معالم الفکر المقاصدي عند الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلي من خلال کتاب «الفتح الجلیل»

الباحث المراسلجابر بن سلیمان فخَّار إمام وخطيب

تاريخ نشر البحث :2022-11-09
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك  |   تحميل المقال

 

إنَّ علم مقاصد الشریعة من أکثر علوم الشریعة المعاصرة ثراء وحیویَّة؛ نظرا لأهمِّیته المعرفیة والحضاریة، به تتجلَّى خصائص الإسلام، وتتحدَّد أهداف التشریع وغایاته؛ لذا صار عِلمًا لازما للفقیه المجتهد؛ حتَّى یستوعب مختلف الحوادث والنوازل بأحکام الشریعة، ویتمکَّن من التنزیل السدید لهذه الأحکام على أفعال المکلَّفین، محقِّقا مرادات الشارع ومقاصده من التشریع. وقد کان للعلماء السابقین -بمختلف اتِّجاهاتهم ومشاربهم- دور بازر فی وضع أسسه واستثمار قواعده، تنظیرا وتطبیقا، ویأتی هذا البحث لدراسة إسهامات عَلَم من أعلام الإباضیَّة فی عِلم مقاصد الشریعة، وهو الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلی.

أمَّا أهمِّـیَّة الدراسة فتتجلَّى فی کون الإمام الخلیلی أحد أبرز علماء الإباضیَّة المحدَثین، والذی ترک آثارا خالدة فی صفحات التاریخ الإسلامی، علما وعملا، فکرا وسلوکا، کما یعدُّ من الذین جمعوا بین الإمامة العلمیَّة والسیاسیَّة، إذ کان العالِمَ المفتی والإمام الحاکم، وهی خاصِّـیَّة نادرة لم تتحقَّق إلاَّ فی قلیل من الرِّجال العظام. ولا ننسى التنویه بأنَّ الإمام قد عاصر الحرکة الإصلاحیَّة فی العالم الإسلامیِّ فی العصر الحدیث، والتی کان من أهمِّ آثارها إحیاء علم المقاصد والنهوض به فی واقع المسلمین. یهدف البحث إلى الکشف عن معالم الفکر المقاصدیِّ لدى الإمام الخلیلی وأثره فی الاجتهاد والفتوى. أمَّا مادَّة الدراسة فتشمل جوابات الإمام الخلیلی المبثوثة فی کتاب «الفتح الجلیل من أجوبة الإمام أبی خلیل»، وتتمیَّز الفتاوى الفقهیَّة بإبرازها للجانب التطبیقیِّ والعملیِّ لنظریَّة المقاصد؛ حیث یتجلَّى دور المفتی فی تنزیل مضامین النصوص الشَّرعیَّة على أفعال المکلَّفین، وفق مراد الشارع ومقاصده فی التکلیف، حتَّى تتحقَّق الغایة من إنزال الشریعة.

التعریف بمصطلحات البحث:

التعریف اللغوی:

مقاصِد جمع مقصِد، وهو مصدر میمیٌّ مشتقٌّ من «قصد»، ومن معانیه اللغویَّة القریبة إلى المعنى الاصطلاحیِّ:

- استقامة الطریق، قال تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِیلِ﴾ (سورة النحل: 9)، أَی على الله تبیین الطریق المستقیم.

-العدل، وفی الحدیث: «القصدَ القصدَ تبلغوا»([1])، أَی علیکم بالقصد من الأُمور فی القول والفعل، وهو الوسط بین الطرفین، ومنه قوله تعالى: ﴿وَاقْصِدْ فِی مَشْیِکَ﴾ (سورة لقمان: 19)، أی اِمشِ باستواء واعتدال.

- الاعتمادُ والأَمُّ، وإِتیان الشیء([2]).

التعریف الاصطلاحی:

حاول المعاصرون المهتمُّون بعلم المقاصد وضع تعریفات له، لکنَّها لم تسلم من النقد والتعقیب، ولیس غرضنا فی هذه الورقة استقصاؤها أو تخیُّر أضبطها من حیث الصناعة، بقدر ما هو بیان المفهوم الاصطلاحیِّ لهذا العِلم. فمن هذه التعریفات: «المقاصد هی المعانی والحِکَم ونحوها التی راعاها الشارع فی التشریع عموما وخصوصا من أجل تحقیق مصالح العباد»([3]).

تعریف الفکر المقاصدی:

عرَّفه الریسونی بقوله: «هو الفکر المتبصِّر بالمقاصد، المعتمد على قواعدها، المستثمر لفوائدها»، وقد عبَّر قبل ذلک بمعان أخرى للفکر المقاصدی، منها قوله: «الفکر المقاصدی یصبح مسلَّحا بالمقاصد، ومؤسَّسا على استحضارها واعتبارها فی کلِّ ما یقدِّره أو یقرِّره أو یفسِّره»([4]). والمعنى المراد فی هذا البحث هو ذلک «الفکر المؤسَّس على النظر فی المقاصد، استیعابا لمضامینها، واستثمارا لقواعدها فی الواقع».

مقاصد الشریعة فی فکر الإمام الخلیلی تأصیلا وتقسیما:

أولا: الدلیل على رعایة الشریعة للمصالح:

من المبادئ الشَّرعیَّة المتفق علیها أنَّ الشریعة إنَّما وُضعت لتحقیق مصالح العباد فی العاجل والآجل معًا، إذ لا یمکن أنْ تُعارِض أحکامُ الشریعة مصالِحَ المکلَّفین ولا أنْ تُناقِضَها، «وهی عدل کلُّها، ورحمة کلُّها، ومصالح کلُّها، وحکمة کلُّها؛ فکلُّ مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدِّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحکمة إلى العبث، فلیست من الشریعة وإن أدخلت فیها بالتأویل»([5]). ویصرِّح الإمام الخلیلی أنَّ الله أنزل الکتاب فیه تبیان کلِّ شیء، وجعله متکفِّلا بمصالحِ العالَم الدینیَّة والدنیویَّة، وجاءت سنَّة المصطفى مبیِّنةً لمقاصد التنزیل([6]).

ونجد فی جوابات الإمام الخلیلی إشارات إلى المعانی المقصدیَّة التی دلَّت علیها النصوص الشَّرعیَّة، من ذلک تنویهه بمقصد الیسر والسماحة فی الإسلام، ناصحا إخوانه من أهل مزاب فی جواب له: «ودینکم یُسر، فاشکروا الله الذی جعلکم من أهل هذه الشریعة الحنیفیَّة السمحة، ولو شاء الله لأعنتکم»([7]). وقد دلَّت على هذا المقصد جملة من النصوص منها قوله تعالى: ﴿یُرِیدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلاَ یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ﴾ (سورة البقرة: 185)، وقوله ﷺ: «إِنَّ الدِّینَ یُسْرٌ»([8])، وقوله: «أَحَبُّ الدِّینِ إِلَى اللَّهِ الحَنِیفِیَّةُ السَّمْحَةُ»([9]).

وقد سئل الإمام عن معنى قوله ﷺ: «لا تتَّخذوا ظهور دوابِّکم منابر، فإنَّ الله إنَّما سخَّرها لکم لتبلغکم إلى بلدٍ لم تکونوا بالغیه إلاَّ بشقِّ الأنفس»([10])، وفی حدیث آخر: «لا تتَّخذوا ظهور دوابِّکم کراسی»([11]). فأجاب: «معنى الحدیث الأوَّل والذی بعده معناهما واحد، وهو النهی عمَّا یفعلُه أهل الجاهلیَّة الأولى، أنَّ المرء یکون على دابَّته یخطب الناس ویحدِّثهم، ولم تجعل الدوابُّ لذلک، فهذا من عدل الشریعة، إنَّما جعلت لما جعلت له، وتسخَّر لما سُخِّرت له»([12]). فهذه إشارة منه إلى مقصدین هامَّین من مقاصد الشریعة وهما: العدل والرحمة مع کافَّة الکائنات، فعلى الإنسان أن یراعی هذا المقصد فی استثمار واستغلال ما سخِّر له فی هذا الکون.

ثانیا: الأحکام بین التعلیل والتعبُّد:

لا شکَّ أنَّ علم المقاصد یقوم على قضیَّة تعلیل أحکام الشریعة، وإن وقع نزاع بین علماء الکلام فی المسألة لمنزع عقدی یتعلَّق بذات الله العلیَّة، إلاَّ أنَّ المبدأ مسلَّم به لدى الفقهاء والأصولیِّین وعلماء السلف من قبل، وإلاَّ انهدم کلُّ ما بنی على هذا الأصل من قضایا ومباحث أصولیَّة منها علم المقاصد. ویبقى الخلاف فی قضیَّة: هل کلُّ أحکام الشریعة معلَّلة، أم هناک تمییز بین أحکام العبادات وأحکام المعاملات؟ والمتَّفق علیه بین علماء المقاصد أنَّ أحکام المعاملات الأصل فیها التعلیل والمعقولیَّة، لکنَّ الخلاف فی کون أحکام العبادات کذلک، ولا یمکن فی هذه الورقات المعدودة تحریر الخلاف فی المسألة، کما أنَّها تقوم أساسا على تحدید المفاهیم وضبط المصطلحات([13])، حتَّى یتبیَّن المقصود لدى کل فریق، على أن المشهور قول الشاطبی وقَبْله الغزالی أنَّ الأصل فی العبادات والمقدَّرات التعبُّد، وفی العادات الالتفات إلى المعانی([14]). ومِن أحسنِ مَنْ بحث هذه المسألة وحرَّرها الدکتور الریسونی فی «نظریَّة المقاصد عند الإمام الشاطبی»، وخلص إلى أنَّ «الأحکام المعلَّلة والمعقولة المعنى فی مجال العبادات کثیرة جدًّا، وأنَّ القلیل منها هو الذی قد یتعذَّر تعلیله تعلیلا واضحا، فإذا أضیف هذا إلى الأصل السابق([15]) ظهر بجلاء أکثر أنَّ الأصل فی الأحکام الشَّرعیَّة -العادیَّة والعبادیَّة- هو التعلیل، وأنَّ ما خرج عن هذا فهو الاستثناء»([16]). أمَّا عند الإمام الخلیلی فلم نجد له أقوالا نظریَّة فی مسألة تعلیل أحکام العبادات، إلاَّ بعض التطبیقات الفقهیَّة التی من خلالها یمکن تصوُّر موقفه فی المسألة.

تعلیل الحکم العبادی بالمقصد الشرعی:

فی حادثة الرجل الذی صلَّى فی بیته، ثمَّ أقیمت صلاة الجماعة فجلس ولم یصلِّ مع النبیِّ ﷺ، فقال له: «إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ کُنْتَ قَدْ صَلَّیْتَ»([17])، یبیِّن الإمام الخلیلی المقصد من الأمر النبویِّ وهو دفعُ شکِّ الناس عنه فی تهاونه بأمر الدین وإحیاءِ سنَّة سیِّد المرسلین، وحتَّى لا یُظنَّ فیه البغضُ للمسلمین([18]). وفی مسألة صلاة المنفرد والجماعة قائمة فی المسجد فالأصل فیها عدم الجواز، إلاَّ أنَّ الإمام یرى الجواز إن غایرتها فی نوع الفریضة، کأن تقام الصلاة عصرا وهذا یصلِّی ظهرا، أو کانت المغایرة فی نوع الصلاة کأن یصلیَ الإمام فرضا وذلک نفلا أو العکس، فلا بأس عنده؛ «نظرا للمقاصد؛ لأنَّ المقصود الاجتماع لا الافتراق، وهذا مغایرةٌ صلاتُه صلاةَ الإمام مُنافٍ عنه ذلک»([19]). فنجد أنَّه علَّل الحکم الشرعی بنهی إقامة صلاةٍ غیر التی تقام فی المسجد بمقصد دفع مفسدة التفرُّق والشقاق وقطع مادَّتهما، وإذا ما انتفت هذه العلَّة حال تغایر الصلاة ارتفع الحظر، والحکم یدور مع علَّته وجودا وعدما.

نفی التعلیل إن کان خارجا عن مقصود الشارع:

إن کان الأصل فی المعاملات التعلیل، فإنَّا نجد أنَّ الإمام الخلیلی لا یرى صحة تعلیل الأصناف المذکورة فی حدیث ربا الفضل، ذلک أنَّ أقوال العلماء فیه خارجة عن مقصود الشارع، ویبیِّن حجَّته للسائل بقوله: «وأنت تدری أن الشارع یختصر فی الکلام، ولو أراد ما قاله العلماء لقال: «المطعوم بالمطعوم ربا»، أو قال: «المکیل بالمکیل ربا»، أو قال «المقتات المدَّخر بالمقتات المدَّخر ربا» ولم یقل،... نعم إنْ صحَّ أنَّه ﷺ قال: «الطعام بالطعام ربا»، نقول: المطعوم بالمطعوم لا یصحُّ، وأمَّا سبب العلَّة فلا أراه»([20]). ونرى أنَّ الإمام خالف جمهور المذاهب -ومنهم الإباضیَّة- فی تعلیل الأصناف الربویَّة، ورأى أنَّ الاقتصار على ما ذکر فی الحدیث هو الأسلم، وأمَّا القیاس على غیرها من الأصناف فغیر مقصود للشارع. لکن یشکل علینا موقفه من الأصناف غیر المذکورة فی الحدیث، وتعدُّ من المطعومات الأساسیَّة لدى أغلب الناس أو المقتات المدَّخر، کالأرز والذرة مثلا، أو غیرهما، فهل الربا فیهما غیر جارٍ؟ وهل نفی التعلیل عن الأصناف محقِّق لمقصد الشارع من تحریم ربا الفضل؟.

ثالثا: أنواع المقاصد ومراتبها:

قسَّم العلماء مقاصد الشریعة إلى أقسام عدَّة وباعتبارات مختلفة، فمن حیث تعلُّقها بعموم الأمَّة وأفرادها إلى عامَّة وخاصَّة، ومن حیث تعلُّقها بعموم أحکام الشریعة أو اختصاصها بحکم معیَّن إلى کلِّـیَّة (أو عامَّة) وخاصَّة، وجزئیَّة. وتنقسم من حیث قوَّتها فی إفضائها إلى المقصود إلى: ضروریَّة، وحاجیَّة وتحسینیَّة، وتندرج ضمن الضروریَّات الکلِّـیَّات الخمس، وهی: الدین والنفس والنسل والعقل والمال. وسأقتصر هنا على ذکر المقاصد العامَّة عند الإمام وکذا الکلِّـیَّات الخمس، وأرجئ تفصیل غیرها إلى مواضع أخرى من البحث.

أ- المقاصد العامَّة:

لا ریب أنَّ تحقیق المقاصد العامَّة المتعلِّقة بالأمَّة من آکد الواجبات على الحاکم، سواء من جانب البناء أم الإبقاء. ونجد أنَّ الإمام الخلیلی على وعیٍ تامٍّ بهذه المقاصد، حاملٌ همَّ تحقیقها فی دولته، مستمدًّا من الله العون والتوفیق. ومن أهم هذه المقاصد لدیه مقصد «نصرة الدین»، إذ یقول: «ونحن -إن شاء الله- لا نجد بدًّا عن مناصرة الدین، والله U نستمدُّه النصر والتأیید»([21]). ویصرِّح فی موضع آخر بهذه المقاصد العلیا داعیا: «والله نسأله التوفیق والتسدید، وجمع الشمل وائتلاف القلوب، ونشر العدل والأمن»([22]). ویمکن تفصیل جملة منها فیما یأتی:

مقصد المساواة والعدل:

یعدُّ العدل من أهمِّ المقاصد العامَّة التی لأجلها أرسل الله رسله، وأنزل کتبه وشرائعه، لا فرق بین الإسلام وما قبله من الرسالات، وقد جاء التصریح بهذا المقصد فی عدَّة آیات من القرآن الکریم، منها قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْکِتَابَ وَالْمِیزَانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (سورة الحدید: 25)، وقوله U: ﴿إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ (سورة النحل: 90)، والسنَّة النبویَّة حافلة بالتطبیقات العملیَّة لمعلِّم البشریَّة ﷺ. أمَّا المساواة فهی صفة تابعة للعدل، تقتضی عدم التمایز بین من تجمعهم صفات وخصائص مماثلة، فالمسلمون سواء فی الحقوق والواجبات بحکم وحدة الدین، إضافة إلى وحدة الخلق.

والإمام الخلیلی مدرک أثر إقامة العدل والمساواة بین الرعیَّة فی إرساء دعائم دولته وتوطید أرکانها، إذ یقول فی رسالة له إلى طائفة من قضاته: «واجعلوا الناس بالسویَّة، وبذلک تسکن نفوس الناس، أمَّا إذا کان هذا یُساهَل له وهذا یضایَق نفَرت النفوس»([23]). کما أنَّه یوصی فی عهوده إلى قضاته بالحکم بین الرعیة بالعدل والقسط، فمن ذلک قوله: «قد أقمتُ محمَّد بن عبد الله بن حمید السالمی والیًا... لیقوم بإنفاذ الأحکام بین أهلها، والأخذ بید الظالم حتَّى یُخرج منه الحقّ»([24])، ویقول فی عهد آخر إلى أحد قضاته: «قد جعلت سفیان بن محمَّد بن عبد الله الراشدی قاضیا على بنی بوحسن أهل جعلان ومَنْ کان مرجعه إلیهم؛ لیحکم بینهم بما یراه من کتابِ الله تعالى وسنَّة نبیِّه... مساویًا بینهم فی الحکم»([25]).

مقصد الوحدة:

من أوَّل المقاصد التی دعا إلیها القرآن الکریم والسنَّة النبویَّة وحدة الأمَّة الإسلامیَّة، وتآلفها أفرادا وجماعات، وحذَّر من کلِّ ما یضادُّها ویقوِّضها من التفرُّق والتخالف والتنازع، وغیر ذلک. وکان هذا المقصد العامَّ من أولویَّات دولة الإمامة عند الخلیلی، وکان ینصح بذلک عمَّاله وإخوانه، مذکِّرا بآثارها، ومحذِّرا من عواقب الفرقة والخلاف. ودعا إلیها - أیضا- إخوانه من الحکَّام، فمن ذلک رسالته إلى الملک سعود بن عبد العزیز الفیصل آل سعود یقول فیها: «ندعو لکم بالنصر والتوفیق على سعیکم الجمیل فی توحید کلمة المسلمین وتکتُّلهم تحت لواء الإسلام»، وقوله فیها: «ومن الأمر بالمعروف السعیُ إلى توحید کلمة المسلمین وفی إماتة الانتساب إلى المذاهب وإظهار التعصُّب لها اللَّذَین قضیا على الإسلام، وتسلَّط على أبنائه عبدةُ الأصنام الأجانب الأکالب...»([26]). وإذا استفتاه أهل بلد أو طائفة فی مسائل اختلفوا فیها، فلا یفتأ أن یذکِّرهم بالأصل والأهمِّ والأولى وهو وحدة الصفِّ وتآلف القلوب، حیث یقول فی رسالة له مجیبا إخوانه المزابیین عن مسائل اختلفوا فیها: «فالله الله فیما یجمع الکلمة والتآلف، ویبعد الشحناء والتخالف، ولا تکونوا کالذین فرَّقوا دینهم وکانوا شیعا، فما عُنی الإسلام بشیء أعظم وأطمَّ من التخالف المؤدِّی إلى الفشل، المنتج لانحلال القوى وذهاب الدول»([27]). ویقول فی رسالة أخرى أیضا: «أوَّل الأمر اجتماع الکلمة وانتظام أمر العالم بذلک، واستقامتکم فی دینکم»([28]).

مقصد حفظ الأمن:

حفظ أمن الناس من المقاصد الکبرى لهذا الدین، سواء على الصعید الداخلیِّ أو الخارجیِّ، فی المعتقدات والأنفس والممتلکات، وإذا ما ساد الأمن والسلام فی أیِّ أرض، وعاش أهلها فی استقرار ووئام، انطلقت الهمم نحو البناء والتشیید، وتفجَّرت من العقول مواهب الابتکار والتجدید، وعمَّ الرخاء والنماء شتَّى نواحی الحیاة. وفی هذا یقول الإمام الجوینی: «فإذا اضطربت الطرق، وانقطعت الرفاق، وانحصر الناس فی البلاد، وظهرت دواعی الفساد، ترتَّب علیه غلاء الأسعار، وخراب الدیار، وهواجس الخطوب الکبار، فالأمن والعافیة قاعدتا النِّعَم کلِّها، ولا یهنأ بشیء منها دونها، فلینتهض الإمام لهذا المهم»([29]). ومن أجل تحقیق هذا المقصد شرع الإسلام ما یحفظه من الزوال، ودرأ عنه ما یهدِّد بنیانه ویقوِّض أرکانه، فقنَّن الأحکام، ووضع الحدود الرادعة لکلِّ تصرُّف بالبغی والعدوان، کحدِّ الحرابة، والقصاص، وحدِّ السرقة، وغیر ذلک من التعزیرات التی ترجع إلى نظر الحکَّام والقضاة.

وکان الإمام مهتمًّا بأمر البغاة وکیفیَّة ردعهم وإیقافهم عند حدودهم، وجَعلَ ذلک من أولى مهامِّه، ذلک أنَّه یدرک حقًّا أثر الاستقرار فی التطوُّر والازدهار. فقد أرسل إلى قاضی القضاة الشیخ أبی مالک عامر بن خمیس المالکی یباحثه فی أمر طائفة اشتهرت بالقتل والسرقة هل یجوز قتلهم؟([30]). وجرى بینه وبین الأمیر عیسى بن صالح الحارثی بحث طویل فی الأعراب الذین شُهروا بسرقة الإبل والأنعام، فهل یصحُّ قتلهم بحدِّ الحرابة؟ وفی الذین اشتهروا بسرقة الأحرار؟ واهتمَّ الإمام بتحدید مفهوم البغی وتحقیق مناطه فی تصرُّف هؤلاء، فقال: «إن قلتَ لا یکونون بغاة یحلُّ دمهم بأخذهم لأموال الناس، فما یکون البغی وما هو الفرق؟ وهذا هو البحث الذی نسألک فیه؟»([31]). وسئل الإمام –أیضا- عن البغاة من البدو إذا خالفوا الأحکام ولم ینقادوا إلى الحقِّ، وأظهروا العتوَّ والعصیان وحاربوا. فأجاب: «اِقصدوهم، فإن قاتلوا فاقتلوهم، وإن استسلموا فصفِّدوهم فی الحدید»([32]).

ب- الکلِّـیَّات الخمس:

حفظ الدین:

من أولویَّات مقاصد الشریعة إقامة الدین الذی ارتضاه الله لعباده، سواء على مستوى الأمَّة أم الأفراد. فما یتعلَّق بالأمَّة یتمثَّل فی حمایة البیضة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وجهاد العدوِّ، وغیر ذلک، وأمَّا ما یتعلَّق بالأفراد فیتمثَّل فی الدعوة إلى الله، وإقامة شعائر الإسلام علما وعملا، ودفع کلِّ ما یؤدِّی إلى الزیغ عن الدین الحقِّ. وقد أولى الإمام عنایة أوَّلیَّة لهذا المقصد، فیقول فی إحدى رسائله: «إنَّ الله قد أوجبَ الجهاد على المسلمین وبالحالِ والمال، ویکفی قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ...﴾الآیة [سورة التوبة: 111]، وغیرُها من الآیات کثیر، ونلحقُ بذلک الجهاد بالمقال، وهو الحضُّ على ذلک، والدعوةُ إلى دینِ الإسلام والاستقامة علیه... والله نسأله العونَ والتمکین، وهو حسبنا ونعم الوکیل»([33]). ومن الدلائل على اهتمامه بحفظ کلِّـیَّة الدین حزمه على البغاة والمعتدین، وبذل مهجته لنصرة الدین، حیث یقول: «واللهُ ینصر الدین، وأرى أنَّ بغیکم قد تناهى، وکلُّ أمرٍ ینتهی یرجع، ولا یهمُّنا أمر البغاة، ولا نستعظم شأنهم، فإنَّ على الباغی تدور الدوائر. هذا، ونسأل الله أن نکون ممَّن ینصره، والله ناصر من ینصرُه لا محالة»([34]). ومن الملاحظ أنَّ هذه الأحکام یمکن إدراجها فی مقصد حفظ الأمن العامِّ، أو ما یسمَّى بالأمن القومی، ونظرا لأهمِّـیَّته وخطورته تعارف علماء المقاصد على إدراجها تحت کلِّـیَّة حفظ الدین.

حفظ النفس:

حمَّل الله الإنسان أمانة الدین، وکلَّفه بتحقیق الخلافة فی هذه الأرض؛ لذا جاءت الأحکام حاضَّة على حفظ هذه النفس جلبًا ودرءًا، حتَّى إنَّ الشارع أباح ارتکاب بعض المحظورات من أجل درء مفسدة الهلاک عنها. وقد سئل الإمام عن حکم التداوی بالمحرَّم عند الضرورة، فکان جوابه: «فی الحلال سعة، وإذا لم یمکن ولم یتیسَّر الحلال وخافَ فوتَ النفس أو عضوٍ فعندی أنَّه یجوز، ولا سیما إذا لم یأکله أو یشربه؛ فالجواز هنا أَولى»([35]).

حفظ النسل:

ومن الکلِّـیَّات التی دعت الشریعة إلى حفظها: النسل أو النسب، فشرع من الأحکام ما یحافظ على بقاء النوع الإنسانی، وهو الزواج. ونهى عن کلِّ ما یؤدِّی إلى انقطاعه أو اختلاطه، ووضع من أجل ذلک العقوبات الزاجرة. ففی حکم الزنا مثلا سئل الإمام عن صبیَّة ادَّعت على رجل الغصب فقال: «إن کان الرجل ممَّن تلحقه التهمة والابنة تُمیِّز، والدلائل ظاهرة، فمثل هذا یعاقَب بالتهمة ولا حرج، ویطال حبسُه وقیدُه وعقوبته، وجنایته فاحشة عظیمة تجرُّ إلى مفاسدَ جسیمة، ولا نحبُّ إهمالَ مثله»([36]). فنرى منه -رحمه الله- الحزم والشدَّة فی مسائل الفروج والأعراض، وعدم التساهل فیها؛ لأنَّها من المفاسد الکبرى على المجتمعات الإنسانیَّة. سئل عن دخول السینما للنظر إلى مواقع الحرب وغیره کالحجِّ وشعائره، وأحیانا تشاهد صور الرجال والنساء، وتسمع الأغانی، وتنفق على ذلک الأموال؟ فأجاب: «هذا هو اللهو واللعب، ذهاب الساعات فی غیر الطاعات من أعظم المفاسد، وکیف تسمع الأغانی وتنفق الأموال فی غیر حلِّها؟!»([37]). فنلاحظ تحفُّظ الإمام من مظاهر المدنیَّة الحدیثة ووسائلها الطارئة على المجتمع المسلم، لاسیما إذا تبیَّن أداؤه إلى المفسدة، کما نلاحظ أیضا -فی هذا النصِّ- تنبیهه على مفسدة تضییع العمر فی ما لا یرضی الله، وعدَّ حفظه مقصدا من مقاصد الشارع، وأنَّه وسیلة لتحقیق مقاصد أعلى، وللوسائل حکم غایاتها.

أثر المقاصد فی الاجتهاد:

تتجلَّى أهمِّـیَّة العلم بمقاصد الشریعة فی کونها تسدِّد عملیَّة الاجتهاد فی النصوص وتنزیل أحکامها على الوقائع؛ لذلک عدَّ الشاطبیُّ العلم بالمقاصد سببا لبلوغ درجة الاجتهاد. وعلیه، فإنَّ الفقیه محتاج إلى هذا العلم فی مختلف أحوال الاجتهاد، ویکون محتاجا إلیه أکثر فیما استجدَّ من الأحداث ولم یرد فی خصوصها نصٌّ، ولیس لها نظیر فی الشرع؛ ونظرًا لهذه الأهمِّـیَّة یرى الإمام أنَّ النظر المقاصدیَّ عطاء من الله یؤتیه من یشاء من عباده، حیث یقول: «ولعمری إنَّ النظر إلى المقاصد هو الفقه والفهم، یؤتیه الله من یشاء من عباده»([38]). ونحاول فی هذا المبحث الکشف عن أثر المقاصد فی الاجتهاد عند الإمام الخلیلی تفسیرًا وترجیحًا واستدلالاً.

أولا: أثر المقاصد فی تفسیر النصوص:

من النواحی التی یکون فیها المجتهد محتاجا إلى معرفة بالمقاصد: استنباط الأحکام من النصوص، ذلک أنَّ خطاب الشارع ورد فی صیغٍ لفظیَّة تحمل دلالتَه ومقصودَه من الخطاب، «ومن لم یتفطَّن لوقوع المقاصد فی الأوامر والنواهی فلیس على بصیرة فی وضع الشریعة»([39]). فالتعرُّف السدید على الحکم لا یکون بالوقوف عند ظاهر اللفظ فحسب، بل لا بدَّ من الغوص فی أسرار النصِّ واستجلاء مقاصده؛ لأنَّ الألفاظ قد تحتمل دلالات متعدِّدة لا یمکن الترجیح بینها إلاَّ بمعرفة مقصد الشارع من الخطاب، وذلک بمعرفة القرائن ومقام الخطاب وغیر ذلک. وکان منهج الإمام الخلیلیِّ فی فهم النصوص وسطا بین الأخذ بظاهر اللفظ مع اعتبار قصد الشارع من الحکم، ویمکن التمثیل لهذا بالمسألة الآتیة:

تخصیص العموم بمقصد الشارع من الحکم:

فی مسألة حکم صلاة المنفرد والجماعة قائمة، نَقل الإمام الخلیلیُّ عن شیخه السالمیِّ جواز صلاة المرء منفردا والجماعة قائمة بشرط المغایرة فی نوع الصلاة (فرض / نفل) أو فی نوع الفرض، ویعلِّل الإمام هذا الرأی بقوله: «نظرا للمقاصد؛ لأنَّ المقصود الاجتماع لا الافتراق، وهذا مغایِرَةٌ صلاتُه صلاةَ الإمام مناف عنه ذلک، ویجعل هذا المقصود مخصِّصا لذلک اللفظ». ویؤصِّل الإمام هذا المعنى، مبیِّنا أهمِّـیَّة النظر المقاصدیِّ فی تفسیر النصوص بقوله: «وهذا - کما ترى - تخصیص العموم بمقصد من مقاصد الشریعة، وکم فی هذا المقام وهذه المواقف أبطال جهابذة، وناهیک بما یروى عن عمر بن الخطَّاب t فی هذا الباب»([40]). فهذا نصٌّ ثریٌّ یجلی مدى اعتبار الإمام للمقاصد فی تفسیر النصوص الشَّرعیَّة، ویتمثَّل ذلک أساسا فی تخصیص العموم بالمقاصد، وأشار إلى لطیفة، وهی أنَّ هذا النظر لا یصل إلیه إلاَّ طائفة من العلماء، کما یبدو لنا تأثُّره بالمنهج العُمَریِّ فی الاجتهاد.

ثانیا: أثر المقاصد فی الترجیح:

من المواطن التی یحتاج فیها الفقیه أو المجتهد إلى المقاصد مقام الترجیح بین النصوص أو الآراء عند الاختلاف، وهنا یکون المعیار المقاصدیُّ أحد المرجِّحات القویَّة، وقد تمَّ جمع طائفة من جوابات الإمام الخلیلی التی بدا فیها للباحث الترجیح بالمقاصد:

الترجیح بسدِّ الذرائع وباب الحیل:

سئل الإمام عن حمل ما أکلَه صاحب النخل من الرُّطَب أو طناه قبل إخراج الزکاة على ما بقی من الغلَّة لیبلغ النصاب، فقال: «أمَّا ما أکله رُطَبًا فذلک کذلک لا یؤخذ منه، وأمَّا ما أکلَه المستطنی فلا أقوى بالقول على إسقاطه، ولو قلنا بذلک لتحیَّل الناس وأطنوا أموالهم لمن یأکلها رطبا ویجدها الأبله، ولا أظنُّ الشریعة وحکمتها تقول بذلک والله أعلم»([41]). وسئل عن مالکٍ لمزرعتین یرید قطع الطریق لإمرار ساقیة الماء بینهما، فما حکم ذلک؟ فکان جوابه: «وأمَّا النظر فی الأصل فهو المنع، وکلام الشیخ السالمیِّ أنَّ الشیخ محمَّد بن إبراهیم([42]) لم یُجِز قطع الطریق مطلقا إلاَّ مع العمق، وإصلاحها بقوَّة بحیث یُؤمَن الفساد، وهذا تأویل من الشیخ السالمیِّ، وکونه أباح ذلک لضرورة صاحب المال أقرب، وإصلاح الطریق لابدَّ منه، والسلامة فی الترک، وفتح هذا الباب ذریعة للمفسدة والواجب سدُّ الذریعة».

الأخذ بالأیسر:

إن الأخذ بالأیسر منهج تشریعیٌّ قرآنیٌّ مصرَّح به فی مواطن عدَّة من کتاب الله، منها قوله تعالى: ﴿یُرِیدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلاَ یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ﴾ (سورة البقرة: 185)، وقال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (سورة الحجِّ: 78)، وهی طریقة نبویَّة فی الترجیح بین الأمور، فقد قالت عائشة رضی الله عنها: «مَا خُیِّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَیْنَ أَمْرَیْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَیْسَرَهُمَا، مَا لَمْ یَکُنْ إِثْمًا»([43]). لذا على العالم أو المفتی تخیُّر الطریق الأیسر على الناس فی بیان شریعة ربِّهم فی أمور دینهم ودنیاهم؛ حتَّى یکون أدعى للقبول وللالتزام، دون إفراط ولا تسیُّب.

وکان من منهج الإمام الخلیلیِّ فی الفتوى الأخذ بالأیسر، وهو عمل بمقصد عامٍّ من مقاصد التشریع، وهو الیسر ورفع الحرج عن المکلَّفین، والأمثلة على هذا کثیرة، منها:

- أنَّه سئل عمَّن باع شیئا ممَّا تجب فیه الزکاة کتمر وقد زکَّاه فاستوفى الثمن فی شهره الذی وقَّته لإخراج زکاته، فهل تجب فی ذلک المال زکاة؟ فأفتى بقول عامر المالکی فی المسألة، وهو أن لا زکاة على مال قد زُکِّی، معلِّلا ذلک بقوله: «رفقا؛ ولئلاَّ نأخذ من مال الزکاة مرَّتین فی الحول، ولأنَّه لیس هو ممَّا جرَّه التجر من الفائدة فیحمل علیها، رفقا وتیسیرا للتجَّار عن جعلهم للفائدة أجلا حولیًّا لکلِّ فائدة»([44]). کما سئل عن حکم زکاة المال المشترک فأجاب: «لا خلاف إن بلغَ النصابُ فی حصَّة هذا الیتیم مِن المشترَک ومِن غیر المشترَک أنَّه یزکَّى الکلُّ. وأمَّا إن بلغ النصاب فی المشترَک، وإذا أضیف نصیبه إلى غیر المشترک لم یبلغ فیه النصاب، ففی حملِه وتزکیَته خلافٌ، ونأخذ بقول مَن لا یرى علیه زکاة رفقًا بالناس»([45]).

ثالثا: أثر المقاصد فی الاجتهاد النوازلی:

إنَّ الاستدلال فیما استجدَّ من القضایا ولم یرد فیها نصٌّ، ولم یسبق فیها اجتهادٌ للعلماء قائم على النظر فی القواعد الکلِّـیَّة، وإلحاق النظیر بمثله، سواء على مستوى الجزئیَّات أو الکلِّـیَّات، ولا یخفى ضرورة إعمال المقاصد التی هی کلِّـیَّات الشریعة وقواعدها؛ حتَّى تتحقَّق شمولیَّة الإسلام لمختلف شؤون الحیاة. لذا على المجتهد أن یکون على درایة بمقاصد الشارع، ومراتبها، وأنواعها؛ حتَّى یُجرِی الأحکام على وفقها، ویحقِّق نتائجها المرجوَّة فی الواقع، وإلاَّ وقع الزیغ والجنوح عن الصواب. وکان الإمام الخلیلیُّ یستدلُّ للمسائل الجزئیَّة الطارئة بکلِّـیَّات المقاصد وقواعدها، وسنذکر هنا طرفا من آرائه، وفی المبحث الآتی طائفة أخرى کذلک:

الاستدلال بقاعدة رفع الضرر:

اختلف الإمام مع علماء عصره فی مسألة طلب المرأة من القاضی الطلاق من زوجها الذی غاب عنها مدَّة طویلة خشیة وقوعها فی الفاحشة، مع حصولها منه على النفقة؟ فذهب الإمام إلى جواز ذلک إن طلبت المرأة التطلیق، وحجَّته هو وقوع الضرر بالمرأة فی فوات حقِّ المعاشرة، والضرر مرفوعٌ مهما کان نوعه، وأن هذا الحال ینافی قصد الشارع فی أمر الأزواج بالإمساک بالمعروف، والنهی عن الإضرار فی آیات کثیرة، منها قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُمْسِکُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ﴾ (سورة البقرة: 231)، وقوله U: ﴿فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ (سورة البقرة: 229). ولیس فی غیبة الرجل عنها مدَّة طویلة من الإمساک بالمعروف. ومن السنَّة قوله ﷺ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَیْرًا»([46]).

واستدلَّ لرأیه بأنَّ رفع الضرر معتبرٌ ومقصود لدى الشارع فی فروع کثیرة من أبواب النکاح، فقال: «أمَّا مَنْ ینظر إلى القرآن وما فیه من رفع الحرج والضرر یجد لقول من یقول بغیر ذلک وجها، أوَّلاً: أنَّه تعالى قال: ﴿لِّلَّذِینَ یُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ...﴾ الآیة [سورة البقرة: 226]؛ ففیها رفع الضرر عن النساء من هذا القبیل وغیره، والفدیة کذلک، وتزویج العبد والأبرص([47]) والمجذوم([48]) والرتقاء([49]) والعفلاء([50]) والنخشاء([51]) وغیر ذلک مِن الأدواء»([52]). إلاَّ أنَّه لم یدع الفتوى على إطلاقها، بل قیَّدها بأنَّ على المفتی أو القاضی «أن یشترط ولا یطلِّق، إلاَّ إن اشتدَّ الأمر وحوذر الضرر»([53]).

الوسائل لها أحکام المقاصد:

ربط الشارع بین المقاصد وبین الوسائل المؤدِّیة إلیها من حیث الحکم، فإن کان المقصود واجبا کانت الوسیلة واجبة، وإن کان محرَّما فوسیلته محرَّمة، وهکذا. وفی هذا السیاق سئل الإمام عن حکم تعلُّم العلوم العصریَّة کاللغة الأوربیَّة والطبِّ والهندسة وغیرها، فأعطى نظرة سدیدة قائمة على أساس متین وهو المصلحة، ومدى تحقیق الوسیلة للمقصد الشرعیِّ، وأنَّ الوسیلة تتأکَّد حسب قوَّة المقصد وأهمِّـیَّته. فقال: «أمَّا إیجاب تعلُّم لغة أوربة ومنعه کلُّ ذلک مجازفة من قائله، فما کان فیه مصلحة للدین أو للدنیا ولم یکن محرَّما فی الدین فتعلُّمه حسن جمیل، وقد یکون واجبا إن أفضى ترکه إلى خلل، کتعلُّم الصنائع الحربیَّة لمن قدر وتمکَّن، فإنَّه داخل تحت قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ [سورة الأنفال: 60]، وقد یکون بعض علوم أوربا محرَّما، کتعلُّم تصویر الصور ذات الأرواح، وبعضُها یُکره؛ لأنَّ به اشتغالا ولا فائدة کثیرة، کمعرفة أعداد المدن وأهلها ومساحاتها، ولاسیما المدائن الخارجة؛ لأنَّ بذلک اشتغالا ولا فائدة عائدة»([54]).

مراعاة المصالح فی التصرُّف فی الأوقاف:

من خلال النظر فی أجوبة الإمام فی قضایا الأوقاف یلاحظ أنَّه یحاول الجمع بین مراعاة مصلحة الوقف وقصد الواقف قدر الإمکان، ولا یجمد عند المعانی الظاهریَّة لشروط الواقف. من ذلک: أنَّه سئل عن وقف خُصِّص لفئة من المتعلِّمین، وکانوا ینتفعون بها حتَّى لم یبقَ منهم إلاَّ نساء غیر متعلِّمات أو رجال غیر متعلِّمین، فهل یمکن تسلیمها إلى متعلِّم من غیر تلک الفئة فینتفع بها؟ فأجاب: «علم الوقف فیما یصلح له، ولا نرى صلاحا فی ترک الکتب منضَّدة لتأکلها الأرضة، والأحسن أن یقرأ الرجل فیها...، وإن أراد غیره أن یقرأ فلیردَّها إلیه، وهکذا، فهو حافظ لها لأصحابها الموقوفة علیهم، عسى أن یقیِّض الله سبحانه وتعالى منهم من یطلب العلم، ومع ذلک فنفس القراءة أَصْوَنُ لها من الترک وأنفع للمسلمین»([55]). فالملاحظ فی فتوى الإمام اعتبار مصلحة الوقف والتصرُّف فیه بالقدر الذی یستبقی منفعته ویحفظها من الزوال، وذلک بنقله إلى جنس من ینتفع به دون مراعاة تلک الخصوصیَّة، إلى أن یوجد من وُقف له هذا الوقف خاصَّة، وفی هذا جمع بین منفعة الوقف عموما وقصد الواقف خصوصًا.

ومن الأمثلة على مراعاته قصد الواقف دون الجمود عند الألفاظ أنَّه سئل عن مال أُوصِیَ به لقراءة القرآن على قبرٍ، ولا یُعلَم القبر ولا صاحبه فأجاب: «إنْ أُعین به من یعلِّم القرآن فوجه وجیه؛ فإنَّ صاحبه أراد القربة بالقراءة، فإذا کان وضعَه للمعلِّم نال الأجرَ المطلوب، فإنَّ المعلِّمَ والأولاد کلَّهم یقرؤون القرآن، وقد نال المطلَبَ وفوقَه إحیاء الدین»([56]). ویتجاوز نظره فی التصرُّف فی الأوقاف عند النوازل إلى بیع أوقاف المساجد وغیرها عند النفیر من أجل الجهاد ودفع أعداء الإسلام، حیث یقول: «لکن فی أموال المساجد والأوقاف سعة ولو ببیعها کما أفتى بذلک الشیخ القطب فی جواباته للأشیاخ... دفعًا لأعداء الدین»([57]). وفی المقابل، فإنَّه لا یعجبه تبدیل الوقف ما دام یرجى الانتفاع به ولو یومًا واحدًا، وأمَّا إذا آل الأمر إلى ضیاع المال الموقوف علیه بإنفاقه فیه ولا فائدة عائدة ولا مرجوَّة، ولا یرجى عمار ولا انتفاع بها، فحینئذ لا یحبُّ ترک ذلک بلا فائدة، والأَوْلى عنده أن یُجعل فی وجه آخر من وجوه البِرِّ([58]). فتبدیل الوقف أو نقله یدخل فی باب الرخصة والاستثناء من الأصل العامِّ، والرخصة لا یتوسَّع فیها إلاَّ بقدر الضرورة أو الحاجة الملحَّة مع مراعاة الأصلح.

التصرُّف فی شؤون العمران منوط بالمصلحة:

دعا الإسلام إلى عمارة الأرض وإصلاحها بما یعود فیها النفع على جمیع الخلق، وکذا دفع الفساد عنها وإزالته، وقد سخَّر الله للإنسان کافَّة الوسائل والعناصر التی بها تتحقَّق عمارة الأرض وفق نظر الصلاح؛ لذا فإنَّ الشریعة لم تضع الأحکام التفصیلیَّة المقیِّدة فی هذا المجال، بل صاغت الأطر العامَّة، وشرَّعت الضوابط والقواعد الکبرى، ثمَّ أطلقت العنان لفکر الإنسان وقدراته لیسیر وفق المنهاج الأسلم؛ لذا فإنَّ نظر المجتهد وتصرُّف الحاکم فی هذه المسائل منوط بالمصلحة الشَّرعیَّة التی تحفظ مقصود الشارع من عمارة الأرض.

وبما أنَّ الإمام الخلیلیَّ تبوَّأ منصب الإمامة السیاسیَّة، فمن الجدیر عرض آرائه فی مسائل العمران واستجلاء الجانب المقاصدیِّ فیها. وبحکم طبیعة النشاط الاقتصادیِّ للمجتمع العُمانی آنذاک، والمعتمِد على الزراعة أساسًا؛ فقد نالت المسائل والقضایا المتعلِّقة بهذا الجانب نصیبًا وافرًا من الجوابات.

فمن هذه المسائل: أنَّه عُرض على الإمام t جوابٌ نصُّه: «إذا اتَّفق جُباة الفلج على زیادة قرحه، وظهرَت المصلحة فی قرحه أو رُجِیَت؛ فلا یُعتبر بمن لم یرضَ، ویُجبَر على ذلک. وإن کانت الرمیة فیها مشقَّة فالکفت جائز، وقد استعمله المسلمون وأجازوه، وفیه راحة ومصلحة للکلِّ، خصوصا مع تعیُّن المصلحة مادام الفلج محتاجا إلى الخدمة...»([59])، فصوَّب الإمام هذا الرأی؛ لأنَّ أمور الأفلاج قائمة على المصلحة العامَّة، فیجب مراعاتها وتقدیمها على المصالح الشخصیَّة. وقال فی مسألة أخرى: «إذا اعتمد جباة الفلج على الخدمة، ورأوا أن یباع مِن البادَّة شیء؛ فقد ترخَّص بعض العلماء فی ذلک، وأقول: إذا کان یُرجى النفع ویُخشى بترکه الضیاع؛ فحسَنٌ ذلک، والأولى التشجُّع فی المصالح، ولیکن على نظر أهل الصلاح الناظرین الصلاح»([60]).

قواعد المقاصد:

نحاول فی هذا المبحث إبراز أهمِّ القواعد المقصدیَّة التی وظَّفها الإمام الخلیلی فی الاجتهاد، والموازنة بین المصالح والمفاسد عند التعارض، سواء ما تعلَّق بمقاصد الشارع أم مقاصد المکلَّف.

أولا: قواعد الموازنة:

من المعلوم أنَّ المصالح والمفاسد لیست على وِزانٍ واحد فی نظر الشارع، بل تتفاوت بینها وتتمایز حسب اعتبارات مختلفة، وفی هذا یقول ابن عبد السلام: «المصالح والمفاسد فی رتب متفاوتة، وعلى رتب المصالح تترتَّب الفضائل فی الدنیا، والأجور فی العقبى، وعلى رتب المفاسد تترتَّب الصغائر والکبائر وعقوبات الدنیا والآخرة»([61])؛ لأجل هذا سعى العلماء إلى بیان رُتب المصالح والمفاسد بتقسیمها إلى: ضروریَّات، وحاجیَّات، وتحسینیَّات، وتقعید العلاقة بینها([62])، وکذا محاولة الترتیب بین الکلِّـیَّات الخمس. لذلک وجب على المجتهد الموازنة بین المفاسد والمصالح عند التعارض، واعتبار الجهة الراجحة فی العمل، فتُجلَبُ أعظمُ المصلحتین بتفویت أدناهما، وتُدرَأُ أشدُّ المفسدتین بارتکاب أدناهما. وهذا المنهاج جارٍ على أصول الشریعة وقواعدِها، کما أنَّه نظر مستقیم على میزان العقل، ومتَّفَق علیه بین ذوی الفِطر السلیمة. وفیما یلی جملة من التطبیقات من خلال فتاوى الإمام تبیِّن مسلکه وقواعده فی الموازنة.

حفظ النفس مقدَّم على حفظ النسل:

سئل فیمن أقرَّت أنَّ بها حملا، وأنَّ فلانًا غلبها على نفسها؛ هل تُجلَد تعزیرًا وهی حامل أم لا؟ فأجاب بأن لا تجلَد ولا تعزَّر خوفًا من الحمل حتَّى تضع، وتحبس فی موضع لا یخاف منه على الحمل»([63]). فیلاحظ أنَّ الإمام اهتمَّ لحفظ حیاة الجنین، وأخَّر عنها عقوبة الزنا حتَّى تضع حملها.

حفظ الدین مقدَّم على حفظ المال:

یرى الإمام أنَّه عند وقوع نازلة اعتداء على دولة الإسلام، فیجب ردُّ العدوان والدفاع عن الدیار، وإذا احتاج الأمر إلى المال لإعداد العُدَّة فلا بأس ببیع أموال المساجد والأوقاف، حیث یقول: «لکن فی أموال المساجد والأوقاف سعة ولو ببیعها کما أفتى بذلک الشیخ القطب فی جواباته للأشیاخ... دفعًا لأعداء الدین»([64]). فحمایة البیضة بمجاهدة أعداء الإسلام حفظٌ للدین، ومصلحة حفظ الدین أولى من مصلحة حفظ المال.

درء المفسدة أولى من جلب المصلحة:

سئل الإمام عن حکم اتِّفاق أهلِ بلد على حجر البناء فی الرموم المحیطة بالعمران إذا نظروا فی ذلک صلاحا؟ فأجاب بأنَّ «دفع المفسدة العامَّة خیر من جلب المصلحة الخاصَّة، وإذا تبیَّن الضرر من البناء على أهل البلد فلهم منعه مع حصول المضرَّة»([65]). فنرى تقریره لقاعدة مقصدیَّة وهی أنَّ دفع المفاسد أولى من جلب المصالح، لاسیما إذا کانت الأولى عامَّة والثانیة خاصَّة، فالدفع أولى.

فعل ما ظاهره مفسدةٌ درءًا لمفسدة أعظم:

أحیانا یتَّجه الشارع نحو إباحة ارتکاب محظور من أجل دفع مفسدة أعظم، وذلک فی حال تعیُّن المسلک الحرام. من التطبیقات الفقهیَّة لدى الإمام أنَّه سئل عن حکم حرق المصاحف وما وجه فعل عثمان ذلک، وکیف لا یعدُّ إهانة؟ فأجاب: «أمَّا ما نقل عن عثمان فقد نقل، ولا یفعل ذلک عثمان وقصده الإهانة، فلعله تخوَّف أن لو دفنها أن تُحفَر، ورأى ذلک أحسم للمادَّة، وأقطع لأمر الخلاف والتخالف بین المسلمین، فقد هدم النبیُّ ﷺ مسجد الضرار، وأمر عمرُ بقتل الصحابة الأخیار إن لم یجتمعوا؛ وذلک لأنَّ الفرقة فیها فساد أمر المسلمین، والله أعلم، وأمَّا الیوم فلا وجه لحرق القرآن»([66]). فنجده أنَّه علَّل حرق عثمان للمصاحف بکونه أحسن وسیلة لدفع مفسدة الخلاف بین المسلمین، وهذا نظیر ما فعل العبد الصالح فی خرق السفینة، لئلا یغتصبها الملک الظالم.

ثانیا: مقاصد الشارع:

رفع الحرج:

من أهمِّ قواعد المقاصد الکبرى فی الشریعة «رفع الحرج»، وهو أصل دلَّت علیه نصوص کثیرة وأحکام فی مختلف أبواب الفقه، ودلیل على خاصِّـیَّة تمیَّزت به هذه الشریعة الغرَّاء وهی السماحة، ومقصد من مقاصد البعثة المحمَّدیَّة، کما قال تعالى: ﴿وَیَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِی کَانَتْ عَلَیْهِمْ﴾ (سورة الأعراف: 157). وکان من منهج الإفتاء عند الإمام الأخذ بالأیسر على المکلَّف، جریًا على قصد الشارع فی التکلیف وهو الرفق والتخفیف. فقد سئل عن حکم التیمُّم لمصاب بألم فی جسده فقال: «دین الله یُسرٌ، وإذا ظنَّ صاحب الألم أنَّ هذا الألم ممَّا یضرُّه الماء فلیتیمَّم ولا حرَج علیه»([67]). وفی مسألة زکاة الفائدة فإنَّه یرى أنَّها تُحمل على الأصل، ولا یُجعل لها وقتٌ إلاَّ وقت الأصل، وهذا رفعا للحرج([68]). وسئل عن حکم ما حدث من الأموال بعد الإیصاء هل تُلحَق بالموصى به؟ وفی حکم الإیصاء بمال لم یحدث بعد؟ فإنَّه یرى جواز ذلک، وأنَّ ما حدث من الأموال یلحق بأصله، ویعلِّل ذلک بقوله: «فإنَّ الوصیَّة إنْ قصرناها على یوم الإیصاء، ولم نُدخل فیها الذی یحدث یصیر فیه حرج ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [سورة الحجِّ: 78]»([69]). ویندرج ضمن أصل رفع الحرج قواعد الضرورة والعسر وما یقتضی ذلک من الأحکام الإجرائیَّة التی مناطها التخفیف؛ کالتیسیر وإباحة المحظور وغیر ذلک. وقد کان الإمام موظِّفا لهذه القواعد فی فتاواه، لاسیما إذا تعلَّق الأمر بالمصالح العامَّة. ففی مسائل الأفلاج سئل عن حکم إمرار فلج فی أملاک الناس، فقال بالجواز وإن کرهوا، ولاسیما إذا کانت تمرُّ فی عمق الأرض، وإن کانت الأرض صلبة أو جبلا کان الجواز أقرب، والضرورة تجلب التیسیر»([70]). وفی مسألة مجاوزة الذابح موضع الذبح حتَّى قطعَ الرقبة خطأ، فرخَّص فیها وأجاز الذبیحة؛ لأنَّه غیر متعمِّد، کما یرى أنَّه «لا یتَّفق للذابح أن لا یتعدَّى، فإنَّه عُسر، والعُسر یجلب التیسیر»([71]).

إزالة الضرر:

من کبرى القواعد التی نصَّت علیها الشریعة «لا ضرر ولا ضرار»، إذ دلَّت علیها أحکام مبثوثة فی مختلف فروع الشریعة، علمنا منها قطعا قصد الشارع إلى رفع الضرر بالخلق وتحریم الإضرار بهم. وصرَّح الإمام بهذه القاعدة فی غیر موضع، ووظَّفها فی أجوبته الفقهیَّة؛ فقد سئل عن حکم إحداث الجار بنیانًا فی زرعه إلاَّ أنَّه قریب من جاره، فهل لجاره الإنکار علیه، وهل یمنعه الحاکم إن خیف منه؟ فأجاب بأنَّ المسألة تحتاج إلى نظر لأجل تحقیق مناط الضرر، لکن «الضرر على کلِّ حال مرفوع»([72]). وفی باب الوصایا: سئل عمَّن أوصى بوقف تنفذ غلَّته على أولاد بناته، ولم یکن له إلاَّ بنتان فی حال الوصیَّة، فهل لمن یحدث من الأولاد بعد موت الموصی منابه من هذا الوقف؟ فکان جوابه: «إذا أوصى لأولاد بناته ولم یکن فی ذلک الوقت إلاَّ بنتان فالإیصاء یتوجَّه لأولاد الابنتین خاصَّة... ولا یدخل بنات بنت حدثت من بعدُ؛ لأنَّها لا یطلق علیها فی ذلک الوقت، وهی عدم أنَّها ابنته، ولأنه خلاف الظاهر... ولأنَّه فیه إدخال الضرر على هؤلاء، والضرر مزال»([73]).

ثالثا: مقاصد المکلَّف:

من أهمِّ قواعد المقاصد اعتبار مقاصد المکلَّفین وبواعثهم عند الحکم على أفعالهم جوازا أو حظرا. والقاعدة الأساسیَّة التی وضعها الشاطبیُّ فی هذا الباب: «قصد الشارع من المکلَّف أن یکون قصده فی العمل موافقا لقصده فی التشریع»([74]). ونحاول فی هذا الفرع استنتاج القواعد التی وظَّفها الإمام الخلیلی من خلال أجوبته الفقهیَّة:

سدُّ الذرائع:

والمسألة المشهورة المتَّصلة بهذا الأصل لدى الفقهاء هی بیوع الذرائع، حیث سئل الإمام عمَّن باع سلعة لآخر بمائة إلى أجل معلوم، فاشتراها البائع بثمانین نقدًا، فأجاب: «هذا لا یصحُّ فی زماننا هذا لسوء المقاصد وتذرُّعِهم بذلک إلى الربا»([75])؛ فنرى هنا اعتباره قصد المکلَّف المخالف لقصد الشارع فی البیوع، وأبطل المعاملة بناء على ذلک القصد الباطل؛ إذ کلُّ قصدٍ نَاقَضَ قَصْدَ الشارع فهو باطل. أمَّا إنْ لم یتبیَّن قصد المتعاقدین فی هذه المعاملة، فإنَّه لا یصرِّح بالحرمة، وإن کان یرى الأَوْلى الخروج من الخلاف، قال: «وإن لم یکن عن تواطؤٍ سابق بینهما فهو الذی وقع فیه الاختلاف، والخروج عن الاختلاف أولى ولا أقول بالحرمة»([76]).

فتح الذرائع:

سئل عن حکم أخذ مکس الأسواق، وهی ضریبة تفرضها الحکومة([77]) على کلِّ من یبیع شیئا فی السوق، فکان جوابه: «فإن أجرَوا [أی الحکومة المستعمرة] على الناس أمرا بظلمٍ فی خراج فالسلامة فی عدم الدخول، فإنْ رأى أحدٌ أنَّ عمَّال هؤلاء سیأخذون على الناس فوق ذلک، فتصدَّى للأمر وقصده الرفق بالمسلمین فغیر معنَّف، وأجاز المسلمون ذلک... ﴿وَاللَّهُ یَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [سورة البقرة: 220]»([78]). فنجد أنَّ الإمام رخَّص فی شراء المکس إذا کان القصد مشروعا، وهذا من باب فتح الذریعة المحرَّمة من أجل درء مفسدة أعظم.

التوسُّل بالمعصیة إلى أمر مشروع:

إذا لم یمکن التوصُّل إلى أمر مشروع إلاَّ بارتکاب الممنوع، فهل یجوز هنا التوسُّل بالممنوع للوصول إلى المقصود المشروع؟ أم أنَّ الأمر یختلف حسب رتبة المقصود إن کان ضروریًّا أو حاجیًّا أو تحسینیًّا؟ إن کان الأمر بیِّنا فی الضروریَّات، فالإشکال حاصل فیما دون ذلک.

ومن المسائل التی طُرحت على الإمام الخلیلیِّ أنَّه سئل عمَّن له حقٌّ على جاحده فأعوز البیِّنة إلاَّ شاهدی زور، فحُکم له بشهادتهما، ومَن له حقٌّ على جاحده، فأعوَزَ البیِّنة إلاَّ شاهدَی زور، فحکَم له به بشهادتهما، فهل یُحَرِّم فعلُه ما أخذَه بها لِتَوَصُّلِه إلیه بمحرَّم؟([79]). أفاض الإمام البحث فی هذه المسألة، ومیَّزها عن أشباهها ببیان الفروق، ثمَّ أصَّل الخلاف بقوله: «هل ما کان أصله حلالا ولم یکن التوصُّل إلیه إلاَّ بارتکاب معصیة، هل یحرم ذلک عقوبةً وسدًّا لباب المعصیة؟ أم یبقى على الحِلِّ نظرا إلى الأصل؟»([80]). ثمَّ استدلَّ لکلِّ رأیٍ وبیَّن مستنده، غیر أنَّه لم یصرِّح باختیاره.

على أنَّ الملاحظ فی هذه القضیَّة أنَّ صاحب الحقِّ أعوز البیِّنة فی استرجاع حقِّه من جاحده، فیمکن القول هنا: إنَّ الوسیلة المحرَّمة تعیَّنت للوصول إلى جلب مصلحة مشروعة، ونظیره فی الشرع کثیر، لاسیما عند الضرورات، والضرورات تبیح المحظورات. والنظر هنا إلى جواز هذه الوسائل المحرَّمة من حیث کونها وسیلة إلى تحقیق مقصد شرعیٍّ من جلب مصلحة أو دفع مفسدة، لا من حیث کونها معصیة. قال العزُّ بن عبد السلام: «وقد تجوز المعاونة على الإثم والعدوان والفسوق والعصیان لا من جهة کونه معصیة، بل من جهة کونه وسیلة إلى مصلحة...، ولیس هذا على التحقیق معاونة على الإثم والعدوان والفسوق والعصیان، وإنَّما هو إعانة على درء المفاسد، فکانت المعاونة على الإثم والعدوان والفسوق والعصیان فیها تبعا لا مقصودا»([81]).

المقاصد معتبرة فی العقود:

یتمیَّز التشریع الإسلامیُّ فی نظریَّة العقد بالجمع بین الإرادتین الظاهرة والباطنة لدى المتعاقدین، حیث اعتبر ألفاظهم، وراعى مقاصدهم فی إنشاء العقود. ومن القواعد المسطَّرة فی هذا الباب: «العبرة فی العقود للمقاصد والمعانی». ومن ممیِّزات الإفتاء عند الإمام الخلیلیِّ أنَّه اعتبر الباعث فی العقود من جهة، وألفاظ العاقِدین من جهة أخرى، وقد ذکرنا سابقا طرفا من الأمثلة فی هذا الباب([82]). ومن الأمثلة أیضا: أنَّه سئل عمَّن حَدَثَ من الأولاد بعد موت الموصی، فهل لهم حقٌّ فی الوقف الموصى به؟ فکان جواب الإمام: «أمَّا إذا أوصى لأولاده وأولاد أولاده ولم یکن لأولاده أولادٌ ذلک الوقت فأرى دخول من یحدث من أولاده عموما؛ لأنَّه من قواعدهم أنَّها لا تُلغى الألفاظ، فلو لم نقل بذلک لألغینا اللفظ، ومن قواعدهم أنَّ المقاصد معتبرة، ولا سیما إذا احتمل ذلک اللفظُ، واللفظُ یَحتمل العموم، بل ظاهر فیه، والظاهر أنَّه قصد التعمیم»([83]).

وواضح فی هذا النصِّ مراعاته لفظَ العاقد وقصده فی العقد، وهو نظر سدید جامع بین المبنى والمعنى. وفی موضع آخر یعلِّل رأیه فی تعمیم الوقف بمراعاته قصد الواقف، وهو أنَّ «الموصی أراد بالتوقیف التوسعة والاستمرار»([84])، وهو أمر لا یتحقَّق إلاَّ بالقول بتعمیم الوقف على مَن حَدَثَ من الأولاد بعد الوصیَّة.

ومن الأمثلة على مراعاته قصد الواقف دون الجمود على ظواهر الألفاظ أنَّه سئل عن مالٍ أوصی به لقراءة القرآن على قبر، ولا یُعلَم القبر ولا صاحبه فأجاب: «إنْ أُعین به من یعلِّم القرآن فوجه وجیه، فإنَّ صاحبه أراد القربة بالقراءة، فإذا کان وضعه للمعلِّم نال الأجر المطلوب، فإنَّ المعلِّم والأولاد کلَّهم یقرؤون القرآن، وقد نال المطلب، وفوقه إحیاء الدین»([85]). فنقلُ هذا الوقف إلى متعلِّمی القرآن یتحقَّق به قصد الواقف وزیادة، فکان نظر الإمام إلى معنى الوقف - وهو القربة - دون اعتبار شکلیَّته فحسب.

خاتمة:

بعد هذا التطواف فی رحاب مقاصد الشریعة من خلال جوابات الإمام محمَّد بن عبد الله الخلیلیِّ، وبعد قراءة متأنِّیة ومنتقاة لهذه الجوابات، حاول فیها الباحث إبراز ملامح النظر المقاصدیِّ لدى الإمام تأصیلا وتفریعا، خلص البحث إلى نتائج تتمثَّل فی الآتی:

- یتمیَّز منهج الاجتهاد عند الإمام الخلیلیِّ بقوَّة التأصیل والاستدلال للأحکام وفق نظر مقاصدیٍّ متین، جامع بین العقل والنقل، إذ جسَّد بهذا منحى المدرسة الإباضیَّة فی الاجتهاد، وأکَّد مرونة أصولها وقواعدها، وقدرتها على استیعاب القضایا المستجِدَّة بشریعة الله الخالدة.

- ندرة الآثار العلمیة للإمام جعل المادَّة فی مجال علم المقاصد شحیحة نوعا ما، لاسیما ما یتعلَّق بالجانب النظریِّ والتأصیلیِّ، إذ تتجلَّى أهمُّ آثاره المسطورة فی جواباته المتضمَّنة فی کتاب «الفتح الجلیل»، وغیرها مبثوثة فی کتب أخرى، ومع ذلک فقد تمَّ الوقوف على نصوص جلیلة وتطبیقات رائعة، تنمُّ عن نظر عمیق، وفکر دقیق، متبصِّر بقواعد المقاصد.

- تبیَّن إعمال الإمام لقواعد المقاصد فی مختلف نواحی الاجتهاد؛ تفسیرًا للنصوص، وترجیحًا بین الآراء، حیث تجلَّى الأمر أکثر فی استدلاله للنوازل والمسائل المستجِدَّة، لاسیما ما یتعلَّق بشؤون الأوقاف والعمران.

- تتمیَّز اجتهادات الإمام فی نظریَّة العقد باعتبار مقاصد المکلَّف أساسا، إلى جانب الألفاظ الدالَّة على المقصود، وکذا سدِّ باب الذرائع والحیل قدر الإمکان.

- من ممیِّزات شخصیَّة الإمام الخلیلیِّ کونه جمع بین الإمامة العلمیَّة والإمامة السیاسیَّة، وکان له أثر فی دراسة القضایا والمسائل النازلة ومعالجتها وفق منهج تکاملیٍّ یرمی إلى تحقیق مقاصد الشریعة العامَّة والخاصَّة، وذلک بمراعاة مصالح الأمَّة والأفراد معًا.

هذا، وإنَّا ندعو إلى دراسة منهجیَّة فی مقاصد السیاسة الشَّرعیَّة لدى الإمام، من مختلف جوانبها الحضاریَّة تنظیرًا وتطبیقًا، باعتبار ذلک نموذجا حقَّق جانبا من النجاح فی تطبیق مقاصد الشریعة فی سیاسة الرعیَّة، وتدبیر شؤون الدولة داخلیًّا وخارجیًّا.

وختاما، فهذه محاولة من مبتدئ فی دراسة آثار هذا العلَم الأشمِّ، فما کان فیها من صواب فمن الله، وما کان من زلل أو خطأ فمن نفسی، وهذا مبلغ علمی. والله من وراء القصد وهو یهدی السبیل، والحمد لله ربِّ العالمین.

([1])       رواه البخاری عن أبی هریرة فی کِتَاب الرقاق، باب القصد والمداومة عَلَى العمل، رقم 6098.

([2])       ینظر هذه المعانی فی: مختار الصحاح للرازی، ص254. لسان العرب لابن منظور، 3/353. القاموس المحیط للفیروزآبادی، 1/310.

([3])       الیوبی، سعد: مقاصد الشریعة الإسلامیَّة وعلاقتها بالأدلَّة الشَّرعیَّة، ص37.

([4])       الریسونی: الفکر المقاصدی قواعده وفوائده، ص37.

([5])       ابن القیِّم، محمَّد بن أبی بکر: إعلام الموقعین عن ربِّ العالمین، تح: مشهور بن حسن آل سلمان، ط. 1، دار ابن الجوزی، المملکة العربیَّة السعودیَّة، 1423هـ، 4/337.

([6])       الفتح الجلیل من أجوبة الإمام أبی خلیل، ص11.

([7])       المصدر نفسه، ص254.

([8])       رواه البخاری، کتاب الإیمان، باب الدین یسر، رقم: 39.

([9])       رواه البخاری معلَّقا فی ترجمة باب الدین یسر. ورواه أحمد بمعناه، مسند عبد الله بن عبَّاس، رقم2107.

([10])     رواه أبو داود عن أبی هریرة، باب فی الوقوف على الدابَّة، رقم: 2567؛ والبیهقی فی الکبرى، باب کراهیة دوام الوقوف على الدابَّة لغیر حاجة، رقم: 10335.

([11])     رواه أحمد من حدیث سهل بن معاذ، رقم: 15639؛ والدرامی فی سننه، باب فی النهی عن أن تتَّخذ الدوابُّ کراسی، رقم: 2710.

([12])     الفتح الجلیل، ص742.

([13])     من هذه المصطلحات: التعلیل، التعبُّد، التقصید، العلَّة، الحکمة، المصلحة...

([14])     ینظر: الغزالی: شفاء الغلیل فی بیان الشبه والمخیل ومسالک التعلیل، تح: حمد الکبیسی، مطبعة الرشاد، بغداد، 1390هـ/1971م، ص203. الشاطبی: الموافقات، 2/513.

([15])     هو أنَّ الأصل العامَّ فی الشریعة أنَّها معلَّلة برعایة مصالح العباد.

([16])     نظریَّة المقاصد، ص218-219.

([17])     رواه النسائی عن محجن، باب إعادة الصلاة مع الجماعة بعد صلاة الرجل لنفسه، رقم857؛ وأحمد، حدیث محجن الدیلی، رقم: 16395.

([18])     الفتح الجلیل، ص181.

([19])     المصدر نفسه، ص181-182.

([20])     المصدر نفسه، ص456.

([21])     المصدر نفسه، ص13.

([22])     المصدر نفسه، ص29.

([23])     المصدر نفسه، ص70.

([24])     المصدر نفسه، ص694-695.

([25])     المصدر نفسه، ص696.

([26])     المصدر نفسه، ص44-45.

([27])     المصدر نفسه، ص52.

([28])     المصدر نفسه، ص81.

([29])     الجوینی: غیاث الأمم فی التیاث الظلم، ص212.

([30])     الفتح الجلیل، ص709.

([31])     المصدر نفسه، ص707-708.

([32])     المصدر نفسه، ص706.

([33])     المصدر نفسه، ص14.

([34])     المصدر نفسه، ص13.

([35])     المصدر نفسه، ص737.

([36])     المصدر نفسه، ص624.

([37])     المصدر نفسه، ص747.

([38])     المصدر نفسه، ص182.

([39])     الجوینی: البرهان فی أصول الفقه، 1/206.

([40])     الفتح الجلیل، ص181-182.

([41])     المصدر نفسه، ص227-228.

([42])     لعله یقصد: الشیخ محمَّد بن إبراهیم الکندی صاحب «بیان الشرع»، توفِّی سنة 508هـ.

([43])     رواه البخاری، باب صفة النبی ^، رقم: 3560؛ ومسلم، باب مباعدته ^ للآثام واختیاره من المباح أسهله، رقم: 2327.

([44])     الفتح الجلیل، ص229.

([45])     المصدر نفسه، ص237.

([46])     رواه البخاری، باب الوصاة بالنساء، رقم: 5185؛ ومسلم، باب الوصیَّة بالنساء، رقم: 1468. ینظر: الأغبری: عقد اللآلئ السنیَّة، ص4-5.

([47])     الأبرص هو من أصیب بداء البرص، وهو بیاض یقع فی ظاهر الجلد. (ابن منظور: لسان العرب، 7/5)          

([48])     المجذوم هو من أصیب بداء الجذام، وهو علة تتآکل منها الأعضاء وتتساقط. (المعجم الوسیط، 1/113).

([49])     الرَّتْقَاء: من الرَّتْق: وهو انسداد محل الجماع من فرج المرأة بلحمٍ بأصل الخلقة. (الموسوعة الفقهیَّة الکویتیة، 22/95).

([50])     العَفْلاء: من العَفَل: وهو لحم ینبت فی قُبل المرأة بعدما تَلِد. (الموسوعة الفقهیَّة الکویتیة، 30/166).

([51])     النخشاء: لم أجده بهذا الوزن، ولعله من فعل نَخَشَ. ونُخِش الرجلُ: إذا هُزِل، وامرأة مَنْخُوشَةٌ: لا لحم علیها. (ابن منظور: لسان العرب، 6/352).

([52])     الفتح الجلیل، ص334.

([53])     المصدر نفسه.

([54])     المصدر نفسه، ص80-81.

([55])     المصدر نفسه، ص578.

([56])     المصدر نفسه، ص581.

([57])     المصدر نفسه، ص584.

([58])     المصدر نفسه، ص585.

([59])     الفتح الجلیل، نسخة مرقونة ومصحَّحة، المسألة رقم: 676.

([60])     المصدر نفسه، ص522-553.

([61])     قواعد الأحکام، 1/29.

([62])     کما فعل الشاطبی فی الموافقات، حیث عقَد المسألة الرابعة من النوع الأوَّل فی کتاب المقاصد لبیان أوجه الترابط بین هذه المراتب الثلاث، وعلاقة التأثیر والتأثر. (ینظر: الموافقات، 2/31 وما بعدها).

([63])     الفتح الجلیل، ص700.

([64])     المصدر نفسه، ص584.

([65])     المصدر نفسه، ص577.

([66])     المصدر نفسه، ص153-154.

([67])     المصدر نفسه، ص164.

([68])     المصدر نفسه، ص412، 413.

([69])     المصدر نفسه، ص413.

([70])     المصدر نفسه، ص540.

([71])     المصدر نفسه، ص271.

([72])     المصدر نفسه، ص551-552.

([73])     المصدر نفسه، ص412.

([74])     الموافقات: 3/23.

([75])     الفتح الجلیل، ص459.

([76])     المصدر نفسه، ص472.

([77])     وهو أسلوب کانت تستعمله الحکومة الفرنسیَّة فی الجزائر، وقد وقع خلاف فی هذه المسألة بین مشایخ وادی مزاب آنذاک.

([78])     المصدر نفسه، ص603.

([79])     المصدر نفسه، ص598.

([80])     المصدر نفسه، ص600.

([81])     قواعد الأحکام: 1/129.

([82])     یراجع: قاعدة: «مراعاة المصالح فی التصرُّف فی الأوقاف» تحت عنوان: أثر المقاصد فی الاجتهاد النوازلی.

([83])     الفتح الجلیل، ص412.

([84])     المصدر نفسه، ص414.

([85])     المصدر نفسه، ص581.
 

 

1-   ابن القیم، محمَّد بن أبی بکر: إعلام الموقِّعین عن ربِّ العالمین، تح: مشهور بن حسن آل سلمان، ط. 1، دار ابن الجوزی، المملکة العربیَّة السعودیَّة، 1423هـ.

ابن عاشور، محمَّد الطاهر: مقاصد الشریعة الإسلامیَّة، تح: محمَّد الطاهر المیساوی، ط. 2، دار النفائس، الأردن، 1421هـ/2001م.

ابن عبد السلام، عزُّ الدین عبد العزیز: قواعد الأحکام فی مصالح الأنام، مکتبة الکلِّـیَّات الأزهریَّة، القاهرة، 1414هـ.

ابن منظور، محمَّد بن مکرم: لسان العرب، ط. 1، دار صادر، بیروت، د. ت.

أبو داود، سلیمان بن الأشعث: سنن أبی داود، المکتبة العصریَّة، بیروت، د. ت.

أحمد بن حنبل: المسند، تح: شعیب الأرنؤوط وآخرون، ط. 1، مؤسَّسة الرسالة، بیروت، لبنان، 1421هـ/2001م.

الأغبری، سیف بن حمد: عقد اللآلئ السَّنیَّة فی الأجوبة على المسائل النثریَّة، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عُمان، 1404هـ/1984م.

البخاری، محمَّد بن إسماعیل: صحیح البخاری، ط. 1، دار طوق النجاة، 1422هـ.

الجوینی، أبو المعالی عبد الملک: غیاث الأمم فی التیاث الظلم، تح: عبد العظیم الدیب، ط. 2، مکتبة إمام الحرمین، د. ت.

الخلیلی، محمَّد بن عبد الله: الفتح الجلیل من أجوبة الإمام أبی خلیل، جمع وترتیب: سالم بن حمد الحارثی، المطبعة العمومیَّة، دمشق، 1385هـ/1965م.

الرازی، محمَّد بن أبی بکر: مختار الصحاح، ط. 5، المکتبة العصریَّة، بیروت، 1420هـ.

الریسونی، أحمد: الفکر المقاصدی قواعده وفوائده، ط. 3، دار الکلمة، القاهرة، مصر، 1435هـ/2014م.

الریسونی، أحمد: نظریَّة المقاصد عند الإمام الشاطبی، المعهد العالمی للفکر الإسلامی، فرجینیا، الولایات المتَّحدة الأمریکیَّة، 1416هـ/1995م.

الشاطبی، أبو إسحاق إبراهیم: الموافقات، تح: مشهور بن حسن آل سلمان، ط. 1، دار ابن عفَّان، الخُبر، المملکة العربیَّة السعودیَّة، 1417هـ/1997م.

الغزالی، أبو حامد: شفاء الغلیل فی بیان الشبه والمخیل ومسالک التعلیل، تح: حمد الکبیسی، مطبعة الرشاد، بغداد، 1390هـ/1971م.

الفیروزآبادی، محمَّد بن یعقوب: القاموس المحیط، ط. 8، مؤسَّسة الرسالة، بیروت، لبنان، 1426هـ/2005م.

مسلم بن الحجَّاج النیسابوری: صحیح مسلم، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، د. ت.

الیوبی، محمَّد سعد: مقاصد الشریعة الإسلامیَّة وعلاقتها بالأدلَّة الشَّرعیَّة، ط. 1، دار الهجرة، المملکة العربیَّة السعودیَّة، 1418هـ/1998م.