(أم) في القرآن الکریم - دراسة ترکیبیّة دلالیّة في ضوء الأفضلیّة اللّغویّة

الباحث المراسلد. عبدالکریم عبدالقادر اعقیلان

Date Of Publication :2022-11-13
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

 

یدرس البحث أداةً لغویّة وهی (أم)، التی تُعدُّ حرفًا من حروفِ العطف، التی تؤدی دورًا فی ربط الجمل قبلها وبعدها، وقد صُنّف هذا الحرف تصنیفین: الأوّل (أم) المتّصلة، وهی التی وُصفت بأنّها معادلة لهمزة الاستفهام، وأمّا التّصنیف الثّانی: فهو (أم) المنقطعة، وهی التی تؤوّل بمعنى الإضراب.

وتبرز أهمّیة هذا البحث فی أنّه یعرض هذه المسألة من خلال دراسة الشّواهد القرآنیّة التی اتّسع تأویل المفسّرین لـ (أم) فی الشّاهد الواحد منها، فعُدّت متصلةً فی تأویلٍ، وعُدّت منقطعةً فی تأویلٍ آخر، ممّا یدعو إلى ضرورة وضع حدودٍ فاصلةٍ للتّمییز بین هذین التصنیفین.

وقد وُسم البحث بـ (أم) فی القرآن الکریم- دراسة ترکیبیّة دلالیّة فی ضوء الأفضلیة اللّغویّة، فرسم، بذلک؛ منهجه لیکون بدراسة العلاقات التّرکیبیّة والدّلالیّة التی ترتبط بـ (أم)، متّبعًا الجانب الوصفیّ فی دراسة أطروحات اللّغویّین والمفسّرین لهذه المسألة، بالإضافة إلى الجانب التّحلیلیّ فی تقدیم تفسیرٍ لتلک الأطروحات وفق الشّواهد المدروسة، ومستعینًا بمبدأ الأفضلیّة اللّغویّة، الذی یقوم على استخلاص معاییر أو قرائن، تُعین على تحدید التّقدیر الرّاجح لتصنیف (أم) فی سیاقها.

ویفترض البحث أنّ الحدود النّحویّة لـ (أم) قد رُسمت وحُدّدت معالمها وفق تصوّر اللّغویّین للاستعمالات المتعدّدة لها، وهی حدودٌ تتّصل بجملةٍ من القرائن التی تحکم تصنیفها ودلالتها، وبناءً على ذلک؛ فإنّ تصنیفها وفق سیاقات القرآن الکریم لا ینبغی أن یخرج عن إطار هذه القرائن، کما أنّه لا ینبغی التّردّد فی تحدید تصنیفٍ واحدٍ لـ (أم) فی السّیاق.

وبناءً على ذلک؛ هدف البحث إلى الکشف عن المعاییر التی وضعها اللّغویّون لـ (أم)، إلى جانب توصیف الواقع التّرکیبیّ لـ (أم) فی القرآن الکریم من خلال دراسة شواهد توسّع المفسّرون فی تأویل دلالة (أم) فیها بین الاتّصال والانقطاع، وصولاً إلى التّرجیح بین أقوالهم وتحدید تصنیفٍ راجحٍ لـ (أم) فی تلک الشّواهد.

فجاء البحث وفق العناوین الآتیة:

-       دلالة (أم) اللّغویّة والنّحویّة

-       توصیف المعیاریّة النّحویّة لـ (أم)، ویشمل:

العلاقات التّرکیبیّة والدّلالیّة لـ (أم) المتّصلة
العلاقات التّرکیبیّة والدّلالیّة لـ (أم) المنقطعة

-       ترجیح نوع (أم) بین الاتّصال والانقطاع فی ضوء الأفضلیّة اللّغویّة

-       الجانب التّحلیلیّ

-       الخاتمة

دلالة (أم) اللّغویّة والنّحویّة:

تُعدُّ (أم) – بناءً على أقسام الکلمة – حرفًا، فتکون بذلک خالیةً من أیّة ارتباطاتٍ موقعیّة للإعراب، کما أنها لا تدلّ على معنًى فی ذاتها إلا إذا ارتبطت بعلاقات ترکیبیّة، فتکون إمّا متّصلة وإمّا منقطعة([i])، ویُقصد بالاتصال والانقطاع معادلتها للهمزة([ii]).

وهذه الهمزة إمّا أن تکون للتّسویة، کما فی قوله تعالى: [ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ   ](یس: 10) ، وإمّا أن تکون همزة الاستفهام کما فی قوله تعالى:[ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ   ](الفرقان: 15)، ویعنی ذلک أنّ معادلتها لـ (للهمزة) یجعلها متّصلةً بالکلام الذی قبلها، وعدم معادلتها لـ (للهمزة) یجعلها منقطعةً عن الکلام الذی قبلها([iii]).

واللّغویّون بهذا التّصنیف یعدّون (أم) فی حال اتّصالها دالّةً دلالةً واحدة هی: (أیّ)، وأمّا فی حال کونها منقطعة فتحتمل الدلالة على (بل) التی للإضراب([iv])، ومعها الهمزة([v])، یقول المبرّد (285ه- 898م): "وَتَقَع [أم] من الِاسْتِفْهَام فى موضِعین: أَحدهمَا: أَن تقع عدیلة للألف على معنى (أیّ)... والموضع الثانى: أَن تکون مُنْقَطِعَة مِمَّا قبلهَا خَبرًا کَانَ أَو استفهامًا... فَإِنَّمَا هُوَ إضراب عَن الأول على معنى (بل) ، إِلَّا أَن مَا یَقع بعد (بل) یَقِین، وَمَا یَقع بعد (أم) مظنون مَشْکُوک فِیهِ"([vi]).

ومن جانبٍ آخر، توصف (أم) فی الجانب النّحویّ بوصفین: الأوّل: أن تکون عاطفةً، وتحتمل هذا الوصف فی حال کونها متّصلةً، قال ابن مالک(672هـ- 1273م) فی ألفیّته([vii]):

و(أمْ) بها اعطِفْ إثْرَ همزِ التسویةْ         أو همزةٍ عن لفظِ (أیٍّ) مُغْنِیةْ

فیبیّن ابن مالک هنا أنّ (أم) العاطفة هی التی تأتی مصاحبةً لإحدى الهمزتین، وأمّا (أم) المنقطعة فیُجملُ المرادی (749هـ- 1348م) القول فی هذه المسألة فیقول: " فإن قلت: فـ (أم) المنقطعة هل هی عاطفة أو لیست بعاطفة؟ قلت: المغاربة([viii]) یقولون: إنها لیست عاطفة، لا فی مفرد، ولا فی جملة، وذکر ابن مالک أنها قد تعطف المفرد، کقول العرب، (إنها لإبل أم شاء)، قال: فـ (أم) هنا لمجرد الإضراب، عاطفة ما بعدها على ما قبلها، کما یکون بعد (بل)، فإنها بمعناها. ومذهب الفارسی، وابن جنی، فی ذلک أنها بمنزلة (بل) والهمزة، وأن التقدیر: بل أهی شاء. وبه جزم ابن مالک، فی بعض کتبه"([ix])، ومن ذلک یتبیّن أنّ مسألة العطف فی (أم) المنقطعة هی مسألة تقدیریّة وهی محلّ خلاف بین النّحویّین.

والوصف الثانی لـ (أم): أن تکون زائدة، وتحتمل هذا فی حال کونها منقطعة فقط، یقول المبرّد (285هـ- 898م): "فَأَما أَبُو زید([x]) وَحده فَکَانَ یذهب إِلَى خلاف مذاهبهم، فَیَقُول: (أم) زَائِدَة... وَکَانَ یُفَسّر هَذَا الْبَیْت (الرّجز):

یَا دهر أم مَا کَانَ مشیی رقصا     بل قد تکون مشیتی توقصا([xi])

کأنّه قال: یا دهر، ما کان مشیی رقصا"([xii]).

ومما سبق، یتّضح أن دلالة (أم) تحتمل أن تکون للاستفهام بمعنى (أیّ) إذا سبقتها همزة التسویة أو همزة الاستفهام، وإمّا أن تکون للإضراب بمعنى (بل) فی حال کونها منقطعة، وأمّا زیادتها فهی تقدیریّة.

·        توصیف المعیاریّة النّحویّة لـ (أم):

المقصود بتوصیف المعیاریّة النّحویّة لـ (أم): هو بیان الأسس التی وردت فی کتب النّحو معبّرةً عن التّرکیب النّحویّ لجملة (أم) من حیثُ العلاقات التّرکیبیّة (الأفقیّة) التی تربط المفردات قبلها وبعدها وصور هذه العلاقات، إضافةً إلى ما ورد فی دلالة (أم) فی سیاق هذه العلاقات، فقد عُدّت (أم) من حروف العطف؛ ولذلک وُصفت فی علاقاتها الترکیبیّة من جانب عطفها للمفرد أو الجملة، وجاء تصنیفها إلى منقطعةً أو منفصلة، مفضیًا إلى وجودِ دلالةٍ خاصّة بکلّ تصنیف، وهو ما سیتّضح فیما یأتی:

أوّلاً: العلاقات الترکیبیّة والدلالیّة لـ (أم) المتّصلة

أوّلاً: مع الاستفهام

أ‌.       التّرکیبُ:

تستدعی الجملة الترکیبیّة لـ (أم) المتصلة مع الاستفهام العناصر الآتیة:

-       الاستفهام، ویمثّله من أدوات الاستفهام (الهمزة) أو (هل).

-       المعطوف علیه.

-       المعطوف

فیکون ترتیب الجملة على النّحو الآتی:

استفهام + معطوف علیه + أم + معطوف

ومثال ذلک: (أبحثت فی مسألةٍ نحویّةٍ أم صرفیّةٍ؟) فالتّرکیب الموضّح فی المثال یحتوی على عناصر ترکیبیّة غیر مشمولةٍ فی التّوصیف المحدّد، والغایة من تجاهل هذه العناصر، فی تحدید الترکیب، الابتعاد عن الإطالة فی توصیف أشکال التراکیب النّحویّة الواردة – لسعتها- واهتمامًا بهدف البحث الذی یتناول العلاقات الترکیبیّة التی تلازم (أم) المتصلة، أمّا ما زاد على تلک العناصر، فهی لیست ملازمة لها، ویکفی أن یکون تنوعها دلیلاً على عدم ملازمتها.

ویدفَعُ هذا الکلام إلى الحدیث عن مظاهر التقدیر الواردة فی الترکیب الخاص بـ (أم)، وقد أُشیرَ إلى ذلک تحت مفهوم (حذف أم ومعطوفها)، ومن الشّواهد الدّالّة على ذلک (الطویل):

دَعَانی إِلَیْهَا الْقلب إِنِّی لأَمره               سمیع فَمَا أَدْرِی أرشد طلابها([xiii])

وموطن الشّاهد فی البیت: [أرشدٌ طلابها]، إذ یرى النّحاة أنّ هذا التّرکیب یستدعی تقدیر محذوفٍ وهو (أم غیّ)، وإن کان الوزن لا یستقیم بذکر هذا المحذوف، إلا أنّ المعنى دالٌّ علیه، برأیهم، وهو تقدیرٌ معقولٌ، فإن لم یکن )طلاب من خطرت على قلبه رشدًا(، فهو حتمًا غیٌّ، وهذا الشّاهد، على الرّغم من قول النّحاة فیه بالحذف، إلا أنّه یدْعَمُ القول بالعلاقة التّرکیبیّة لـ (أم) المتصلة، وذلک بملازمة الاستفهام والمتعاطفَین لها، لفظًا أو تقدیرًا.

ومثل ذلک، الحذفُ الحاصل لـ (همزة الاستفهام)، وقد استُشهدَ لهذا الحذف بقول الشّاعر (الطویل):

لَعَمْرُک مَا أدْری وَإِن کنتُ داریاً        بسَبْع رمَیْن الْجَمْر أم بثَمانِ([xiv])

إذ قدر النّحاة موطن الشّاهد: [بسبعٍ] بمعنى: أبسبعٍ. وهم بذلک یُجیزون حذف همزة الاستفهام قبل (أم)، وقد ذُکر هذا الشّاهد فی معرض الحدیث عن احتمالیّة أن تکون (أم) فی هذا البیت للإضراب، ومنهم من رأى أنّها لیست کذلک، إذ یقول المبرّد (285هـ- 898م): " فَأَما قَول ابْن أَبى ربیعَة... فَلَیْسَ على الإضراب، وَلکنه أَرَادَ: أبسبع؟ فاضطر، فَحذف الْألف، وَجعل (أم) دَلِیلا على إِرَادَته إِیَّاه"([xv]).

ب‌.  الدّلالة:

وأمّا عن تأویل معنى (أم) المتصلة فی مثل هذا الترکیب، فهو مجیئُها بمعنى (أیّ)، ویکون تقدیر المثال الذی ورد: (فی أیّ المسألتین بحثت؟)، ففی هذه الحال یکون الأمر قائمًا على الاستخبار.

ثانیًا: مع همزة التسویة

وقد وردت فی هذه المسألة إشاراتٌ عن طبیعة همزة التسویة، والألفاظ التی تدلّ علیها، ومنها: (سواء، ما أبالی، ما أدری، لیت شعری، ...)([xvi])، فتدل هذه الألفاظ على أنّ الهمزة الواردة فی الترکیب هی همزة التسویة.

أ‌.       الترکیب:

والعلاقات التّرکیبیّة لـ (أم) المتصلة مع همزة التسویة هی على النّحو الآتی:

-       لفظ التّسویة

-       همزة التسویة

-       المعطوف علیه.

-       المعطوف.

ویکون ترکیب الجملة على النّحو الآتی:

لفظ التسویة + همزة التسویة + المعطوف علیه + أم + المعطوف

ومثال ذلک: (ما أبالی أبعیدٌ هدفی أم قریب)، وللحدیث عن المکونات الوظیفیّة للعناصر السّابقة فی هذا المثال، نُشیر إلى أنّ العطف هنا قد حصل بین جملة (بعیدٌ هدفی) و جملة (قریب) المقدرة بـ (هو قریبٌ). وبذلک؛ یجتمع فی (أم) المتصلة عطفها للمفرد کما فی التّرکیب الأوّل المصاحب للاستفهام، وعطفها للجملة کما فی هذا المثال المصاحب لهمزة التّسویة.

ب‌.  الدلالة:

یضعفُ تقدیر جملة (أم) فی هذا الترکیب بـ (أیّ)، لیُقال: (ما أبالی أیّ البُعدین هدفی)، فالاستفهام فی هذا التّرکیب خارجٌ حتمًا عن باب الاستخبار إلى غرض (التسویة) بقرینة مجیء لفظ التسویة فی الجملة؛ ولذلک فالجملة لا تستدعی أن یُجاب علیها، بل یصحُ، أیضًا، أن تکون داخلةً فی باب الخبر الذی یحتمل الصدق والکذب، بخلاف (أم) بعد همزة الاستفهام التی تستدعی تعیین أحد الجوابین، فالمستفهم بجملة التسویة "یستوی عنده الوجودُ والعدم"([xvii])؛ ولذلک قیل فی همزة التّعیین: الهمزة المغنیة عن (أیّ)([xviii])، وبذلک، یُفهم ما أشار إلیه النحاة من أنّ (أم) المتصلة تأتی بعد الاستفهام وبعد الخبر، بأنّ قصد الاستخبار یکون مع همزة التعیین، وقصد الخبر المحتمل للصدق والکذب یکون مع همزة التّسویة، ولا ینفی ذلک تقدیرَ الاستفهام مع همزة التسویة بأنّه خارج إلى غرض التسویة، ولذلک؛ فإنّ دلالة (أم) فی هذا التّرکیب متعلّقة بهذا الغرض.

ثانیًا: العلاقات الترکیبیّة والدلالیّة لـ (أم) المنقطعة

أ‌.       التّرکیب

یشتمل الترکیب النحویّ لـ (أم) المنقطعة على الجوانب الآتیة:

جملة خبریّة أو استفهامیّة + أم + جملة

فقد أشار النّحاة إلى أنّ (أم) المنقطعة، تأتی بعد جملةٍ خبریّة، أو جملةٍ استفهامیّة لغیر الاستفهام الحقیقیّ الذی یُطلبُ به التّعیین، کما هو الحال مع (أم) المتّصلة، وهی فی مجیئها بعد الخبر أو الاستفهام لا یُراد بها إلاّ الإضراب، یقول المبرّد (285هـ-898م): "و(أم) المنقطعة تقع بعد الاستفهام کموقعها بعد الخبر، ومن ذلک قولک: أزید فى الدار أم لا؟ لیس معنى هذا: معنى (أیهما) ، ولکنک استفهمت على أنک ظننت أنه فى الدار، ثم أدرکک الشک فى أنه لیس فیها، فأضربت عن السؤال عن کونه فیها، وسألت عن إصغارها منه"([xix])، ومن أمثلة مجیء (أم) المنقطعة بعد الخبر قولهم: "إنّها لإبلٌ أم شاء"، والتقدیر: (إنّها لإبلٌ بل أهی شاءٌ)([xx]).

وأمّا ما یأتی بعد (أم) المنقطعة، فهو جملةٌ، ولا یأتی بعدها مفردٌ، وإذا جاء بعدها مفردٌ فإنّ النحاة یقدرونه بجملة مبتدأ وخبرٍ، وقد أشار یوسف البقاعیّ فی تحقیقه لأوضح المسالک إلى علّة ذلک بقوله: "لأنها [أی: (أم) المنقطعة] غیر عاطفة؛ بل هی بمعنى بل الابتدائیة، وحرف الابتداء، لا یدخل إلا على جملة"([xxi]).

ویدخل موضوع التقدیر فی الترکیب النّحویّ لـ (أم) المنقطعة فی الجملة التی تأتی بعدها، ویحتمل التقدیر جانبین: الأول: تقدیر الاستفهام، والثّانی: تقدیر المبتدأ أو الخبر، فأمّا الاستفهام فیُقدّر بالمناسب من أدوات الاستفهام، وإن أشار بعض النّحاة إلى عدم دخول (أم) المنقطعة على الهمزة، إلا أنّ ما ورد فی کتبِ کثیرٍ منهم یُظهر تصریحهم بتقدیر الهمزة أو بتقدیر (أم) نفسها بالهمزة([xxii]).

ومن الشّواهد على تقدیر الاستفهام قول الشّاعر(الکامل):

کَذَبَتکَ عینُک أم رأیتَ بواسطِ                غَلسَ الظّلامِ من الربَّاب خَیالا([xxiii])

فقد أُشیرَ إلى أنّ (أم) فی هذا البیت هی المنقطعة، بالقیاس على قولهم (إنّها لإبلٌ أم شاء)، وما قبلها جملةٌ خبریة، على أحد القولین، وهو القول الذی یرجّحه المبرّد (285هـ- 898م) فی الکامل، ویرى أنّه أجود من تقدیر استفهامٍ فی الجملة التی تسبق (أم) فی هذا البیت([xxiv]).

ومن النّحاة من یقدّر(أم) وما بعدها بجملة استفهام، وهذا ما یُفهمُ من عبارة: "واستؤنف بها الاستفهام من غیر أن یتقدم قبله استفهام"([xxv]) والسؤال هنا: أیکون تقدیر الاستفهام فی (أم) المنقطعة نفسها بأن تکون مؤولة باستفهام، أم یُقدر الاستفهام بعدها؟ ویمکن القول بأنّ (أم) المنقطعة لا یصحّ أنَ استفهامًا بذاتها، بل إنّ الدّلالة على الاستفهام هو من توابع وجودها، ویُستَدَلُّ على ذلک بمجیء الاستفهام بعدها فی کثیرٍ من الشّواهد، فلو کانت تدل على الاستفهام فی ذاتها لما احتاجت أن یجیء الاستفهام بعدها، وذلک کقوله تعالى: [ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ   ] (النمل: 84).

 ومن الشواهد أیضًا، قول الشّاعر(الطویل):

أَلَیْسَ أبی بالنّضر أم لَیْسَ وَالِدی           لکــــــلّ نجیبٍ من خُزَاعَة أزهرا([xxvi])

فکما هو مذکورٌ فی البیت، سُبقت (أم) بالاستفهام بـ (الهمزة)، وقد قیل فی (أم) إنها المنقطعة، قال السیرافی (385هـ- 995م): "والشاهد فیه أنه جاء بـ (أم) منقطعةْ وفیها معنى الإضراب، والتقدیر: ألیس أبی النضر، بل ألیس والدی لکل نجیب"([xxvii])، ویمثّل هذا الشّاهد مستندًا للقول بأنّ (أم) المنقطعة تأتی بعد جملة استفهامیّة کما تأتی بعد جملة خبریةّ، وتقدیر الاستفهام فی هذا الشّاهد یؤیّد ما أشار إلیه المرادی (749هـ- 1348م) من أن ابن مالک (672هـ- 1273م) یرى أن الأکثر فی استعمال (أم) المنقطعة أن تکون دالّةً على الإضراب والاستفهام معًا([xxviii])، وعلى ذلک، یکون السیاق الدّال على الاضراب هو الفصل فی الحکم بین (أم) المتصلة و(أم) المنقطعة فی حال مجیء الاستفهام فی الجملة السابقة لـ (أم).

ب‌.   الدلالة

تحمل (أم) المنقطعة دلالة الإضراب، ولذلک حکم النحاة بأنها بمعنى (بل)، وأضافوا بأنّ دلالتها على الإضراب مشترکة مع دلالتها على الاستفهام، یقول المرادی (749هـ- 1348م): "واختلف فی معناها [أی: (أم) المنقطعة]، فقال البصریون: إنها تقدر بـ (بل) والهمزة مطلقاً، وقال قوم: إنها تقدر بـ (بل) مطلقاً، وذکر ابن مالک أن الأکثر فی استعمالها أن تدل على الإضراب مع الاستفهام، وقد تدل على الإضراب فقط، ولکونها قد تخلو من الاستفهام؛ دخلت على أدوات الاستفهام، ما عدا الهمزة... وقدر بعضهم (أم) هذه بالهمزة وحدها"([xxix]).

وأمّا الاستفهام الذی أُشیر إلى مشارکته (أم) المنقطعة فقد یکون استفهامًا حقیقیًّا، وقد یخرج عن الحقیقة إلى أغراضَ أخرى، یقول ابن هشام (761هـ- 1359م): "والمنقطعة ... لا یفارقها معنى الإضراب، وقد تقتضی مع ذلک استفهامًا؛ حقیقیًّا نحو: (إنها لإبلٌ أم شاءٌ)؛ أی: (بل أهی شاء)، وإنما قدرنا بعدها مبتدأ؛ لأنها لا تدخل على المفرد، أو إنکاریًّا؛ کقوله تعالى: [ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ  ](الطور: 39)، أی: (أله البنات)، وقد لا تقضیه ألبتة؛ نحو: [ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮭ]( الرعد: 16)، أی: (بل هل تستوی)؛ إذ لا یدخل استفهام على استفهام"([xxx]).

 

·        ترجیح نوع (أم) بین الانقطاع والانفصال فی ضوء الأفضلیّة اللّغویّة

إنّ التّوسُّع فی الحکم على (أم)، بأنّها (أم) المتّصلة أو (أم) المنقطعة، قد أدَّى إلى الجمع بین کلا التصنیفین فی شاهدٍ واحدٍ؛ فقد وُجِدَتْ شواهدُ کثیرةٌ اختلفَ فیها اللغویّون والمفسّرون؛ فتوسَّعَ التّأویلُ فیها؛ ممّا سوَّغ لهم القول بأنْ تُعَدَّ (أم) فی الشاهد الواحد (متصلةً) بتأویلٍ، أو (منقطعةً) بتأویلٍ آخر؛ مما یدعُو إلى ضرورة وضعِ حدودٍ فاصلةٍ تُساهمُ فی منع اللّبْس بین (أم) بنوعیها([xxxi]).

وبالنّظر فی هذه الشّواهد، یُمکنُ تحدیدُ نوعِ (أم) وتخصیصُه، بالاستعانةِ بالمعیاریّة التی وُصفت فیما سبق، والأخذ بمفهوم الأفضلیّة اللّغویّة([xxxii])، الذی یقوم على تحدید القرائن التی تُعزّز من قوّة تصنیفٍ وتُرَجِّحُهُ على تصنیفٍ آخر.

وفیما یأتی دراسةٌ لجملةٍ من الشّواهد التی وُجدَ فیها التّوسُّع فی تصنیف (أم):

أوّلاً: قوله تعالى: [ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ] (الرعد:33).

وردت (أم) فی هذه الآیة مرتین: الأولى: (أم تنبئونه)، والثانیة: (أم بظاهرٍ من القول)، وقد جاء موقف المفسرون من الأولى على رأیین: فمنهم من رأى أنها (أم) المنقطعة، قال الزمخشریّ (538هـ- 1143م): "(أَمْ) تُنَبِّئُونَهُ على (أم) المنقطعة، کقولک للرجل: قل لی من زید أم هو أقل من أن یعرف، ومعناه: بل أتنبئونه"([xxxiii])، ومنهم من أشار إلى أنها (أم) العاطفة المتصلة، قال القرطبی (671هـ- 1272م) : "(أم) استفهام توبیخ، أی أتنبئونه، وهو على التحقیق عطف على استفهام متقدم فی المعنى؛ لأن قوله: (سموهم) معناه: (ألهم أسماء الخالقین أم تنبئونه بما لا یعلم فی الأرض)؟"([xxxiv]).

وأمّا (أم) الثانیة فی قوله تعالى: (أم بظاهرٍ من القول)، فیقول ابن عاشور(1393هـ): "(أم) الثانیة متصلة هی معادلة همزة الاستفهام المقدرة فی أم تنبئونه، وإعادة الباء للتأکید بعد (أم) العاطفة. والتقدیر: (بل أتنبئونه بما لا یعلم فی الأرض بل أتنبئونه بظاهر من القول)"([xxxv])، ویُلحظ من مقولة ابن عاشور أنّه جمع بین نقیضین فی تقریره بأنّ (أم) هنا متصلة، وأنّها بمعنى (بل)، فهو إن ذهب بأنها متصلة، فهو یُخالف رأی النّحاة الذی أوردناه سابقًا، إذ رأوا أنها تُقدّرُ بـ (أیّ)، وإن هو قدرها بـ (بل) فقد یُفهم من ذلک مناقضته لمقولته بأنّها متصلة، بحسب رأی النحاة أیضًا الذی یقول بأن تقدیر (أم) بـ (بل) لا یکون إلا فی المنقطعة، فما الذی حمل ابن عاشور على أن یجمع بین هذین النقیضین؟.

وقد وُجِدَ موقفٌ مغایرٌ لموقف ابن عاشور(1393هـ- 1973م)، جاء على لسان أبی حیّان الأندلسیّ (745هـ- 1344م)، وهو موقفٌ مغایرٌ من جانبین: جانب تحدید نوع (أم)، وجانب تأویل جملة (أم) الثانیة، فیقول: "والظاهر فی (أم) فی قوله: (أم بظاهر) أنها منقطعة أیضا أی: بل أتسمونهم شرکاء بظاهر من القول من غیر أن یکون لذلک حقیقة"([xxxvi])، فأبو حیّان یرجّح أن تکون (أم) هنا منقطعة - وهذه مغایرة لما رأه ابن عاشور فی نوع (أم)- ثم یورد رأیًا آخر فی (أم) فیقول: "وقیل: (أم) متصلة، والتقدیر: أم تنبئونه بظاهر من القول لا حقیقة له"([xxxvii])، والمغایرة هنا فی تأویل الجملة، ولذلک فإنّ موقف أبی حیّان فی تحدید نوع (أم) کان أبعد عن التناقض، الذی ظهرَ عند ابن عاشور فی کلامه، الذی سبق، عن الشّاهد نفسه.

ومن خلال تلک الأقوال یمکن أن نصف ترکیب جملة (أم) ودلالتها على النحو الآتی:

قوله تعالى: [ ﯯ ﯰ]

القول بأنها متصلة یقتضی تقدیر جملة محذوفة قبلها، تُفهم من قوله تعالى: (قل سمّوهم)، بتقدیر استفهام، فیکون تقدیر الجملة: (ألهم أسماء الخالقین؟ أم تنبئونه بما لا یعلم فی الأرض؟)([xxxviii])، ومحاولةُ تقریب الصورة المرسومةِ سابقًا لدلالة (أم) المتصلة وهی (أیّ)، یکون تقدیر الکلام: (أیُّ الأمرین تنبّئون الله به؟)، وهذا الاستفهام کما أُشیر سابقًا هو استفهامٌ استنکاریٌّ للتوبیخ.
القول بأنّها منقطعة یقتضی أن یکون ترکیبها مع الجملة السابقة لها، فیکون کما قال تعالى: (قلْ سمّوهم أم تنبّئونه بما لا یعلم)، وقد قرب الزّمخشریّ (538هـ- 1143م) صورة هذا الترکیب بتمثیله بقوله: (قل لی من زید أم هو أقل من أن یعرف)، ویکون تقدیر دلالة الترکیب: (قل سموهم بل أتنبئونه بما لا یعلم فی الأرض؟)، إذ إنّ دلالة (أم) المنقطعة هی (بل) التی للإضراب.

وبذلک؛ یُرجَّحُ أن تکونَ (أم) فی هذا التّرکیب هی المنقطعة؛ لأمرین: الأوّل: أنّ عدَّها متّصلة یقتضی تقدیر جملةٍ محذوفة قبلها، والأخذ بترکیب الجملة دون تقدیر أولى من التّقدیر، والثّانی: أنّ التّقدیر الذی أشار إلیه المفسّرون شمل تقدیر استفهامٍ جاء للإنکار، وهذا النّوع من الاستفهام لا تکون معه (أم) بمعنى (أیّ) التی تطلب تعیین أحد الأمرین، بینما تأویل (أم) بمعنى (بل) للإضراب مناسبًا لمدلول السّیاق.

ومن جانبٍ آخر، فإنّ الاستفهام الذی جاء فی أول الآیة وهو قوله تعالى: (أفمن هو قائمٌ) فلیس هو الاستفهام الذی یتّصل بجملة (أم تنبّئونه) فی حال کون (أم) متصلة - إذ قدّر له المفسّرون خبرًا محذوفًا، کما قال البغویّ (510هـ): "وجوابه محذوف تقدیره: کمن لیس بقائم بل عاجز عن نفسه"([xxxix])، والمقصود بجوابه: خبر (مَن)- وهو لیس الاستفهام الذی یتصل بجملة (أم بظاهرٍ) فی حال أنّ (أم) متصلة أیضًا.

قوله تعالى: [ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ]

القول بأنّ (أم) هنا متّصلة یجعلها مرتبطة بجملة (أم تنبئونه)، إذ یُقدّرُ بعد (أم) هنا استفهامٌ، فیکون التأویل: (أم أتنبئونه بما لا یعلم فی الأرض أم بظاهرٍ من القول)، وقد أشار ابن عاشور (1393هـ) إلى أنّ مجیء حرف الجرّ فی قوله تعالى: (بظاهرٍ) دلیلٌ على العطف على قوله: (بما)، ویکون تقدیر دلالة الترکیب: (بأیّ الأمرین تنبئونه؟)، ولا یختلف غرض الاستفهام فی هذه الجملة عن سابقتها التی جاء فیها الاستفهام إنکاریًّا للتوبیخ.
القول بأنّ (أم) منقطعة، وهو ما رجّحه أبو حیّان (745هـ- 1344م)، جعله یُقدر الترکیب بقوله: (بل أتسمونهم شرکاء بظاهر من القول)، والملاحظ على هذا التقدیر أنّه تقدیر لتفسیر الجملة ولیس تقدیرٌ لترکیبها فی السیاق، فالسیاق فیه جملٌ غیر جملة (سموهم)، فهناک جملة (أم تنبّئونه بما لا یعلم) التی تَظهرُ علاقتها الدلالیة بجملة (أم بظاهر) عندما عددناها (أم) المتصلة، وهنا، ملمحٌ من ملامح التنوّع فی تفسیر الآیات القرآنیة وأخذها على أکثر من وجهٍ تتعدد معه التأویلات، إلا أنّنا نرجّح أن تکون (أم) فی هذا التّرکیب منقطعة؛ وذلک من خلال الأخذ بدلالة (أم) بمعنى (بل) والاستفهام المقدر معها هو استفهامٌ لغرض الإنکار، إضافةً إلى أنّه استفهامٌ مقدّر ولیس ظاهرًا فی التّرکیب، وبذلک؛ فإنّ المعطیات فی هذا التّرکیب ترجّح أن تکون (أم) منقطعة، وقد قال بذلک أبو حیّان کما أشرنا.

ثانیًا: قوله تعالى: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ   ] (الطور:15)

لقد أشارت کتب التفسیر إلى أن الاستفهام فی هذه الآیة إنّما هو استفهام استنکاریّ للتقریع والتوبیخ، قال الزجاج (311هـ- 923م): "لفظ هذه الألف لفظ الاستفهام، ومعناها ههنا التوبیخ والتقریع أی: أتصدقون الآن أن عذاب الله لواقع"([xl])، وجاء فی تصنیف (أم) فی هذه الآیة وجهان، فمن قائلٍ بأنّها منقطعة، کما ورد فی التحریر والتنویر، إذ یقول ابن عاشور (1393هـ- 1973م): "(أم) منقطعة، والاستفهام الذی تقتضیه (أم) بعدها مستعمل فی التوبیخ والتهکم، والتقدیر: بل أأنتم لا تبصرون"([xli])، وذکر محیی الدین درویش (1403هـ- 1982م)، وجهین لـ (أم) فی هذه الآیة، إذ قال: "و(أم) یجوز أن تکون منقطعة بمعنى (بل) لأن الکلام تم عند قوله (أفسحر هذا) ثم قال: (أم أنتم) أی: (بل أنتم لا تبصرون)، ویجوز أن تکون متصلة أی: لیس شیء منهما ثابتا فثبت أنکم قد بعثتم وأن الذی ترونه حق فهو تقریع شدید وتهکم فظیع"([xlii]).

ومن هنا یظهر أنّ (أم) فی الآیة السابقة قد وُجّهت وجهین: منقطعة، ومتصلة، وکلُّ توجیه یذهب بالمعنى لیوافق القصد الذی فسّره المفسرون، دون أن یکون هناک تضاربٌ بینهما، بل بینهما اتفاق فی أن الاستفهام قبلها هو للتقریع والتوبیخ.

ویظهر ترکیب (أم) فی الآیة على النحو الآتی:

القول بأن (أم) متصلة، یقتضی أن تؤوّل الآیة بالجمع بین طرفیّ المعادلة (السحر) و(عدم الإبصار)، فیکون التقدیر: (أیّ الباطلین یمنعکم من الإقرار بجهنم؟)، فهی ماثلة أمام أعینهم، فما یمنعهم من التصدیق بها، السحر الباطل، أم عدم الإبصار الکاذب، ودلالة (أم) هنا (أیّ) مع همزة استفهام أو (أیّ) وحدها، ولا تضارب بینهما.
القول بأنّ (أم) منقطعة، یقتضی أن تکون جملة (أم) مستأنفة بمعنى الإضراب، فیکون تقدیر الآیة: (بل أأنتم لا تبصرون)، أو (بل أنتم لا تبصرون)، على حد قول النحاة من أنّ (أم) المنقطعة تؤول بـ (بل) وحدها، أو بـ (بل) والاستفهام، وهذا القول الأخیر هو ما أخذ ابنُ عاشور کما یظهر فی إشارته التی وردت سابقًا.

ثالثًا: قوله تعالى: [ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ   ] (البقرة:80).

یقول الزّمخشریّ (538هـ- 1143م) فی کشّافه: "وأَمْ إمّا أن تکون معادلة بمعنى: أیّ الأمرین کائن على سبیل التقریر، لأن العلم واقع بکون أحدهما، ویجوز أن تکون منقطعة"([xliii])، وقد وافقه فی ذلک البیضاوی فی تفسیره إذ یقول: "أم معادلة لهمزة الاستفهام بمعنى: أی الأمرین کائن، على سبیل التقریر للعلم بوقوع أحدهما، أو منقطعة بمعنى: بل أتقولون، على التقریر والتقریع"([xliv])، وقد ذکر أبو حیّان الأندلسیّ (745هـ- 1344م) فی البحر المحیط: " (فلن یخلف الله وعده)... هذه الجملة جواب الاستفهام الذی ضمن معنى الشرط، کقولک: أیقصدنا زید؟ فلن نجیب من برنا... ولذلک قال الزمخشری: فلن یخلف متعلق بمحذوف تقدیره: (إن اتخذتم عنده عهدًا فلن یخلف الله عهده)، کأنه اختار القول الثانی من أن الشرط مقدر بعد هذه الأشیاء"([xlv]).

وبالنّظر فی ترکیب جملة (أم) وفقًا للسّیاق الظّاهر، نجد ما یأتی:

-       اعتبار (أم) متّصلة، یفرض ارتباطها بالاستفهام السّابق لها (أتّخذتم...)، وهذا الارتباط مدعومٌ بالمعنى الظّاهر من السّیاق وقد أشار إلیه المفسّرون وهو (العلم بوقوع أحدهما)؛ وبذلک تُعدُّ جملة (فلن یُخلف الله عهده) جملةً معترضةً.

-       اعتبار (أم) منقطعة، یفرض انفصالها عن الارتباط بالاستفهام السّابق ومجیئها بتقدیر معنى التّقریع والإنکار اعتمادًا على قرائن معنویّة، منها: الأخذ بمعنى السّیاق الدّالّ على التّقریع والإنکار، ومنها أنّ الاستفهام فی أوّل الجملة یتضمّن معنى الشّرط؛ فتکون جملةُ (فلن یُخلف الله عهده) جوابًا للشّرط، بدلالة ارتباط حرف (الفاء) بها، إذ تدخل الفاء على جواب الشّرط، فتکون بذلک قرینةً لفظیّةً على تضمّن معنى الشّرط فی الاستفهام.

وممَّا سبق، یظهر أنّ کلا الاحتمالین، اشتمل على قرائن لفظیّة وقرائن معنویّة، وهی على النّحو الآتی:

-       (أم) متّصلة:

القرائن اللّفظیّة: الاستفهام بالهمزة.
القرائن المعنویّة: العلم بوقوع أحد الأمرین

-       (أم) منقطعة:

القرائن اللّفظیّة: ارتباط الفاء بجملة (لن یخلف الله وعده)، یجعلها جوابًا للاستفهام.
القرائن المعنویّة: الدلالة على الإنکار والتقریع، وتضمّن الاستفهام معنى الشّرط.

وبذلک؛ فالقرینة اللّفظیّة (همزة الاستفهام) لها ارتباط مباشرٌ بالتّرکیب، بینما کانت قرینة (الفاء) هی قرینة لفظیّة لمعنًى مُتَضَمّن، وعلى هذا فإنّ الأخذ بدلالة (أم) اعتمادًا على قرینتین: قرینةٍ لفظیّة مباشرة، وهی (همزة الاستفهام)، وقرینة معنویّة، هی (العلم بوقوع أحد الأمرین)، یجعل من ترجیح أن تکون (أم) هنا متّصلة أولى من الانفتاح فی دلالتها على الانقطاع اعتمادًا على قرینةٍ معنویّة، و قرینةٍ لفظیّة غیر مباشرةٍ أو قرینةٍ على معنًى مقدّر أو متضمّن، ویُضاف إلى ذلک، أنّ عدَّ (أم) متصلة لا یُلغی المعانی المترتّبة على (أم) فی حال انقطاعها وهی التقریع والإنکار، إذ یتضمن اعتبار (أم) متّصلة هذه المعانی، فی حین، یکون اعتبار (أم) منقطعة مُضعفًا لما یترتّب على اتصال (أم) من معنى الاستفهام التصوّریّ الذی یُطلب منه تعیین أحد الأمرین.

رابعًا: قوله تعالى:[ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ](الصّافات: 149-150).

القولُ بأنّ (أم) هنا للإضراب هو ما أشار إلیه أبو السّعود العمادیّ (982هـ- 1574م)، إذ یقول بأنّ قوله تعالى: (أم خلقانا الملائکة إناثًا) "إضرابٌ وانتقالٌ من التبکیتِ بالاستفتاءِ السَّابقِ إلى التَّبکیتِ بهذا کما أُشیر إلیه أی: بل أخلقنا الملائکةَ"([xlvi])، کما أورد ابن عاشور(1393هـ- 1973م) أن "(أم) منقطعة بمعنى (بل) وهی لا یفارقها معنى الاستفهام، فالکلام بعدها مقدر بهمزة الاستفهام، أی: (بل أخلقنا الملائکة إناثًا)"([xlvii])، وأورد محیی الدین درویش(1403هـ- 1982م) أنّ "(أم) حرف عطف معادلة للهمزة، کأنّ المستفهم یدعی ثبوت أحد الأمرین ویطلب تعیینه منهم قائلا: (أی هذین الأمرین تدعونه)"([xlviii]).

ومن خلال هذه الأقوال، ورد فی کتب هؤلاء المفسرین ما یُظهِرُ اتّفاقهم فی أنَّ (أم) فی هذه الآیة منقطعة، وقد أشار محمد عبدالخالق عضیمة فی کتابه دراسات لأسلوب القرآن الکریم([xlix]) إلى أنّ (أم) فی هذه الآیة تحمل الوجهین، ولم یَنْسُب (أم) متصلةً لأحدٍ من المفسّرین، فما الذی دفعه لهذا التّوسُّع فی التأویل؟.

وبالنّظر فی ترکیب (أم) فی الآیة، فإننا سنقدر أحد الترکیبین الآتیین:

-       (أم) منقطعة: استفهام + أم + جملة

-       (أم) متصلة: همزة الاستفهام + المعطوف علیه + أم + المعطوف

ویفیدُ البحث عن القرائن فی تحدید أیّ الترکیبین هو الأصوب فی التقدیر، ویظهر أنّ وجود الاستفهام قرینةٌ لفظیّةٌ مشترکةٌ بین (أم) المنقطعة و (أم) المتصلة، وإن کانت أکثر صلةً بالمتصلة منها بالمنقطعة، إذ تأتی المنقطعة غیر مسبوقةٍ باستفهام، بینما لا بدّ للمتصلةِ من همزةٍ سواءً أکانت للاستفهام أم للتسویة.

وأمّا عن القرینة المعنویّة، فإنّ ما ذهب إلیه المفسّرون من فصل ما بعد (أم) عمّا قبلها فهو على اعتبار أنّ جملة الاستفهام (ألربک البنات ولهم والبنون) مکتفیةُ المعنى، فهو إنکارٌ لتصنیفهم نسبة المخلوقات على حسب أهوائهم وما یشتهون، ثم یأتی إنکارٌ آخر على ادّعائهم بأنّ ما نسبوه إلى الله تعالى، هو من جنس مخلوقاتٍ أنثویّة دون أن یملکوا أی دلیلٍ على صحّة هذا الادّعاء، وکأنّ التّصنیف الأوّل بنسبة البنات إلى الله – تعالى الله عما یقولون- قد یتضمّن إنکار أن یکون الملائکة من الإناث بادّعائهم، ویمکن وصف هذا القول بأنّه مجاراةٌ لادّعائهم الأوّل وإقامةٌ للحجة علیهم بإنکار أساس دعواهم الباطلة.

إذن، فلیس فی التّرکیب ارتباط للجملة الآتیة بعد (أم) بما قبلها، إلا من حیث أنّها مجاراةٌ لتصنیفٍ سابقٍ باطل، وهو نسبة الإناث إلى الله – تعالى الله عما یقولون – فهو باطلٌ فی حقیقته، فجاءت هذه الجملة لتبطل أساس هذا التّصنیف، وتقدیر الإضراب مناسبٌ لأداء هذا المعنى؛ لأنّه یُبطل الأساس وما بُنی على هذا الأساس، بتقدیر إضرابٍ واستفهامٍ إنکاریّ آخر.

وأمّا إن عُدَّت (أم) متصلةً فإنّ تقدیر ارتباط ما بعدها بما قبلها فی المعنى یستدعی تقدیر (أیُّ الأمرین تدّعونه؟ أنسبةُ الإناث إلى الله أم خلق الملائکة إناثًا؟)، وبالنّظر فی هذا التقدیر یظهرُ أنّ کلا الادّعاءین حاصلٌ منهما، ولیس فیه طلبٌ بتحدید أحدهما، إذ کلاهما منکرٌ، وبذلک، فإن عدَّ (أم) متصلةً فی هذا التّرکیب وبهذا التقدیر لا یرتقی إلى صوابیّة اعتبار (أم) منقطعة، إذ یُؤیّدُ ذلک اللّفظُ والمعنى، ولذلک فإننا نرجح أن تکون (أم) منقطعة ولا نرى أنّ الاتّصال یخدم المعنى المراد، وهذا هو ما ذهب إلیه المفسّرون، وهو ما صرّح به محمد عضیمة نفسُه.

خامسًا: قوله تعالى: [ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ] (ص:75).

ذکر القرطبی (671هـ- 1272م) فی تفسیره: "وقرأ محمد بن صالح([l]) ... : (بیدی استکبرت) موصولة الألف على الخبر وتکون (أم) منقطعة بمعنى (بل) مثل:[ﭜ ﭝ ﭞ ﭯ] (السجدة:3) وشبهه، ومن استفهم فـَ(أم) معادلة لهمزة الاستفهام وهو تقریر وتوبیخ"([li])، وقال أبو السّعود (982هـ- 1574م): "وقُرىء بحذفِ همزةِ الاستفهامِ ثقةً بدلالةِ أمْ علیها"([lii])، وذکر محیی الدّین درویش (1403هـ- 1982م): "الهمزة للاستفهام الإنکاری التوبیخی وهمزة الوصل سقطت استغناء عنها و(استکبرت) فعل وفاعل، و(أم) عاطفة متصلة ولا یمنع من ذلک اختلاف الفعلین، قال سیبویه [170هـ- 796م]: (وتقول: أضربت زیدا أم قتلته، فالابتداء هنا بالفعل أحسن؛ لأنک إنما تسأل عن أحدهما لا تدری أیهما کان، ولا تسأل عن موضع أحدهما، کأنک قلت: أی ذلک کان؟)"([liii]).

ومن خلال هذه الشروحات یظهر لنا تعدّد أقوال المفسّرین فی (أم)، فقد أشاروا إلى أنّها تُعدُّ متصلةً باعتبار إثبات همزة الاستفهام، وهی أیضًا متصلة، وإن اُعتبرتْ القراءة بهمزة الوصل باعتماد دلالة (أم) على الهمزة، وهناک من رأى إن القراءة بهمزة الاستفهام تقضی باتصال (أم) بخلاف القراءة بهمزة الوصل.

وبالنّظر فی ترکیب جملة (أم) وما قبلها، یمکننا ملاحظة ما یأتی:

-       (أم) متصلة: استفهام + جملة فعلیّة + (أم) + جملة فعلیّة

وهذا التّرکیب هو ما تأتی علیه (أم) متّصلةً، فتکون الجملة التالیة لـ (أم) معطوفةً على الجملة السّابقة لها، وقد صرّح محیی الدّین درویش (1403هـ) بأنّ اختلاف الفعلین فی الجملتین لیس بمانعٍ من اتّصالهما، وهذا خلاف ما ذهب إلیه محمد عضیمة فی ضوابطه التی وضعها للتفریق بین (أم) المنقطعة و(أم) المتّصلة، وذلک من عدّة جوانب، أبرزها: رأیه فی أن اختلاف المعنى بین الفعلین یرجّح أن تکون (أم) منقطعة([liv])، وفی هذا التّرکیب فإن الفعل التّام (استکبرت) هو غیر الفعل النّاسخ (کنت)، ولهذا کان رأی محیی الدّین درویش (1403هـ- 1982م) أنّه لا یرى بأسًا فی اختلاف الفعلین، إذ لا یمنع ذلک من أن یکون ما بعد (أم) متّصلاً بما قبلها، إضافةً إلى أنّ المسند إلیه لکلا الفعلین (التّام – استکبر) و(النّاقص – کان) هو شیءٌ واحدٌ، وقد أشار محمد عضیمة إلى أنّ هذا الاشتراک یرجّح بأن تکون (أم) معه متصلةً([lv]).

-       (أم) متّصلة: جملة فعلیّة محذوفة الاستفهام + (أم) + جملة فعلیّة

ویصحّ مع هذا التّرکیب أن تُعدَّ (أم) متصلةً؛ ذلک بأنها تأتی بعد الاستفهام، وقد ظهر معنا أنّ تعلیل مجیء (أم) دون استفهام هو ما تحمله (أم) من دلالةٍ علیه، وهذا یُشیر إلى استفهامٍ متضمَّنٍ قبلها، ویُمکن تقدیر الجملة بوصف (أم) متصلة باستحضار الاستفهام القائم على تعیین أحد الأمرین: الاستکبار أو العلّو، فیکون التّقدیر: أیّ الأمرین فیک؟. وهذا یعنی أنّ القراءة بهمزة الوصل تحتمل تقدیر استفهامٍ محذوفٍ، ولحذف الاستفهام شواهدُ مثبتةٌ کالذی ورد سابقًا([lvi]).

-       (أم) منقطعة: جملة فعلیّة خبریّة + (أم) + جملة فعلیّة

ویأتی هذا التّرکیب على القراءة المُشار إلیها سابقًا، وهی قراءةٌ غیر مشهورةٍ لابن کثیر (747هـ- 1346م)([lvii]) التی تُقرأ فیها الهمزة للوصل، وهی بهذا التّرکیب لا تعدو أن تکون (أم) منقطعة إذ لا تأتی (أم) المتصلة بعد جملةٍ خبریّة.

وبالإشارة إلى القرینة المعنویّة فی التّراکیب السّابقة على اختلاف القراءتین، نجد أنّ تقدیر (أم) بالاستفهام بـ (أیّ) أقوى من تقدیرها بمعنى (بل)، فلیس إبلیس من العالین لکی یُضربَ عن معنى استکباره، إذ لا یوجدُ دلیلٌ على هذا الاعتبار، أمّا إذا قدّرنا (أم) بـ (أیّ) فإن معناها یصحُّ هنا، مع وضوح الاستنکار والتّوبیخ فی الاستفهام، توبیخًا على استکباره، واستنکارًا لکونه من العالین، وهذا یرجّح اتّصال (أم) هنا.

سادسًا: قوله تعالى:[ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ   ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ](الزّمر: 8-9).

أورد الزّجّاج (311هـ- 923م) فی حدیثه حول هذه الآیات تأویلین لـ (أم)، فقال: " ویُقرأ (أَمَنْ هو قانِتٌ) بتخفیف المیم، وتأویله: أمن هو قانت کهذا الذی ذکرنا ممن جعل للَّهِ أنداداً، وکذلک (أَمَّنْ) معناه بَلْ أَمَنْ هو قانت کغیره، أی أمن هو مُطیعٌ کَمن هُوَ عَاصٍ"([lviii])، وجاء فی تفسیر القرطبی (671هـ- 1272م) حول جملة (أمّن هو قانتٌ): "فالجملة التی عادلت (أم) محذوفة، والأصل (أم من) فأدغمت فی المیم، النحاس: و(أم) بمعنى(بل)"([lix])، وأورد ابن عاشور (1393هـ- 1973م) وجهی تأویل (أم)، إذ قال: "أحدهما: أن تکون (أم) معادلة لهمزة استفهام محذوفة مع جملتها دلت علیها (أم) لاقتضائها معادلا، ودل علیها تعقیبه بـ (هل یستوی الذین یعلمون والذین لا یعلمون)؛ لأن التسویة لا تکون إلا بین شیئین. والوجه الثانی: أن تکون (أم) منقطعة لمجرد الإضراب الانتقالی. و (أم) تقتضی استفهاما مقدرا بعدها"([lx]).

ومن خلال هذه الأقوال، نجد أنّ المفسّرین ذهبوا إلى تأویل (أم) بوجهین: متّصلة ومنقطعة، وبالنّظر فی معاییر هذین الوجهین، نجد ما یأتی:

(أم) متّصلة: وترکیب جملتها: (همزة الاستفهام المقدرة + جملة مقدرة + (أم) + جملة اسمیّة)، وفی الشاهد الذی بین أیدیننا، فإن جملة ما قبل (أم) والاستفهام غیر مذکورین فی الترکیب، وقد سوّغ المفسّرون هذا الحذف بقرینتین: الأولى: دلالة (أم) علیها، والثّانیة: جملة (هل یستوی...) إذ تدلّ على معنى عدم المساواة بین صنفین من النّاس، هم العالمون وغیر العالمین، ویقتضی ذلک أن یکون المحذوف صنفًا مغایرًا لصنف القانت الذی ورد ذکره بعد (أم).

ویُعدُّ هذا الوجه مقبولاً نحویًّا فی حذف همزة الاستفهام ودلالة (أم) علیها، إذ وردَ شاهدٌ نحویٌّ على ذلک، وهو (بسبعٍ رمین الجمر أم بثمان)، وقد سبق الحدیث عنه، ومن هذا المنطلق فإن هذا التّرکیب مع هذا التأویل یدعم عدَّ (أم) متصلةً، ویکون تقدیر جملتها بـ (أیّ) الاستفهامیّة (أیُّ الصنفین خیرٌ: الکافرُ أم القانت؟)، وهذا المعنى ذهب إلیه الأخفش، أو یکون المعنى: (آلعاصی خیرٌ أم من لا یعصی)([lxi]).

(أم) منقطعة: وترکیب جملتها: (جملة خبریّة + (أم) + جملة اسمیّة)، وفی هذا الترکیب لا حاجة لتقدیر جملةٍ محذوفةٍ، فما قبل (أم) وهو قوله تعالى: (قل تمتع بکفرک قلیلاً إنک من أصحاب النار) یمثّل خبرًا وما بعد هذا الترکیب إضرابٌ بـ (أم) فی دلالتها على معنى (بل) والاستفهام، ویکون تقدیر جملة (أم): (بل أمَن هو مطیعٌ کمن هو عاصٍ) کما ذُکر سابقًا، وهو ترکیبٌ اشتمل على تقدیر استفهامٍ وتأویلٍ لـ(أم) بـ (بل).

وبهذا، یکون ترکیبُ جملة (أم) فی حال تأویلها منقطعةً مکتفیًا بما فیه من دلالة الإضراب، ولا یستدعی تقدیرَ محذوفٍ قبل (أم)، إضافةً إلى أنّه یشتملُ على المعنى الحاصل بعد تقدیر جملةٍ محذوفةٍ مع الاستفهام قبل (أم)، ومن هذا المنطلق، نرى أنّ (أم) فی هذا التّرکیب أقرب إلى أن تکون منقطعةً، انطلاقًا من الاستغناء عن تقدیر محذوفٍ قبلها، وعملاً بصوابیّة دلالتها على الإضراب وموافقته للدلالة المقصودة فی الترکیب ذاته.

أمّا القول بشأن قراءة (أمَن) بتخفیف المیم، فلیس ثمّة حضورٌ لـ (أم)، فالترکیب هنا: (همزة الاستفهام) و (من) الموصولة، ویکون تقدیر الکلام: (أمن هو قانتٌ کمن هو عاصٍ)، ویدلُّ على هذا المعنى الآیةُ التی تلیها وهو قوله تعالى: (قل هل یستوی الذی یعلمون والذین لا یعلمون) ففیها مقارنةٌ بین صنفین من النّاس، کما أنّ تقدیر معنى جملة (أمَن هو قانتٌ) یستدعی تقدیر صنفٍ آخر مغایر لمن هو قانتٌ.

سابعًا: قوله تعالى: [ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ   ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ   ](الواقعة: 58-59).

قال أبو السّعود (982هـ- 1574م) حول (أم) فی هذه الآیات: "و(أم) قیل منقطعةٌ؛ لأن ما بعدها جملةٌ؛ فالمعنى: (بل أنحنُ الخالقونَ)، على أنَّ الاستفهامَ للتقریرِ، وقیل متصلة، ومجىءُ (الخالقونَ) بعد (نحن) بطریقِ التأکید لا بطریقِ الخبریةِ أصالةً"([lxii])، کما قال ابن عاشور(1393هـ- 1973م): "وأم متصلة معادلة الهمزة... ویجوز أن نجعل أم منقطعة بمعنى (بل) لأن الاستفهام لیس بحقیقی فلیس من غرضه طلب تعیین الفاعل ویکون الکلام قد تم عند قوله: تخلقونه"([lxiii]).

ویظهرُ لنا أنّ (أم) فی هذه الآیات قد أوّلها المفسّرون بوجهین: فهی إما متّصلة وإمّا منقطعة، وبالنّظر فی ترکیب جملتها، نجد ما یأتی:

(أم) متّصلة: وتقتضی بذلک أن یکون التّرکیب معها (استفهام + جملة + (أم) + جملة)، وهی عاطفة بین الجملتین، وبتقدیر (أم) بـ (أیّ)، یکون التّأویل: (أیّنا الخالق؟ أنتم أم نحنُ؟)، ویمکن اعتبار الاستفهام هنا حقیقیّا یتطلّب تعیین أحد الأمرین، ویُعد تکامل هذا التّرکیب داعمًا لعدّ (أم) متّصلةً.

(أم) منقطعة: وفی هذه الحال، ینبغی أن یکون تأویل الاستفهام الوارد على أنّه لیس استفهامًا حقیقیًّا، للخروج من مظنّة التّعیین التی یفرضها اعتبار (أم) متصلةً، وتُقدّر (أم) هنا بمعنى (بل)، ویکون تقدیرها مع الجملة بعدها: (بل نحن الخالقون)، وهذا التقدیر یتّفق مع المعنى المقصود بالآیة أیضًا.

وللتّرجیح بین الموقفین، فإن القول بأنّ (أم) منقطعة: أقرب إلى دلالة الآیة، وموطن الاعتبار فی هذا التّرجیح هو تحدید نوع الاستفهام، فالسّیاق یُنکر على المشرکین رفضهم لفکرة البعث، واستنکار قدرتهم على خلقِ أنفسهم، وعلیه؛ فإن خالقهم وخالق غیرهم، لقادرٌ على إعادتهم فی ما غاب عن أعینهم([lxiv])، ومن هنا، فإن اعتبار الاستفهام إنکاریًّا أقوى للسّیاق، ویترجّح اعتبار(أم) منقطعة.

وممّا یقوی من هذا الاعتبار ما أورده ابن عاشور (1393هـ- 1973م) فی تحدید نوع (أم) فی آیةٍ أخرى من السّورة نفسها، وهی مقاربةٌ فی التّرکیب لهذه الآیات التی بین أیدینا، وهی فی معرض حدیثه عن (أم) فی قوله تعالى: [ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ   ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ   ] (الواقعة: 63-64)، إذ قال: " وجملة (أأنتم تزرعونه) (إلخ) بیان لجملة (أفرأیتم ما تحرثون) والاستفهام فی (أأنتم تزرعونه) إنکاری، کالذی فی قوله: (أأنتم تخلقونه)، والقول فی موقع أم من قوله: (أم نحن الزارعون) کالقول فی موقع نظیرتها من قوله: (أم نحن الخالقون)... أی أن (أم) منقطعة للإضراب"([lxv])، ولا یُعارض ابن عاشور(1393هـ- 1973م) نفسه حین أشار إلى أنّ (أم) فی قوله تعالى: (أم نحن الخالقون) هی متصلةٌ معادلةٌ للهمزة، فهو لم یُشر إلى أنّ الاستفهام حقیقیٌّ، بل اکتفى بهذا الحکم فی هذا الموقف دون بقیة التراکیب المشابهة لهذا التّرکیب، وزاد من تأکیده على أنّ (أم) منقطعة فی هذا التّرکیب وفی التّرکیب الآخر فی قوله تعالى: (أم نحنُ الزّارعون).

ثامنًا: قوله تعالى: [ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ   ] (یونس:59).

قال أبو السّعود (982هـ- 1574م) حول (أم) فی هذه الآیة: "و(أم) متصلةٌ، والاستفهام للتقریر المؤدی إلى التبکیت لتحقق العلمِ بالشق الأخیرِ کأنه قیل: (أم لم تتخذوه بل تتقوّلون علیه تعالى)، وإما منقطعةٌ، والاستفهام لإنکار الاتخاذِ ونفیِه، ومعنى (بل) فیها الإضرابُ والانتقال من التوبیخ بالإنکار على اتخاذ العهدِ إلى ما تفید همزتُها من التوبیخ على التقوُّل على الله سبحانه"([lxvi]). وقال ابن عاشور(1393هـ- 1973م): "وأم حرف بمعنى (أو) یختص بعطف الاستفهام، وهی تکون مثل (أو) لأحد الشیئین أو الأشیاء، وللتمییز بین الأشیاء، أو الإباحة أی الجمع بینها، فإذا وقعت بعد همزة الاستفهام المطلوب بها التعیین کانت مثل (أو) التی للتخییر. وإن وقعت بعد استفهام غیر حقیقی کانت بمعنى (أو) التی للإباحة، وتسمى، حینئذ منقطعة؛ ولذلک یقولون إنها بمعنى (بل) الانتقالیة. وعلى کل حال فهی ملازمة لمعنى الاستفهام فکلما وقعت فی الکلام قدر بعدها استفهام"([lxvii]).

ومن خلال هذه الأقوال، یظهر أنّ المفسّرین ذهبوا إلى أنّ (أم) فی هذه الآیات إمّا متّصلة، وإمّا منقطعة، وقد کان اعتمادهم لهذا التّصنیف على تحدید نوع الاستفهام قبلها، فإن کان استفهامًا حقیقیًّا کانت (أم) متّصلة، باعتبار أنّها یُراد بها التّعیین، فیکون تأویلها بـ (أیّ)، ویکون تقدیر الجملة فی هذه الآیة: (أیُّ الأمرین حقیقةُ أمرکم: أذن الله لکم أم تفترون على الله الکذب؟). وترکیب جملة (أم) فی هذه الآیة یشتمل على (استفهام+ جملة اسمیّة + (أم) + جملة فعلیّة)، وهو ترکیبٌ مکتمل العناصر لاعتبار (أم) متّصلةً فی هذه الجملة.

أمّا قولهم بأنّ (أم) منقطعةً، فهو باعتبار الاستفهام قبلها استفهامًا غیر حقیقیّ، وإنّما هو استنکارٌ وتوبیخٌ، مما یؤدّی إلى تأویل (أم) بـ (بل) والاستفهام، فیکون تقدیر الجملة: (بل أعلى الله تفترون)، أو تقدیرها بـ (بل) وحدها: (بل على الله تفترون)، وهو إضرابٌ عمّا سبقه من حکم الکافرین بالتّحلیل والتّحریم دون إذنٍ من الله تعالى.

وللتّرجیح بین هذین القولین، فإنّ تفسیر الهمزة السّابقة لـ (أم) هو الذی فتحَ المجال للتّوسع فی تحدید نوع (أم). ومن هذا المنطلق، فإننا بحاجة إلى تحرّی مدلول الآیة، وأی الاعتبارین هو المقصود؟ أیکون الاستفهام حقیقیًّا، یُرید منه الله تعالى معرفةَ أمرٍ یُخفونه، أم هو إنکارٌ منه سبحانه وتعالى علیهم ما فعلوه من تعدٍّ على حدوده والتّصدّی للتّحریم والتّحلیل دونما إذنٍ منه؟.

ویظهر من السّیاق ما یُعین على الإجابة عن هذا السّؤال، فالمعنى یتّجه نحو الإنکار والتّوبیخ، فهو سبحانه وتعالى أعلم بحقیقتهم، وأعلم بما دفعهم لهذا التّجرؤ على أحکامه؛ وبذلک، فإنّ ترجیح أن تکون (أم) منقطعةً أولى من اعتبارها متّصلةً، وإن کانت عناصر التّرکیب النّحویّة مکتملة العناصر المؤیّدة لها، ولعل هذه الخاصّیة الدّلالیّة التی تمتلکها آیات القرآن الکریم تُضیف إلى معاییر تصنیف (أم) بین الاتصال والانقطاع ما لا یکفی معه الاعتماد على الجانب التّرکیبیّ النّحویّ المجرّد عن معنى السّیاق، ویکون للسّیاق دورٌ معیاریٌّ فی الحکم على مجیء الاستفهام على حقیقته أو خروجه إلى أغراضَ أخرى.

وبالإشارة إلى ما ذکره ابن عاشور(1393هـ- 1973م) من مجیء (أم) بمعنى (أو) للتّخییر أو الإباحة، وربط ذلک بتأویلها على أنّها متّصلةٌ فی المعنى الأول ومنقطعةٌ فی المعنى الثّانی، فهذا نوعٌ من التّوسّع فی التّفسیر، إلا أنّ لنا علیه ملحوظة: فإن کان التقاء (أم) بـ (أو) فی حال کان الاستفهام حقیقیًّا، إن کان ذلک أمرًا مقبولاً من حیث المعنى، فالتّخییر فی (أو) یقترب من التّعیین فی تأویل معنى (أم) بـ (أیّ)، إلا أنّ معنى الإباحة، الذی ذکره ابن عاشور فی (أو) لا یلتقی مع معنى الإضراب فی (أم) حین تؤوّل بـ (بل)، فإنّ لـ (أو) دلالة على الإضراب مستقلّةً عن معنى الإباحة([lxviii]).

تاسعًا: قوله تعالى: [ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ] (ص: 62-63).

قال أبو السّعود (982هـ- 1574م) فی ترکیب (أم زاغت عنهم الأبصار) بأنّه: " متَّصلٌ بـ (اتَّخذناهم) على أنَّ (أم) متَّصلة، والمعنى: (أیَّ الأمرینِ فعلنَا بهم: الاستسخارُ منهم أم الازدراءُ بهم وتحقیرُهم؟) أو على أنَّها منقطعةٌ والمعنى: (أتخذناهم سخریاً بل أزاغتْ عنهم أبصارُنا)، کقولک: (أزیدٌ عندک أم عندَک عمروٌ) على معنى توبیخِ أنفسِهم على الاستسخارِ ثمَّ الإضرابُ والانتقالُ منه إلى التَّوبیخِ على الازدراءِ والتَّحقیرِ"([lxix])، وقال السّمرقندیّ (375هـ- 985م): " قرأ حمزة، والکسائی، وأبو عمرو، سِخْرِیّاً أتخذناهم بالوصل. وقرأ الباقون: بالقطع فمن قرأ بالقطع، فهو على معنى الاستفهام بدلیل قوله: أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ لأن (أَمْ) تدل على الاستفهام، ومن قرأ: بالوصل، فمعناه: أنا أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِیًّا وجعل (أَمْ) بمعنى (بل)"([lxx])، ویرى الزّمخشریّ (538هـ- 1143م) أنّ اختلاف القراءتین فی إثبات الهمزة لـ (اتخذناهم) أو حذفها، لا یبعد القراءتین عن المعنى المشترک بینهما، بدعوى تقدیر الهمزة فی (أم)، إلا أنّه یذهب إلى ما وجدناه عند المفسرین من اعتبار وجهین لـِ(أم) فی هذه الآیة، وبحسب کل قراءة.

ومن خلال النّظر فی أقوال المفسرین حول (أم) فی هذه الآیة، نجد أنّهم قالوا باحتمالها لأحد الوجهین: الاتّصال أو الانقطاع، وکان حکمهم على (أم) بالاتّصال قد اعتمد على ما یأتی:

أوّلاً: القراءة المشهورة التی تثبت الهمزة فی (أتّخذناهم)، فتکون هذه هی همزة الاستفهام المطلوب بها تعیین أحد الأمرین، ولیست خارجةً عن هذا الغرض، فهی استفهامٌ حقیقیٌّ.

ثانیًا: اکتمال عناصر التّرکیب النّحویّ لجملة (أم) المتّصلة، وتوافق هذا التّرکیب مع دلالة الجملة التی تدلّ معها (أم) على معنى (أیّ) الاستفهامیّة؛ ولذلک کان تأویل التّرکیب کما أشاروا: (أیَّ الأمرینِ فعلنَا بهم: الاستسخارُ منهم أم الازدراءُ بهم وتحقیرُهم).

أمّا قولهم عن (أم) بأنّها منقطعة، فقد استند إلى ما یأتی:

أوّلاً: تسهیل همزة (اتّخذناهم) بوصفها همزة (وصل) ولیست همزة استفهام، بحسب قراءة بعض القرّاء، وبهذه القراءة تتّجه الجملة نحو دلالة الإخبار، التی هی من العلامات على انقطاع ما بعد (أم) عمّا قبلها.

ثانیًا: تأویل الاستفهام فی القراءة التی تثبت همزة الاستفهام فی (أتّخذناهم)، بأنّه خراج عن غرض الاستفهام الحقیقیّ، إلى غرض التّوبیخ الذی یوبّخ به أهل النّار أنفسهم على ما قاموا به من سخریةٍ بأُناسٍ کانوا یحتقرونهم، وهم خیرٌ منهم.

ومن خلال هذا التّحلیل، یتّضح أنّ عدَّ المفسّرین (أم) متّصلة، قد جاء من وجهٍ واحدٍ فقط، وهو الاعتماد على القراءة التی تثبت همزة الاستفهام، إذ قال المفسّرون فی أحد القولین: بأنّ الاستفهام حقیقیّ لطلب التعیین، وهذا حکمٍ باتّصال (أم) من وجهٍ واحدٍ لیس له ثانٍ.

أمّا قول المفسّرین، بانقطاع (أم)، فقد جاء من وجهین: أحدهما من القراءة التی جعلت الهمزة فی (اتّخذناهم) للوصل، فکانت الجملة قبل (أم) خبریّة، فترجّح أن تکون (أم) منقطعة، وأمّا الوجه الثّانی: فمن تأویل الاستفهام فی القراءة التی تثبتها بأنّه خارج عن الغرض الأصلیّ إلى غرض التّوبیخ، فکانت (أم) بهذا التّأویل بمعنى الإضراب.

ومن هنا، یُرجَّحُ أن تکون (أم) منقطعةً فی هذه الآیة، لأنّ لها طریقین یدعمانِ القول بأنّها منقطعة، ولیس لـ (أم) أن تُعدَّ متّصلةً إلا من طریقٍ واحدةٍ، فیکون لهذا التّعدّد فی الطرق ترجیحٌ لذلک السّبب.

عاشرًا: قوله تعالى: [ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ  ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ](البقرة: 139- 140).

قال الطبریّ (310هـ- 922م): "وقد زعم بعض أهل العربیة أنّ ذلک، إذا قرئ کذلک بـ(الیاء)، فإن کان الذی بعد(أم) جملة تامة، فهو عطفٌ على الاستفهام الأول؛ لأن معنى الکلام: (قیل: أیّ هذین الأمرین کائنٌ؟ هذا أم هذا؟)، قال أبو جعفر: والصواب من القرَاءة عندنا فی ذلک: (أم تقولون)، بـ (التاء) دون (الیاء) عطفًا على قوله: (قل أتحاجُّوننا)، بمعنى: (أیّ هذین الأمرین تفعلون)"([lxxi])، وقال الزّمخشریّ (538هـ- 1143م): "یحتمل فیمن قرأ بـ (التاء) أن تکون (أم) معادلة للهمزة فی: (أَتُحَاجُّونَنا) بمعنى (أیّ الأمرین تأتون: ألمحاجة فی حکمة اللَّه أم ادّعاء الیهودیة والنصرانیة على الأنبیاء) والمراد بالاستفهام عنهما إنکارهما معاً، وأن تکون منقطعة بمعنى: (بل أتقولون)، والهمزة للإنکار أیضًا، وفیمن قرأ بالیاء لا تکون إلا منقطعة"([lxxii])، ونحو قول الزّمخشریّ ذهب أبو حیّان الأندلسیّ (745هـ- 1344م)([lxxiii]).

ومن خلال هذه الأقوال یتبیّن أنّ المفسّرین أخذوا بتعدّد أوجه القراءات لهذه الآیة، وقد رأوا أنّ (أم) فی قراءة (تقولون) بـ (التّاء) تحتمل أمرین:

-       الاتّصال، إذ تُعادلُ همزة الاستفهام فی قوله تعالى: (أتُحاجّوننا...)، على الرّغم من بیانهم بأنّ غایة الاستفهام هی الإنکار، ولیس استفهامًا حقیقیًّا لطلب تعیین أحد الأمرین، ویؤوّلون (أم) حینها بـ (أیّ).

-       الانقطاع، مع بیان أنّ الهمزة للإنکار، ویؤوّلون (أم) بـ (بل) والهمزة، (بل أتقولون).

وأمّا قراءة (أم تقولون) بـ (الیاء)، أی: (أم یقولون)، فقد رأوا أنها لا  تحتمل إلا وجهًا واحدًا ألا وهو أنّها منقطعة، ویؤوّلونها بـ (بل) والهمزة، أی: (بل یقولون...).

وما یُلاحظُ على هذه الأقوال بأنّها جمعت بینَ اتّباع القواعد النّحویّة والمعانی الدّلالیّة فی بیان أنّ (أم) فی جملة (أم تقولون) قد استوفت العناصر التّرکیبیّة للحکم بمجیئها متّصلةً، فی حین خرجت دلالة الاستفهام، التی قالوا بأنّ (أم) معادلةٌ له، خرجت هذه الدلالة إلى معنى الإنکار، وهو المعنى الّذی یدعم دلالة الإضراب التی یمکن تأویل مجیء(أم) علیها، ویظهر أنّهم استندوا إلى معانی الخطاب المشترکة فی جملة ما قبل (أم) وما بعدها، إذ قد یکون هذا الخطاب وسیلةً من وسائل اتّصال دلالة کل من الجملتین، ولکنهم فی حقیقة الأمر قد أغفلوا معنى الإنکار الذی بیّنوه فی الاستفهام الوارد فی الآیة، فهل یمکن أن یکون لمعنى الخطاب المشترک بین الجملتین قوة أدعى فی إبقاء المعنى متّصلاً بین ما قبل (أم) وما بعدها؟.

وأمّا من جانب القراءة بـ (الیاء)، أی: (أم یقولون)، فإنّ الضّمیر قد تحوّل إلى الغیبة فی مقابل الخطاب فی الجملة التی تسبقُ (أم)، ولم یطرأ تغیّرٌ فی موقف المفسّرین من دلالة الاستفهام على الإنکار، ولکنّهم رأوا أنّ (أم) فی هذه القراءة لا تعدو أن تکون منقطعةً، فکأنّهم أخذوا بأثر انقطاع اتّجاه الکلام من الخطاب إلى الغیبة، تسویغًا لتأکیدِ انقطاع (أم) وتأویلها بـ (بل) التی للإضراب.

ومن هنا، فإنّ دلالة التّرکیب، أو سیاق الکلام، هو المرجع فی تحدید الدلالة القصودة من الاستفهام، وقد اتفقت التأویلات على أنّ الاستفهام قبل (أم تقولون) أو (أم یقولون) إنّما هو للإنکار، ولیس ثمّة دلیلٌ على إمکانیّة اعتبار الاستفهام فی قوله تعالى : (قل أتحاجوننا...) استفهامًا یطلب تعیین أحد الأمرین، فهو إنکاریٌّ فی جمیع الأحوال، لذا؛ تصبح عوامل الأفضلیّة لترجیح أن تکون (أم) فی هذه الآیة فی کلا القراءتین منقطعةً، فالاستفهام إنکاریٌ ولیس للتعیین، ودلالة هذا الإنکار تستدعی الإضراب إلى معنًى آخر مستنکرٌ أیضًا، فبعد استنکار محاججتهم فی الله، یأتی استنکار ادّعائهم نسبة الأنبیاء المسلمین إلى دیاناتهم.

حادی عشر: قوله تعالى: [ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ   ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ   ] (الزّخرف: 51-52).

وفی هذه الآیات، أشار البغویّ (510هـ- 1116م) إلى أنّ (أم) فی هذه الآیة عند أغلب المفسّرین هی المنقطعة، فقال: " (أم أنا خیر، بل أنا خیر، (أم) بمعنى (بل) ولیس بحرف عطف على قول أکثر المفسرین"([lxxiv])، إلا أنّ الزّجاج (311هـ- 923م) کان قد أورد رأیًا لسیبویه (180هـ- 796م) نقله عن الخلیل بن أحمد الفراهیدیّ (170هـ- 786م) حول هذه الآیة، إذ قال الزّجاج: "قال سیبویه: والخلیلْ عطف (أَنَا) بـ (أَمْ) على قوله (أَفَلَا تُبْصِرُونَ)؛ لأنَّ معنى (أَمْ أَنَا خَیْرٌ) معناه (أمْ تُبْصِرُونَ)، کأنَّه قال: (أَفَلَا تبصرون أمْ تُبصِرُونَ)، قال: لأنهم إذَا قالوا: (أنت خیر منه) فقد صاروا عنده بُصَرَاءَ، فکأنَّه قال: (أفلا تبْصِرُونَ أم أنتم بُصَرَاءُ)"([lxxv]).

وقد جمع الزّمخشریّ (538هـ- 1143م) بین القولین فأشار إلى احتمالیّة التّأویلین، فقال: " (أَمْ أَنَا خَیْرٌ) (أم) هذه متصلة؛ لأنّ المعنى: (أفلا تبصرون أم تبصرون)، إلا أنه وضع قوله (أَنَا خَیْرٌ) موضع: (تبصرون)؛ لأنهم إذا قالوا له: (أنت خیر)، فهم عنده بصراء، وهذا من إنزال السبب منزلة المسبب، ویجوز أن تکون منقطعة على: (بل أأنا خیر)، والهمزة للتقریر"([lxxvi]).

ومن خلال الأقوال السّابقة، یظهر لنا احتمالیّة (أم) فی الآیة للاتّصال أو الانقطاع، على النّحو الآتی:

-       (أم) متّصلة: على أساس تأویل ما بعد (أم) بمعنًى یدلّ على الاتّصال بما قبلها، وقد أشار سیبویه (180هـ- 796م) إلى قول الخلیل بن أحمد (170هـ- 786م) حول هذا المعنى فاعتبره (أم تبصرون) لیتفق مع المعنى السّابق لـ (أم) وهو (أفلا تُبصرون)، وهذا التّأویل یأتی من تقدیر جوابٍ لجملة (أنا خیرٌ منه)، وهو ما أُشیرَ إلى أنّه من باب (إنزال السّبب، وهو الإبصار، منزل المسبّب وهو قوله: أنا خیرٌ منه)، فتکون عناصر تکامل اعتبار (أم) متّصلة قائمة على هذا الأساس إضافةً إلى اعتماد الاستفهام فی جملة (أفلا تُبصرون) استفهامًا حقیقیًّا قائمًا على إرادة تعیین أحد الأمرین: (الإبصار أو عدمه).

-       (أم) منقطعة: على أساس أنّ الاستفهام فی (أفلا تُبصرون) هو استفهامٌ تقریریٌّ، وتقدیر (أم) بـ (بل) إضرابًا وانتقالاً إلى معنًى آخر تؤدّیه جملةُ (أنا خیرٌ منه)، دون الحاجة إلى تأویل هذه الجملة بجملةٍ أخرى، ویکون التّرکیب النّحویّ بهذه الصّورة داعمًا لهذا الاعتبار الذی تؤوّل به (أم) بـ (بل) على أنّها منقطعة.

فی هذه المسألة، وردت من الآراء ما نُظر إلیها على أنّها تأویلات (غریبة)، من بینها: أنّ (أم) هنا (متّصلة فی المعنى ومنقطعةٌ فی اللّفظ)، وقد نقل هذه الآراء السّمینُ الحلبیّ (756هـ- 1355م)([lxxvii]).

وبعد هذا الاستعراض فإنّنا نرجّح أن تکون الأفضلیّة فی تحدید نوع (أم) فی هذا التّرکیب على أنّها منقطعة؛ وذلک بالاعتماد على أمرین: الأوّل: همزة الاستفهام التی فُسّرت بأنّها للتّقریر، إضافةً إلى ترکیب جملة ما بعد (أم) واختلافها الاسمیّ عن فعلیّة الجملة التی قبلها، وأمّا الثّانی: فهو الاکتفاء بظاهر التّرکیب المکوّن من جملة (أنا خیرٌ منه) والابتعاد عن التّقدیر، علمًا بأنّ هذا التّرکیب الظّاهر لا یتعارض مع التّرکیب الذی قدّره اللغویّون والمفسّرون فی هذه الآیة، إضافةً إلى أنّ هذا التّرکیب المُقدّر یتعارض مع ما قُدّر فی (أم) المعادلة من عدم جواز تقدیم جملة منفیّة على جملةٍ مثبتة فی ترکیبها([lxxviii]).

·        الجانب التّحلیلیّ:

تبیّن ممّا سبق أنّ کثیرًا من الشّواهد، التی قال فیها المفسّرون باتّساع دلالة (أم) على الاتّصال والانقطاع أو اختلفوا فی تحدید نوعها، کان الفصل فی تحدید نوعها یستند إلى جوانب لغویّة تُرجِّحُ کفّة نوعٍ على آخر، ومثل هذا التّرجیح هو من باب الأخذ بمبدأ الأفضلیّة اللّغویّة فی تحدید اتّصال (أم) أو انقطاعها.

وتجدر الإشارة إلى أنّ عوامل ترجیح نوع (أم) فی کلّ شاهد قد کانت متفاوتة، فقد تکون بعض العوامل حاضرةً فی شاهدٍ وغائبةً فی شاهدٍ آخر، وقد  تنفرد بعض الشّواهد بعوامل خاصّة دون غیرها، ولعلّ هذا التّفاوت فی معالجة الشّواهد عائدٌ إلى خصوصیّة القرآن الکریم، بوصفه أرقى مستویات التّعبیر اللّغویّ فی اللّسان العربیّ، وما تمتلکه آیاته من قدسیّة وأسلوبٍ بیانیّ یفوق کلّ تصوّر، یناسبُ مقام کلّ آیةٍ ومدلولاتها التی ترمی إلیها.

ویمکن تحدید عوامل ترجیح نوع (أم)، التی خرج بها البحثُ من خلال توصیف الشّواهد السّابقة، على النّحو الآتی:

أوّلاً: الاستفهام

وقد کان هذا العامل محورًا هامًّا فی التّرجیح بین اتّصال (أم) وانقطاعها، ذلک، أنّ (أم) فی حال الاتّصال، تستدعی أن یکون قبلها همزة استفهامٍ یُطلب بها تعیین أحد الطرفین، کما یمکن أنْ تُعدَّ (أم) بعد همزة الاستفهام منقطعةً بوصف الاستفهام قبلها خارجًا عن غرضه الأصلیّ إلى غرض الإنکار أو التّوبیخ.

ولهذا العامل حساسیّةٌ تتّصل بالعقیدة؛ لأنّ تقدیر نوع الاستفهام یتطلّب إدراک سیاق الآیة والخطاب الذی فیها، ولا یمکن القول: بأنّ همزة الاستفهام للتعیین فی القرآن الکریم، قد تکون لطلب العلم من المتکلّم لجهلٍ منه، فالله تعالى علیمٌ خبیر، ولا تخفى علیه خافیة.

إنّ الاستفهام بهمزة الاستفهام لا یکون دائمًا من مؤشّرات اتّصال (أم)؛ فالأمر یستدعی تحدید غرض الاستفهام، وبعد ذلک، یمکن تحدید دور الاستفهام فی بیان نوع (أم)، وقد تبیّن أنّ انفتاح المفسّرین فی تأویل (أم) التی تشتمل جملتها على همزة الاستفهام قد أخذ بهذا الجانب، فمن رأى الاستفهام على حقیقته قال بالاتّصال، ومن رأى الاستفهام للإنکار قال بالانقطاع، وکان ترجیحنا أخذًا بمعطیات السّیاق التی ترجّح أحد المدلولین.

وبذلک، یمکن القول: بأنّ عمل المفسّرین قد تجاوز التّنظیر اللّغویّ لمعیاریّة (أم) بین الانقطاع والانفصال إلى تحدید مدلولها وفقًا لسیاقاتها التی ترد فیها فی القرآن الکریم، ولا یعنی ذلک أنّهم لا یعترفون بالأصول التی قرّرها اللّغویّون، بل إنّهم یقومون بتحقیق تلک الأصول وتطبیقها على شواهد من القرآن الکریم، مساهمین بذلک فی تحویل الجانب النّظریّ إلى تطبیقٍ عملیّ یزداد معه الفهم الحقیقیّ لوظائف الأدوات اللّغویّة فی السّیاقات التّرکیبیّة، ویمکن القول إنّ توسّعهم فی تأویل (أم) إنّما هو جزءٌ من عملهم فی التّفسیر، وسعیهم للإحاطة بکل ما تحتمله الآیات من مدلولاتٍ.

ثانیًا: ترکیب الجملة

لترکیب الجملة تأثیرٌ فی تأویل المعنى الذی تُصرفُ إلیه (أم) من حیث الاتّصال أو الانقطاع، فإنّ عماد القول بأنّها متّصلة أو منقطعة یتّجه نحو التّرکیب، فإن کان ما بعد (أم) متصلٌ فی الجانب المعنویّ بما بعدها، کان القول بأنّها متّصلةٌ، والعکس صحیح، ومن هنا، فقد أظهرت الشّواهد القرآنیّة السّابقة عدّة صورٍ اعتمد علیها المفسّرون فی القول فی اتّصال (أم) أو انقطاعها، وهذه الصّور التّرکیبیّة هی أبرز ما ورد فیه الانفتاح التّأویلیّ لـ (أم) فی القرآن الکریم.

ومن أبرزها، مجیء ترکیب (أم) مکتمل الأرکان التی تعزّز القول باتّصالها، کأن تکون مسبوقةً باستفهامٍ، وجملةٍ، وما بعدها جملةٌ:

-       استفهام + جملة + (أم) + جملة

وهذا التّرکیب فی صورته النّظریّة یذهب إلى أنّ (أم) هنا متّصلة، إلا أنّ کثیرًا من الشّواهد التی سبقت دراستُها رُجّح فیها القول بانقطاع (أم)؛ نظرًا لمجیء الاستفهام لغیر غرض التّعیین، ومجیئُه لغرض الإنکار والتّوبیخ، ومن جانبٍ آخر، قدّم المفسّرون تأویلاتٍ لعَدّ (أم) متّصلةً وإن غابَ حضور ترکیب ما قبل (أم)؛ وذلک اعتقادًا منهم بضرورة اکتمال هذه الصّورة التّرکیبیّة لتحقیق صوابیّة القول باتّصال (أم).

ولذلک؛ أُخرِجَ هذا من دائرة القول باتّصال (أم) فی مثل هذه الأحوال، أی: مجیء الاستفهام لغیر التّعیین، وغیابه من التّرکیب السّابق لـ (أم)، فإنّ من الأولى الأخذَ بمعطیات التّرکیب الواردة فی الآیات بعیدًا عن تقدیر محذوفٍ، وفی ضوء حضور قرائن تقوّی من ترجیح الانقطاع.

ومن الصّور أیضًا، أن تکون (أم) مسبوقةً باستفهامٍ، وجملةٍ منفیّة، وما بعدها جملةٌ مثبتة، على النّحو الآتی:

-       استفهام + جملة منفیّة + (أم) + جملة مثبتةً

وهذا التّرکیب فی صورته، قد دفع المفسّرین إلى الخروج من تعارض الجمع بین النفی والإثبات للقول بأنّ (أم) متّصلة، من خلال تقدیر معنًى آخر لجملة ما بعد (أم)، على نحو ما عرضنا فی قوله تعالى (أفلا تبصرون، أم أنا خیرٌ)، وعلى الرّغم من صوابیّة الأخذ بهذا التّأویل من حیث المعنى، إلا أنّه انصرافٌ عن معطیات التّرکیب الحاضرة، وابتعادٌ عن دوره ومدلولاته التی جاء علیها، فإن کان تأویل بعض المفسّرین قد أخرج هذا التّرکیب، وأتى بصورةٍ مقدّرة، إلا أنّ طائفةً منهم أعطت له دوره فی تأویل الآیة، وأخذت به، وهذا هو ما نراه الأولى فی اعتبار (أم) فی مثل هذه الصور التّرکیبیّة.

ومن الصّور التّرکیبیّة أیضًا، مجیء (أم) بین استفهام وجملةٍ فعلیّة، وبین جملةٍ اسمیّة، على النّحو الآتی:

-       استفهام + جملة فعلیّة + (أم) + جملة اسمیّة

وقد کان الموقف فی تحدید نوع (أم) فی مثل هذا التّرکیب انطلاقًا من اختلاف الجملتین التی تتوسّطهما (أم)، فمثل هذا النّوع من التّرکیب یخرج إلى القول بالانقطاع، ولعل التّوجّه المنطقیّ لهذا القول واضحٌ فی الاختلاف بین الاسمیّة والفعلیّة، ولکنّ هذا ربّما یتقوّى باعتبارٍ آخر وهو حکم الاستفهام فی الجملة الأولى، ومجیئه لغیر التّعیین؛ وبذلک، یُمکن القول بأن الاختلاف بین الاسمیّة والفعلیّة کضابطٍ للتّفریق بین الانقطاع والاتّصال یحتاج إلى عاملٍ آخر یتقوّى به.

ثالثًا: القراءات القرآنیّة

ویُعدّ هذا العامل مؤثّرًا فی توجیه المفسّرین لتقدیر الاتّصال أو الانقطاع فی التّرکیب اللّغویّ للآیات القرآنیّة؛ ذلک أنّ اختلاف القراءات قد یُغیّر من طبیعة التّرکیب النّحویّ للآیة، فإن کانت الآیة فی قراءةٍ ما تشتملُ على استفهامٍ فی جملة ما قبل (أم) وتتحوّل هذه الهمزة إلى همزة وصلٍ فی قراءةٍ أخرى، فإنّ تغییر التّکامل التّرکیبیّ الذی یدعم الاتّصال أو الانقطاع سیتأثّر حتمًا، وسیقوّی طرفًا على حساب طرفٍ آخر، فاعتبار الانقطاع یکون أقرب فی حال القراءة بهمزة الوصل، ومن جانبٍ آخر، قد یکون اختلاف القراءات عاملاً مساعدًا لترجیح الاتّصال أو الانقطاع فی حال کان الاختلاف مؤثّرًا فی نوعیّة تکامل التّرکیب النّحویّ، فحین یتحوّل ترکیب ما قبل (أم) إلى الخبریّة فإنّ عامل الاستفهام فی القراءة الأخرى قد یؤوّل إلى استفهامٍ لغیر غرضه الأصلیّ، مما یزید من قوّة اعتبار الانقطاع فی التّرکیب فی الحالین، وهذا ما ذهبنا إلیه فی شرحنا لقوله تعالى: (أتّخذناهم سخریًّا أم زاغت عنهم الأبصار)، فقد قرئت (أتّخذناهم) بالاستفهام، وقرئت بالوصل (اتّخذناهم).

رابعًا: دلالة (أم) على الاستفهام أو الإضراب

یُعدّ هذا العامل جوهر عمل المفسّرین واللّغویّین معًا، وهو خلاصة ما یبحثون عنه فی تأویلهم، وهو عاملٌ یشترک فیه معنى الاستفهام من جانبین: تأویل (أم) ذاتها بـ (أیّ) الاستفهامیّة، وتأویل (أم) بـ (بل) والاستفهام بعدها، ویأتی دور هذا العامل مستندًا على السّیاق الذی یدعم أحد التّأویلین، وما یشتمل علیه التّرکیب النّحویّ من عناصر أخرى کالاستفهام السّابق لـ (أم) ودلالته على التّعیین أو الخروج عن هذا الغرض، وکذلک، تکامل العناصر النّحویّة فی ترکیب جملة ما قبل (أم) وما بعدها.

وبناءً على ذلک، یمکن القول إنّ هذا العامل هو النّتیجة التی تترتّب على استیفاء عناصر الحکم على جملة (أم)، ولیس عنصرًا محدّدًا للحکم، ومن اللاّفت وجود بعض الآراء التی اعتمدت على هذا المدلول للحکم على (أم) بالاتّصال، فقد ذکر السّهیلیّ (581هـ- 1185م) بأنّ الاستفهام فی القرآن الکریم کلّه مبنیٌّ على التّقریع، وهو بذلک؛ یرى بأنّ (أم) فی جمیع الآیات التی اشتملت علیها إنّما هی متّصلة([lxxix]).

وأمام هذا التّعمیم، یأتی الواقع التّرکیبیّ لیُحدّد دلالة (أم) على الاتّصال أو الانقطاع، فما تمتلکه اللّغة من معاییر أولى بأن یؤخذ به، وما تصنیف (أم) بین الانقطاع والاتّصال إلا عملٌ لغویٌّ وصف معالمَه اللّغویّون وحدّدوا معاییره، وإن کان للقرآن الکریم خصوصیّته الأسلوبیّة، إلا أنّه کان لسانًا عربیًّا جاء على سنن العرب فی تعبیراتهم وتراکیبهم.

·        الخاتمة

من خلال عرضنا لـ (أم) فی القرآن الکریم، وتناول الشّواهد القرآنیّة ذات الاتّساع فی تأویل (أم) بین الاتّصال والانقطاع، بحسب معطیات اللّغویّین والمفسّرین، خرج البحث بالنّتائج الآتیة:

   تمتلک (أم) بحسب أطروحات اللّغویّین دلالةً لغویّة ودلالةً نحویّة، وبناءً على ذلک؛ رأوا أنّ (أم) تدلّ فی جانبها اللّغویّ على أحد أمرین: الأوّل: (أیّ) الاستفهامیّة، والثّانی: (بل) ودلالتها الإضراب، وأمّا فی جانبها النّحویّ، فقد منحوا (أم) التی تؤوّل بـ (أی) دور حروف العطف، بینما اختلفوا فی منح (أم) التی بمعنى (بل) هذا العمل النّحویّ.
   إنَّ عَدَّ (أم) زائدة، وهو ما قال به المرادی (749هـ) فی کتابه (الجنى الدّانی فی حروف المعانی)، لا یعدو أن تکون (أم) معه منقطعةً للإضراب، وتُعدُّ هذه الأطروحات فی جانب الدّلالة عنصرًا أساسیًّا فی رسم معالم معیاریّة النّظر فی أحکام (أم).
   ارتبطت هذه التّصنیفات بتسمیة خاصّة لکل صنف، فکانت (أم) بذلک؛ إمّا متّصلة وإمّا منقطعة، انطلاقًا من القول بمُعادلتها لهمزةٍ قبلها أو عدمه، ویُعدّ هذا التّصنیف هو الأساس الذی اعتمده المفسّرون فی نظرتهم لـ (أم) فی القرآن الکریم، فتجدهم یذکرون هذا التّصنیف فی ثنایا تفسیرهم للآیات القرآنیّة، وقد منحهم ذلک بُعدًا توسّعیًّا فی توجیه الآیات، فیأتی توجیههم للآیة باعتبار الاتّصال أو الانقطاع أو بهما معًا، وقد أظهر ذلک خلافًا فی الحکم على (أم) فی کثیرٍ من الشّواهد القرآنیّة لدى کثیرٍ من المفسّرین، ولکنّهم کانوا حریصین على توظیف هذه التّصنیفات لخدمة تفسیر القرآن الکریم وفق المنهجیّة التی یسیرون علیها.
   کان للتّرکیب النّحویّ حضورٌ لدى اللّغویّین فی تقریر معیاریّة الأحکام الخاصّة بـ (أم) فی حال اتّصالها أو انقطاعها، وقد ظهر أنّ أساس التّرکیب النّحویّ لـ (أم) فی القرآن الکریم، وهو الذی یساعدُ على تصوّر تکاملیّة أرکان جملة (أم) فی التّصنیفین یأخذ الشّکل الآتی:(جملة + (أم) + جملة)، وهذا التّرکیب فی صورته الحالیّة یمنح الحکم على (أم) بأنّها منقطعة، ذلک أن اعتبار الجملة الأولى بهذه الصّورة هو فی کونها جملةً خبریّة، فهی جملة خالیةٌ من الاستفهام الذی تأتی (أم) المتّصلة معادلةً له، ولذلک؛ تمثّل هذه الصّورة معیارًا ثابتًا لا خلاف فی عَدّ (أم) معه منقطعة.

ویُمثّل دخولُ الاستفهام على مثل هذا التّرکیب، نقطة الخلاف فی التّأویل، إذ یکون الاهتمام لفصل القول فی نوع (أم) حینها، على نوع الاستفهام، إن کان حقیقیًّا للتّعیین، أو لغرضٍ آخر کالتّقریر أو الإنکار ونحوهما، فقد تقرّر أنّ الاستفهام الذی تُعادله (أم) المتّصلة إنّما هو الذی یُراد به التّعیین، وهو ما یُناسبُ تأویل (أم) بـ (أیّ) الاستفهامیّة، بخلاف انقطاع (أم) الذی تؤوّل معه بـ (بل) والهمزة ودلالة الإضراب والإنکار فیهما، بینما لا یوجد ثمّة خلافٌ، فی مجیء همزة التّسویة فی مثل هذا التّرکیب، فی اعتبار (أم) متّصلة؛ ذلک أنّ همزة التّسویة تتطلب تعیین طرفیّ التّسویّة اللّذین یکون تأویل (أم) فی هذا التّعیین بـ (أیّ)، ومن هنا، لم تُعرض الآیات التی وردت فیها همزة التّسویّة لغیاب الخلاف فیها.

شکّل هذا التّرکیب النّحویّ، الأساسیّ، تحدّیًا للمفسّرین، إذ دفعهم توسّعهم الاستدلالی إلى الأخذ بمبدأ تقدیر جملة استفهامٍ محذوفةٍ فی حال لم یرد استفهامٌ فی الجملة الأولى، مستفیدین من آراء اللّغویّین فی القول بإمکانیّة حذف الاستفهام قبل (أم)، إلا أنّ مبدأ الأخذ بواقع المعطیات التّرکیبیّة أولى من تقدیر محذوفٍ فی الحکم على اتّصال (أم) أو انقطاعها.
أظهر البحث أنّ إدراج المفسّرین للقراءات فی معرض شرحهم للآیات القرآنیّة قد أفرز توسّعًا فی مدى رؤیتهم لتأویل (أم) فی القرآن الکریم، وما یترتّب على اختلاف القراءات من القول باتّصال (أم) أو انقطاعها، إلا أنّ هذا التّوسّع لم یمنعنا من ترجیح الاتّصال أو الانقطاع فی التّرکیب انطلاقًا من مبدأ المفاضلة والأولویّة، إذ یُمکن الأخذ بالجانب المشترک فی ترکیب جملة (أم) فی القراءات المختلفة، واعتبار عوامل التّرکیب الأخرى داعمةً لأحد المعنیین، ولعلّ هذا المبدأ أقرب إلى توحید المعانی المستخلصة من الآیات والتّرکیز على المعنى المُراد منها؛ مما یُسهم فی تقلیل حدّة الخلاف بین المفسّرین، دون أن یُقلّل ذلک من مقدار معرفتهم بالآیات واجتهادهم فی التّأویل، أو یتعارض اعتبار الاتّصال باعتبار الانقطاع، طالما کانت عوامل الأفضلیّة تقوّی من التّرجیح المُختار، علمًا بأنّ اللّغویّین لم یُغفلوا دور القراءات القرآنیّة فی إقرار المعانی المتّصلة وکانت آراؤهم مبثوثة فی ثنایا کتب التّفسیر بشکلٍ یُظهر أهمیّتها فی ما یقرّره المفسّرون فی أقوالهم.
شکّلت المعیاریّة، التی سعى اللّغویّون إلى تقریرها لأحکام (أم) وتأصیلهم لمعنیی الاتّصال والانقطاع فی ترکیبها، تحدّیًا أمام المفسّرین، الذین تأثّروا حتمًا بتلک المعطیات، مما حدا بهم إلى البحث عن إمکانیّة إسقاط تلک المعیاریّة على التّراکیب القرآنیّة، وإن کانت هذه المعیاریّة واضحةً فی بعض التّراکیب التی لا تحتمل إلا دلالةً واحدة، کترکیب (أم) مع همزة التّسویة؛ إلا أنّهم قدّموا نموجًا توسّعیًا فی تأویل التّراکیب التی تحتمل الدّلالتین.

·        الهوامش

إنّ الجمع بین الأخذ بالجانب اللّغویّ ومعطیاته الحاضرة فی التّرکیب، وبین الأخذ بمعطیات السّیاق والمعنى القائم فی الکلام الصّادر من الله عزّ وجلّ - حین نبحثُ فی حقیقة الاستفهام فی التّراکیب التی تشتمل علیه - هو ممّا یُساعد على تجاوز التحدّی فی تقریر نوع (أم) بین الاتّصال أو الانقطاع، وإن کان أغلب الاستفهام الوارد فی القرآن یخرج عن غرضه الأصلی إلى أغراض أخرى، فبالإمکان أن یُوظَّف هذا الملمح البارز فی بیان طبیعة أسلوب القرآن الکریم، وأنّ هذا الأسلوب هو من سماته الخاصّة، وله أهمّیّته فی إیصال المعنى المراد فی ضوء سیاقه الذی ورد فیه.

([i]) أبو البرکات الأنباری، عبدالرحمن بن محمّد الأنصاری، أسرار العربیّة، دار الأرقم بن أبی الأرقم، 1999م، ص221.

([ii]) انظر: ابن سیده، أبو الحسن علی بن إسماعیل، المخصّص، تح: خلیل إبراهیم جفال، دار إحیاء التراث العربی – بیروت، 1996م، ج4، ص231.

([iii]) انظر: السّیرافیّ،  یوسف بن أبی سعید الحسن بن عبد الله، شرح أبیات سیبویه، تح: محمد علی الریح هاشم، مکتبة الکلیات الأزهریة، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة – مصر، 1974م، ج2، ص141.

([iv]) السّخاویّ، علی بن محمد بن عبد الصمد، سفر السعادة وسفیر الإفادة، تح: محمد الدالی وشاکر الفحام، دار صادر، ط2، 1995م،ج2، ص744.

([v]) انظر: الأنباری، أسرار العربیّة، ص221.

([vi]) المبرّد، محمد بن یزید بن عبد الأکبر، المقتضب، تح: محمد عبد الخالق عظیمة، عالم الکتب، بیروت، ج3، انظر الصفحات: 286، 287، 288، 289.

([vii]) ابن مالک، محمد بن عبد الله، ألفیة ابن مالک، دار التعاون، تح: عباس أحمد الباز، مکة المکرمة، ص47.

([viii]) یُقصد بهم نحاة المغرب والأندلس، ومن أشهرهم: ابن الطراوة، وابن خروف، وابن عصفور، وغیرهم. انظر: یحیاوی حفیظة، إسهامات نحاة المغرب والأندلس فی تأصیل الدرس النحویّ العربیّ خلال القرنین السادس والسابع الهجریین، منشورات مخبر الممارسات اللّغویّة فی الجزائر، 2011م، انظر الصفحات: 151، 152، 153.

([ix]) المرادی، أبو محمد بدر الدین حسن بن قاسم، الجنى الدانی فی حروف المعانی، تح: فخر الدین قباوة، ومحمد ندیم فاضل، دار الکتب العلمیة، بیروت – لبنان، 1992م، ص206.

([x]) هو أَبُو زید سعید بن أَوْس الْأنْصَارِیّ، " کَانَ یَقُول: إِذا قَالَ سِیبَوَیْه: أخبرنی الثِّقَة، فإیای یَعْنِی، وَله مَوْضُوعَات فِی اللُّغَة: النَّوَادِر وکتاب الْهمزَة". التّنوخیّ، أبو المحاسن المفضل بن محمد بن مسعر، تاریخ العلماء النحویین من البصریین والکوفیین وغیرهم، تح: عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزیع والإعلان- القاهرة، ط2، 1992م، ص224، ص225.

([xi]) البیت من بحر الرّجز، ولم أعثر له على نسبة. وذکره ابن منظور بروایة: (یا دهنَ...) على اعتبار (دهنَ) ترخیم (دهناء). وقال فی معناه: " أَیْ کنت أَتَوقَّصُ وأَنا فِی شَبِیبتی والیومَ قَدْ أَسْنَنْت حَتَّى صَارَ مَشیی رَقَصاً، والتَّوَقُّص: مُقارَبةُ الخَطْو". انظر: ابن منظور، محمد بن مکرم بن علی، لسان العرب، دار صادر – بیروت، ط3، 1414هـ، ج12، ص36.

([xii]) انظر: ابن عصفور، علی بن مؤمن بن محمد، ضرائر الشّعر، تح: السید إبراهیم محمد، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزیع، 1980م، ص74.

([xiii]) البیت من البحر الطویل، وهو لأبی ذؤیب الهذلیّ، خویلد بن خالد بن محرز. وهذه روایة أبی عمرو بن العلاء، ورواه الأصمعیّ بکلمة (عصانی إلیها...) انظر: محمد بن محمد حسن شرّاب، شرح الشواهد الشعریة فی أمات الکتب النحویة، مؤسسة الرسالة، بیروت – لبنان، 2007م، 1/154. ومعنى البیت: "خَطرَ إلیها قلبِی وذَهَب إلیها، فما أَدْرِی أَرُشْدٌ الّذی وَقَعتُ فیه أم غیٌّ". دیوان الهذلیین، ترتیب وتعلیق: محمّد محمود الشنقیطی، الدار القومیة للطباعة والنشر، القاهرة - جمهوریة مصر العربیة، 1965م،ج1، ص71.

([xiv]) البیت من البحر الطویل لـ (عمر بن أبی ربیعة).

([xv]) المبرّد، المقتصب، ج3، ص294.

([xvi]) انظر:  السّابق، ج3، ص287.

([xvii]) المرادی، الجنى الدانی فی حروف المعانی، ص32.

([xviii]) انظر: ابن عقیل، عبد الله بن عبد الرحمن العقیلی، شرح ابن عقیل على ألفیة ابن مالک، تح: محمد محیی الدین عبد الحمید، دار التراث - القاهرة، دار مصر للطباعة- سعید جودة السحار وشرکاه، ط20، 1980م،ج3، ص230.

([xix]) المبرّد، المقتضب، ج3، ص294.

([xx]) انظر: ابن مالک، محمد بن عبد الله، شرح الکافیة الشافیة، تح: عبد المنعم أحمد هریدی، جامعة أم القرى مرکز البحث العلمی وإحیاء التراث الإسلامی، کلیة الشریعة والدراسات الإسلامیة، مکة المکرمة، ج3، ص1219.

([xxi]) یوسف الشیخ البقاعی، فی تحقیقه لأوضح المسالک إلى ألفیة ابن مالک، لابن هشام، عبدالله بن یوسف بن أحمد، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع، ج3، ص338.

([xxii]) انظر: المرادی، الجنى الدانی فی حروف المعانی، ص206.

([xxiii])  البیت من البحر الکامل، للأخطل غیاث بن غوث.

([xxiv]) انظر: المبرّد، محمد بن یزید، الکامل فی اللغة والأدب، تح: محمد أبو الفضل إبراهیم، دار الفکر العربی – القاهرة، ط3، 1997م، ج2، ص181، ص182.

([xxv]) السیرافی، شرح أبیات سیبویه، ج2، ص79.

([xxvi]) البیت من البحر الطویل، لـ (کثیّر عزة) بن عبدالرحمن الخزاعیّ.

([xxvii]) السیرافی، شرح أبیات سیبویه، ج2، ص142.

([xxviii]) انظر:  المرادی، الجنى الدانی فی حروف المعانی، ص206. وسترد هذه الإشارة  تالیًا عند الحدیث عن دلالة (أم) المنقطعة.

([xxix]) السّابق، ص206.

([xxx]) ابن هشام، عبدالله بن یوسف بن أحمد، أوضح المسالک إلى ألفیة ابن مالک، تح: یوسف الشیخ البقاعی، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع، ج3، ص337، ص338.

([xxxi]) انظر: عضیمة، محمد عبدالخالق، دراسات لأسلوب القرآن الکریم، دار الحدیث، القاهرة، القسم الأول-ج1، ص394.

([xxxii]) انظر: أحمد عبدالمجید حمد القیسیّ، نظریّة الأفضلیّة اللّغویّة- دراسة معاصرة للشواهد القرآنیّة فی معانی القرآن وإعرابه لـ (الزّجّاج)، دار الفکر، الأردنّ- إربد، 2017م. وانظر: یحیى عبابنة، اللّغة العربیّة بین القواعدیّة والمتبقّی فی ضوء نظریّة الأفضلیّة- دراسة وصفیّة تحلیلیّة، المملکة الأردنیّة الهاشمیّة- عمّان، 2017م.

([xxxiii]) الزمخشریّ، محمود بن عمرو بن أحمد، الکشاف عن حقائق غوامض التنزیل، دار الکتاب العربی - بیروت، ط3، 1407هـ، ج2، ص532.

([xxxiv]) القرطبی، محمد بن أحمد بن أبی بکر، الجامع لأحکام القرآن، تح: أحمد البردونی وإبراهیم اطفیش، دار الکتب المصریة – القاهرة، ط3، 1964م، ج9، ص322.

([xxxv]) ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر، التحریر والتنویر، الدار التونسیة للنشر – تونس، 1984م، ج13، ص152.

([xxxvi]) أبو حیّان الأندلسیّ، محمد بن یوسف بن علی، البحر المحیط فی التفسیر، تح: صدقی محمد جمیل، دار الفکر – بیروت، 1420ه، ج6، ص394.

([xxxvii]) السّابق، ج6، ص394.

([xxxviii]) القرطبی، الجامع لأحکام القرآن، ج9، ص322.

([xxxix]) البغوی، الحسین بن مسعود بن محمد، معالم التنزیل فی تفسیر القرآن، تح: عبد الرزاق المهدی، دار إحیاء التراث العربی – بیروت، 1420هـ، ج3، ص24.

([xl]) الزجاج، إبراهیم بن السری بن سهل، معانی القرآن وإعرابه، تح: عبد الجلیل عبده شلبی، عالم الکتب - بیروت، 1988م، ج5، ص62.

([xli]) ابن عاشور، التحریر والتنویر، ج27، ص44.

([xlii]) محیی الدین بن أحمد مصطفى درویش، إعراب القرآن وبیانه، (دار الإرشاد للشؤون الجامعیة - حمص -سوریة)، (دار الیمامة - دمشق - بیروت)، (دار ابن کثیر - دمشق - بیروت)، ط4، 1415هـ، ج9، ص329.

([xliii]) الزّمخشریّ، الکشاف عن حقائق غوامض التّنزیل، ج1، ص158.

([xliv]) البیضاوی، عبد الله بن عمر، أنوار التنزیل وأسرار التأویل، تح: محمد عبد الرحمن المرعشلی، دار إحیاء التراث العربیّ، بیروت، 1418هـ، ص90.

([xlv]) أبو حیّان الأندلسیّ، البحر المحیط فی التفسیر، ص449.

([xlvi]) أبو السّعود العمادیّ، محمد بن محمد بن مصطفى، تفسیر أبی السعود (إرشاد العقل السلیم إلى مزایا الکتاب الکریم)، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، ج7، ص207.

([xlvii]) ابن عاشور، التحریر والتّنویر، ج23، ص181.

([xlviii]) محیی الدین بن أحمد مصطفى درویش، إعراب القرآن وبیانه، ج8، ص313.

([xlix]) محمد عبدالخالق عضیمة، دراسات لأسلوب القرآن الکریم، دار الحدیث، القاهرة، القسم الأول، ج1، ص402، ص403.

([l]) هو محمد بن صالح المرّی، ذکره ابن الجزری، (محمد بن محمد بن یوسف) فی غایة النّهایة فی طبقات القرّاء، مکتبة ابن تیمیة، ج1، ص285، ص324، ج2، ص183.

([li]) القرطبی، الجامع لأحکام القرآن، ج15، ص227، ص228.

([lii]) أبو السّعود العمادیّ، تفسیر أبی السّعود، ج7، ص236.

([liii]) محیی الدّین درویش، إعراب القرآن وبیانه، ج8، ص383.

([liv]) محمد عضیمة، دراسات لأسلوب القرآن الکریم، القسم الأوّل، ج1، ص394، ص395.

([lv]) انظر: السّابق، القسم الأوّل، ج1، ص394.

([lvi]) الشاهد هو:  لَعَمْرُک مَا أدْری وَإِن کنتُ داریاً              بسَبْع رمَیْن الْجَمْر أم بثَمانِ. وانظر: الزجاج، معانی القرآن وإعرابه، ج4، ص341، وانظر: السّمین الحلبیّ، أبو العباس أحمد بن یوسف، الدر المصون فی علوم الکتاب المکنون، تح: أحمد محمد الخراط، دار القلم، دمشق، ج9، ص398، ص399.

([lvii]) انظر: السّابق، ج9، ص399.

([lviii]) الزّجّاج، معانی القرآن وإعرابه، ج4، ص347.

([lix]) القرطبیّ، الجامع لأحکام القرآن، ج15، ص239.

([lx]) ابن عاشور، التحریر والتنویر، ج23، ص345، ص346.

([lxi]) انظر: أبو حفص سراج الدین عمر بن علی النّعمانی، اللباب فی علوم الکتاب، تح: عادل أحمد عبد الموجود وعلی محمد معوض، دار الکتب العلمیة، بیروت- لبنان، 1998م، ج16، ص483.

([lxii]) أبو السّعود العمادیّ، تفسیر أبی السّعود، ج8، ص197.

([lxiii]) ابن عاشور، التّحریر والتّنویر، ج27، ص314.

([lxiv]) انظر: القرطبی، الجامع لأحکام القرآن، ج17، ص216.

([lxv]) ابن عاشور، التّحریر والتّنویر، ج27، ص321.

([lxvi]) أبو السّعود، تفسیر أبی السّعود، ص121.

([lxvii]) ابن عاشور، التّحریر والتّنویر،ج9، ص223.

([lxviii]) انظر: ابن عقیل، شرح ابن عقیل على ألفیّة ابن مالک، ج3، انظر الصفحات: 229، 230، 231، 232، 233.

([lxix]) أبو السّعود، تفسیر أبی السّعود، ص233.

([lxx]) السّمرقندیّ، أبو اللیث نصر بن محمد بن أحمد بحر العلوم، تح: علی محمد معوّض، وعادل أحمد عبدالموجود، وزکریا عبدالمجید النوتی، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1993م، ج3، ص172.

([lxxi]) الطّبریّ، محمد بن جریر بن یزید، جامع البیان فی تأویل القرآن، تح: أحمد محمد شاکر، مؤسسة الرسالة، 2000م، ج3، ص123.

([lxxii]) الزّمخشریّ، الکشاف عن حقائق غوامض التّنزیل، ج1، ص197.

([lxxiii]) انظر: أبو حیّان الأندلسیّ، البحر المحیط فی التّفسیر، ص659.

([lxxiv]) البغویّ، أبو محمد الحسین بن مسعود بن محمد، تفسیر البغویّ (معالم التّنزیل فی تفسیر القرآن الکریم)، تح: عبدالرزّاق المهدیّ، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1420هـ، ج4، ص164.

([lxxv]) الزّجاج، معانی القرآن وإعرابه، ج4، ص415. وانظر: سیبویه، الکتاب، ج3، ص173.

([lxxvi]) الزّمخشریّ، الکشاف، ج4، ص258.

([lxxvii]) انظر: السّمین الحلبیّ، أحمد بن یوسف بن عبد الدائم، الدر المصون فی علوم الکتاب المکنون، تح: أحمد محمد الخراط، دار القلم، دمشق، ج9، ص597.

([lxxviii]) انظر: محمد عبدالخالق عضیمة، دراسات لأسلوب القرآن الکریم، القسم الأول- ج1، ص407.

([lxxix]) انظر: السّهیلیّ، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله، نتائج الفکر فی النّحو، تح: عادل أحمد عبدالموجود، وعلی محمد معوّض، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1992م، ص205.
 

 

  القرآن الکریم.

-       أبو البرکات الأنباری، عبدالرحمن بن محمّد الأنصاری، أسرار العربیّة، دار الأرقم بن أبی الأرقم، 1999م.

-       البغویّ، أبو محمد الحسین بن مسعود بن محمد، تفسیر البغویّ (معالم التّنزیل فی تفسیر القرآن الکریم)، تح: عبدالرزّاق المهدیّ، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1420هـ.

-       البیضاوی، عبد الله بن عمر، أنوار التنزیل وأسرار التأویل، تح: محمد عبد الرحمن المرعشلی، دار إحیاء التراث العربیّ، بیروت، 1418هـ.

-       التّنوخیّ، أبو المحاسن المفضل بن محمد بن مسعر، تاریخ العلماء النحویین من البصریین والکوفیین وغیرهم، تح: عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزیع والإعلان- القاهرة، ط2، 1992م.

-       أبو حفص سراج الدین عمر بن علی النّعمانی، اللباب فی علوم الکتاب، تح: عادل أحمد عبد الموجود وعلی محمد معوض، دار الکتب العلمیة، بیروت- لبنان، 1998م.

-       أبو حیّان الأندلسیّ، محمد بن یوسف بن علی، البحر المحیط فی التفسیر، تح:  صدقی محمد جمیل، دار الفکر – بیروت، 1420ه.

-       ابن الجزری، محمد بن محمد بن یوسف، غایة النّهایة فی طبقات القرّاء، مکتبة ابن تیمیة.

-       دیوان الهذلیین، ترتیب وتعلیق: محمّد محمود الشنقیطی، الدار القومیة للطباعة والنشر، القاهرة - جمهوریة مصر العربیة، 1965م.

-       الزجاج، إبراهیم بن السری بن سهل، معانی القرآن وإعرابه، تحقیق عبد الجلیل عبده شلبی، عالم الکتب - بیروت، 1988م.

-       الزمخشریّ، محمود بن عمرو بن أحمد، الکشاف عن حقائق غوامض التنزیل، دار الکتاب العربی - بیروت، ط3، 1407هـ.

-       السّخاویّ، علی بن محمد بن عبد الصمد، سفر السعادة وسفیر الإفادة، تح: محمد الدالی وشاکر الفحام، دار صادر، ط2، 1995م.

-       أبو السّعود العمادیّ، محمد بن محمد بن مصطفى، تفسیر أبی السعود (إرشاد العقل السلیم إلى مزایا الکتاب الکریم)، دار إحیاء التراث العربی، بیروت.

-       السّمرقندیّ، أبو اللیث نصر بن محمد بن أحمد، بحر العلوم، تح: علی محمد معوّض، وعادل أحمد عبدالموجود، وزکریا عبدالمجید النوتی، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1993م.

-       السّمین الحلبیّ، أبو العباس أحمد بن یوسف، الدر المصون فی علوم الکتاب المکنون، تح: أحمد محمد الخراط، دار القلم، دمشق.

-       السّهیلیّ، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله، نتائج الفکر فی النّحو، تح: عادل أحمد عبدالموجود وعلی محمد معوّض، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1992م.

-       ابن سیده، أبو الحسن علی بن إسماعیل، المخصّص، تح: خلیل إبراهیم جفال، دار إحیاء التراث العربی – بیروت، 1996م.

-       السّیرافیّ،  یوسف بن أبی سعید الحسن بن عبد الله، شرح أبیات سیبویه، تح: محمد علی الریح هاشم، مکتبة الکلیات الأزهریة، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة – مصر، 1974م.

-       الطّبریّ، محمد بن جریر بن یزید، جامع البیان فی تأویل القرآن، تح: أحمد محمد شاکر، مؤسسة الرسالة، 2000م.

-       ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر، التحریر والتنویر، الدار التونسیة للنشر – تونس، 1984م.

-       ابن عصفور، علی بن مؤمن بن محمد، ضرائر الشّعر، تح: السید إبراهیم محمد، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزیع، 1980م.

-       عضیمة، محمد عبدالخالق، دراسات لأسلوب القرآن الکریم، دار الحدیث، القاهرة.

-       ابن عقیل، عبد الله بن عبد الرحمن العقیلی، شرح ابن عقیل على ألفیة ابن مالک، تح: محمد محیی الدین عبد الحمید، دار التراث - القاهرة، دار مصر للطباعة- سعید جودة السحار وشرکاه، ط20، 1980م.

-       القرطبی، محمد بن أحمد بن أبی بکر، الجامع لأحکام القرآن، تح: أحمد البردونی وإبراهیم اطفیش، دار الکتب المصریة – القاهرة، ط3، 1964م.

-       القیسیّ، أحمد عبدالمجید حمد، نظریّة الأفضلیّة اللّغویّة- دراسة معاصرة للشّواهد القرآنیّة فی معانی القرآن وإعرابه لـ (الزّجاج)، دار الفکر، المملکة الأردنیّة الهاشمیّة- عمّان، 2017م.

-       ابن مالک، محمد بن عبد الله، ألفیة ابن مالک، دار التعاون، تح: عباس أحمد الباز، مکّة المکرمة.

-       ابن مالک، محمد بن عبد الله، شرح الکافیة الشافیة، تح: عبد المنعم أحمد هریدی، جامعة أم القرى مرکز البحث العلمی وإحیاء التراث الإسلامی، کلیة الشریعة والدراسات الإسلامیة، مکة المکرمة.

-       المبرّد، محمد بن یزید، الکامل فی اللغة والأدب، تح: محمد أبو الفضل إبراهیم، دار الفکر العربی – القاهرة، ط3، 1997م.

-       المبرّد، محمد بن یزید بن عبد الأکبر، المقتضب، تح: محمد عبد الخالق عظیمة، عالم الکتب – بیروت.

-       محمد بن محمد حسن شرّاب، شرح الشواهد الشعریة فی أمات الکتب النحویة، مؤسسة الرسالة، بیروت – لبنان، 2007م.

-       محیی الدین بن أحمد مصطفى درویش، إعراب القرآن وبیانه، (دار الإرشاد للشئون الجامعیة - حمص -سوریة)، (دار الیمامة - دمشق - بیروت)، (دار ابن کثیر - دمشق - بیروت)، ط4، 1415هـ.

-       المرادی، أبو محمد بدر الدین حسن بن قاسم، الجنى الدانی فی حروف المعانی، تح: فخر الدین قباوة، ومحمد ندیم فاضل، دار الکتب العلمیة، بیروت – لبنان، 1992م.

-       ابن منظور، محمد بن مکرم بن علی، لسان العرب، دار صادر – بیروت، ط3، 1414هـ.

-       ابن هشام، عبدالله بن یوسف بن أحمد، أوضح المسالک إلى ألفیة ابن مالک، تح: یوسف الشیخ البقاعی، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع.

-       عبابنة، یحیى، اللّغة العربیّة بین القواعدیّة والمتبقّی فی ضوء نظریّة الأفضلیّة – دراسة وصفیّة تحلیلیّة، دار الکتاب الثّقافیّ، الأردن- إربد، 2016م.

-       یحیاوی حفیظة، إسهامات نحاة المغرب والأندلس فی تأصیل الدرس النحویّ العربیّ خلال القرنین السادس والسابع الهجریین، منشورات مخبر الممارسات اللّغویّة فی الجزائر، 2011م.