معالم الشعر التعلیميّ عند الشیخ منصور بن ناصر الفارسي
الباحث المراسل | د. سالم بن سعید البوسعیدي | وزارة التربية والتعليم |
الشعر التعلیمیّ قسمٌ من أقسام الشعر الکبرى، وهو الشعر الذی یتمّ بواسطته عرض علم من العلوم عن طریق النظم الشعریّ، وبتعبیر آخر هو النظم الذی یشتمل علی المضامین الأخلاقیّة، أو الدینیّة، أو الفلسفیّة، أو التاریخیّة أو التعلیمیّة عموماً، فهو ذو قالب شعریّ ومضمون علمیّ، لیس شعراً خالصاً، وفی الوقت نفسه لا یستطیع أن یجاری العلم فی دقته وشموله. ویسمّى عند العرب بالمنظومات التعلیمیّة([1]).
ظهر الشعر التعلیمیّ حین فَطِنَ مُصَنِّفُو العلومِ إلى أنه بالإمکان توظیفُ نظمِ الشعر وإیقاعاته فی صیاغة منظومات علمیّة تُسهم فی تسهیل العلوم وحفظها. ویمکن حصر أهم مجالات الشعر التعلیمیّ فی:
1-الشعر التعلیمیّ الدینیّ، ویشمل العلوم المرتبطة بالدین الإسلامیّ کعلوم القرآن والحدیث النبوی والعقیدة وأصول الفقه والفقه وغیرها.
2-الشعر التعلیمیّ اللغویّ والأدبیّ، ویشمل علوم اللغة العربیّة من نحو وصرف وبلاغة وعروض، وشعر المعانی الذی یکون غرضه تنمیة الحصیلة اللغویّة، ومنظومات الأدب العربیّ.
3-الشعر التعلیمیّ التاریخیّ والقصصیّ، ویشمل التاریخ والسیر والقصص، والأنساب، وتسلسل الحوادث وترتیبها.
4-الشعر التعلیمیّ التوجیهیّ والفلسفیّ، ویشمل الفلسفة والتصوّف والوعظ والأخلاق، وما ینبغی للإنسان أن یکون علیه، وما یجب أن یتحاشاه ویتباعد عنه، ویسلک الشاعر فی ذلک أسالیب الترهیب والترغیب والنصح والعظة.
5-الشعر التعلیمیّ العلمیّ، وهو یعرض للعلوم والصناعات، فیقرر الحقائق المتعلّقة بشأنها، کعلوم الطب والهندسة والفلک والزراعة، فیضع لها القواعد ویستنبط لها القوانین.
ویمکن أن نضیف الشعر التعلیمیّ الترفیهیّ، الذی یعرض لقواعد وفنون ترفیهیّة مثل قواعد المجون والألغاز.
الشعر التعلیمیّ العربیّ ظاهرة تربویّة وعلمیّة وحضاریّة وأدبیّة کان لها حضورها الواسع، خاصّة أنّها کانت عصب المناهج التقلیدیّة فی المساجد والکتاتیب، وهی تعتمد بشکلٍ واضحٍ على المتون العلمیّة الفقهیّة واللغویّة والتاریخیّة والعقدیّة والعلمیّة، فهی ظاهرة واضحة جلیّة فی الثقافة العربیّة. تستحق أن تدرس وهو ما دعا الباحث لهذه الدراسة عن الشعر التعلیمی عند الشیخ منصور الفارسی حیث قسّم الباحث هذه الورقة إلى مقدمة ومحورین وخاتمة، فتناول فی المقدمة تعریف الشعر التعلیمی. وتناول فی المحور الأول عوامل اهتمام الشیخ الفارسی بالشعر التعلیمیّ مسلّطا الضوء على أهم عاملین وهما: مسایرة ثقافة المجتمع أولا، وثانیا تلبیة حاجة المجتمع. ثم تناول فی المحور الثانی ملامح الشعر التعلیمی عند الشیخ الفارسی فی دیوانه «سموط الفرائد على نحور الحسان الخرائد» مبینا أهم مجالاته وهی: الشعر التعلیمیّ الدینی، والشعر التعلیمی التاریخیّ، والشعر التعلیمی التوجیهیّ، والشعر التعلیمی السلوکیّ، مسلّطا الضوء على ملامح الشعر التعلیمیّ عنده وأهم سماته الفنیّة والأسلوبیة، واستعرض الباحث فی الخاتمة أهم النتائج والتوصیات.
المحور الأول:
عوامل اهتمام الشیخ بالشعر التعلیمی:
اهتم الشیخ الفارسی بالشعر التعلیمی اهتماما کبیرا، ومن یطالع آثاره یجد أکثرها ینتمی إلى هذا الباب، ولعل من أهمها:
- سموط الفرائد على نحور الحسان الخرائد، وهی قصائد شعریة جمعها الشیخ منصور ضمن کتاب واحد، وقد قسمه إلى اثنی عشر باباً.
- عنوان الآثار یتضمن أسئلة وأجوبة فقهیة نثریة ونظمیة لعدد من العلماء.
- الدرة البهیة فی علم العربیة، وهو شرح لأرجوزة فی النحو والصرف نظمها المؤلف بنفسه، ویقع فی جزء واحد.
- ریاض الأزهار وحلیة الأسفار، وهو قصائد فی الأدیان والأحکام، بلغت تسعا وثلاثین قصیدة. به ما یزید عن سبعة آلاف بیت، وتتجلى فیه غزارة العلم وقوة الحجة والمنطق.
- مسائل وأجوبة نثریة ونظمیة متفرقة، ومنها فی کتاب إرشاد السائل إلى معرفة المسائل للعلامة السید حمد بن سیف البوسعیدی، وکتاب زاد الأنام للعلامة سیف بن محمد الفارسی.
- منظومة العقد الفرید فی خالص التوحید وقام بشرحها العلامة حمد بن عبید السلیمی، وطبعت ضمن دیوانه سموط الفرائد.
ولعل أهم سببین یقفان وراء اهتمام الشیخ بهذا الفن مسایرة ثقافة المجتمع أولا، وثانیا تلبیة حاجة المجتمع.
أولا: مسایرة ثقافة المجتمع العمانی:
یقول هلال الحجریّ فی مقدمة کتابه (حداثة الأسلاف(: «لیس من باب المبالغة إذا ذهبنا الى أنّ دیوان الشعر العمانیّ یمثّل ثلث دیوان الشعر العربیّ القدیم، وأنّه ظل مغموراً ومطویّاً حتى عن معظم أهله وذویه. فمن حیث الکم یشکل النظم -بمعناه الذی یقابل النثر-لغة تکاد أن تکون أشیع وسیلة للخطاب بین الناس، حتى لقد قالوا «خلف کل صخرة عمانیّة شاعر»، وهذه الجملة وإن کان من الصعب هضمها فنیّاً لحساسیّة کلمة «شعر» ومسؤولیتها الفنیّة وعدم مجانیتها، إلا أنّها مؤشر قوی الى العدد الهائل ممّن یتعاطون الشعر -بمفهومه التقلیدیّ-فی عُمان. والیوم یدرک المثقفون العمانیّون جیداً أنّ هناک فجوة عمیقة بین جیل الشباب من المثقّفین وموروثهم الشعریّ والأدبیّ، وذلک إمّا لتورّط بعضهم فی المفهوم القاصر والأبله «للحداثة» من حیث الاکتفاء بثقافة الصحف والمجلّات والمقاهی ونحوها، وتصعیر الخد لکل موروث وإن کان إبداعاً أصیلاً، وإمّا لانطلاق بعضهم من أصول عرقیّة لا أحد یعرف مداها»([2])!
والذی ینظر إلى کلام الحجریّ الآنف یظن أنّ الرجل یبالغ فی جعل الشعر العمانیّ ثلث دیوان الشعر العربیّ القدیم، وفق مفهوم الشعر التقلیدیّ عند العمانیین –الذی یشمل النظم العلمیّ- غیر أنّ الکم الهائل من المنظومات العلمیّة هو الذی دفعه إلى هذا القول، « فلا یکاد یوجد عَلمٌ إلا وله مؤلّف نظمیّ أو منظومة، وهذا إن دلّ على شیء فإنما یدل على أنّ هذا المجتمع شبّ على العروبة، مع الاحتفاظ بمفردات الهویّة والبلد، فنجد الفرد ینشأ غالباً وهو یتغنّى بهذه المنظومات، وهو یسمعها فی الکتاتیب والمجالس التی تستحوذ على أکثر وقت المجتمع غیر وقت العمل»([3]). بل أصبح النظم هو وسیلة التدوین الأولى فی معظم المجالات، فعندما قام السلطان برغش بن سعید برحلة فی أوربا فإنّ کاتبه زاهر بن سعید تولّى صیاغة الرحلة شعراً فی کتابه (تنزیه الأبصار والأفکار فی رحلة سلطان زنجبار). وقبل ذلک سجل الملاّح العمانی المشهور أحمد بن ماجد معلوماته القیّمة فی علوم البحار فی شکل أراجیز، أمّا علوم الفقه وما یتصل بها فیشیع فیها المنظومات إلى حدٍّ بعید، وکتبها تحظى بالنصیب الأکبر من المخطوطات العمانیّة.
ونظراً لخطورة النظم وشیوعه فی عُمان وتفضیل العمانیین له، نجد أنّه کان الوسیلة المثلى للترویج لأیّة فکرة، ولو کانت شاذة على المجتمع، فیروی نور الدین السالمیّ فی کتابه (تحفة الأعیان) قصة عن مدى خطورة الذین یتلاعبون بقدرتهم على النظم فی تغریر الناس، وهو یورد رسالة کتبها أحد أئمة الیعاربة بنفسه وهو السلطان بلعرب بن سلطان (ت1104هـ) إلى أحد العلماء ینبهه فیها إلى أنّ «رجلاً من مخالفینا جاء إلى الصیر([4])، وصار له شأن عظیم، وصار له مجلس یجتمع فیه مئة رجل فصاعداً من قومنا، وصار متطاولاً تیّهاً بذیله على دیننا، ویفتی فی الأثر نظماً ونثراً، ویمتحن أصحابنا بمسائل، وأرسلوا لنا مسألة فی بعض امتحانه لهم وطالب جوابها، والمسألة فی هذه شعراً»([5])، ثم یورد مسألة منظومة حول بعض مسائل المیراث یتلاعب فیها صاحبها بالألفاظ، ویعلّق علیها الشیخ بما یبیّن وجه الصواب»([6]).
بل وصل الأمر إلى أن تنظم الأسئلة إلى المختصّین فی کل مجال، فیجیب المختص نظماً کذلک، ویکون السؤال والجواب على نفس الوزن والقافیة وهذا النوع من الأسئلة والأجوبة شدید الشیوع فی عُمان فی کل العصور حتى عصرنا الحاضر، ومن یتابع کتاباً مثل (شقائق النعمان) یجد أسئلة من ذلک اللون تتکرر على ألسنة جمیع الشعراء، بل إنّ السؤال کثیراً ما یتحوّل إلى «لغز» لکی یمتحن فیه قدرة المتلقّی على معرفة دقائق العلم وغرائبه من ناحیة، ودروب الکلام من ناحیة ثانیة، وتکون عدم القدرة على الإجابة شهادة ضمنیّة لناظم السؤال بطول باعه وأحقیّته فی مجال العلم وربّما فی مجالات أخرى.([7])
ویمکننا الاستشهاد هنا على انتشار هذا الفن واهتمام العلماء به فی القرن الرابع عشر حیث عاش الشیخ الفارسی، حیث نجد «أنّ عدد الشعراء النظّام یفوق خمسمائة ناظم وشاعر، یتصدّرهم الشیخ سالم بن حمود السیابیّ، إذ جاوزت آثاره العلمیّة تسعین مؤلّفاً، فهو صاحب أکبر نظم علمیّ فی العالم العربیّ قدیماً وحدیثاً، حیث زادت أبیات کتابه (إرشاد الأنام فی الأدیان والأحکام) على مئة وعشرین ألف بیت، ونظمه فی هذا الکتاب یقارب ضخامة نظم الشیخ محمد بن شامس البطاشیّ الذی بلغ مئة وأربعة وعشرین ألف بیت فی کتاب (سلاسل الذهب)، ولکنّ السیابّی یفوق هذا العدد بکثیر إذا جمعنا نظمه فی کتبه الأخرى»([8]).
ومن أجوبة الشیخ النظمیة جوابه لسؤال الشیخ موسى بن عیسى البکری الذی مطلعه:
یــــــــا صاح قم لا تنمِ
..واکتسب العلـــم لکی
فإنـمــــــــا یحصل بالد
وبــحــــــــث کل ماهرٍ
کـتالحبر منصور بن نا
وبــــالإلــــــه اعتصــمِ
تحظـــى بخــــیر النعمِ
درس وبــــالتعلّـــــــــم
فــــی العلم بحــر قلزم
صــــــر حمیــــد الشیم
وبعد مدح طویل یطرح سؤاله:
ما القول فی شخص له
وهـــــــو لــــه من أمه
هل یحرمن جمعهمــــا
أخـــــت أبٍ مکـــــرم
کـذاک أخــــــت فاعلم
للـمرء أم لم یحــــــرمِ
ثم یختم بالتکرم بالفتوى:
أنــعــــم بکشف نوره
وارشـــد بلیدا جـاهلا
وصل ربی دائمـــــــا
یقشـــــع داجـی الظلم
عن منهج الحـق عمی
للمصطفـــــــى وسـلّم
فیجیبه الشیخ متواضعا، یقول فی مطلع جوابه:
لســت الفتى بالمنتمی
علــــوت فی نعتی فلم
للفضــــل رب الکرم
أرض به من قِســـــم
ثم یجیبه قائلا:
أخـت امرئ للأم مع
جمعهمــــــــا تزوّجا
إذ لیــــــس ما بینهما
أخـــــــت أبیه تنتمی
تحـــت فتى لم یحرم
من نســـب أو محرم
ثم یستطرد الشیخ فی ذکر الأقوال والأدلة والبراهین، ویختم بقوله:
فـــاعمـل بحق شمته
ثـــــــم الصلاة دائما
وآلـــــــــــه وصحبه
منهــــا وإلا فاحتمی
علــــى النبی الأعظم
الغر الکرام القوّم([9])
تتضح من خلال النموذج السابق بعض سمات هذا الفن وأهمها:
- علاقة السائل بالمجیب إنّها علاقة تجمع التلمیذ بأستاذه، ولهذا تکون اللغة لطیفة، وتجمع بین اللطف والطرافة والمخاطبة بأحسن الأسماء.
- نلاحظ فی طبیعة هذه الأسئلة النظمیة أنّها تتّسم بالعمق، وکأنّها بذلک تجذب الانتباه لمتابعتها، وأحیانا تکون المسألة مختلف فیها فالمطلوب من المجیب الفصل فیها.
- نلاحظ أنّ هذا النمط من النظم من أنماط الحوار العلمی، ویشکّل بنیة تواصلیة تحاور الآخر وتناقشه، وهی تخضع لبنیة حجاجیة استدلالیة وآلیات خطابیة تخاطب العقل والوجدان، بحیث یتفاعل مع السائل والمسؤول، والمستفتی والمفتی.
- السؤال عادة یجبر المجیب على إجابته على نفس البحر والقافیة، وکأنّه یختبر مقدرته الفنیّة واللغویّة، کما أّنّ السؤال الذی یوضع فی أسلوب راقٍ یجبر المجیب أن یجیب محاولاً الوصول لمستوى أسلوب السؤال، فهناک نوع من التنافس الفنیّ بین السائل والمجیب.
ثانیا: تلبیة حاجة المجتمع:
یمکننا القول أنّ الشیخ الفارسی اهتم بالشعر التعلیمی اهتماما کبیرا، لما لمسه من حاجة المجتمع إلیه وتلمّس آثاره ومن أهمها:
أولاً: الحاجة التربویة والتعلیمیّة: ویمکن تلمّس هذه الحاجة فی أمرین:
حاجة المدارس التقلیدیّة العمانیّة([10]) إلى مناهج، فرأى المربّون والعلماء أنّ تأطیر العلوم بالشعر یسهّل على المتلقّی أبحاث هذه العلوم؛ نظراً لما تشتمل علیه العلوم من جمود وجفوة وشدّة، فکان القالب الشعریّ مدخلاً مناسباً جمیلاً لهذه العلوم، کما أنّه کان مجالاً لتعلیم اللغة من خلال الألفاظ والمرادفات والمصطلحات التی یشتمل علیها النظم. ممّا أدّى إلى کثرة الطلب على هذه المنظومات.
الأمر الثانی: حاجة العالم لها فی تنظیم الحلقات العلمیّة التی غالباً ما تعقد فی المجالس أو بیوت أحد العلماء، بل أصبحت المساجد بمثابة معاهد تعقد فیها دروس الفقه والعقیدة والمنطق والفلک والأدب والتاریخ، وخرّجت هذه المعاهد کبار العلماء، فیقوم العالم بدوره التعلیمیّ، وغالباً ما یعتمد على متن منظوم؛ لأنّ کثیراً من الناس لا تقرأ، ویلذ لها السماع النظمیّ ثم الحفظ.
فیقرأ المتن أندى الحضور صوتاً، بینما یقوم الشیخ بالتعلیق والشرح الخفیف. وتتمیز هذه الشروح بمراعاة مستوى المخاطب، وعدم الإفراط فی القضایا الجانبیّة، بل لا یتعدى شرح البیت مقدار جملتین أو سطرین. وأحیاناً یحبّذون قراءة کتب الفتاوى النظمیّة، سؤال منظوم ویکون الجواب على نفس الوزن والقافیة، وتتمیز الأسئلة بالطرافة وإعمال العقل وتنوّع الأغراض، کما تتنوّع القافیة والأوزان، وهنا یأخذ المتلقّی زاداً لغویّاً وتاریخیّاً وعلمیّاً ومعرفة بأعلام العصر.
کان الشیخ منصور ممن خبر التدریس ونشأ فی ظل المدارس الموجودة سابقا، فنهل منها، وعلم أن النظم أحد أعمدة مناهجها وهو الأنفع للحفظ والاستظهار لصعوبة استنساخ الکتب، فقد عیّنه الإمام الخلیلی مدرساً للعلوم الدینیة فی بلده فنجا عام 1339هـ واستقر فی مسجد الجماعة بفنجاء فتخرج على یدیه مجموعة من العلماء والفقهاء والأدباء، ولما عیّنه الإمام الخلیلی قاضیاً على نزوى خلفاً للعلامة عبدالله بن عامر بن مهیل العزری الذی توفی سنة 1361هـ أسس العلامة منصور مدرسة علمیة بعدما ذاع صیته وقصده طلبة العلم فکان یخصص الفترة المسائیة من بعد المغرب للمدرسة، بینما یتفرّغ صباحا للقضاء وفض المنازعات وینجز مصالح الناس. وتخرج من هذه المدرسة ما یزید عن الأربعین طالباً.
ثانیاً: الحاجة المذهبیة: حیث ینتمی أغلب هؤلاء العلماء إلى المذهب الإباضیّ، وهو مذهب أقلیّ، وسط منطقة تحیط بها مذاهب مختلفة، خاصّة مع دخول بعض الکتب التی کتبها علماء المذاهب الإسلامیّة الأخرى والتی تتهم المذهب الإباضیّ بالخروج عن الدین، ممّا حتّم على العلماء الرد على هذه الأفکار عن طریق المنظومات؛ لضمان سیرورتها وحفظها خاصّة من قبل العوام فی المجالس العامّة. ولهذا نجد المنظومة العقدیة حاضرة بقوة عند الشیخ الفارسی، بل لعل أشهر منظوماته (العقد الفرید فی خالص التوحید) وهی تصبّ فی هذا الجانب بامتیاز.
ثالثا: حاجة المجالس والاستفادة منها: فقد شکّلت المجالس علامة بارزة فی المجتمع قدیماً وحدیثاً، کما کانت-ولا زالت-مفردة مهمّة من مفردات الحیاة العمانیّة، وهی أنواع منها: «السبلة» أو مجلس العرب، وهی مؤسسة اجتماعیّة ذات ملکیّة عامّة تمثل مقراً لاجتماع رجال القریة أو الحارة أو القبیلة، لیتناقشوا ویتباحثوا فی أحوالهم أو حیاتهم، کما تقام فیها ولائم المناسبات الاجتماعیّة، أو الدینیّة، وتقام فیها المآتم والتعازی. وقد تعقد بشکل یومیّ تقوم على أساس القراءة فی کتب الأدب والفقه والتاریخ ونحوها من الفنون، ویتولّى القراءة فیها صاحب الصوت الحسن المرتفع، ویقوم أهل العلم والفقهاء بالتعلیق والشرح عندما یلزم الأمر، ووقتها عادة بین المغرب والعشاء، وکثرة هذه المجالس العامّة والخاصّة، کان لها أثرها فی شیوع المنظومات، فالعادة أنّ ما یُقرأ فی هذه المجالس أکثره نظم، فمن خلاله یتمّ تقدیم المعلومة فی قالب موسیقیّ جمیل. بل هناک منظومات أو کتب وُضعت خصیصاً لتلبیة حاجة المجالس مثل کتاب (بهجة المجالس) لخلفان بن جمیل السیابیّ، الذی ألّفه من خلاصة تجربته العلمیة مع المجالس. کما شاع فی هذه المجالس فن الأسئلة والأجوبة النظمّیة التی تربط بین الفقه والأدب، ففی الوقت الذی یتعلّم فیه طالب العلم أمور الدین، یهذّب نفسه باللغة ویطوّع لسانه لمختلف فنونها وینمّی ذوقه اللغویّ والأدبیّ ([11]).
وکان للشیخ مجلس علمی ینافس المجالس العلمیة فی عصره ویمتلئ بالطلاب والعلماء، ولعل دیوان الشیخ «سموط الفرائد على نحور الحسان الخرائد» إنما کتب لهذا الغرض.
تلک أهم الأسباب والعوامل التی جعلت الشیخ الفارسی یهتم بهذا الفن التربوی الفنیّ الراقی.
المحور الثانی: ملامح الشّعر التعلیمیّ عند الشیخ الفارسیّ (فی دیوان سموط الفرائد):
أولا: الشعر التعلیمی الدینیّ
الشعر التعلیمیّ الدینیّ فی عمان له حق الصدارة على أنواع الشعر التعلیمیّ الأخرى لسببین: أولهما: لأنّه الأسبق ظهوراً، فقد کانت أوائل المنظومات العُمانیّة دینیّة. والسبب الثانی: لکثرة هذا النوع من المنظومات، فلا یکاد یحضر أیّ جانب من جوانب الشعر التعلیمیّ نصف حضور الاتّجاه الدینیّ. ولعلّ من أهم بواعث هذا التفوّق الکمیّ البعد المذهبیّ، الذی تحدث عنه الباحث سابقاً، أضف على ذلک التنافس بین المدارس العلمیّة فی الترویج لمبادئها.
ولعلّ أقدم منظومة فی المجال الدینیّ هی منظومة أبی المؤثر الصلت بن خمیس الخروصیّ (ق3هـ)([12])، وهو أحد علماء القرن الثالث الهجریّ، وکان موضوعها التوحید وأسماء الله الحسنى وصفاته، والبراءة من أفعال الخوارج الذین قاموا بتکفیر أهل القبلة واستباحوا دماءهم، والرد على المخالفین، وبیان سیرة الإباضیّة الأوائل، وتتمیز المنظومة بلغة جزلة وغریبة بعض الأحیان. ومنها:
وتـــــوراة موسى والزبور کلامـــــــه
کـــــــلام لــــــه ربٌّ ولا لافـــــــظٌ به
وإنجیل عیسى والقران المحققُ([13])
ومــا صفة الجبّار بالقول ینطقُ([14])
وفی القرن الرابع عشر الهجری انتشرت المنظومات الدینیة بشکل ملفت، غلبت على المنظومات العمانیّة . بل إنّ أکثر الموسوعات العمانیّة التی أُلّفت فی القرن الرابع عشر الهجری فی المجال الدینیّ کانت نظمیّة. وعلل النظّام ذلک أنّه کان نزولاً عند رغبة الناس وذوقهم، وتلبیةً لحاجة المجالس.
وظهر نظّام موسوعیون لهم منظومات متعددة فی علوم الدین، تتمیّز نظمهم بالشمول والطول، بحیث یمکن وصف منظوماتهم أنّها کتب مستقلّة أو کتب موسوعیّة، تتمیز بالعبارة السهلة الواضحة، وذکر الآراء المختلفة مع الترجیح. ومن أبرز هؤلاء النظّام المشایخ:
نور الدین السالمیّ (ت 1332هـ):
عامر بن خمیس المالکیّ (ت1346هـ)([15]):
سالم بن سیف الأغبریّ (ت 1379هـ)([16]):
خلفان بن جمیل السیابیّ (1392هـ)([17])
سالم بن حمود السیابیّ (ت1414هـ)([18])
مُـحَمَّد بن شامس البطاشیّ (ت1420هـ)([19])
أبو سرور حمید الجامعیّ (ت 1435) ([20])
سعید بن خلف الخروصیّ (1438)([21]) وغیرهم
أما الشیخ منصور بن ناصر الفارسیّ (ت 1396هـ) الذی عاش فی هذه البیئة وکان أحد أقطابها، فله منظومات متعددة، منها منظومة (العقد الفرید فی خالص التوحید)، مقسّماً إیاها إلى فصول، ومنه قوله:
ولـــــــــــیس مکانٌ جلّ یحویـــه لا ولا
ولـــــــــــــــــیس له قبلٌ وبعدٌ لغــــــایةٍ
زمــــــــــــانٌ تعالــــــــــى ربنا وتجلّلا
فقد کان قبل القبل والکون للملا([22])
وتتکون المنظومة من أکثر من 190 بیتا، من مقدمة وخاتمة و24 فصلا، تتمیز بالتسلسل المنطقی بدءا من المقدمة فی فطرة الإنسان فالفصل الأول «أول ما یلزم الإنسان» ثم فیما ینفى عن الله عز وجل، ثم ما یمتنع به السؤال وهکذا وصولا إلى الخاتمة.
ویمکن أن نجمل أهم خصائص النظم الدینیّ فی هذه المنظومة فی النقاط الآتیة:
- نلاحظ غلبة السجع والصناعة اللفظیّة فی عنوان المنظومة «العقد الفرید فی خالص التوحید».
- تخلّصت المنظومة من المقدمة الغزلیّة والطللیّة، وبدأت مباشرة بالموضوع فمطلعها:
سأنظم فی التوحـــــــــــــید عقدا مکلّلا
أخلّصـــــه من کــــــــل عیبٍ یشینــــه
سموطـــــــــــــا من الدر النقی مفصّلا
على خالص التوحید جاء معدّلا([23])
- تمیزت هذه المنظومة بحسن الترتیب واللغة الواضحة. وتقسیمها إلى 24 فصلا، بتسلسل منطقی. فظهر طابع التجدید فی العرض والتبویب، کما نجد جمعاً ذکیاً للمادة العلمیة.
- غلب على المنظومة الجانب التقلیدیّ فی المادة العلمیّة، أو فی المنهج والأسلوب والعرض. ولکن هذا لا ینال من جهد الشیخ فی توفیر المادة العلمیة فی هذا المجال الصعب للدارسین والفقهاء.
- نجد عنایة واضحة بالبرهان العقلی والاستدلال المنطقی فی تبین معالم العقیدة، یقول تحت عنوان فصل:
ولیــــــــــس مکان جل یحویــــــه لا ولا
ولـــــــــــــیــــــس له قــــــبلٌ وبعدٌ لغایةٍ
فلـــــــــــو کـــــان تحویه الجهات تحیّزا
کــــــــذلـــــک ما یحویه یلزمُ أنــــــــــه
فـــــهل یستوی المصنوع والصانع الذی
زمـــــــــــــــانٌ تعالـــى ربنا وتجلــــــلا
فقــــــــد کـــــان قبل القبل والکون للملا
فقـــــــــد کـــــان مسبوقا وجودا بغیر لا
مـــــــــــن الله أقـــــوى حیث کان تحمّلا
له الصنع والإبداع دعْ من تجهّلا([24])
- نجد حرصا واضحا على الاستشهاد بالقرآن، بل وتفسیر بعض آیاته یقول تحت عنوان فصل فی نفی الرؤیة عن الله تعالى:
ومن قــــــــــال ربی قد یراه عباده
رأوا شبــــــــــه التنزیل هم فتعلّقوا
کمثــــــــــــل وجوه ناظرات لربها
کذاک على العرش استوى وکقوله
لتصــــــــنـع على عینی کذا بیمینه
بدنیـــــــا وأخرى قال إفکا وأبطلا
بظــــــــــــــــاهره سترا به وتعلّلا
ومعنـــــــاه فی التنزیل ناظرة إلى
بـــــــــأعیننا تجری وما کان أمثلا
ویبقى إذن وجه الإله مجلّلا([25])
- ظهرت دقة الضبط وتحدید المسائل والفصول فی المنظومة. کما اتّسمت بالوضوح ویسر العبارة ودقتها، ولعل أهم دوافع ذلک کون الشیخ قاضیا یخاطب الناس وفق عقولهم، إضافة إلى تمرسه بالتدریس والحلقات العلمیة.
تلک ملامح عابرة عن الشعر التعلیمیّ الدینیّ عند الشیخ وبالأخص عن منظومته «العقد الفرید فی خالص التوحید».
ثانیا: الشعر التعلیمیّ التاریخی
یعتبر الشعر التعلیمیّ التاریخیّ مصدراً من مصادر التاریخ –رغم ما یشوبه من مبالغات- ولعلّ بعض النظّام والشعراء بزّوا المؤرّخین فی تدوین الأحداث وتوضیح الملابسات التاریخیّة. ولهذا الفن أهمیّة خاصّة فی التاریخ العمانی، فقد دوّنتْ أحداث عمان الأولى فی مقطوعات شعریّة متفرّقة تعود إلى زمن دخول الأزد عُمان.
وفی القرن الرابع عشر استمر ازدهار المنظومات التاریخیّة فی هذا القرن، خاصّة مع حاجة المجالس إلیها لتقویة الحماس الوطنیّ، واهتم معظم النظّام العمانیون بالتاریخ العمانی، فنجد المنظومة (النزویّة) لبدر بن هلال البوسعیدی، وتقع فی مئتین وسبعة أبیات، ونظم خلفان بن جمیّل السیابیّ (کتاب السیر) الذی ألحقه بکتابه الموسوعی (سلک الدرر) وسلک الدرر هو نظم لکتاب الثمینیّ (النیل)، کما نظم عبدالله بن علی الخلیلیّ منظومة (عمان فی سجل الدهر)، کما نظم محمد بن شامس البطاشیّ (کتاب السیر) وأیضاً ألحقه بکتابه (سلاسل الذهب)، ویقع فی أکثر من أربعة آلاف وثلاث مئة بیت، کما نظم سیف بن محمد الفارسیّ (1433هـ)([26]) منظومة بعنوان (نبذة من تاریخ عمان) تقع فی أکثر من أربع مئة وثلاثین بیتاً، وبدأها بمقدمة رائعة فی الشکوى من الزمان حتى یتخلّص إلى ذکر الصالحین بعد أکثر من عشرین بیتاً، ونظم محمد بن خمیس السیفیّ (ت1333هـ)([27]) (اللامیة فی أئمة الیعاربة).
لکنّ النظم التاریخیّ للشیخ منصور بن ناصر الفارسیّ کان مختلفا، إذ اهتم بالسیرة النبویة فنجد له منظومة (غایة الاجتهاد فی مدیح خیر العباد، مراتب سیرة الهدى والرشاد)، وتقع فیما یقارب من سبع مئة بیت، یقول فی المرتبة السابعة بعنوان رضاعه ونشأته:
وأبــــــــوه قد مـــــاتَ وهو جنینٌ
ثم قد صـــــــار شیبة الحمد کفیلاً
وفـــــــــــی أصح الذی لدینا تناها
جده حانیاً، کفالةً ما وراها([28])
فنجد النظم هنا أشبه بالسرد النثریّ لولا القافیة.
ویمکن أن نجمل أهم خصائص النظم التاریخیّ والقصصیّ فی القرن الرابع عشر فی النقاط الآتیة:
- وظّف السیرة النبویة، فاکتسب عمله مزیّة الشکل الأدبیّ، حیث استساغها الذوق، وطربت لها الأسماع، فوجدت حضورها فی المجالس، ومن جانب آخر قدّمت ثقافة لغویّة ومعرفة تاریخیّة.
- نلاحظ أنّ النظم التاریخیّ عند الشیخ تمیّز بالبعد الروحی والصوفی.
مـــــــــــذ تجلّى إلى الوجود یقینا
أخجلـــــــــــت ذاته الشمس حسنا
ودنـــــــــــا وقته أشرقت مغرباها
وضیاءً ومن صار ضیاها([29])
- نلاحظ العنایة بالتقسیم، إذ قسّم النص على واحد وعشرین مرتبة وضعها موضع الفصول، والملفت بدأ بذکر دار هجرته ثم الوقوف على قبره. ثم یسترجع من تلک المناطق ذکریات السیرة وخطى النبی –صلى الله علیه وسلم-.
- نلاحظ العنایة بجمال المطلع، والصور الفنیّة واللغة المعبّرة عن الحدث التاریخیّ.
حـــــــــادی العیس لا تمل سراها
واقطع البید والنتایف عـــمـــــــدا
فلــــــدیهــــــــــا حـذاؤها وسقاها
واصلا لیلها برأد ضحاها([30])
ثالثا: الشعر التعلیمیّ التوجیهیّ
الشعر التعلیمیّ التوجیهیّ والسلوکیّ یحضران بشدّة، وتجمع بینهما خصائص مشترکة، حیث نجدهما یشترکان فی التوجیه والترغیب فی التزوّد للآخرة، ونجد حضور الإبداع والذاتیّة فیهما بشکل أکبر من غیرهما من أنواع الشعر التعلیمیّ، کما أنّ قیمتهما لا تتراجع، فالنصح والتوجیه لهما فاعلیتهما فی کلّ العصور.
کثیرٌ هو هذا النوع من الشعر التعلیمیّ، فقد ضمّن معظم نظّام الشعر التعلیمیّ منظوماتهم مواعظ ونصائح، مضى الشعر التوجیهیّ فی ازدهاره، فهو خیر مطیّة للنصح والموعظة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وکلّ تلک الأمور من أهمّ واجبات العلماء والمسلم تجاه إخوانه المسلمین، کما أنّ الشعر التوجیهیّ مادة جیدة للمجالس العامّة، ولهذا ازدهر وتنوّع، ووجد اهتماماً من النظّام وخاصّة العلماء وممن برع فی هذا المجال الشیخ المفتی إبراهیم بن سعید العبریّ، والشیخ عبدالله بن سعید بن خلفان الخلیلیّ (ت1332هـ)([31]) والشیخ حمد بن عبدالله السالمیّ (ت1385هـ)([32])، والشیخ عبدالله بن سالم الخروصیّ (ت1335هـ)([33]) والشیخ عبد الرحمن بن ناصر الریامیّ (ت1374هـ)([34]) أمّا الشیخ خلفان بن جمیّل السیابیّ فهو ممّن أبدع فی هذا الجانب، فله منظومة (بهجة المجالس) التی تزید عن ألفی بیت فی الحکم والأمثال والتی یدلّ عنوانها أنّها نظمت من أجل المجالس.
أمّا الشیخ منصور الفارسی فقد أسهم فی هذا المجال إسهاما ملفتا، فمعظم نصوص دیوانه «سموط الفرائد على نحور الحسان الخرائد» کانت وعظیة بل خصص الباب السادس والسابع والثامن فی الوعظ والنصح والإدّکار والحکم وآداب النفس.
ویمکن أن نجمل أهم خصائص النظم التوجیهیّ فی القرن الرابع عشر فی النقاط الآتیة:
- الدّین فی الغالب مصدر هذا التوجیه، فهو عالم دینی متمکّن، والقرآن والسنة أهمّ مصدرین.
- قیمة هذا الشعر وخاصة فی الباب الثامن منه، أنّه خلاصة تجربة، وتفکیر عمیق، ورؤیة صادقة.
احـــــــــــــــق البکاء بکائی لنفسی
فمالی أبکی حزینــــــــا علـــــــــى
قبیل حلـــــولی رهینا برمســــــــی
فراقی صدیقا وفقدی لأنسی([35])
- غلبة أفعال الأمر والنهی التی تناسب غرض النصح والإرشاد المباشر. خاصة فی مجال النصح فی البابین الباب السابع والثامن، غیر أننا نجد الشیخ فی الباب السادس یتوجّه بنصحه لنفسه خاصة فی باب المواعظ.
احفـــظ لسانک من فضول المنطقِ
..إن اللســــان من الفتى إن لم یکنْ
وزنِ المقــــــال على المقال الألیق
قد صانه نطقا کسهم مطلقِ([36])
- من أسالیب النصح غیر المباشر استعمال الحکم. حیث نجد الإکثار من الأسلوب الخبری فی نظم الحکم، کحجة ومنطق للوصول إلى ما یشبه البرهان. وکذلک استعمال أسلوب الشرط لذات الغرض.
مــــــــــا کنت فی دارهم دارهم
لتسلم من أمرهم واختفِ([37])
- نلاحظ أیضاً اقتراب هذا النمط التوجیهیّ من الشعر من حیث توظیف الصور البیانیّة. وأحیانا تبدأ المنظومة بمقدمة طللیة.
أمـــن طلل بالبعـــــــــــد قد لاح جانبه
أأم رسم أطـــــــــــلال على عرصاتها
ترأیت کالأخـــــــــــلال فاشتد واصبه
وقفت وقد أضناک للرسم نادبه([38])
- کثیراً ما یکون کل بیت وحدة مستقلة لذاتها، فالقصیدة أشبه ما تکون بأجزاء مرصوصة بعضها بجانب بعض، وقلیلاً ما یعالج الناظم الفکرة فی بیتین أو ثلاثة.
لا تحقــــــرنّ فتى فی الورى
ودار الملــــــــــوک وأبناءهم
ولا تغمضـــنّ امرءا لو جفى
وأعـوانهم بالتی تألفِ([39])
- سهولة اللغة والألفاظ ورشاقة الموسیقى؛ لأنّ هذا النوع من النظم یتوجه للعامّة أکثر من غیره من أغراض الشعر التعلیمیّ.
ذهب العمر وولّــــــــى
وعتیدا کــــــان منــــی
ورقیبــــــــــی ما تولّى
وقعیدا ما تخلّى([40])
رابعا: الشعر التعلیمیّ السلوکی
السلوک هو تهذیب الأخلاق، بتطهیر النفس من الأخلاق الذمیمة مثل حب الدنیا والجاه والحقد والحسد والکبر والبخل، وبالنهج على الأخلاق الحمیدة مثل العلم والحلم والحیاء والعدالة، أو هو باختصار محاربة هوى النفس وشهواتها، والاستقامة فی طرق الحق بالمجاهدة والطاعة والإخلاص، فهو تربیة روحیّة ذهنیّة تترجم فی السلوک العملیّ. فإذا علمنا بعد ذلک أنّ التصوّف هو «العکوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنیا وزینتها، والزهد فیما یقبل علیه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق فی الخلوة والعبادة»، أدرکنا التشابه بین مدلول المصطلحین من حیث إنّ السلوک هو التطبیق العملیّ لجملة الأفکار التی آمن بها السالک وراح یطبّقها على نفسه.
ولم یدخل التصوّف إلى الفکر الإباضیّ إلا متأخراً، فظهرت بذور التصوّف فی الأدب العمانیّ فی القرن العاشر الهجریّ، وخفت الشعر السلوکیّ فی القرن الرابع عشر الهجری، فقد قلب علیه ظهر المجن الإمام نور الدین السالمیّ، الذی أسس المدرسة السالمیّة التی أصبحت المؤثر الأکبر منذ القرن الرابع عشر الهجری إلى الآن فی عُمان، لیس فقط لأنّها أقامت دولة الإمامة، بل أیضاً لأنّ جلّ الإنتاج العلمیّ کان من مؤسس وطلاب هذه المدرسة. ورغم ذلک یمکن القول أنّ بعض آثار المدرسة السلوکیّة بقیت فی القرن الرابع عشر، خصوصاً مع أعلام مثل: راشد بن سیف اللمکیّ، ومنصور بن ناصر الفارسیّ، وخلفان بن جمیّل السیابیّ وعبدالله بن علی الخلیلیّ، فهم فی رحلاتهم الروحیّة بطول أنفاسهم الشعریّة یذکّروننا بابن الفارض وابن عربی والغزالی.
ونظم الشیخ منصور بن ناصر الفارسیّ قصیدة (المقامات فی الابتهالات إلى الله) فی أکثر من مئتی بیت، ومطلعها:
بــــــــــــاسم الإله الجلیل الأجلِّ
بــــــــــاسم إلهی افتتاحی لما قد
بــــــــاسم الإله العظیم المجلّــی
قصدت إلیه ابتداء لقولی([41])
وقد قسّم قصیدته إلى ثلاثة عشر مقاما، مبتدئا بمقام الابتداء، ثم التوحید ثم الحمد ثم الشکر ثم الاعتراف ثم السؤال ثم التوبة ثم الرجاء ثم التوسّل ثم الصلاة. ویمکن أن نجمل أهم خصائص الشعر السلوکیّ فی القرن الرابع عشر الهجری فی النقاط الآتیة:
- الدعوة إلى إصلاح النفس الإنسانیّة.
أتوب إلى الله مــــــــن کل ذنـــــــبٍ
أتــــــوب إلى الله من کل إصــــــــرٍ
ومــــــــــن کل خطئ ومن کل بطلِ
ومن کل وزرٍ ومن کل غولِ([42])
- الدعوة إلى الاستعداد للمعاد، والزهد فی الدنیا.
- الدعوة لتوجیه القلب بالکلیّة إلى الله.
- استلهام المعجم الصوفیّ فی ألفاظه وتراکیبه. کألفاظ الحب الإلهیّ والشوق وتحتوی تلک الألفاظ على الدلالات الرمزیّة التی انطوى علیها تکرار کل لفظ من تلک الألفاظ وما یخفیه الشاعر من معنى خفی یخالف المعنى الظاهر للفظ.
سألتک یا الله یا الله عفـــــــــــوا
سألتــــــــک یا الله یا الله مــــــدّأ
ولطفــــــــــا خفیّا بسرّ الأجـــــلِ
مدیدا وعونا یؤید وصلی([43])
- طول النفس الشعریّ، إذ تزید أبیات القصیدة عن مائتی بیت.
- الاعتماد على المناجاة والدعاء.
یــــــــــــــــــا رب إنی مقر بما قـــــــد
أقــــــــــــــر بذنبی وما کان منـــــــــی
بجنبـــــک فرّطتُ من سوء فعلـــــــــی
من الوزر عمدا ومن کلّ حصل([44])
- الاعتماد على الأسلوب التأمّلیّ ومخاطبة النفس کما لاحظنا.
- الاعتناء بالتکرار، ویرجع ذلک التکرار الشائع کما یقول أحمد درویش إلى أنّ هذا أنسب إلى السماع والتردید والتغنی منه إلى شعر القراءة الصامتة، کما أنّه یناسب الموقف حینما یقرأ وینشد فی مجالس وسهرات الشعراء.
أتـــــــــــــــوب إلى الله من کل ذنبٍ
أتـــــــــــــوب إلى الله من کل إصـرٍ
ومــــــــــن کل خطئ ومن کل بطلِ
ومن کل وزرٍ ومن کل غولِ([45])
ویستمر هکذا ثلاثة عشر بیتاً مبتدیاً کل بیت بقوله «أتوب إلى الله». وشعر الفارسی لیس به تلک الروح الصوفیّة التی تتضح فی شعر السیابیّ واللمکیّ.
- الصور الشعریّة فی الشعر السلوکیّ کثیرة؛ لأنّها وسیلة التعبیر عن معانٍ لا یستطیع اللفظ العادیّ التعبیر عنها، فتدرک بالذوق والخیال.
- سهولة الألفاظ وعدم التصنّع والتکلّف.
- الاعتناء برشاقة الموسیقى وخفتها.
- التأثّر بألفاظ القرآن والاقتباس من آیاته.
الخاتمة:
وبعد هذا التجوال فی حدائق الشعر التعلیمیّ عند الشیخ، نختم هذا البحث بعرض أهم النتائج والتوصیات:
أولاً: نتائج البحث:
- الشعر التعلیمیّ هو النظم الذی یشتمل علی المضامین الأخلاقیّة، أو الدینیّة، أو الفلسفیّة، أو التاریخیّة أو التعلیمیّة عموماً، فهو ذو قالب شعریّ ومضمون علمیّ، لیس شعراً خالصاً، وفی الوقت نفسه لا یستطیع أن یجاری العلم فی دقته وشموله.
- ازدهر الشعر التعلیمیّ فی عمان فأصبح جزءاً من ثقافة المجتمع العمانیّ، وأصبح وسیلة التدوین الأولى فی معظم المجالات، ووصل الأمر إلى أن تنظم الأسئلة إلى المختصّین فی کل مجال، وکان الوسیلة المثلى إلى الترویج لأیّة فکرة.
- اهتم الشیخ الفارسی بالشعر التعلیمیّ تلبیة لحاجات کثیرة أهمها:الحاجة التربویة والتعلیمیّة، والحاجة المذهبیة، والحاجة الوطنیّة وحاجة المجالس له، وحاجة المدارس العلمیّة المتخصّصة، والحاجة الدعویّة، والحاجة لحفظ العلوم والتراث، إضافة إلى طبیعة المجتمع وتشجیع الأئمة والسلاطین.
- اهتم الشیخ بالشعر التعلیمیّ الدینیّ ومن أهم إسهاماته منظومة «العقد الفرید فی خالص التوحید».
- من أهم نماذج الشعر التعلیمیّ التاریخی عند الشیخ منظومة «غایة الاجتهاد فی مدیح خیر العباد».
- یعتبر الشعر التعلیمی التوجیهیّ هو الغالب على نظم الشیخ، فهو خیر مطیّة للنصح والموعظة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، کما أنّه مادة جیدة للمجالس العامّة.
- کثیراً ما یکون کل بیت وحدة مستقلة لذاتها فی الشعر التعلیمیّ التوجیهیّ، فالقصیدة أشبه ما تکون بأجزاء مرصوصة بعضها بجانب بعض، وقلیلاً ما یعالج الناظم الفکرة فی بیتین أو ثلاثة.
- للشیخ مساهمات فی الشعر التعلیمیّ السلوکیّ أهمها منظومة «المقامات فی الابتهالات»، وهو یرمی إلى تهذیب الأخلاق، بتطهیر النفس من الأخلاق الذمیمة ومحاربة هوى النفس وشهواتها، فهو تربیة روحیّة ذهنیّة تترجم فی السلوک العملیّ. ویتمیز باستلهام المعجم الصوفیّ فی ألفاظه وتراکیبه. کألفاظ الحب الإلهیّ والشوق والسکر الروحیّ والکشف والظهور، والغیبة والحضور والفصل والوصل.
- نجد أنّ أکثر المنظومات عند الشیخ تخلّصت من المقدمات الطللیّة والغزلیّة، فیبدأ النظم بحمد الله والصلاة على رسوله الکریم، بل نجد أن أکثر منظومات الشیخ الفارسی تخلّصت من المقدمة تماما، بالولوج مباشرة الى موضوع المنظومة.
- نلاحظ استمرار غلبة السجع والصناعة اللفظیّة فی وضع عناوین المنظومات عنده مثل «غایة الاجتهاد فی مدح خیر العباد» و«الدرة البهیة فی علم العربیة» و«العقد الفرید فی خالص التوحید».
- اعتمد الشیخ على الحکم والأمثال لما لها من سیرورة وقدرة على الإقناع والحفظ، کما أنّ لها جانباً تربویّاً مهمّاً فی توجیه السلوک والتعلیم، ولها قدرة فی تکثیف المعرفة، وقدرة على الأخذ بمجامع القلوب، فتضفی نوعاً من الجمال والخیال والتأثیر العاطفیّ، أضف إلى ذلک أثرها فی تأکید الفکرة وتثبیتها، وأحیاناً تعتبر شواهد وبراهین على کلام الناظم.
- نجد فی الشعر التعلیمی اللغوی والدینی العقدی عند الشیخ الموضوعیّة والاستدلال المنطقیّ والعقلیّ والإقناع من خلال المحاججة واستحضار الأدلّة النصیّة.
– تکثر الجمل الخبریّة فی الشعر التعلیمیّ؛ لأنّ الغرض منه إیصال المعلومة، أمّا الإنشاء فأکثر ما یکون فی مواضع الحماسة والتحریض والإثارة، فهو أکثر إثارة للذهن؛ لأنّه أکثر حرکة واندفاعاً ویتطلّب مشارکة المتلقّی وإثارة ذهنه، ولهذا تستفتح به القصائد. ویحضر بشکلٍ ملفتٍ فی الشعر التعلیمیّ التوجیهیّ والسلوکیّ، لجذب الانتباه، ومشارکة المتلقی فی استخراج غرض النص عبر استعمال أفعال الأمر والنهی.
- الشعر التعلیمیّ العمانیّ عند الشیخ الفارسی یتسم بالوضوح الذی ینأى عن حواشی الألفاظ وغریبها. مبتعداً عن اللهجات المحلیّة.
- المنظومات جاءت متفاوتة فی التعبیر والأسلوب وفق الموضوع الذی یطرحه الناظم، فالنظم الدینی کان أبعد عن الجانب الفنیّ فی الشعر من النظم السلوکیّ الذی یلتحم بالمجاز والخیال؛ لأنّ طبیعة المعرفة التی یقدمها فی السلوک تعتمد على الذوق والخیال.
- الصور الشعریّة فی الشعر السلوکیّ کثیرة؛ لأنّها وسیلة التعبیر عن معانٍ لا یستطیع اللفظ العادیّ التعبیر عنها، فتدرک بالذوق والخیال.
- زخر الشعر التعلیمیّ السلوکی بألفاظ صوفیّة استمدت دلالات رمزیّة کثیرة تخرج من معناها اللغویّ الأصلیّ الى معنى نفسیّ یعبّر عن دلالات نفسیّة وانفعالات وجدانیّة قویّة.
- نلاحظ فی الشعر التعلیمی السلوکی والتوجیهی عند الشیخ الاعتناء بالتکرار، فهو أنسب إلى السماع والتردید والتغنّی منه إلى شعر القراءة الصامتة، ویتبدّى هذا المظهر جلیاً حینما یقرأ وینشد فی المجالس العامّة والخاصّة، على نحو ما تفرضه الطبیعة القبلیّة للمجتمع. إضافة إلى أنّ القراءة المسموعة باللفظ المکرر تحتفظ نغماتها الثابتة بمـرجّع موسـیـقیّ یساعد الذاکرة على ثبات حفظها له. وأکثر من عُنی بالتکرار الشعراء السلوکیّون.
ثانیاً: التوصیات:
- توجیه الباحثین التربویین إلى ضرورة العنایة بالشعر التعلیمیّ من الناحیة التربویّة، مستفیدین من الدراسات الأدبیّة حوله.
- ضرورة الاستفادة من خصائص الشعر التعلیمیّ فی مناهجنا المعاصرة، وصولاً إلى التکامل بین الحفظ والفهم.
- تحقیق دیوان الشیخ وإعادة طباعته بعد نفاد طبعته السابقة منذ وقت لیس قصیرا، وتحقیق المنظومات عند الشیخ وإخراجها فی ثوب لائق.
ملحق: الشعر التعلیمیّ اللغویّ عند الشیخ الفارسی
الاهتمام باللغة العربیّة بمختلف فنونها کان واحداً من الاهتمامات التألیفیّة التی عنی بها العلماء والمؤلّفون العمانیون، وتبلغ المؤلّفات العمانیّة فی هذا المجال ما یقارب السبعین مؤلّفاً معروفاً على الأقل، مختلفة الشکل بین تألیفٍ وشرحٍ واختصارٍ ونظمٍ ونثر، ومتنوّعة فی المستوى اللغویّ بین الدلالة والصرف والنحو البلاغة والعروض. وقد استثمر العمانیون - شأنهم فی ذلک شأن کثیر من علماء العالم الإسلامیّ- فکرة الشعر التعلیمیّ، بوضع منظومات خلیلیّة الأوزان فی علوم اللغة العربیّة، وهو استثمار یبقى أمارة جهد بُذلَ، وعناء أنفق، وهمة اتقدت.([1])
ویمکن أن نشیر هنا إلى ملاحظة مبدئیّة مهمّة، وهی أن نسبة المنظوم فی اللغة العربیّة –فی القطر العمانیّ- قلیلة جداً بالمقارنة بالمنظوم فی العلوم الدینیّة. ولعلّ من أهم أسباب ذلک انشغال العمانیین بتوطید هویتهم العقدیّة الإباضیّة والدفاع عن الاستقلال الوطنیّ، بینما رأوا أنّه یمکن الاستفادة من المنجز اللغویّ العربیّ دون وجود مخاوفٍ من ذلک، کما أنّ طبیعة علوم العربیّة من نحو وصرف وعروض جامدة وغیر مسلیّة فی المجالس، والمجالس فی عُمان من أهم أسباب انتشار المنظومات، لکنّ العلماء استعاضوا عن ذلک بکثرة الأسئلة والأجوبة النحویّة التی سدّتْ شیئا کبیراً من النقص فی هذا الجانب، إذ هی قابلة للقراءة فی المجالس. ولکنّ النظرة المتأنّیة فی نشاط الحرکة الفکریّة خلال القرن الرابع عشر الهجری تکشف ما حفلت به عمان من نشاط فکریّ غزیر، وازدهار علمیّ کبیر، تمثّل فی حرکة التألیف فی مختلف العلوم والفنون، ومن تلک العلوم علوم اللغة العربیّة، ویعنینا هنا المنظوم منها. فقد نظم حبیب بن یوسف الفارسیّ (ت1329هـ) أرجوزة (سُلّم الإعراب) فی مئة وواحد وعشرین بیتاً، ونظم نور الدین السالمیّ أرجوزة (بلوغ الأمل فی تفصیل الجمل) وأرجوزة (فاتح العروض والقوافی)، ونظم سالم بن سیف الأغبریّ (المنظومة النحویّة العمانیّة)، ونظم عبدالله بن ماجد بن خمیس العبریّ (ت1335هـ)([2]) أرجوزتین الأولى (تحفة الأحباب فی علم الإعراب)، و(لامیّة الإعراب فی فنون من النحو) ونظم محمد بن حمد بن سالم الزاملیّ (ت 1390هـ)([3]) (المنظومة اللامیّة فی النحو)، وتقع فیما یقرب من مئتین واثنین وثمانین بیتاً، ولکنه لم یتمکن من إکمالها، فأکملها بعد وفاته سعید بن خلف الخروصی، وشرحها سیف بن محمد الفارسی فی کتاب (البرکة فی شرح القصیدة النحویّة المشترکة).
وأما الشیخ منصور بن ناصر الفارسیّ فقد نظم (الدرة البهیّة فی علم العربیّة) فی مئتین وثمانیة وأربعین بیتاً. مطلعها:
الحمـــــد لله الذی قد قرّبا
إلیه من لنحوه تقرّبا([4])
یقول فی باب «حد الکلام وأقسامه»:
حـــــــــدُّ الکلام عندنا المفیدُ
وهـــــــو على ثلاثةٍ قد قسّما
فمیـــــــــــزِ الاسمَ بجرٍ وندا
کــــــقــــــام زیدٌ وأتى سعیدُ
اســــمٍ وفعلٍ ثم حرفٍ وسما
وألْ وتنوینٍ وإسنادٍ بدأ([5])
ولم ندرجها ضمن البحث؛ لأننا التزمنا بدیوان «سموط الفرائد على نحور الحسان الخرائد» ومنظومة «الدرة البهیّة» خرجت مستقلة فی کتاب من شرح الشیخ، فقد شرح الشیخ منظومته کعادة معظّم النظّام العمانیین فی علم النحو، لیتوسّع فیها، فیکون النظم للمبتدئ والشرح للمتخصص.
ویمکن أن نجمل أهم خصائص هذه المنظومة فی النقاط الآتیة:
- استشهد الشیخ بکل أنواع الشواهد المعروفة من القرآن والحدیث وکلام العرب شعرا ونثرا.
- اهتم الشیخ فی شرحه بالحدود والتعریفات النحویة، وإن جاء بعضها مخالفا لما هو مشهور عند النحاة.
- اهتم الشیخ بذکر قضایا الخلاف النحوی فی شرحه. وکان اتجاهه کعادة العمانیین بصریا فی الأغلب.
- اهتم الشیخ بذکر اللغات الواردة فی الکلمات التی یتحدث عنها. کما اهتم بالتعلیل النحوی حیث یذکر السبب ویبین العلل.
- اهتم الشیخ بذکر الفوائد والتنبیهات أثناء شرحه.
- کان للشیخ شخصیته ووجوده ورأیه فلم یسرد المسائل سردا دون أن یبدی رأیه.
- کان للشیخ شخصیته ووجوده ورأیه، فلم یسرد المسائل سردا دون أن یبدی رأیه.
- ظهر جلیاً تأثیر الرموز العمانیّة القدیمة فی المجال اللغویّ على النظم اللغویّ العمانیّ قبل القرن الرابع عشر، وتمیل المنظومات اللغویّة فی القرن الرابع عشر إلى التأثّر بالمنظومات والکتب العربیّة اللغویّة المرجعیّة مثل مؤلّفات ابن مالک والحریریّ والزمخشریّ...وظهر جلیا هنا تأثر الشیخ بألفیة ابن مالک.
- لم تهتم هذه المنظومة بالمقدمة، بل اعتمدت أسلوب المباشرة فی الموضوع والخطاب.
- فی شرح الشیخ تجلّت مقدرته على الفنون العربیة من نحو وصرف وبلاغة.
([1]) الصارمی، محمد بن مسعود: منظومة الصارمی، تحقیق محبوب بن محمد الرحیلی، ط1، ذاکرة عمان، مسقط، ص ص 16-17.
([2]) أدیب کاتب نحوی فقیه شاعر، عاش فی آخر القرن الثالث عشر والنصف الأول من القرن الرابع عشر فی ولایة الحمراء. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1،ص264).
([3]) قاضٍ فقیه ناظم، عاش فی القرن الرابع عشر، ولد بالسویق مکفوف البصر. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1، ص310 ص311).
([4]) الفارسی، منصور بن ناصر: الدرة البهیة فی علم العربیة، تحقیق عادل محمد علی الطنطاوی، ط1، وزارة التراث والثقافة، مسقط، ط1، 2008م، ص54.
([5]) المصدر نفسه، ص ص67 ص68.
(1) مصطلح الشعر التعلیمیّ مصطلح غیر عربیّ، وهو حدیث نسبیّاً فی الوطن العربیّ، "وکان الدکتور طه حسین من أوائل من استعمل هذا المصطلح –ولعلّه الأول- وقد لجأ إلى ذلک وهو یعدّ مقالاته المتوالیة عن الشعر العربیّ فی جریدة السیاسة تحت عنوان (حدیث الأربعاء)، فذکر عند حدیثه عن "والبة بن الحباب وأبان بن عبد الحمید" مصطلح "الشعر التعلیمیّ" لدیهما، ثم جمع هذه المقالات فی کتاب (حدیث الأربعاء) الذی صدرت طبعته الأولى سنة 1937 وسارت اللفظة مصطلحاً. ینظر: الطاهر، علی جواد: مقدمة فی النقد الأدبی، ط2، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، بیروت، لبنان، 1988، ص137.
([2]) الحجری، هلال: حداثة الأسلاف: إضاءات من الشعر العمانیّ القدیم، ط1، مؤسسة عمان للصحافة والنشر، مسقط، سلطنة عمان، 2013م، ص9.
([3]) الذخری، بدر بن مبارک: النظم وأثره فی الفقه الإباضی: جوهر النظام أنموذجاً، بحث تخرّج فی العلوم الشرعیّة، نوقشت وأجیزت فی معهد العلوم الشرعیّة، مسقط، سلطنة عمان، 2010م، ص23 ص24.
([4]) مدینة جلفار، وحالیّاً تسمّى رأس الخیمة.
([5]) االسالمی، نور الدین عبد الله بن حمید: تحفة الأعیان بسیرة أهل عمان، مکتبة الاستقامة، مسقط، سلطنة عمان، 1997م، ج2، ص65.
([6]) المصدر نفسه، ص 81 ص82.
([7]) ینظر درویش، أحمد: تطور الأدب فی عمان، ط2، دار غریب للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 1998، ص57-60.
([8]) ینظر الشیبانی، سلطان بن مبارک: مفتاح الباحث إلى ذخائر التراث الفکریّ العمانیّ، ط1، ذاکرة عمان، مسقط، سلطنة عمان، 2015م، ص31-38.
([9]) ینظر الخصیبی، محمد بن راشد: شقائق النعمان على سموط الجمان، ط2، وزارة التراث والثقافة، مسقط،، 2016، ج3، ص71-76.
([10]) وهی مدارس تعنى بتدریس القرآن ومبادئ علوم الدین والقراءة والکتابة والتاریخ، ولها مبانٍ خاصّة فی الحارات العُمانیّة، أو فی غرف ملحقة بالمساجد، أو تحت ظلال الأشجار الکبیرة، وتشمل الذکور والإناث، وقد یکون المعلّم رجلاً أو امرأة، ولهذه المدارس أوقاف خاصّة ینفق منها على المعلّمین وشراء المناهج.
([11]) ینظر الشکیلی، إبراهیم بن جمعة: المجالس الأدبیة والمباحث اللغویة فی عمان، ضمن ندوة (الدور العمانی فی خدمة اللغة العربیة)، ط1، ذاکرة عمان، مسقط، 2015، ص ص 327-342.
([12]) فقیه مجتهد ناظم، عاش فی القرن الثالث الهجری فی بهلا، ومن أهم مؤلفاته کتاب الأحداث والصفات. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1،ص225)
([13]) المحقق یعنی الشاهد على ما قبله.
([14]) مجهول: شرح قصیدة أبی المؤثر، جمع وترتیب شمسة بنت عبدالله الحوسنیة، ط1، ذاکرة عمان، مسقط، 2015م، ص25 ص26.
([15]) فقیه، قاض، شاعر عالم، عاش فی آخر القرن الثالث عشر والنصف الأول من القرن الرابع عش، کان مرجع الفتوى ورئیس القضاة. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1، ص229).
([16]) قاض، عالم، ناظم، عاش فی القرن الرابع عشر، له مؤلفات عدیدة. (الأغبری، سیف بن یوسف، ص117-119)..
([17]) فقیه مجتهد، قاض أدیب سلوکی، ناظم شاعر، عاش فی القرن الرابع عشر، له مؤلفات جلیلة. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1، ص ص84-88).
([18]) فقیه مؤرخ، وال قاضٍ أدیب ناظم، عاش فی القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر، مکثر فی التألیف. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1، ص ص121-125).
([19]) قاض فقیه، ناظم حافظ عاش فی القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر، (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1، ص332 ص333).
([20]) قاضٍ فقیه، شاعر بلیغ، عاش فی القرن الرابع عشر، من سمائل، له مؤلفات کثیرة. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1، ص 364).
([21]) قاضٍ فقیه ناظم، معاصر ولد فی عام 1344هـ بنخل. تولّى منصب مساعد مفتى عام السلطنة. (الخصیبی، شقائق النعمان، 3/357).
([22]) الفارسی، منصور بن ناصر: سموط الفرائد على نحور الحسان الخرائد، ط1، مکتبة الضامری، مسقط،1992، ص78.
([23]) المصدر نفسه، ص77.
([24]) المصدر نفسه، ص78.
([25]) المصدر نفسه، ص78.
([26]) عالم فقیه قاصٍ، عاش فی القرن الرابع عشر والخامس عشر، وعمّر طویلا وله مؤلفات جلیلة. (الخصیبی، الشقائق 3/377).
([27]) قاضٍ ناظم، عاش فی القرن الثالث عشر والنصف الأول من القرن الرابع عشر فی نزوى، له مؤلفات أهمها العقد الثمین. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1،ص312).
([28]) الفارسی، سموط الفرائد على نحور الحسان الخرائد، ص42.
([29]) المصدر نفسه، ص38.
([30]) المصدر نفسه، ص34.
([31]) أمیر أدیب وعالم شاعر، عاش فی النصف الثانی من القرن الثالث عشر والنصف الأول من القرن الرابع عشر، وهو والد الإمام الخلیلیّ. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1، ص250 ص251).
([32]) والٍ فقیه قاض أدیب ناظم، عاش فی القرن الرابع عشر الهجری، ابن نور الدین السالمی. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1، ص 59).
([33]) والٍ قاض فقیه أدیب ناظم، عاش فی القرن الرابع عشر، کان ورعا تقیا. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1، ص249 ص250).
([34])أدیب شاعر ناظم، عاش فی القرن الرابع عشر الهجری، سافر إلى زنجبار، ثم عاد، ثم سافر إلیها وتوفی بها. له دیوان غیر منشور. (السعدی، معجم شعراء الإباضیة، ج1، ص236 ص237).
([35])الفارسی، سموط الفرائد على نحور الحسان الخرائد، ص116.
([36]) المصدر نفسه، ص140.
([37]) المصدر نفسه، ص144.
([38]) المصدر نفسه، ص148.
([39]) المصدر نفسه، ص144.
([40]) المصدر نفسه، ص99.
([41]) المصدر نفسه، ص8.
([42]) المصدر نفسه، ص17.
([43]) المصدر نفسه، ص15
([44]) المصدر نفسه، ص14
([45]) المصدر نفسه، ص17.
- الحجریّ، هلال: حداثة الأسلاف: إضاءات من الشعر العمانیّ القدیم، ط1، مؤسسة عمان للصحافة والنشر، مسقط، سلطنة عمان، 2013م.
- الخصیبیّ، محمد بن راشد: شقائق النعمان على سموط الجمان، ط2، وزارة التراث والثقافة، مسقط،، 2016، ج3.
- درویش، أحمد: تطور الأدب فی عمان، ط1، دار غریب للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 1998.
- الذخریّ، بدر بن مبارک: النظم وأثره فی الفقه الإباضیّ: جوهر النظام أنموذجاً، بحث تخرّج فی العلوم الشرعیّة، نوقشت وأجیزت فی معهد العلوم الشرعیّة، مسقط، سلطنة عمان، 2010م.
- االسالمیّ، نور الدین عبدالله بن حمید: تحفة الأعیان بسیرة أهل عمان، د.ط، مکتبة الاستقامة، مسقط، سلطنة عمان، 1997م، ج2.
- الشکیلیّ، إبراهیم بن جمعة: المجالس الأدبیة والمباحث اللغویة فی عمان، ضمن ندوة (الدور العمانی فی خدمة اللغة العربیة)، ط1، ذاکرة عمان، مسقط، 2015.
- الشیبانیّ، سلطان بن مبارک: مفتاح الباحث إلى ذخائر التراث الفکریّ العمانیّ، ط1، ذاکرة عمان، مسقط، سلطنة عمان، 2015م.
- الصارمیّ، محمد بن مسعود: منظومة الصارمیّ، تحقیق محبوب بن محمد الرحیلی، ط1، ذاکرة عمان، مسقط.
- الفارسیّ، منصور بن ناصر: الدرة البهیّة فی علم العربیّة، تحقیق عادل محمد علی الطنطاوی، ط1، وزارة التراث والثقافة، مسقط، ط1، 2008م.
- الفارسیّ، منصور بن ناصر: سموط الفرائد على نحور الحسان الخرائد، ط1، مکتبة الضامری، مسقط،1992.