النموذج العاملي في المقامة الصنعانیة للحریري -دراسة سیمیائیة سردیة-
الباحث المراسل | سعید بن سلیم بن صروخ الصلتی | مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم أستاذ اللغة العربية في معهد العلوم الإسلامية |
لم تحض المقامات بالدراسة الکافیة على مستوى المناهج النقدیة الحدیثة، مقارنة بالروایة والقصة القصیرة من الفنون السردیة المشابهة، ومن أبرز الدراسات التی تناولت المقامة فی المناهج الحدیثة دراسة الناقد المغربی عبد الفتاح کیلیطو فی کتابه: المقامات السرد والأنساق الثقافیة، وجاء فیه: "ونعتقد أنه قد آن الأوان للانکباب على المقامة التی ظلت أمدا طویلا معروضة فی متحف یعلوها الغبار..."([i]) أما کتابه (الغائب) فقد جاء تحلیلا للمقامة الکوفیة للحریری([ii]) والدراسات الأخرى التی وقف علیها الباحث لم تطبق المناهج الحدیثة إلا قلیلا، ومنها دراسة (المفارقة فی مقامات بدیع الزمان الهمذانی)، إذ یقول صاحبها الدکتور کمال العتوم: "وخلصت الدراسة إلى أن الهمذانی یستعمل المفارقة فی مقاماته بشکل جلی"([iii])، ومنها (مدخل إلى تحلیل المقامات اللزومیة للسرقسطی) للدکتور محمد الهادی الطرابلسی، ویقول عن منهج دراسته: "... وتحلیل نظام العلامات ونظام المدلولات ونظام الدوال، فیها باعتبار أن کلَّ ظاهرة استعملت فیها کانت مبررة لا اعتباطیة"([iv]).
ومن الدراسات کذلک (الحوار فی مقامات الهمذانی)، وفیها تقول الکاتبة: "یهدف هذا البحث إلى قراءة مقامات الهمذانی قراءة جدیدة ینظر من خلالها إلى الحوار بوصفه إحدى البنى المکونة لها"([v])، أما د. مضاوی فقد درست المقامات الأندلسیة دراسة فنیة، إذ تقول فی قسمها الثانی: "ویعرض البحث فیما یأتی دراسة تلک العناصر فی المقامات الأندلسیة فی ستة محاور: الشخصیات، والزمان، والمکان، واللغة، والسجع، وتداخل المقامة بالأجناس الأدبیة"([vi]).
ولم یقف البحث على دراسة طبقت المنهج السیمیائی السردی على المقامات، بل اهتمَّ بالمقامة سیمیائیا لکشف دلالاتها، فاختار المنهج السیمیائی السردی لیطبقه على فن المقامات الأدبیة. وقد رکز البحث على النموذج العاملی لغریماس کونه _ أی غریماس- جاء بعد سلسلة من المحاولات لبناء هیکل تجریدی یرجع إلیه لقراءة النصوص السردیة، فقد سبقته محاولات فلادیمیر بروب وسوریو ورولان بارت، فاستفاد ممن سبقه لیبنی النموذج العاملی فی صورته النهائیة، وتحاول الدراسة تطبیق هذا المنهج بشکل إجرائی لیصل إلى نتائج معتبرة.
المبحث الأول: التمظهر السطحی للمقامة الصنعانیة:
تقع هذه المقامة فی بدایة الکتاب الجامع لمقامات الحریری، وقد علل المحقق تقدمها عن غیرها فی الهامش بقوله: "ابتدأ بها لأنه یروى أن صنعاء أول بلدة صنعت بعد الطوفان"([vii]) مع العلم أنها لیست الأولى من حیث کتابتها، فقد أشار المحقق إلى أن أول مقامة کتبها المقامة الحرامیة، وهی رقم ثمانیة وأربعین فی ترتیب الکتاب، فإذا کان سبب الابتداء بالصنعانیة کما أشار المحقق، فإن سببا آخر یمکن أن یضاف إلى ذلک، وهو أنها المقامة الوحیدة التی تکشف عن عدم وجود معرفة سابقة بین الراوی والبطل، فالمقامات الأخرى یحصل فیها التعارف بعد خروج البطل عن تنکره؛ ویکون ذلک بترک التعارج أحیانا، واعتدال القوام فی أحیان أخرى، وإمعان النظر من الراوی، وغیرها من الأسباب، إلا أن السیاقات تدل على معرفة سابقة بینهما.
وقد حال تخفی البطل دون بروزها من البدایة، بل إنه فی بعض المقامات یظهر مصاحبا للبطل منذ البدایة عارفا له، کما فی بدایة المقامة السنجاریة حین یقول: "ومعَنا أبو زیدٍ السّروجیُّ عُقلَةُ العَجْلانِ، وسَلْوَةُ الثّکْلانِ، وأُعجوبَةُ الزّمانِ، والمُشارُ إلیْهِ بالبَنانِ"([viii])، وفی المقامة الصنعانیة، یقول للفتى الذی وجده ملازما للبطل فی المغارة: "عزمت علیک بمن تستدفع به الأذى؛ لتخبرنی من ذا؟ فقال: هذا أبو زید السروجی..."([ix]). ومما یؤکد على عدم معرفته السابقة له أن التلمیذ عرفه بالاسم الکامل، بینما یرد فی أکثر المقامات بتعریفات مقتضبة؛ وذلک مثل قوله: "فناجانی قلبی بأنّهُ أبو زیدٍ"([x])، ویضیف: "فإذا هوَ أبو زیْدٍ فقُلتُ لصَحْبی: لیُهْنَأکُمُ الضّیفُ الوارِدُ"([xi])، وفی سیاق آخر یقول: "فإذا هوَ شیخُنا السَّروجیُّ بِلا فِریَةٍ، ولا مِرْیَةٍ، فأیقَنْتُ أنّها أُکذوبَةٌ تکذَّبَها، وأُحبولَةٌ نصبَها"([xii]).
إذن فهو أبو زید حینا، والسروجی مرة، والشیخ أخرى، کما أن وقوع الفراق بعد تعریف التلمیذ بالشیخ مباشرة دون مراجعة الشیخ دلیل آخر على عدم وجود معرفة سابقة، وقال أیضا: "فانصرَفْتُ من حیثُ أتیتُ، وقضَیْتُ العجَبَ ممّا رأیْتُ"([xiii])، وهذه خاتمة المقامة؛ لکنها خاتمة تؤسس لصداقة متینة وصحبة عمیقة ستظل حاضرة إلى نهایات المقامات عند المقامة البصریة التی ترک فیها البطل الکدیة وتاب إلى ربه، واعتکف فی المسجد، وقرر مفارقة صحبه ومنهم الراوی. وقد جاءت الخاتمة معبرة عن ذلک، إذ قال: "اجعَلِ الموتَ نُصْبَ عینِکَ، وهذا فِراقُ بینی وبینِکَ، فودّعْتُهُ وعبَراتی یتحدّرْنَ منَ المآقی، وزَفَراتی یتصَعّدْنَ منَ التّراقی، وکانتْ هذِهِ خاتِمَةَ التّلاقی"([xiv]).
فهذا من حیث الابتداء بالصنعانیة وتعلیل ذلک، وفیما یأتی بیان أوفى للتمظهر السطحی للمقامة:
1-الشکل الخارجی لنص المقامة: وقعت المقامة فی ست صفحات مع الهوامش، وعدد کلماتها قریب من ست مائة کلمة؛ أی تعادل صفحتین خالصتین للنص بالتقریب. وقد اشتمل النص على الشعر والنثر متوزعین توزیعا اعتباطیا، وحضورهما غیر متکافئ کمًا، فالنثر یحتل أکثر من أربعة أخماس النص، بینما الشعر یحتل الخمس الباقی، والنص من حیث مظهره العام یعتمد أسلوب السند فی الروایة، وفیه تناوب بین الراوی والبطل فی إدارة البرنامج السردی.
2- البناء الدلالی العام للمقامة: تنبنی المقامات عموما بناء شبه ثابت، إذ أنها تبدأ بالمقدمة، ثم الأحداث مع البطل، ثم الوصول إلى معرفة البطل وکشف هویته، وتنتهی بالفراق أخیرا، وفی المقامة الصنعانیة یمکن استقراء هذا البناء فی النقاط الآتیة:
أ. مقدمة الرحلة: وفیها أشار الراوی إلى قصده صنعاء بالیمن، وهو فقیر لطلب الرزق: "فدَخَلْتُها خاویَ الوِفاضِ. بادیَ الإنْفاضِ. لا أمْلِکُ بُلْغَةً. ولا أجِدُ فی جِرابی مُضْغَةً"([xv]).
ب. حضور النادی: وهذه الرحلة أوصلته إلى "ناد رحیب، محتو على زحام ونحیب"([xvi]).
ج. وصف الشیخ: فی النادی وجد شیخا خطیبا (هو البطل کما سیعرفه فیما بعد)، فوصفه: "فرأیتُ فی بُهْرَةِ الحَلْقَةِ. شخْصاً شخْتَ الخِلْقَةِ. علیْهِ أُهْبَةُ السّیاحَةِ. وله رنّةُ النِّیاحَةِ"([xvii]).
د. نص الخطبة: هنا ینتقل الحدیث إلى البطل، ویقدم خطبة مسجوعة فیها وعظ کثیر تنتهی بأبیات شعریة.
ه. إعجاب الناس بالخطبة وإعطائهم المال للبطل: والراوی هنا یعجب من فصاحة الشیخ ویسعى لمعرفة من یکون.
و. تتبع البطل: یحاول البطل التخفی ولکن یتمکن الراوی من اللحاق به حتى دخوله مغارة، یقول: "وقَفوْتُ أثرَهُ منْ حیثُ لا یَرانی. حتّى انْتَهى الى مَغارَةٍ"([xviii]).
ز. کشف حقیقة البطل: إذ کان بحضرة غلام ومعه أصناف الطعام والخمر، ما یتنافى مع وعظه للناس، ودعوته للزهد، یقول: "فوجدتُهُ مُثافِناً لتِلْمیذٍ. على خبْزِ سَمیذٍ. وجَدْیٍ حَنیذٍ. وقُبالَتَهُما خابیةُ نبیذٍ"([xix])
ح. اللوم والعتاب: الراوی یلوم البطل؛ کونه بوجهین، یقول: "یا هذا أیَکونُ ذاکَ خبرَکَ. وهذا مَخْبَرَکَ؟"([xx]). ثم إن البطل یدافع عن موقفه شعرا.
ط. التعارف: الذی یحقق التعارف فی هذه المقامة تدخل التلمیذ بالتعریف.
ی. الفراق: لم یقتنع الراوی باحتجاج البطل فحصل الفراق، یقول: "فانصرَفْتُ من حیثُ أتیتُ، وقضَیْتُ العجَبَ ممّا رأیْتُ"([xxi]).
وخلاصة البناء الدلالی أن ثمة حالة بدئیة تمثل انفتاح السرد، وفیها یحصل اللقاء الأول بین الراوی والبطل، ثم یأتی التحول؛ إذ یتحول البطل من واعظ إلى زندیق، والراوی من معجب إلى لائم ومتعجب، ثم تأتی الحالة النهائیة لتمثل انغلاق السرد وذلک بالفراق.
3-تقطیع النص المقامی: تقطیع الخطاب أی تحویله إلى عدة مقاطع؛ لکل مقطع ما یمیزه عن المقاطع الأخرى لاعتبارات ومحددات مسبقة؛ کی یحقق "إجراء التقطیع لتحلیل مجموعة من الأهداف التی تضمن تجانسه: 1- تحلیل الخطاب إلى مجموعة مقاطع تمکن من التعامل المرن مع هذه المقاطع فی أثناء التحلیل. 2- التقطیع خلیق بإبراز التعالق بین هذه المقاطع"([xxii]).
وثمة معاییر للتقطیع یحددها غریماس حین یقول: "من المرغوب فیه بالواقع، أن تحل ممارسة التقسیم الشکلی تدریجیا محل الفهم الحدسی للنص وتقسیماته"([xxiii])، ثم یحدد معیار الزمان والمکان ومعیار المعرفة والمعاییر النحویة، ولکن قد یلجأ المحلل إلى اعتماد معاییر أخرى تقتضیها طبیعة النص، مثل التقطیع حسب الجهاز الکتابی. وقد سبق هنا فی البناء العام للروایة، والتقطیع بحسب الشخصیات "الاعتماد على مؤشر هیمنة شخصیة ما على مستوى المقطع الواحد"([xxiv])، وسیعتمد البحث هنا التقطیع بحسب الزمان والمکان والشخصیات فقط اختصارا واکتفاء.
أ. تقطیع النص بحسب الزمان والمکان: أما من حیث الزمان فإن المقامة وقعت فی أزمنة متقاربة، ولکن یمکن تقسیمها إلى زمنین: الصباح حیث اجتمع الناس فی النادی، والمساء حین عاد البطل بغنیمته إلى المغارة.
أما المکان فیمکن تقطیعه إلى النادی والمغارة، فالنادی مرتبط بزمن الصباح؛ لأنه الوقت الذی یجتمع فیه الناس هناک، والمغارة هی التی اتخذها مستراحا له، والمساء هو الوقت الأنسب لها.
ب. تقطیع النص بحسب الشخصیات: وهنا تأتی شخصیة الراوی فی الابتداء والانتهاء من البرنامج السردی، أما شخصیة البطل فتحضر فی جوهر النص حضورا متمیزا بالفصاحة والبیان والمکر والخداع، وتتولى إدارة النص مدة من الزمن، وهذا یعنی وجود برنامجین سردیین فی المقامة، تکون السیطرة فی المقطع الأول للراوی فیما یخص السفر والحدیث عن الفقر، ثم للبطل حین أخذ فی الوعظ، ثم یشترکان فی بقیة المقاطع حتى النهایة.
المبحث الثانی: استراتیجیة البناء العاملی فی المقامة: وفیه یکون الحدیث عن المستوى العمیق، "وفی هذا المجال یقدم کریماص نموذجا تجریدیا قادرا فی تصوره على استعادة کل العناصر المندرجة فی داخل السلوک الإنسانی على شکل مواقع ترتبط فیما بینها بسلسلة من العلاقات، ویطلق على هذا النموذج المربع السیمیائی أو النموذج التأسیسی"([xxv])، وهو المستوى التجریدی المنطقی الذی یفضی فیما بعد أو تفضی قراءته للمستوى السطحی، وهذا التحول یعد "البؤرة الأساسیة التی یتم من خلالها الانتقال من المستوى العمیق إلى المستوى السطحی؛ أی من العلاقات إلى العملیات إلى الملفوظ السردی، وما دامت تلک طبیعة موقعها فإنها تشکل فی مرحلة أولى تنظیما ترکیبیا مجردا قابلا لاحتواء أشکال حدیثة متنوعة"([xxvi])، فینطلق البناء العاملی من البنیة المجردة -المستوى العمیق- لیصل إلى المستوى السطحی ثم المستوى الخطابی.
1- المستوى العمیق (المکون الدلالی): وهنا یتم رسم المربع السیمیائی ثم تسریده؛ وذلک للانطلاق من البنیة المجردة أو البنیة الدلالیة الأصلیة التی أنتجت العمل الأدبی؛ إذ إن "من المقولات الأساسیة للعلامیة أن الدلالة لا تستنبط من سطح النص فحسب، إنما یجب استجلاؤها انطلاقا من نظرة تولیدیة للمعنى"([xxvii]).
أ- المربع السیمیائی: قبل رسم المربع السیمیائی للمقامة الصنعانیة، تم رصد ما یدل على الفقر، وما یدل على الغنى فی الجدول الآتی:
ما یدل على الفقر فی المقامة الصنعانیة | ما یدل على الغنى فی المقامة الصنعانیة | ||||
- لبست الخمیصة -
أبغی الخبیصة - أریع القنیص - ألجأنی الدهر - لم أهب صرفه - على مورد یدنس عرضی
|
|
وخلاصة ما ورد فی الجدول السابق المربع السیمیائی:
تضاد |
تحت التضاد |
الفقر |
الغنى |
لا فقر |
لا غنى |
تناقض |
اقتضاء |
اقتضاء |
یتضح فی الرسم أن ثمة محاولة للانتقال من حالة إلى أخرى؛ فالبطل یحاول الانتقال من الفقر إلى الغنى، وهذا یحرض على وجود برنامج سردی یدور فیه الصراع بین ثنائیة الفقر والغنى، وفیما یأتی قراءة للبرنامج السردی المتکون من ذلک الصراع.
1- برنامج البطل:
أ- انتقل البطل أبو زید السروجی من لا غنى؛ حیث لم یکن فقیرا، أو لم یکشف النص عن سابقة فقر، فقد یکون طلبه للمال من باب الفضول والجشع والکدیة، دون أن یکون فقیرا محتاجا؛ ویدل على ذلک أنه بعد حصوله على المال ذهب إلى المغارة وکان ثمة ما یعبر عن الغنى، فهناک تلمیذه وقد حضر بینهما الطعام الکثیر والنبیذ، ولم یذهب إلى السوق لیشتری طعاما؛ لأن الراوی کان یتابعه، فلو کان فعل لذکر الراوی ذلک، فالطعام الذی فی المغارة موجود سلفا؛ وهذا یدل على أنه لم یکن فقیرا ولیس غنیا أیضا؛ لأن الغنى یقتضی الاستغناء عن طلب المال والتکسب، فهو فی مرتبة لا غنى، وفیها یکون الدافع للتکسب إما الفضول أو الرغبة فی الاحتیال، فانتقل من لا غنى إلى لا فقر؛ أی بعد حصوله على المال لم یصبح غنیا لأن نمط إنفاقه المال الذی لا یقوم على استثمار، إنما على استهلاک فی الطعام والشراب والنبیذ؛ لیؤدی إلى سرعة احتیاجه للمال مرة أخرى، فالمال الذی حصل علیه حل مؤقت لمشکلة احتیاجه، وسیسعى مرة أخرى للحصول عل مال آخر بالطریقة نفسها، ومما یدل على ذلک غضبه من الراوی الذی عاتبه على طریقة کسبه، فقد رد علیه بعض أبیات أوردها فی قوله: "ادن فکل، وإن شئت فقم وقل"([xxviii])، معلنا بذلک استمراره فی طریقته.
ب- ثم انتقل من لا فقر إلى الغنى؛ وذلک أنه أعلن اکتفاءه بهذه الطریقة فی الکسب، فهو یرى فیها سبیلا لتخلیصه من الفقر ومسلکا سهلا علیه، خاصة مع وجود عنصر الفصاحة التی بها یسلب ألباب الناس ویستدر جیوبهم، وهذا واضح فی قوله (المتقارب):
وألجأنی الدهر حتى ولجت = بلطف احتیالی على اللیث عیصه
واللیث تعبیر عن أشداء الرجال الذین استطاع أن یخلب ألبابهم ویدخل إلى أموالهم فیأخذها طوعا وکرها، فهذا یحقق له الغنى والاکتفاء.
ج- وهناک انتقال آخر من لا فقر إلى الفقر، وهذا من زاویة نظر الراوی، إذ إن البطل بهذه الطریقة یفتقر إلى الأخلاق والصیانة للنفس، وهذا هو الفقر الحقیقی، کما أنه لا یوجد ضمان على نجاح هذا المسلک، فلا تسلم الجرة فی کل مرة، بدلیل أن الراوی استطاع کشفه من المرة الأولى، فلو أن الناس الذین أعطوه المال کشفوا أمره لانتهى الغنى المزعوم الذی اعتمده البطل.
د- وفی الختام فإن الغنى کما یراه البطل یتحول إلى الفقر کما یراه الراوی.
2- برنامج الراوی:
أ- مع بدایة البرنامج السردی ینتقل الراوی الحارث بن همام من الفقر إلى لا غنى، فقد صرح منذ البدایة بفقره؛ مما دفعه للذهاب إلى صنعاء الیمن، "فدخلتها خالی الوفاض، بادیة الإنفاض"([xxix])، ولکنه سرعان ما نسی ما جاء من أجله؛ لأنه وجد البطل الفصیح فأراد أن یأخذ من علمه ویستفید من فصاحته، وقد وضع فی حسابه منذ البدایة هذه الغایة حین قال: "أو أدیبا تفرج رؤیته غمتی، وتروی روایته غلتی"([xxx])، وإیجاد الأدیب الفصیح لا یعنی الانتقال من الفقر إلى الغنى؛ بل إلى لا غنى، فهو لم یعد فقیرا لأنه استغنى بالأدب والأدیب، وهو لیس غنیا لأنه لم یحصل على المال.
ب- وحین استنکر الراوی على البطل طریقته القائمة على الخداع فی کسب المال انتقل من حالة لا غنى التی کان استغنى بها عن طلب المال، إلى لا فقر التی تخلى فیها عن الأدیب لسوء خلقه، فانسحاب الراوی من مرافقة البطل دلیل على الانتقال من لا غنى، وهو انتقال لیس إلى الفقر، بل إلى لا فقر؛ لأن احترامه لمقام الأدب باق واستغناء نفسه به مستمر حتى لو ترک الأدیب.
ج- ثم إن الراوی انتقل من لا فقر إلى الغنى حین أعلن الرحیل، "فانصرفت من حیث أتیت، وقضیت العجب مما رأیت"، فانصرافه من حیث أتى دلیل على استغنائه عن المال عموما فی صنعاء، والسبب فی ذلک الموقف الذی کان بینه وبین البطل، وقد أدى ذلک الموقف إلى تأزم نفسه من طلب المال من صنعاء.
د- إن الاستغناء عن الغنى الحاصل بسبب الرحیل یقود إلى الفقر من حیث الحقیقة؛ لأنه استغناء معنوی لا یحقق له اکتفاء مالیا، فهو لا شک بعد ذلک مضطر إلى طلب المال وإن کان فی مکان غیر صنعاء، وهذا ما تکشفه المقامات الأخرى، فهو فی المقامة الثانیة الحلوانیة یجد البطل ویصحبه؛ ولکنه یفارقه بعد أن أعلن الرحیل لطلب المال، فالراوی لم یکن فقیرا حینها؛ وذلک ما یدل على أنه اکتسب مالا بعد رجوعه من صنعاء، وهو فی المقامة الثالثة الدیناریة واحد ممن جاد على البطل بالمال فهو فی غنى، ویزید الغنى فی المقامة الدمیاطیة "أسحب مطارف الثراء"، وهکذا یستمر البطل فی أغلب المقامات فی حالة غنى، فشغله الشاغل السعی وراء الأدب والأدباء والطرائف والفرائد.
ثمة الزهد الذی یقابله الجشع فی المقامة، یمکن أن یرصد فی مربع سیمیائی آخر، ویسبقه جدول یرصد ما یدل على الزهد وما یدل على الجشع فی المقامة کما یأتی:
ما یدل على الزهد فی المقامة الصنعانیة | ما یدل على الجشع فی المقامة الصنعانیة |
|
|
تضاد |
تحت التضاد |
الجشع |
الزهد |
لا جشع |
لا زهد |
تناقض |
اقتضاء |
اقتضاء |
وخلاصة ما ورد فی الجدول السابق المربع السیمیائی:
من خلال المربع السابق یمکن رصد العملیات الآتیة:
أ- یتم الانتقال من الزهد الذی یرسمه البطل فی خطبته الوعظیة البلیغة إلى لا جشع، فالمقامة حین عرضت البطل من البدایة عرضته واعظا، فقد لقیه الراوی صدفة وهو یخطب فی الناس خطبته البلیغة، وکل ما ورد فیها تزهید للدنیا ودعوة إلى التعلق بالآخرة، وفی الجدول السابق بعض ما ورد فیها من المواعظ، ولکنه بعد الخطبة مباشرة یبدأ فی الخروج عما یدعو إلیه من زهد، فقد قبل العطاء من الناس "فقبِلَهُ منهُم مُغضِیاً"([xxxi]) ، وهذا لا یعد جشعا؛ لأنه لم یطلب منهم المال مباشرة، وإنما قبل مبادرتهم وعطائهم، وهذا یعنی أنه انتقل من الزهد إلى لا جشع، فهل یستمر على حاله هذا؟
ب- انتقل بعدها من لاجشع إلى لا زهد، ویتجلى ذلک فی قبوله العطیة والفرح بها والدفاع عن مسلکه فی قبولها.
ج- ثم انتقل من لا زهد إلى الجشع حین وصل المغارة، إذ لم یکن مکتفیا بالقلیل من العطاء ولا بالقلیل من الطعام والشراب، فها هو مع تلمیذه یجلسان على جدی حنیذ وخبز وخمر کثیر، ومع کل هذا الطعام لم یستمع لقول الراوی الذی لامه على مسلکه، بل أشار إلى مسلکه الجشع فی اقتناص المال "لبِسْتُ الخَمیصةَ أبغی الخَبیصَـهْ... أُریغُ القَنیصَ بها والقَـنـیصَـه"([xxxii])، فهو مُصِرٌّ على سلوک هذا المسلک المفضی إلى الجشع، وإن کان یبدأ من الزهد والدعوة إلیه.
ب- تسرید المربع السیمیائی: والمقصود به الانتقال من البنیة المجردة التی رصدها المربع وتحویلها إلى نص سردی "من خلال إعطاء بعد سردی لمقولة بالغة العمومیة والتجرید"([xxxiii])؛ وذلک عبر إیجاد مسار تولیدی یتناسب مع المعطیات المجردة فی المربع، "من خلال التحول من الدلالی إلى الترکیبی أی التحول من العلاقات إلى العملیات"([xxxiv]) إذ یأتی رصد طبیعة العلاقة بین الذات والموضوع، والاتصال والانفصال؛ وذلک من خلال حرکتها -العملیات- وتحولها، وبعبارة أوضح: "الانتقال من النموذج التکوینی إلى ما یشکل قصة تدرک مجموعة من العناصر المشخصة"([xxxv]). وفیما یأتی تسرید للمربعین السیمیائیین السابقین:
المربع السیمیائی (الغنى# الفقر): یتم الانتقال من المستوى المنطقی إلى المستوى السردی کما یأتی:
1- الفاعل (ف) البطل # الموضوع (م) الغنى:
ف م ف م ف م
ف م ف م
فی البدایة کان البطل منفصلا عن الموضوع؛ أی الغنى، إذ کان یظهر فی خطبته بثیاب تدل على الفقر وإن لم یکن فقیرا، ثم بقی منفصلا فی التحول الأول؛ لأنه انتقل إلى لا فقر بسبب ما أعطیه من مال بعد الخطبة؛ ولکن هذا یکفی لتحویله إلى الغنى، ثم تحول إلى الاتصال بالغنى حین وصل للمغارة وحضرت أنواع کثیرة من الطعام والشراب؛ بید أنه فی الوقت نفسه انفصل من وجهة نظر الراوی عن الغنى؛ لأنه غنى تسقط معه المروءة، وهذا مؤقت لا یدوم، ثم انفصل البطل عن الغنى وانتقل إلى الفقر أخیرا حین رحل عنه الراوی، وهذا ما یکشفه فقره فی المقامات اللاحقة للمقامة الصنعانیة، وإن کان بقی متصلا بالغنى من وجهة نظر البطل.
2- الفاعل (ف) الراوی # الموضوع (م) الغنى:
ف م ف م ف م ف م ف م
کان الراوی منفصلا عن الموضوع؛ أی الغنى، مع بدایة المقامة، وهذا سبب رحیله إلى صنعاء لیحقق اتصالا مع الموضوع، ولکنه فی التحول الأول بقی منفصلا لاغنى؛ لأنه رغم حاجته تسلى بالأدب عن المال، ثم بقی الانفصال فی التحول الآتی؛ إذ تحول إلى لا فقر؛ لأنه استغنى بالأدب عن المال، ولکنه تحول إلى الاتصال بعد أن استغنى عن البطل وأعلن الرحیل، وهذا یؤکده غناه فی المقامات اللاحقة للمقامة الصنعانیة، إذ أصبح غنیا یعطی المال للبطل فیمن یعطی، أما التحول الأخیر فهو انفصال؛ فرغم استغنائه عاد مثلما جاء فقیرا.
المربع السیمیائی (الزهد# الجشع): یتم الانتقال من المستوى المنطقی إلى المستوى السردی کما یأتی:
ف م ف م ف م ف م
فی البدایة کان البطل متصلا بالموضوع، فقد کان البطل زاهدا فی ظهوره الأول فی الخطبة؛ ویتجلى ذلک فی ثیابه الخمیصة التی تدل على الزهد، بید أنه ینفصل عن الموضوع فی التحول الأول بعد أن یحصل على المال من الناس بعد الخطبة مباشرة؛ أی لا جشع؛ لأنه لم یکن قد طلب منهم المال بل بادروا إلى إعطائه. أما فی التحول الثالث فإن الانفصال یزید؛ إذ یتحول إلى لا زهد؛ لأنه یقبل العطیة من الناس وهو مغض طرفه، ولکن الانفصال یصل إلى غایته النهائیة فی التحول الرابع؛ إذ یتحول إلى الجشع؛ وذلک حین یصل إلى المغارة ویحضُر الطعام والشراب والخمر فی مشهد ملیء بالجشع، وهنا تنتهی سلسلة التحول.
2- المستوى السطحی (المکون السردی): المستوى السطحی یتم الانتقال إلیه من المستوى العمیق؛ أی من البنیة المجردة إلى محاولة إیجاد بنیة سردیة، وتبنى العلاقات فی المربع السیمیائی (التضاد والتناقض والاقتضاء) فی شبکات صوریة فی المستوى السطحی. "ینظم المکون السردی ترتیب الحالات والتحولات، وینظم المکون الخطابی المسارات الصوریة التی یحینها النص بواسطة الأشکال الخطابیة"([xxxvi])، فالمکون السردی إذن ینقل العلاقات التی تسکن البنیة المجردة ویقوم بإجرائها على النص السردی لیرصد التحولات التی مرت بها، وبعبارة أخرى فإن النموذج العاملی الذی یعتمد علیه المکون السردی یمثل "تحویل العلاقات الممثلة للمحور الاستبدالی إلى عملیات، تطرح بدورها سلسلة من البرامج السردیة الثانویة والرئیسة"([xxxvii]). ویتکون النموذج العاملی من ثلاثة محاور، ویأتی لیضعنا "أمام العلاقات المشکلة لأی نشاط إنسانی، وتکمن بساطته فی أنه متمحور حول موضوع الرغبة التی تتوخاها الذات..."([xxxviii]).
أ- الفئة العاملیة: (ذات/ موضوع) محور الرغبة: یمثل هذا المحور العلاقة الأولیة التی تجمع الذات بالموضوع‘ إذ إن الذات ترغب فی الحصول على الموضوع، فتکون ابتداء إما فی حالة اتصال بالموضوع فترغب حینها فی الانفصال عنه، أو تکون فی حالة انفصال وترغب فی الاتصال به، وتسمى الذات هنا "ذات حالة".
*ذات (ف) موضوع (م) ذات (ف) موضوع (م)
* ذات (ف) موضوع (م) ذات (ف) موضوع (م)
وتمثل ذات الحالة الوضع الأولی للذات فی المربع السیمیائی أو البرنامج التأسیسی، أما الحالة النهائیة التی تؤول إلیها فتسمى "ذات الإنجاز"، وللوصول إلى ذات الإنجاز لا بد من المرور بسلسلة من التحولات تتلخص فی مقولة ملفوظ الإنجاز. إن "علاقة الذات والموضوع تمر بالضرورة عبر ملفوظ الحالة الذی یجسد الاتصال أو الانفصال، کما تمر بعد ذلک عبر ملفوظ الإنجاز الذی یجسد تحولا اتصالیا أو انفصالیا"([xxxix]). وتسمى الذات فی حال سکونیتها کما فی المربع السیمیائی بالعلاقات؛ ویطلق علیها حین التحول بالعملیات، فإذا کانت الذات فی حالة اتصال مع الموضوع فی ذات الحالة فإنها فی ذات الإنجاز تکون فی حالة انفصال، هذا إذا تمکن البرنامج السردی من الوصول إلى تحقیق الرغبة، وبین ذات الحالة وذات الإنجاز مجموعة من التحولات فی ملفوظ الإنجاز یحکم عددها معطیات البرنامج السردی.
ذات الحالة ملفوظ الإنجاز ذات الإنجاز
اتصال انفصال تحول اتصالی تحول انفصالی اتصال انفصال
ولتطبیق ما سبق على المقامة الصنعانیة، من منطلق ما وصل إلیه البحث فی المربع السیمیائی یمکن تحدید محور الرغبة (ذات/ موضوع) کما یأتی:
کانت الذات/ البطل (ف) فی حالة انفصال عن الموضوع/ المال (م)، وهذا یشکل ذات حالة (ف م)، إذ دلت نحافته وضعفه على فقره ظاهریا "شخْصاً شخْتَ الخِلْقَةِ"، کما دلت ثیابه کذلک على فقره "لبِسْتُ الخَمیصةَ"، فهو فی حالة انفصال مع الموضوع "المال"، وملفوظ الإنجاز الأول تحول تحولا انفصالیا، ولکنه اقترب من تحقیق الاتصال (ف م)؛ وذلک حین استطاع أن یأسر ألباب الناس ویعطف قلوبهم على حاله، فاقترب بذلک من تحقیق الموضوع، وقد استطاع فعل ذلک فی ملفوظ الإنجاز الثانی حین حصل على المال، فتحول تحولا اتصالیا کما یرى هو بنفسه (ف م). وقد لازمه هذا الاتصال حتى بلغ ذات الإنجاز فی نهایة البرنامج السردی.
لکن الراوی یرى أن البطل فی التحول الثانی لم یحقق الاتصال بل الانفصال؛ وذلک أنه لم یحصل على المال بوجه حسن بل بالمکر والحیلة والخداع، وهو یرى أن هذا السبیل یؤدی إلى الفقر (ف م)، ثم یستمر فی تحول ثالث منفصلا، أی إنه یصل إلى ذات الإنجاز منفصلا کما بدأ، فلا یحقق الرغبة.
أما ذات الراوی فقد کانت الذات/ الراوی (ف) فی حالة انفصال عن الموضوع/ المال (م)، وهذا یشکل ذات حالة (ف م)، "فدَخَلْتُها خاویَ الوِفاضِ، بادیَ الإنْفاضِ، لا أمْلِکُ بُلْغَةً، ولا أجِدُ فی جِرابی مُضْغَةً"([xl]). ومن خلال ملفوظ الإنجاز مر الراوی بثلاثة تحولات، الأول بقی منفصلا عن الموضوع (ف م)؛ لأنه نسیه أو تشاغل عنه بطلب الأدب حین لقی البطل یخطب فی الناس خطبته البلیغة "فدَلَفْتُ إلیهِ لأقْتَبِسَ من فوائِدِه، وألْتَقِطَ بعْضَ فرائِدِه"([xli])، واستمر فی التحول الثانی منفصلا (ف م) لإنکاره على البطل فعله، إذ کان یحتال فی تظاهره بالفقر ودعوته للزهد للحصول على المال، "فقلتُ لهُ: یا هذا أیَکونُ ذاکَ خبرَکَ، وهذا مَخْبَرَکَ؟"([xlii]). أما فی التحول الثالث فیمثل الاتصال الوحید (ف م)، وهو اتصال معنوی، أو استغناء معنوی عن المال سببه سوء سلوک البطل فی الکسب، "فانصرَفْتُ من حیثُ أتیتُ"([xliii]) ولأنه اتصال هش فقد تحول تحوله الأخیر إلى الانفصال (ف م)، فی ذات الإنجاز؛ وبذلک ینتهی البرنامج السردی.
ب- الفئة العاملیة: (مرسل/ مرسل إلیه) محور التواصل: هذا المحور له علاقة وطیدة بالمحور السابق وهو الرغبة، فیفترض أن "کل رغبة من لدن ذات الحالة لا بد أن یکون وراءها محرک أو دافع یسمیه غریماس مرسلا، کما أن تحقیق الرغبة لا یکون ذاتیا بطریقة مطلقة، ولکنه یکون موجها أیضا إلى عامل آخر یسمى مرسلا إلیه"([xliv]). والعلاقة بین المرسل والمرسل إلیه تواصلیة، فالمرسل دافع قد یکون شخصا أو یکون دافعا معنویا یدفع الذات لتحقیق الموضوع أو الوصول إلیه، ومن خلال تواصل المرسل مع الذات الدافعیة یصل إلى المرسل إلیه وهو المستفید من تحقق الموضوع، سواء کان الذات أم غیرها ممن یفیده تحقق الموضوع فیعترف به.
وبتطبیق محور التواصل على المقامة، فإن الذی دفع الذات، وهو البطل، إلى الموضوع؛ أی المال، هو المرسل؛ بدافع الجشع وحب المکر والخدیعة.
وصیّرتُ وعْـظـیَ أُحـبـولَةً |
| أُریغُ القَنیصَ بها والقَـنـیصَـه |
وألْجأنی الدّهْرُ حتـى ولَـجْـتُ |
| بلُطْفِ احتِیالی على اللّیثِ عیصَه |
فقد جعل وعظه أحبولة، وجعل احتیاله مدخلا إلى قلوب الناس وأموالهم.
وبالوصول إلى المال کما سبق فی محور الرغبة فإن المرسل إلیه یتحدد بکونه البطل نفسه "فوجدتُهُ مُثافِناً لتِلْمیذٍ، على خبْزِ سَمیذٍ، وجَدْیٍ حَنیذٍ، وقُبالَتَهُما خابیةُ نبیذٍ"([xlv]) کما أن التلمیذ الذی شارکه فی المغارة مرسل إلیه أیضا، فقد استفاد من تحقق الموضوع واعترف به بدلیل مشارکته للبطل.
أما ما یخص الراوی فإن المرسل هو الفقر، فقد دفعه دفعا إلى طلب المال والرحیل إلى صنعاء، ولم یکن معتمدا المکر کما فعل البطل، بدلیل إنکاره علیه فعله، "وأنْأتْنی المَترَبَةُ عنِ الأتْرابِ، طوّحَتْ بی طَوائِحُ الزّمَنِ، إلى صنْعاء الیَمَنِ"([xlvi])، ولکن یمضی البرنامج السردی إلى نهایته حیث یرحل الراوی مستنکرا على البطل فعلته فلا یکون هناک مرسل إلیه.
ومن جهة أخرى فثم فعل تواصلی آخر للراوی، یرتبط بحبه للأدب وشغفه به، وهو حب حوله عن الموضوع الأصل المال إلى طلب الأدب "أو أدیباً تُفَرّجُ رؤیَتُه غُمّتی. وتُرْوی رِوایتُه غُلّتی"، فالمرسل هنا حبه للأدب، وقد استطاع أن یکسب من حضوره للخطبة فائدة، فالمرسل إلیه هنا الراوی نفسه والناس الذین حضروا النادی.
ج- الفئة العاملیة: (مساعد/ معوق) محور الصراع: هذا المحور یرصد الصراع الدائر بین طرفین فی علاقتهما مع الذات الساعیة للحصول على الموضوع، فطرف یساعد الذات فی سعیها، وطرف یعیق سعیها ویعطل حرکتها، "وینتج عن هذه العلاقة إما منع حصول العلاقتین السابقتین، علاقة الرغبة وعلاقة التواصل، وإما العمل على تحقیقهما"([xlvii]). وقد یکون المساعد أو المعوق أحد الممثلین الإجرائیین ولیس بالضرورة أن یکونا مستقلین خارجیین، کما أنهما یمکن أن یکونا أشیاء لا أشخاصا، وفیما یأتی بیان لهذا المحور فی المقامة.
بالنسبة إلى البطل فإن أکبر عامل ساعده لتحقیق الموضوع؛ أی المال، هو قدرته البیانیة وفصاحة لسانه، فقد سخر هذه القدرة فی الاحتیال وخداع الناس، وهذا مظهر عام فی المقامات؛ إذ یقوم أساسا على الکدیة وطلب المال من الناس ولکن من طریق التکسب بالأدب، وما هذه المقامة إلا جزء من الشکل العام للبناء المقامی، إذ یعتمد البطل الأدب وسیلة للتکسب، ومن ذلک قوله: "وهو یطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ویقرع الأسماع بزواجر وعظه، وقد أحاطت به أخلاط الزمر، إحاطة الهالة بالقمر... فدلفت إلیه لأقتبس من فوائده، وألتقط بعض فرائده"([xlviii])، فلقد استطاع أن یجمع إلیه الناس عبر المساعد جواهر لفظه، وحین یبدأ خطبته الوعظیة یستکمل برنامج التأثیر فی الناس باللسان على درجة التخدیر الذی جعلهم فی نهایة الخطبة یعطونه المال طواعیة دون أن یطلب منهم ذلک "فلما رنت الجماعة إلى تحفزه، ورأت تأهبه لمزایلة مرکزه، أدخل کل منهم یده فی جیبه، فأفعم له سجلا من سیبه"([xlix]).
ومن العوامل المساعدة للبطل کذلک الوعظ، وهو داخل فی المساعد الأول ومن جملته، ولکن لما کانت الفصاحة فی مقام الوعظ عُدت أبلغ أثرا وأکثر قدرة على التأثیر.
کما ساعده أیضا المکر والخدیعة فی تحقیق مأربه؛ لأنه لم یکن یعظ الناس لأجل الوعظ وإنما بسبب المال فقط، فقد حول الوعظ والفصاحة إلى أسباب توصله للمال، وهو یصرح باتخاذه المکر مساعدا للحصول على الموضوع:
لبست الخمیصة أبغی الخبیصة وأنشبت شیصی فی کل شیصة
وصیرت وعظی أحبولة أریغ القنیص بها والقنیصة..." (المتقارب)([l]). ومن ألفاظ المکر فیما سبق لبست الخمیصة وأحبولة.
ویضاف مساعد رابع وهو سذاجة الناس حین لم یتبینوا حقیقته حتى أعطوه المال، على خلاف الراوی الذی شک فی أمره فتبعه إلى المغارة لیکشف أمره، ویتحول من هذا الباب إلى معوق کما سیأتی.
إن أکبر معوق أمام البطل هو کشف الراوی لأمره: "یا هذا أیکون ذاک خبرک، وهذا مخبرک"([li]). ولکنه معوق مؤقت فقط لأنه مرتبط بحضور الراوی فی المدینة، وسینتهی بعد خروجه منها ما لم یخبر الناس بالحقیقة، وهذا ما حدث بالفعل "فانصرفت من حیث أتیت"([lii])؛ وبذلک یفشل المعوق من عرقلة الذات عن الموضوع، وینجح المساعد فی تقدیم ید العون للبطل، لینتهی البرنامج السردی عند تحقیق الرغبة (الذات/ الموضوع).
أما بالنسبة لبرنامج الراوی السردی فإن المساعد فیه السفر إلى صنعاء التی یتصف أهلها بالکرم "کریما أخلق له دیباجتی"([liii])، وهذا المساعد لا یستمر طویلا حتى یصطدم بالمعوق الأقوى منه، وهو برنامج "البطل" السردی القائم على المکر والتکسب بالأدب، فقد حوله عن موضوع المال إلى طلب الأدب، ولکنه تخلى حتى عن طلب الأدب أخیرا بسبب مفارقات البطل.
وبهذا یتم رصد المحاور الثلاثة فی المقامة الصنعانیة، ویمکن ترسیم العلاقة بینها فی النموذج العاملی الآتی:
المرسل المرسل إلیه
الذات الموضوع
المساعد المعوق
وعلى النموذج العاملی العام ینبنی النموذج العاملی الخاص بالبطل ثم النموذج العاملی الخاص بالراوی:
النموذج العاملی للبطل:
الجشع، حب المکر البطل، التلمیذ
البطل المال
البیان، الوعظ، المکر، الناس الراوی
النموذج العاملی للراوی:
الفقر الراوی
الراوی المال
السفر البطل
المبحث الثالث: دینامیکیة البناء العاملی فی المقامة: الدینامیکیة تمثل حرکة فواعل الحالة التی وصل إلیها النموذج العاملی إلى فواعل الفعل أو الحرکة، وهذه الحرکة تکون من جهة الفاعل الذات التی تسعى للحصول على الموضوع، وتشکل الحرکة فی مجمل تحولاتها البرنامج السردی، وهو کما یعرفه غریماس: "تتابع الحالات وتحولاتها المتسلسلة على أساس العلاقة بین الفاعل والموضوع وتحولها"([liv]).
وهذه التحولات هی الأساس فی صناعة البرنامج السردی. یقول سعید بنکراد: "إن السیر المقنن لکل حکی تصویری لا یمکن أن یتحدد إلا من خلال إدخال مقولة مرکزیة فی السیمیائیات السردیة، ویتعلق الأمر بمقولة التحولات"([lv])، فالذات لأجل تحقیق الموضوع تقود التحولات وتکون بذلک البرنامج السردی.
وفی المقامة الصنعانیة برنامجان سردیّان، أحدهما یخص البطل والثانی یخص الراوی، وقد سبق فی النموذج العاملی بیان الخط السردی لحرکة الذات فی سبیل الحصول على الموضوع، ویمکن إجمال تلک الحرکة فیما یأتی:
- تحولات برنامج البطل: یتحول البطل عن کونه منفصلا عن الموضوع المال، إلى منفصل بسبب عدم التحقق الواضح للغنى؛ لأن المال الذی أعطیه لیس مستقرا ولا کثیرا، ولکنه فی التحول القادم یتصل بالموضوع حیث یظهر غنیا. وقد حضرت بین یدیه أصناف کثیرة من الطعام فی المغارة، بینما ینظر الراوی إلى أن البطل یظل منفصلا لأن المال الذی حصل علیه لا یدوم له لأنه مأخوذ بالخداع؛ ولذلک فإنه فی التحول الأخیر سیظل منفصلا حیث یبقى فقیرا ویذهب عنه کل ماله کما یمکن فهم هذا من حالته فی المقامة القادمة وما بعدها.
- تحولات برنامج الراوی: یبدأ برنامج الراوی بالانفصال بین الذات (الراوی) والموضوع (المال)، ویستمر فی التحول الأول منفصلا؛ لأنه ینصرف عن طلب المال إلى طلب الأدب والاستماع للبطل الخطیب، ثم فی التحول الثانی یظل مستلبا للبطل فیتبعه دون الانصراف لتحقیق المصلحة المالیة فیظل منفصلا، وفی التحول الثالث یستغنی عن طلب المال وعن صحبة البطل وعن صنعاء فیعلن الرحیل، وهذا الرحیل یشکل التحول الأخیر وهو تحول إلى الانفصال، إذ یرحل فقیرا کما جاء.
وبعد عرض التحولات یکن الوصول إلى تحدید دینامیکیة البناء العاملی من خلال اختبارات ثلاثة: الاختبار التأهیلی، واختبار الأداء، واختبار التمجید، وقبل هذه الاختبارات لا بد من الوقوف عند مصطلح التحریک باعتباره تمهیدا للدخول إلى الاختبارات الثلاثة، والتحریک لا یعنی العملیات کما یوضحه بنکراد: "وعلى خلاف العملیات -إذ إن الفعل یتمیز کونه نشاطا یمارسه الإنسان على الطبیعة- فإن التحریک یتمیز بکونه نشاطا یمارسه الإنسان تجاه أخیه الإنسان، بهدف الدفع به إلى القیام بإنجاز ما"([lvi])، هذا یعنی أن التحریک مرتبط بالمرسل الذی یدفع الذات إلى القیام بأمر ما للوصول إلى الموضوع، وهذا التحریک یتحدد فی فعلین اثنین "فعل إقناعی یقوم به المرسل، وفعل تأویلی تقوم به الذات"([lvii]). فالمرسل وظیفته إقناع الذات، والذات وظیفتها الاستجابة للدافع والقیام بالفعل.
وفی المقامة الصنعانیة یتحدد هذا التحریک بالنظر إلى فعل الإقناع من قبل المرسل تجاه ذات البطل، إذ إن إعطاء الناس المال للبطل وإبداءهم الإعجاب بخطبته، یدفع به إلى تحقیق الموضوع؛ أی المال، بهذه الطریقة، ویشترک الراوی الذی یعد واحدا من الحاضرین المستمعین فی هذا التحریک، فالإقناع قام به الناس من خلال عطائهم، والتأویل قام به البطل من خلال قبوله للمال وعزمه على الاستمرار على هذا النهج کما صرح للراوی.
أما فی برنامج الراوی فإن المرسل الذی دفع الراوی إلى الاقتناع بطلب المال فی صنعاء هو کرم أهلها وهذا بیّن فی قوله: "کریما أخلق له دیباجتی، وأبوح له بحاجتی"([lviii])، فالإقناع هو کرم الناس والتأویل هو فعل الراوی وسلوکه.
وبعد التحریک تأتی الاختبارات الثلاثة:
أ- اختبار التأهیل: قبل أن یقدم الذات على الفعل، لا بد له من تحقیق الکفاءة والأهلیة، و"موضوع الأهلیة یتکون من مجموعة من الصیغ التی یحددها غریماس فی: وجود الفعل، ومعرفة الفعل، وقدرة الفعل، وإرادة الفعل"([lix])، فوجود الفعل یقتضی القیام بالحرکة والسعی فی تحقیق الموضوع، وفی حالة البطل فی المقامة فإن جمعه الناس دلیل على وجود الفعل وسعیه إلى تحقیقه، أما معرفة الفعل فتقتضی امتلاکه للمعرفة الخاصة بالفعل الذی سیقوم به.
وفی حالة البطل فإن الفصاحة والبیان الذی یمتلکه هو ما یمثل المعرفة، وأما قدرة الفعل فتتلخص فی قدرته على تحقیق الفعل وإنجازه بعد امتلاکه المعرفة الکافیة به، وهو عمل إجرائی، یرتبط فی حالة البطل بقدرته على الوقوف أمام الناس وتقدیم خطبة تسلب الألباب، فإذا کانت هذه القدرة مدفوعة بالإرادة التی یملکها لتحقیق الموضوع، وهو المال، فی حالة البطل؛ فإنه یکون مؤهلا للاختبار الثانی.
وسیقتصر البحث على برنامج البطل؛ لأنه أکل من برنامج الراوی لتقدیم صورة عن الاختبارات الثلاثة فی المقامة الصنعانیة.
ب- اختبار الأداء: فبعد أن یکون الذات مستعدا ومؤهلا للقیام بالحرکة للوصول إلى الموضوع، یأتی دور الاختبار الثانی، وهنا على الذات أن تستغل کفاءتها للقیام بالإنجاز، "ویفترض لحصول الأداء اجتماع فاعل حال کفء، وفاعل فعل فی عامل سردی واحد، وهذا هو الشرط الذی یجعلنا نعترف بوجود الفعل السیمیائی وبفعالیته"([lx]).
ویمر الإنجاز عبر مراحل ثلاث کما یحددها غریماس، یقول بنکراد: "یمکن النظر إلى الإنجاز وحدة سردیة تتکون من سلسلة من الملفوظات السردیة المترابطة فیما بینها وفق منطق خاص، ویمکن تحدید تتابع هذه الملفوظات على الشکل الآتی: مواجهة، هیمنة، منح"([lxi]).
- المواجهة: وتمثل بدایة الأداء، إذ تتحرک الذات لتحقیق الموضوع، وفی حالة البطل فإن المواجهة متمثلة فی أداء الخطبة بین یدی الناس بفصاحة متناهیة وسجع متقن ووعظ مؤثر. "وهو یطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ویقرع الأسماع بزواجر وعظه"([lxii]).
- الهیمنة: وتمثل قدرة الذات وتمکنها من فرض سیطرتها فی الأداء السابق، وفی حالة البطل فإن الهیمنة تتمثل فی قدرته على التأثیر فی الحاضرین وسلب ألبابهم وجعلهم مندهشین بقدرته. "حین خب فی مجاله، وهدرت شقاشق ارتجاله"([lxiii]).
- المنح: وهی مرحلة الحصول على الموضوع أو الوصول إلى قناعة معینة تجاهه، وفی حالة البطل فإنه حصل على المال. "أدخل کل منهم یده فی جیبه، فأفعم له سجلا من سیبه"([lxiv]). والنتیجة من اختبار الأداء یفضی إلى نوعین من الإنجاز: الإنجاز التنفیذی والإنجاز التقریری. "أما التنفیذی فهو الإنجاز الذی ینتهی إلى تحقیق هدف مادی ملموس... وأما الإنجاز التقریری یؤدی فی الأخیر إلى الاقتناع بفکرة ما أو اعتناق مذهب أو إیدیولوجیا معینة"([lxv])، وفی حالة المقامة فإن نوع الإنجاز تنفیذی؛ لأن البطل تمکن من الحصول على المال.
ج- اختبار التمجید: ثمة علاقة بین التحریک والتمجید باعتبار التحریک یشکل البدایة والتمجید یشکل النهایة. یقول سعید بنکراد: "إذا کان التحریک هو نقطة الانتشار الأولى للفعل السردی وللکون القیمی، فإن الجزاء هو الصورة النهائیة التی سیستقر علیها الفعل السردی والکون القیمی"([lxvi])، وفی المقامة، إن النقطة التی یصل إلیها البطل هی الحصول على المال واستمتاعه به فی المغارة، ورغبته فی الاستمرار على الطریقة نفسها فی الحصول علیه، دون النظر إلى عتاب الراوی له وهذا واضح فی قوله للراوی: "ادن فکل، وإن شئت فقم وقل"([lxvii]). وعند هذه النقطة ینتهی برنامج البطل السردی.
المبحث الرابع: المکون الخطابی
فی هذا المستوى یتم الانتقال من المستوى السردی إلى المستوى الخطابی التصویری، وإذا کان المستوى السردی یحدد الأدوار العاملیة، فإن المستوى الخطابی یحدد المسارات التصویریة التی یکون بها أدوارا ثیمیة تساعد فی رسم الصورة الأخیرة للنص کما یتلقاه القارئ، "وبعبارة أخرى ننتقل من الخطاطة السردیة إلى ما یشکل الأبعاد الدلالیة للنص السردی"([lxviii])، والفائدة من ذلک تقدیم مضمون النص "کما لو أنه صورة منظمة ومرتبة وفق مسارات یحدد فیها التمفصل الخصوصی للقیم الموضوعاتیة"([lxix])، ویکون تناول هذا المستوى من جهتین: الدلالة الخطابیة، والترکیب الخطابی، "فمن جهة هناک الدلالة الخطابیة المحددة أساسا فی البعد الثیمی... وهناک من جهة ثانیة الترکیب الخطابی المتجلی فی التزمین والتفضیء وبلورة کیان خاص بالممثلین"([lxx])، وفیما یأتی تفصیل لهذه المستویات.
1- مستوى الدلالة الخطابیة: تتکون المقامة من عدد من الثیمات التی تتوزع على جسدها مشکلة الصور فیها، من خلال اللکسیمات التی تدل على موضوع بعینه ومن ذلک:
أ- السفر: ومما یدل علیه من اللکسیمات: الاغتراب، أنأتنی، طوّحت بی، دخلتها، أجوب، أجول، أرود، مسایح، ولجت، فانصرفت. وکلها متعلقة ببرنامج الراوی.
ب- الفقر: ومما یمثله: خاوی الوفاض، بادی الإنفاض، لا أملک بلغة، لا أجد مضغة، حاجتی، غمتی، غلتی. وهی تخص الراوی أیضا.
ج- الوعظ: ومما یمثله: زواجر وعظه، فوائده، فرائده، خب فی مجاله، ارتجاله، نص الوعظ. وهی تخص البطل.
د- الکدیة: جیبه، أفعم له، سیّبه، نفقتک، فرِّقه، قبله، أبغی الخبیصة، القنیص، القنیصة، احتیالی.
فتلک هی الموضوعات التی طرقها الکاتب فی المقامة مرتبة بحسب ورودها، وتقود بعد ذلک إلى البحث عن التشاکل الدلالی بینها، متجلیا فی العلاقات التی تربط تلک الثیمات. وفیما یأتی اختصار لها:
الفقر هو السبب المؤدی إلى السفر.
السفر هو الذی قاد إلى النادی حیث یکون الوعظ.
الوعظ هو الحیلة التی من خلالها مارس البطل الکدیة.
الکدیة سبب فی السفر الأخیر، والابتعاد الذی قام به الراوی.
الکدیة والوعظ سبب فی القضاء على الفقر عند البطل.
فتلک جملة من التشاکلات الدلالیة بین الثیمات المکونة للمقامة. وبعد رصد الثیمات واللکسیمات الدالة علیها یأتی الدور على تسجیل الدور الغرضی أو الموضوعاتی، وهو کما فی الجدول الآتی:
الممثلون | الدور العاملی | الأدوار الموضوعیة | الصور |
البطل | فاعل ذات | الوعظ | زواجر وعظه، فوائده، فرائده، خب فی مجاله، ارتجاله. |
الکدیة | جیبه، أفعم له، سیبه، نفقتک، فرقه، قبله، أبغی الخبیصة، القنیص، القنیصة، احتیالی. | ||
الراوی | فاعل ذات | السفر | الاغتراب، أنأتنی، طوحت بی، دخلتها، أجوب، أجول، أرود، مسایح، ولجت، فانصرفت. |
الفقر | خاوی الوفاض، بادی الإنفاض، لا أملک بلغة، لا أجد مضغة، حاجتی، غمتی، غلتی. | ||
الراوی | معوق | الکدیة | هجمت علیه، أیکون ذاک خبرک وهذا مخبرک. |
یتلخص التمثیل فی شخصیتین فی المقامة، شخصیة الراوی وشخصیة البطل، وکل واحد من هذین الممثلین له دور موضوعی کما یبین فی الجدول.
2- مستوى الترکیب الخطابی: یشکل هذا المستوى التجلی النصی، والمرحلة الأخیرة فی مسار السرد، ویقوم بتنظیم جمیع المستویات فی داخل الخطاب، "فالترکیب الخطابی بعناصره المتنوعة، هو المسؤول فی نهایة المطاف عن إعطاء بعد صوری ومحسوس لوجه مغرق فی التجریدیة"([lxxi])، ویتم تناوله من ثلاث جهات: الممثلون، والتزمین، والتفضیء، وفیما یأتی تفصیل ذلک.
أ- الممثلون: الممثل عنصر من عناصر الخطاب ویتمیز عن العامل فی البناء السردی بارتباطه بالخطاب أکثر؛ "لأن الممثل یرتبط بالدلالة، وقد حددت السیمیوطیقا السردیة جملة من المقومات التی تخصص المحتوى الدلالی للممثل"([lxxii]).
وفی المقامة ممثلان: البطل والراوی، فالبطل ارتبط بالکدیة والوعظ، وفی ذلک مفارقة دلالیة، إذ یدعو إلى الزهد ثم یطلب المال، وما یؤکد تلک المفارقة تحوله من زاهد إلى زندیق یعاقر الخمر، وهذا الدور الذی قام به البطل فی المقامة یرتبط بالبنیة الخطابیة لمعظم المقامات، أما الراوی فإنه ارتبط بالسفر والفقر، والجامع بینهما أن الفقر سبب فی السفر فقد سافر طلبا للمال.
ب- التزمین: والمقصود بزمن الخطاب: "تجلیات تزمین زمن القصة وتمفصلاته، وفق منظور خطابی متمیز، یفرضه النوع، ودور الکاتب فی عملیة تخطیب الزمن"([lxxiii]). ویهدف التزمین إلى وضع البنیة الدلالیة البسیطة فی قالب زمنی لإخراجها من وضع السکون إلى وضع الحرکة، "وتتجلى أولى مظاهر التزمین من خلال التحول من العلاقات إلى العملیات"([lxxiv]).
یبدأ الزمن فی المقامة من اجتماع الناس فی النادی، وهو وقت الظهیرة غالبا دون أن یصرح الکاتب به، فهو مرتبط إذن بثیمة السفر والوعظ ثم الکدیة، ثم یتحول الزمن قلیلا حین غادر البطل النادی متوجها للمغارة وتبعه الراوی، والوقت غالبا یکون بعد الظهر استنتاجا، وهو الوقت الثانی وترتبط به ثیمة الکدیة؛ إذ یحصل البطل على مال ویتحقق غناه به، وفی الزمن الثالث فإن الراوی ینشئ سفرا جدیدا مبتعدا عن البطل لمخالفته الرأی فی طریقة کسب المال، وهو الزمن الأخیر الذی تقف معه الأحداث بالفراق بین الراوی والبطل.
والمظهر الثانی للتزمین البرمجة الزمنیة، یکون فیها ربط بین الأحداث والزمن؛ أی بین تسلسل الحدث وتعاقب الزمن. وفیما یأتی مخطط للبرمجة الزمنیة فی المقامة:
الوعظ |
بعد الظهر |
الظهیرة |
الکدیة |
السفر |
النهایة |
النهایة |
البدایة |
التعاقب الحدثی |
السفر |
والملاحظ من المخطط أن الزمن لا یرتفع کثیرا؛ لأنه واقع فی یوم واحد متقارب، وصل غایته حین حصل البطل على المال وذهب به للمغارة، وبعدها وقع السفر الثانی للراوی فی الوقت نفسه.
ج- التفضیء: هو "تخطیب لسلسلة من الأماکن التی أسندت إلیها مجموعة من المواصفات لکی تتحول إلى فضاء"([lxxv])، فالفضاء بهذه الصفة یسهم فی إکساب النص هویته ورسم ملامحه، وتحدید طبیعته؛ لأنه بمحتواه ینطلی على الأحداث والوقائع، کما أن الأحداث تسهم من جهتها فی رسم ملامح الفضاء.
وأهم الفضاءات فی المقامة النادی والمغارة، ومما یدل على فضاء النادی: ناد رحیب، زحام، نحیب، حلقة، أخلاط، الجماعة، وهی ألفاظ تدل على وظیفة المکان والدور الذی یقوم به، أما ما یدل على المغارة فمن ذلک: مغارة، اِنساب فیها. والمغارة مناسبة للتخفی؛ لأن الحدث یشیر إلى أنه یعاقر الخمر خفیة عن أعین الناس، والمغارة تدل على التخفی.
ویمکن توزیع الفضاء بحسب النموذج الذی وضعه غریماس إلى الأنواع الفضائیة الآتیة:
- الفضاء الاستهلالی.
- فضاء الفعل الإنجازی، وهو قسمان:
- فضاء الاستعداد.
- فضاء النصر.
وبتطبیق هذه الفضاءات على المقامة؛ فإن الفضاء الاستهلالی یتمثل فی دخول صنعاء "طوحت بی طوائح الزمن، إلى صنعاء الیمن"([lxxvi])، والسبب فی دخول الیمن هو الاغتراب فی طلب المال، ثم یأتی فضاء الاستعداد بانتقال الذات إلى النادی، إذ تتحقق الأهلیة للحصول على المال لکثرة رواده، فهو کثیر الزحام کثیر الأخلاط، فتکون فرصة الحصول على المال والتخلص من الفقر فیه مواتیة.
ثم یأتی فضاء النصر بالحصول على المال، وتتویجا لهذا النصر فإن البطل ومعه الراوی الذی تبعه للمغارة، یحتفل بشراء الکثیر من الطعام کما یعاقر الخمر بعیدا عن النادی، فهذا المکان؛ أی المغارة، یشکل فضاء النصر الذی تظهر فیه الحقیقة للراوی، الذی یقرر الرحیل عن البطل لعدم رضاه بهذا النوع من الکسب.
والخلاصة أن المستوى الخطابی من تحلیل هذا المقامة دل على وجود ارتباط وثیق بین المکون السردی والمکون الخطابی؛ إذ تقود المکونات السردیة إلى تنظیم یتلبسه المکون الخطابی مستثمرا له فی الممثلین: البطل والراوی، اللذین یقومان بأدوار عاملیة من جهة وأدوار خطابیة من جهة أخرى، ورسم ملامح الزمن والفضاء خطابیا بحسب ما یتناسب مع البنیة المجردة والبنیة العاملیة.
الخاتمة:
سلکت هذه الدراسة السبیل من السطح، ابتداء حین عرضت الشکل والصورة التی تظهر بها المقامة؛ وذلک من حیث حجمها وموضوعها وأقسامها الفکریة وشخصیاتها وتوزعها بین الشعر والنثر، ثم انتقلت إلى البنیة المجردة ملخصة فی المربع السیمیائی، ومنه انطلقت لمتابعة البرنامج السردی وانبنائه، فقامت بتسرید المربع أولا، ثم خلصت إلى النموذج العاملی بمحاوره الثلاثة، ثم وقفت على دینامیکیة البناء العاملی من خلال الاختبارات الثلاثة: التأهیل والأداء والتمجید، لتصل أخیرا إلى الحدیث عن المستوى الخطابی. وأبرز النتائج التی وصلت إلیها ما یأتی:
- الانتقال من البنیة المجردة إلى المکون الخطابی یکشف البنیة الأساسیة للمقامة ومکوناتها الضروریة.
- المربع السیمیائی یکشف عن بنیة مجردة ممکنة فی المقامات عموما.
- المقامة الصنعانیة هی الوحیدة التی تکشف عن عدم وجود معرفة سابقة بین الراوی والبطل.
- النموذج العاملی فی المقامة الصنعانیة یتکون من برنامجین سردیین أحدهما للبطل والآخر للراوی.
- یأتی موضوع المال مشترکا بین الراوی والبطل فی المقامة الصنعانیة.
- تحول البطل من الانفصال إلى الاتصال فی برنامجه السردی، بینما بقی الراوی منفصلا.
- تأتی خطبة البطل التی احتلت مساحة نصیة کبیرة مکملا فقط فی النموذج العاملی ولیست مکنونا أساسا، فهی من عامل مساعد للبطل لتحقیق الموضوع.
- اعتمد البطل فی محور الاتصال على قدرته اللغویة وفصاحة لسانه لتدعیم الموضوع وتحقیقه، وهذا یؤکد أهمیة حضور البلاغة والأسجاع على وجه التحدید فی فن المقامات.
- الاختبار التأهیلی یرکز على القدرة اللغویة ویرتکز علیها فی المقامات.
- کشفت الدراسة عن إمکانیة إجراء النموذج العاملی على بنیة المقامات واختبار أدواته.
- بالرغم من قصر البرنامج السردی فی المقامة، إلا أنه مکتمل العناصر.
- یتلخص التمثیل فی شخصیتین فی المقامة، شخصیة الراوی والبطل، وکل واحد من هذین الممثلین له دور موضوعی.
- هناک ارتباط بین الأدوار العاملیة للمثلین، والأدوار الخطابیة لهما.
التزمین والتفصیة یکشفان عن مناسبة الثیمات لما ورد فی المکون السردی.
[i])) کیلیطو، عبد الفتاح، المقامات السرد والأنساق الثقافیة، تر: عبد الکبیر الشرقاوی، ط2، دار توبقال، الدار البیضاء، 2001م، ص8.
[ii])) کیلیطو، الغائب دراسة فی مقامة للحریری، ط3، دار توبقال، الدار البیضاء، 2007م، ص16.
[iii])) العتوم، کمال، المفارقة فی مقامات بدیع الزمان الهمذانی، المجلة الأردنیة فی اللغة العربیة وآدابها، مج6، ع4، 2010م، ص39.
[iv])) الطرابلسی، محمد الهادی، مدخل إلى تحلیل المقامات اللزومیة للسرقسطی، حولیات الجامعة التونسیة، ع28، 1988م، ص113.
[v])) الونسة، فادیة مروان، الحوار فی مقامات الهمذانی، مجلة التربیة والعلم، الموصل، مج 18، ع4، 2011م، ص247.
[vi])) الحمیدة، مضاوی، المقامات الأندلسیة دراسة فنیة، حولیات الآداب والعلوم الاجتماعیة، الحولیة 31، جامعة تبوک، 2011م، ص139.
[vii])) الحریری، القاسم بن علی، مقامات الحریری، (د.ط)، دار بیروت، بیروت، 1987م، ص15.
[viii])) مقامات الحریری، ص144.
[ix])) السابق، ص20.
[x])) السابق،ص32.
[xi])) السابق، ص42.
[xii])) السابق، ص165.
[xiii])) السابق، ص20.
[xiv])) السابق، ص424.
[xv])) السابق، ص15.
[xvi])) نفسه.
[xvii])) السابق، ص15 ص16.
[xviii])) السابق، ص19.
[xix])) نفسه.
[xx])) نفسه.
[xxi])) السابق، ص20.
(([xxii] نوسی، عبد المجید، التحلیل السیمیائی للخطاب الروائی، ط1، شرکة النشر والتوزیع المدارس، الدار البیضاء، 2002م، ص13 ص14.
[xxiii])) جریماس، ألجیرداس جولیان، فی المعنى، تر: نجیب غزاوی، (د.ط)، مطبعة الحداد، اللاذقیة، العراق، 1999م، ص166.
([xxiv])التحلیل السیمیائی للخطاب الروائی، ص16.
[xxv])) بنکراد، سعید، السیمیائیات السردیة مدخل نظری، (د.ط)، منشورات الزمن، الرباط، 2001م، ص48.
[xxvi])) السیمیائیات السردیة، ص69.
[xxvii])) المرزوقی، سمیر وجمیل شاکر، مدخل إلى نظریة القصة تحلیلا وتطبیقا، (د.ط)، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 1911م، ص118.
[xxviii])) مقامات الحریری، ص20.
[xxix])) السابق، ص15.
[xxx])) نفسه.
[xxxi])) السابق، ص19.
[xxxii])) نفسه.
[xxxiii])) السیمیائیات السردیة، ص51.
[xxxiv])) السابق، ص58.
[xxxv])) لخضر، حشلافی، وبدیرینة فاطمة، السیمیائیة السردیة من فلادیمیر بروب إلى غریماس، مجلة مقالید، ع9، جامعة الجلفة، الجزائر، 2015م، ص78.
[xxxvi])) مالک، رشید، قاموس مصطلحات التحلیل السیمیائی للنصوص، (د.ط)، دار الحکمة، الرباط، 2000م، ص28.
[xxxvii])) وردة، معلم، الشخصیة فی السیمیائیات السردیة، ورقة بحثیة (الملتقى الوطنی الرابع- السیمیاء والنص الأدبی)، جامعة 8 مای- 45، قالمة، الجزائر، (د.ت)، ص318.
[xxxviii])) أونیس، کمال، النموذج العاملی فی روایة مذنبون لون دمهم فی کفی للحبیب السائح، رسالة ماجستیر، جامعة محمد خیضر، بسکرة، الجزائر، 2012-2013م، ص43.
[xxxix])) لحمدانی، حمید، بنیة النص السردی من منظور النقد الأدبی، ط1، المرکز الثقافی العربی، بیروت، 1991م، ص35.
[xl])) مقامات الحریری، ص15.
[xli])) السابق، ص16.
[xlii])) السابق، ص19.
[xliii])) السابق، ص20.
[xliv])) بنیة النص السردی، ص35 ص36.
[xlv])) مقامات الحریری، ص19.
[xlvi])) السابق، ص15.
[xlvii])) بنیة النص السردی، ص36.
[xlviii])) مقامات الحریری، ص16.
[xlix])) السابق، ص18.
[l])) السابق، ص19.
[li])) نفسه.
[lii])) السابق، ص20.
[liii])) السابق، ص15.
[liv])) مصطلحات التحلیل السیمیائی، ص148.
[lv])) السیمیائیات السردیة، ص87 ص88.
[lvi])) السابق، ص91.
[lvii])) السابق، ص95.
[lviii])) مقامات الحریری، ص15.
[lix])) السیمیائیات السردیة، ص96.
[lx])) بو ضیاف، أحمد أمین، استراتیجیة البناء العاملی ودینامیکیته فی الخطاب الروائی- مدینة الریاح لموسى ولد بنو نموذجا، رسالة ماجستیر، جامعة یوسف بن خدة، الجزائر، 2006-2007م، ص106.
[lxi])) السیمیائیات السردیة، ص100 ص101.
[lxii])) مقامات الحریری، ص16.
[lxiii])) السابق، ص16.
[lxiv])) السابق، ص18.
[lxv])) استراتیجیة البناء العاملی، ص110.
[lxvi])) السیمیائیات السردیة، ص104 ص105.
[lxvii])) مقامات الحریری، ص20.
[lxviii])) السیمیائیات السردیة، ص124.
[lxix])) مجموعة من المؤلفین، السیمیائیات أصولها وقواعدها، تر: رشید بن مالک، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2002م، ص110.
[lxx])) السیمیائیات السردیة، ص126 ص127.
[lxxi])) السابق، ص132.
[lxxii])) التحلیل السیمیائی للخطاب الروائی، ص165.
[lxxiii])) یقطین، سعید، تحلیل الخطاب الروائی، ط3، المرکز الثقافی العربی، الدار البیضاء، 1997م، ص89.
[lxxiv])) السیمیائیات السردیة، ص135.
[lxxv])) السابق، ص137.
[lxxvi])) مقامات الحریری، ص17.
1- الکتب:
- بنکراد، سعید، السیمیائیات السردیة مدخل نظری، (د.ط)، منشورات الزمن، الرباط، 2001م.
- الحریری، القاسم بن علی، مقامات الحریری، (د.ط)، دار بیروت، بیروت، 1987م.
- کیلیطو، عبد الفتاح، المقامات السرد والأنساق الثقافیة، ترجمة: عبد الکبیر الشرقاوی، ط2، دار توبقال، الدار البیضاء، 2001م.
- کیلیطو، الغائب دراسة فی مقامة للحریری، ط3، دار توبقال، الدار البیضاء، 2007م.
- لحمدانی، حمید، بنیة النص السردی من منظور النقد الأدبی، ط1، المرکز الثقافی العربی، بیروت، 1991م.
- مالک، رشید، قاموس مصطلحات التحلیل السیمیائی للنصوص، (د.ط)، دار الحکمة، الرباط: المغرب، 2000م.
- جریماس، ألجیرداس جولیان، فی المعنى، ترجمة: نجیب غزاوی، (د.ط)، مطبعة الحداد، اللاذقیة، العراق، 1999م.
- المرزوقی، سمیر وجمیل شاکر، مدخل إلى نظریة القصة تحلیلا وتطبیقا، (د.ط)، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 1911م.
- مجموعة من المؤلفین: السیمیائیات أصولها وقواعدها، ترجمة: رشید بن مالک، منشورات الاختلاف، الجزائر، 2002م.
- یقطین، سعید، تحلیل الخطاب الروائی، ط3، المرکز الثقافی العربی، الدار البیضاء، 1997م.
- نوسی، عبد المجید، التحلیل السیمیائی للخطاب الروائی، ط1، شرکة النشر والتوزیع المدارس، الدار البیضاء، 2002م.
2- الدوریات:
- الحمیدة، مضاوی، المقامات الأندلسیة دراسة فنیة، حولیات الآداب والعلوم الاجتماعیة، الحولیة 31، جامعة تبوک، 2011م.
- الطرابلسی، محمد الهادی، مدخل إلى تحلیل المقامات اللزومیة للسرقسطی، حولیات الجامعة التونسیة، العدد28، 1988م.
- العتوم، کمال، المفارقة فی مقامات بدیع الزمان الهمذانی، المجلة الأردنیة فی اللغة العربیة وآدابها، مج6، العدد4، 2010م.
- لخضر، حشلافی، وبدیرینة فاطمة، السیمیائیة السردیة من فلادیمیر بروب إلى غریماس، مجلة مقالید، جامعة الجلفة، الجزائر، العدد9، 2015م.
- الونسة، فادیة مروان، الحوار فی مقامات الهمذانی، مجلة التربیة والعلم، الموصل، مج 18، العدد4، 2011م.
3- وقائع المؤتمرات:
- وردة، معلم، الشخصیة فی السیمیائیات السردیة، ورقة بحثیة (الملتقى الوطنی الرابع- السیمیاء والنص الأدبی)، جامعة 8 مای- 45، قالمة، الجزائر، (د.ت).
4- الرسائل الجامعیة:
- أونیس، کمال، النموذج العاملی فی روایة مذنبون لون دمهم فی کفی للحبیب السائح، رسالة ماجستیر، جامعة محمد خیضر، بسکرة، الجزائر، 2012-2013م.
- بو ضیاف، أحمد أمین، استراتیجیة البناء العاملی ودینامیکیته فی الخطاب الروائی- مدینة الریاح لموسى ولد بنو نموذجا، رسالة ماجستیر، جامعة یوسف بن خدة، الجزائر، 2006-2007م.