النظریّة الإقلیمیة في التأریخ للأدب العربي

الباحث المراسلد. عیسى بن سعید بن عیسى الحوقانی جامعة نزوى

Date Of Publication :2022-11-15
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

 

یعدّ الأدب جزءًا لا یتجزأ من تاریخ أیّ حضارة من الحضارات؛ ولهذا تحرص الأمم على حفظ تراثها الأدبیّ ونقله من جیل إلى جیل، ولا شکّ فی أنّ الأمة العربیّة من أشدّ الأمم حرصا على تراثها الأدبیّ، إذ حرص العرب على حفظ الأدب وتعلمه، "فکان سبیلهم جمع تراجم الشعراء والکتّاب وتبیین محاسنهم ومساوئهم، والاستشهاد ببعض أقوالهم"[1]، وظلّت طریقة الشرح والتفسیر لکتب عیون الأدب هی الطریقة الرائدة فی تدریس الأدب العربیّ. ومن أشهر الکتب التی اتخذتها العلماء مناهج لتدریس الأدب: "دیوان الحماسة" لأبی تمام، و"الکامل" للمبرد، و"الأمالی" لأبی علی القالی؛ واستمرت هذه الطریقة فی التدریس حتى مطلع القرن العشرین، إذ ظهر "التیار المدرسی" على ید "حسن توفیق العدل"؛ متأثرا بکتاب "تاریخ الأدب العربی" للمستشرق الألمانی "کارل بروکلمان"، ونقصد بالتیار المدرسی فی التأریخ للأدب العربیّ ذلک التیّار القائم على تقسیم الأدب العربی إلى عصور على وفق العامل السیاسیّ من منطلق ربط الأدب بالمؤثرات السیاسیّة ازدهارًا وانهیارًا، وقد لاقى هذا المنهج قبولا واسعا على الرغم من وجود معارضین له کـ"مصطفى صادق الرافعی" و "طه حسین".

إنّ المتمعّن فی المحتوى الذی کان یُدرّس للطلبة قبل ظهور المنهج المدرسیّ یدرک جلیًّا أنّ ذلک المحتوى الأدبیّ لیس (تاریخ الأدب العربیّ)، بل هو أقرب ما یکون إلى (مصادر الأدب العربیّ). أما بعد ظهور المنهج المدرسیّ فقد صار فی الجامعات العربیّة علم یحمل مصطلح (تاریخ الأدب)، وهو "علم یبحث فی أحوال اللغة، وما أنتجته قرائح أبنائها من بلیغ النظم والنثر فی مختلف العصور، وعمّا عرض لهما من أسباب الصعود والهبوط والدثور، ویعنى بتاریخ النابهین من أهل الکتابة واللسن ونقد مؤلفاتهم، وبیان تأثیر بعضهم فی بعض بالفکرة والصناعة والأسلوب"[2]. ولقد اضطلع عدد من الکتّاب للتألیف فی (تاریخ الأدب العربیّ)، ومما شجّع على ازدیاد هذا الضرب من التألیف تلک المسابقة التی أعلنت عنها الجامعة المصریّة عام 1909م، ولا شکّ فی أنّ التألیف فی هذا المیدان قد استمر بعد ذلک، وسیبقى مستمرا باستمرار النشاط الأدبیّ.

 إنّ القراءة الواعیة لکتب تاریخ الأدب منذ نشأتها إلى الآن تکشف عن وجود کثیر من الإشکالیات التی اعترت هذا الضرب من التألیف، ووجب الکشف عنها، ووضع الید على أسبابها، والاجتهاد فی وصف العلاج المناسب لها. ومما لا شک فیه أنّ لکتابة تاریخ الأدب أسسًا متنوعة انطلق منها المؤرخون؛ ولهذا جاءت کتبهم متفاوتة فی منطلقاتها الفلسفیّة، ومناهجها، ودقّة معلوماتها، ومن هنا جاءت الحاجة إلى دراستها دراسةً سابرةً تغوص فی أغوارها، وتکشف عن أعماق إشکالیّاتها.

ونقتصر فی هذه الدراسة على تناول واحدة من نظریّات التأریخ للأدب؛ وهی النظریّة الإقلیمیّة لدراسة منطلقاتها النظریّة، والوقوف على حظها من التطبیق فی کتب تاریخ الأدب العربیّ، ونتناول الإشکالیّات التی تعتری تطبیقها فی التأریخ لأدبنا العربیّ.

وقد اقتضت حیثیات الدراسة تقسیمها إلى ثلاثة محاور، هی:

1ـ المنطلقات الفلسفیّة للنظریّة الإقلیمیّة.

2ـ حضور النظریّة الإقلیمیّة فی مؤلفات تاریخ الأدب العربیّ.

3ـ إشکالیّات تطبیق النظریّة الإقلیمیّة فی التأریخ للأدب العربیّ.

المحور الأول: المنطلقات الفلسفیّة للنظریّة الإقلیمیّة.

تشترک أنماط التحقیب التی تعتمد الأساس الزمنیّ، أو الأساس الفنیّ فی تقسیم الأدب فی إشکالیّة إغفالها للبعد الجغرافیّ، فلا شکّ فی أنّ کلّ نمط من تلک الأنماط یولی اهتمامًا خاصًا بالأسس الفلسفیّة التی یقوم علیها، فاعتماد العامل السیاسیّ جعل مؤرّخی الأدب یصبون اهتمامهم بالمراکز السیاسیّة، واعتماد العامل الثقافیّ جعلهم یصبون اهتمامهم بالمراکز الثقافیّة، وهذه المراکز الثقافیّة غالبًا ما تکون عواصم سیاسیّة، وقد یتبادر إلى الذهن أنّ اعتماد العامل الفنیّ یُخرج تاریخ الأدب من إشکالیّة المرکز والأطراف، إلّا أنّ المرکزیّة تسیطر کذلک على التقسیم الفنیّ، إذ یصب المؤرّخون اهتمامهم بمرکز نشأة المذاهب الفنیّة أو المدارس الأدبیّة، ولا یولون ـ غالبًا ـ اهتمامًا یُذکر بتتبّع الامتداد المکانیّ الذی وصلت إلیه تلک المدارس الأدبیّة.

وإذا کان للعوامل السیاسیّة والثقافیّة والفنیّة أثرها فی مسیرة الأدب؛ فکذلک للعوامل الإقلیمیّة والبیئیّة أثرها فی المسیرة الأدبیّة، ولا یمکن لدارس الأدب ومؤرّخه أن یتجاهل تلک الآثار البیئیّة، إذ یرى شکری فیصل أنّه "لا سبیل إلى إنکار أثر البیئة فی الحیاة المادیّة، ولا سبیل إلى إنکار أثرها کذلک فی الحیاة المعنویّة، ولیس من مهمّة الباحثین الیوم أن یلتفتوا إلى هذا الإنکار، وإلى الردّ علیه، وإنّما تنصرف مهمّتهم إلى تحدید أثره، وإلى نشدان الآثار الأخرى التی تعمل عملها فی حیاتنا، وإلى إظهار ما یکون من تفاعل هذه الأشیاء جمیعًا فیما بینها أولًا، وفیما بینها وبین ذواتنا ثانیًا"([3]).

إنّ اللغة وسیلة الأدب وأداتها التی یعبّر بها، ولا شکّ فی أنّ اللغة ولیدة المجتمع، وأنّ أدوات التعبیر بطبیعتها أدواتٌ اجتماعیّة ما کان لها أن تنشأ إلّا فی إطارها الاجتماعیّ، کما أنّ الأدب یحاکی الحیاة، والحیاة ـ فی معظمها ـ حقیقة اجتماعیّة، یؤکّد "تومارز" (Tomars) أنّ "النوامیس الجمالیّة لا تبنى على أسس من النوامیس الاجتماعیّة، بل إنّها لیست جزءًا من النوامیس الاجتماعیّة، إنّما هی نوامیس اجتماعیّة من نمطٍ معیّن مرتبطة ارتباطًا وثیقًا بالنوامیس الأخرى"([4])، وبما أنّ "الأدب تعبیر عن المجتمع"([5])، حسب "دی بونالد" (De Bonald) فلا بدّ أن یُتّخذ المجتمع أساسًا من أسس التأریخ الأدبیّ، وکیف یمکن تجاهله وهو الذی نشأ فیه الأدباء، واکتسبوا منه مضامین أدبهم، وأدوات تعبیرهم؟ وکیف نتجاهل المجتمع وهو المرآة التی نرى منها تفاعل المتلقی مع الإنتاج الأدبیّ قبولًا أو رفضًا؟

 إنّ التقسیمات الزمنیّة للأدب العربیّ بشتى أنماطها جعلت محطّات التحوّل فی المسیرة الأدبیّة مرهونة بالعامل الزمنیّ، وغفلت دور العامل المکانیّ فی تلک التحوّلات، فالمسیرة الأدبیّة حسب العامل الزمنیّ تتغیّر بتغیّر الأسر الحاکمة، أو بمرور القرون أو بتغیّر الأجیال، أو بدخول ثقافة جدیدة على المجتمع، وکلّ هذه التحوّلات المرتبطة بالعامل الزمنیّ محصورة فی نطاقٍ جغرافیّ ضیّقِ یکاد ألّا یتجاوز العاصمة السیاسیّة. وعلى الرغم من الاقتصار على هذا النطاق الجغرافیّ الضیّق فإنّ أصحاب التقسیمات الزمنیّة یعمّمون النتائج التی توصلوا إلیها من دراسة الإنتاج الأدبیّ فی المرکز على الإنتاج الأدبیّ فی کلّ الأقالیم العربیّة من المحیط إلى الخلیج، ولا شکّ فی أنّ هذا التعمیم یخالف واقع الأدب العربیّ.

  وبعیدًا عن العواطف القومیّة، لا یمکننا التسلیم بأنّ المجتمع العربیّ مجتمعٌ واحدٌ، إذ إنّ المجتمعات العربیّة تختلف باختلاف الأقالیم، کما تختلف باختلاف التوجهات السیاسیّة، والفکریّة، فلا شکّ فی أنّ مجتمع دمشق یختلف عن مجتمع الحجاز، ومجتمع العراق یختلف عن مجتمع الأندلس، ومجتمع مصر یختلف عن مجتمع تونس، کما أنّ المجتمعات فی الأقالیم الموالیّة للأمویّین تختلف عن تلک الموالیة للعلویّین أو الموالیة للزبیّریّین، إلّا أنّ هذا الاختلاف الفکریّ والتنوّع المجتمعیّ والتباعد الإقلیمیّ، یجمعه امتدادٌ زمنیٌّ واحدٌ؛ ولهذا ینسب أصحاب التقسیم الزمنیّ کلّ امتدادٍ زمنیّ إلى الأسر التی حکمت فی ذلک الامتداد، وعلى هذا یصبح العصر مثلًا أمویًّا، والأدب الذی أنتج فیه یصبح کذلک أمویًّا، وتصبح خصائصه فی کلّ الأقالیم واحدةً، وهذا یخالف ما کان علیه أدب الأقالیم فی تلک الحقبة الزمنیّة. 

إنّ أدب الأقالیم العربیّة مغیّبٌ أو یکاد یکون مغیّبًا، سواء کان ذلک بوعیٍ من مؤرّخی الأدب، أم دون وعیٍ، فقد اهتمّ مؤرّخو الأدب قبل الإسلام وبُعیْده بتأریخ أدب نجد والحجاز، وفی العصر الأمویّ اهتموا بتأریخ أدب دمشق، وفی العصر العباسیّ اهتموا بتأریخ أدب بغداد، خاصة الأدباء الذین یرتبطون بتلک السلطات الحاکمة، أمّا فی العصر الحدیث فقد کان الاهتمام الأکبر بأدب مراکز الوطن العربیّ (مصر والشام والعراق)، أمّا أدب الأطراف العربیّة (المحیط والخلیج) فقد ظلّ مغیّبًا فی کلّ العصور، مع أنّ أدباء العصر الحدیث أکثر انتشارًا لتوفّر أسبابه ووسائله، إلّا إنّ التغییب لا یزال مستمرًّا فی العصر الحدیث لأدب هذه الأطراف؛ کأدب شبه الجزیرة العربیّة وأدب المغرب العربیّ. وقد یعود السبب إلى انتماء أغلب مؤرخی الأدب العربیّ إلى (دول المرکز) ولم یطّلعوا على أدب الأطراف، إلّا أنّ هذا السبب لم یعد وجیهًا خاصة فی عصرنا الحالیّ.

وأمام هذا التغییب لأدب أغلب الأقالیم العربیّة، لا مفر من اعتماد الجغرافیا فی کتابة تاریخ الأدب العربی؛ لتجاوز إشکالیة إغفال البعد الجغرافی، والترکیز على دول المرکز وإهمال الأطراف، فالتأریخ للأدب حسب الأقالیم یسهم فی تجاوز تعمیم الظواهر الأدبیّة، وإظهار الخصوصیّة الأدبیّة لکلّ قطر من الأقطار العربیّة. ویؤدی ذلک إلى تجاوز إشکالیّة الذاتیّة؛ المتمثلة فی ترکیز المؤرخ على أدباء وطنه أو ملته أو مذهبه أکثر من أدباء الأوطان أو الملل أو المذاهب الأخرى، فاعتماد البعد الجغرافیّ یتیح لمؤرخ الأدب العربیّ قدرا أکبر من الموضوعیّة، ویبعده عن الذاتیّة التی تحصل بوعی أو دون وعی منه.

المحور الثانی: حضور التقسیم الإقلیمی فی کتب تاریخ الأدب

لا شکّ فی أنّ أغلب الرعیل الأول من مؤرّخی أدبنا العربیّ قد اعتمدوا التحقیب السیاسیّ، إلّا أنّ مؤرّخین منهم قد أدرکوا أهمیّة اعتماد العامل الجغرافیّ فی تأریخ عصور أدبیّة بعینها، کما هو شأن أحمد الإسکندریّ الذی أدرک أنّ الوحدة السیاسیّة فی العصر العبّاسیّ الثانی قد تلاشت، وأنّ الأمر قد خرج من ید الخلفاء، وتقسّمت أرض الخلافة إلى إمارات مستقلة، "ولما کانت هذه الممالک کلّها أعجمیّة خلا دولة آل حمدان بحلب، والفاطمیّین بمصر، وکان لتغلّب العناصر الأعجمیّة تأثیرٌ فی الجملة على حالة اللغة العربیّة وآدابها، ناسب أن نقسّم کلامنا فی هذا العصر إلى قسمین"([6])، وهذان القسمان حسب الإسکندریّ هما: حالة اللغة العربیّة وآدابها فی الممالک المشرقیّة، وحالة اللغة العربیّة وآدابها فی الممالک المغربیّة ([7]).

ولنا أن نتساءل عن البُعد الذی سعى الإسکندریّ إلى مراعاته فی هذا التقسیم الثنائیّ للأدب العربیّ فی العصر العباسیّ الثانیّ: أهو بعدٌ جغرافیٌّ، أم سیاسیٌّ، أم عرقیٌّ؟ فلا شکّ فی أنّ لهذه الأبعاد الثلاثة حضورًا؛ وإن کان متفاوتًا، إلّا أنّ البعد السیاسیّ کان السبب الرئیس الذی دفع الإسکندریّ إلى هذا التقسیم الإقلیمیّ، فقد "ضعفت شوکة الخلفاء"([8])، و "اضطربت المملکة"([9])، فکلّ أمیر وقائد قد "استبدّ بناحیة"([10])، بل إنّ آل بویه "صاروا هم فی الحقیقة ملوک بغداد"([11])، فلو بقیت تلک الأقالیم تحت سیطرة الدولة العباسیّة لما لجأ الإسکندریّ إلى هذا التقسیم الإقلیمیّ، فلا شکّ فی أنّ تبعثر الوحدة السیاسیّة فی ذلک العصر کان سببًا للجوء الإسکندریّ إلى التقسیم الإقلیمیّ لیتجاوز به إشکالیّة التحقیب السیاسیّ. 

کما سعى الإسکندریّ من طریق التقسیم الإقلیمیّ إلى مراعاة التنوّع الثقافیّ الناتج من اختلاط الأعراق، فقد أکّد أنّ الممالک المستقلة التی نشأت فی العصر العباسیّ الثانی کانت "کلّها أعجمیّة خلا دولة آل حمدان بحلب، والفاطمیّین بمصر، وکان لتغلّب العناصر الأعجمیّة تأثیرٌ فی الجملة على حالة اللغة العربیّة وآدابها"([12])، فالعامل الثقافیّ کان سببًا من أسباب لجوء الإسکندریّ للتقسیم الإقلیمیّ، وهذا یعنی أنّ التقسیم الإقلیمیّ لم یکن منهج الإسکندریّ، وإنّما وظّفه لتجاوز إشکالیّات التحقیب السیاسیّ فی فترة ضعف الدولة العباسیّة وتفرّق ممالکها بین الأمراء؛ ولهذا ظلّ حضور التقسیم الإقلیمیّ عند الإسکندریّ فی إطار التحقیب السیاسیّ الذی اتّخذه منهجًا أصیلًا لتأریخ الأدب العربیّ.

ویبدو أنّ فترة ضعف الدولة العباسیّة وتفتّت وحدتها السیاسیّة، جعل أصحاب التحقیب السیاسیّ یعجزون عن الالتزام بمنهجهم، فلجأ أغلبهم إلى التقسیم الإقلیمیّ لتجاوز تلک الإشکالیّة، فجرجی زیدان عندما وصل إلى "العصر العبّاسیّ الثالث" لجأ إلى التقسیم الإقلیمیّ؛ فأرّخ کلّ دولة على حدة، فتناول الدولة البویهیّة، والسامانیّة، والزیاریّة، والغزنویّة، والحمدانیّة، والمروانیّة بالأندلس، والفاطمیّة بمصر ([13])، کما لاحظ زیدان فی "العصر العباسیّ الرابع" توزّع الشعراء فی الأقالیم إذ یقول: "أمّا شعراء هذا العصر فقد تکاثروا فی أطراف الدولة الإسلامیّة"([14])؛ ولهذا لجأ إلى التقسیم الإقلیمیّ، فرتّب الشعراء حسب مواطنهم، فتناول شعراء مصر، والشام، والعراق، وفارس، والأندلس، والمغرب، وجزیرة العرب، إلّا أنّ هذا التقسیم الإقلیمیّ ظلّ فی إطار التحقیب السیاسیّ".

أمّا شوقی ضیف فقد خصّص الأجزاء الستة الأخیرة من کتابه "تاریخ الأدب العربیّ" لما أطلق علیه "عصر الدول والإمارات"، ولجأ فی تأریخ هذا العصر إلى التقسیم الإقلیمیّ، إذ أدرک أنّه "من الخطأ أن تنسب القرون: الرابع والخامس والسادس حتى منتصف السابع إلى الخلافة العبّاسیّة وحتى ما بقی لها من اعتراف بالولاء فی بعض الدول والإمارات إنّما کان اعترافًا اسمیًّا، لا یدل على أیّ سلطانٍ وراءه"([15])؛ فاعتماد العامل السیاسیّ وحده فی تأریخ الأدب فی فترة ضعف الدولة العباسیّة واستقلال الأقالیم عنها لم یعد مجدیًا، فنسبة العصر إلى الأسرة الحاکمة فی بغداد لا یغطی جغرافیّة الأدب العربیّ؛ لتعدّد الأسر الحاکمة، وتوزّع مناطق النفوذ؛ ولهذه الأسباب "حریّ أن یُبحث الأدب العربیّ فی هذا العصر الرابع ویؤرخ فی کلّ إقلیم على حدة. فیکون هناک جزءٌ لإیران والعراق، وجزءٌ لمصر والشام والجزیرة العربیّة، وجزءٌ للأندلس وبلاد المغرب"([16])، وکذلک أرّخ شوقی ضیف الأدب العربیّ الحدیث حسب الأقالیم، وهذا ما یؤکده قوله: "أرّخنا للعصر الخامس وهو العصر الحدیث وقسمناه بدوره أجزاءً على البلاد العربیّة"([17])، ولا شکّ فی أنّ هذا التقسیم الإقلیمیّ الذی اتبعه شوقی ضیف ظلّ فی إطار التحقیب السیاسیّ ولم یتحرّر منه تحرّرًا کاملًا.

إنّ لجوء أصحاب التحقیب السیاسیّ إلى التقسیم الإقلیمیّ فی فترة ضعف الدولة العباسیّة ظاهرة بارزة نجدها عند أغلب أصحاب هذا المنهج، ولا تقتصر على الإسکندریّ، وزیدان، وشوقی ضیف، ولا یعنی هذا اللجوء الاضطراریّ للتقسیم الإقلیمیّ ـ إن صحّ التعبیر ـ أنّهم تمثّلوا النظریّة الإقلیمیّة فی تأریخ الأدب العربیّ، إذ ظلّ حضور التقسیم الإقلیمیّ فی تلک المؤلّفات مقتصرًا على ما بعد ضعف الدولة العباسیّة، بالإضافة إلى أنّه ظلّ فی إطار التحقیب السیاسیّ.

ومن أصحاب التحقیب السیاسیّ الذین أولوا البعد الإقلیمیّ اهتمامًا خاصًا عمر فروخ فی کتابه "تاریخ الأدب العربیّ"، إذ جعل کتابه فی ستة أجزاء، فأرّخ فی الأجزاء الثلاثة الأولى للأدب العربیّ فی المشرق، وأرّخ فی الأجزاء الثلاثة الأخرى للأدب العربیّ فی المغرب والأندلس، إلّا أنّ عنایته بالبعد الجغرافیّ کانت فی إطار التحقیب السیاسیّ، ولم یلجأ فرّوخ إلى التقسیم الإقلیمیّ لیتجاوز إشکالیّة تشتّت الوحدة السیاسیّة فی العصر العباسیّ الثانی کما هو شأن أغلب أصحاب التحقیب السیاسی، وإنّما کان لجوؤه للتقسیم الإقلیمیّ سعیًا لتسهیل التألیف، وهذا ما یؤکّده إذ یقول: "إنّ هذا التفریق فی الأجزاء الثلاثة الباقیة ... أمرٌ لآلیٌّ بحتٌ حملت علیه محاولة السهولة فی التألیف"([18]).    

وکما أنّ هناک مؤلّفات تعنى بالتأریخ للأدب العربیّ على امتداده الزمانی والمکانیّ، فهناک مؤلّفات عنیت بالتأریخ لأدب إقلیم واحد من الأقالیم العربیّة، والمتمعّن فی هذه المؤلّفات یجد أنّها على نوعین: الأول یؤرّخ لأدب الإقلیم عمومًا على امتداد الحقب الأدبیّة، کما هو الشأن فی کتاب "تاریخ الأدب فی الأندلس" لإحسان عبّاس"، و"تاریخ الأدب العربیّ فی العراق" لعبّاس العزّاوی، و"تاریخ الأدب التونسیّ" لمجموعة من الباحثین، و"الوافی بالأدب العربیّ فی المغرب الأقصى" لمحمد بن تاویت، و "تطوّر الأدب فی عمان" لأحمد درویش، و"الجامع فی الأدب العمانی" لسالم البوسعیدی، أمّا النوع الآخر فیقتصر على التأریخ لأدب الإقلیم فی حقبة أدبیّة واحدة، کما هو الشأن فی کتاب "فی الأدب المصری" لأمین الخولی، و"الأدب المعاصر فی مصر" لشوقی ضیف، و"تاریخ الجزائر الثقافیّ" لأبی القاسم سعد الله الذی تناول حقبة الحکم العثمانیّ فی جزأین، ثم أضاف جزءًا ثالثًا لحقبة الاحتلال.

وإذا کان لجوء أصحاب التحقیب السیاسیّ إلى التقسیم الإقلیمیّ اضطراریًّا لاحتواء تعدّد المراکز السیاسیّة فی العصر العبّاسی الثانی، أو لتسهیل عقبات التألیف، فإنّ الذین اتّجهوا إلى التأریخ للأدب فی إطار إقلیم واحد من الأقالیم العربیّة، أمّا أنّهم قد خضعوا بعملهم للشرط العلمیّ فسعوا للبحث عن علاقة الأدب ببیئته، وأمّا أنّهم قد خضعوا للنزعة الوطنیّة، فسعوا إلى إبراز أدب أقالیمهم، وأمّا أنهم خضعوا للهدف التعلیمیّ فسعوا إلى وضع منهجٍ تعلیمیٍّ، وغالبًا ما یکون ذلک بتکلیف من المؤسّسات التعلیمیّة.  

ویبدو أنّ حضور التقسیم الإقلیمی فی کتب تاریخ الأدب العربیّ یرد بثلاث صور: تتمثّل الصورة الأولى فی التقسیم الاضطراریّ الذی یلجأ إلیه أصحاب التحقیب السیاسیّ عند تأریخهم لمرحلة تفکّک الدولة العبّاسیة، وأمّا الصورة الثانیّة فتتمثل فی التأریخ لأدب إقلیم واحدٍ من الأقالیم العربیّة، فی مختلف الحقب الأدبیّة، وأمّا الصورة الأخیرة فتتمثّل فی التأریخ لأدب إقلیمٍ واحدٍ، فی حقبة واحدة، ولا یوجد ـ حسب اطّلاعنا ـ مؤلّف عنی بالتأریخ للأدب العربیّ فی کافة الأقالیم العربیّة حسب النظریّة الإقلیمیّة، ولا عجب فی ذلک؛ لأنّ الجهد الفردیّ لا یمکن أنّ یتّسع لعمل کهذا.

 المحور الثالث: إشکالیّات التأریخ للأدب العربیّ حسب الأقالیم

یُعدُّ التأریخ للأدب العربیّ حسب الأقالیم حلًّا مناسبًا لإشکالیّة الاهتمام بأدب المرکز وإهمال أدب الأطراف، فقد اعترت هذه الإشکالیّة کلّ أنماط التحقیب الزمنیّ، وتسرّبت کذلک إلى أنماط التحقیب الفنیّ، إلّا أنّ تجاوز التقسیم الإقلیمیّ لهذه الإشکالیّة لا یکفی للحکم بصلاحیّته، فهناک إشکالیّات کثیرة تعتری هذا النمط من أنماط التأریخ للأدب العربیّ. 

ویبدو النمط الإقلیمیّ للوهلة الأولى أقرب إلى واقع الأدب العربیّ؛ لسعة امتداده الزمانیّ والمکانیّ، فالبیئات الجغرافیّة فی هذا الامتداد المکانیّ متباینة، والأعراق متنوّعة، والثقافات مختلفة، فبیئة الجزیرة العربیّة لیست کبیئة الشام والعراق، وبیئة مصر لیست کبیئة الأندلس، وبیئة تونس لیست کبیئة السودان، کما أنّ الإنتاج الأدبیّ العربیّ لم یقتصر على العرق العربیّ وحده، بل أسهمت فیه أعراق کثیرة ضمّتها مظلّة الحضارة الإسلامیّة، سواء کانوا مسلمین أم غیر مسلمین، وهذا التنوّع العرقیّ والدینیّ یصحبه تنوّع ثقافیّ، ففی العصور القدیمة هناک أقالیم عربیّة تأثّرت بالثقافة الفارسیّة، وأقالیم تأثّرت بالثقافة الیونانیّة، وأخرى تأثّرت بالثقافة الفرعونیّة، وفی العصر الحدیث هناک أقالیم تأثّرت بالثقافة الفرنسیّة، وأقالیم تأثّرت بالثقافة الإنجلیزیّة، وأخرى تأثّرت بالثقافة الإسبانیّة، فالتقسیم الإقلیمیّ یتیح لمؤرّخ الأدب رصد تلک الفروق الناتجة من تباین البیئات، وتنوّع الأعراق، واختلاف الثقافات، وتعدّد الدیانات والمذاهب، إلّا أنّ التساؤل یبقى مشروعًا: هل حقًا کان الأدب العربیّ خاضعًا لتلک الفروق البیئیّة والعرقیّة والثقافیّة والدینیّة؟

ظلّ الأدب العربیّ على امتداد أزمانه واتّساع أماکنه، یمتاح ألفاظه من اللغة العربیّة التی لم تشهد تطوّرًا کبیرًا فی ألفاظها وتراکیبها، فلغة أدب الأقالیم المشرقیّة لا تختلف عن لغة أدب الأقالیم المغربیّة، فقد قدّر للغة العربیّة ـ حسب شکری فیصل ـ "وحدة مستمرّة من نمطٍ خاصٍ، فلم تنشأ فیها هذه اللغات الأدبیّة المحلیّة"([19])، وعلى هذا یکون التقسیم الإقلیمیّ للأدب العربیّ غیر مجدٍ فی رصد الفروق اللغویّة بین آداب الأقالیم العربیّة؛ لأنّ لغتها واحدة، بید أنّ هذه الوحدة اللغویّة تقتصر على الأدب المکتوب باللغة الفصحى، أمّا الأدب الجمعیّ([20])، فلا شکّ فی أنّ له لغاتٍ محلیّةً تختلف باختلاف الأقالیم العربیّة، وعلى هذا فإنّ التقسیم الإقلیمیّ فی هذه الحالة یکون مجدیًا فی إبراز تلک الآداب الجمعیّة، ورصد الفروق اللغویّة بینها.

إنّ التأریخ للأدب العربیّ إقلیمیًّا یتیح لمؤرّخ الأدب دراسة مصادر الفکر الأدبیّ فی کلّ إقلیم على حدة، ویمکّنه من رصد جوانب الالتقاء، وجوانب الافتراق بین الأقالیم فی الجوانب الثقافیّة والفکریّة، ولکن ألیست البیئة الثقافیّة والفکریّة فی الأقالیم العربیّة أقرب إلى الاتّحاد، منها إلى الافتراق؟ فأصحاب التقسیم الإقلیمیّ یستطیعون رصد فروق بین الأقالیم فی الأعراف، والعادات، والتقالید، کما یستطیعون رصد الدیانات والمذاهب السائدة فی کلّ إقلیم، إضافة إلى رصد الأعراق البشریّة التی یتکوّن منها المجتمع فی کلّ إقلیم، ولا شکّ فی أنّ تلک الاختلافات فی العادات والتقالید والأعراف والأعراق والدیانات والمذاهب تتجلّى فی الإنتاج الأدبیّ، ولا یمکن رصد تلک الاختلافات إلّا بالتأریخ للأدب العربیّ إقلیمیًّا.  

إنّ محاولة إبراز الفروق بین أدب الأقالیم العربیّة فی نظر شکری فیصل "لا یعدو أن یکون لونًا من التضخیم الذی لا تطمئنّ إلیه الأسس، ومن التشبّث بالجزئیّات الصغیرة التی لا تتیح الوثوب منها إلى الکلیّات الکبرى"([21]). ویرى شکری فیصل أنّ المظاهر التی تدلّ على الافتراق وراءها دائمًا أدلّة التقارب "فیکفی هذا الصدور عن أصل واحد، وهذا الارتداد إلى غایة واحدة، ویکفی أنّ العقیدة التی کانت تلفّ هذه البلاد عقیدة التوحید، وأن تکون المُثل التی تجتذبهم هی المُثل التی رسمتها، وأن تکون ثقافتهم هذه الحصیلة المشترکة من دراساتهم وتعاونهم ولقائهم ... یکفی هذا التوحید فی الحیاة التشریعیّة، وهذا التقارب فی الحیاة الاجتماعیّة، وهذا الالتقاء فی الحیاة الثقافیّة"([22]).

إنّ هذه النزعة العقدیّة والقومیّة التی صدر عنها شکری فیصل لا یمکن التسلیم بها؛ إذ إنّها تخالف واقع الأمّة العربیّة والإسلامیّة، فالمتمعّن فی أقالیم الوطن العربیّ الکبیر یجد أنّ سکان هذه الأقالیم لا یصدرون عن أصلٍ واحد، بل من أعراق عدّة یتفاوت حضورها من إقلیم إلى آخر، فإذا کانت جزیرة العرب حاضنة للعرق العربیّ، فإنّ العراق خلیطٌ من الأعراق العربیّة والفارسیّة والترکیّة والکردیّة وغیرها، کما أنّ البربر والأمازیغ أکثر انتشارًا فی المغرب العربیّ، والأقباط فی مصر، أمّا وحدة العقیدة التی یشیر إلیها شکری فیصل فیمکن قبولها من باب التغلیب لا التعمیم، فلم یکن الدین الإسلامیّ دین کلّ رعایا الأقالیم العربیّة لا فی الماضی ولا فی الحاضر، وقد أسهم غیر المسلمین فی المسیرة الأدبیّة على مرّ العصور، وأقرب مثال على ذلک إسهامات نصارى الشام فی مسیرة الأدب العربیّ الحدیث، فهناک أقالیم عربیّة یقطنها المسلمون فقط، وهناک أقالیم عربیّة یقطنها المسلمون وغیر المسلمین، کما أنّ أصحاب العقیدة الإسلامیّة أنفسهم متفرّقون إلى مذاهب لا یمکن إغفال التباین الفکریّ بینها، وإن کان الأصل واحدًا، فإنتاج المعتزلة مثلًا لیس کإنتاج الصوفیّة، وإنتاج الشیعة لیس کإنتاج السنة، وإنتاج الإباضیّة لیس کإنتاج المرجئة.

أمّا "التقارب فی الحیاة الاجتماعیّة" و"الالتقاء فی الحیاة الثقافیّة" بین الأقالیم العربیّة فلا یمکن التسلیم به ماضیًا وحاضرًا، فلم تعرف عُمان مثلًا حیاة الترف التی عرفتها بغداد فی العصر العبّاسیّ، فلا تقارب اجتماعیّ یجمع بینهما، ولم یعرف الخلیج العربیّ الانفتاح الثقافیّ الذی عرفته مصر والشام فی العصر الحدیث، فلا التقاء ثقافیّ یجمع بینهما، فما أجمل أن نبرز أواصر الترابط الدینیّ والثقافیّ والاجتماعیّ بین الأقالیم العربیّة! ولکنّ الموضوعیّة تقتضی عدم المبالغة فی ذلک، فکما توجد جوانب التقاء؛ توجد کذلک جوانب افتراق، إلّا أنّ جوانب الافتراق لا یمکن إبرازها إلّا بالتأریخ الإقلیمیّ للأدب العربیّ.

إنّ أثر البیئة الإقلیمیّة فی الإنتاج الأدبیّ أمرٌ لا شکّ فیه، إلّا أنّ قوة هذا الأثر تتفاوت باختلاف الأقالیم والعصور، فقد یکون الأثر الإقلیمیّ أکثر ظهورًا فی إقلیم عن غیره من الأقالیم، وقد یکون أبرز فی عصر عن غیره من العصور. ویرى العقّاد أنّ "معرفة البیئة ضروریّة فی نقد کل شعر، فی کلّ أمّة، فی کلّ جیل، ولکنّها ألزم فی مصر على التخصیص، وألزم من ذلک فی جیلها الماضی على الأخص" ([23]). ویسوّغ العقّاد ما ذهب إلیه باختلاف البیئات التی اشتملت علیها مصر منذ بدایة الجیل الماضی إلى نهایته، فهذه البیئات "لا تجمع بینها صلة من صلات الثقافة غیر اللغة العربیّة التی کانت لغة الکاتبین والناظمین جمیعًا، وهی حتى فی هذه الجامعة لم تکن على نسقٍ واحدٍ، ولا مرتبةٍ واحدةٍ؛ لاختلاف درجات التعلیم فی أنحائها وطوائفها، بل لاختلاف نوع التعلیم بین من نشأوا على الدروس الدینیّة، ومن نشأوا على الدروس العصریّة، واختلافه بین هؤلاء جمیعًا وبین من أخذوا بنصیبٍ من هذا ومن ذاک"([24]). 

فعلى الرغم من أنّ العقّاد تناول شعراء إقلیمٍ واحدٍ (مصر) فی عصرٍ واحدٍ (الجیل الماضی) فقد أدرک أنّ تنوّع بیئات الشعراء، وتفاوت ثقافتهم، وتباین مجتمعاتهم کان له أثرٌ فی إنتاجهم الشعریّ، فمصر فی الجیل الماضی "کان من أدبائها من درس فی باریس، ونشأ على نشأة أهل الأستانة، ومنهم من درس فی الجامع الأزهر، ونشأ فی قریّة من قرى الصعید، وکان منهم من شبّ فی قبیلة بادیة کالقبائل التی کانت تجاور المدائن فی صدر الإسلام، وکان منهم من اطّلع على أعرق الأسالیب العربیّة، ومنهم من کانت لغته فی نظمه لغة الأحادیث الیومیّة لا تزید علیها إلّا قواعد الإعراب"([25])، فإذا کان هذا التباین بین بیئات شعراء جیل واحدٍ فی الإقلیم واحد؛ فلا شکّ فی أنّ بیئات الأدباء فی الأقالیم المختلفة أکثر اختلافًا وتباینًا. 

وإذا کان التقسیم الإقلیمی لتاریخ الأدب العربیّ یساعد مؤرّخ الأدب على إبراز الخصوصیّات الأدبیّة التی تمتاز بها أقالیم عربیّة عن غیرها، فإنّ هذا النمط تعتریه إشکالیّة المبالغة فی تحمیل الأثر الإقلیمیّ فوق ما یحتمل، فیغفل مؤرّخ الأدب خصوصیّة الأدیب وأثر موهبته فیما یبدع، وینسب کلّ ذلک إلى خصوصیّة البیئة التی یعیش فیها، فیربط الإبداع بالمکان والزمان والعرق، ویجعل الأدیب أداة تعبیرٍ عن تلک العناصر، إلّا أنّ تلک العناصر ـ وإنّ کانت تؤثّر فی الإبداع الأدبیّ ـ لیست وحدها التی تحرّک الأدیب نحو الإبداع، فقد یغری التقسیم الإقلیمیّ مؤرّخ الأدب إلى جعل الأدب ثمرة البیئة الإقلیمیّة فحسب، ویغفل الدوافع الشخصیّة، والتمیّز الذّاتی الذی لم یحصل علیه الأدیب منحة من بیئته، فإذا لم یجد مؤرّخ الأدب تفسیرًا لذلک التمیّز، نسبه إلى خصوصیّة  الإقلیم، أو البیئة، أو المجتمع، أو العرق، أو الثقافة، ولا شکّ فی أنّ هذا ضربٌ من تحمیل التقسیم الإقلیمیّ ما لا یتحمّله.

ومن مظاهر المبالغة أنْ یصوّر مؤرّخ الأدب الظواهر المنتشرة فی کلّ الأقالیم العربیّة کأنّها ظواهر خاصّة بالإقلیم الذی یؤرّخ له، کما هو شأن شوقی ضیف حین ردّ أسباب ضعف الأدب المصریّ فی القرن التاسع عشر إلى سیاسة محمد علی؛ إذ إنّه "لم یعنَ بالشعر والشعراء، فقد کان ترکیًّا فی ثیاب مصریّة، بل لقد کان ترکیًّا فی ثیابٍ ترکیّة، فکسد الشعر فی سوقه وسوق خلیفتیه عبّاس وسعید"([26])، کما أنّ محمد علی حسب شوقی ضیف "قتل الروح المصریّة الناشئة، ونقصد الروح القومیّة، فلم تفتح عیون المصریّن لعهده على حیاة کریمة، من أجل ذلک لم یتحرّر، فی رأینا الشعر المصریّ من قیوده الغلیظة، فإنّ المصریّین أُخذتْ أراضیهم، إذ ألغى محمد علی الملکیّة الزراعیّة إلغاءً تامًا، وسخّرهم فی الأرض یفلحون ویزرعون"([27]).

یؤکّد شوقی ضیف أنّ المصریّین بسبب محمد علی وسیاسته فی الحکم "لم یفرغوا لحیاة روحیّة، أو بعبارة أخرى لحیاة أدبیّة، فقد کان الحاکم یضیّق علیهم فی الرزق، ولم یکن یُتیح لهم ما ینبغی من حریّة، فطبیعیّ أن لا تنهض حیاتهم الفنیّة حینئذّ؛ لأنّها لا تزال تسیر فی نفس الدروب والمسالک الضیّقة التی کانت تسیر فیها فی أثناء الحکم العثمانی، ولا یزال الشعراء یشعرون بکثیرٍ من الضنک والفقر والبؤس"([28])، إلّا أنّ المتمعّن یدرک أنّ الضعف لم یکن مقتصرًا على الأدب المصریّ وحده، إذ ظلّ الأدب العربیّ فی تلک الحقبة مکبّلا بالصنعة والتقلید فی مختلف الأقالیم العربیّة، مع أنّ تلک الأقالیم لم تکن تحت حکم محمد علی؛ لیحول بینها وبین التجدید.

ولا یمکن التسلیم بأنّ اضطهاد محمّد علی للمصریّین، واستحواذه على ملکیّة أراضیهم أدّى إلى قتل (الروح المصریّة) أو (الروح القومیّة)، إذ إنّ النتیجة الطبیعیّة أن یؤدی الاضطهاد إلى إذکاء النزعات الوطنیّة والقومیّة، کما لا یمکن التسلیم بأنّ ضیق الرزق منع المصریّین من التفرّغ للحیاة الأدبیّة؛ لأنّ التاریخ الأدبیّ قدّم لنا قائمة لا تحصى لأدباء لم یمنعهم ضیق الرزق من الإبداع، إلّا أنّ محاولة شوقیّ ضیف فی إیجاد خصوصیّة إقلیمیّة لمصر؛ أدّت به إلى المبالغة والتضخیم فی تصویر تلک الخصوصیّة، فقد شمل ضعف الأدب العربیّ فی تلک الحقبة کلّ الأقالیم، ولم یکن خاصًا بمصر حتى یضطرّ شوقی ضیف إلى إرجاع أسبابه لحکم محمد علی، وما نتج عنه من فقر واضطهاد للمصریّین، فلا شکّ فی أنّ ربط جودة الإنتاج الأدبیّ برخاء الحیاة ولین العیش لا ینسجم مع واقع الأدب العربیّ؛ ولهذا لا نسلّم بما ذهب إلیه شوقی ضیف إذ یقول: "لا بدّ لجودة الإنتاج الأدبیّ أو لنهوضه أن ییسّر لأصحابه شیءٌ من لین العیش ویُسر الحیاة، وشیءٌ من الحریّة الفردیّة التی تردُّ إلیهم کرامتهم، وتشعرهم أنّهم أحیاء"([29]). 

ومن الإشکالیّات التی تعتری التقسیم الإقلیمیّ للأدب العربیّ إشکالیّة تصنیف الأدباء إقلیمیًّا، فما کان العربیّ یحمل جنسیّة معیّنة تفرض انتسابه إلى إقلیم محدّد، بل عاش العربیّ متنقّلًا بین الأقالیم، فقد یولد الأدیب فی إقلیم، وینشأ فی إقلیم غیر الذی ولد فیه، وتوافیه المنیّة فی إقلیم آخر، فإلى أیّ الأقالیم یُنسب؟! فلا شکّ فی أنّ الأقالیم التی تنقّل فیها الأدیب تتنازعه کلَّها، فلن یجد مؤرّخو الأدب بدًّا من التأریخ له فی کلّ تلک الأقالیم، فیکون الأدیب فی الأدب العراقیّ عراقیًّا، وهو نفسه فی الأدب العمانیّ عمانیًّا، أو أن یکون الأدیب فی الأدب التونسیّ تونسیًّا، وهو نفسه فی الأدب المصریّ مصریًّا، والأمثلة على ذلک کثیرة، فابن خلدون تونسیُّ المولد والنشأة الأولى، ثم انتقل إلى مدینة فاس، ثم إلى غرناطة فإشبیلیّة، ثم عاد إلى بلاد المغرب فأقام فی "قلعة ابن سلامة" (مدینة تیارت الجزائریّة حالیًّا)، ثم انتقل إلى مصر وتولّى فیها قضاء المالکیّة، وتوفیّ فی القاهرة سنة 1406م (808هـ)، ولا شکّ فی أنّ التقسیم الإقلیمیّ مدعاة إلى أن یؤرّخ للرجل فی کلّ الأقالیم التی تنقّل فیها.

 ولا یختلف اثنان على أنّ الامتدادات الجغرافیّة للأقالیم لا تعرف الثبات، بل إنّها تتغیّر من زمنٍ إلى آخر، فقد یولد الأدیب وینشأ فی بلدة تتبع إقلیمًا محدّدًا فی عصر الأدیب، ومع مرور الزمن تصبح بلدة الأدیب تابعةً لإقلیم آخر، کما هو شأن أبی علی الحسن بن رشیق المعروف بالقیروانیّ، إذ إنّه ولد بمدینة المحمّدیّة التی تعرف الیوم بالمسیلة ونشأ بها، ثم ارتحل إلى القیروان، وعاش بها، ثم انتقل إلى جزیرة صقلیّة، وأقام بها إلى أن وافته المنیة ودفن بها، وبما أنّ "المسیلة" تتبع "الجزائر" فی الوقت الراهن، فلن یجد مؤرّخ الأدب الجزائریّ بدًّا من نسبة ابن رشیق إلى الجزائر، کما أنّ مؤرّخ الأدب التونسیّ لن یجد بدًّا من نسبته إلى تونس لأنّ القیروان تابعة لتونس، وماذا یمنع من نسبته إلى صقلیّة التی تضمّ رفاته؟! فلا یوجد معیارٌ واضحٌ یحدد تصنیف الأدباء الذین تنقّلوا فی عدّة أقالیم، وقد صنّف شوقی ضیف ابن رشیق ضمن أدباء تونس فی عصر الدول والإمارات([30])، ولم یصنفه ضمن أدباء الجزائر([31])، ولا أدباء صقلیّة([32])، دون أن یذکر أسباب ذلک التصنیف، مع أنّه أرّخ لأدب تلک الأقالیم الثلاثة، وما ابن رشیقٍ إلّا مثالٌ من بین أدباء کثر یصعب تصنیفهم عند التأریخ للأدب العربیّ إقلیمیًّا.

وإشکالیّة التصنیف تبرز فی الأدب العمانی بشکلٍ کبیر لکثرة هجرات العمانیّین إلى الأقالیم الأخرى، فابن درید مثلًا ولد فی البصرة عام (223هـ) من أصول عمانیّة، ثم عاد إلى وطنه عمان عام (257هـ)، وعاش بها اثنی عشر عامًا، ثم عاد إلى البصرة، فهناک من ینسبه إلى البصرة، وهناک من ینسبه إلى عمان، کما هو شأن المسعودیّ إذ یدعوه باسم "ابن درید العمانی"([33])، وکذلک شأن جمیع المؤرخین العمانیّین، فلا شکّ فی أنّ شخصیّة ابن درید یتنازعها إقلیمان على أقل تقدیر: عمان، والعراق، فقد نسبه السالمی إلى أهل عمان([34])، وکذلک شأن صاحب "شقائق النعمان"، إذ یؤکّد بأنّ "ممن قال الشعر من أهل عمان، ابن درید"([35]) أمّا عند أحمد درویش فیمثّل ابن درید الأدب العمانیّ فی "المهجر الشمالی"([36])، وعلى نهجه سار سالم البوسعیدی، إذ یمثل عنده صورة "الأدب العمانی فی المهجر العبّاسی"([37])، ولا شکّ فی أنّ إیجاد مصطلحات "المهجر الشمالیّ" و "المهجر العباسیّ" و"المهجر الأفریقیّ" محاولةٌ جیدة لتجاوز إشکالیّة التصنیف الإقلیمیّ من قبل مؤرّخی الأدب العمانیّ ودارسیه.

إنّ نسبة الخلیل بن أحمد الفراهیدی، وابن درید، والمهلّب بن أبی صفرة، وکراع النمل الهنائی إلى عمان أمرٌ مقبول بحکم جذورهم العمانیّة، إلّا أنّ هناک شعراء ینسبون إلى الإقلیم العمانیّ، دون أن تکون لهم جذورٌ عمانیّة کما هو شأن أبی علی أبزون بن مهبرد الکافیّ الفارسیّ([38])، إذ إنّه من بلدة "کران" الفارسیّة ثم ارتحل إلى العراق، وقد قدم إلى عمان مع بنی بویه الذین احتلوا عمان عام (363هـ ـ 973م)، وهو فی شعره یمدح بنی بویه الذین احتلوا عمان، وقال الباخرزی فی ترجمته له: "هو أبو علیّ أبزون المجوسیّ، من أهل عمان"([39])، فأبزون لم یکن مسلمًا، بل کان مجوسیّ الدیانة، وهذا ما یؤکّده کذلک الصفدیّ فی کتابه (الوافی بالوفیات)؛ إذ ترجم له تحت عنوان "العمانی المجوسی"([40])، ووصفه صاحب "کشف الظنون" بأنّه "العمانیّ الکافیّ المجوسیّ"([41])، وذکر أبو الحاجب أنّ أبزون کان "کثیر الاشتغال بالأمور السلطانیّة، والأعمال الدیوانیّة"([42]).

وظلّ أبزون فی الدراسات الحدیثة عمانیًّا، إذ جمع هلال ناجی شعره ودرسه تحت عنوان "أبزون العمانی"([43])، ولم تختلف نسبة أبزون عند المؤلّفین العمانیّین عن غیرهم، إذ ظلوا ینسبونه إلى عمان، فقد ترجم له سیف بن حمود البطاشیّ فی کتاب (إتحاف الأعیان فی تاریخ بعض علماء عمان) تحت عنوان "أبزون العمانیّ"([44]) شأنه فی ذلک شأن المتقدّمین، أمّا سالم البوسعیدی فیؤکّد أنّ أبزون "شاعرٌ عمانیّ النسبة"([45])، إلّا أنّ التساؤل یبقى مشروعًا: لماذا لم یُنسب أبزون إلى فارس أرض مولده ونشأته؟ أو إلى أرض العراق التی ارتحل إلیها أول أمره؟  ولماذا یُنسب إلى عمان دون العراق مع أنّه عاش متنقّلًا بینهما؟ فلا شکّ فی أنّ لعمان الحضور القویّ فی شعره، ولکن فی المقابل هناک حضورٌ قویٌ کذلک للعراق، فمهما أظهر أبزون حنینه إلى عمان تبقى علاقته بها علاقة المحتل بأرض اغتصبها من أهلها، فإقامته بعمان کانت إقامة أطماع ومصالح فی خدمة بنی بویه وهذا ما نستشفه فی قوله: [الکامل]([46])

وإذا الأمانی لم تنلها مُعرِقًا      فاثنِ العنانَ وسر تنلها مُعمنا 

کما صرّح أبزون أنّه لا یبالی بعمان إذا رحبت به العراق إذ یقول: [الکامل]([47])

وإذا أحبّتنی العراقُ فهیّنٌ           عندی إذا نشزتْ علیّ عُمانُ

وتبقى إشکالیّة نسبة أبزون إلى الإقلیم العمانیّ قائمةً، إذ إنّه فارسیّ العِرق، مجوسیُّ الدیانة، قدم مع بنی بویه المحتلین للإقلیم العمانیّ، فلم تکن عمان وطنًا له، بل کانت علاقته بها علاقة مُحتلّ بأرض اغتصبها من أهلها، ویذهب محمد المحروقیّ إلى أنّ أبزون "فارسیٌّ تعمّن"([48])، إلّا أنّ ذلک ـ فی نظرنا ـ لا یبرّر نسبته إلى عمان، فکما أعمن أعرق، فنسبة أبزون إلى عمان تلزم نسبة حکّام بنی بویه وولاتهم إلیها، إذ إنّهم أقاموا بها شأنهم فی ذلک شأن أبزون، ولا شکّ فی أنّ هذا لا یقبله عقل ولا منطق. 

ومن إشکالیّات التقسیم الإقلیمیّ تجزئة الأدب العربیّ، وتقطیع أواصر الترابط الثقافیّ والأدبیّ بین الأمة العربیّة، إذ إنّ التأریخ لأدب کلّ إقلیمٍ على حدة لا یعطی صورة مکتملة لأدب الوطن العربیّ الکبیر، إلّا أنّ النظرة الجزئیة لمسیرة الأدب العربیّ فی کلّ إقلیم على حدة قد تکون أکثر موضوعیّة من النظرة الکلیّة، فلا شکّ فی أنّ تلک النظرة الکلیّة لمسیرة الأدب العربیّ جعلت مؤرّخی الأدب العربیّ یُجمعون ـ فی الغالب ـ على إطلاق حقبة الرکود والانحطاط والظلام، على السنوات اللاحقة لسقوط بغداد فی أیدی التتار، إلّا أنّ ذلک الوصف ـ مع تحفظنا علیه ـ إذا انطبق على الإنتاج الأدبیّ فی أقالیم عربیّة، فلا ینطبق على الإنتاج الأدبیّ فی أقالیم أخرى، کما هو الشأن فی الإقلیم العمانیّ، إذ تُعدّ تلک الحقبة الزمنیّة من أزهى حقب الأدب فی المسیرة الأدبیّة العمانیّة. 

وقد تساءل أحمد درویش عن "هذا الحکم العام على حالة الشعر فی هذه الفترة، والذی دأب تاریخ الأدب على تعمیمه على الشعر العربیّ ما بین القرن السابع والقرن الثالث عشر الهجریّ، هل من الضروریّ أن ینطبق على کل أقالیم العالم العربیّ بدرجة واحدة؟ أم أنّ هناک بقاعًا أفلتت من موجة الضعف تلک، ومنها الشعر العربیّ فی عمان فی فترة النباهنة التی تتوازى جزئیًّا مع فترة القرون الوسطى فی الأدب العربیّ فی مصر والشام وما حولها؟"([49]).

 ویؤکّد أحمد درویش أنّ المؤثّرات الأساسیّة التی أدّت إلى ضعف المستوى اللغوی فی قلب الوطن العربیّ لم توجد بعُمان، فإذا کان قلب العالم العربیّ فی تلک الفترة خاضعًا للحکم الترکیّ؛ فإن الإقلیم العمانیّ کان فی الفترة ذاتها خاضعًا لحکمٍ عربیّ تمثّله دولة بنی نبهان؛ ولهذا ظلّت لغة الشعر امتدادًا للعصور السابقة، ولم تتأثّر بأیّ لغة أجنبیّة حاکمة، کما هو شأن الأقطار العربیّة الأخرى التی خضعت للحکم الترکیّ، "وهذا السبب النظریّ یؤکّده الواقع العملیّ لبعض شعراء تلک الفترة من الذین أتیح لدواوینهم أن تبقى أو تفلت من الضیاع" ([50]).

إنّ النظرة الکلیّة للأدب العربیّ فی تلک الحقبة لن تتیح لمؤرّخ الأدب استثناء الأدب العربیّ فی عُمان من الحکم العام بالضعف والانحطاط والرکاکة، مع أنّ ذلک العصر کما ترى سعیدة بنت خاطر کان "عصرًا أدبیًّا زاهیًا امتدّ فی عمان ما یقارب خمسة قرون"([51])، بل إنّها تعدّه "العصر الذهبیّ للشعر فی عُمان"[52]، ولا شکّ فی أنّ تجزئة التأریخ للأدب حسب الأقالیم تتیح لمؤرّخ الأدب إبراز تلک الخصائص؛ التی یغفل عنها التأریخ الکلیّ للأدب العربیّ، فمسیرة الأدب العربیّ لم تکن واحدة فی کلّ الأقالیم؛ ولهذا لا بدّ من رصد تلک الفروق، دون مبالغة فی تتبع عوامل الافتراق الصغرى، ولا إغفالٍ لعوامل الالتقاء الکبرى، فالتقسیم الإقلیمیّ لا یسعى إلى تضخیم الفروق بین الأقالیم العربیّة، ولا یهدف إلى هدر مظاهر الوحدة العمیقة بین الأمّة العربیّة.   

إنّ کتابة تاریخ الأدب العربیّ مجزّأً حسب الأقالیم خطوة أولى تسبق کتابة تاریخ شامل لأدب الأمّة العربیّة، إذ إنّ هذه الخطوة تتیح لمؤرّخ الأدب الاطّلاع على مسیرة الأدب العربیّ فی جمیع الأقالیم العربیّة من المحیط إلى الخلیج، فکتب تاریخ الأدب التی بین أیدینا تؤرّخ لأدب المرکز، وتهمل أدب الأطراف، ولربّما کان عدم اطّلاع مؤلفی تلک الکتب على أدب الأطراف سببًا لتهمیش أدب الأطراف وإقصائه، ویبدو أنّ أولئک المؤلّفین قد استبقوا الخطوة الأولى عندما أرّخوا للأدب العربیّ بشکلٍ عام، قبل أن یتمّ التأریخ لأدب کلّ إقلیمٍ على حدة، ولا شکّ فی أنّنا نلتمس العذر للرعیل الأول من المؤلفین، إذ إنّ مؤلّفاتهم اقتضتها ضرورة سدّ الثغرة فی تلک المرحلة من مراحل التألیف فی تاریخ الأدب؛ وذلک لأسبابٍ تعلیمیّة ـ فی الغالب ـ بعیدة عن الشروط العلمیّة، فهذا من جنایة التعلیم على العلم.

الهوامش:
 


[1] الفاخوری، حنا، تاریخ الأدب العربی، ط1، دار بیروت الکبرى للنشر، بیروت، 2014، ص36.

[2] الزیات، أحمد حسن، تاریخ الأدب العربی، ط7، دار المعرفة، بیروت، 2001، ص7.

[3] فیصل، شکری، مناهج الدراسة الأدبیة فی الأدب العربی، بالعرض والنقد والاقتراح، دار العلم للملایین، بیروت، ط5، ص 160.

[4] ولیک، رینیه، ووآرن، وآوستن، نظریة الأدب، تعریب عادل سلامة، دار المریخ، الریاض، 1991، ص 131

[5] نفسه، ص 132.

[6] الإسکندری، أحمد، تاریخ آداب اللغة العربیة فی العصر العباسی، مطبعة السعادة، مصر، ط1، سنة (1330هـ ـ 1912م)، ص 202.

[7] تشمل الممالک المشرقیة عن الإسکندریّ من شرق دجلة إلى الهند والصین والترک، والعراق، وتشمل الممالک المغربیّة بلاد الجزیرة والثغور والشام ومصر.

[8] نفسه، ص 201.

[9] نفسه.

[10] نفسه.

[11] نفسه.

[12] نفسه، ص202.

[13] زیدان، جرجی، تاریخ آداب اللغة العربیة، مراجعة شوقی ضیف، دار الهلال، د.ت، ج2، ص 226 ـ 232.

[14] نفسه، ج3، ص 14.

[15] ضیف، شوقی، تاریخ الأدب العربی، عصر الدول والإمارات (الجزیرة العربیة ـ العراق ـ إیران)، دار المعارف، مصر، ط2، ص 5.

[16] ضیف، شوقی، تاریخ الأدب العربی، العصر الجاهلی، دار المعارف، القاهرة، ط8، ص 15.

[17] نفسه، ص 15.

[18] فروخ، عمر، تاریخ الأدب العربیّ، الأدب فی المغرب والأندلس منذ الفتح الإسلامی إلى آخر ملوک الطوائف، ج4، دار العلم للملایین، بیروت، ط2، مایو 1984، ص 17.

[19] فیصل، شکری، مناهج الدراسة الأدبیّة، ص 199.

[20] نفضّل استعمال مصطلح "الأدب الجمعیّ" بدل "الأدب الشعبیّ" و"الأدب الجمعیّ" مصطلح یستعمله الأستاذ الدکتور محمد الهادی الطرابلسیّ إذ یرى أنّ مصطلح "الأدب الشعبیّ" یحمل دلالة مبطّنة للتقلیل من شأن ذلک الأدب.

[21] فیصل، شکری، مناهج الدراسة الأدبیّة، ص 192.

[22] نفسه، ص 193.

[23] العقاد، عبّاس محمود، شعراء مصر وبیئاتهم فی الجیل الماضی، مطبوعات مکتبة النهضة المصریّة، القاهرة، ص 3.

[24] نفسه، ص 3.

[25] نفسه، ص 4.

[26] ضیف، شوقی، الأدب العربی المعاصر فی مصر، دار المعارف، القاهرة، ط10، ص 39

[27] نفسه، ص 39.

[28] نفسه.

[29] نفسه.

[30] ضیف، شوقی، تاریخ الأدب العربی، عصر الدول والإمارات، لیبیا ـ تونس ـ صقلیّة، دار المعارف، القاهرة، 1992، ص 227 ص228.

[31] ضیف، شوقی، تاریخ الأدب العربی، عصر الدول والإمارات، الجزائر ـ المغرب الأقصى ـ موریتانیا ـ السودان، دار المعارف القاهرة، ط1، ص 116 ـ 209.

[32] ضیف، شوقی، تاریخ الأدب العربی، عصر الدول والإمارات، لیبیا ـ تونس ـ صقلیّة، ص 329 ـ 421.

[33] المسعودی، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تح: محمد محیی الدین عبد الحمید، مطبعة السعادة، مصر، 1346هـ، ج4، ص321.

[34] السالمی، عبدالله بن حمید، تحفة الأعیان بسیرة أهل عمان، مکتبة الاستقامة، 2013، ج1، ص 12.

[35] الخصیبی، شقائق النعمان على سموط الجمان فی أسماء شعراء عمان، وزارة التراث القومی، مسقط، 1989، ج1، ص 21.

[36] درویش، أحمد، تطور الأدب فی عمان، دار غریب، القاهرة، 1998، ص 119.

[37] البوسعیدی، سالم بن سعید، الجامع فی الأدب العمانی، دار القارئ، بیروت، ط1، 2015، ج1، ص305 ص326.

[38] تُجمع المصادر على أنّ اسمه أبزون ما عدا صاحب کشف الظنون یسمیه أبزمون، وربما یکون مردّ ذلک إلى النسّاخ، واتّفق المؤرّخون على کنیته (أبو علی) وعلى لقبه (الکافی العمانی) واختلفوا فی اسم أبیه، بین مهبرد، ومهمرد، ومهنبرذ، ومهبرذ، انظر دیوان أبزون العمانی، تح: هلال ناجی، ضمن حولیّة الانسانیّات والعلوم الاجتماعیّة، جامعة قطر، العدد السابع، 1404ـ 1984، ص 110.

[39] الباخرزی، علی بن الحسن بن علی بن أبی الطیّب، دمیة القصر وعصرة أهل العصر، ج1 تح: محمد التونجی، دار الجیل، بیروت، ط1، 1993، ص120.

[40] الصفدی، صلاح الدین خلیل بن أیبک، الوافی بالوفیات، جـ 6، تح: س. دیدرنغ، دار النشر فرانز شتایز شتو تغارت، ط3، 1991، ص 184.

[41] خلیفة، حاجی، کشف الظنون عن أسامی الکتب والفنون، ج1، دار إحیاء التراث العربیّ، بیروت ـ لبنان، د.ت، ص 772.

[42] نفسه.

[43] ناجی، هلال، شاعر من عمان، مجلة منشورات مرکز دراسات الخلیج العربی، الکتاب الأول، جامعة البصرة – 1977م، ص 104-135.

[44] البطاشی، سیف بن حمود بن حامد، اتحاف الأعیان فی تاریخ بعض علماء عمان، الناشر: مکتب المستشار الخاص لجلالة السلطان للشؤون الدینیّة والتاریخیّة، ط3، 1998، ج1، ص516.

[45] البوسعیدی، سالم بن سعید البوسعیدی، الجامع فی الأدب العمانی، ج1، ص435.

[46] العمانی، أبزون، دیوان أبزون العمانی، تحقیق هلال ناجی، ضمن حولیّة الانسانیّات والعلوم الاجتماعیّة، جامعة قطر، العدد السابع ص 111.

[47] نفسه، ص 133.

[48] المحروقی، محمد، أبزون الذی تعمّن، الهویّة والأهمیّة، مقال منشور فی مجلّة نزوى عدد التاسع، 1/ ینایر 1997.

[49] درویش، أحمد، تطور الأدب فی عمان، ص 135.

[50] نفسه.

[51] الفارسی، سعیدة بنت خاطر، العصر الذهبی للشعر فی عمان (دولة النباهنة)، بیت الغشّام، مسقط، ط1، 2016، ص 5.

[52] نفسه.

 

 

المصادر والمراجع:

  1. الإسکندری، أحمد، تاریخ آداب اللغة العربیة فی العصر العباسی، مطبعة السعادة، مصر، ط1، سنة (1330هـ ـ 1912م).
  2. الباخرزی، علی بن الحسن بن علی بن أبی الطیّب، دمیة القصر وعصرة أهل العصر، ج1 تحقیق: محمد التونجی، دار الجیل، بیروت، ط1، 1993.
  3. البطاشی، سیف بن حمود بن حامد، اتحاف الأعیان فی تاریخ بعض علماء عمان، ج1، الناشر: مکتب المستشار الخاص لجلالة السلطان للشؤون الدینیّة والتاریخیّة، ط3، 1998.
  4. البوسعیدی، سالم بن سعید، الجامع فی الأدب العمانی، ج1، دار القارئ، بیروت، ط1، 2015.
  5. الخصیبی، شقائق النعمان على سموط الجمان فی أسماء شعراء عمان، ج1، وزارة التراث القومی، مسقط، 1989.
  6. خلیفة، حاجی، کشف الظنون عن أسامی الکتب والفنون، ج1، دار إحیاء التراث العربیّ، بیروت ـ لبنان، د.ت.
  7. درویش، أحمد، تطور الأدب فی عمان، دار غریب، القاهرة، 1998.
  8. الزیات، أحمد حسن، تاریخ الأدب العربی، ط7، دار المعرفة، بیروت، 2001.
  9. زیدان، جرجی، تاریخ آداب اللغة العربیة، مراجعة شوقی ضیف، دار الهلال، د.ت، ج2.
  10. السالمی، عبدالله بن حمید، تحفة الأعیان بسیرة أهل عمان، ج1، مکتبة الاستقامة، 2013.
  11. الصفدی، صلاح الدین خلیل بن أیبک، الوافی بالوفیات، جـ 6، تحقیق: س. دیدرنغ، دار النشر فرانز شتایز شتو تغارت، ط3، 1991.
  12. ضیف، شوقی، الأدب العربی المعاصر فی مصر، دار المعارف، القاهرة، ط10.
  13. ضیف، شوقی، تاریخ الأدب العربی، عصر الدول والإمارات، الجزائر ـ المغرب الأقصى ـ موریتانیا ـ السودان، دار المعارف القاهرة، ط1.
  14. ضیف، شوقی، تاریخ الأدب العربی، العصر الجاهلی، دار المعارف، القاهرة، ط8.
  15. ضیف، شوقی، تاریخ الأدب العربی، عصر الدول والإمارات (الجزیرة العربیة ـ العراق ـ إیران)، دار المعارف، مصر، ط2.
  16. ضیف، شوقی، تاریخ الأدب العربی، عصر الدول والإمارات، لیبیا ـ تونس ـ صقلیّة، دار المعارف، القاهرة، 1992.
  17. العقاد، عبّاس محمود، شعراء مصر وبیئاتهم فی الجیل الماضی، مطبوعات مکتبة النهضة المصریّة، القاهرة.
  18. العمانی، أبزون، دیوان أبزون العمانی، تحقیق: هلال ناجی، ضمن حولیّة الانسانیّات والعلوم الاجتماعیّة، جامعة قطر، العدد السابع.
  19. الفاخوری، حنا، تاریخ الأدب العربی، ط1، دار بیروت الکبرى للنشر، بیروت، 2014.
  20. الفارسی، سعیدة بنت خاطر، العصر الذهبی للشعر فی عمان (دولة النباهنة)، بیت الغشّام، مسقط، ط1، 2016.
  21. فروخ، عمر، تاریخ الأدب العربیّ، الأدب فی المغرب والأندلس منذ الفتح الإسلامی إلى آخر ملوک الطوائف، ج4، دار العلم للملایین، بیروت، ط2، مایو 1984.
  22. فیصل، شکری، مناهج الدراسة الأدبیة فی الأدب العربی، بالعرض والنقد والاقتراح، دار العلم للملایین، بیروت، ط5.
  23. المحروقی، محمد، أبزون الذی تعمّن، الهویّة والأهمیّة، مقال منشور فی مجلّة نزوى عدد التاسع، 1/ ینایر 1997.
  24. المسعودی، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقیق: محمد محیی الدین عبد الحمید، مطبعة السعادة، مصر، 1346هـ، ج4.
  25. ناجی، هلال، شاعر من عمان، مجلة منشورات مرکز دراسات الخلیج العربی، الکتاب الأول، جامعة البصرة – 1977م.
  26. ولیک، رینیه، ووآرن، وآوستن، نظریة الأدب، تعریب عادل سلامة، دار المریخ، الریاض، 1991.