المهلب بن أبي صفرة مثال للدبلوماسیة العالمیة العمانیة
الباحث المراسل | محمد القدیری | باحث وصحفي- دولة الكويت |
یرجع نسب المهلب بن أبی صفرة الأزدی العمانی العربی المسلم إلى قبیلة الأزد التی هاجرت من الیمن، بعد انهیار سد مأرب، إلى عمان بزعامة مالک بن فهم، وانتشر أبناؤها بعد ذلک فی عمان وحواضر العراق المختلفة کالبصرة وبغداد والنجف والکوفة. والمهالبة أسرة من نسل الزعیم العربی ظالم بن سارق، الملقب بأبی صفرة. وقد خلف أبو صفرة عددا من الأبناء والبنات منهم القائد والفارس المهلب بن أبی صفرة الذی ولد سنة تسعة للهجرة، ونصّب والیا وعمره لا یتجاوز27 عاما.
ورث المهلب مجد أبیه فی قیادة الفتوحات الإسلامیة فی بلاد فارس وشرقها حتى حدود الهند. وفی عهد الخلیفة معاویة بن أبی سفیان استمرت الفتوحات الإسلامیة شرقا بقیادة المهلب بن أبی صفرة، الذی ضم إلى الدولة الإسلامیة منطقة خراسان وما جاورها کسمرقند وبخارى. وبعد وفاة الخلیفة الأموی یزید بن معاویة، وبدایة الفتنة فی الدولة الأمویة، ترک المهلب خراسان وانسحب منها بسلام إلى البصرة. وعندما هاجم الأزارقة مدینة البصرة وما حولها وعاثوا فیها فسادا وأهلکوا الحرث والنسل، طلب أهلها النجدة من المهلب وأبنائه، الذین تمکنوا من حمایة البصرة من الأزارقة بل وقتلوا قائدهم قطری بن الفجاءة ولاحقوا فلوله حتى منطقة کرمان- ما یعرف بإیران حالیا-. وبعد وفاة المهلب بن أبی صفرة عام 82هـ، تولى أبناؤه الفتوحات الإسلامیة وولایة الأمصار فی شرق الإمبراطوریة الإسلامیة وغربها، ولکثرة وجود المهلب وأبنائه وأحفاده فی البصرة، ودوره فی تحریرها من الأعداد سمیت بـ "بصرة المهلب" کما دوّن وکتب المؤرخون.
وإن کان المهلب بن أبی صفرة یجسد فترة خالدة فی التاریخ العمانی الممتد عبر قرون طویلة، فإن هناک فرسانا آخرین یمثلون الحضارة العمانیة الأصیلة فی التاریخ والأدب والفن والدبلوماسیة والفقه والاقتصاد وغیره. وأود هنا أن أتحدث عن فارس آخر فی الحقل الدبلوماسی والسیاسی والاقتصادی، رفع رایة عمان فی المحافل الدولیة، وفتح عیون دول العالم فی منتصف القرن التاسع على أهمیة عمان فی التاریخ الحدیث، وهو أول مبعوث سیاسی دبلوماسی عربی إسلامی فی بلاط واشنطن دی سی، وقد کتبت سابقا عن هذا الفارس فی الصحافة الکویتیة. إنه أحمد بن النعمان أو النعمانی الذی عاش فی عهد السید سلطان بن سعید 1804- 1856م. ولد أحمد بن النعمان بن محسن بن عبدالله الکعبی البحرانی فی البصرة فی عام 1790م، وترعرع فی جنباتها، وتعلم فیها، ثم وصل إلى مکانة الکاتب والسکرتیر لدى جناب السید سلطان بن سعید حاکم إمبراطوریة عمان فی ذلک الوقت. ولم تکن العلاقات الأمریکیة العربیة معروفة على المستوى الدولی آنذاک، وإنما کانت هناک اتصالات بین المغرب والولایات المتحدة، تعود إلى عام 1777م. وبعد توقیع اتفاقیة التجارة بین عمان وأمریکا فی 1833م، قرر السید سعید بن سلطان دفعها إلى مستوى أعلى، حین قرر إرسال مبعوثا دبلوماسیا وتجاریا على مستوى رفیع إلى الولایات المتحدة الأمریکیة.
کانت مهمة المبعوث العمانی تسلیم رسالة من زعیم الإمبراطوریة العمانیة إلى رئیس الولایات المتحدة الأمریکیة، مارتن فان بورن، وتقدیم الهدایا التی تعبّر عن غنى ورقیّ وعظمة الإمبراطوریة العمانیة، وهی: جوادان عربیان أصیلان، وجواهر نفیسة منها لؤلؤتان من الحجم الکبیر الکمثری، وعقود من اللؤلؤ الطبیعی، و120 قطعة ألماس کبیرة تزن 18 قراطا، وسیف سعیدی مطعّم بالذهب، وعطورات فاخرة منوعة، وتوابل من جزیرة التوابل من عاصمة الإمبراطوریة ذاک الوقت زنجبار، وشالات کشمیریة وقطع سجاد إیرانی بدیعة الصنع والنقوش.
وصلت السفینة سلطانة التی تحمل المبعوث العمانی إلى مدینة نیویورک فی 30 من إبریل عام 1840م، بعد رحلة طویلة من زنجبار استمرت 3 أشهر. وبعد أخذ ورد طویلین فی الکونجرس الأمریکی ودوائر الحکومة الأمریکیة، قررت الإدارة الأمریکیة قبول الهدایا وإرسال هدیة مقابلة من الرئیس الأمریکی إلى سلطان عمان، وهی عبارة عن باخرة حدیثة مؤثثة، وبنادق ومسدسات وغیرها. ولقد جاءت هذه الرحلة إدراکا من السید سعید بن سلطان لأهمیة دور الولایات المتحدة فی المنطقة، ومستقبل تطور العلاقات التجاریة والدولیة. فبعد هذه الزیارة نشطت الدبلوماسیة الأوروبیة فی فتح مکاتب قنصلیة وتجاریة فی مسقط وزنجبار. واستمر الدبلوماسی المبعوث الخاص أحمد النعمانی یعمل لدى السلطان سعید حتى وفاته 1876م، ثم عمل مع خلیفته فی زنجبار السلطان ماجد بن سعید.
وقد یتساءل بعضهم، لماذا اهتم الطرفان العمانی والأمریکی فی تعزیز علاقاتهما الدبلوماسیة والتجاریة فی ذلک الوقت؟ والإجابة على ذلک التساؤل تکمن فی القوة البحریة العمانیة مقارنة بالقوة البحریة الأمریکیة فی منتصف القرن التاسع عشر. فقد نشرت جریدة ألتون أوبزیرفر الأمریکیة نقلا عن جریدة نیویورک إکسبرس بتاریخ 9 مارس 1837م، مقالا یعرّف بمسقط –عمان والقوة التجاریة والعسکریة الکبیرة للسید سعید بن سلطان. ویشیر المقال إلى أن الحاجة کانت ملحة فی الدوائر الأمریکیة للحصول على معلومات عن عمان، والمنطقة بشکل عام، عقب توقیع الاتفاقیة التجاریة العمانیة الأمریکیة سنة 1833م. فقد صور المقال، الذی حمل عنوان: (مسقط وأسطولها وتجارتها)، للقارئ الأمریکی قوة عمان البحریة والاقتصادیة بشکل مهیب، إذ ورد فیه "لو علم أی من القراء أن سلطان مسقط یملک قوة بحریة تکاد تکون بحجم وضخامة البحریة الأمریکیة ربما ارتاب فی ذلک ما لم یطّلع على الحقائق بنفسه، فالسلطان سعید یمتلک قوة بحریة تمنحه یدا طویلة فی کل موانئ شرق أفریقیا والبحر الأحمر والخلیج العربی، وتتکون هذه القوى البحریة من سفن یتراوح عددها بین سبعین إلى ثمانین سفینة شراعیة، تحمل عددا من المدافع ما یربو إلى 74 مدفعا، ویمارس ضباط هذه القوة البحریة المراقبة القمریة، ولدیهم أجهزة مقاسات بحریة ممتازة. ومنذ توقیع اتفاقنا التجاری مع السلطان سعید 1833م ، بدأت سفننا القیام بالتجارة الرائجة هناک على الرغم من أن تجارنا یواجهون منافسة کبیرة من البریطانیین وغیرهم الذین یستفیدون من ممتلکاتهم فی شبه القارة الهندیة".
فهکذا تکمن أهمیة الزیارة التی قام بها المبعوث الدبلوماسی التجاری للسید سعید بن سلطان إلى نیویورک وواشنطن دی سی، فی أنها محاولة لإیجاد مناطق نفوذ لدى الأمریکان وتأسیس لمشاریع تجاریة معهم. فکان للسلطان سعید بن سلطان رؤیة بعیدة بالذهاب إلى هذه الدول، وإقامة علاقات دبلوماسیة وتجاریة معها؛ لکی یحافظ على نفوذه وعلاقاته الدولیة فی ذلک الوقت؛ نظرا للتنافس التجاری بین الدول الکبرى آنذاک: فرنسا وبریطانیا والبرتغال وإسبانیا وهولندا.