دور العماني الأزدي المهلب بن أبي صفرة في الفتوحات العربیة الإسلامیة: حربه مع الخوارج أنموذجاً
الباحث المراسل | أ.د. حیدر عبد الرضا حسن | جامعة البصرة |
أ.د. عادل إسماعيل خليل | جامعة البصرة |
حظیت البصرة عبر تاریخها الطویل برجال وقادة عظماء حملوا رایة الجهاد فی سبیل الله، ونشر المبادئ والقیم الإسلامیة إلى أرجاء المعمورة، وکانوا أوفیاء فی تأدیة الأمانة بکل صدق وإخلاص، فنذروا أرواحهم، ورخصوا دماءهم، وبذلوا الغالی والنفیس من أجل أن یرتفع شأن هذا الدین، وتبقى رایة لا إله إلا الله محمد رسول الله r خفاقة عالیة، فصانوا الشریعة، وحافظوا على کیان هذه الأمة من التصدع والانشقاق، والفتن والأهواء، وواجهوا التیارات المنحرفة، والأفکار المتطرفة بکل جرأة وصلابة.
ولعل القائد العمانی المهلب بن أبی صفرة کان من أولئک الأبطال الذین دافعوا عن الأمة الإسلامیة، وسطروا ملاحم البطولة والشجاعة فی التصدی للخوارج المارقین فی البصرة وخراسان، حتى أذاقهم الویلات، وأثخن فیهم القتل والجراحات، فلم ینالوا من بیضة الأمة ووحدتها وأرضها شیئاً، فکان لهم بالمرصاد یتبعهم فی کل مکان، فشتت جموعهم، وقوض هجماتهم، وشل تحرکاتهم، فلم یبق لهم أثرا، حتى طهّر البصرة وخراسان من شرهم وخطرهم.
ونظراً لأهمیة شخصیة المهلب، وأثره فی عملیات الجهاد والتحریر من جهة، وأثره فی مواجهة الأخطار والتهدیدات التی کان یشکلها الخوارج بین الفینة والأخرى للبلاد العربیة والإسلامیة من جهة ثانیة، کان لا بد من دراسة هذه الشخصیة دراسة وافیة معززة بالشواهد التاریخیة؛ لینشأ الأجیال على أثرها، ولیتعرف المسلمون على قادتهم وأبطالهم الذین خلدهم التاریخ؛ لیتأسوا بهم، ویسیروا على نهجهم فی حاضرهم ومستقبلهم.
تناقش الورقة فرضیتین کانتا وما تزالان محل خلاف بین الباحثین والمؤلفین فی تاریخ الحضارة العربیة الإسلامیة، الأولى: ما جنسیة القائد العربی المهلب بن أبی صفرة؟ والثانیة: ما طبیعة الدور العسکری الذی لعبه المهلب بن أبی صفرة فی إلحاق الهزائم تلو الهزائم بالخوارج؟
اسمه ونسبه ونشأته:
تناقش الورقة فی هذا القسم الجلیة الأولى، التی لا تزال قائمة بین الباحثین والمؤلفین فی تاریخ الحضارة العربیة الإسلامیة، وهی: ما جنسیة القائد العربی المهلب بن أبی صفرة؟ فمنهم من ذکر بأنه یمنی الأصل، والآخر إمارتی، بینما یؤکد أغلبهم على عمانیته. وبهذا الصدد یذکر ابن حجر العسقلانی أن والد المهلب بن أبی صفرة من مدینة دبا العمانیة -التی وقعت بها إحدى معارک حروب الردة- الواقعة فی إقلیم عمان التاریخی([1])، والتی تنقسم سیاسیاً الیوم إلى: (دبا الفجیرة) التابعة لدولة الإمارات العربیة المتحدة، و(دبا الحصن)، (ولایة دبا) التابعة لسلطنة عمان؛ إذ نزحت قبیلة الأزد -على شکل جماعات- من الیمن إلى أنحاء عدة فی الجزیرة العربیة، واستقرت مجموعة منهم فی إقلیم عمان، لیعرفوا تاریخیاً بـ: "أزد عمان". ویؤکد ابن سعد وابن قتیبة هذه الحقیقة، بالقول: "إن أصل المهلب من أزد دبا الیمانیة التی هاجرت واستقرت فی المنطقة الواقعة بین عمان والبحرین"([2]).
وبنو الأزد - بفتح الهمزة وسکون الزای وبالدال المهملة، ویقال فیهم الأسد بالسین المهملة بدل الزای، وهم حی من کهلان من القحطانیة، وهم بنو الأزد بن الغوث بن نبت بن مالک بن زید بن کهلان، وکهلان یأتی نسبه عند ذکره فی حرف الکاف. قال أبو عبیدة: "ویقال فیهم الأسد بالسین المهملة بدل الزای". قال الجوهری: "وهو بالزای أفصح". قال أبو عبیدة: "وکان للأزد من الأولاد مازن ونصر والهنوء وعبد الله وعمرو، وأعلم أن الأزد من أعظم الأحیاء وأکثرها بطونا وأمدها فروعاً، وقد نسبها الجوهری إلى ثلاثة أقسام، الأولى: أزد شنؤة -بإضافة أزد إلى شنؤة وهم بنو نصر الأزد، وشنؤة لقب لنصر غلب على أولاده. والثانی: أزد الشراة -بإضافة أزد إلى الشراة، وهو موضع بأطراف الیمن نزلت به فرقة من الأزد فعرفوا به، على أن صاحب العبر ذکر أن أزد شنؤة کانت منازلهم الشراة، فیحتمل أنهم کانوا نازلین أیضاً بها مجاورین لأزد الشراة. والثالث: أزد عمان -بإضافة أزد إلى عمان، وهی ثغر بالبحرین نزلها فرقة منهم فعرفوا بها"([3]).
اختلف الناس بخراسان ونکثوا بیعة والیها سلم، الذی غادر خراسان وخلف علیها المهلب بن أبی صفرة، فلما صار بنیسابور لقیه عبدالله بن خازم، فقال: من ولیت على خراسان؟ فأخبره: المهلب بن أبی صفرة، فرد علیه قائلاً: أما وجدت فی مضر رجلاً تستعمله حتى فرقت خراسان بین بکر بن وائل ومزون عمان؟
وعلیه من الممکن التأکید على وفق المعلومات التاریخیة أعلاه، أن المهلب بن أبی صفرة من قبائل الأزد العمانیة ولیس کما یدعی البعض بانتمائه لجنسیات عربیة أخرى، مثل: "الیمنیة، الإمارتیة، العراقیة"، وقد یکون هذا جزءا من التفاخر الاجتماعی الذی تطمح إلیه کل قبیلة عربیة بانتماء شخصیة فذة مثل المهلب إلى شجرتها النسبیة. أما الدلالة الأخرى التی تفند نظریات بعض المؤرخین أن العشائر والقبائل العربیة لیس لها موطن محدد، فتجد قبیلة معینة تسکن عدة بلدان عربیة، ومن غیر الممکن أن نستدل على جنسیاتهم من لقب العشیرة، وإنما من اسم الدولة التی یسکنها.
والمهلب هو أبو سعید المهلب بن أبی صفرة ظالم بن سراق بن صبح بن کندی بن عمرو بن عدی بن وائل بن حارث بن العتیک بن الأزد بن عمران بن عمرو بن مزیقیاء ابن عامر بن ماء السماء بن امرئ القیس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد العتکی العمانی البصری([4]). وأصل المهلب من أزد العتیک أو أزد دباء الیمانیة، وهی من القبائل العربیة التی هاجرت من موطنها الأصلی فی الیمن بعد انهیار سد مأرب واستقرت فی عمان([5]).
وکانت قبیلة الأزد العمانیة قد وفدت على رسول الله r واعتنقت الإسلام([6]). وذکرت بعض المصادر التاریخیة أن شیوخ الأزد قاموا بمساعدة عائشة أم المؤمنین -رضی الله عنها- فی معرکة الجمل عام 36هـ، ثم ساندوا الإمام علی u فی صفین ضد معاویة بن أبی سفیان سنة 37هـ([7]).
نشأ المهلب فی أسرة کریمة، وکان أبوه من وجهاء الأزد، ثم أصبح المهلب عمید هذه الأسرة؛ لکرمه، وشجاعته، وحکمته، وحلمه. حفظ القرآن الکریم والسنة النبویة المطهرة وأدب الصحابة والصالحین([8])، وروى عن کبار الصحابة حتى عد من ثقات البصریین([9]). وقد تزوج المهلب، وله من الولد ثلاثة وعشرین رجلاً، وإحدى عشرة بنتا، وهم: سعید، وبه کان یکنى المهلب أبا سعید، ولا عقب له. ومن أبنائه أیضا المغیرة، والقبیضة، ویزید، وحبیب، والحجاج، والبحتری، والمفضل، وعبد الملک، وعمرو، وأبو عیینة، وجعفر، وعطاء، ومدرک، ومروان، وعمرو، وزیاد، وفاطمة، وهند، ولقیسة، وأم مالک، وأم عبدالله، وأم یزید، ومنیعة، وأم الربیع، وأم مراد، وأم نصر، وأم مداش([10]).
شخصیته ومکانته:
کان المهلب سیداً جلیلاً نبیلاً([11])، مهاباً عند الخلفاء والولاة؛ للمؤهلات التی کان یتمتع بها من ثقافة وحذاقة وسرعة بدیهة، فضلاً عن کفاءة قیادیة، وخبرة حربیة قلّ نظیرها بین الناس. ومن جملة ما روی عن شخصیته ومکانته: "أنه قدم على عبد الله بن الزبیر أیام خلافته بالحجاز والعراق وتلک النواحی، وهو یومئذ بمکة، فخلا به عبد الله یشاوره، فدخل علیه عبد الله بن صفوان بن أمیة بن خلف بن وهب القرشی الجمحی فقال: من هذا الذی قد شغل یا أمیر المؤمنین یومک هذا؟ قال: أو ما تعرفه؟ قال: لا، قال: هذا سید أهل العراق، قال: فهو المهلب بن أبی صفرة؟ قال: نعم، فقال المهلب: من هذا یا أمیر المؤمنین؟ قال: هذا سید قریش، فقال: فهو عبد الله بن صفوان؟ قـــال: نعم"([12]). روى الحسن بن عمارة عن أبی إسحاق قال: "ما رأیت أمیراً قط أفضل ولا أسخى ولا أشجع من المهلب، ولا أبعد مما یکره، ولا أقرب مما یحب"([13]).
کفاءته الحربیة:
کان المهلب بن أبی صفرة قائداً عسکریاً من الطراز الأول، وکان یمتلک قدرة قتالیة فائقة النظیر فی التعبئة والتنظیم والکر والفر، أدهشت أعداءه وأبهرت نظراءه، وعُرف عنه: "کان ثابت العقل، تام الشجاعة، کثیر الحذر، شدید الحزم، بصیراً بإحکام مواضع الفرص، یرى أن الإقدام على الهلکة تضییع، کما أن الإحجام عن الفرصة جبن"([14]). ویبدو أن فطنته وفراسته فی شراسة العدو وبأسه، جعلته متیقظاً شدید الحذر فی الحرب؛ إذ کان یوصی جنده بالیقظة والتحسب، وأن یکونوا على استعداد دائم لأی هجوم مباغت، وکان یبث الحماس والعزم فی نفوس جنده، ویدفعهم نحو التضحیة والإقدام، وکان یضرب على أیدیهم إن تماهلوا فی واجباتهم قید شعرة. فیقول عنه المؤرخون: "وکان المهلب یبث الأحراس فی الأمن، کما یبثهم فی الخوف، ویذکی العیون فی الأمصار، کما یذکیها فی الصحارى، ویأمر أصحابه بالتحرز، ویخوّفهم البیات، وإن بعد منهم العدو". ویقول: "احذروا أن تکادوا کما تکیدون، ولا تقولوا: هزمنا وغلبنا، فإن القوم خائفون وجعون، والضرورة تفتح باب الحیلة". ثم قام فیهم خطیباً فقال: "یا أیها الناس؛ إنکم قد عرفتم مذهب هؤلاء الخوارج، وأنهم إن قدروا علیکم فتنوکم فی دینکم وسفکوا دماءکم، فقاتلوهم على ما قاتل علیه أولهم علی بن أبی طالب u، فقد لقیهم قبلکم الصابر المحتسب مسلم بن عبیس، والعجل المفرط عثمان بن عبید الله، والمعصی المخالف حارثة بن بدر، فقتلوا جمیعاً وقتلوا، فالقوهم بجد وحد، فإنما هم مهنتکم وعبیدکم، وعار علیکم، ونقص فی أحسابکم وأدیانکم أن یغلبکم هؤلاء على فیئکم، ویطؤوا حریمکم"([15]).
وکان المهلب یهتم بجنده اهتماماً کبیراً من ناحیة التعبئة والتنظیم والحالة النفسیة، فکان أشبه بالوالد الرؤوف لأبنائه البررة، وکان على معرفة تامة بأهواء ونفسیة جنده، وخاصة العراقیین. وکان مقداماً لا یهاب الموت ولا یخش العواقب، فغرس فی نفوس جنده محبة الجهاد فی سبیل الله، وعشق الشهادة لصیانة الأرض والعرض؛ لتبق القیم والمبادئ خالدة ثابتة.
فیصف أحد الشعراء شجاعة المهلب، فیقول([16]):
إنَّ المُهَلَّبَ حبَّ الموتِ ورَّثَکم ولمْ أُوَرَّثْ حُبَّ الموتِ عن أحدِ
وکان أعداؤه یعترفون بقدراته العسکریة، فهذا قطری بن الفجاءة، قائد الأزارقة، یصف قدرات المهلب، ویحذر أحد أصحابه منه عندما استدعاه مصعب بن الزبیر لقتالهم، فیقول: "وإن رد المهلب فهو من قد عرفتموه، إذا أخذتم بطرف ثوب أخذ بطرفه الآخر، یمده إذا أرسلتموه، ویرسله إذا مددتموه، لا یبدؤکم إلا أن تبدؤوه، إلا أن یرى فرصة فینتهزها، فهو اللیث المبر، أی الغالب، والثعلب الرواغ، والبلاء المقیم"([17]).
ویصف أحد الخوارج شجاعة المهلب وإقدامه بالأسد الجسور، وکما قیل : والفضل ما شهدت به الأعداء، فیقول([18]):
فلئن منینا بالمهلب إنـــــــــــه لأخو الحروب ولیث أهل المشرق
برز دور المهلب کقائد عسکری فی عهد الخلیفة عمر بن الخطاب t؛ إذ أرسله الخلیفة على رأس حملة عسکریة إلى فتح مناذرة، وهی کورة تقع فی نواحی الأهواز([19])، کذلک أثبت المهلب قدرته العالیة وکفاءته البارعة فی إدارة الحرب؛ إذ أسهم فی فتح العراق، فبلغ سعد بن أبی وقاص t فعله بالعدو فدعا له، فقال: "اللهم لا تره ذلاً"([20]). حتى قیل إن ما ناله المهلب فیما بعد من المنزلة والمکانة والشهرة کان بفضل تلک الدعوة([21]). کما روی أن الإمام علی بن أبی طالب u عقد أول لواء للمهلب حین انهزمت الأزد یوم الجمل([22]).
إن براعة المهلب فی القیادة، وشجاعته المعهودة، جعلته یتبوأ مواقع قیادیة مهمة فی جیوش التحریر العربیة؛ إذ نجد العدید من قادة الفتح العظام یوکلون إلى المهلب فتح بعض البلدان، ونشر الإسلام فیها، فقد توجه المهلب سنة 42هـ مع عبد الرحمن بن سمرة نحو سجستان، ففتحوا بعض کورها([23]). وفی سنة 44هـ توجه المهلب على رأس حملة عسکریة إلى الهند، واستولى على لاهور عند جبال کابل، فغنم کثیراً وعاد([24]).
ثم توجه المهلب سنة 50هـ، ضمن حملة عسکریة بقیادة الحکم بن عمر الغفاری، نحو جبل الأشل، وهو من ثغور خراسان، وکان المسلمون قد تعرضوا هناک لحصار شدید ضربه علیهم الأتراک، فتمکن المهلب بقابلیته وحسن تدبیره من إنقاذ المسلمین وإنزال ضربة بهم([25]). کذلک أسهم المهلب سنة 53هـ مع القائد سعید بن عثمان بن عفان فی فتح سمرقند، وقد أصیب المهلب فی هذه المعرکة وراحت عینه([26]). وفی هذه المعرکة أنشد المهلب أبیاتاً عبّر فیها عن شجاعته وثباته وتضحیته فی سبیل الإسلام فقال (الطویل)([27]):
لئن ذهبت عینی فقد بقیت نفسی وفیها بحمد الله عن تلک ما ینســــی
إذا جاء أمن الله أعیا خیولـــــنا ولا بد أن تعمى العیون لدى الرمس
وفی سنة 61هـ أرسل والی خراسان سلم بن زیاد قائده المهلب على رأس حملة عسکریة نحو خوارزم؛ إذ کان الملوک الکفار یجتمعون للإیقاع بالمسلمین، فحاصرهم حتى صالحوه على فدیة کبیرة یؤدونها للمسلمین([28]).
غیر أن المهلب لم یستمر فی خراسان طویلاً، فقد عاد إلى البصرة سنة 65هـ لتبدأ صفحة جدیدة من صفحات البطولة لهذا القائد؛ إذ کرّس قدراته الحربیة لقتال الخوارج المارقین على العروبة والإسلام.
أزد عمان ودورهم فی قتال الخوارج:
أسهمت عمان -عبر عصور تاریخیة عدة- فی صناعة التاریخ الإسلامی؛ وذلک بما قدمته لهذه الأمة من رجالات أشداء وقادة عظماء کان لهم دور سیاسی وعسکری ودینی مؤثر فی تاریخ الدولة العربیة الإسلامیة بوجه عام، وفی تاریخ العراق بوجه خاص. وتعد قبیلة الأزد العمانیة من أبرز القبائل التی هاجرت إلیه، فقد انحدروا إلیه فی فترة مبکرة من قیام الدولة الإسلامیة، وقطنوا البصرة أول الأمصار العربیة، حتى صارت تلکم المدینة تحتل المکانة العظمى من أنفسهم، وخطت معالمها وآثارها فی حیاتهم ونشأتهم، فدانوا لها بالولاء التام، فأسهموا فی بنائها وعمارتها وتقدمها فی الجوانب السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة والاجتماعیة، ورخصوا دماءهم وأرواحهم فی سبیل بقائها ودوامها، فلم یقفوا مکتوفی الأیدی أمام أی عدو یرید النیل من أرضها و شعبها، بل هبوا للدفاع والتضحیة للحفاظ على بیضة الإسلام من جهة، ثم الدفاع عن البصرة، مدینة المدن، موطن الفقهاء، وقبة العلماء، ومنارة الأدباء، وملتقى الشعراء؛ ولأن البصرة هی القاعدة والمرکز الذی انطلقت منه جیوش التحریر العربیة إلى المشرق من جهة ثانیة، أنتجت قبیلة الأزد برجالها وقدراتها، وحملت رایة الجهاد والدفاع، وکان المهلب ابنها البار من أشجع الناس، وظهر حبه للبصرة لمّا جند نفسه فی الدفاع عنها وعن حرمها ومقدساتها، حتى أخذت تسمى: بصرة المهلب([29]).
المهلب والخوارج:
یناقش هذا القسم الفرضیة الثانیة التی مفادها: ما طبیعة الدور العسکری الذی لعبه المهلب بن أبی صفرة فی إلحاق الهزائم تلو الهزائم بالخوارج؟ وقبل الخوض فی تفاصیل دور المهلب فی حربه ضد الخوارج، لا بد من إعطاء تعریف عن الخوارج وانشقاقهم الدینی والسیاسی والاجتماعی عن سواد الأمة. فالخوارج: اسم اشتق من فعل "خرج"، أی الذین خرجوا عن ملة الإمام علی u، وهم طائفة من أهل الکوفة کانوا فی جیش الإمام علی بن أبی طالب u أثناء واقعة صفین سنة (37هـ)، فخرجوا علیه احتجاجاً على قبوله التحکیم، أی تحکیم القرآن بینه وبین والی الشام معاویة بن أبی سفیان (15 ق.هـ -60هـ)، ویطلقون أیضاً على أنفسهم "الشراة"؛ أی الذین شروا أنفسهم بدنیاهم، والبعض یسمیهم: "الحروریة" نسبة إلى حروراء، وهو موضع على الفرات بقرب الرقة، نزلوا به أثناء عودة الإمام علی u وجیشه من صفین، ولم یریدوا دخول الکوفة، کما أطلق علیهم "المحکمة"؛ أی الذین یقولون لا حکم إلا لله([30]).
لقد شکلت حرکة الخوارج خطراً کبیراً یهدد سلامة الدولة فی کل وقت، وأخذت تتسع حرکتهم فانقسموا على أنفسهم إلى فرق وجماعات، لکنهم اتفقوا على معارضة سلطة الأمویین بوصفهم دولة ظالمة وغاشمة، کما أنهم اتخذوا موقفاً متشدداً من خصومهم، وکان من أشد فرق الخوارج تشدداً وتطرفاً الأزارقة، نسبة إلى زعیمهم نافع بن الأزرق. وبعد مقتل یزید بن معاویة سنة (64هـ)، طالب عبد الله بن الزبیر (1- 73هـ) بالخلافة ودعا إلى نفسه، فبایعه أهل الحجاز والکوفة والبصرة وخراسان والیمن، ومعظم بلاد الشام. وانضم نافع بن الأزرق مع أصحابه إلى ثورة عبد الله بن الزبیر فی الحجاز، إلا أنهم فارقوه عندما وجدوه على غیر رأیهم فیما یذهبون إلیه([31]). وقد تطرف الأزارقة فأباحوا قتل الأطفال والنساء، وکفروا القعدة، وعدوا مال المخالفین حلالاً لهم([32])؛ متأولین لذلک قوله تعالى على لسان نوح u: "وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْکافِرِینَ دَیَّاراً . إِنَّکَ إِنْ تَذَرْهُمْ یُضِلُّوا عِبادَکَ وَلا یَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً کَفَّاراً"([33]). وأراد الخوارج -آنذاک- استغلال الأوضاع المضطربة التی مرت على الدولة الأمویة بعد مقتل یزید؛ للحصول على مکاسب سیاسیة واقتصادیة وعسکریة فی المنطقة بشکل عام، وفی البصرة بشکل خاص. وفی سنة (65هـ) أثناء زیارته لمکة، عهد ابن الزبیر إلى المهلب حکم ولایة خراسان، وعند وصول المهلب إلى البصرة فی طریقه لخراسان، کانت المنطقة تعانی من اعتداءات وهجمات الخوارج على الناس العزل.
وانتشر الأزارقة فی الأهواز وما وراء بلاد فارس حتى عظم أمرهم، وتمکنوا من إنزال الهزائم المتکررة بالجیوش التی تصدت لهم وتوسع نفوذهم. ولما وصلت أخبار توجه الأزارقة إلى البصرة، أصاب أهلها الهلع والخوف لما یخلفوه من القتل والخراب والدمار، ولجأ قسم من أهل البصرة إلى الأحنف بن قیس (13ق.هـ - 67هـ)، فقال الأحنف بن قیس للحارث بن عبد الله أمیر البصرة وقتذاک: "أیها الأمیر، اکتب إلى أمیر المؤمنین عبد الله بن الزبیر، وسله أن یکتب إلى المهلب بأن یخلف على خراسان رجلاً، ویسیر إلى الخوارج، فیتولى محاربتهم". فلما انتهى کتاب الحارث بن عبد الله أمیر البصرة إلى عبد الله بن الزبیر، کتب إلى المهلب: "بسم الله الرحمن الرحیم، من عبد الله أمیر المؤمنین إلى المهلب بن أبی صفرة، أما بعد، فإن الحارث بن عبد الله کتب إلی یخبرنی أن الأزارقة المارقة قد سعرت نارها، وتفاقم أمرها، فرأیت أن أولیک قتالهم لما رجوت من قیامک، فتکفی أهل مصرک شرهم، وتؤمن روعتهم، فخلف بخراسان من یقوم مقامک من أهل بیتک، وسر حتى توافی البصرة، فتستعد منها بأفضل عدتک، وتخرج إلیهم، فإنی أرجو أن ینصرک الله علیهم، والسلام"([34]). ومن هنا بدأت قصة المهلب مع الخوارج وقتاله لهم حتى تحقق على یدیه النصر التام علیهم.
ویذکر ابن الأثیر -بشأن ذلک- أن أهل البصرة احتاروا فی کیفیة إقناع المهلب بالحرب، إلى أن قاموا بالکتابة له عن لسان ابن الزبیر([35])، فلما قرأ الرسالة، رد علیها بالقول: "والله لا أسیر إلیهم إلا أن یجعلوا لی ما غلبت علیه، ویعطونی من بیت المال ما أقوی به من معی، وأنتخب من فرسان الناس ووجوههم وذوی الشرف من أحببت"([36]). وقد وافق أهل البصرة على طلب المهلب، وجهز جیشه حتى قیل فی ذلک الجیش: "لم یقاتلهم إنسان قط أشد علیهم ولا أغیظ لقلوبهم من المهلب بن أبی صفرة"([37]).
ویخالف بعض المؤرخین الروایة السابقة التی ذکرها ابن الأثیر؛ إذ ذکر بعض المؤرخین أن أهل البصرة هم من طلبوا من المهلب أن یکتب إلى الزبیر؛ لیجعله على حرب الخوارج. وأما الدینوری فذکر أن ابن الزبیر طلب من المهلب أن یخلف على خراسان رجلاً یثق فیه ویسیر هو إلى محاربة الخوارج. فکتب ابن الزبیر عهدا للمهلب، وهو العهد الذی سبق ذکره.
ویمیل الباحثان إلى الرأی القائل باختیار ابن الزبیر لشخص المهلب لمحاربة الخوارج؛ لما یمتاز به من کفاءة عالیة فی إدارة الحروب، وقدرة قتالیة عظیمة فیما یسمى بالحرب الخاطفة، وحنکة سیاسیة یستطیع من خلالهما أن یجعل الکفة تسیر فی صالحه بشکل متمیز، والتفوق على الخوارج لما یبثه فی نفوس جنده من عزیمة ومضاء. وفی الوقت نفسه یتفق الباحثان مع الرأی القائل بأن المهلب فرض شروطا عدة على ابن الزبیر لمحاربة الخوارج، منها: تجهیزه بالمال الکافی والعدة والعدد؛ لیکون هو المسؤول الأول والأخیر عن إدارة الحرب مع الأزارقة. فقد عرف القائد العمانی الأزدی المهلب بن أبی صفرة بشجاعته ودهائه الحربی لما امتلکه من قدرة فی إدارة الحرب، وکفاءة فی القتال والمناورة، وقیادة حکیمة أدهشت الأعداء، وأسرّت الأصدقاء، حتى أطلق علیه الخوارج الأزارقة: "الساحر"، وهو ما أهله لقیادة حملة عسکریة ضد حرکة الخوارج ، الذین کانوا یشکلون -آنذاک- خطراً کبیراً یهدد أمن وسلامة الدولة الأمویة من قیامها عام (41-132هـ). واستطاع المهلب بحنکته ودهائه وتمرسه فی القتال والمعارک أن یلحق بالخوارج شر هزیمة طوال اثنی عشر عاماً من الحرب معهم؛ إذ شتت شملهم، وأفنى جموعهم، وقتل قادتهم، وقضى على حرکتهم، حتى وصف أحد الخوارج صلابته فی قتالهم بالقول: "حتى متى یتبعنا المهلب ... لیس لنا فی الأرض والسماء منه مهرب ... فأین أین المهرب".
وعند وصوله البصرة، نادى المهلب فی الناس، فاجتمعوا وارتقى المنبر، فخطب بهم قائلا: "أیها الناس، إنه قد غشیکم عدو جاحد یسفک دماءکم وینهب أموالکم، فإن أعطیتمونی خصالاً أسألکموها قمت لکم بحربهم، واستعنت بالله علیهم، وإلا کنت کواحد منکم لمن تجتمعون علیه فی أمرکم. قالوا وما الذی ترید؟ قال: أنتخب منکم أوساطکم لا القنی المثقل، ولا السبروت المخف، وعلى أن لی ما غلبت علیه من الأرض، ولا أخالف فیما أدبر من أمری ورأی فی حربهم، وأترک ورائی الذی أراه وتدبیری الذی أدبره، فناداه الناس: لک ذلک، وقد رضینا به"([38]).
مما لاشک فیه أن المهلب أراد من هذه الخطبة أن یأخذ عهدا من رجالات البصرة بالوقوف إلى جانبه فی الحرب مع الخوارج لکسب ودهم وضمان دعمهم، حتى تکون البصرة بقبائلها وعشائرها لها کلمة واحدة وموقف متمیز مع قبیلته الأزد، التی تشارکها القتال ضد الخوارج التکفیریین.
وبناءً على ما تقدم، عمل المهلب على إعداد خطط عسکریة ضمن استراتیجیة مدروسة یستطیع من خلالها مباغتة العدو الخارجی، ومنها على سبیل المثال ولیس الحصر:
1- شکل جیشا قوامه عشرون ألف رجل کان أغلبهم من الأزدیین. ومن أهم الأمور التی یشاد بها للمهلب فی قیادة الجیوش وإدارتها وما تحقق على یدیه من نصر حاسم ومؤزر على فلول الخوارج، أنه اعتمد على أبناء قبیلته، فجعل أکثر جیشه من الأزد، لاسیما أزد عمان؛ لذلک دانوا له بالولاء والطاعة، وکانت أوامره ووصایاه تنفذ بحذافیرها، وهذا إن دل على شیء فإنه یدل على قوة وتماسک أبناء قبیلة الأزد العمانیة، فضلاً عن الصلة التی تجمعهم بأبناء عمومتهم من رابطة الدم والعصبیة القبلیة التی کانت فیهم شدیدة ومؤثرة.
2- اقتراض الأموال من التجار الذین تعرضوا لخسائر فادحة بسبب هجمات الخوارج على قوافلهم.
3- تعبئة الجیش وتنظیمه على درجة عالیة من الدقة؛ لأنه علم أن الحرب مع الخوارج ستدوم طویلاً؛ لذلک جهّز وحدات عسکریة للدعم والإسناد.
وبعد تحقیقه للنقاط أعلاه، اجتمع بالجیش وخطب فیهم قائلاً: "فالقوهم بجد وحد، فإنما هم مهنتکم وعبیدکم وعار علیکم، ونقص فی أحسابکم وأدیانکم أن یغلبکم هؤلاء على فیئتکم ویطؤوا حریمکم"([39])، وهکذا بعث فی نفوس جنده الحماس، وحفزهم على القتال دون هوادة، فخاض المهلب أعنف المعارک مع الخوارج، وتمکن من طردهم من البصرة، فتراجعوا نحو بلاد الأحواز، فتبعهم وأوقع فیهم شر هزیمة وفرق جموعهم ، وقتل زعیمهم نافع بن الأزرق، فحقق بذلک المهلب نصراً مؤزراً على الأزارقة، حتى قیل فی ذلک شعراً([40]):
جزى الله خیرا، والجزاء بکفـه أخا الأزد عنا ما أذب وأحربـــا
ولما رأینا الأمر قد جد جـــــده وإلا توارى دوننا الشمس کوکبا
دعونا أبا غسان، فاستک سمعه وأحنف طأطأ رأسـه، وتهیبـــا
وکان ابن منجوف لکل عظیمة فقصر عنـها حبلــــه وتذبذبــــا
فلما رأینا القوم قد کل حدهــــم لدى حربهم فیـها دعونا المهلبا
ولم یکتف المهلب بهذا النصر على الأزارقة، بل ظل یطاردهم حتى عام (71هـ)، عندما سار الخلیفة الأموی عبد الملک بن مروان (26-86هـ ) نحو العراق لمحاربة مصعب بن الزبیر، فبعث مصعب إلى المهلب یستشیره بالأمر، فأقترح المهلب علیه أن یعفیه من حرب الأزارقة لیکون إلى جانبه، غیر أن مصعباً لم یأخذ برأیه؛ بل طلب أن یکفیه أمر الخوارج الذین تقدموا مجدداً نحو الأهواز وصاروا یهددون البصرة([41]).
وبعد مقتل مصعب، أحکم عبد الملک بن مروان قبضته على العراق، فکتب إلى المهلب یستمیله إلیه؛ لأنه کان على یقین بأن أرکان الحکم الأموی لا یمکن أن یستقیم إلا باستمرار خدمات ذلک القائد المغوار، فبعث إلیه برسالة جاء نصها بما مضمونه: "إن الناس مجتمعون على بیعتی، فإن دخلت فیما دخل الناس فیه عرفنا لک منزلک وشرفک، وإن لم تفعل استعنا بالله علیک"([42])، أدرک المهلب أن لا مناص من عدم مبایعته لعبد الملک بن مروان؛ وبذلک وضع المهلب نفسه وسیفه لخدمة الدولة الأمویة.
وفی سنة (74هـ)، عزم عبد الملک بن مروان أن یستأصل جذور الأزارقة بشکل کامل، فقام بجملة من الإجراءات، أهمها:
1- عزل عامله على البصرة خالد بن عبد الله بن أسید، وضمها إلى الکوفـــــة([43]).
2- أوکل مهمة القضاء على الأزارقة إلى المهلب بن أبی صفرة([44]).
وهنا برز دور المهلب بن أبی صفرة على مسرح الأحداث مرة أخرى، ولکن هذه المرة بدعم من مرکز الخلافة بالشام. لم یتقبل والی العراق آنذاک بشر بن مروان قرار الخلیفة بتولی المهلب قیادة الجیش الذی سیتوجه لقتال الأزارقة؛ وذلک لعدة اعتبارات، أهمها:
أولاً - میول المهلب لأبناء الزبیر.
ثانیاً - للشهرة التی کان یتمتع بها هذا القائد التی طغت حتى على والی العراق؛ لذلک فإن الوالی بشر بن مروان لم یعد بمقدوره عزل المهلب أو استبداله بقائد آخر، بل أذعن لأمر الخلیفة، فعقد لعبد الرحمن بن مخنف الأزدی وأوصاه ألا یقبل للمهلب رأیا ولا مشورة([45]).
وعندما توجه الجیش للقتال وصلت أخبار وفاة بشر بن مروان إلى مسامع الجنود، وکان لهذا الحدث أثره على نفوس المقاتلین، فرجع العدید منهم إلى البصرة والکوفة تارکین قتال العدو، وهو أمر دفع المهلب لاتخاذ موقف دفاعی بدلاً من الهجوم فی حربه مع الخوارج لکسب الوقت([46]). وفی تلک الأثناء تم تعیین الحجاج بن یوسف الثقفی (40-95هـ) والیا على العراق؛ لکی یعید الأمن والنظام إلى صفوف الجیش من جهة، ویساند المهلب فی حربه مع الخوارج من جهة أخرى. وکانت أولى مهمات الحجاج هی إعادة الجند الفارین إلى ساحة القتال، فخطب الحجاج فی الکوفة خطبته المشهورة، التی هدد من خلالها بقتل کل من یتخلف عن جیش المهلب، کما أعطى المهلب الصلاحیة فی قتل کل من تحدثه نفسه بالتمرد أو التخلف عن القتال([47]).
علمت البصرة ووالیها الجدید أن المهلب هو السیف المسلول الذی یذبّ عنها هجمات الخوارج ویکفیهم شرهم وخطرهم، حتى قیل فیه من الفخر([48]):
إن رباً أنجى المهلَّب ذا الطول لأهلٌ أن تحمدوه کثیـــــــراً
لا یزال المهلب بن أبی صفرة ما عاش بالعراق أمیــــــراً
فإذا مات فالـــرجال نســــــاء ما یساوی من بعده قطمیرا
قد أمنا بک العدو على المِصر ووقرت منبراً وسریـــــرا
وبالمقابل طلب الحجاج -بدون درایة وخبرة عسکریة کافیة بالحرب مع الخوارج- من المهلب أن ینهی المعرکة لصالحه بأسرع وقت ممکن، وأن لا یتعمد إطالة المعرکة التی قد تتسبب فی استنزاف أموال الدولة لصالح جنود المهلب. ورّد المهلب على الحجاج برسالة کتب فیها بما مضمونه: "إن البلاء أن یکون الرأی لمن یملکه دون من یبصره"([49]). فقرأ الحجاج ما کتبه المهلب، وأرسل إلیه یخبره: "إنی قد رددت الرأی إلیک فدبر ما ترى، واعمل ما ترید"([50]).
فی واقع الأمر کان لموقف الحجاج أعلاه نتائج إیجابیة فی صالح الدولة الأمویة؛ إذ زاد من حماس المهلب فی قتال الخوارج؛ فدحر الأزارقة وطاردهم وهو یصول فی ساحة المعرکة ویحث جنده على مواصلة القتال، وهو یتلوا قول الله تعالى: (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِینَ)([51]). واستمر المهلب فی قتال الأزارقة حتى أجلاهم من فارس وکرمان([52])، وأوقع الویلات فی صفوفهم؛ فشتت شملهم، وقتــــل قادتهم، وقضى على أکثرهم([53]). وکتب المهلب إلى الحجاج یبشره بالظفر على الأعداء، فلما وصل الکتاب، بشّر الحجاج الخلیفة عبد الملک بن مروان بالنصر على الأزارقة، وطلب الحجاج من المهلب القدوم إلیه، فسار إلى الکوفة، فاستقبله الحجاج وأکرمه وأمر له بالهبات([54]).
الخاتمة:
یتضح من هذه الدراسة أن للقائد العمانی الأزدی المهلب بن أبی صفرة دوراً عسکریاً کبیراً وممیزاً فی دحر فلول الخوارج الأزارقة، لیس فی العراق فحسب، إنما فی سائر بقاع الدولة الإسلامیة، فضلاً عن ذوده عن الحرمات، وحفظه للدماء والأعراض، وصیانة وحدة المسلمین من خطر الخوارج التکفیریین. وکان من أسباب نجاحاته تلک ما یأتی:
1- امتلاکه خبرة واسعة فی أمور الحرب والقتال.
2- دهاؤه السیاسی الذی استطاع به کسب ود عامة الناس فی الولایات التی انتشر فیها نفوذ الخوارج.
3- الثقة الکبیرة التی منحت له من قبل الخلفاء المعاصرین له فی تلک الفترة.
4- شخصیته المحترمة والمؤثرة التی فرض بها احترام معظم الولاة والقادة، لاسیما الحجاج وغیره ممن عرفوا بالصلابة والشدة والبطش فی تطبیق النظام والحکم.
5- اعتماده فی القتال على الجنود من قبیلة الأزد العمانیة العریقة؛ لکی یضمن ولاءهم وطاعتهم.
6- اهتمامه الکبیر باحتیاجات ومستلزمات جنده المادیة والمعنویة.
7- استراتیجیته العسکریة الفذة فی التعبئة والتنظیم والتسلیح، ورسم الخطط الحربیة الدقیقة، التی حققت له النجاحات والانتصارات على أشرس وأخطر حرکة عرفها التاریخ؛ إذ هددت سلامة الدولة ووحدتها.
[1] العسقلانی، ابن حجر، الإصابة فی تمییز الصحابة، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1994م، ص536.
[2] القلقشندی، أحمد بن علی، نهایة الأرب فی معرفة أنساب العرب، تحقیق: إبراهیم الإبیاری، دار الکتاب اللبنانیین، بیروت، 1980م، ص91.
[3] نفسه.
[4] ابن خلکان، أحمد بن محمد، وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان، تحقیق: إحسان عباس، دار صادر، بیروت، مج5، 1972م، ص350.
[5] الدنیوری، ابن قتیبة، المعارف، تحقیق: ثروة عکاشة، ط2، الهیئة المصریة العامة للکتاب، القاهرة، 1992م، ص399.
[6] الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام، تحقیق: عمر عبدالسلام، دار الکتاب العربی، بیروت، مج6، 1990م، ص206.
[7] المعارف، ص399.
[8] تاریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام ، ص307.
[9] ابن الأثیر، أسد الغابة فی معرفة الصحابة، دار الکتب العلمیة، بیروت، ج5، 1994م ، ص449.
[10] الصحارى، أبو المنذر، الأنساب، تحقیق: محمد إحسان النص، ط4، وزارة التراث والثقافة، مسقط، 2006م، ص206.
[11] وفیات الأعیان، ص351.
[12] نفسه.
[13] الذهبی، محمد بن أحمد، مؤسسة الرسالة، بیروت، ج5، 2001، ص331.
[14] المبرد، محمد بن یزید، الفاضل، دار الکتب المصریة، القاهرة، 2001م، ص52.
[15] ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، شرکة التراث للبرمجیات، الأردن، ج4، 2015م، ص148.
[16] الدنیوری، ابن قتیبة، عیون الأخبار، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1998م، ص164.
[17] شرح نهج البلاغة، ص160.
[18] الدنیوری، أبو حنیفة، الأخبار الطوال، دار إحیاء الکتب العربی، القاهرة، 1960م، ص274.
[19] الحموی، یاقوت، معجم البلدان، شرکة التراث للبرمجیات، الأردن، ج5، 2014م، ص199.
[20] الجاحظ، البیان والتبیین، مکتبة الخانجی، القاهرة، ج3، 1998م، ص278.
[21] الإصابة، ص536.
[22] أبو الجعفر، قدامة بن جعفر، الخراج وصنعة الکتابة، دار الرشید للنشر، بغداد، 1981م، ص394.
[23] السابق، ص414.
[24] الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعمال النبلاء، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1985م، ص331.
[25] الخراج وصنعة الکتابة، ص406.
[26] وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان، ص353.
[27] نفسه.
[28] الخراج وصنعة الکتابة، ص407.
[29] المعارف، ص399.
[30] شلبی، أحمد، التاریخ الإسلامی والحضارة الإسلامیة، مکتب النهضة المصریة، 1996م، ص227.
[31] زکار، سهیل، تاریخ العرب والإسلام، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، 1982م، ص ص176 - 177.
[32] الطبری، تاریخ الرسل والملوک، دار الکتاب العلمیة، بیروت.
[33] (نوح: 26 – 27).
[34] الأخبار الطوال، ص271.
[35] ابن الأثیر، الکامل فی التاریخ، دار الکتاب العربی، بیروت، 1997م، ص391.
[36] تاریخ الرسل والملوک، ص616.
[37] السابق، ص617.
[38] الأخبار الطوال، ص271.
[39] المبرد، أبو العباس، الکامل فی اللغة والأدب للمبرد، ج3، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، دار الفکر العربی، القاهرة، 1997م، ص315.
[40] الأخبار الطوال، ص272.
[41] المسعودی، أبی الحسین بن علی، مروج الذهب، المکتبة العصریة، بیروت، ج4، 2005م، ص46.
[42] تاریخ الرسل والملوک، ص198.
[43] الکامل فی التاریخ، ص46.
[44] تاریخ الرسل والملوک، ص199.
[45] نفسه.
[46] الیعقوبی، أحمد بن إسحاق، التاریخ، دار الکتب العلمیة، بیروت، ج2، ص273.
[47] نفسه.
[48] الأخبار الطوال، ص274.
[49] عیون الأخبار، ص31.
[50] الأخبار الطوال، ص278.
[51] نفسه.
[52] التاریخ، ص275.
[53] علی، جاسم صکبان، دراسات فی التاریخ العربی، 1985م، ص155.
[54] الأخبار الطوال، ص280.
القرآن الکریم
ابن خلکان، أحمد بن محمد، وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان، تحقیق: إحسان عباس، دار صادر، بیروت، مج5، 1972م، ص350.
القلقشندی، أحمد بن علی، نهایة الأرب فی معرفة أنساب العرب، تحقیق: إبراهیم الإبیاری، دار الکتاب اللبنانیین، بیروت، 1980م، ص91.
الدنیوری، ابن قتیبة، المعارف، تحقیق: ثروة عکاشة، ط2، الهیئة المصریة العامة للکتاب، القاهرة، 1992م، ص399.
الذهبی، محمد بن أحمد، تاریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام، تحقیق: عمر عبدالسلام، دار الکتاب العربی، بیروت، مج6، 1990م، ص206.
تاریخ الإسلام ووفیات المشاهیر والأعلام ، ص307.
ابن الأثیر، أسد الغابة فی معرفة الصحابة، دار الکتب العلمیة، بیروت، ج5، 1994م ، ص449.
الصحارى، أبو المنذر، الأنساب، تحقیق: محمد إحسان النص، ط4، وزارة التراث والثقافة، مسقط، 2006م، ص206.
الذهبی، محمد بن أحمد، مؤسسة الرسالة، بیروت، ج5، 2001، ص331.
المبرد، محمد بن یزید، الفاضل، دار الکتب المصریة، القاهرة، 2001م، ص52.
ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، شرکة التراث للبرمجیات، الأردن، ج4، 2015م، ص148.
الدنیوری، ابن قتیبة، عیون الأخبار، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1998م، ص164.
شرح نهج البلاغة، ص160.
الدنیوری، أبو حنیفة، الأخبار الطوال، دار إحیاء الکتب العربی، القاهرة، 1960م، ص274.
الحموی، یاقوت، معجم البلدان، شرکة التراث للبرمجیات، الأردن، ج5، 2014م، ص199.
الجاحظ، البیان والتبیین، مکتبة الخانجی، القاهرة، ج3، 1998م، ص278.
العسقلانی، ابن حجر، الإصابة فی تمییز الصحابة، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1994م، ص536.
أبو الجعفر، قدامة بن جعفر، الخراج وصنعة الکتابة، دار الرشید للنشر، بغداد، 1981م، ص394.
الذهبی، محمد بن أحمد، سیر أعمال النبلاء، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1985م، ص331.
شلبی، أحمد، التاریخ الإسلامی والحضارة الإسلامیة، مکتب النهضة المصریة، 1996م، ص227.
زکار، سهیل، تاریخ العرب والإسلام، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت، 1982م، ص ص176 - 177.
الطبری، تاریخ الرسل والملوک، دار الکتاب العلمیة، بیروت.
ابن الأثیر، الکامل فی التاریخ، دار الکتاب العربی، بیروت، 1997م، ص391.
المبرد، أبو العباس، الکامل فی اللغة والأدب للمبرد، ج3، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، دار الفکر العربی، القاهرة، 1997م، ص315.
المسعودی، أبی الحسین بن علی، مروج الذهب، المکتبة العصریة، بیروت، ج4، 2005م، ص46.
علی، جاسم صکبان، دراسات فی التاریخ العربی، 1985م، ص155.
الیعقوبی، أحمد بن إسحاق، التاریخ، دار الکتب العلمیة، بیروت، ج2، ص273.