الاستفهام في القرآن الكريم في ضوء العلاقة بين طرفي الخطاب

الباحث المراسلد. منى الجابرية جامعة التقنية والعلوم التطبيقية

Date Of Submission :2023-05-31
Date Of Submission :2023-05-31
Date Of Acception :2023-06-11
Date Of Publication :2024-02-28
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

الاستفهام في القرآن الكريم في ضوء العلاقة بين طرفي الخطاب

 

د. منى بنت سالم الجابرية - أستاذ مساعد - جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بنزوى

 

الملخص: 

   إن المخاطِب ينتقي الألفاظ، وينظم العبارات والتراكيب، ويختار الأساليب المناسبة في العملية التخاطبية، بناء على العلاقة التي تربطه بالمخاطَب، سواء كانت إيجابية، مبنية على الترفق، والتلطف، واللين، والمودة والاحترام، أو سلبية قوامها الشدة، والجفاء، والمحاجة، والوعيد، والتهديد، والتنافر، والاختلاف في وجهات النظر ... إلخ. ويمكن القول إن نجاح العملية التخاطبية، وتحقيق الأهداف المرجوة منها، معتمد بشكل أساس على قدرة المخاطِب في أن يجعل خطابه متوافقًا، ومنسجمًا، ومعبرًا عن هذه العلاقة، فيتسم باللين واللطف في مقام الترفق، بينما يتخذ طابع الشدة والجفاء في مقام التوتر والتنافر بينه وبين المخاطَب. ويُعد الاستفهام من الأساليب التي من الممكن استعمالها في النوعين من المقامات، فيعين المخاطِب على تقديم الصورة الأنسب للتعبير عن علاقته بالمخاطَب، وإيصال رسالته إليه، ومن جهة أخرى فإن الاستفهام من الأساليب التي بإمكان المحلل أن يستند عليها للكشف عن العلاقة بين طرفي الخطاب، خاصة إذا ما دُرِس في مشاهد حية كما هو الحال في مشاهد القرآن الكريم.

 

الكلمات المفتاحية: الترفق، الجفاء، الأهداف، قُدرة، المحلل.

 

 

 

 

 

The question in the Quran in light of the relationship between the two parties of discourse

 

Mona Salem Al Jabriya - Assistant Professor - University of Technology and Applied Sciences, Nizwa

 

muna_jabri.niz@cas.edu.om

 

Abstract:

The person being addressed selects the words, organizes the phrases, sentence structures, and chooses the appropriate methods in the process of performing the conversation.

 All of this is based on the relationship that takes place between the person being addressed and the person communication with him, whether the communication is positive and based on kindness, softness, affection and respect. Or it was the opposite of that in a negative way, and the nature of the conversation was intensity, estrangement, argument, threat, disharmony, difference in opinions and viewpoints...etc. It can be said that the success of the communication process and achieving its intended goals depend mainly on the ability of the person being addressed to make his speech compatible, harmonious and expressive of this relationship. 

While it takes the character and style of severity and estrangement in the place of tension and disharmony between the person addressed and the addressee

 Interrogative is one of the methods that can be used in the previous two types of denominator 

With this question, the addressee will help the addressed to provide an appropriate method to express his relationship with the addressee and to convey the meanings of the message to him.

On the other hand, the interrogation is one of the methods that the researcher and analyst can rely on in revealing the relationship between the two sides of communication, especially if it is taught in the style of live observation, as it is in the case of the Holy Qur'an. 

 

Key words:

Kindness, disharmony, goals, ability, and analysis.

 

 

المقدمة 

  الاستفهام أسلوب تحاوري، له حضوره في القرآن الكريم، إذ تتنوع العلاقات بين أطراف التخاطب، وهذه العلاقات قد تتخذ طابع اللين والترفق كما قد تتخذ طابع التوتر والشدة.

 

مشكلة البحث وأهدافه

  يهتم هذا البحث بالاستفهام في القرآن الكريم، في ضوء العلاقة بين طرفي الخطاب، ويبحث في استعماله في مقامات تتميز بالإيجابية المبنية على الترفق، والتلطف، والود، والاحترام المتبادل بين طرفي الخطاب، ومقامات أخرى تتسم بالتوتر، والشدة، والتنافر بينهما؛ لتبين ما يتميز به هذا الأسلوب من سمات تدفع المخاطِب ليؤثره في مقامات بعينها دون غيره من الأساليب، بالإضافة إلى قدرته على تصوير العلاقات بين طرفي الخطاب. 

 

أهمية البحث

  إن النظر إلى استعمال هذا الأسلوب في ضوء العلاقة بين طرفي الخطاب من الأهمية بمكان، حيث يُسهم في الكشف عن طبيعة العلاقة بينهما، كما أنه يُبرز ما يتميز به هذا الأسلوب من خواص تجعل المخاطِب يؤثره على غيره في مقامات بعينها في ضوء علاقته بالمخاطَب، والطريقة الأنسب التي يريد أن تصل بها رسالته إليه.

 

الدراسات السابقة

   تناولت دراسات سابقة الاستفهام في القرآن الكريم من زوايا متنوعة، وجوانب مختلفة، فقد كان مجالًا خصبًا للاستشهاد في كتب القدماء من نحاة وبلاغيين، كما تعرض له المفسرون في تفسيرهم للقرآن الكريم. ومن الدراسات السابقة التي اختصت بالاستفهام في القرآن الكريم:

1-المطعني، عبد العظيم، (2011م). التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الحكيم. (ط3)، مكتبة وهبة، القاهرة، مصر. هذا الكتاب عبارة عن دراسة بيانية بلاغية للاستفهام في القرآن الكريم. 

2-يوسف، عبد الكريم محمود. (2000م). أسلوب الاستفهام في القرآن الكريم؛ غرضه-إعرابه، (ط1)، مكتبة الغزالي، دمشق، سوريا. ركز على جانبين في دراسته للاستفهام في القرآن الكريم هما: المعنى الذي أفادته الأداة، وإعرابها في العبارة التي ترد فيها.

3-الجابرية، منى سالم عامر. (2017م). الاستفهام في القرآن الكريم بين التأثر والتأثير، (ط1). نشر مشترك بين دار ابن الجوزي، القاهرة، مصر، ومكتبة وتسجيلات الطلائع، إبراء، سلطنة عمان. 

   وكما يبدو من عنوان الدراسة أنها قد ركزت في تناولها للاستفهام على جانبين هما: استعماله في التعبير عن مكنونات نفسية؛ حيث يعبِّر به المتكلم عن مشاعره وأحاسيسه، بالإضافة إلى استعماله في الـتأثير على المخاطَب من الناحيتين: النفسية الوجدانية، والفكرية الإدراكية. وقد تبين لاحقًا وجود زاوية أخرى، يمكن من خلالها النظر إلى هذا الأسلوب، تتمثل في تصويره للعلاقة القائمة بين طرفي الخطاب من جهة، وفي الطريقة التي يؤثِّر بها في المخاطَب؛ هل هي مبنية على التلطف والترفق، أم هي قائمة الشدة والعنف؟، وهذا مجال هذا البحث ونطاقه.

 

منهج البحث

  سيتم الاعتماد على المنهج الوصفي لتتبع نظرة القدماء حول أغراض الاستفهام وربطها بالعلاقة القائمة بين طرفي الخطاب، وكذلك المنهج التحليلي القائم على عرض الآيات القرآنية وتحليلها في ضوء أهداف البحث، وعرض مشاهد تتنوع فيها العلاقات بين أطراف التخاطب، بما يخدم فكرة البحث ويبلورها.

 

إطار البحث وتقسيماته:

  سيتكون البحث من مقدمة، وخمسة مباحث، وخاتمة، سيُعنى المبحث الأول بتقديم تعريف موجز عن الاستفهام، وسيهتم المبحث الثاني بالحديث عن أغراضه في ضوء العلاقة بين طرفي الخطاب، بينما يعرض المبحث الثالث آيات قرآنية استُعمِل فيها الاستفهام في مقامات تتسم بالترفق والتلطف، وسيُعنى المبحث الرابع بعرض آيات تتوتر فيها العلاقة بين طرفي الخطاب، أما المبحث الخامس فستتم فيه المقارنة بين مشاهد استُعمِل الاستفهام فيها، وتبرز الخاتمة أهم النتائج. 

 

1-تعريف الاستفهام

  استفهام: من "فَهِم" ارتبط معناه في معاجم اللغة بالعلم والمعرفة يقول الخليل(174هـ): "فَهِمْتُ الشيءَ فَهَمًا وفَهْمًا: عَرَفْتُه وعَقَلتُه"، (الفراهيدي، د.ت، مادة: فهم)، وهو على صيغة "استفعال" التي تُستعمل "للدلالة على الاستدعاء والطلب" (الثعالبي، 1999م: ص284. وابن جني، 1954م:ج1، ص77).

  ويُصنف الاستفهام في البلاغة العربية ضمن الأساليب الإنشائية الطلبية. (القزويني،1993م: ج3، ص55. وابن الناظم، د.ت: ص83)، عرَّفه الشريف الجرجاني(816هـ) بقوله: "الاستفهام استعلام ما في ضمير المخاطَب، وقيل: هو طلب حصول صورة الشيء في الذهن"، (الجرجاني، 1996م: ص18). وبناءً على ذلك، فإن هذا الأسلوب يهدف في الأصل إلى حصول المستفهِم (المخاطِب) على المعرفة والفهم، التي يطلبها حول المستفهَم عنه من المخاطَب (المستفهَم)، الذي من المفترض أنه يمتلكها، أو يُتوقع منه امتلاكها، ويكون قادرًا على تقديمها له.

 

2-أغراض الاستفهام في ضوء العلاقة بين طرفي الخطاب.

  الاستفهام من الأساليب الغنية بمعانيها التداولية، فهو يؤدي وظائف كثيرة ومتنوعة في الحدث التخاطبي، وقد أكد القدماء على كثرة هذه الوظائف وتنوعها، ومنهم السكاكي(626هـ) في مفتاح العلوم، (1987: ص 417)، والقزويني(739هـ) في الإيضاح في علوم البلاغة،( 1993م: ج3، ص 68)، والسبكي (773هـ) في عروس الأفراح، (2003م:ج1، ص451)، والتفتازاني (792هـ) في المطوَّل في شرح تلخيص المفتاح، (1330هـ: ص 235، وص238-239)، وفي مختصر السعد، (2003م: ص205).فمن ذلك قوله في المطوَّل: "والحاصل أن كلمة الاستفهام، إذا امتنع حملها على حقيقته، تولد منه بمعونة القرائن ما يناسب المقام، ولا ينحصر المتولدات فيما ذكره المصنف، ولا ينحصر أيضًا شيء منها في أداة دون أداة، بل الحاكم في ذلك هو سلامة الذوق، وتتبع التراكيب، فلا ينبغي أن تقتصر في ذلك على معنى سمعته، أو مثال وجدته من غير أن تتخطاه"(التفتازاني، 1330هـ: ص 238: 239). إنه في هذا النص يشير إلى أن القدماء قد حددوا صورة نموذجية للخطاب الاستفهامي الذي يكون الغرض منه طلب المعرفة والفهم، تقوم في الأساس على حاجة المستفهِم لهذه المعرفة حول المستفهَم عنه، فيتقدم من خلال الاستفهام بطلبها من المستفهَم (المخاطَب)، فإذا ما انحرف الخطاب عن هذا النمط، وخالف هذه الصورة، تحوّل عن غرضه الأساس إلى أغراض أخرى، تتلون بتلون الخطاب المستعمل فيه. ونظرًا لكثرة المقامات التخاطبية وتنوعها، فإن المعاني التي تتولد عن الاستفهام لا حدود لها، ولا تقتصر على صورة معينة، فهي كثيرة ومتنوعة بتنوّع المقامات التخاطبية، حيث يكتسب شحنة دلالية في كل مقام يُستعمل فيه، وذلك بما يناسب الظروف الحافَّة بالحدث التخاطبي، والعلاقة بين المخاطِب والمخاطَب، فكلما تنوَّعت هذه الظروف والعلاقات بينهما، اكتسب الاستفهام شحنة دلالية جديدة، ويمكن القول إن الكثير من المعاني التي ذكرها القدماء للاستفهام، تدور في فلك هذه العلاقات.

   ويمكن تصنيف هذه العلاقات إلى فئتين: ما يُبنى على الانسجام والتلطف والترفق واللين، وما يقوم على التوتر والمواجهة والشدة والعنف بين طرفي الخطاب. فمن الأول قول سيبويه (180هـ): "إذا نهيتَ فأنت تزجِّيه إلى أمرٍ، وإذا أَخبرتَ أو استفهمتَ فأنتَ لستَ تريدُ شيئًا منْ ذلكَ، إنما تُعْلِمُ خبرًا أو تسترشدُ مُخْبِرًا" (سيبويه، د.ت: ج1، ص289)، إن سيبويه في هذا النص يفرق بين ثلاثة أساليب في توجيه المخاطَب لطلب الكف عن القيام بالفعل، فيضع النهي -وهو الأسلوب المستعمل في الأساس للنهي-في كفة والذي عدَّه أسلوبًا صريحًا ومباشرًا لذلك، بينما وضع الخبر والاستفهام في كفة أخرى؛ لأن بهما يُطلب منه الكف عن الفعل بطريق غير مباشر. إن قوله: "تزجِّيه" يشير إلى أن المخاطِب بالنهي يمارس سلطة على المخاطَب فـ"التزجية: دفعُ الشيء" (الخليل، د.ت: مادة: زَجَوَ. وابن منظور، 1998م: المادة نفسها) و"زجاه ساقه ودفعه"، (الفيروز آبادي،1998م: المادة نفسها)؛ لأن الأصل في النهي أن يكون على جهة الإلزام، فبه يدفع المخاطِب مَنْ يخاطبه للكف عن القيام بالفعل، وفي ذلك شيء من الشدة أو إشعار بالسلطة عليه، لكن مع الاستفهام، فإنه يضع نفسه في هيئة المسترشد الباحث عن الإجابة، الذي يؤخذ بيده إلى المعرفة والفهم، فلا يشعر المخاطَب بالشدة أو الإلزام كما هو الحال مع النهي، وهو يرسل له رسالة للكف عن الفعل، لا يظهر فيها بأنه يمارس سلطة عليه، وفي هذا تلطف وترفق به، ومراعاة لمشاعره النفسية. 

   وما جاء به سيبويه فيما يتعلق بأسلوب النهي، ينسحب كذلك على استعمال الاستفهام في توجيه الأمر إلى المخاطَب لطلب القيام بالفعل بتلطف وترفق، عوض الأمر الصريح والمباشر؛ وذلك لما يتميز به هذا الأسلوب من قوى تأثيرية قد يكون الأنسب من غيره في مقامات بعينها، فمن المعلوم أن توجيه الأمر أو طلب الكف عن الفعل إنما يكون - في الأصل- من الأعلى إلى الأدنى وهو يأتي بطريق الإلزام، ولكن في بعض المقامات لا يملك المخاطِب السلطة ليوجه المخاطَب لأمر ما بطريق مباشر، أو إنه يملكها لكنه لا يريد أن يستعملها لما في ذلك من تلطف بالمخاطَب وترفق به.

   ومن جهة أخرى فإن الاستفهام قد يعكس شدة التوتر بين طرفي الخطاب حيث يستعمله المخاطِب لتوبيخ المخاطَب وتقريعه يقول سيبويه(180هـ): "تقول للرجل: أطربًا؟ وأنت تعلم أنه قد طرب، لتوبخه وتقرره"(سيبويه، د.ت:ج3، ص176). إن الاستفهام في هذا المثال لا يقيس عدم فهم المخاطِب للمستفهَم عنه وإنما يصور التوتر الشديد بين طرفي الخطاب، فالغرض منه توبيخ المخاطَب وتقريره بالجرم الذي اقترفه، وإظهار عدم رضاه عن فعله وعدم موافقته له. يقول عبد القاهر الجرجاني(471ه): "اعلم أنا وإن كنا نفسِّر الاستفهام في مثل هذا بالإنكار فإن الذي هو محض المعنى: أنه لتنبيه السامع حتى يرجع إلى نفسه، فيخجل ويرتدع ويعيَ بالجواب، إما لأنه قد ادعى القدرة على ما لا يقدر عليه، فإذا ثبت على دعواه قيل له: فافعل، فيفضحه ذلك، وإما لأنه هم بأن يفعل مالا يستصوب فعله، فإذا رُوجِعَ فيه تنبَّه وعرف الخطأ، وإما لأنه جوَّز وجود أمر لا يوجد مثله، فإذا ثبت على تجويزه قبّح على نفسه وقيل له: فأرناه في موضعٍ وفي حالٍ وأقم شاهدًا على أنه كان في وقت" (الجرجاني1992م: ص 119: 120). في هذا النص يستعمل المخاطِب الاستفهام؛ لإظهار عدم رضاه عن المخاطَب وعدم تقبله لفعله، فيكشف عن العلاقة القائمة بينهما وإنهما غير متوافقين، مما يقيس مدى التوتر بينهما، حيث يُظهر عدم رضاه بطريق الشدة والعنف، فيحاصر المخاطَب باستفهامه، ليشعره بالخجل والعجز عن الإجابة.

   وبذلك يتضح أن في حديث القدماء عن أغراض الاستفهام، وإيثاره دون غيره من الأساليب في العملية التخاطبية، يتجلَّى دور الاستفهام في الأخذ بيد المخاطَب بلطف وترفق، أو مواجهته بشدة وعنف.  وسيُعنى المبحث التالي باستعمال الاستفهام في تصوير علاقة المستفهِم بالمستفهَم، وبيان دوره في العملية التخاطبية، من خلال مشاهد حية من القرآن الكريم، وذلك في ضوء علاقتي: التلطف بالمخاطَب، والمواجهة الشديدة بينهما.

 

3-الاستفهام في مقامات تتسم بالتلطف والترفق

3-1 الاستفهام في نهي الله –عز وجل-المؤمنين بتلطف وترفق

    قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾[سورة المائدة:90 -91]، يخاطب الله –سبحانه وتعالى- في هذه الآيات المؤمنين به، وقد ترفق بهم في حثهم على الامتناع عن: ﴿الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ﴾ وقد كانت هذه المنهيات راسخة في ثقافة مجتمعهم، خاصة الخمر التي كانوا يفاخرون بها، لذلك لم تحرم عليهم دفعة واحدة، وإنما مر تحريمها بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: يمثلها قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾ [سورة البقرة: الآية 219]، حيث اكتُفي ببيان كونها إثم كبير، أما المرحلة الثانية من التحريم، فيمثلها قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [سورة النساء: الآية 43]، حيث نهوا عن الصلاة وهم سكارى، بينما تمثل الآيات التي بين أيدينا المرحلة الثالثة من التحريم، التي نُهوا فيها بأمر صريح، ولكن برغم ذلك فإن هذا النهي قد جاء بترفق بهم، وهذا ما تؤكده دلائل عدة في هذه الآيات منها: 

   نداء الإيمان الدال على علاقة الامتثال والطاعة واليقين بالله عز وجل، فقد ناداهم بــ:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾، وهذا يلقي – في بداية الخطاب- بظلال من المعاني العميقة حول العلاقة بين طرفي الخطاب، فالنداء بهذه الصفة فيه تكريم للمخاطَبين، وهو يصور تعلقهم به؛ إذ من المعلوم أن هذه الفئة من الناس تسارع إلى امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فقد استُحضرَت هذه العلاقة في مستهل خطابهم، لتكون حاضرة في تلقي الخطاب القائم على الإيمان به.

   ومن جهة أخرى، قد بُني الخطاب في النهي وفق خطوات؛ ليكون الانتهاء عن اقتناع وإدراك، وليس الإلزام القسري بجفاء وشدة؛ حيث سبق نهيهم عنها بيان لسلبياتها، وإنها لا تعدو أن تكون مجرد رجس من عمل الشيطان قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾، ومن ثم صدر النهي الصريح بأسلوب النهي في قوله: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾، أتبعه بيان لنتيجة الانتهاء حيث قال: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، تلاه بيان لمضارها على الفرد والمجتمع في قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ﴾، وأخيرًا الاستفهام عن الاتصاف بالانتهاء حيث قال: ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾.

   والجدير بالذكر هنا إن الزمخشري (538ه) في كشافه، عدَّ الاستفهام في هذه الآية من أبلغ ما يُنهى به، وذلك في قوله: "﴿فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ من أبلغ ما يُنهى به، كأنه قيل: قد تُلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟، أم أنتم على ما كنتم عليه كأن لم توعظوا ولم تُزجروا؟" (الزمخشري، 2001م: ج1، ص708). إن نص الزمخشري يشير إلى أنه يُقدر استفهامًا آخر يردف الاستفهام في الآية الكريمة، وكذلك نظر البقاعي (885ه) إلى الاستفهام فيها على أنه مستعمل في تهديد المخاطبين، فقدَّر تتمة للاستفهام في الآية الكريمة هي: "قبل أن يقع بكم ما لا تطيقون"، (البقاعي، 2011م: ج 2، ص 537). وكذلك أبو السعود (982هـ) حيث قال: "﴿فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾، إيذانًا بأن الأمر في الزجر والتحذير وكشف ما فيهما من المفاسد والشرور قد بلغ الغاية، وأن الأعذار قد انقطعت بالكلية" (أبو السعود، 2011م:ج 2، ص 539).

  وفي الحقيقة إن تقدير الزمخشري للاستفهام الذي أردف قوله تعالى:﴿فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾، لا يتناسب مع المقام الذي استُعمِل فيه الاستفهام، والذي يبدو أن القول بالزجر في هذه الآية، أو التهديد والوعيد، قد جاء مبنيًا على ما ذُكِر من  ضررها ووصفها بالرجس في قوله تعالى: ﴿رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾، وفي الحقيقة لا يمكن الأخذ بذلك؛ لأن الزجر قد لا يكون مرادًا، وإنما تم ذكر ضررها على جهة التنبيه والإرشاد، فالزجر إنما يكون للمعاند الذي لا يمتثل لما يؤمر به، وهو لا يكون في المرحلة الأولى من توجيه الأمر المباشر والصريح ، ولا يكون لمن آمن وامتثل، مما يؤكده النداء بصفة الإيمان، وهذا يُثبت أن المقام ليس مقام زجر، وإنما تلطف وجميع المعطيات لا تشي بالزجر، و لا تظهر فيها النبرة الشديدة، أو التهديد والوعيد، وإنما التلطف والترفق بالمخاطَبين، ابتداء بندائهم بنداء الإيمان به – سبحانه وتعالى- وانتهاء بالاستفهام. أضف إلى ذلك إن التأمل في السياق الذي وردت فيه هذه الآيات، يؤكد كون الخطاب في الآيات خطاب توجيه وإرشاد، وليس على جهة التهديد والوعيد، فقد ورد في مقام تبيان وتعديد ما يحل للمؤمنين وما يحرم عليهم من قول وطعام...إلخ. كما لم يذكر في السياق ما يشير إلى أن المؤمنين قد خالفوا أوامر الله –سبحانه وتعالى-ليستحقوا التهديد والوعيد.

   وللرازي (604ه) رأي حول الاستفهام في هذه الآية، وذلك في قوله: "اعلم أن هذا وإن كان استفهامًا في الظاهر إلا إن المراد منه هو النهي في الحقيقة، وإنما حسن هذا المجاز لأنه تعالى ذم هذه الأفعال وأظهر قبحها للمخاطَب، فلما استفهم بعد ذلك عن تركها لم يقدر المخاطَب إلا على الإقرار بالترك، فكأنه قيل له: أتفعله بعدما قد ظهر من قبحه ما قد ظهر"، (الرازي، د.ت: م 6، ج 12، ص 70: 71). 

   إن ما قاله الرازي في هذا النص فيه نظر، فقد ورد النهي باجتنابها بأسلوب النهي الصريح ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ قبل الاستفهام، والمؤمن لا يملك خيارًا إلا الامتثال والطاعة تجاه هذا الأمر الصريح. وقد جاء الاستفهام بصيغة﴿ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾، أي "هل أنتم فاعلون؟" وليس بـ "أتنتهون؟" /"أتفعلون؟" أو "هل تفعلون؟"، فصيغة الاستفهام التي ذكرها الرازي لا تتماشى مع الخطوات التي بُنيت عليها الآية الكريمة، فقد جاء الاستفهام في الآية بعد أن ناداهم بنداء الإيمان، وبين لهم مضارها ونهاهم عنها، فبعد هذا لن يسألهم أتفعلون أم لا؟، فلو جاء بهذه العبارة، لركز الاستفهام على قيامهم بالفعل من عدمه، ولكنه اتخذ منحى آخر هو التركيز على ذات الفاعل "أنتم" واتصافه بالانتهاء فقال: ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ "هل أنتم فاعلون" أي متصفون بالانتهاء، وفي هذا تلطف بالمخاطَب وترفق، وأخذ بيده ليكون من زمرة المتصفين بالانتهاء الثابتين على ذلك. فقد نُفِّروا من خلال ذكر الصفات السلبية للخمر والميسر، ومن ثم أمُروا باجتنابها، مما يؤدي إلى سرعة الامتثال، وبعد ذلك طُلب منهم أن يحددوا موقفهم تجاهها من خلال الاستفهام، فليس المراد من الاستفهام نهيهم عنها بعد أمرهم باجتنابها، وإنما إعلان موقفهم. وهذا ما أكده ابن عاشور في قوله: "فإن ما ظهر من مفاسد الخمر والميسر كاف في انتهاء الناس عنها، فلم يبق حاجة لإعادة نهيهم عنها، ولكن يُستغنى عن ذلك باستفهامهم عن مبلغ أثر هذا البيان في نفوسهم؛ ترفيعًا بهم إلى مقام الفطن الخبير، ولو كان بعد هذا البيان كله نهاهم عن تعاطيها، لكان قد أنزلهم منزلة الغبي، ففي هذا الاستفهام من بديع لطف الخطاب ما بلغ به حد الإعجاز" (ابن عاشور، محمد الطاهر، د.ت: م 4، ج 7، ص 27). إن قوله هذا يشير إلى فهم دقيق للاستفهام في هذه الآيات، والذي يبدو إنه قد بنى تحليله للاستفهام على الاستراتيجية التي بُني عليها الخطاب، فقد عُدِّدت لهم مضار الخمر والميسر، ومن ثم نُهوا عنها، فلا حاجة لنهيهم عنها مرة أخرى، وإنما استُفهِمَ عن مدى امتثالهم لما نُهوا عنه بعدما علموا من شأنه، وما جاءهم من نهي صريح عنه. وفي الاستفهام حث لنفوسهم على الامتثال بأسلوب لطيف، لذلك عده ابن عاشور "من بديع لطف الخطاب"، فالمستفهَم قد خُوطب خطاب من وعى وفهِمَ المضار، لتتحرك نفسه وتنشط لتأكيد امتثاله بالإجابة بـ"نعم نحن منتهون"، فهو ينتمي إلى فئة مخصوصة تتميز بإيمانها بالله عز وجل. فكأن الاستفهام هنا يقيس مدى تأثر المخاطَبين بما ذُكِر من مفاسد الخمر والميسر ومضارهما، وسرعة امتثالهم للأمر باجتنابها، خاصة إن النهي قد جاء مقرونًا بذكر الفلاح في قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، إنه خطاب العليم بالنفوس والخبير بمداخلها.

 

3-2 الاستفهام في دعوة يوسف -عليه السلام-صاحبيه في السجن 

   قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾[سورة يوسف: الآية 39إنه -عليه السلام- في هذا المشهد يخاطب الرجلين السجينين معه بهدف دعوتهما إلى عبادة الله – عز وجل- وترك عبادة الأصنام، والذي يبدو إن الجو النفسي للمشهد هو ترفق وتلطف من كلا الطرفين، فقد بدآه بالخطاب قال تعالى: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [سورة يوسف: الآية 36]. فقد عدَّاه من المحسنين، وأكدا له نظرتهما الإيجابية إليه، وفي هذا شيء من الألفة والاستئناس به، أضف إلى ذلك إنهما سجينان، وفي وضع يحتاجان فيه إلى التلطف، وهما لا يملكان أي سلطة أو تسلط أو جبروت، ولم يبديا أي تعصب لدين، أو ملة، أو معبود، مما يُلمس في مشاهد أخرى توجه فيها الرسل بالدعوة إلى أقوامهم، وقد تكون عبادتهما لغير الله -عز وجل-من باب الجهل بالمعبود الحق، أو من باب انتهاج نهج المجتمع، مما يعني إنهما بحاجة إلى إرشاد للطريق السليم والتوجيه إليه.

   لقد سار يوسف -عليه السلام- في خطابه وفق خطوات تعكس تلطفه في دعوتهما، وأخذه بأيديهما بلين وترفق، فقد وعدهما بأنه سينبئهما بما سألاه عنه، ومن ثم أخبرهما عن وجود ملة ينتهجها غير ملة الشرك قال تعالى: ﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [سورة يوسف: الآية 37]، وبعد ذلك ناداهما مع أن التوجه بالخطاب كان مغنيًا عن النداء، فهو في خطاب قائم معهما، والنداء إنما يكون لطلب إقبال المخاطب وتنبيهه قبل الشروع في الخطاب، والملاحظ إن هذا النداء إنما جاء قبل الاستفهام مباشرة، وكأنه لأهمية الاستفهام الذي سيوجهه إليهما سبقه بالنداء؛ لينتبها ويركزا في الاستفهام وما يليه من خطاب، أضف إلى ذلك إن هذا النداء فيه ما فيه من الإيناس  والترفق، فقد ناداهما بـنداء الصحبة "صاحبي"، وهذا النداء في هذا الموضع من الخطاب، وبهذه الصيغة، ينسجم مع الجو العام للخطاب القائم على التلطف والترفق، ويأتي الاستفهام ليؤكد على العلاقة القائمة بين الطرفين.

    وقد كان بإمكانه ألا يكلفهما عناء البحث عن الإجابة، فيستعمل الأسلوب الخبري من نحو: إن الله الواحد القهار خير من أرباب متفرقين، خاصة إنه قد أخبرهما في بداية خطابه معهما بوجود ملَّة تعتمد على إخلاص العبادة لله عز وجل، لكنه آثر الاستفهام لما يتميز به عن الأسلوب الخبري، يقول أبو حيان(745هـ): "أورد الدليل على بطلان ملّة قومهما بقوله: (أَأَرْبَابٌ)، فأبرز ذلك في صورة الاستفهام؛ حتى لا تنفر طباعهما من المفاجأة بالدليل من غير استفهام" (أبو حيان، 2005: ج6، ص278). إن هذا النص يشير إلى أن الاستفهام، يعمل على إيصال الخبر إلى المخاطَب بطريق غير مباشر، فلا يصدمه بالمعلومة والحجة المباشرة كما هو الحال مع الأسلوب الخبري، وإنما يتيح له مجال التفكير فيها والبحث عنها وكأنها نابعة منه، وهو مشارك فيها، وليست مفروضة عليه، أو تم تلقينه إياها. ومن جهة أخرى، فإن الأصل في الأسلوب الخبري أنه يعمل على تقديم المعلومة في هيئة قالب جاهز، بينما يحوّل الاستفهام المخاطَب من متلقٍ للخبر إلى باحث عنه ومشارك في تحديده. أضف إلى ذلك إن الاستفهام يهيئ المخاطَب لتلقي المعلومة بإيقاظ ذهنه واستثارته للتفكير، وفي هذا كله تلطف وترفق به، وأخيرًا فإنه لو صاغ كلامه على هيئة خبر لاحتمل كلامه التصديق والتكذيب بينما الاستفهام لا يحتمل ذلك.

   وبتأمل صياغة استفهامه –عليه السلام-يتضح إنه يمهد به لنسف التوجه بالعبادة لغير الله -سبحانه وتعالى-بالاستدراج اللطيف، فقد صاغه على طريقة الاختيار من بين بديلين محددين سلفًا هما: أَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ واللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ.

   وقد جعل إحدى الكفتين راجحة على الأخرى، فقد وصف المعبودات التي يعبدها قومهما بأوصاف تدل على الضعف، وعدم الانسجام، فهم "أرباب" و"متفرقون"، فأرباب جمع ولكنه غير متحد أو متماسك وإنما متفرق، وهذا قادح في قوتها. فمن المعلوم أن التفرق لا يؤدي إلى القوة، وإنما يشي بالتشتت والضعف، فلا جدوى من الاحتماء بالمتفرقين. وهو بذلك ينبههما إلى ضعف آلهتهما، ويوجههما إلى التفكير في أهم صفاتها القادحة في اصطفائها للعبادة. وفي الوقت نفسه يعرض عليهما بديلًا عن عبادتها؛ وهو التوجه إلى الله وحده، وقد اختار اسم الجلالة "الله" الدال على الألوهية، وهذا الاسم من الأسماء المتفرد بها. أما "الواحد" فيدل على الوحدانية وعدم المشاركة، بينما يشير "القهَّار" إلى القهر، والغلبة، والقوّة التي لا تدانيها قوّة، فهو على وزن "فعَّال"، من صيغ المبالغة، يقول ابن فارس (395هــ): "القاف، والهاء، والراء كلمة صحيحة تدل على غلبة وعلو" (ابن فارس، 2012م: مادة: قَهَرَ). وقال الأصفهاني (502هــ): "القهر الغلبة والتذليل معًا" (الأصفهاني، د.ت، مادة: قَهَرَ). فصاحب الفطرة السليمة لن يختار عبادة الضعيف، أو يؤثرها على عبادة القوي المتفرد القهَّار. فهو باستفهامه يوقض نفسيهما لاختيار المعبود الحق عن اقتناع بترفق وتلطف، دون أن يفرض ذلك عليهما فرضًا. 

 

3-3 الاستفهام في دعوة إبراهيم -عليه السلام-أبيه

    قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ (سورة مريم، الآيات 41: 42)، لقد سلك إبراهيم -عليه السلام- في دعوته لأبيه ألطف السبل لإقناعه بالعدول عن عبادة الأصنام إلى عبادة الله - عز وجل- وقد كان للاستفهام دوره البارز في تحقيق هذا الهدف. ويمكن القول إن المشهد في هذه الآيات من بدايات دعوته -عليه السلام-لأبيه وقومه قبل أن يضيق ذرعًا بإصرارهم على الشرك، حيث يخلو خطابه من النبرة الحجاجية الحادة التي قد نلمسها في المشاهد الأخرى من دعوته.

  ففي هذا المشهد استهل -عليه السلام-خطابه بالنداء، أتبعه باستفهام، حيث تعانق الاستفهام والنداء، فالنداء تنبيه للمخاطب وطلب لإقباله، والاستفهام تنبيه للفكر، ودعوته للبحث والتفكر والتأمل. فأبوه في توجهه بالعبادة لغير الله –عز وجل-غارق في غفلة قلبية وغفلة فكرية، منصرف عن الحق، محتاج إلى من ينبهه وينقذه من غفلته. 

  لقد نادى أباه بالعلاقة التي تربطهما (أبت)، وهي علاقة من المفترض أن تقوم على الحرص والاهتمام المتبادلين بينهما، وكأنه يذكره بهذه العلاقة؛ لتكون حاضرة في ذهن أبيه، فيدرك أن خطابه نابع منها. وبعد هذا التمهيد اللطيف للخطاب، شرع في الدخول إلى الموضوع بالتدريج، فجاء بالاستفهام عقب النداء مباشرة، ليعضده في التنبيه وفي التلطف، بالإضافة إلى تأديته وظائف أخرى، تدور حول الإقناع بتلطف وترفق. 

  والملاحظ إنه -عليه السلام-لم يستعمل الأسلوب الخبري فلم يقل: أنت تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا، على اعتبار إنه يريد أن يوضح له أن صفات معبوده لا تؤهله للعبادة، وقد يبدو للوهلة الأولى إن الأسلوب الخبري يلتقي مع الاستفهام في هذا المعنى، كما أنه لم يلجأ إلى استعمال النهي الصريح ليطلب منه الكف عن عبادتها فلم يقل له: لا تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا، فالنهي الأسلوب الموضوع في الأصل لطلب الكف. وفي الحقيقة لقد آثر الاستفهام لما له من خصوصية لا تتوفر في الأسلوب الخبري، ولا يمكن تأديتها بالنهي المباشر. ويمكن القول إن الاستفهام قد أدى دور الخبر ودور النهي لكن بأسلوب لطيف. 

   ولو لجأ لاستعمال الأسلوب الخبري لإثبات عدم أهلية هذه المعبودات للعبادة، لاحتمل كلامه الصدق والكذب، ولكنه باستعماله للاستفهام، جعل انتفاء هذه الصفات عنها خلفية ثابتة وحقائق واقعة لا مراء فيها، لذلك فهو يستفهم عن علة عبادتها برغم ثبات اتصافها بهذه الصفات، وكأن مسألة اتصافها بهذه الصفات أمر مفروغ منه، وثابت معلوم لا يخفى على طرفي الخطاب. ومن جهة أخرى فإن الأسلوب الخبري، يتيح لأبيه إمكانية أن يرد عليه بالتكذيب؛ لاحتمال أن يكون الخبر صادقًا أو كاذبًا، لكنه مع الاستفهام لا يترك له مجالاً لتكذيبه في صفاتها، فهي حقائق ثابته فيها. أضف إلى ذلك إن "الأسلوب الخبري قد يثير غضب أبيه" (الجابرية،2017م: ص122)، فيُشعره بأنه يوجه إليه اتهامًا (أنت تعبد ما لا يسمع)، أو يُنقص من شأن هذه العبادة، وهذا يتنافى مع جو الترفق والتلطف الذي أسسه بالنداء في بداية خطابه، كما أن الاستفهام يقدح ذهن أبيه للتفكر في سبب عبادته إياها، وذلك بالعودة إلى نفسه والبحث عن الأسباب التي دفعته لعبادتها، وهذا ما لا يوفره الأسلوب الخبري، الذي يقدم المعلومة في قالب جاهز. 

  ومن جهة أخرى إنه -عليه السلام-لو استعمل النهي "لا تعبد" عوض الاستفهام "لم تعبد" لربما أشعر أباه إنه يريد أن يمارس سلطة عليه، ويحول بينه وبين معبوداته؛ أو ربما أوهمه بشيء من الاستعلاء عليه وإلزامه بالكف، إذ النهي في الأصل إنما هو: طلب الكف عن القيام بالفعل على جهة الاستعلاء والإلزام، لكن الاستفهام: طلب الفهم، حيث يضع المتكلم نفسه في هيئة المسترشد الباحث عن الحقيقة، والطالب للفهم والمعرفة، ويضع المخاطَب في هيئة المطلوب منه إجابة حول علة العبادة، وليس المطلوب منه الكف بنحو صريح ومباشر، وبطبيعة الحال فإنه مهما بحث عن سبب وجيه ومقنع ومنطقي يدفعه لعبادتها، فإنه لن يجد، مما يؤدي بالضرورة إلى التوقف عن عبادتها من تلقاء نفسه، وبذلك يكون استعمال الاستفهام في طلب الكف عن الفعل أشد إقناعًا من النهي المباشر؛ لأنه يدفع المخاطَب إلى البحث عن سبب يدفعه إلى التوجه بالعبادة، فإذا لم يجده كف عن العبادة عن اقتناع، ومن تلقاء نفسه، وإبراهيم يدرك هذا، ويعلم يقينًا إن أباه لن يتمكن من إيجاد سبب وجيه للعبادة. 

  وبتأمل البناء اللغوي لاستفهامه -عليه السلام-يتضح أنه قد استعمل "لِمَ" دون "لِمَاذا" برغم إن كليهما يُستعمل في الاستفهام عن السبب؛ وهذا يعود إلى أن خطابه -عليه السلام-في هذا المشهد قائم على الترفق والتلطف والتودد إلى أبيه، حيث ينسجم استعماله "لِمَ" مع ذلك، ففيه خفة ورقة في النطق وفي قرعه للسمع.

 والملاحظ في هذا الاستفهام، تركيزه على حدوث العبادة لمن له صفات معينة وهي إنه: لا يسمع، ولا يبصر، ولا يغني عن عابده شيئًا، وهو بذلك يرشده إلى صفات المعبود الحق، وقد نفى وجودها في المعبودات ليسقط عنها حق التوجه بالعبادة. ومن جهة أخرى فإن انتفاء هذه الصفات يجعلها أقل شأنًا من عابديها الذين يسمعون ويبصرون.

  وقد استعمل في استفهامه صيغ المضارعة: تَعْبُدُ، لَا يَسْمَعُ، لَا يُبْصِرُ، لَا يُغْنِي، ومن المعلوم أن هذه الصيغ تدل على المزاولة، واستمرار الحدوث، وهو بذلك يجعل استمرار العبادة ومزاولتها لمن شأنه مستمر في انتفاء السمع والبصر والإغناء، أمر شديد الغرابة، يحتاج إلى أن يُبحث عن سببه ويُسأل عنه، وفي هذا تنبيه لطيف للأب، فالفطرة السليمة لا تقبل الاستمرار في شيء لا جدوى منه ولا طائل.

  وفي الحقيقة لم يكن -عليه السلام-باحثًا عن إجابة، فهو على علم بأن أي سبب سيأتي به الأب، فإنه سيكون مردودًا، فقد طرح استفهامه؛ ليقدح ذهنه، ويوجهه للتفكير في صفات معبوداته، وإن هذه الصفات لا تؤهلها لتكون معبودة، علَّه يعود إلى رشده فيدرك مدى ضلاله. وهو كذلك ينبهه إلى أن لب العبادة يجب أن تكون لمن يسمع الدعاء، ويبصر عابديه، ويغنيهم في حاجتهم، والنتيجة المتوقعة من هذا الاستفهام هي: أن هذه الصفات منتفية عن هذه المعبودات، ولا وجود لسبب مقنع لعبادتها. وبذلك يؤكد إن عبادتها محض افتراء، وليست مبنية على أسس سليمة. وهو يعلم يقينًا أن انتفاء هذه الصفات عنها واضح جلي، فلو ادعى أبوه خلاف ذلك، لطالبه بإثبات وجودها، ولن يتمكن من ذلك، وفعلًا قد أعيته الإجابة فلم يجد طريقًا لمواجهة استفهام إبراهيم إلا أن هدد وتوعد. وبرغم التلطف والمجهود الذي بذله إبراهيم- عليه السلام- لم تلامس دعوته قلب أبيه، أو عقله المتحجر من شدة الكفر، فقابل تلطفه به وترفقه بخطاب شديد، فيه من الجفاء والغلظة ما فيه، فقد رد عليه بقوله: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [سورة مريم: الآية 46]. فقد استعمل الاستفهام لتقريع إبراهيم وتوبيخه، حيث حنقه الشديد على إبراهيم وما جاء به، أعماه فجعله يضع رغبة إبراهيم عن آلهته، موضع الشيء الغريب الذي يُستفهم عنه، وهذا يصور شدة تمسكه بعبادتها. 

 

4-الاستفهام في مقامات تتسم بالتوتر والشدة

4-1 الاستفهام في مشهد رغبة قوم موسى –عليه السلام-في عبادة الأصنام

  لقد بذل موسى-عليه السلام-الجهد الجهيد في رسالته الدعوية، وواجه في دعوته فئتين من البشر: فئة يمثلها قومه، الذين اتصفوا بشدة الجهل والضلال، وعدم إعمال عقولهم؛ فبرغم وضوح الأدلة والبراهين إلا إنهم كانوا ينكصون على أعقابهم المرة تلو الأخرى، ويعودون إلى الضلال، عقب تجلي آيات وحدانية الله -سبحانه وتعالى-وفئة أخرى يمثلها فرعون وملئه، اتسمت بطغيانها الشديد وجبروتها وتسلطها، وقد كان الاستفهام حاضرًا في حواراته معهم، وهو يصوِّر شدة المواجهة بينه وبينهم، ويعكس شدة ما يلاقيه من تعنتهم.

  فمما يصوّر شدة ما لاقاه من قومه قوله تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأعراف: الآيات 138- 140]

    يصور هذا المشهد مدى جهل قوم موسى- عليه السلام- وتأصل الشرك فيهم، وما لاقاه منهم، حيث تبدأ حيثيات المشهد بذكر المرحلة التي يمثلها في دعوته لقومه، فبعد أن نجاهم الله - سبحانه وتعالى- من أعتى الطغاة في الأرض، الذي أذاقهم ذل العبودية، ومارس عليهم ألوان العذاب، فنقلهم الله -سبحانه وتعالى- بإغراقه ومجاوزتهم البحر إلى العز بعد الذل، وقد كان من المتوقع أن يقابلوا ذلك بإخلاص العبادة لله وأن يتشبثوا بالإيمان به، لكنهم قد تأصل الذل في نفوسهم، وغرقت قلوبهم في بحار الشرك والكفر، فبعد أن جاوز بهم البحر مباشرة، وجدوا قومًا يعكفون على أصنام، فتاقت أنفسهم لتقليدهم؛ لذلك طلبوا من موسى طلبًا تأباه العقول السليمة، يريدون منه أن يجعل لهم إلهًا غير الله سبحانه وتعالى. 

   ومن جهة أخرى فإن المشهد في وصفه للقوم الذين انبهروا بعبادتهم، يصور مدى ضلالهم وحقارة ما يعبدون، وذلهم في توجههم للعبادة، قال تعالى: ﴿فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ﴾ فلفظ "قوم" جاء نكرة وهي تدل على الإبهام والشيوع وعدم التحديد، بالإضافة إلى استعمال صيغة المضارعة ﴿يَعْكُفُونَ﴾، الذي يوحي بالمكوث والاستمرار، ويصور ملازمة العبادة والاستمرار فيها و"تعدية العكوف بحرف (على) لما فيه من معنى النزول وتمكّنه" (ابن عاشور، د.ت: م5، ج9، ص80). ومن ثم تنكير أصنام "ووصفها بأنها لهم أي القوم دون طريق الإضافة ليتوصل بالتنكير إلى إرادة تحقير الأصنام وأنها مجهولة"(ابن عاشور، د.ت: م5، ج9، ص80). مما يوحي بأنهم يتعبون أنفسهم بعبادة لا جدوى منها ولا طائل، إذ يلزمون أنفسهم بالخضوع والتذلل إلى شيء حقير مجهول الهوية. وبرغم هذه الحقارة التي كان عليها القوم، وبرغم العز بعد الذل الذي تحوّل إليه قوم موسى، قد فاجؤوه بأن تاقت نفوسهم لتقليد هؤلاء الذين يذلون أنفسهم لأصنام. وهم بالطبع لم يطلبوا من موسى أصنامًا بطريق صريح ومباشر، فلم يقولوا اجعل لنا صنمًا، وإنما ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا﴾، أضف إلى ذلك فإنهم ليخففوا من شدة طلبهم عليه استعملوا صيغة الإفراد والتنكير، فأي صنم -ولو واحد-كان سيفي بغرضهم، كل هذا ليلقى طلبهم قبولًا عنده، وهذا يصور تمكن الجهل من نفوسهم، ويصور -في الوقت نفسه- الشدة والعنت الذي لاقاه –عليه السلام-منهم. ويمكن تأمل رده عليهم من جوانب ثلاثة هي:

- وصفه لهم بالجهالة في قوله:﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾، وفيه تنبيه لهم بأن ما طلبوه إنما هو نابع من تأصل هذه الصفة فيهم، وقد أكد ذلك بإن واسمية الجملة، والتعبير بـ"قوم" الذي يوحي "أن وصفهم بالجهالة كالمتحقق المعلوم الداخل في تقوم قوميتهم"(ابن عاشور، د.ت: م5، ج9، ص82). وكأن هذه الصفة من تأصلها فيهم، وشيوعها بينهم، لا يكاد يشذ عنها أحد منهم، قد عُرفوا بها وطُبعوا عليها، بالإضافة إلى استعماله للفعل المضارع "تجهلون"، الذي يوحي بتكرر الجهل منهم، واستمرارهم فيه، وكأنه قد غدا ديدنهم الذي اشتهروا به، ومازالوا يمارسونه بتجدد واستمرار. وفي هذا تعنيف لهم واستنكار لما طلبوه.

- بيان ضلال القوم الذين انبهروا بهم، ومآل هذه العبادة في الآخرة حيث قال: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وفيه يحقر ما يفعله من تاقت أنفسهم إلى تقليدهم، ونفي أي طائل أو فائدة ترجى من عملهم فما هو إلا مجرد باطل لا جدوى منه دنيا وآخرة.

- توجيه الاستفهام إليهم حول ما طلبوه ﴿قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾، فقد ختم -عليه السلام-خطابه لقومه بالاستفهام، بعد أن بين لهم طبيعة نفوسهم الجاهلة، وإن ما طلبوه منه ما هو إلا ترجمة لهذا الجهل الذي جُبلوا عليه، وبعد أن أكد لهم فساد التوجه بالعبادة لغير الله -عز وجل-حيث ترقَّى في خطابهم، وفي إنكاره ما طلبوه، إلى أن وصل إلى الأشد في الإنكار وهو الاستفهام. 

   وفي صياغته للاستفهام ﴿قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا﴾، ولم يقل: أغير الله تبغون إلهًا، وفي الحقيقة هو لم يبغ لهم إلهًا، وإنما هم من أراد ذلك وطلبه منه، فقد كان من المتوقع أن يستفهم عن رغبتهم هم، وليس عن رغبته هو. إنه -عليه السلام-لو جاء بالعبارة الثانية، لكان متعجبًا من طلبهم ومنكرًا له، وهذا لا يتناسب مع سياق خطابه، فقد استعمل الاستفهام في ختام خطابهم، بعد أن أكد لهم جهلهم في طلبهم، وأثبت لهم ضلال من أرادوا تقليدهم، فمن غير المناسب أن يأتي بعد ذلك، فيتعجب أو يستنكر طلبهم، فالأنسب هنا أن يتعجب من نفسه فيما إذا انتمى إلى زمرة الجاهلين، فيستجيب لقبول طلبهم، وبذلك يكون الاستفهام عن ذاته أشد إنكارًا وتعجبًا من أن يكون عن طلبهم. وهو باستفهامه ينفي عن نفسه أن يقع فيما وقعوا فيه من طلبهم ورغبتهم في عبادة غير الله، ويبرئ نفسه من الوقوع في ذلك، وفي هذا رفض شديد اللهجة لطلبهم. 

   ومن جهة أخرى، إنه باستفهامه قد صوَّر استحالة أن يصدر منه ابتغاء إله غير الله الذي قد فضل قومه على العالمين، بينما القوم أنفسهم يطلبون إلهًا غيره وهم المفضلون والمتنعمون بفضله. فعندما يتوجه بالاستفهام عن نفسه بـــ: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا﴾، مع كون التفضيل لهم ﴿وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾، فإن ذلك يكون أشد توبيخًا وتقريعًا لهم، فهو لا يبغي إلهًا غير من فضل قومه، وهم يبغون إلهًا بعد أن فضلهم، وهنا يعيدهم إلى أنفسهم كي يستشعروا فضل الله عليهم، فيخجلوا مما رغبوا فيه وطالبوه به.

   إن استفهامه -عليه السلام-يحمل دلالات عدة، ويصور شدة ما لاقاه من قومه ويكشف عن المفارقة بينه وبينهم، ويصوِّر شدة إنكاره لطلبهم وتعجبه من هذا الطلب، وفيه تعريض لهم بأنهم قد جحدوا نعمة الله -عز وجل-عليهم.

 

4-2 الاستفهام في دعوة موسى-عليه السلام-فرعون وملئه

  قال تعالى:﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة يونس، الآيات: 75- 78 ]. إن هذا المشهد يصوِّر جانبًا من جوانب التعنت الذي كان يواجهه موسى -عليه السلام-من فرعون وملئه، فقد قابلوا آيات الله التي جاءتهم بالاستكبار؛ وذلك لتأصل الإجرام فيهم، وقد صُوِّرت سرعة ردة فعلهم تجاه مجيء الحق، ومسارعتهم في التكذيب بغياب الرابط في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا: قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾.

   وقد أكدوا موقفهم من الدعوة بعدة مؤكدات في قولهم: ﴿إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾، بالإضافة إلى استعمال اسم الإشارة للقريب "هذا"، الذي قد يشير إلى الوجود الفيزيائي في الحضرة، كما قد يصور احتقارهم للآيات، فهي لا تعدو  -في نظرهم- إلا أن تكون مجرد سحر، بإمكان أي ساحر أن يأتي بمثلها. فيرد موسى-عليه السلام-على ادعائهم باستفهامين متتاليين:﴿أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾، فيواجهون استفهاميه باستفهام: ﴿أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾، فقد اعتمد الحوار بين الطرفين بالدرجة الأولى على الاستفهام، وعد المفسرون استفهاميه -عليه السلام- بأنهما "من باب الإنكار والتوبيخ" (أبو حيان، 2005م:ج6، ص91)، ليصور بهما شدة التوتر في العلاقة بينه وبينهم، ورفضه التام لما ادعوه. 

  وقد دار استفهامه الأول حول صدور القول منهم، وكون هذا القول قد جاء ردة فعل تجاه الحق بعد أن جاءهم، وهو يسجل عليهم بشاعة الادعاء بأنه بسحر، وفي الوقت نفسه يثبت أن ما جاء به حق، وهذا يبعده تمام البعد عن السحر، الذي هو محض تخييل وأوهام، فالسحر يعتمد في الأساس على إيهام الناس، وهو بذلك على طرفي نقيض من الحق. أما قوله: ﴿لَمَّا جَاءَكُمْ﴾، فهو يظهر بشاعة أخرى فيما ادعوه، حيث لم يقابلوا مجيء الحق بالإيمان، وإنما بالقول بأنه سحر، وصدور هذا القول منهم في مقابل مجيء الحق يُعد منكرًا يُستفهم عنه، إذ هو مناف للفطرة السليمة. 

   أما استفهامه الثاني، فقد عني بوصفهم الآيات نفسها بالسحر: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾، إذا أمر منافاتها للسحر ظاهر جلي، فوصفها بالسحر أمر غريب، فهم على علم ودراية بالسحر، ويعلمون مدى المفارقة بين الحق والسحر، لذلك أعاد عليهم ما قالوه؛ ليسجل عليهم فداحة قولهم، فهو -عليه السلام- على علم بأنهم قالوا، ولا يريد أن يستفهمهم فيما إذا كانوا قد قالوا أم لا، ولا يريدهم أن يعترفوا بصدور القول منهم، وإنما يريد أن يسجل عليهم قولهم؛ ليكون حجة عليهم، ويصوِّر شناعته، وغرابته، وبعده عن الصواب.

   إن هذا النوع من الاستفهامات الذي يُعاد فيه قول أو دعوى ادعاها المخاطَب، يُستعمل في المواجهة الشديدة، وتصوير غرابة وفداحة دعواه أو قوله؛ ليرتدع ويكف عمَّا يقوله ويدعيه، لذلك فهم لم يجيبوه عن استفهاميه؛ لأنهم على علم إنه لا يريد منهم إجابة، أو معرفة، أو فهمًا، وإنما كان الاستفهام وسيلته لتصوير افترائهم، وبعد قولهم عن الصواب؛ لذلك ردوا عليه باستفهام، يعكس ما في نفوسهم تجاهه، وتجاه دعوته قال تعالى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ إنه استفهام يصور حقيقة ما في نفوسهم، ويكشف عن سبب عدم إيمانهم وما ادعوه في بداية خطابهم بقولهم: ﴿إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾، فمرده إلى مرض الاستكبار الذي تأصل فيهم، وطغى عليهم فأعماهم، ويعكس كذلك شكهم في صدق دعواه وسمو هدفه، فهم يخشون إن اتبعوه أن تكون الكبرياء له ولأخيه هارون. وهنا يكشف الاستفهام عن جفائهم، وشدة تعنتهم، وانحرافهم عن الحق والصواب؛ إذ ركزوا في استفهامهم على مجيء موسى ليحوّل وجهتهم عما ورثوه عن آبائهم، فتكون الكبرياء له ولأخيه؛ لذلك أتبعوا الاستفهام بالنفي القاطع بأنهم لن يؤمنوا له فقالوا: ﴿وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾.

 

5-مقارنة بين مشاهد بينها إحداثيات مشتركة 

   فيما يلي مقارنة بين استعمال الاستفهام في مشاهد بينها إحداثيات مشتركة؛ لتبين المفارقة بين استعمال الاستفهام في التلطف، واستعماله في المواجهة الشديدة.

5-1 مشهدان من دعوة موسى

  يمثل المشهد الأول قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[سورة الأعراف، الآية:150]. أما المشهد الثاني فيمثله قوله عز وجل:﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)  قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾، [سورة طه، الآيات: 86-87] إلى قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)  قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (94) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾[سورة طه، الآيات: 92-95]. 

  إن المتأمل في المشهدين، سيلاحظ اشتراكهما في بعض الإحداثيات منها: الحالة النفسية التي كان عليها موسى، بالإضافة إلى الجرم الذي اقترفه قومه، والمتمثل في مخالفتهم لأمره بعد رحيله عنهم. ولكن قبل الحديث عن الاستفهامات التي وجهها موسى في المشهدين، لا بد من معرفة موقع المشهدين في خارطة قصة موسى مع قومه، ومعرفة ما إذا كانا مشهدًا واحدًا عُرض بطريقتين، أم هما مشهدان في موقفين من الدعوة بينهما إحداثيات مشتركة، بحيث يمثل كل منهما جزءًا من صورة متكاملة لحدث واحد. 

   إن الإطار العام للمشهدين هو تصوير ردة فعل موسى -عليه السلام-تجاه عبادة قومه العجل في غيابه عنهم، والحالة النفسية التي كان عليها تجاه هذه العبادة، فقد كان في حال من الغضب الشديد والحزن والأسف على ذلك، وقد عُبِّر عن ذلك بـ"غضبان"، والغضب هو: "غليان القلب بسبب حصول ما يؤلم" (أبو حيان، 2005م: ج5، ص180)، وصيغة "فعلان" من صيغ المبالغة، أما "أسفًا" فـ"الأسف بدون مدّ صيغة مبالغة للآسف بالمد الذي هو اسم فاعل للذي حلَّ به الأسف، وهو الحزن الشديد"(ابن عاشور، د.ت: م5، ج9، ص114).

    ولكن الملاحظ، إنه في سورة طه، قد ناداهم قبل الدخول في الخطاب بــ"يَا قَوْم"، وهذا النداء قد حدد المخاطَبين بأنهم قومه، ومن ثم وجه إليهم الاستفهام، أما في سورة الأعراف فلم ينادهم، وإنما شرع في توبيخهم مباشرة ومن ثم استفهمهم. والجدير بالذكر، إن حديث المفسرين حول تحديد المخاطبين في سورة الأعراف، يشير إلى وجود احتمالين، يقول الزمخشري(538ه): "هذا الخطاب إما أن يكون لعبدة العجل من السامري وأشياعه، أو لوجوه بني إسرائيل وهم هارون-عليه السلام-والمؤمنون معه" (الزمخشري، 2001م: ج2، ص152). وأميل إلى تحديد المخاطَبين بأنهم من جعلهم خلفاء له من بعده لعدة اعتبارات منها:

- إنه لم ينادهم في سورة الأعراف بـ"يا قوم"، كما هو الحال في سورة طه، وهذا يعني إن المخاطبين في سورة طه بالضرورة هم القوم، أما في سورة الأعراف فمن الممكن الترجيح بين احتمالين.

- في سورة الأعراف قال: ﴿خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي﴾، بينما في سورة طه قال: ﴿فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي،﴾، ففي الأول الكلام عن خلافة من بعده، وفي الثاني إخلاف لموعده.

- إنه في سورة الأعراف كان أشد انفعالاً عنه في سورة طه، حيث ترجم انفعاله -إلى جانب التعبير بالقول-بحركة جسمية بإلقاء الألواح، والشروع بجر رأس أخيه الخليفة الأول على القوم، بينما في سورة طه كان باحثًا عن الأسباب المؤدية إلى عبادة العجل، فقد وجه استفهامًا إلى كل طرف من الأطراف المسؤولة في هذه القضية على انفراد وذلك على النحو الآتي:

1-القوم الذين عبدوا العجل في غيابه: ﴿يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾[سورة طه: الآية86]، وقد أجابوه بـ: ﴿مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا﴾[سورة طه: الآية87].

2-هارون الذي جعله خليفة على القوم من بعده: ﴿يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)  أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾[سورة طه: الآيات 92-93]، وقد أجابه: ﴿قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾[سورة طه: الآية94].

3-السامري الذي أخرج لهم العجل: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾[سورة طه: الآية95]،  الذي أجابه: ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾[سورة طه: الآية96].

  فموسى هنا باحث عن الإجابة، أكثر من كونه موبخًا لهذه الأطراف، إذ أجابوا عن الأسئلة التي طرحها عليهم، ومعلوم أن استفهام التوبيخ والإنكار، لا يُطلب من المخاطَب معه أن يقدم إجابة، وإنما الإعلان عن عدم قبول فعل قام به المخاطَب، فلو كان موبخًا فقط، لما أجابوا محددين دورهم في هذه القضية.

   وبناء على ما سبق، فالذي يبدو إن المشهد في الأعراف، كان سابقًا في الحدوث عن المشهد في طه، حيث يمثل مرحلة الاصطدام الأولى بعد رجوعه غضبان أسفًا، وقد واجه في هذه المرحلة هارون ومن جعلهم خلفاء من بعده على القوم، فلم ينادهم، وشرع في توبيخهم وتقريعهم، وألقى الألواح التي كانت معه، وشرع يجر رأس أخيه، معتمدًا في خطابهم على كون الخلفاء لم يؤدوا مهمة الخلافة على وجهها الصحيح، فالاستفهامات التي وجهها تدل على عمق التوتر بين طرفي الخطاب، أما المشهد في سورة طه فهو تالٍ للمشهد الأول ومكمل له، حيث يمثل مرحلة التوجه إلى القوم أنفسهم بالتعنيف، فاستفهاماته الأولى الموجهة إليهم، لتعنيفهم على ما ارتكبوه من جرم بعبادتهم العجل، ومن ثم بدأ الغضب يهدأ، فأخذ يعالج المشكلة، ويبحث عن الأسباب بتوجيه استفهام إلى كل فئة. ويمكن القول إنه باستثناء الاستفهام الأول الذي جمع بين التوبيخ والتقريع والمطالبة بتقديم تعليل وإجابة، فإن الاستفهامات الأخرى هي على حقيقتها، الهدف منها الحصول على المعرفة، لذلك قدمت له كل فئة تعليلًا لما حدث، وانتهى المشهد بحرق العجل ونسفه وعقاب السامري. فموسى في نهاية مشهد سورة طه، أهدأ نفسًا عنه في بدايته، وكذلك عنه في مشهد سورة الأعراف. إنها بلاغة قرآنية متفردة، حيث حُكي جزء من المشهد وكأنه مشهد متكامل، وصُوِّر جزء آخر منه في سورة أخرى، وكأنه كذلك متكامل الأركان، وإذا ما تُؤُمل المشهدان وُجِد بينهما تكامل وانسجام، وهذا مما يؤكد أنه لا تناقض في القرآن الكريم أو تكرار لا طائل منه فقد أُحكمت آياته. 

   إن الذي يجمع الاستفهامات في المشهدين، كونها تصور الغضب والأسف الذي حل بموسى، تجاه ما حدث من التوجه لغير الله في العبادة، وتعكس رفضه الشديد لما حدث. وبرغم إن لكل استفهام له خصوصيته إلا إنها يجمعها المواجهة الشديدة بين طرفي الخطاب، والتعبير عن عدم الرضا عن فعل قام به المخاطَب وتعنيفه عليه، وهي تتعاضد مع السياق العام للمشهدين في تصوير الحالة النفسية التي كان عليها موسى عليه السلام.

   والملاحظ في مشهد سورة الأعراف الذي مثل مرحلة الاصطدام الأولى مع الخلفاء إن موسى -عليه السلام-بعد أن ذم خلافة الخلفاء من بعده، وجه إليهم الاستفهام: ﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾[سورة الأعراف،الآية150]، وهو في هذه المرحلة لا يبحث عن إجابة، فقد بلغ منه الغضب منه مبلغًا، لدرجة إنه قد انتقل إلى ترجمة غضبه إلى مرحلة الحركة الفعلية المتمثلة في إلقاء الألواح والشروع في جر رأس أخيه. وقد أدركوا إنه كان يقصد باستفهامه توبيخهم؛ لذلك لم يجيبوا عنه.

   ولئن وجه موسى إلى الخلفاء في سورة الأعراف استفهامًا واحدًا، فإنه قد قرَّع القوم في سورة طه بالاستفهام تلو الآخر: ﴿أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾[سورة طه، الآية:86]، فكأنه في كل استفهام يوجهه إليهم، يورد احتمالات للنكوص عن عبادة الله -عز وجل- وإخلافهم موعده، ففي الاستفهام الأول يذكرهم بوعد الله لهم، وكأنهم عندما عبدوا العجل قد نسوا هذا الوعد الذي وصفه بأنه "وَعْدًا حَسَنًا"، أو لم يرضوا به، وعدم الرضا بهذا الوعد من الله مع وصفه بالحسن، لا يكون من عاقل، ويوبخ من يخلفه، وفي الاستفهامين الثاني والثالث، يورد احتمالين؛ فمادام وعد الله حسنًا، فإما أن العهد بينهم وبينه -سبحانه وتعالى-  قد طال عليهم، فانحرفوا عن عبادته. وفي الحقيقة إن وعده لهم لم يطل كي ينقضوه. وإما إنهم قد استعجلوا العذاب، ولا يستعجله عاقل، وهنا ينبههم إلى أن نتيجة عبادتهم لغير الله، ستؤدي إلى غضبه عليهم وعقابهم، وفي ذلك تصعيد للخطاب، وتوبيخ للمخاطبين على ما فعلوه، ولوم بنبرة شديدة، فقد تجاوزوا حدودهم بإخلافهم للوعد دون سبب وجيه لذلك. 

 

5-2 مشهدان من دعوة إبراهيم 

   يمثل المشهد الأول قوله تعالى في سورة الشعراء: 

﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ.﴾ [سورة الشعراء، الآيات: 69- 77]، أما المشهد الثاني فيمثله قوله -عز وجل- في سورة الصافات: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) تَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ(92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ(93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ [سورة الصافات، الآيات: 85-97].

  إن الملاحظ في المشهدين ثبات أطراف التخاطب، إلا إن البناء التركيبي للاستفهامين في مستهل الخطاب، قد جاء مختلفًا، ففي مشهد سورة الشعراء اكتفى -عليه السلام-بقوله: ﴿مَا تَعْبُدُونَ ﴾، بينما في مشهد سورة الصافات أضاف "ذا" فقال: ﴿مَاذَا تَعْبُدُونَ﴾، ومن جهة أخرى اختلفت الاستفهامات التي وجهها بعد هذا الاستفهام في المشهدين، كما أنهم قد أجابوا عن استفهاماته في الشعراء، ولم يجيبوا عنها في الصافات. 

  وفي الحقيقة إن للعلاقة بين طرفي الخطاب، والحالة النفسية التي كانا عليها في المشهدين دورًا في هذا الاختلاف، فكل استفهام من الاستفهامات في المقامين، متسق وطبيعة العلاقة بين طرفي الخطاب، وهو يقيس مدى التوتر بينهما.

  والمتأمل في المقامين، يجد مشهد سورة الشعراء، قد جاء في مقام الدعوة والإرشاد والتوجيه إلى الإيمان بالله-عز وجل-فالاستفهام قد جاء لتنبيه المخاطَبين، وإرشادهم إلى حقيقة ما يعبدون، والتفكر في طبيعته وماهيته.  ولا توجد شدة في هذا المشهد إلا في نهايته، عندما أعلن عداوته لما يعبدون، ويبدو إن إعلانه للعداوة، إنما هو من باب تأكيد رفضه لهذه العبادة، والتمهيد للانتقال لتفصيل صفات المعبود الحق الله     -سبحانه وتعالى-وكأنه يعرض عليهم بديلًا لمعبوداتهم. 

  أما مشهد سورة الصافات ففيه عنف، ومواجهة شديدة من قِبَل الطرفين، فقد استُعمِل الاستفهام لتوبيخ المخاطبين وتقريعهم، وقد أُوثر استعمال "ماذا"؛ لما يتميز به من زيادة في المبنى، فــ "المستفهِم إذا قصد التقريع والتوبيخ أطال كلامه إدلاء بحجته وتعنيفًا لمن يخالفه" (ابن الزبير، د.ت: ص376)، والمنبَّه يكفيه اللفظ الأقل، بينما المقرَّع المعنَّف يحتاج إلى ما هو أشد من ذلك، يقول الإسكافي (420هـ): "فلما قصد في الأول التنبيه كانت (ما) كافية ولما بالغ وقرَّع استعمل اللفظ الأبلغ، وهو (ماذا)" (الإسكافي،2014م: ص383). والذي يؤكد ذلك إنهم في مشهد سورة الشعراء قد دخلوا في حوار معه وأجابوا عن استفهاماته، بينما في سورة الصافات لم يعقبوا على كلامه ولم يجيبوا عن استفهامه وإنما أعرضوا عنه وتجاهلوه، فلما لم تجد الحجة القولية معهم نفعًا اتجه إلى الحجة الفعلية، فحطم أصنامهم بعد أن تولوا عنه مدبرين. وفي نهاية المشهد بلغ عنفهم معه ذروته، فقد أرادوا أن يحرقوه، ولم يكتفوا بتكذيبه قال تعالى: ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ [سورة الصافات: الآية97]، فرد الله كيدهم في نحورهم يقول الله عز وجل:  ﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾ [سورة الصافات: الآية98]. 

   وبناء على ذلك، يمكن القول: إن المشهدين لمقامين مختلفين في دعوة إبراهيم لأبيه وقومه، وإن المشهد في سورة الشعراء كان أسبق من المشهد في سورة الصافات، فقد كان -عليه السلام- يهدف في سورة الشعراء إلى إيقاظ عقولهم، وتنبيههم لحقيقة ما يعبدون، وتعريفهم بدين الله وبدعوته، وقد كان هذا في بداية دعوته، حيث لم تصل  العلاقة بين طرفي الخطاب إلى درجة شديدة من التوتر، ولكنه بعدما قوبل بالإعراض والصد والإصرار على الكفر، ترقَّى في خطابه معهم إلى مرحلة الحجاج، فاحتاجوا إلى التقريع والتوبيخ والشدة في الخطاب، علَّهم يعودون إلى رشدهم، ولعل الشدة تجدي نفعًا معهم، لذلك كان التوتر في الصافات شديدًا، فلم يكتفوا بالرفض وإنما ناصبوه العداء، فكان خطابه ملزمًا لهم بالحجة، مقرعًا إياهم على الاستمرار في الانحراف العقدي والإصرار عليه.

   وبتأمل بنية الخطاب في المشهدين، يتضح أن إبراهيم -عليه السلام-في خطابه لأبيه وقومه في مشهد الشعراء، قد سار وفق خطوات، متنقلًا من مرحلة إلى أخرى، لعلهم تنتبه عقولهم، وتلين قلوبهم. وقد كان الاستفهام حاضرًا في هذا المشهد، وأداةً من أدوات الإقناع بلطف ولين وتدرج، لذلك استفتح -عليه السلام-خطابه بالاستفهام بـ ﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ وهو في الحقيقة لا يجهل كنه ما يعبدون، ولكنه أظهر تجاهلاً لها، وهذا ما يُعرف في البلاغة العربية بـ"تجاهل العارف"، وقد عرَّفه العلوي في الطراز بقوله: "هو أن تسأل عن شيء تعلمه موهمًا أنك لا تعرفه، وأنه مما خالجك فيه الشك والريبة... وهو مقصد من مقاصد الاستعارة يبلغ به الكلام الذروة العليا، ويحلِّه في الفصاحة المحل الأعلى" (العلوي،1980م: ج3، ص 80: 81). أضف إلى ذلك، إنه باستفهامه يستدرجهم بلطف وترفق، وبطريق غير مباشر للدخول في حوار معه، وهو -في الوقت نفسه-يوجههم للتفكر في ماهية ما يعبدون، علَّهم يعودون إلى أنفسهم، فيتفكرون في كنهه، ويستحضرون حقيقته. وقد تحقق له بعض ما هدف إليه في الخطوة الأولى من حواره معهم، حيث دخلوا في حوار معه، فحددوا ماهية معبوداتهم في إجابتهم عن استفهامه، قال تعالى: ﴿قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ [سورة الشعراء، الآية: 71]، فالذي يبدو من إجابتهم إنهم يدركون ماهيتها وطبيعتها بما لا تنكره حواسهم، وهذا يعني أن عبادتهم لها ليس لأنهم لا يعلمون ماهيتها، وإنما هناك سبب آخر وراء ذلك، فقلوبهم وعقولهم قد طغى عليها الضلال، فغشاها عما أقرته حواسهم.

   لقد حددوا كنه معبوداتهم بأنها "أصنام"، وتشير معاجم اللغة إلى كون الصنم ما هو إلا "جثة مادتها الخشب أو الفضة أو النحاس" (ابن فارس، 2012م: مادة صَنَم، والأصفهاني، 2013م: المادة نفسها). فانعدام الحياة ظاهر جلي فيها. وفي الحقيقة إن تحديد ماهيتها بـأنها "أصنام"، بالإضافة إلى جمعها، يقدح في أهليتها للعبادة، إذ التعدد يوحي بالتشتت والضعف. 

   والملاحظ في إجابتهم، إنهم لم يقفوا عند حد تحديد الماهية، كما هو مطلوب منهم، فقد كان قولهم ﴿نَعْبُدُ أَصْنَامًا﴾ كافيًا للإجابة؛ لأن استفهامه يوحي بأنه يريد منهم فقط أن يحددوا كنهها، لكنهم صوروا له شدة ارتباطهم بها، وشدة ملازمتهم إياها، واستمرارهم على ذلك، وافتخارهم به، برغم إنهم على علم واعتراف بأنها مجرد أصنام، فقد أطنبوا فزادوا عليها: ﴿فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾، فبرغم اعترافهم بأنها مجرد أصنام، أكدوا على شدة تعلقهم بها، وتشبثهم بعبادتها، بل وافتخارهم وتباهيهم بذلك، أمام إبراهيم عليه السلام، يقول الزمخشري(538ه): "هؤلاء قد جاءوا بقصة أمرهم كاملة كالمبتهجين بها والمفتخرين، فاشتملت على جواب إبراهيم، وعلى ما قصدوه من إظهار ما في نفوسهم من الابتهاج والافتخار. ألا تراهم كيف عطفوا على قولهم ﴿نَعْبُدُ﴾، ﴿فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾، ولم يقتصروا على زيادة نعبد وحده" (الزمخشري، 2001م: ج 3، ص 323).

   إن قولهم: ﴿فَنَظَلُّ﴾ يصور مزاولتهم عبادتها وعدم انقطاعهم، لا يشغلهم عنها شاغل ولا يصرفهم عن عبادتها صارف، والجدير بالذكر هنا، إن "ظل"، "يُستعمل لمزاولة الفعل في النهار" (الخليل، د.ت: مادة: ظلل)، ومن المعلوم أن الإنسان يكون مشغولًا في النهار بأمور كثيرة، تتعلق بحياته اليومية ومعيشته، ولكن هؤلاء من شدة تمسكهم بعبادتها، يتركون كل شيء ويلزمونها. ويؤكد قولهم: "لها"، باختصاصها بالعبادة دون غيرها. وتقديم الجار والمجرور؛ لتأكيد هذا التخصيص، وقصر العبادة لها دون غيرها. أما قولهم: "عاكفين"، فيشير بمعناه المعجمي إلى "الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم" (الأصفهاني،2013م: مادة: عَكَفَ)، ويدل بصيغته الصرفية على الاستمرار؛ ذلك إن "اسم الفاعل يدل في كثير من المواضع على ثبوت المصدر في الفاعل ورسوخه فيه" (الرازي، د.ت: م13، ج25، ص26)، حيث يتعاضد المعنى المعجمي، والدلالة الصرفية لـ "عاكفين" في تصوير مدى ثباتهم في عبادتها. ويعضد هذا كله دلالة الجملة الاسمية، التي تؤكد الثبات والاستمرار، فقد زادوا في الإجابة بما يصوِّر شدة تسمكهم بعبادتها، وتعلقهم الشديد بها، وافتخارهم بملازمتها، وتأكيدهم على الديمومة، والاستمرار في ذلك. وهنا ينتهز الفرصة، فيبني على إجابتهم بتحديد ماهيتها بكونها "أصنام"، استفهامات أخرى: ﴿قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾، فالصنم ثابت جامد، لا يسمع، ولا يتكلم ولا يعقل، ومن يدرك هذا ويقر بذلك ومن ثم يعبدها، يوقع نفسه في تناقض. 

  وقد أخذ يوالي من استفهاماته، يلاحق عقولهم ونفوسهم بالاستفهام تلو الآخر، يوجههم بها إلى جوانب مهمة كان من المفترض أن ينتبهوا إليها؛ كي يفيقوا من غفلتهم، وينتبهوا إلى فداحة انحرافهم في العبادة.  إن السلسلة المتوالية من الاستفهامات، تحاصرهم وتجعل الخطاب مشحونًا بقوَّة موجهة للعقل، ومحرِّكة للذهن، خاصة أن المخاطبين غارقون في الضلال، وهي -في الوقت نفسه-تصوِّر مدى حرصه وإصراره على هدايتهم، حيث يلاحقهم من عدة اتجاهات وجوانب علَّ ذلك يجدي نفعًا معهم. 

    وقد جاء بصفات لا يستطيعون بحال من الأحوال إثباتها لأصنامهم، ينبههم إلى خلو معبوداتهم من الصفات التي تؤهلها للعبادة، وهو بذلك يدفعهم دفعًا إلى الإقرار بعدم أهليتها للعبادة، ولو في نطاق العودة إلى الذات، وإيقاظها من غفلتها. 

  إنه لم يفسح لهم المجال للافتخار، فاستفهاماته المتتالية تحط من شأنها، وتلغي أحقية عبادتها فضلًا عن هذا التخصيص بالعبادة والمباهاة فيه. فكل استفهام يقدح في أحقيتها للعبادة، ويوجه عقولهم إلى الأسس السليمة لاختيار المعبود الحق، الذي يستحق أن تظل العبادة له، وأن يُفتخر بعبادته. وهو يحاصرهم للإجابة بـ "لا"، فلا يمكنهم أن يجيبوا بـ "نعم"؛ لأنهم قد حددوا مسبقًا أنها أصنام، ومعلوم أن الصنم إنما هو جماد، فلم يعهدوا عليه غير ذلك، ولم يكلمهم، كما لم يظهر لهم ردة فعل توحي بسماعه لما يقولون. ولو أجابوا بـ"نعم" لطالبهم بإثبات، ولا يمكنهم ذلك، كما لم يستطيعوا الإجابة بـ"لاتستطيع" أو "لا يمكنها" برغم إنها هي الإجابة المفترض أن يجيبوا بها؛ فلو أجابوا بذلك لاعترفوا، وأقروا بعدم أحقيتها للعبادة، ولزمهم -بناء على ذلك- التخلي عن عبادتها، وهم قد أدركوا ذلك، فلم يستطيعوا مواجهة استفهاماته، فقد لجؤوا إلى إخفاء الإجابة الصحيحة، والهروب إلى المراوغة والإضراب عن الإجابة بـ"لا"، دون أن يسجلوا على أنفسهم إقرارًا صريحًا بعدم أهليتها للعبادة، فيقروا بنفي الجدوى من عبادتها؛ لذلك عللوا سبب العبادة بتقليد آبائهم في ذلك، وأنهم ينتهجون نهجهم، ويقتفون آثارهم، وهذا يصور مماطلتهم ومدى بعدهم في الضلال، بل وإصرارهم عليه؛ ذلك إن تقليد القدماء، واتباع نهجهم وسننهم في عبادة ما لا يستحق، وما لا تتوفر فيه صفات المعبود الحق ليس حجة وليس عذرًا.

   وينتقل بهم إلى مرحلة أخرى في خطابه، فيوجه إليهم استفهاما، حيث قَالَ: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾، إنه هنا لا يريد أن يستفهم إن كانوا قد رأوا ما يعبدون، وإنما يريد أن يستحضر جميع ما يعبدون، ويعلن موقفه المعادي لها. إن الاستفهام بـ"أفرأيتم"، يعمل على استحضار آلهتهم في مجال العهد الذهني؛ ليبني على معرفتهم بها، معرفة أخرى متمثلة في علاقته بمعبوداتهم القائمة على البراءة منها، ومعاداتها.

   ويعمل هذا الاستفهام على تنبيههم، وتركيز أذهانهم للخبر الذي سيلقيه بعده، فينبههم قبل إلقاء الخبر، ويشوقهم إليه؛ وذلك لأهميته، فهو لم يعلن مجرد البراءة من عبادتها، وإنما تجاوز ذلك إلى معاداتها، ومما لا شك فيه، فإن هذا الخبر سيكون له وقع عليهم، كما أنه يُعدُّ مدخلاً للحديث عن إلهه ﴿رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾، وما يتميز به من صفات لا تتوافر في معبوداتهم على تعددها وكثرتها، لذلك وصفه بالربوبية، وما توحي به هذه الصفة من تعهد ورعاية واهتمام، وهو رب لا تختص ربوبيته لقوم دون آخرين، وإنما للعالمين بأسرهم، وليست عبادته مبنية على تقليد أعمى، وإنما لأحقيته بالعبادة، وللتوجه إليه بالعبادة فوائد ترجى، ونتائج تجنى. وهنا يُعرِّض لابتهاجهم في إجابتهم عن استفهامه الأول، ومفاخرتهم بعبادة الأصنام، إذ المفاخرة بالتوجه إلى المعبود الحق الذي هو رب للعالمين.

  ويمكن القول: إن الخطاب بينه وبينهم قد بلغ ذروته في استفهامه الأخير، حيث علت نبرة الخطاب، فأعلن موقفه المعادي من معبوداتهم، ومع ذلك كان متمسكَا بالإيضاح والتنبيه، حيث فصل لهم صفات الله -سبحانه وتعالى-التي لا تناديه فيها معبوداتهم، العاجزة عن مجرد السمع، والإجابة، والنفع ودفع الضرر.

  أما مشهد سورة الصافات، فللاستفهام فيه خصوصية، فقد تبين فيما سبق أن الخطاب في هذه الآيات قد جاء بنبرة أشد عنه في سورة الشعراء، وإن التوتر بين طرفي الخطاب قد بلغ مداه، فاستفهاماته -عليه السلام-تعبر عن شدة ضيقه منهم، وما يلاقيه من تعنتهم، وبعدهم عن الهدى، برغم الجهد الجهيد الذي يبذله في دعوتهم، ومحاولاته المخلصة في إيقاظهم من غفلتهم. وقد اعتمد في خطابه على توجيه الاستفهام تلو الآخر دون أن ينتظر ردًا منهم، وإجابة عن استفهاماته، وهم -في الوقت نفسه-أعرضوا عنه وتجاهلوه، ولم يكلفوا أنفسهم الرد عليه، بالإضافة إلى أنهم في نهاية المشهد قد حاولوا قتله بإلقائه في النار. 

  لقد وجه إليهم في مستهل خطابه معهم في هذه الآيات ثلاثة استفهامات متتالية، وجميعها تشي بنبرة شديدة، وتصور شدة المواجهة بينه وبينهم، فالاستفهام الأول الذي وجهه إليهم في بداية خطابه ﴿مَاذَا تَعْبُدُونَ﴾، لم يكن الهدف منه أن يعلم ماذا يعبدون، ولم تكن إجابتهم غايته، وإنما الهدف هو إظهار تجاهله لما يعبدون، وتحقيرها، وتوبيخهم وتقريعهم على هذه العبادة، فهو في نهاية مشهد الشعراء قد أعلن لهم عداوته لما يعبدون، وقد كان بينه وبينهم حوار حول ماهيتها، وقد حددوا ماهيتها بأنها "أصنام" فإذا ما اعتبرنا مشهد الشعراء أسبق من الصافات، فلا جدوى من أن يطالبهم مرة أخرى أن يحددوا ماهيتها بعد أن حددوها مسبقًا. فالاستفهام هنا وسيلة لإنكار عبادتهم، والتعجب من استمراره. وأتبع الاستفهام باستفهام آخر: ﴿أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ﴾، وهنا عدَّها "إفكًا"، والإفك: "قلب الشيء وصرفه عن وجهه" (ابن فارس،2012م: مادة: أَفَكَ). وهو بذلك ينفي عن آلهتهم أحقية العبادة ويثبتها لله عز وجل. 

   وبرغم التوتر الشديد بينه وبينهم، إلا إنه مازال متمسكًا بإيصال دعوته، ويبين لهم أن العبادة الحق لله وحده، وهنا يوجه إليهم استفهامًا ثالثًا في قوله: ﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، يُعرِّض فيه بعلاقتهم بالله سبحانه وتعالى، "على جهة التوبيخ والتحذير والتوعّد والتهديد"(أبو حيان، 2005م: ج9، ص110).

  ولم يجيبوا عن أي استفهام من هذه الاستفهامات المتتالية الموجهة إليهم؛ لأنهم قد أدركوا إنه إنما يريد التعريض بآلهتهم، وتوبيخهم وتعنيفهم على الميل عن عبادة الله سبحانه وتعالى، ولما وجد أن الحجة القولية لن تجدي نفعًا معهم، اتجه إلى الحجة الفعلية؛ ليبين لهم عدم أهلية أصنامهم للعبادة، فحطمها ليستشعروا عدم قدرتها على رد الأذى عنها، وترك كبيرها لعلهم يسألونه عما حدث، وقد وجه الاتهام إليه؛ ليدركوا إنه لا يملك القدرة عن الدفاع عن نفسه بالقول فضلًا عن الفعل.

  والملاحظ إنه قد خاطب الأصنام بقوله: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ﴾، مع علمه بأنها لا تجيب، ولا تملك القدرة على النطق والسماع، والقوم لم يكونوا حاضرين ليسمعوا كلامه ولعل هذا -والله أعلم- تعبير منه –عليه السلام- لمقته لهذه الأصنام، وتضجره من وجودها وتعظيمها بالتوجه بالعبادة دون الله تعالى. وقد قدَّموا لها أصنافًا من الطعام، فلم تتمكن من تناوله، وعندما "عرض عليها الطعام استهزاءً ومقتًا" (الزمخشري، 2001م: ج 4، ص 51)، لم ترد عليه ولم تنطق. 

  وبعد أن أقبلوا إليه يزفون، وجه إليهم استفهامًا، ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾، يعنفهم به، وهذ الاستفهام متناسب مع تحطيمه للأصنام، إذ يذكرهم إنها عبارة عن منحوتات قد تم تحطيمها، كما يذكرهم بأصلها، وإنهم هم من أوجدها، وليست هي من أوجدتهم، وقد تركوا عبادة من كان له فضل خلقهم وإيجادهم، فالإله الحق هو المتفضل على عابده بالإيجاد وليس العكس. وهنا تتظافر الحجة الفعلية (تحطيم الأصنام)، والحجة القولية (توجيه الاستفهام عن التوجه إليها بالعبادة وإلزامهم بالحجة). وعوض أن يؤثر فيهم ما بذله من حجج فعلية وقولية، لم يردوا على كلامه، ولم يدخلوا في خطاب معه، وإنما تكلموا عنه بضمير الغيبة معلنين عقابه والانتقام منه﴿ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴾.

   وأخيرًا يمكن القول إن المشاهد القرآنية التي تم عرضها، قد أكدت على دور الاستفهام وأثره البارز في المقامات التي تتخذ طابع التلطف بالمخاطَب، وكذلك في المقامات التي تتسم بالتوتر بين طرفي الخطاب، وهو من الأساليب التي بإمكان محلل الخطاب الاعتماد عليها في الكشف عن طبيعة العلاقة بين طرفي الخطاب. 

 

الخاتمة

  لقد تبين من خلال هذا البحث: 

- أن القدماء -في حديثهم عن أغراض الاستفهام -قد أشاروا إلى استعمال الاستفهام في المقامات التي تتسم بالعلاقات الإيجابية بين طرفي الخطاب وكذلك المقامات التي تتسم بالتوتر والمواجهة بينهما. 

- استُعمِل في القرآن الكريم في مقامات تتنوع فيها العلاقات بين أطراف التخاطب حيث تتسم بالانسجام والإيجابية في مواضع، بينما تتصف بالتوتر والتنافر في مواضع أخرى. 

للاستفهام دور بارز في النوعين من المقامات فقد استُعمل في إثبات الحجة وتوبيخ المخاطَب وتقريعه، كما استُعمل في التلطف والترفق به والأخذ بيده برفق ولين.

- يتميز الاستفهام بمزايا وسمات تخاطبية تجعل المخاطِب يؤثره على غيره في مقامات بعينها في ضوء علاقته بالمخاطَب.

للاستفهام دور بارز في الكشف عن طبيعة العلاقة بين طرفي الخطاب سلبًا أو إيجابًا، حيث يمكن اعتباره أحد أساليب التصوير الفني في القرآن الكريم.

- الاستفهام من الأساليب التي لا غنى لمحلل الخطاب من الاستناد عليها في دراسته للعلاقات بين أطراف الخطاب. 

 

المراجع والمصادر:

1-ابن جني، أبو الفتح عثمان. (1954م). المنصف، "شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني". تحقيق: إبراهيم مصطفى، وعبد الله أمين. (ط1). مصطفى البابي الحلبي وأولاده، القاهرة، مصر. 

2-ابن الزبير، أبو جعفر أحمد بن إبراهيم. (د.ت). ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل. تحقيق: عبد الغني محمد علي. (د.ط). دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

3-ابن عاشور، محمد الطاهر. (د.ت). التحرير والتنوير. (د.ط). دار سحنون، تونس.

4-ابن فارس، أبو الحسين أحمد. (2012م). مقاييس اللغة. تحقيق: إبراهيم شمس الدين. (ط1). شركة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان. 

5-ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين بن محمد. (1998م). لسان العرب. (ط1). دار صادر، بيروت، لبنان. 

6-ابن الناظم، بدر الدين بن مالك. (د.ت). المصباح في المعاني والبيان والبديع. (د.ط). تحقيق: حسني عبد الجليل يوسف. مكتبة الآداب، القاهرة، مصر. 

7-أبو حيان، محمد بن يوسف الأندلسي، (2005م)، البحر المحيط في التفسير. (د.ط). دار الفكر، بيروت، لبنان. 

8-أبو السعود، محمد بن محمد بن مصطفى. (2011م). إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم؛ تفسير أبي السعود، تخريج: محمد صبحي حسن، (ط1). دار الفكر، بيروت، لبنان.

9-الإسكافي، عبد الله بن محمد بن عبد الله. (2014م). درة التنزيل وغرة التأويل. تحقيق: سامي عبد الفتاح. (ط1). دار الصحابة للتراث، طنطا، مصر.

10-الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد. (2013م). معجم مفردات ألفاظ القرآن. تحقيق: إبراهيم شمس الدين. (ط4)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

11-البقاعي، برهان الدين أبي الحسن إبراهيم. (2011م). نظم الدرر في تناسب الآيات والسور. تحقيق: عبد الرزاق غالب المهدي، (ط4)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 

12-التفتازاني، سعد الدين بن مسعود. (2003م). مختصر السعد. تحقيق: عبد الحميد هنداوي، (ط1)، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان. و(1330هــ).و المطوَّل في شرح تلخيص المفتاح. بدون تحقيق، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، مصر. 

13-الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن إسماعيل. (1999م). فقه اللغة وأسرار العربية. تحقيق: ديزيرة سقال، (ط1). دار الفكر العربي، بيروت، لبنان. 

14-الجابرية، منى سالم عامر. (2017م).  الاستفهام في القرآن الكريم بين التأثر والتأثير. (ط1). نشر مشترك بين دار ابن الجوزي، القاهرة، مصر، ومكتبة وتسجيلات الطلائع، إبراء، سلطنة عمان. 

15-الجرجاني، أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن. (1992م). دلائل الإعجاز، تحقيق: محمود محمد شاكر. (ط.3). مطبعة المدني، القاهرة، مصر، ودار المدني، جدة، المملكة العربية السعودية. 

16-الجرجاني، علي بن محمد بن علي. (1996م). التعريفات. تحقيق: عبد الرحمن عميرة، (ط1). عالم الكتب، بيروت، لبنان. 

 17-الخليل، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي. (د.ت). العين. تحقيق: هادي حسن حمودي، (د.ط)، وزارة التراث، مسقط، سلطنة عمان. 

18-الرازي، فخر الدين بن عمر بن الحسين بن الحسن. (د.ت). مفاتيح الغيب؛ التفسير الكبير، تحقيق: عماد زكي البارودي. (د.ط). المكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر.

19-الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد. (د.ت). المفردات في غريب القرآن. تحقيق: محمد سيد كيلاني، (د.ط). دار المعرفة، بيروت، لبنان. 

20-الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمر. (2001م). الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه الـتأويل، (ط2)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 

21-السبكي، بهاء الدين. (2003م). عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، تحقيق: عبد الحميد هنداوي. (ط1). المكتبة العصرية، بيروت، لبنان.

22-السكاكي، أبو يوسف يعقوب بن يوسف. (1987م). مفتاح العلوم، تحقيق: نعيم زرزور. (ط2). دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

23-سيبويه، أبو البشر عمرو بن عثمان بن قنبر. (د.ت). الكتاب، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (ط1)، دار الجيل، بيروت، لبنان.

24-العلوي، يحيى بن حمزة، (1980). الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، (د.ط)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

25-الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب. (1998م). القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث بمؤسسة الرسالة. (ط6)، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

26-القزويني، الخطيب جمال الدين أبو المعالي. (1993م). الإيضاح في علوم البلاغة، تحقيق: محمد عبد المنعم خفاجي. (ط3). المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، مصر. 

27-المطعني، عبد العظيم. (2011م). التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الحكيم، (ط3). مكتبة وهبة، القاهرة، مصر. 

28-يوسف، عبد الكريم محمود. (2000م). أسلوب الاستفهام في القرآن الكريم؛ غرضه-إعرابه، (ط1). مكتبة الغزالي، دمشق، سوريا.