أصول المهالبة نسبا ومکانا

الباحث المراسلد. سعید بن محمد الهاشمی جامعة السلطان قابوس

Date Of Publication :2022-11-10
Referral to this Article   |   Statistics   |   Share  |   Download Article

 

تهدف هذه الورقة إلى تتبع أصول المهالبة نسبا ومکانا، هذه الأسرة التی بنت مجدا فی العصر الإسلامی، وبرز منها القادة والساسة، والشعراء والعلماء، وتفرقت فی أنحاء العالم الإسلامی. وتعتمد الورقة المنهج الوصفی التحلیلی المقارن لتحدید نسب أسرة المهالبة وموطن هذه الأسرة العریقة فی عمان، والخروج باستنتاجات تبیّن ما یدور حول هذه الشخصیة من سوء فهم أو أخطاء تاریخیة وقع فیها بعض کتاب التاریخ.

عمان فی زمن المهالبة:

رسم الجغرافیون حدود عمان امتدادا من الشحر حتى البحرین (الأحساء)، ولا خلاف فی ذلک. کما حددوا الفراسخ التی یقطعها المسافر من وإلى قصبة عمان، وهی صحار، وهو إقلیم من أقالیم الجزیرة العربیة الخمسة، وتقام بها أسواق العرب المشهورة. وعمان إقلیم سلطانی؛ أی لها حاکم عام منذ العصور التی تسبق المیلاد؛ إذ عرفت نظام الحکم، وخضع سکانها لهذا النظام، سواء أکان نظام الحکم مرکزیا أم غیر مرکزی. وتعاقبت علیها الأسر تحکمها، وتعرضت لغزوات فارسیة، وأخرى أوروبیة. وهاجرت إلیها القبائل العربیة من جنوب الجزیرة العربیة ومن شمالها. وظهرت بها مدن وقرى وموانئ کثیرة عبر التاریخ. واشتغل أهلها فی التجارة البحریة، والصید، والزراعة، والصناعة، والرعی. وتاجرت مع أقالیم الخلیج العربی والفارسی، والهند وشرق أفریقیا، وغیرها من الأقالیم المعروفة قدیما وحدیثا.

فی القرن الثانی المیلادی انتقل إلیها الفرس متمثلون فی الأسرة الحاکمة، فاحتلت عمان، واستقرت فی المناطق الشمالیة منها. مما حدا بأهلها أن یستعینوا بمالک بن فهم الدوسی الأزدی، الذی کان قد استقر فی جنوب عمان بمیناء رسوت.

استجاب مالک بن فهم لطلبات القبائل العربیة فی عمان، ووصل عمان بحرا وبرا، وتفاوض مع الفرس؛ لکنه وجد منهم الرفض والعناد، والتقى معهم فی أرض سلوت، وتکلل جیشه بالانتصار، وخرج الفرس مدحورین، ثم توج مالک ملکا على عمان، فوفدت إلیه القبائل، خصوصا الأزد وقضاعة وطیء وبنوا سامة وبنو رواحة وغیرها من القبائل، ومن الأزد عمر بن عمرو بن عامر (ماء السماء)، وولداه الحجر والأسود، وأخوه عمران، والحدان وزیاد ومعولة ابنی شمس. وتصاهر عرب الشمال مع عرب الجنوب، فالأسد بن عمران بن عمرو تزوج من هند ابنة سامة بن لؤی. وهکذا أصبحت عمان خیر بلاد اجتماعیا واقتصادیا للقبائل العربیة، وتملّکوها. وتذکر الروایات أن عمران بن عمرو هذا قد استقر فی المناطق الشرقیة من عمان، ثم انتقل مع ذریته إلى أماکن مختلفة من عمان، أهمها منطقة الجوف الظاهرة.

وحکم مالک وذریته عمان حتى القرن الرابع المیلاد، ثم احتلها الفرس بعد ضعف حکامها، فقام عبد عز بن معولة بن شمس یجمع القبائل، ویصد تدفق الفرس إلیها، وانتهت جهوده بالمفاوضات، وتوج عبد عز ملکا على عمان، فتوارث أبناؤه من بعده. وعندما جاء الإسلام، وکان وقتذاک عبد وجیفر ابنی الجلندى بن المستکبر بن الجرار بن عبد العز یحکمان عمان، دخل هذا الدین الحنیف فی عمان على أیدیهم.

نسب أسرة المهالبة:

یجیب هذا القسم على التساؤلات الآتیة: من هم المهالبة؟ ومن أی العرب؟ وأین کانوا یسکنون؟ وما مکانتهم فی عمان؟

إنّ التعرف على نسب وأصول المهالبة یتطلب سبر کتب الأنساب؛ إذ طالع الباحث: کتاب ابن الکلبی، وکتاب الاشتقاق لابن درید، وجمهرة النسب لابن حزم، وأنساب العوتبی، ثم بحث فی کتب التاریخ. فتبین أن المهالبة من أصول عربیة عمانیة.

والمهالبة نسبة إلى المهلب بن أبی صفرة ظالم بن سارق بن صبح بن کندی بن عمرو بن عدی بن وائل بن الحارث بن العتیک بن الأسد بن عمران بن عمرو بن عامر ماء السماء[1]. اشتهر المهلب بشجاعته وجوده. روى الحسن بن عمارة عن أبی إسحاق قال: "ما رأیت أمیراً قط أفضل ولا أسخى من المهلب، ولا أبعد مما یکره، ولا أقرب مما یحب".

ولد المهلب فی مدینة أدم العمانیة بالمنطقة الداخلیة عام 8هـ. وکان ممن قابل عمر بن الخطاب مع والده أبی صفرة. واشترک أبو صفرة مع جیش عثمان بن أبی العاص فی حرب الفرس، وقتل القائد شهرک فی جزیرة ابن کاوان عام 15هـ، وکان أبو صفرة شریفا فی قومه، وزعیما وقتئذ لبنی عمران. ثم شارک أبو صفرة فی جیش عثمان وعمر بن الخطاب، ومات فی خلافة علی بن أبی طالب الذی ولاه رئاسة الأزد فی العراق. ثم آلت هذه الرئاسة إلى ابنه المهلب بن أبی صفرة.

وهذا النسب الذی ذکرناه للمهلب من روایة ابن الکلبی المتوفى فی عام 204هـ، ومعظم الکتب التی جاءت بعد ابن الکلبی تؤکد هذا النسب. ففی کتاب الطبقات لابن خیاط (ت: 240هـ) نقل النسب نفسه[2]. کما أکد النسب ابن قتیبة (ت: 276هـ) فی کتابه المعارف[3]. وقد ذکره ابن درید فی الاشتقاق[4]، وأشار إلیه المسعودی (ت: 354هـ) فی کتابه التنبیه والإشراف[5]. وفی القرن الخامس الهجری أکد اسم المهلب ونسبه کل من ابن حزم (ت:456هـ) فی جمهرته[6]، وابن عبد البر الأندلسی (ت: 463هـ) فی کتابه الاستیعاب[7]، والعوتبی (من علماء القرن الخامس الهجری) فی کتابه الأنساب[8]، وساق ابن الأثیر (555 - 630هـ) النسب نفسه فی کتابه أسد الغابة[9]. ونقل ابن رزیق النسب نفسه[10].

ولهذا فإن أبا صفرة ظالم بن سارق ینتسب إلى القبائل العمانیة القحطانیة. وذکر الأزکوی أن الخوارج هاجموا البصرة، فاستجار أهلها "بالمهلب بن أبی صفرة الأزدی العمانی"[11]. کما هو واضح من المصادر التی تتبعناها من القرن الثانی الهجری وحتى القرن الخامس الهجری. وهذه المصادر غیر عمانیة عدا العوتبی الذی ینقل من کتاب ابن الکلبی حرفیا.

وذکر الدکتور إبراهیم سلامة فی کتابه "أضواء جدیدة على دور المهالبة السیاسی فی جرجان" أن بعض النسابة وکتّاب المثالب زعموا أن أصل المهالبة من عجم عمان، وأنهم تولوا الأزد، فلما سار المهلب وشرف وعلا ذکره استلحقوه"[12]. وهذا القول شاذ یخالف ما أجمع علیه النسابة. وقد رد الشیخ البطاشی[13] هذا القول؛ لإجماع النسابة على نسب المهلب وأصوله، فلا داعی أن نذکره مرة أخر، والدکتور سلامة بیّن السبب الذی دعا هؤلاء إلى هذه الآراء من کُتّاب المثالب، مثل: زیاد الأعجم[14] والهیثم بن عدی وأبو عبیدة معمر بن المثنی، وقال إن هذه الآراء زعم وافتراء وتشهیر متعمد من قبل الشعوبیین، وإن زیاد الأعجم غضب على المهلب، کما یذکر صاحب کتاب الأغانی الذی رد على هؤلاء؛ لأن ادعاءاتهم لیست من الأقوال المعول علیها[15]. وکان الجیش العمانی مکون من ثلاث کتائب؛ کتیبة أزد شنؤة بقیادة صبرة بن سلیمان الحدانی، وکتیبة بنی مالک بن فهم بقیادة یزید بن جعفلا الجهضمی، وکتیبة بنی عمران بقیادة أبو صفرة[16].

وعلى أی حال أن أبا صفرة أسلم فی عهد رسول الله على ید عمرو بن العاص، وهو سید بنی عمران بداخلیة عمان، وأنه وفد على أبی بکر الصدیق من ضمن الوفد الذی بعثه جیفر بن الجلندى بن المستکبر ملک عمان، برئاسة أخیه عبد بن الجلندى بن المستکبر بصحبة عمرو بن العاص السهمی[17]. وکان أبو صفرة ضمن قادة جیش عثمان بن أبی العاص، الذی أمر به الخلیفة عمر بن الخطاب عام 15هـ لمنع الفرس من الولوج إلى عمان[18] بعد أن أخرجهم العمانیون من عمان خلال فترة حکم أبی بکر الصدیق.

ولهذا فإن نسب أبی صفرة من العرب وقبائل العتیک الأزدیة، وهذا هو المعتمد فی التاریخ العمانی، وغیرها من المصادر.

وقد دعا لأبی صفرة الخلیفة علی بن أبی طالب، کما دعا له الصحابی سعد بن أبی وقاص، فقال: "اللهم لا تره ذلاً وأکثر ماله وولده"[19]. وقال عنه قطری بن الفجأة -زعیم فرقة الخوارج الصفریة- یوماً لأصحابه: "إن جاءکم المهلب فهو الذی تعرفونه، لا یبدوکم إلا أن تبدأوه، إذا رأى فرصة ینتهزها، فهو اللیث الهزبر، والثعلب المراوغ، والبلاء المقیم"[20]. وأخبار المهلب کثیرة والتاریخ یشهد له ولأولاده من بعده، سواء مع بنی أمیة أم بنی العباس.

منازل أسرة المهالبة:

قبل تناول منازل أسرة المهالبة، یتعین التعرف على وجود عشیرة المهلب من العتیک الذین ینتسبون إلى الأسد بن عمران بن عمر، وهم أزد من قبائل الیمانیة. جاء هؤلاء، حسبما ذکر سابقا فی هذا البحث، بعد مالک بن فهم، وتتویجه ملکا على عمان. واستقروا فی المناطق الشرقیة، بخلاف قبائل الحدان الذین استقروا فی مناطق الحجر الغربی العمانی. ثم انتشرت الأزد فی عمان حتى وصلوا إلى البحرین وهجر. وقد استقر الأسد بن عمر فی أرض الظاهرة، ولا یستبعد استقرارهم فی أدم[21]، وأن الأسد هذا تزوج من کریمة سامة بن لؤی بن غالب، الذی لحق بعمان قادما من مکة، فولدت له العتیک الذی یصل إلیه نسب المهلب بن أبی صفرة العتکی الأزدی.

وهکذا استقرت القبائل وعرفت مواطنها قبیل الإسلام؛ إذ کان ملوک عمان من نسل معولة بن شمس، بعد أن ضعف آل مالک، ولم یبق لآل مالک إلا دبا، وکان علیها لقیط بن مالک الدوسی الأزدی[22]، وهو من نسل لقیط بن الحارث بن مالک بن فهم الدوسی الأزدی. ولقیط بن مالک وکعب بن سور قاضی الخلیفة عمر بن الخطاب على البصرة من ذریة لقیط بن الحارث.

ولقیط بن مالک ارتبط اسمه بردة أهل دبا[23]، وأنه قتل فی أثناء مداهمته من قبل جیش عکرمة بن أبی جهل وحذیفة بن الحصین الغلفانی. وحدثت الردة بعد أن قدم حذیفة بن الحصین إلى عمان لأخذ الزکاة من أهلها جابیا للخلیفة أبی بکر الصدیق. واختلف حذیفة مع إحدى نساء أهل دبا فی نوع الماشیة التی یجب أن یأخذها. وألزمها حذیفة بشاة ذاتها، فاستعانة بقومها، ورجع عنها حذیفة وأرسل الخلیفة أبو بکر إلیه عکرمة، وکتب لجیفر بن الجلندى بن المستکبر أن یکون معینا لحذیفة وعکرمة، وسار الجیش نحو دبا، وقتل لقیط وسبأ أهلها، وأخذوا إلى أبی بکر الصدیق، وزج بأبی صفرة بأنه من جملة الأسرى، وهو غلام[24]. لهذا نسبوا موطن أبی صفرة إلى دبا وهو لیس کذلک.

وکان وصول هؤلاء الأسرى فی بدایة خلافة عمر بن الخطاب، فلحق بالأسرى زعماء الأزد، وهم: سبیعة بن عراک الصلیمی، والمعلى بن سعد الخمامی، والحارث بن کلثوم الحدیدی، وشرحوا حیثیات الموضوع للخلیفة عمر؛ إذ أنها لیست ردة، إنماء سوء فهم بین حذیفة والمرأة وأهل دبا حدیثی الإسلام، فلا زالت النعرات القبلیة لم تخمد، فرد عمر الأسرى.

وعلى ذلک لم تذکر الروایات أن أبا صفرة من الأسرى وهو غلام صغیر، ولم یشر ابن الکلبی (ت:204هـ) إلى ذلک ولا من جاء بعده، إلا الواقدی (ت:230هـ). وأجمعت الروایات العمانیة أن أبا صفرة کان ضمن الوفد السبعین الذی رافق عمرو بن العاص برئاسة عبد بن الجلندى إلى المدینة المنورة[25]، وأکد ابن خلکان ذلک فی کتابه "وفیات الأعیان"[26]؛ لتقدیم الولاء والطاعة لأبی بکر الصدیق. والردة المزعومة حدثت بعد ذلک، فإما أن تکون فی أثناء وجود الوفد فی المدینة المنورة فی ضیافة الخلیفة أبو بکر (ت: الثلاثاء 8 جمادى الآخرة 13هـ)، أو أن أبا بکر أرسل حذیفة بن الحصین بصحبة الوفد عند رجوع الوفد عمان. وینکر العمانیون الروایة التی نقلها ابن الأثیر فی کامله، ومن الذین أنکروها الشیخ خلف البحرانی (من علماء القرن الثانی الهجری)، وأبو قحطان خالد بن قحطان الهجاری الخروصی (من علماء النصف الأول من القرن الرابع الهجری)، وغیرهم.

وقد وفد أبو صفرة على عمر بن الخطاب فی عشرة من ولده وهو شیخ أبیض الرأس واللحیة، وأمره أن یخضب فخضب. وکان أصغر أبنائه المهلب الذی ولد عام 8هـ. وذکر ابن عبد البر أن أبا صفرة أسلم فی عهد رسول الله، فأدى له الزکاة دون أن یراه، وعده ابن هشام صحابیا، غیر أنه أسماه سالم بن ظالم.  فکیف یکون غلاماً فی زمن أبی بکر الصدیق کما حکاه الواقدی، وکان قد نقله ابن قتیبة فی المعارف، وأنکر أن یکون أبو صفرة غلاماً وأُخذ أسیراً.

وأبو صفرة سید بنی عمران، ورئیس العتیک وقائدهم، تولى رئاسة الأزد فی البصرة. وفصیلة أبی صفرة لا تمت بأی قرابة لمالک بن فهم، الذین انتهى حکمهم وآلت قیادتهم فی ذریة الحارث بن مالک کما أشرنا، واستقروا فی دبا. وکان ذو التاج لقیط بن مالک الأزدی زعیما لهم، ولما قتل فی حرب الردة أصبح قائدهم زید بن جعفر الجهضمی.

ومات أبو صفرة ظالم بن سارق فی البصرة عام 38هـ فی خلافة علی بن أبی طالب، وصلى علیه ابن عباس والی البصرة حینئذ، فتولى ابنه المهلب قیادة الأزد[27]، ویروى عن ابن عباس أنه قال: "لقد دفنّا الیوم سید هذه النفرة"[28]. وکان له شأن کبیر حتى توفاه الله عام 83هـ بمرو، وهو والیا على خرسان[29]، فتولى ولایة خرسان من بعده ابنه یزید (53هـ - 102هـ)، وهو الذی عناه الفرزدق فی بیته"

"وإذا الرجال رأوا یزید رأیتهم ☼ خضع الرقاب نواکس الأبصار"[30].

وبعد مقتل یزید بن المهلب فی معرکة العقر بالعراق عام 102هـ[31]، تراجع المهالبة إلى عمان وکان علیها زیاد بن المهلب، واستوطنوا بلادهم أدم، وبنت هند بنت المهلب مسجدا بها لا یزال یعرف بمسجد المهلبیة[32] قبل أن ترجع وتنال عفو الخلیفة یزید بن عبد الملک (101هـ - 105هـ)[33].

أما زیاد بن المهلب فکان والیا على عمان، استقبل إخوته الفارین من جیش مسلمة بن عبد الملک، وطلب زیاد منهم الاستقرار فی عمان. یقول العوتبی إن زیاد قال لإخوته لما قدموا عمان: "قد عرفتم إنی من أکثرکم مالا، فأقیموا بعمان، فإن جاءکم مالا تقوون علیه من الجنود وغلتم فی بلاد السحر، فإنما أنتم مع قومکم، فأبوا"[34]. ورغم أن المصادر تذکر أن زیاد صاحب إخوته إلى مکران وقتل معهم، غیر أن الواقع یقول خلاف ذلک؛ إذ استمر زیاد فی حکم عمان حتى قیام خلافة بنی العباس[35]، ثم تنحّى إلى أدم واستقر بها هو وأولاده. وعرفت المحلة التی سکن فیها آل المهلب فیما بعد بمحلة ألبوسعید. ولهذا فلا غرابة أن یفرد ابن رزیق فی کتابه الفتح المبین[36] فصلا کاملا عن المهالبة یوضح أن آلبوسعید ینتمون إلى هذا البیت. ویؤکد ذلک لما أهدر الخلیفة العباسی المأمون دم أبی عیینة بن محمد بن أبی عیینة بن المهلب المهلبی؛ بسبب قصیدة تعرض فیها لقبائل مضر ونزار، فهرب أبو عیینة إلى عمان، واستقر بها حتى وفاة المأمون (ت: 218هـ)، ثم عاد إلى ضیعته بالبصرة[37]. وفی خزانة جامعة توبنغن الألمانیة فلس ضرب فی صحار عام 141هـ، علیه اسم روح بن حاتم بن قبیصة المهلبی والی السند 159هـ، نقله المهدی لولایة البصرة، ثم أفریقیة عام 170هـ، ومات بها ودفن بجانب أخیه یزید بالقیروان عام 174هـ، ولا نعرف حقیقة هذا الفلس؛ لأن ولاة عمان للدولة العباسیة هما محمد بن الزائدة وراشد بن النظر الجلندانی، وأن روح تردد فی ولایته بین السند والبصرة وأفریقیة.

وهکذا أثبتت الأدلة التاریخیة التی تم مناقشتها سابقا بأن آل المهلب ینتمون إلى عمان، ولم یقطعوا صلتهم بها، وکان یفدون إلیها بین الفینة والأخرى إن داهمهم الخطر من أعدائهم، وفی ذلک أیضا دلالة على عراقة أصلهم، وتأکیدا لهویتهم الوطنیة.

الخاتمة والنتائج:

تثبت المراجع والمصادر التی اعتمدها البحث الحالی أن للمهالبة أدوارا قیادیة وإداریة ونتاجا أدبیا ومعرفیا. وتثبت تلک المراجع والمصادر کذلک أن المهالبة لم یتنکروا لعمان ولعمانیتهم، رغم خروجهم منها، ومشارکتهم فی الفتوحات، وتولیهم خرسان والبصرة وغیرها من الأماکن، بل حینما یحزمهم أمر ما یلجؤون إلى عمان وإن تباعدت المسافات، وإن شعروا بشیء یحاک ضد عمان سارعوا بتنبیه حاکمها بذلک، کما فعل داؤود بن یزید بن حاتم بن المهلب[38].

وکشفت هذه الورقة أن المهالبة ینتسبون إلى العتیک بن الأسد بن عمران بن عمرو بن عامر ماء السماء الأزدی، ویصل نسبه إلى ثعلبة بن مازن بن الأزد المعروف بزاد الرکب. وأن الأسد بن عمران تزوج من هند بنت سامة بن لؤی بن غالب، وأنجب منها ستة أبناء: العتیک، وسهیل، ومالک، وأبا وائل، والحارث، وثعلبة. والعتیک أنجب ولدین الحارث وعوف. وأبو صفرة من ولد الحارث بن العتیک. والحارث هو الجد السادس لأبی صفرة. وأم أبی صفرة هی کبیشة بنت أمیر بن عمرو من بنی عبد القیس. فأصول المهلب عربیة أبا وأمّاً. والمهالبة لا یلتقون مع مالک بن فهم بن غنیم الدوسی إلا فی الأزد بن الغوث بن نبت، إذ أن مَالکا من سلالة نصر بن الأزد، والمهالبة من نسل مازن بن الأزد. وقد أسلم أبو صفرة علی ید عمرو بن العاص، فکان ذهابه للخلیفة أبی بکر الصدیق ضمن الوفد السبعین لمرافقة عمرو بن العاص، وتقدیم واجب العزاء، ومبایعة أبی بکر بالسمع والطاعة. ثم عاود الذهاب إلى المدینة وحظی بمقابلة الخلیفة عمر بن الخطاب، وکان بمعیته أولاده العشرة، أصغرهم المهلب بن أبی صفرة المولود عام 8هـ.

وقد أبرزت الورقة مکانة أبی صفرة بین قومه، ودوره فی الذود عن الدولة الإسلامیة؛ إذ کان متقلدا رئاسة رهط بنی عمران بن عمرو، وکان من ضمن القادة الثلاثة الذین انضموا إلی جیش عثمان بن أبی العاص لمحاربة الفرس فی جزیرة ابن کاوان جزیرة قشم الحالیة.

وفندت الورقة علاقة أبی صفرة بدبا، فلا علاقة له بردة دبا التی کانت تحت قیادة ذی التاج لقیط بن مالک من بنی الحارث بن مالک بن فهم؛ إذ أن أبا صفرة کان کبیرا، وأن المهلب أصغر أبنائه المولود عام 8هـ کما أشرنا. وکشفت الورقة کذلک أن رهط العتیک کانوا یسکنون فی الأرضین الممتدة من الظاهرة حتى أدم، التی کانت مرکزا لتجمعهم قبل وبعد الإسلام. وانبثقت من العتیک قبائل، منها: بنو نبهان الذین ظهروا فی الظاهرة وحکموا عمان حوالی أربعمائة سنة ونیف. وبیّنت الورقة کذلک استقرار مقام المهالبة فی مدینة أدم، کما أن قبیلة آلبو سعید تنسب الآن إلیهم. واختیارهم لهذه المدینة لم یکن بمحض الصدفة أبدا؛ إذ کان بإمکان هند بنت المهلب أن تستقر فی أی مدینة فی عمان بعد معرکة العقر عام 102هـ، کذلک زیاد بن المهلب بعد تنحیته من الولایة عام 132هـ، لکنهم فضلوا موطنهم الأصلی أدم.

[1] ابن الکلبی، أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب (ت: 204هـ) نسب معد والیمن الکبیر. تحقیق ناجی حسن، ط1، عالم الکتب، بیروت:1988، ج2، ص: 466.

[2] ابن خیاط أبو عمر خلیفة. کتاب الطبقات. تحقیق أکرم ضیاء العُمری، ج2، دار طیبة، الریاض:1982، ص: 202

[3] ابن قتیبة، أبو محمد عبدالله بن مسلم (2023-276هـ). المعارف. حققه ثروت عکاشة، ط 4، دار المعارف، القاهرة: 1981م، ص: 485-486

[4] ابن درید، أبو بکر  محمد بن الحسن. الاشتقاق. حققه عبد السلام محمد هارون، مکتبة الحابخی، القاهرة: د. ت. ص: 482

[5] المسعودی، أبو الحسن علی بن الحسین. التنبیه والأشراف.  دار ومکتبة الهلال، بیروت: 1981م، ص: 293-294

[6] ابن حزم، أبو محمد علی بن أحمد الاندلسی. جمهرة أنساب العرب. ط 1، دار الکتب العلمیة، بیروت: 1983م، ص: 367 وما بعدها.

[7] ابن عبد البر، أبو عمر بن یوسف بن عبدالله. الاستیعاب فی معرفة الأصحاب. صححه واخرجه عادل مرشد، ط1، دار الأعلام، عمّان: 2002م، ص: 823-824، رقم الترجمة 3024

[8] العوتبی، سلمة بن مسلم الصحاری. الأنساب.  وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1984، ج 2، ص: 128 وما بعدها.

[9] ابن الأثیر، أبو الحسن عز الدین الجزری.  أسد الغابة فی معرفة الصحابة. تحقیق محمد إبراهیم البناء وآخرون، کتاب الشعب، القاهرة: بدون تاریخ، ج6، ص: 174

[10] ابن رزیق، الفتح المبین، ط5، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 2001،، ص: 19

[11] الأزکوی، سرحان بن سعید. کشف الغمة الجامع لأخبار الأمّة. تحقیق محمد حبیب صالح و محمود بن مبارک السلیمی. ج3، ط2، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 2013م، ج 2 ص: 284

[12] أبو العلا، إبراهیم سلامة. أضواء جدیدة على دور المهالبة السیاسی فی جرجان: 98-386. ج1، الانتشار العربی، بیروت: 2012م، ص: 46

[13] البطاشی، سیف بن حمود. تاریخ المهلب القائد وآل المهلب. ط1، مسقط: 1988م، ص: 18-20

[14] یذکر فی دیوان زیاد الأعجم أن المهلب أشفق علیه فی عجمته فأهداه غلاما ینشده شعره، انظر: الأعجم، زیاد. شعر زیاد الأعجم.  جمع وتحقیق یوسف بکار، ط1، دار المسیرة، دمشق: 1982م، ص: 17 (PDF) انظرا أیضا الأصفهانی کتاب الأغانی، ج13، ص: 89

[15] أبو العلا، المرجع السابق، ص: 47

[16] السالمی، اتحاف الاعیان، ج1، ص: 65

[17] السالمی، تحفة الاعیان، ج1، ص: 59

[18] السالمی، اتحاف الاعیان، ج1، ص: 65

[19] ابن رزیق، الفتح المبین، ص: 19

[20] ابن رزیق، الفتح المیبن، ص: 21

[21] کانت أدم من الحواضر العمانیة، تقع على أطراف الصحراء وکانت المسافة بین أدم وتوام "البریمی" کبیرة وصحراء قلیلة الاستیطان، بخلاف أرض السر. وهذا کانت المنطقة بین المدینتین موطنا للأزد من آل عمران وغیرهم.

[22] الحموی، یاقوت. معجم البلدان. ط2، دار صادر، بیروت:1995م، ج2، ص:435-436

[23] دبا احدى الولایات العمانیة تقع فی محافظة مسندم، تشرف على بحر عمان وسواحلها طویلة تصل إلى120 کم، منها 30کم رملی وبقیة الساحل جبال وخلجان حتى مدخل مضیق هرمز. تبلغ مساحتها 264کم2، عدد قراها 142 قریة، بها قلاع وحصون. ویقع بها سوق دبا الشهیر. وظل السوق حتى بدایة الألفیة الثالثة، والأن بدأت الحکومة فی ترمیمها على النموذج القدیم وهو معلم هام، انظر: مجموعة من المؤلفین، دبا عبر التاریخ، ط1، المنتدى الأدبی، وزرارة التراث والثقافة، مسقط:2016؛ مجموعة من المؤلفین، مسندم عبر التاریخ، ط1، المنتدى الأدبی ، وزرارة التراث والثقافة، مسقط:2002م، ص: 196-203

[24] الواقدی، محمد بن سعد الطبقات الکبرى، ج9، رقم الترجمة 3810؛ الحموی، معجم البلدان، ج2، ص:436

[25] الأزکوی، سرحان بن سعید. کشف الغمة الجامع لأخبار الأمّة. تحقیق محمد حبیب صالح ومحمود بن مبارک السلیمی. ج3، ط2، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 2013م، ص: 108

[26] ابن خلکان، وفیات الأعیان. ج4، ص: 323-229.

[27] الواقدی، الطبقات الکبرى، ج 9، رقم الترجمة 3842

[28] الصقری، محمود بن ناصر. المهلب بن أبی صقرة. ط1، دار کنوز المعرفة، عمّان: 2017، ص:18

[29] الزرکلی، خیر الدین. الأعلام. ط 6، دار العلم للملایین، بیروت:1984م ، ج7 ص: 315

[30] الزرکلی، الأعلام، ج8، ص: 189-190

[31] ابن خیاط، خلیفة. تاریخ ابن خیاط. تحقیق مصطفى نجیب فواز وآخرون، ط1، دار الکتب العلمیة، بیروت:1995م، ص:208

[32] انظر الملحق

[33] العوتبی، الانساب، ج 2، ص: 156

[34] نفسه.

[35] الأزکوی، کشف الغمة، ج3، ص: 115

[36]  ابن رزیق، حمید بن محمد. الفتح المبین فی سیرة السادة آلبوسعیدیین. وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1984، ص: 21-33

[37] البطاشی، المهلب وآل المهلب، ص173

[38] انظر ترجمته فی: الزرکلی، الأعلام، ج 8، ص 180؛ ابن خلکان، ج6، ص 278
 

  • ابن الأثیر، أبو الحسن عز الدین الجزری.  أسد الغابة فی معرفة الصحابة. تحقیق محمد إبراهیم البناء وآخرون، ج 6، کتاب الشعب، القاهرة: بدون تاریخ
  • ابن الکلبی، أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب (ت: 204هـ) نسب معد والیمن الکبیر. تحقیق ناجی حسن، ج1، ط1، عالم الکتب، بیروت:1988، ج2،
  • ابن حزم، أبو محمد علی بن أحمد الاندلسی. جمهرة أنساب العرب. ط 1، دار الکتب العلمیة، بیروت: 1983م
  • ابن خلکان، وفیات الأعیان. ج4.
  • ابن خیاط أبو عمر خلیفة. کتاب الطبقات. تحقیق أکرم ضیاء العُمری، ج2، دار طیبة، الریاض:1982
  • ابن خیاط، خلیفة. تاریخ ابن خیاط. تحقیق مصطفى نجیب فواز وآخرون، ط1، دار الکتب العلمیة، بیروت:1995م
  • ابن درید، أبو بکر محمد بن الحسن. الاشتقاق. حققه عبد السلام محمد هارون، مکتبة الحابخی، القاهرة: د. ت.
  • ابن رزیق، الفتح المبین، ط5، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 2001،
  • ابن رزیق، حمید بن محمد. الفتح المبین فی سیرة السادة آلبوسعیدیین. وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1984
  • ابن عبد البر، أبو عمر بن یوسف بن عبدالله. الاستیعاب فی معرفة الأصحاب. صححه واخرجه عادل مرشد، ط1، دار الأعلام، عمّان: 2002م، رقم الترجمة 3024
  •  ابن قتیبة، أبو محمد عبدالله بن مسلم (2023-276هـ). المعارف. حققه ثروت عکاشة، ط 4، دار المعارف، القاهرة: 1981م
  • أبو العلا، إبراهیم سلامة. أضواء جدیدة على دور المهالبة السیاسی فی جرجان، ج1، الانتشار العربی، بیروت: 2012
  •  الأزکوی، سرحان بن سعید. کشف الغمة الجامع لأخبار الأمّة. تحقیق محمد حبیب صالح و محمود بن مبارک السلیمی. ج2 ط2، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 2013م
  •  الأعجم، زیاد. شعر زیاد الأعجم.  جمع وتحقیق یوسف بکار، ط1، دار المسیرة، دمشق: 1982م) 
  •  البطاشی، سیف بن حمود. تاریخ المهلب القائد وآل المهلب. ط1، مسقط: 1988
  •  الحموی، یاقوت. معجم البلدان. ج2، ط2، دار صادر، بیروت:1995م
  •  الزرکلی، خیر الدین. الأعلام. ج6، ج8، ط 6، دار العلم للملایین، بیروت:1984م ، ج7
  •  السلیمی. ج3، ط2، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 2013م
  •  الصقری، محمود بن ناصر. المهلب بن أبی صقرة. ط1، دار کنوز المعرفة، عمّان: 2017
  •  العوتبی، سلمة بن مسلم الصحاری. الأنساب.  وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1984، ج 2، ص: 128 وما بعدها.
  •  مجموعة من المؤلفین، دبا عبر التاریخ، ط1، المنتدى الأدبی، وزرارة التراث والثقافة، مسقط:2016
  •  مجموعة من المؤلفین، مسندم عبر التاریخ، ط1، المنتدى الأدبی ، وزرارة التراث والثقافة، مسقط:2002م
  •  المسعودی، أبو الحسن علی بن الحسین. التنبیه والأشراف.  دار ومکتبة الهلال، بیروت: 1981م
  •  الواقدی، محمد بن سعد الطبقات الکبرى، ج9، رقم الترجمة 3810