابعین فی نظم نصوص تحاکی نص الشاعر، فنجد فی هذا النص أربعة أنواع أو درجات من التفاعل، أولاً: التفاعل السلبی وهو فعل الأغلبیة الصامتة، والتفاعل الإیجابی الذی انقسم إلى ثلاثة مستویات: الآراء الانطباعیة، والآراء النقدیة، والفعل الإبداعی أو معارضة القصیدة، والنسج على منوالها.
نموذج (7)
وقد نشر @حسن المطروشی أیضًا، على حسابه أو صفحته بالفیس بوک بتاریخ 15 ینایر 2017، النص الآتی:
أحثو دمی بین الأزقة بـــــــــاردًا
"هل عدت وحدک"؟ تسأل البیبانُ
وأسوق أخطائی..سأعبر شاطئــا
بـــــــرمـــــــاله یتراشق الشبان؟
هــــی جثتی ما ترجمون، وربما
کانت عظامی هذه القضبـــــــان
بینـــــــــــی وبین المیتین مسافةٌ
هــــــــــی قدر ما یتنهد الربان".
إذ حاز هذا النص على 103 من التفاعلات، کما حظی بقدر کبیر من التعلیقات، أغلبها یندرج ضمن الأحکام الانطباعیة العامة والتعزیز، ومن التغذیات الراجعة التی علق بها الشاعر @حسن المطروشی الکلام الآتی: "الأعزاء فی صفحة القلب..صفحة ولایتی شناص.الکلام فی هذا السؤال یطول. ولکن أختصر الإجابة فی الآتی:
لیس بینی وبین الماضی أی عداوة أو قطیعة، فهو جزء منی. کما أننی لا یمکن أن أنقطع عن الحداثة أو الحاضر لأنی جزء منه.
ولکن النشر على صفحة الفیسبوک یقتضی اختیار الأبیات البسیطة والمباشرة والقصیرة، التی تتضمن قدرا من الدهشة والشعریة. وهو أمر صعب.
وأنا منذ البدایة أکتب التفعیلة والمقفى معا".
وهو کما نرى موقف نقدی ینطلق منه الشاعر فی إنشاء نصوصه الشعریة، یتفرع هذا الموقف النقدی إلى قسمین: الأول: الموقف من التراث والحداثة، ونرى أن الشاعر من طیق نصّه بذلک، لا یتخذ موقفا معینا تجاه أی منهما، وبالآتی کتب منذ البدایة الشعر المقفى والتفعیلة، کما نرى وعیا بسیاسة النشر عبر الأوعیة الإلکترونیة کالفیس بوک الذی یقتضی فی نظر الشاعر: "اختیار الأبیات البسیطة والمباشرة والقصیرة التی تتضمن قدرا من الدهشة والشعریة".
نموذج (8)
ونختم دراستنا هذه باختیار نص للشاعر @محمد قراطاس الذی یعتنی جدّا بتوظیف الصورة فی نصوصه الأدبیة، فقد نشر على حسابه فی الفیس بوک بتاریخ 15 إبریل 2017 النص الآتی:
مـــــــــــــــرت وفود التائبیــــــن...
یعبــــــــــرون إلى رحمتــــــــــــک
لا تتبلل أقدامهم..وتطلبهم الـــدروب.
یـــــــــاأیها الــــعــــــــــــــــــابرون:
خذونی جرة على أکتافکم أو ذکرى.
#محمد قراطاس
وقد حظی النص على الفیس بوک بـ 26 تفاعلاً بین إعجاب وإظهار المحبة، و5 تعلیقات، ویرفق الشاعر مع النص الأدبی صورة عبارة عن رسمة أو لوحة زیتیة لقافلة من الإبل فیها مجموعة من الرجال یلبسون ثیابا عربیة، ویعبرون الصحراء القاحلة (التی تعنی هنا صحراء المعصیة وجفاف القطیعة)، فالعناصر اللغویة تتفاعل/ترتبط مع عناصر الصورة، أو بالأصح مع المعجم: معجم القصیدة (الوفود، العبور، التأبین=وعثاء السفر، الأمتعة المحمولة، الدروب المساحة الواسعة فی الرسمة)، وهو ما یوحی بأن الشاعر یکتب النص وأمامه هذه اللوحة/الصورة التی یعبر عنها بالکلمات.
کما نلاحظ أن الشاعر یضع ختما أو توقیعًا إلکترونیا فی کل نصوصه یتمیز بأنه یربطک بکل ما کتب تحت التوقیع/ الوسم أو الرابط #محمد قراطاس، حین الضغط علیه تجسیدا لمفهوم النص المترابط.
مشارکة هؤلاء أو وجوه المؤسسة النقدیة/اللغویة فی الفضاء الرقمی لهو دلیل أن ما یکتب هنا لا یختلف عما یکتب فی الأوعیة التقلیدیة کالروایات أو الدواوین أو الکتب، من ناحیة أهمیة الخطاب وقیمته الإبداعیة. کما تشترک فی الخطاب الرقمی السلسلة التقلیدیة المعروفة:
المؤلف النص المتلقی/المتابع |
وینجح النص المترابط فی الجمع بین الثقافات التعبیریة مجتمعة: الشفاهیة والکتابیة والصورة والرقمیة، موظفا الصوت والکتابة والصورة والرقم فی إنتاج النص الرقمی الإبداعی.
الخاتمة
فی ضوء نماذج شعریة من الأدب الرقمی العمانی؛ خرج البحث بجملة من النتائج، منها:
أدباء النص الرقمی فی السلطنة وشعرائهم یشکلون ظاهرة تستحق الرصد والتحلیل، ولیست أعمالهم الإبداعیة مجرد محاولات فردیة مقطوعة، کما توقع البحث فی بدایة هذه الدراسة أن هذا الأدب الرقمی الجدید لن یجد الباحث من رواده فی السلطنة إلا جیل الشباب، الذی یعی أهمیة التقنیة وتوظیفها فی إحداث الأثر الجمالی، لکن ذلک لم یکن دقیقا فقد وجد الباحث من رجالات مؤسسة الأدب الرسمیة التقلیدیة من یعتنی عنایة لا بأس بها فی نشر نصوصه عبر هذا الوسیط؛ وذلک بتوظیف الصورة وأبعادها، مثل: "محمد قراطاس"، وهم یعون الأعراف التی یفرضها الوسیط الإلکترونی على طبیعة النص المنشور؛ بل یصرحون بذلک: حوار "حسن المطروشی" مع متابعیه مثلا، وهذه المشارکة فی الأدب الرقمی من قبل رجالات المؤسسة الأدبیة التقلیدیة، تشیر إشارة واضحة إلى الاعتراف بهذا النوع من الأدب.
کما تظهر طبیعة الأدب الرقمی الشعری فی السلطنة عبر الاستقراء بوصفها "تفاعلیّة"، فقد کان المبدع وهو ینتج نصه واعیًّا بسلطة القارئ أو المتابع؛ لذا وجد البحث أنواعًا من الاستجابة لهذه السلطة من قبل المبدع، فمراحل الإبداع مرت بتغییرات عدیدة ولم یعد المؤلف، لا سیما فی هذا الأدب الجدید، أبًا للنص ینتج نصه ویرحل بل "أصبح القارئ یشکل عنصرا فاعلا ومتفاعلا مع نصوص الأدب الرقمی قراءة وتذوقا ونقدا وتحلیلا"([18])، وهذا التفاعل فرض المتابع منه سلطة خاصة على المؤلف.
ویلاحظ کذلک أن عملیة نشر النصوص الشعریة فی وسائل التواصل الاجتماعی من قبل هؤلاء الشعراء تتمیز بالسلامة اللغویة وإثبات الضبط بشکل الحروف فی أغلب الأحوال، رغم أن هذه الوسائط بعیدة عن أعین المؤسسة التقلیدیة؛ لکنَّ هؤلاء الشعراء کانوا حریصین أشد الحرص أن تخرج نصوصهم کما تخرج فی الأعمال الأدبیة المکتوبة والرسمیة المعتمدة.
الهوامش والإحالات
([1]) الفارسی، علی بن حمد، إشکالیة المصطلح الرقمی، المؤتمر العلمی الدولی الرابع المصطلح فی العربیة: القضایا والآفاق، 11-13 مارس 2019، جامعة السلطان قابوس، عُمان، 2020، ص702.
([2]) حمیمید، منال، النظریة النقدیة المعاصرة والأدب الرقمی، کتاب الأدب الرقمی: أسئلة ثقافیة، وتأملات مفاهیمیة، لزهور کرام أنموذجا، (رسالة دکتوراة)، جامعة محمد بوضیاف بالمسیلة، الجزائر، السنة الجامعیة 2017-2018، ص28.
([3]) بوطز، فیلیب، ما الأدب الرقمی؟، تر: محمد أسلیم، مجلة علامات، المغرب، العدد35، 2011م، ص103.
([4]) یقطین، سعید، من النص إلى النص المترابط، مدخل إلى جمالیات الأدب التفاعلی، ط2، المرکز الثقافی العربی،2001م، ص9.
([5]) یخلف، فایزة، الأدب الإلکترونی وسجالات النقد المعاصر، مجلة المخبر، الجزائر، العدد 9، 2013م، ص100.
([6]) المحسنی، عبد الرحمن بن حسن، توظیف التقنیة فی العمل الشعری السعودی: شعراء منطقة الباحة نموذجًا، د.ط، النادی الأدبی بالباحة، الباحة، 1433هـ، ص13 ص15.
([7]) التلاوی، محمد نجیب، رؤیة نقدیة للسردیات الرقمیة/التفاعلیة: النقد المعلوماتی أنموذجا، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة من 14-16 فبرایر 2017، المجلد الثانی، جامعة الملک خالد، السعودیة، 2017، ص520.
([8]) السابق، المجلد الثانی، ص517.
([9]) شیبانی، عبد القادر فهیم، تقنیات النص المترابط: من التفاعل الحسی إلى التفاعل الفنی، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة من 14-16 فبرایر 2017، المجلد الثانی، جامعة الملک خالد، السعودیة، 2017، ص520.
([10]) توظیف التقنیة فی العمل الشعری السعودی: شعراء منطقة الباحة نموذجًا، ص13.
([11]) الحمداوی، جمیل، الأدب الرقمی بین النظریة والتطبیق، مجلة اتحاد کتاب الإنترنت المغاربة، المغرب، یولیو 2016، ص12.
([12]) الفارسی، علی بن حمد، بنیة التغریدة العربیة: عینة منتقاة من خطاب التغرید بالخلیج العربی، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة: من 14-16 فبرایر 2017، جامعة الملک خالد، السعودیة، 2017، ص872.
([13]) الزهرانی، ماجد، استجابة الشاعر للمتلقی فی (الفیس بوک)، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة: من 14-16 فبرایر، 2017، جامعة الملک خالد، السعودیة، 2017، ص915.
([14]) السابق، ص 916.
([15]) السابق، ص 919.
([16]) الرحیلی، ماهر، تشکلات الشعر العربی فی تویتر، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة، جامعة الملک خالد، من 14-16 فبرایر 2017، جامعة الملک خالد، السعودیة، 2017، ص892.
([17]) البریکی، فاطمة، مدخل إلى الأدب التفاعلی، د.ط، دار الثقافة للنشر والتوزیع، الدار البیضاء، 2007، ص155.
([18]) أبو الطفیل، فیصل، هویة الأدب الرقمی: دراسة فی تداخل النص الأدبی بالوسیط التکنولوجی، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة، جامعة الملک خالد، 14-16 فبرایر 2017، جامعة الملک خالد، السعودیة، 2017، ص559.
المراجع والمصادر
أولا: الکتب:
- البریکی، فاطمة، مدخل إلى الأدب التفاعلی، د.ط، دار الثقافة للنشر والتوزیع، الدار البیضاء، 2007.
- الحمداوی، جمیل، الأدب الرقمی بین النظریة والتطبیق، شبکة الألوکة، یولیو 2016.
- المحسنی، عبد الرحمن بن حسن، توظیف التقنیة فی العمل الشعری السعودی: شعراء منطقة الباحة نموذجًا، د.ط، النادی الأدبی بالباحة، الباحة، 1433هـ.
- یقطین، سعید، من النص إلى النص المترابط، مدخل إلى جمالیات الأدب التفاعلی، ط:2، المرکز الثقافی العربی، 2001.
ثانیا: الدوریات:
- بوطز، فیلیب، ما الأدب الرقمی؟، ترجمة: محمد أسلیم، مجلة علامات، المغرب، ع35، 2011.
- یخلف، فایزة، الأدب الإلکترونی وسجالات النقد المعاصر، مجلة المخبر، جامعة بسکرة، الجزائر، عدد:9، 2013.
ثالثا: المؤتمرات:
- أبو الطفیل، فیصل، هویة الأدب الرقمی: دراسة فی تداخل النص الأدبی بالوسیط التکنولوجی، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة، جامعة الملک خالد، من 14-16 فبرایر 2017، المملکة العربیة السعودیة، 2017.
- التلاوی، محمد نجیب، رؤیة نقدیة للسردیات الرقمیة/التفاعلیة: النقد المعلوماتی أنموذجا، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة بجامعة الملک خالد، من تاریخ 14-16 فبرایر 2017، المملکة العربیة السعودیة، 2017.
- الرحیلی، ماهر،تشکلات الشعر العربی فی تویتر، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة، من تاریخ 14-16 فبرایر 2017، بجامعة الملک خالد، المملکة العربیة السعودیة، 2017.
- الزهرانی، ماجد، استجابة الشاعر للمتلقی فی (الفیس بوک)، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة: من 14-16 فبرایر 2017، بجامعة الملک خالد، المملکة العربیة السعودیة، 2017.
- شیبانی، عبد القادر فهیم، تقنیات النص المترابط: من التفاعل الحسی إلى التفاعل الفنی، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة من 14-16 فبرایر 2017، جامعة الملک خالد، المملکة العربیة السعودیة، 2017.
- الفارسی، علی بن حمد، بنیة التغریدة العربیة: عینة منتقاة من خطاب التغرید بالخلیج العربی، کتاب المؤتمر الدولی للغة العربیة والنص الأدبی على الشبکة العالمیة: من 14-16 فبرایر 2017، بجامعة الملک خالد، المملکة العربیة السعودیة، 2017.
- الفارسی، علی بن حمد، إشکالیة المصطلح الرقمی، المؤتمر العلمی الدولی الرابع المصطلح فی العربیة: القضایا والآفاق، 11-13 مارس 2019، جامعة السلطان قابوس، عُمان، 2020.
رابعا: الرسائل الجامعیة:
- حمیمید، منال، النظریة النقدیة المعاصرة والأدب الرقمی، کتاب الأدب الرقمی: أسئلة ثقافیة، وتأملات مفاهیمیة، لزهور کرام أنموذجا، (أطروحة دکتوراة)، جامعة محمد بوضیاف بالمسیلة، الجزائر، السنة الجامعیة 2017-2018.
خامسا: الروابط الإلکترونیة (الحسابات الإلکترونیة على مواقع التواصل الاجتماعی):
- حساب الحجری، هلال:
فی الفیسبوک:
https://www.facebook.com/profile.php?id=1311810437
- حساب العامری، مبارک:
فی الفیسبوک:
https://www.facebook.com/mubarak.almari
- حساب العریمی، عبدالله:
فی الفیسبوک:
https://www.facebook.com/araimpoet
وتویتر:
araimipoet@https://twitter.com/
- حساب قراطاس، محمد:
فی الفیسبوک:
https://www.facebook.com/mahammadkaratas
وتویتر:
Mohammadqaratas@https://twitter.com/
- حساب المطروشی، حسن:
فی الفیسبوک:
https://www.facebook.com/profile.php?id=100003252971262
وتویتر:
https://twitter.com@shaddad992
- حساب سعید، إبراهیم:
فی الفیسبوک:
https://www.facebook.com/ebrahim.saeed.37
فی تویتر: