التأثیر في المخاطَب (مشهد وعظ لقمان في القرآن الکریم) أنموذجًا

الباحث المراسلد. منى بنت سالم الجابرية جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بنزوى

تاريخ نشر البحث :2022-11-15
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك  |   تحميل المقال

 

   إن القرآن الکریم یخاطب القلب والعقل معًا، فلا یغفل حاجة القلب من استثارة المشاعر والأحاسیس، وفی الوقت نفسه یجعل للعقل حظًا ومکانة فی خطابه، وقد جاء خطابه محققًا أهدافه مراعیًا أحوال مخاطبیه، من الناحیتین: النفسیة الوجدانیة، والفکریة الإقناعیة؛ ذلک أنه منهج حیاة، وسبیل للوصول إلى فلاح الدنیا، ونجاة الآخرة. ویمکن القول إن القضایا فی السور القرآنیة تعالج من جوانب عدة وبأسالیب وطرق متنوعة تتناسب وأحوال المخاطَبین: النفسیة والعقلیة، على اختلاف مشاعرهم وأحاسیسهم وتنوع مشاربهم فی الإدراک.

ورغم تنوع هذه الأسالیب، إلا أنها تکون متسقة مع بعضها ولا ینبو منها أسلوب عن الموضوع العام للسورة. ومن الأسالیب التی استعملها القرآن الکریم، عرض الموضوع فی هیئة قصة أو مشهد تخاطبی بین مخاطِب ومخاطَب -کما هو الحال فی وعظ لقمان لابنه- فالمشهد القصصی یأتی منسجمًا مع العناصر الأخرى فی السورة؛ ذلک أن القصة فی القرآن الکریم -کما هو معلوم- لا تهدف إلى مجرد الإمتاع والمؤانسة، وهی لا تأتی حشوًا واعتباطًا وإنما تحقق أهداف السورة ومقاصدها، وتتعاضد مع الأسالیب الأخرى المستعملة فیها. وسیسعى الباحث فی هذا البحث تأمل لغة القرآن الکریم وأسلوبه فی التأثیر على المخاطَب من الناحیتین: النفسیة الوجدانیة، والفکریة الإقناعیة، وتبین دور المشهد القصصی فی تحقیق أهداف القرآن الکریم؛ باعتباره أحد أسالیب التأثیر النفسی، والتأثیر الإقناعی فی الخطاب القرآنی.

ولا یدعی الباحث السبق فی تناول هذه الوصایا، فالذی بین أیدینا نص قرآنی تناوله المفسرون على مر العصور، فی تفسیرهم القرآن الکریم، وقد استفدت کثیرًا من علمهم، کما توجد دراسات حدیثة تناولت هذه الوصایا نذکر منها على سبیل المثال: هدایة الولدان شرح وصایا لقمان، للطهطاوی (علی أحمد عبد العال)، الطبعة الأولى، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 2004م، وکذلک نظرات وتأملات إیمانیة فی وصایا لقمان فی القرآن "دراسة تفسیریة موضوعیة"، العواجی (محمد عبد العزیز)، الجامعة الإسلامیة بالمدینة النبویة، 2006م، والوصایا "وصایا لقمان - الوصایا العشر- من وصایا الرسول"، حجاج (جهاد)، د.ط، دار العلم والإیمان، مصر، دسوق، 2007م. وجمیع هذه الدراسات تنحو منحى تفسیر الآیات وبیان معانیها وترکز على الجانب التربوی لهذه الوصایا، بینما ترکز هذه الدراسة على تأثیر الخطاب فی المخاطَب من الناحیتین: النفسیة الوجدانیة، والفکریة الإقناعیة؛ وذلک بدراسة الجانب التأثیری لأسلوب القص، ولغته وتأثیرهما فی متلقی القرآن، بالإضافة إلى الجانب التأثیری فی خطاب لقمان وطریقته فی وعظ ابنه.

وبناءً على ذلک ستقوم هذه الدراسة على: مقدمة ومبحثین، سیتناول المبحث الأول عرض المشهد بأسلوب مؤثر، وسیهتم بأسلوب القص وطریقة تقدیم المشهد للمخاطَب بالقرآن، أما المبحث الثانی فسیرکز على الوعظ بأسلوب مؤثر، ویهتم بخطاب لقمان لابنه، وستعنى الخاتمة بالنتائج. وسیتم الاعتماد على المنهج التحلیلی القائم على تحلیل الآیات القرآنیة فی ضوء أهداف البحث.

1- عرض المشهد بأسلوب مؤثر

    عُرِض مشهد وعظ لقمان بأسلوب مؤثر من جهة: الموقع الذی احتله فی السورة، وانسجامه وتلاحمه مع العناصر الأخرى فیها. فهو جزء لا یتجزأ من الخطاب العام للسورة التی ورد فیها. أضف إلى ذلک التهیئة المناسبة المشوّقة للمشهد، وتنویع عرضه بین السرد وحکایة القول وتوجیه خطاب مباشر لمتلقی القرآن، بالإضافة إلى انتقاء أفضل الألفاظ والعبارات المؤدیة للمعنى.

1-1انسجام المشهد فی السیاق الذی ورد فیه

   إن القرآن الکریم خطاب مترابط منسجم تتمیز سوره بالتناسق العجیب بین آیاتها، تکتنفها روابط لفظیة ومعنویة دقیقة، تتجلى فی تأثیرها على المخاطَب من الناحیتین: النفسیة الوجدانیة والفکریة الإقناعیة، فالقرآن الکریم خطاب موجه ولیس مدوّنة جُمِعَ فیها أشتاتٌ من مواضیع متفرقة، وإنی لأعجب من الذین یدَّعون أن سور القرآن مشتتة لا یربطها رابط، فنراهم یدللون على ذلک بما یؤکد على افترائهم لا على صدقهم وإصابة دعواهم، وقد أثبت القدماء وجود هذا الانسجام فی القرآن الکریم، فقد أکد الرازی(604هـ -1207م) أن "القرآن الکریم کما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانیه فهو أیضًا معجزٌ بحسب ترتیبه ونظم آیاته"([1]) وقد رکز فیه على التناسب بین الآیات، وعندما بحث عبد القاهر الجرجانی(471هـ -1078م) عمَّا أعجز العرب عن الإتیان بمثل القرآن أکّد أنهم "وجدوا فیه اتساقًا بهر العقول، وأعجز الجمهور، ونظامًا والتئامًا وإتقانًا وإحکامًا"([2]) ودرسه الزرکشی (794هـ -1391م) فی کتابه البرهان فی علوم القرآن([3])، وسمَّى البقاعی(885هـ -1480م) تفسیره "نظم الدرر فی تناسب الآیات والسور"([4]) قال فیه: "فعلم مناسبات القرآن علم تُعرف منه علل ترتیب أجزائه وهو سر البلاغة لأدائه إلى تحقیق مطابقة المعانی لما اقتضاه من الحال"([5]) وأکد السیوطی (911هـ -1505م) فی معترک الأقران أن من وجوه إعجاز القرآن "حسن تألیفه والتئام کلمه ومناسبة آیاته وسوره وارتباط بعضها ببعض حتى تکون کالکلمة الواحدة متسقة المعانی منظمة المبانی"([6]) وأفرد له کتابًا خاصًا سماه "تناسق الدرر فی تناسب السور"([7])، وفی الحقیقة إن بسط الحدیث عن الانسجام فی الخطاب القرآنی یحتاج إلى استقصاء وبحث قد لا یتسع المقام له هنا، کما أن الحدیث عن وجوه التماسک الکثیرة بین آیات القرآن وسوره یحتاج إلى بحث مستقل([8])، وسنعرض ضمن هذه الدراسة ما یؤکد الانسجام بین آیات القرآن الکریم، من طریق تأمل وصایا لقمان والآیات التی سبقتها وسیتم الاکتفاء بالتمثیل بالارتباط بین وصایا لقمان وما سبقها من آیات تجنبًا للإطالة، ولأن الفکرة ستتضح بشکل بارز عبر ربط الآیات بما سبقها دون التعرض لما بعدها. ولعل القارئ یتساءل عن علاقة الحدیث عن هذا الانسجام بـهذا المبحث "عرض المشهد بأسلوب مؤثر"، وفی الحقیقة إن الحدیث عن انسجام هذه الوصایا مع ما قبلها لا یخرج عن الإطار العام لهذا المبحث؛ ذلک أن الخطاب المنسجم المترابط له أثره الکبیر على المخاطَب؛ فهو یجعل الموضوع یصله بنیة متماسکة فیقوی فهمه ویزید من ترکیزه لوعی الخطاب وإدراک مقاصده وأهدافه، ویولّد لدیه مشاعر وأحاسیس منسجمة مع الخطاب، کما أن عرض المشهد یتعاضد مع الأسالیب الأخرى فی السورة؛ لتحقیق مقاصدها وهو لا یخرج عن الهدف العام لهذه المقاصد.

  ومما حقق الانسجام والترابط بین وصایا لقمان u وما سبقها من آیات، استعمال "الواو" العاطفة فی مستهل القص فی قوله U: ﴿وَلَقَدْ آَتَیْنَا لُقْمَانَ الْحِکْمَةَ أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ﴾ ([9])  یصور جانبًا من جوانب الارتباط بین هذه الوصایا وما قبلها فهی تعطفها على قصة الذین یشترون لهو الحدیث لیضلوا عن سبیل الله فی قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَیَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِینٌ﴾ وتذکر کتب التفسیر أن هذه الآیات تشیر إلى ما کان یفعله النضر بن الحارث فی عهد الرسول ﷺ فقد کان یسافر إلى بلاد فارس فیشتری قصص اسفندیار ورستم وبهرام ویعرضها على الناس وکان هدفه من ذلک صدَّهم وإلهاءَهم عن الاستماع إلى حدیث رسول الله ﷺ([10])  فالواو بذلک جمعت بین أنموذجین أحدهما لضال یشتری لهو الحدیث لیصد عن سبیل الله تعالى، وآخر لمهتدٍ حدیثه أنموذج لصدق الدعوة إلى الله وتنشئة الأجیال على منهاج الحق. إن هذا العطف یضع الأنموذجین أمام متلقی القرآن لیدرک المفارقة بینهما ویستشعر مدى ضلال من یشتری لهو الحدیث لیضل عن سبیل الله تعالى ومدى هدایة من یسعى بحدیثه جاهدًا لیهدی إلى سبیل الله. ورغم أن الأنموذج الأول (النضر بن الحارث) عایش فترة نزول القرآن الکریم، وذلک بالنظر إلى مناسبة نزول الآیات، والأنموذج الثانی (لقمان) عهده سابق على عهد النبوَّة، إلا إنهما قابلان للتحقق والتکرار على اختلاف الزمان والمکان.

     وإلى جانب الواو العاطفة یوجد رابط آخر کان له دور کبیر فی الاتساق بین وصایا لقمان وما قبلها، هذا الرابط هو "الحکمة"، فالمتأمل فی الآیات التی قصت وصایا لقمان u وما سبقها یستشعر الحکمة ویلمس وجودها حاضرة فی کل آیة فیها فهی تشکل رابطًا لفظیًا ورابطًا معنویًا نلمسه فی جوانب کثیرة عالجتها الآیات؛ فقد تکرر ذکرها لفظًا فی ثلاثة مواضع، ففی مستهل سورة لقمان وصف الله I القرآن الکریم بالحکمة حیث قال: ﴿تِلْکَ آَیَاتُ الْکِتَابِ الْحَکِیمِ ([11]) ووصف نفسه فی الآیات السابقة لقص الوصایا بأنه العزیز الحکیم قال تعالى: ﴿خَالِدِینَ فِیهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ﴾([12])، وقد بین فی مستهل قص وصایا لقمان بأنه قد آتاه الحکمة، یقول U: ﴿وَلَقَدْ آَتَیْنَا لُقْمَانَ الْحِکْمَةَ"﴾([13])، فالله حکیم أودع الحکمة فی کتابه، وآتاها لقمان u. ومن جهة أخرى، فإنه یقترن العلم والعمل فی تعریف الحکمة لدى القدماء؛ فقد عرَّفها الأصفهانی (503هـ -1109م) بأنها: "معرفة الموجودات وفعل الخیرات"([14]) وقال عنها الرازی(604هـ -1207م): "عبارة عن توفیق العمل بالعلم، فکل من أُوتی توفیق العلم بالعمل فقد أُوتی الحکمة"([15]) وعرفها البقاعی(885هـ -1480م) بأنها: "العلم المؤیَّد بالعمل، والعمل المُحْکَم بالعلم... ولهذا قال ابن قتیبة: لا یقال لشخص حکیمًا حتى تجتمع له الحکمة فی القول والفعل، قال: ولا یُسمَّى المتکلم بالحکمة حکیمًا حتى یکون عاملاً بها."([16]) فالحکیم هو من یحسن المواءمة بین علمه وعمله، فیستطیع وضع الأمور فی نصابها. وبناءً على ذلک، نجد الحکمة حاضرة فی کثیر من الجوانب التی تناولتها الآیات فهی فی الاهتداء بالکتاب الحکیم، وفی توحید الله وفی إفراده بالعبادة، وفی خلق الکون وتسخیره، وفی وعظ الأبناء وتربیتهم بتوجیههم إلى الطریق المستقیم، وفی عدم الاقتصار على الاهتداء، والتوجه إلى الغیر بالنصح والإرشاد، وفی شکر الله تعالى. وفی المقابل فإن من تمام البعد عن الحکمة الإعراض عن الآیات وعدم الانتفاع بها وصم الآذان، والصد عن سبیل الرشاد.

    وإلى جانب کون الهدایة والرشاد داخلة ضمن الحکمة، إذ یضع المهتدی عبادته فی موضعها الصحیح، والحکیم من لا یکتفی بکونه مهتدیًا وإنما یتوجه إلى غیره بالنصح والإرشاد، فإن الهدایة والرشاد تشکل من جهة قوَّة حضورها فی الآیات رابطًا من الروابط التی أسهمت فی اتساق الآیات، ففی مستهل السورة تحدید لسبیل من سبل الهدایة تکتنفه الحکمة هو الکتاب المتصف بالحکمة والمقصود به هنا القرآن الکریم الذی یمثل أنموذجًا للکتب السماویة، أودع الله فیه الحکمة لیکون سبیل هدایة ورشاد، وهو رحمة للمهتدین به یقول الله I فی الآیة الثانیة من هذه السورة: ﴿تِلْکَ آَیَاتُ الْکِتَابِ الْحَکِیمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِینَ﴾([17]) إن هذا الکتاب المتصف بالحکمة أُشیر إلى آیاته باسم الإشارة للبعید "تِلْکَ"، الدال على علوها ورفعة شأنها، وهی سبیل هدایة ورحمة للمحسنین الذین وصفوا بأوصاف تدل على تمیزهم عن غیرهم کما تمیزت آیات الکتاب، وهذا مدح للکتاب، ومدح للمهتدین به. وکما تکون الهدایة بالکتاب الحکیم فإنها تکون کذلک بعباد اصطفاهم الله بالحکمة لیکونوا هداة مهتدین ولقمان أنموذج لهذه الفئة، ووعظه یمثل سبیلًا من سبل الهدایة، أضف إلى ذلک لا بد للداعی إلى الله  من التسلح بالحکمة؛ لذلک ذُکِرَ اتصاف لقمان وتسلحه بها قبل عرض وصایاه، وکأن الحکمة منهج من مناهج الدعوة إلى الله وإلى الخیر والفلاح.

ومن جهة أخرى نجد الآیات فی مستهل هذه السورة قد قسمت الناس إلى فئتین فی  الهدایة والانتفاع بآیات الله؛ فئة المحسنین قال تعالى: ﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِینَ ﴾([18]) فهذه الفئة یهدیها الکتاب الحکیم فتتجلى الحکمة فی أعمالها الصالحة وفی عبادتها لربها، وفی یقینها بالآخرة، وفئة أخرى مقابلة لها، بعیدة عن الحکمة، ببعدها عن الهدایة وإبعادها لغیرها قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَیَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِینٌ﴾([19]) فهذه الفئة ضالة مضلة بعیدة تمام البعد عن الحکمة تشتری لهو الحدیث لتضل عن سبیل الله وتقابل الآیات بالاستکبار والإعراض. إن لقمان u یمکن تصنیفه ضمن الفئة الأولى فهو مهتد فی نفسه هادٍ بوعظه لغیره، وهذا بعکس الفئة الثانیة التی لم تسترشد بآیات الله فضلت وأضلت غیرها، فعطف قصته على قصتهم -کما ورد سابقًا- من باب عطف أنموذج مهتدٍ على أنموذج ضال، فیستشعر المخاطَب بالقرآن الفرق بین الهدایة والضلال ویدرک البون الشاسع بین المهتدی والضال. ومن جهة أخرى، یمکن القول إنه لما ذُکِرَ المهتدون والضالون وغدا الأنموذجان واضحان فی ذهن المخاطَب تاقت نفسه وتطلعت إلى معرفة کیف یسلک سُبُل المهتدین؟ وکیف یربی النشء على طریق الهدایة؟ لذا عُرِض علیه مشهد حی لمعالم الهدایة بما فیها من توحید وخُلُق وعبادة... إلخ، وکذلک الطریقة المثلى فی وعظ الأبناء وتربیتهم، وإرشادهم إلى طریق الهدایة.

   إن سورة لقمان فی إطارها العام تدعو إلى توحید الله U وهو من الروابط التی أسهمت فی إظهار هذه السورة منسجمة یقول الله I قبل قص الوصایا مخاطبًا المشرکین الذین حادوا عن توحیده: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِی مَاذَا خَلَقَ الَّذِینَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِی ضَلَالٍ مُبِینٍ﴾ ([20]) إن هذه الآیة خطاب مباشر وتحدٍ للمشرکین الذین یدَّعون وجود شریک لله فی الخلق والملک، وهنا تمت الإشارة بالقریب "هذا" إلى بعض من مخلوقات الله  استحضارًا لها بتقریب المتحدَّى به قریبًا محیطًا بالمتحدَّى واضحًا جلیًا. وفی الحقیقة إن التحدی بتقریب المتحدَّى به أشد وقعًا، وأشد إبکاتًا من التحدی بشیء غائب، أضف إلى ذلک أنهم قد أُمِروا أمر تعجیز "أرونی" والأصل فی الأمر أن یکون فی مقدور المأمور القیام به وتنفیذه، ولکن الله  یعلم أنهم لا طاقة ولا قدرة لهم على ذلک فلن یجدوا خلقًا خلقه غیره فلا وجود لخلق للذین یعبدونهم من دون الله، وهذه قمة الضلال ومنتهاه، وهنا خُتمت الآیة بإثبات أنهم غارقون فی ضلالهم، قال تعالى: ﴿بَلِ الظَّالِمُونَ فِی ضَلَالٍ مُبِینٍ﴾([21]) ومن جهة أخرى نجد وصایا لقمان تُستهل بالنهی عن الشرک فأول منادى له فی وصایاه u هو نهیه ابنه عن الاقتراب من ساحة الشرک: ﴿یَا بُنَیَّ لَا تُشْرِکْ بِاللَّهِ﴾([22]). والملاحظ کذلک أن المشرکین وُصِفوا بأنهم ظالمون، قال تعالى: ﴿بَلِ الظَّالِمُونَ فِی ضَلَالٍ مُبِینٍ﴾([23])، فالمشرک ظالم، ونجد لقمان فی وصایاه یعلل نهیه لابنه بعدم الشرک بـ ﴿إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ﴾([24]) فالشرک فی الآیتین ظلم، والمشرک ظالم.

   لقد عددت الآیات التی سبقت قص الوصایا نعم الله U التی تحیط بالخلق قال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِی الْأَرْضِ رَوَاسِیَ أَنْ تَمِیدَ بِکُمْ وَبَثَّ فِیهَا مِنْ کُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِیهَا مِنْ کُلِّ زَوْجٍ کَرِیمٍ﴾([25]) وجمیع هذه النعم توجب التوجه إلى الله بالشکر علیها. إنه لما بینت الآیات السابقة على مشهد وعظ لقمان لابنه فضل الله U على الخلق تاقت نفس متلقی القرآن إلى شکر الله، فانجلى المشهد لیرشده إلى مجالات الشکر: شکر الله واهب النعم؛ وشکر نعمة العلم والحکمة، ونعمة الأبناء، ومسخر الوالدین، العدل فی حکمه، فلا تخفى علیه خافیة، ولا یفوته شیء فی جزائه وثوابه، وهذا فی حد ذاته نعمة على الخلق. ومن جهة أخرى فإن الشکر قد ورد أربع مرات فی قص الوصایا قال تعالى: ﴿أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ﴾([26])، ﴿أَنِ اشْکُرْ لِی وَلِوَالِدَیْکَ﴾([27]) ویدخل الشکر فی مجال الحکمة فمن الحکمة أن یکون الإنسان شاکرًا لله، ومن شکر الله أن یکون الإنسان داعیا إلیه، ومن شکر نعمة الأبناء تعهدهم بالرعایة والاهتمام والوعظ، وهذا ما صوَّره مشهد وعظ لقمان لابنه.

    کان هذا عرضًا سریعًا لبعض من الروابط التی أظهرت انسجامًا وتلاحمًا بین الوصایا وما قبلها فالمخاطَب بالقرآن الکریم قبل أن تُقص الوصایا علیه یستشعر دور الحکمة فی الهدایة والرشاد، والفرق بین المهتدین بحکمة الکتاب والضالین البعیدین عن الحکمة وعن الرشاد، وجلال نعم الله ووحدانیته، فیعایشها قبل قص الوصایا کما یعیشها مرة أخرى فی المشهد القصصی، على هیئة خطاب موجه من حکیم لابنه، فیستوعبها ذهنه وتترسخ فی نفسه، بالإضافة إلى أن المشهد یعالج هذه الفکرة من زاویة أخرى هی ضرورة تنشئة الأبناء على هذه المحاور، والدعوة إلى الله، والتخلق بأخلاق المحسنین، وهو بذلک یقدّم أنموذجًا قابلًا للتکرار والحدوث على اختلاف الزمان والمکان.

1-2 التوطئة المناسبة للمشهد.

   قبل الدخول فی نقل خطاب لقمان لابنه تمت تهیئة متلقی القرآن نفسیًا وذهنیًا بمدخل قدَّم له وصفًا مهمًا لمحاور المشهد: المخاطِب والمخاطَب وموضوع الخطاب، ویمثل هذا المدخل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آَتَیْنَا لُقْمَانَ الْحِکْمَةَ أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ﴾([28]) فهو یحدد المعالم المهمة للمخاطِب، وکذلک قوله U: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ﴾ الذی یصور علاقته بالمخاطَب، وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ یَعِظُهُ﴾ الذی یوضح موضوع الخطاب، وبذلک تکتمل المعالم الرئیسة للمشهد، قبل عرضه على المتلقی؛ ولهذا أثره علیه، إذ یجعله یقبل بترکیز واستشراف وتشوق لمعرفته ووعیه، ویدرک الهدف العام من توجیه الخطاب، ویتصور الجو النفسی الذی یحیط بالشخوص، وما یربطهم من علاقات وروابط.

   إن قوله : ﴿وَلَقَدْ آَتَیْنَا لُقْمَانَ الْحِکْمَةَ أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ﴾([29]) یرسم المعالم المهمة للشخصیة الرئیسة فی المشهد "لقمان" وکل کلمة فی هذه الآیة لها أثرها ودورها فی ذلک. فقد استُهل القص باستعمال (لقد) وهو مکون من "لام القسم"([30]) ، و "قد" حرف دال على التحقیق، واقترانهما یفید التوکید والثبوت، فهما من أدوات التوکید فی اللغة العربیة، وهما لا یقترنان إلا بالفعل الماضی، فتوکیدهما إثبات للحدوث والکینونة فی الماضی. إن استعمال "لقد" قبل بدء القص یعطی المقصوص دلالة توکیدیة على صحة حدوثه ووقوعه، فهو یقدم للمتلقی شحنة توکیدیة قبل القص فیقبل على وعی ما یُقص علیه ویستشعر کونه فی حیز الواقع المهم الذی لا مراء فی حدوثه، وبذلک یثبت لدیه أهمیة ما یُقص علیه وحتمیة وقوعه قبل قص الخبر وعرضه علیه؛ مما یجعله فی یقظة ذهنیة تامة لتلقیه، واستعداد لوعیه وقبوله، وهذا یُعد من تقنیات القص القرآنی. ومما یُعطی هذه الوصایا شحنة توکیدیة أخرى قوله تعالى: "آَتَیْنَا" دون "أعطینا" ذلک أن "الإتیان أقوى من الإعطاء فی إثبات مفعوله، لأن الإعطاء له مطاوع تقول: أعطانی فَعَطَوْتُ ولا یقال فی الإیتاء آتانی فأتیت، وإنما آتانی فأخذت، والفعل الذی له مطاوع أضعف فی إثبات مفعوله من الذی لا مطاوع له."([31]) وآتینا من الأفعال التی "إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول فی المحل والفاعل مستقل بالأفعال التی لا مطاوع لها فالإتیان إذن أقوى من الإعطاء"([32]) والحکمة "إذا ثبتت فی المحل دامت"([33]). ومما یزید من تشویق المخاطب لهذه الوصایا وإقباله علیها ووعیه لها، إسناد "آَتَیْنَا" إلى ضمیر "نا" الدال على التعظیم إشارة إلى عظم ما آتى الله I لقمان من الحکمة، فالذات العظیمة أفعالها عظیمة. إن جمیع هذه المؤکدات ترسِّخ فی ذهن متلقی القرآن اتصاف لقمان بالحکمة قبل عرض خطابه. والسؤال الذی یطرح نفسه هنا: ما الهدف من ذکر ذلک قبل عرض الوصایا؟ وهل سیکون له تأثیر على متلقی القرآن؟

    إن کتب التفسیر تذکر حدیثًا عن اسم لقمان u ونسبه، ومکان عیشه، والأعمال والمهن التی کان یمارسها، فقد قیل: إنه لقمان بن باعوراء ابن أخت أیوب u أو ابن خالته، أسود نوبی من مصر... إلخ، وذکرت المراجع کذلک أنه کان نجارًا أو نجادًا أو خیاطًا أو راعیًا للغنم... إلخ، وقیل کان نبیًا، کما قیل إنه کان رجلا صالحًا ولم یکن نبیا([34]). وهذا کله لا یهمنا وقد لا یضیف إلى الهدف من قص الوعظ شیئًا جدیرًا بالاهتمام، الذی یهمنا هو ما قدمه الله I من وصف له فی مستهل عرض وصایاه، وذلک فی قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آَتَیْنَا لُقْمَانَ الْحِکْمَةَ﴾ إن هذه الآیة الکریمة تؤکد أن الله قد آتى لقمان الحکمة. إن وصف لقمان u بالحکمة قبل عرض وعظه لابنه على متلقی القرآن نکت منها: إنه یهیئه للإقبال على هذه الوصایا بتشوق واستشراف وتطلع، إذ یحرک نفسه فیکون شغوفًا ومتلهفًا لتلقی الوعظ ومعرفة فحواه، وقبوله، فلا یفوت جزءا منه، کما ینبهه لأهمیتها، فعندما یعلم أن الذی سیُعرض علیه وصایاه یتوشح بهذه الصفة؛ فإنه سینتبه لفهمها ووعیها بترکیز، أضف إلى ذلک أن وصفه بالحکمة یوحی بأهمیة هذه الوصایا ومصداقیتها فلا یصدر من حکیم إلا القول الموافق للحکمة. وبناءً على ذلک فإن الحکیم لابد أن یکون شخصًا تتمیز أفعاله وأقواله بالإصابة والاتزان وهو بذلک یستحق أن یقبل على کلامه بوعی وإنصات. والتساؤلات التی تتبادر إلى الذهن هنا: ما فائدة ذکر الشکر فی هذا السیاق وما العلاقة بینه وبین الحکمة فی قوله: ﴿وَلَقَدْ آَتَیْنَا لُقْمَانَ الْحِکْمَةَ أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ ﴾ ([35])؟ ولماذا قال: ﴿اشْکُرْ لِلَّهِ﴾ ولم یقل: اشکر الله؟ وما العلاقة بین الشکر والکفر فی قوله: ﴿وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ﴾؟ ولماذا قُدِّم الشکر على الکفر؟ وجاء (یَشْکُرْ) بصیغة الفعل المضارع بینما "کَفَرَ" جاء بصیغة الماضی؟ لقد صُوِّرَت الحکمة فی القرآن الکریم على أنها نعمة من نعم الله -تعالى- یختص بها من یشاء، وهذا ما نلمسه فی مواضع أخرى منها قوله تعالى: ﴿یُؤْتی الحِکْمَةَ مَنْ یَشَاءُ وَمَنْ یُؤْتَ الحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خیَرْاً کَثیِراً وَمَا یَذَّکَّرُ إِلا أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾([36]) وما دامت الحکمة نعمة عظیمة فیجب أن تقابل بالشکر یقول الجوزی فی زاد المسیر: "المعنى: وقلنا له: أن اشکر الله على ما أعطاک من الحکمة"([37])

ومن جهة أخرى فإن من الحکمة أن یکون الإنسان شاکرًا لله –عزوجل- قال الرازی(604هـ -1207م): "آتیناه الحکمة بأن جعلناه من الشاکرین"([38]) وشکر الله Uهو أساس الحکمة ولبها وهو مبدأ الکمالات علمًا وغایتها أصلاً"([39]) ونجد الحکمة فی شکر الله على نعمة الهدایة، وفی شکر نعمة الأبناء، ومن شُکر نعمة الأبناء اتباع الحکمة فی تربیتهم ورعایتهم، فهی منهج للتربیة والدعوة إلى الله، قال تعالى حاثًا النبی ﷺ على اتخاذها سبیلًا للإرشاد إلى الطریق المستقیم: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ﴾ ([40]) فقد اقترنت الحکمة بالوعظ فی هذه الآیة ولقمان قد تلبس بالحکمة فی وعظه ابنه. وفی قوله تعالى: "أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ" لام متصلة بلفظ الجلالة وهذه اللام تعمل على تقویة المعنى وتوکیده وإثبات اختصاص الشکر لله U فـــ "هی لام ملتزم زیادتها مع مادة الشکر للتأکید والتقویة"([41]) فتعدیة الشکر "باللام أفصح"([42]) من أن یأتی دونها. أما صیغة المرکب الشرطی: ﴿وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ﴾ فهو یحقق الترابط الدقیق بین مضمون الشرط ومضمون الجزاء، کما أنه یحصر فائدة الشکر ونتیجته للشاکر ولیس للمتوجه إلیه بالشکر، "والشرط أدل على ذلک من الإخبار"([43]) ومما یزید المعنى توکیدًا وجود اللام فی "لِنَفْسِهِ"، فهی تعطی الجملة شحنة توکیدیة، تصب فی المعنى الإجمالی للجملة وهو إثبات فوائد الشکر لذات الشاکر وفی هذا حث على مزید من الشکر، ومما یشحذ النفس على الشکر أن المشکور لا یفیده الشکر ولا یضره الکفر، وإنما تمام الفائدة عائدة على الشاکر نفسه لا یقاسمه فیها أحد، فهذا یجعل النفس تنشط للشکر، وجنی ثماره، فالشاکر إذا ما استشعر أن فوائد شکره تعود علیه وتختص به، فإن ذلک سیمثِّل حافزًا له لمزید من الشکر کما یجعله فی حال شکر مستمر.

إن شکر الله یزید النعم ویبارکها ویدیمها، قال تعالى مؤکدًا هذه الحقیقة: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکُمْ لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ وَلَئِنْ کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدٌ﴾([44]). والشکر کما قال الثعالبی فی سحر البلاغة وسر البراعة: "نسیم النعم، وهو السبب إلى الزیادة، والطریق إلى السعادة، الشکر قید النعمة ومفتاح المزید، وثمن الجنة... الشکر قید النعم وشکالها وعقالها"([45]) وهو "قید النعم الموجودة وصید النعم المفقودة"([46]). ولولا هذه الفوائد التی یجنیها الشاکر من توجهه بالشکر لله تعالى لما توعد الشیطان الشاکرین وتقصدهم فی هذه النعمة قال تعالى حکایة عنه: ﴿ ثُمَّ لَآَتِیَنَّهُمْ مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَیْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَکْثَرَهُمْ شَاکِرِینَ﴾([47]) ومن جهة أخرى یوجد بین الشکر والکفر علاقة تضاد ، فالشکر إظهار نعمة المنعِم على المنعَم علیه، أما الکفر فهو الستر والتغطیة یقول الأصفهانی(503هـ -1109م): "الشکر: تصور النعمة وإظهارها"([48]) وقال أیضا: "الکفر فی اللغة: ستر الشیء، ووصف اللیل بالکافر لستره الأشخاص والزرّاع لستره البذر فی الأرض"([49]) وفی عمدة الحفاظ: "الشکر تصور النعمة وإظهارها، ویضاده الکفر فهو نسیان النعمة وسترها"([50]) فالشاکر عندما یشکر نعم الله تعالى علیه، یظهر حق الله ویعترف بفضله علیه، وینسب النعم لله تعالى، والعکس یکون مع الکافر، فهو یحاول ستر فضل الله وحقه فی العبادة وهو لا یعترف بفضل الله ولا ینسب النعم إلیه. وفی القرآن الکریم یتضاد الشکر والکفر وباختلافهما یفترق جزاؤهما قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکُمْ لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ وَلَئِنْ کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدٌ([51]) وقد تم تقدیم ذکر الشکر على الکفر فی قوله: ﴿وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ﴾، ذلک أن المقام فی هذه الآیات مقام نصح ووعظ وهدایة وإرشاد فتقدیم الإیجابی وما فیه جائزة أفضل من تقدیم السلبی، ویوجب العقاب، وهذا یعطی النفس إقبالا على الطاعة، یقول ابن عادل فی اللباب معللا تقدیم الشکر على الکفر فی هذه الآیات وتقدیم الکفر على الشکر فی سورة الروم: "قدم الشکر على الکفران ههنا وقال فی الروم ﴿مَنْ کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ یَمْهَدُونَ﴾([52]) لأن الذکر فی الروم کان للترهیب... فقدم التخویف، وهنا الذکر للترغیب لأن وعظ الأب للابن یکون بطریق اللطف والوعد"([53]). ومن جهة أخرى یتناسب هذا التقدیم مع السیاق قبله فقد جاء قوله: ﴿أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ﴾ فالأنسب أن تأتی بعده نتیجة هذا الشکر، ولیس ما یضاده، وهذا من باب التناسق والانسجام فی الخطاب.

وقد عُبِّر مع الشکر بالفعل المضارع "یَشْکُرْ"، بینما جاء مع الکفر "کَفَرَ" بالفعل الماضی لأن صیغة المضارعة تدل على التجدد والاستمرار، وهذا ینسجم مع المعنى المعجمی للشکر، کما یتناسب وطبیعة نعم الله تعالى؛ فالشکر فی معناه المعجمی یعنی: إظهار نعمة المنعِم على المنعَم، ونعم الله I مستمرة متجددة لا تنقطع عن الإنسان فی کل وقت وحین، فی حیاته وبعد مماته، فقد یهیئ له من یدعو له ومن یغسله ویکفنه ویکرمه بالدفن، والجنة والنار من نعم الله تعالى، فالجنة جزاء المتقین هی نعمة من الله وفضل، والنار جزاء الکفار الظالمین هی نعمة من الله على المتقین؛ إذ یُجازى بها من یقف على طرفی نقیض من المؤمنین فلم یترک الظالمین سدى یفعلون ما یشاؤون فلا یحاسبون ولا یُقتص منهم على أعمالهم. قال تعالى: ﴿وَآَتَاکُمْ مِنْ کُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ کَفَّارٌ﴾([54]) وقال: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِیمٌ﴾([55])؛ ولذلک فلا بد للإنسان أن یکون فی حال شکر دائم مستمر، وکلما جدد الشاکر شکره تضاعفت النعم ودامت، ونجد أبواب الشکر کثیرة ومتنوعة، بتنوع النعم وتعددها، وهو یکون بالقلب واللسان وسائر الجوارح ([56]).

ومن جهة أخرى، یمکن القول إن الکفر من الأفعال الحادثة فکل جزء یقع منه فهو تام منقض، وهو من الأفعال التی بمجرد حدوثها تکون فی حیز الوجود، فلو قال شخص لا یوجد إله للکون، معتقدًا ذلک، فقد وقع الکفر منه، وکذلک لو لم یعترف بفضل الله علیه، أما الشکر فهو لا یکون مستوفیًا من الإنسان لتجدد النعم واستمرارها علیه فمهما شکر فإنه لن یفی حق الشکر لهذه النعم، یقول الرازی(604هـ -1207م): "الشکر ینبغی أن یتکرر فی کل وقت لتکرر النعمة فمن شکر ینبغی أن یکرر، والکفر ینبغی أن ینقطع، فمن کفر ینبغی أن یترک الکفران، ولأن الشکر من الشاکر لا یقع بکماله، بل أبدًا یکون منه شیء فی العدم یرید الشاکر إدخاله فی الوجود... فأشار إلیه بصیغة المستقبل تنبیها على أن الشکر بکماله لم یوجد، وأما الکفر فکل جزء یقع  منه فهو تام، فقال بصیغة الماضی"([57]).

وقد ختمت هذه الآیة بحقیقة مثبتة مؤکدة یمثلها قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ﴾، وهنا نجد لفظ الجلالة "اللَّهَ" الدال على الألوهیة، وصفتین من صفاته "غَنِیٌّ" و"حَمِیدٌ" فالشکر یکون متوجهًا لله الإله الحق، فهو المنعم على الإنسان بجمیع النعم. وکی لا یتوهم أن الله محتاج إلى هذا الشکر أو أنه یعود علیه بالنفع والفائدة ذکرت صفة "غَنِیٌّ"، وهی تشیر إلى الکفایة وعدم الحاجة إلى أی أحد، فلا یتوهم متوهم أن الله قد أمرنا بالشکر لحاجته إلیه، وإنما لحاجتنا نحن إلى ذلک. أما "حَمِیدٌ" فهو على وزن فعیل وهو یدل على أنه حقیق بالحمد وإن لم یحمده الحامدون، کما یأتی بمعنى "بمفعول"؛ أی أنه محمود فی ذاته وأفعاله فکل المخلوقات تنطق بحمده، یقول الألوسی: "(حَمِیدٌ) حقیق بالحمد وإن لم یحمده أحد أو محمود بالفعل ینطق بحمده تعالى جمیع المخلوقات بلسان الحال فحمید فعیل بمعنى محمود على الوجهین."([58]) والملاحظ هنا وصف الله بالحمید دون الشکور رغم أن سیاق الآیة قد ذکر الشکر وکرره فی ﴿ أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ﴾و ﴿مَنْ یَشْکُرْ﴾ و﴿فَإِنَّمَا یَشْکُرُ﴾ وفی الحقیقة إن "حَمِیدٌ" هنا أنسب من "شکور" فالحمد یکون أعم من الشکر یقول الألوسی: "الحمد متضمن الشکر فهو رأسه... فإثباته له تعالى إثبات للشکر له قطعًا"([59]) وکأن معنى الشکر ظل حاضرا وأضیف إلیه معنى أعم وأشمل منه. ومن جهة أخرى فإن الشکر یکون مقابلًا للنعمة أما الحمد فإنه یکون لما حسن من صفات الذات وأفعالها، فنتوجه بالشکر لمن یسدی إلینا معروفًا ونحمد من یسدی إلینا معروفًا ومن تستحسن أفعاله وصفاته، وإن لم یقدم إلینا شیئًا.

  وهنا اتضحت أهم معالم الشخصیة الأولى فی المشهد بأهم صفاتها وهی "الحکمة" فبهذه الصفة تتهیأ النفوس وتتشوق لقبول هذا الوعظ وتتهیأ العقول للوثوق فی صحته ووعی ما یقوله، وحمله على محمل الجد، وتأخذ هذه الوصایا مقاما من التعظیم وقدرا من الأهمیة، فهی منسوبة لذات حکیمة. إنها شخصیة یجب الإنصات بترکیز لما یصدر عنها من قول، فقولها یدور فی فلک الحکمة، وهذا الوعظ رد فعل شاکرة لنعم الله تعالى، مع التأکید على أن الله الإله الحق غنی حمید فشکرنا أو کفرنا نتائجهما مختصة بنا وفی هذا حث للمخاطَب بالقرآن وتنشیط له بأن یسعى جاهدًا بأن یکون شاکرًا وهذه الموعظة تُعد بابًا من أبواب الشکر وأنموذجًا حیًا بإمکان المقصوص علیه الخطاب أن یحتذیه.

     وبعدما اتضحت معالم الشخصیة الأولى (المخاطِب)، جاء الانتقال إلى الشخصیة الثانیة فی المشهد التخاطبی وهی المتوجه إلیها بهذا الوعظ، وقد حددها قوله: "لابنه"، إن هذه الکلمة تظهر أهم صفة من صفات المخاطَب، إلى جانب ما تحمله من المعانی العمیقة والدقیقة تضیء جوانب کثیرة مرتبطة بهذا المقام، وما تلقیه من ظلال المشاعر والأحاسیس التی تربطه بالمخاطِب وتحفهما فی المشهد التخاطبی، کما توحی بمصداقیة الخطاب والإخلاص فی توجیهه، فالأب یکون صادقًا مخلصًا فی وعظه حریصًا تمام الحرص على من یتعهده برعایته واهتمامه؛ لذلک اختیرت هذه الکلمة "ابن" دون "ولد" فکلمة "ولد" تحمل معنى الولادة، وعلاقة الکینونة والوجود، وهی تُستعمل فی القرآن الکریم فیما یتعلق بالولادة کالمیراث فالولد یرث والدیه ویرثانه بناء على رابط الولادة قال تعالى: ﴿یُوصِیکُمُ اللَّهُ فِی أَوْلَادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ﴾([60]) وکذلک ما یتعلق بالرضاعة قال تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ یُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَیْنِ کَامِلَیْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن یُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَکِسْوَتُهُنَّبِالْمَعْرُوفِ﴾،([61]) والتکاثر بالمال والولد قال تعالى: و﴿َقَالُوا نَحْنُ أَکْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِینَ﴾([62]) وقال: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِینَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَیْنَکُمْ وَتَکَاثُرٌ فِی الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾([63])، أو بإثبات أن الحکم یوم القیامة قائم على العدل والعمل الصالح ولن تنفع الأموال ولا الأرحام ومن بینهم الأولاد قال تعالى: ﴿لَنْ تُغْنِیَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئًا أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ﴾ ([64]) أما کلمة "ابن" فتشیر إلى التربیة والنصح والإرشاد والرعایة والاهتمام وهذا الوعظ یؤکد ذلک. وقد ورد فی الفروق اللغویة لأبی هلال العسکری(395هـ - 1005م): "الابن یفید الاختصاص ومداومة الصحبة...وقیل: أصل الابن التألیف والاتصال."([65]) ومما یؤکد أن العلاقة بین "الأب" و"الابن" لا تقتصر على الولادة أن الآباء فی القرآن الکریم قد یکونون الأجداد قال تعالى على لسان یوسف u: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِی إِبْرَاهِیمَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ مَا کَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِکَ بِاللَّهِ مِنْ شَیْءٍ ذَلِکَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَیْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لَا یَشْکُرُونَ﴾([66]) "ویسمى العم مع الأب أبوین قال تعالى فی قصة یعقوب: ﴿ أَمْ کُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ یَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِی قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَکَ وَإِلَـهَ آبَائِکَ إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾([67]) وإسماعیل لم یکن من آبائهم وإنما عمهم"([68]). إن القرآن الکریم یستعمل "ابن" عندما یظهر مدى تعلق الإنسان بأبنائه وأنهم الأغلى فی قلبه، فنجد فی مشهد الرعب والفزع یوم القیامة یبدأ الإنسان بالفرار من أقاربه فیکون الأبناء هم آخر من یفر منهم، لشدة تعلقه بهم فی الدنیا([69])، أما فی مشهد الافتداء من العذاب فالأبناء هم أول من یخطر على بال المجرم لیفتدی به من عذاب یوم القیامة، لأنهم الأغلى والأحب لدیه، وهو مقبل على عذاب شدید فلشدة هلعه منه جاء بالأغلى لینجو من العذاب([70])، ونجد نوحاً u یناشد ابنه برباط البنوة والأبوة التی تربطهما علَّه یرق قلبه فیؤمن وینجو من طوفان الدنیا ومن نار الآخرة،([71]) ومن جهة أخرى فإن إبراهیم u ناشد أباه بهذا الرابط([72]). فی حین إن أباه لم یکترث لذلک فناداه باسمه وقد حل کل عروة تربطهما([73]). إن کلمة "ابن" تقتضی أبًا، والأب هو المربی والمتعهد بالرعایة والصلاح، ولقمان u یؤدی فی وعظه دور الأب المتعهد بالتربیة والسمو والرقی بابنه، هذا الدور الذی قد یغیب عن بعض الوالدین فیقصرون أنفسهم على دور الولادة ویتناسون دورًا أسمى متمثلًا فی "الأبوة"، فلیس کل والد هو أب لأبنائه، إن رابط البنوة والأبوة یقتضی تقمص الأب دور المربی، وهذا یشیر إلى وظیفة سامیة للوالدین علیهم أن یراعوا حقها، فیکونوا والدین وآباء، وهذا الوعظ من لقمان، یوجه إلیهم رسالة مهمة لینتحلوا هذا الدور فیتوجهون بالوعظ والإرشاد لأبنائهم فمن الحکمة تربیتهم بالوعظ والنصح والإرشاد، ومن باب شکر الله تعالى على نعمة الأبناء إصلاح حالهم عقیدة وعبادة وتعاملًا مع أفراد مجتمعهم، وتعاهدهم بالتربیة فی ریاض الدین. ویمکن القول إن تحدید العلاقة بین طرفی الخطاب بالأبوة والبنوّة القائمة على الرعایة والاهتمام یوحی لمتلقی القرآن أن الهدف من الخطاب لا تشوبه شائبة، إنما نابع من القلب، فالنصیحة والوعظ عندما تکون صادرة من الأب الذی هو أحرص الناس على صلاح أبنائه ورعایتهم والإخلاص لهم تکون نابعة من قلب محب مخلص فی وعظه حریص تمام الحرص على من یعظه فلا شک فی فوائد هذه النصیحة ومصداقیتها، وهذا یجعل متلقی القرآن یقبل علیها بنفس مطمئنة، کما یجعل الابن واثقًا من کلام أبیه.

   وبعدما اتضحت شخصیتا المخاطِب والمخاطَب تم الانتقال إلى موضوع الخطاب وهدفه وأسلوبه، وقد بینه قوله تعالى: ﴿وَهُوَ یَعِظُهُ﴾ یحدد لنا موضوع الخطاب وإذا ما بحثنا فی معاجم اللغة عن معنى "الوعظ" فإننا سنجد تعریفات عدة له، فقد عرفه الخلیل(711هـ -1311م) بأنه: "التذکیر بالخیر وما یرق له قلبه"([74]) وفی الصحاح: "الوعظ: النصح والتذکیر بالعواقب"([75]) وفی مقاییس اللغة: "وَعَظَ الواو والعین والظاء کلمة واحدة فالوعظ التخویف"([76]) وفی لسان العرب: "النصح والتذکیر بالعواقب"([77]) وفی عمدة الحفاظ: "الوعظ: التخویف، وقیل زجر مقترن بتخویف"([78]) وفی المصباح المنیر: "وَعَظَه یَعِظُه وَعْظًا وعِظَةً: أمره بالطاعة ووصَّاه بها"([79]) وعرفه الفیروزآبادی (817هـ -1414م) فی القاموس المحیط بقوله: "وعظه یعظه وعظًا وعِظة وموعظة ذکَّره ما یُلیِّن قلبه من الثواب والعقاب"([80]) وعرفه فی بصائر ذوی التمییز: "زجر مقترن بتخویف"([81])، الذی یبدو من هذه التعریفات أن الوعظ ینحو منحى التلطف والترفق والتذکیر بالنتائج، واعتباره "تخویف"، لا یمنع من أن یُتبع الأسلوب الرقیق فی التخویف بالعواقب، أما تعریفه بأنه "زجر" فالذی یبدو أن السمین(657هـ -1258م)، قد أورده من باب ذکر الآراء المختلفة أو المتعددة بدلیل قوله: "وقیل" وقد تبناه الفیروزآبادی(817هـ - 1414م) فی بصائر ذوی التمییز دون القاموس المحیط، ولعله فی عدِّه الوعظ زجرًا راعى استعماله فی الصوت ذلک أن "الزجر" "یُستعمل فی الطرد تارة وفی الصوت أخرى"([82]) والوعظ توجیه بصوت وهو قد عرّف الزجر فی بصائر ذوی التمییز بقوله: " الزَّجر: طرد بصوت، ثم یُستعمل فی الطرد تارة وفی الصوت أخرى"([83]) وإنی أتحفظ على عدِّه الوعظ زجرًا لما فیه من تلطف وترفق یخلو منه الزجر وهذا ما أکدته المعاجم اللغویة -فیما ورد سابقًا- فالوعظ فیه تحریک للمشاعر والأحاسیس بلطف ولین. والجدیر بالذکر تأتی تسمیة من یقوم بالإرشاد فی الجانب الدینی واعظًا دینیا ولیس ناصحًا أو زاجرًا؛ لأن الدعوة إلى الله I یجب ألا تکون بجفاء إنما باستثارة المشاعر والأحاسیس وترقیق القلوب وإقناع العقل، وسیأتی فی المبحث الثانی من هذه الدراسة ما یثبت ذلک من خطاب لقمان لابنه. ومن جهة أخرى فإن تصنیف مجال الخطاب بأنه وعظ، یجعل المتلقی یحاول جاهدًا أن یأخذ الأسس التی بنی علیها على الوعظ ویدرکها لتکون له دعائم فی تربیته لأبنائه أو فی توجهه للوعظ لأی کان. والتساؤل الذی یتبادر إلى الذهن هنا ما العلاقة التی تربط بین الوعظ والحکمة؟

  یمکن القول: إن الوعظ الذی توجه به لقمان لابنه یترجم فی مجمله جانبًا من جوانب الحکمة؛ ذلک أن من الحکمة أن یکون الإنسان متعظًا فی نفسه واعظًا لغیره صالحًا فی نفسه مصلحًا لغیره، فمن الحکمة صلاح النفس وإصلاح المجتمع یقول الزجاج(311هـ -923م) رابطًا بین الحکمة والوعظ: "هذه الموعظة حکمة"([84]) والحکمة سبیل من سبل الدعوة إلى الله تعالى، فقد أُمِر الرسول ﷺ أن یعتمدها فی دعوته إلى الله سبحانه قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ﴾([85]). وبذلک تکتمل لدینا إحداثیات المشهد: الزمان والشخوص وموضوع الخطاب، فالزمان سابق ماضٍ مؤکد الحدوث والکینونة، والمخاطِب هو لقمان المتصف بالحکمة وتربطه بالمخاطَب علاقة أبوة وبنوة، والموضوع الوعظ، الذی یبدو من الموضوع أنه یدور فی إیجاد شخصیة متکاملة ناجحة دنیا وآخرة راقیة فی إیمانها سامیة بأخلاقها منسجمة مع مجتمعها، بأسلوب رقیق لطیف یأخذ بالقلب والنفس والعقل. وبناءً على ما جاء فی هذا المبحث یمکن القول إنه قبل بدء عرض الوصایا على متلقی القرآن تم التمهید لذلک بمُدخل رائع کان له دور بارز فی تهیئته نفسیًا وذهنیًا لتلقی الخبر وتشویقه إلیه فیدرک أن الکلام الذی سیُقص علیه لیس مجرد خبر عابر، أو قصة للسمر وإنما هو حدیث یجب الإنصات إلیه وحمله محمل الجد، صادر من شخص حکیم موجه لفلذة الأکباد، دائر فی موضوع ینم عن صلاح وموجه لصلاح، کل هذا بلغة دقیقة، وأسلوب شائق رقیق.

1-3 عرض المشهد بأسالیب متنوعة

     إن القرآن الکریم ینوع فی أسالیبه فتأتی منسجمة متناسقة تتعانق لتحقیق الأهداف والمقاصد لذلک فإننا نجد فی مشهد وصایا لقمان تعاضد السرد والنقل المباشر للقول واعتراض المشهد بتوجیه خطاب مباشر لمتلقی القرآن فی تحقیق الهدف من عرض المشهد؛ فاضطلع السرد -کما اتضح من المبحث السابق- برسم الإحداثیات المهمة للمشهد، والتمهید لحکایة خطاب لقمان، ووجه النقل المباشر للقول متلقی القرآن إلى منبع الخطاب کما أکسب المشهد حیویة.

إن عرض الموضوع أو الفکرة فی هیئة مشهد تخاطبی حی یستثیر مخیلة المتلقی فیرى المشهد ماثلًا أمامه، الأمر الذی یجعل المعنى راسخًا فی ذهنه متمکنًا من نفسه؛ إذ یُترک للشخوص مجال ودور فی إیضاح الفکرة، فیعبرون عن مکنوناتهم، فیستشعر متلقی القرآن ما یلف المشهد من مشاعر وأحاسیس تربط بین الشخوص فیصغی إلیها وهی تتخاطب ویفکر ویـتأمل خطابها وکأنه قریب منها، وهذا ما سیؤکده المبحث اللاحق. ولم یکن متلقی القرآن بعیدًا عن المشهد فقد تم الالتفات إلیه بتوجیه خطاب مباشر فتحول من مستمع إلى مخاطَب، وکأننا انتقلنا من زمن المشهد أو المقصوص الذی هو الماضی، إلى حاضر القص، فیجد المخاطَب بالقرآن نفسه موجهًا إلیه وعظ مرتبط بوشائج بوعظ لقمان لابنه وذلک فی قوله تعالى: ﴿وَوَصَّیْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَیْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى ...ثُمَّ إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾([86]). إن هاتین الآیتین تعترضان وصایا لقمان فبعد أن بدأ عرض الوصیة الأولى التی توجه بها لقمان لابنه بقوله: ﴿یَا بُنَیَّ لَا تُشْرِکْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ﴾([87]) تم قطع الوصایا واعتراضها بهاتین الآیتین، ولکن ما مناسبة هذا الاعتراض؟ وما الوشائج التی تربطهما بالوصایا؟ ولماذا تم توجیه الخطاب إلى متلقی القرآن؟

إن هاتین الآیتین خطاب مباشر من الله I إلى کل ولد، وصیة موجهة منه إلیهم تجاه والدیهم،([88]) وقد جاء مضمونهما لتأکید ما فی الوصایا من النهی عن الشرک بالله تعالى([89])؛ لتأکید خطره، ولأن العقیدة هی أول ما یبدأ به فی الإصلاح، وتمثلان تحذیرًا للمخاطب بالقرآن وتنبیهًا له بأنه هو أیضًا مأمور بالبعد عن ساحة الشرک وعدم الاقتراب من حدودها فیثبت على التوحید، ولو وُجِهَت إلیه الدعوة إلى الشرک من أحق الناس إلیه بحسن الصحبة، فعلیه ألا یتهاون فی عقیدته، التی تُقدَّم وشیجتها على وشائج الدم والقرابة والرحم، إنها وصیة من الله U عبر الزمان والمکان والشخوص، وبعد هذا التنبیه عاد السیاق لاستکمال وصایا لقمان یقول الزمخشری (683هـ -1284م): "فإن قلت هذا الکلام کیف وقع فی أثناء وصیة لقمان؟ قلت: هو کلام اعترض به على سبیل الاستطراد تأکید لما فی وصیة لقمان من النهی عن الشرک."([90]) وقد قیل إن الآیتین نزلتا فی الصحابی الجلیل سعد بن أبی وقاص t فهو عندما دخل فی الإسلام أرادت أمه أن تثنیه وتعیده إلى الشرک فأقسمت ألا تأکل أو تشرب حتى یرجع عن الإسلام ولکنه ثبت على دینه، وهذا على رأی الکثیر من المفسرین منهم: الزجاج(311هـ -923م)([91])، والزمخشری(683هـ -1284م)([92])، وابن الجوزی(597هـ -1201م)،([93]) 
وخالفهم ابن عاشور إذ قال: "لا یحسن ما ذهب إلیه جمع من المفسرین، أن هذه الآیة نزلت فی قضیة إسلام سعد بن أبی وقاص وامتعاض أمه؛ لعدم مناسبة السیاق؛ ولأنه قد تقدم أن نظیر هذه الآیة فی سورة العنکبوت نزل فی ذلک، وأنها المناسبة لسبب النزول فإنها أُخلیت عن الأوصاف التی فیها ترقیق على الأم، بخلاف هذه، ولا وجه لنزول آیتین فی غرض واحد ووقت مختلف"([94]) ویمکن القول إن الآیتین توجیه عام لکل ولد مؤمن بالله تعالى بأن یرعى حق والدیه ویبرهما فی الأمور الدنیویة، ولکن لا یتهاون فی عقیدته، فلا یتبع فیها إلا سبیل المؤمنین.

لقد استُهِلَت الآیتان بقوله تعالى: ﴿وَوَصَّیْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَیْهِ﴾ وهذه العبارة توحی بالعدید من المعانی العمیقة الدقیقة، وذلک من جوانب عدة، منها: المعنى المعجمی لـ"وصَّى" وتشدید عین الفعل فیه، واستعمال صیغة الماضی، وإسناده إلى ضمیر "نا" الدال على التعظیم، وإیثار لفظ "والدیه" الدال على الولادة، على لفظ أبویه. إن المعنى المعجمی لـ"وصَّى" یؤکد قدم وصیة الله بالوالدین وتتابعها وأهمیتها، فقد ورد فی معجم مقاییس اللغة: "وَصَى: الواو والصاد والحرف المعتل: أصل یدل على وصل شیء بشیء... والوصیة من هذا القیاس، کأنه کلام یُوصى أی یوصل"([95]) فکل إنسان لا یخلو من أن یکون ولدًا لوالدین، وهو قد یکون والدًا، وهذا یعطی الوصیة تتابعًا عبر الأجیال، وقد جاء فی القرآن الکریم ما یؤکد أن الرسالات السابقة قد دعت إلى ذلک، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِیثَاقَ بَنِی إِسْرَائِیلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَاناً﴾([96]) فالإنسان منذ القدم موصَّى بوالدیه، وعلیه ألا یحید عن هذه الوصیة، وقد جاء فی معجم مفردات القرآن للراغب الأصفهانی(503هـ -1109م) فی معنى "وَصَّى": "التقدم إلى الغیر بما یُعمل به مقترنًا بوعظ" وبناءً على هذا المعنى نجد تساوقًا بین الطلب والوعظ، وکأنها طلب على صورة الوعظ والإرشاد، وقد اتضح سابقًا أن الوعظ فیه تحریک للنفوس واستثارة للمشاعر والأحاسیس، ویضاف إلى هذا المعنى توجیه الأمر بالقیام بالفعل، ولو جاء على لفظ "أمرنا" أو "أوجبنا" لکان مقتصرًا على طلب القیام والإلزام دون ما یحمله الوعظ من استثارة للمشاعر وترقیق للقلب وتنشیط للذهن. وقد جاء وصّى بصیغة الفعل الماضی، لما تحمله هذه الوصیة من دلالة على المضی والانقضاء ووجوب التحقق والکینونة وثباتها، فمنذ القدم الإنسان موصّى ببر والدیه، وهی من الأمور الثابتة فی الرسالات السماویة. وتشدید الصاد فی "وَصَّیْنَا" دون "وَصَینا" أو "أَوْصَینَا" یجعل الفعل أدل على مفعوله منهما، کما أنه یوحی بکون أمر هذه الوصیة مهمًا وشدیدًا؛ کون الزیادة فی المبنى تؤدی إلى زیادة فی المعنى، ویوحی اتصال الضمیر "نا" بالفعل فی "وصَّینا" بارتباط هذه الوصیة بفاعلها واستعمال هذا الضمیر "نا" الدال على التعظیم یشیر إلى علو مصدرها وارتفاع منزلة هذه الوصیة فالذات العظیمة لا یصدر منها إلا ما هو عظیم الشأن، فهی صادرة من ذات عظیمة وهو الله U وأن تأتی هذه الوصیة بنحو مباشر من الله I فهذا یمثل تأکیدًا لأهمیتها ویشیر إلى ضرورة تأدیتها على أفضل وجه، کذلک استعمال لفظ: "الإنسان" على إطلاقها دون الأولاد برغم أن قوله "بوالدیه" یوحی بأن الموصّى هم الأولاد فقد قال: ﴿وَوَصَّیْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَیْهِ﴾([97]) ولم یقل: وصینا الأولاد بوالدیهم؛ وذلک لما یحمله هذا اللفظ من  دلالة على الأنس والاستئناس، والاتصال بحاجة بعضهم بعضًا وأنسهم ببعضهم بعضا فالإنسان یأنس بوالدیه وهو مصدر أنسهما، وهو یؤنس والدیه کما یأنس بأولاده وصحبتهم وهکذا یکون البر ماضیًا متصلا. یقول الأصفهانی(503هـ -1109م) فی ذلک: " الإنسان قیل: سُمی بذلک لأنه خُلِقَ خلقة لا قوام له إلا بأنس بعضهم ببعض، ولهذا قیل الإنسان مدنی بالطبع من حیث لا قوام لبعضهم إلا ببعض، ولا یمکنه أن یقوم بجمیع أسبابه، وقیل سُمی بذلک لأنه یأنس بکل ما یألفه"([98]).

وهنا المقام مقام أمر وحث على بر الوالدین ومصاحبتهما حتى فی أشد حالات الجفاء منهما (مجاهدة الابن على الشرک بالله) ورغم ذلک جاء أمر الله: ﴿فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا﴾. والملاحظ هنا أیضًا أن الوصیة جاءت بالوالدین ولیس بالأبوین فقد قال: ﴿وَوَصَّیْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَیْهِ" ولم یقل: بأبویه، برغم أنه قد قال فی الآیة التی قبلها: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ ﴾ولم یقل لولده، والابن – کما ورد سابقًا– یقتضی أبًا بینما الولد یقتضی والدًا، وفی الحقیقة إن العلاقة هنا أساسها الولادة فالإنسان مطالب برعایة وبر من أنجباه، انطلاقًا من هذه العلاقة فهما أساس وجوده وإن لم یکونا مربیین مهتمین بصلاحه ورشاده، ویجب علیه فی بره بهما ألا یکون هذا البر مشروطًا بالتربیة والاهتمام، فلا یبرهما فی حال لم یؤدیا حق تربیته ورعایته، أضف إلى ذلک أن لفظ "والدیه" فیه تذکیر بمشقة ولادته ومجیئه إلى الحیاة. ورغم أن الأم داخلة ضمن الوالدین إلا إنه خصها بالذکر فی قوله: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾ وذلک لما تتحمله من مشاق ومتاعب فی سبیل وجود هذا الولد، فالأب یقاسی ویکابد العناء لأجله لکن للأم ألم الحمل ومشقته، وما یتبع ذلک من آلام الولادة، وتعب الرضاعة والصبر علیها، وما تلاقیه من عنت الفطام وشدته، وکأن هذه الآیة تصور آلام الأم: حمل یتبعه ولاده وفطام وما یستلزمه من حدوث الرضاعة، وتضعها أمامه، فی حین إنه کان فی کل هذه المراحل لا یذکر ولا یعی فضل أمه علیه بسبب صغره. ولیصور شدة ما تلاقیه الأم من کدر ومشقة فی سبیل وجود هذا الابن استعمل "وهنا" والوهن هو شدة الضعف ومنتهاه، ومن الناحیة الصوتیة اجتمعت فی هذه الکلمة الواو والهاء والنون وفی نطقها لها لا تظهر أی شدة ولا یُحتاج إلى طاقة وبذل جهد فی ذلک وهذا بخلاف کلمة "ضعف". وقد "انتصب (وهنًا) على الحال من أمه، مبالغة فی ضعفها حتى کأنه نَفْسُ الوهن، أی واهنة فی حمله"([99]) فالمرأة فی الأصل ضعیفة وهی تزداد ضعفًا بالحمل والولادة، أو إن الحمل یضعفها ویجعلها فی أشد حالات الضعف.

إن لذکر الحمل هنا لطائف، منها: یرقق قلب الولد لوالدیه ویحننه لهما فهما أصل وجوده وهذا الوجود لم یکن هینًا، کما أن ذکر الحمل یتناسب مع لفظ "والدیه" لما فیه من الدلالة على الولادة. وقد صور قوله تعالى: ﴿وَفِصَالُهُ فِی عَامَیْنِ﴾ ([100]) مکابدة أخرى تعانیها الأم وهی الفصال وهو "التفریق بین الصبی والرضاع"([101]) وفی قوله U: ﴿فِی عَامَیْنِ﴾ تحدید مدة الإرضاع، ولکن السؤال الذی یتبادر إلى الذهن ما الغرض من ذکر مدة الإرضاع هنا؟ وهل لذلک علاقة بسیاق ذکر البر بالوالدین؟ فی الحقیقة إنه إذا کان ذکر الحمل فیه تذکیر للولد بما تعانیه أمه فی سبیل وجوده فی الحیاة وذکر الفصال إشارة إلى معاناتها ومشقتها فی فصاله، مع إشارة إلى إرضاعها له، فإن تحدیده فی عامین إشارة کذلک إلى مکوثها فی إرضاعه مدة غیر یسیرة بما فیها من مشقة وتعب شدیدین، فهو لا یولد فیفطم مباشرة، ولا یتم الفطام فی عشیة أو ضحاها. یقول ابن عاشور: "ذُکِر الفصام فی معرض تعلیل أحقیة الأم بالبر؛ لأنه یستلزم الإرضاع من قبل الفصال، وللإشارة إلى ما تتحمله الأم من کدر الشفقة على الرضیع حین فصاله، وما تشاهده من حزنه وألمه فی مبدأ فطامه."([102]) ومن جهة أخرى یمثل قوله تعالى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِی عَامَیْنِ﴾ اعتراض بین المفسَّر: ﴿وَوَصَّیْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَیْهِ﴾ والمفسِّر: ﴿أَنِ اشْکُرْ لِی وَلِوَالِدَیْکَ إِلَیَّ الْمَصِیرُ﴾ ذلک أنه "لما وصَّى بالوالدین: ذکر ما تکابده الأم وتعانیه من المشاق والمتاعب فی حمله وفصاله هذه المدة المتطاولة إیجابًا للتوصیة بالوالدة خصوصًا، وتذکیرًا بحقها العظیم"([103]) ولابن عاشور قوله: "وجملة ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ فی موضع التعلیل للوصایة بالوالدین قصدًا لتأکید تلک الوصایة لأن تعلیل الحکم یفید تأکیدًا، ولأن فی مضمون هذه الجملة ما یثیر الباعث فی نفس الولد على أن یبرَّ بأمه ویستتبع البر بأبیه"([104]). إن فضل الوالدین على الولد عظیم وهما فی حد ذاتهما نعمة من الله فهو موجدهما ومسخرهما لخدمة أولادهما فی مراحل ضعفهم وحاجتهم، فشکره مقدم على شکرهما. إن التقدیم والتأخیر فی قوله: ﴿إِلَیَّ الْمَصِیرُ﴾ قد جاء لتأکید اختصاص المصیر بالله U مع ما یحمله لفظ "المصیر" من دلالة على الجزاء والحساب، وذکر ذلک فی معرض ذکر الوصیة والشکر ینبه المخاطَب بضرورة الالتزام بهما لأنه سیکون هناک مصیر وحساب.

  إن لقمان قد ابتدأ وعظه بالنهی عن الشرک، ولکن توجد صورة أخرى للوالدین وهی صورة من یصد ابنه عن الإیمان ویعمل جاهدًا أن یجعله یعیش فی ظلمات الشرک، وهذا الصد عن سبیل الله من أقوى أنواع الصد عن التوحید فما من ولداه وعاش معهما بدایة حیاته وترعرع فی أحضانهما وهو مأمور ببرهما، وفی الوقت نفسه لا یمکنه أن یطیعهما فی ذلک، فهنا یجب علیه أن یصبر على صدهما ویثبت على التوحید؛ ولذلک نجد التعبیر بـ﴿جَاهَدَاکَ﴾ یصور بدقة شدة ما یبذلانه فی الصد عن سبیل الله تعالى، فالمجاهدة مفاعلة وهو یشیر إلى بذل مزید من الجهد و"شدة السعی والإلحاح"([105]). وفی "جَاهَدَاکَ" جاء ضمیر الخطاب "ک" العائد على المفعول به مباشرة بعد ضمیر الفاعل "الألف" لیصور شدة المجاهدة من الوالدین، وشدة الاصطدام، والعنت الذی یواجهه الولد منهما. وقد جاء الحرف (على) دالاً مؤکدًا على هذه الشدة ومضیئًا جانبًا من جوانبها فقد قال ﴿عَلى أَنْ تُشْرِکَ﴾ ولم یقل (لتشرک) فــ(على) هنا أدل على تمکن المجاهدة وقوتها یقول ابن عاشور: "فأما حرف (على) فهو أدل على تمکن المجاهدة؛ أی مجاهدة قویة للإشراک"([106]) وهنا حث على الثبات الراسخ على التوحید فی مقابل شدة الإلحاح على الدعوة إلى الشرک. ویشیر قوله تعالى: "مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ" إلى أن أی عبادة تکون لغیر الله I لا تکون مبنیة على علم ویقین، إنما مجرد ظنون وأوهام وهی محض افتراء ولا أساس لها من الصحة، فلو سألنا أی عابد لغیر الله U عن سبب عبادته وإشراکه فإننا لن نجد إلا تبریرات واهیة تنم عن جهل وضلال.

إن الوالدین قد یبذلان جهدًا کبیرًا فی إضلال ولدهما، وبرغم ذلک هو مأمور ببرهما والإحسان إلیهما لأنهما ولداه، ولا طاعة لمخلوق فی معصیة الخالق قاعدة ثابتة لا استثناء فیها، ولو کان هذا المخلوق أحق الناس بحسن الصحبة فالعقیدة لا هوادة فیها وهی مستثناة من وجوه الطاعة والبر، بل هناک من هو أحق بالاتباع منهما بینه قوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِیلَ مَنْ أَنَابَ إِلَیَّ﴾. والملاحظ أنه جاء بأسلوب النهی ﴿فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ ولم یأت بأسلوب الأمر "اعصهما" ذلک أن المقام مقام حث على البر بالوالدین، فجیء بلفظ الطاعة منهیًا عنه ولم یأت بلفظ دال على المعصیة مما یجعل السیاق منسجمًا متناسقًا. ورغم صدهما عن سبیل الله وتجاوزهما للحد إلا إن الخطاب موجه للابن بحسن صحبتهما ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِی الدُّنْیَا مَعْرُوفًا﴾، لأن برهما قائم على أساس کونهما والدین للولد بقطع النظر عن معتقدهما الدینی، وهذا یؤکد تسامح الدین الإسلامی، یقول سید قطب: "الاختلاف فی العقیدة والأمر بعدم الطاعة فی خلافها لا یسقط حق الوالدین فی المعاملة الطیبة والصحبة الکریمة"([107]) إن المصاحبة تقتضی الترافق والتلازم بین الصاحبین، فأقول: هذا صاحبی، فی حال کان بینی وبینه ترافق وتلازم وانسجام یقول ابن فارس (395هـ -1005م): "(صحب) الصاد والحاء والباء أصل واحد یدل على مقارنَةِ شیء ومقارَبَتِه"([108]) وللأصفهانی قوله: "الصاحب: الملازم إنسانًا کان أو حیوانًا أو مکانًا أو زمانًا، ولا فرق بین أن تکون مصاحبته بالبدن -وهو الأصل والأکثر- أو بالعنایة والهمِّة"([109]) وخص العسکری (395هـ -1005م) الصحبة فی الآدمیین حیث قال: "الصحبة تفید انتفاع أحد الصاحبین بالآخر، ولهذا یُستعمل فی الآدمیین خاصة."([110]) والذی یبدو أن العسکری (395هـ -1005م) قد قال بهذا الاختصاص؛ لأنه ینظر إلى تبادل المنفعة بین الصاحبین وهذا إنما یکون بین الآدمیین دون غیرهم من المخلوقات.

إن التساؤل المطروح هنا: ما المقصود بقوله تعالى: "فِی الدُّنْیَا"؟ ولماذا حُدِّد بهذه المدة الزمنیة؟ وما فائدة ذکر ذلک فی هذا المقام؟ من المفسرین من رأى أن المراد مدة بقاء الابن فی الدنیا ومنهم من رأى أن المقصود مدة بقاء الوالدین فی الدنیا وهو -والله أعلم- یحتمل الأمرین فإن کان والداه مؤمنین فهو مطالب ببرهما ما أحیاه الله سواء أکان والداه على قید الحیاة أم لا، وذلک بالدعاء لهما أو التصدق عنهما أو الحج... إلخ من وجوه البر، أما إن کانا کافرین أو مشرکین فهو یبرهما مدة بقائهما فی الدنیا فإن غادرا الحیاة توقف برهما وانقطع. وأمیل إلى هذا المعنى -وإن کنت لا أستبعد المعنى الأول- لأن المقام هنا مقام ذکر مجاهدة والدین مشرکین بالله یسعیان لإبعاد الابن عن التوحید، وهذا لا یصدر من الوالدین المؤمنین، ونهی الابن وأمره بــ" ولا تطعهما وصاحبهما" إنما هو مختص بحال کون الوالدان مشرکین فبر ابنهما بهما مرهون ببقائهما على قید الحیاة فهو بر ومنفعة دنیویة فقط. وقد عرَّف الزجاج (311هـ -923م) "المعروف" بأنه: "ما یستحسن من الأفعال" وجعل ابن فارس(395هـ -1005م) له معنیین إذ قال: "(عَرَفَ) العین والراء والفاء أصلان صحیحان، یدل أحدهما على تتابع الشیء متصلاً بعضه ببعض، والآخر على السکون والطمأنینة"([111]) أما الراغب الأصفهانی(503هـ -1109م)، والسمین الحلبی(657هـ -1258م)، والفیروزآبادی (817هـ -1414م) فقد عدوا المعروف: اسمًا لکل فعل یُعرَف بالعقل أو الشرع حسنه([112]) وفی الحقیقة إن المعروف لا یکون إلا أمرًا حسنًا یستحسنه الشرع ویرضاه العقل، کما أن النفس تطمئن وتسکن لما یستحسن من الأفعال فکل هذه المعانی محتملة، وهذا یجعلنا نتأمل وجوه البر بالوالدین فهی کثیرة جدًا ولا نستطیع حصرها بحال من الأحوال؛ ولذلک جاء "معروفًا" نکرة، لیشیر إلى الشیوع والعموم والتعدد فلم یقل: وصاحبهما فی الدنیا بالمعروف.

إن الإنسان مطالب أن یبر والدیه وأن یخفض لهما جناحه لما بینه وبینهما من رابط الولادة والتکوین والأصل والنشأة، ولکن هناک رابطًا أقوى هو "رابط الدین والعقیدة" یصوره قوله U: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِیلَ مَنْ أَنَابَ إِلَیَّ﴾ إن هذا الرابط أقوى من روابط الدم، لذلک فإن الإنسان مطالب بأن یستمسک به حیث یجمعه مع أهل هذا الرابط صفة التعلق بالله والإنابة إلیه، وقد ضرب الصحابة رضوان الله علیهم أروع الأمثلة لقوة هذا الرابط. إن "السبیل هو الطریق سمی بذلک لامتداده"([113]) ویُستعمل "لکل ما یتوصَّل به إلى شیء خیرًا کان أو شر"([114]) إن العلاقة بالله U یجب أن تکون متصلة متتابعة والسبیل فی الآیة الکریمة مخصص بالإنابة إلى الله I، والإنابة لفظ یوحی بالرجوع والتکرار فیه یقول ابن فارس(395هـ -1005م): "(نَوَبَ) النون والواو والباء کلمة تدل على اعتیاد مکان ورجوع إلیه" وللأصفهانی قوله: "(النَّوب): رجوع الشیء مرة بعد أخرى... والإنابة إلى الله تعالى: الرجوع إلیه بالتوبة وإخلاص العمل یقول ابن عاشور مفسرًا الإنابة بقوله: "المنیب الملازم للطاعة، ویظهر أن معنى أنابَ صار ذا نوبةٍ أی: ذا رجوع متکرر... فإطلاق المنیب على المطیع استعارة لتعهد الطاعة تعهدًا متکررًا، وجعلت تلک الاستعارة کنایة عن مواصلة الطاعة وملازمتها"([115])، وکل هذه المعانی توحی بأن "سبیل الإنابة إلى الله" سبیل متتابع متصل تشعر النفس معه بالانسجام. أما قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ففیه وعد ووعید وفی ضمائره "تغلیب الخطاب على الغیبة لأن الخطاب أهم لأنه أعرف"([116]) لذلک تغیر منحى الخطاب من خطاب المفرد فی "جاهداک"، "تشرک" "لک" "تطعهما" "صاحبهما" "اتبع" إلى الجمع فی "مرجعکم" "فأنبئکم" "کنتم" "تعملون"؛ ذلک أن التکلیف بالبر إنما هو للولد، ولکن الجزاء یکون عامًا شاملاً له ولوالدیه ولمن أناب إلى الله U، فجاء الجزاء عامًا شاملًا للجمیع.

2- الوعظ بأسلوب مؤثر

   خاطب لقمان u ابنه بأسلوب مؤثر من الناحیتین: النفسیة الوجدانیة والفکریة الإقناعیة، وذلک فی خمس آیات اتضح فیها اتباعه تقنیات لغویة عدة بألفاظ دقیقة، وتدرج فی ترتیب هذه الوصایا، کل هذا بأسلوب لطیف رقیق یطرق أبواب النفس ویقنع الفکر. والتقنیات الخطابیة التی اتبعها لقمان u افتتاحه الخطاب بأسلوب رقیق لطیف یعتمد فی الأساس على الترفق والتلطف بابنه، وذلک فی قوله: ﴿یَا بُنَیَّ لَا تُشْرِکْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ﴾ ([117])، فقد ابتدأه بالنداء، وهو فی العرف البلاغی تنبیه المخاطَب وطلب إقباله بحرف نائب مناب أدعو أو أنادی، ولکن لیس هذا کل شیء عن النداء فهو بوجوده فی مستهل الخطاب ثم فی مفاصله،([118]) بالإضافة إلى الترکیب اللفظی لهذا النداء من جهة: الصیغة التی جاء بها، والحرف المستعمل فیه، والاسم المنادَى به، وما أُضیف إلیه من یاء النسبة، وهو بذلک یقدم للابن شحنة تنبیهیة، ویرسم ظلالا من المشاعر والأحاسیس التی تربط بین المنادِی والمنادَى، ویعکس المشاعر الدفاقة من الأب تجاه ابنه، وإخلاصه فی توجیه الخطاب، ومدى حرصه على الوصول إلى قلب ابنه وإقناعه بأهمیة المنادَى له، ورغبته الشدیدة أن یُعنى الابن بالمنادَى له ویجعله نصب عینیه. وقد استعمل فی ندائه "یا" بما فیها من مد صوتی، لیشیر إلى علو منزلة هذا الابن ومکانته فی قلب أبیه، وأن هذه المنزلة حاضرة فی خطابه. وناداه بالعلاقة التی تربطه به "بُنَیَّ"، علاقة الأبوة التی تدل على التودد والتلطف والترفق.

کما تشیر إلى الهدف من الخطاب وهو التربیة والتعهد بالرعایة والصلاح، ومداومة الصحبة، وهذا أنسب من أن ینادیه باسمه، أو بلفظ "ولدی" فاسمه لا یحمل معنى من معانی الأبوة، أما "ولد" فکما ورد سابقًا یشیر إلى الولادة والوجود ولا یدل على التربیة والرعایة. ومن جهة أخرى صَغَّر "ابن" بــ"بُنَیَّ" وهذا التصغیر یدل على التلطف والتودد والتحبب إلى الابن وإحاطته بالرعایة والاهتمام یقول ابن عاشور: "التصغیر فیه تنزیل المخاطَب الکبیر منزلة الصغیر کنایة عن الشفقة به والتحبب له، وهو فی مقام الموعظة والنصیحة إیماء وکنایة عن إمحاض النصح وحب الخیر، ففیه حث على الامتثال للموعظة وهو کذلک یمثل تنبیهًا للابن بأنه مازال صغیرًا وفی حاجة إلى الوعظ من أبیه."([119]) وقد أضاف الابن إلى نفسه بیاء النسبة، لیثبت له أنه ینطلق فی وعظه من نسبته إلیه وارتباطه به، فمعلوم أن الإنسان یولی جُل عنایته بصلاح ما یُنسب إلیه، وهذا یجعل الابن یثق أشد الوثوق بخطاب أبیه، فیمضی ممتثلا بانشراح صدر وراحة بال.

وبعد أن هیأ لقمان u ابنه لتلقی الخطاب بالنداء بـ "یَا بُنَیَّ" من الناحیتین النفسیة الوجدانیة والفکریة الإقناعیة، شرع فی الوصیة الأولى "لَا تُشْرِکْ بِاللَّهِ"، فنهاه عن الاقتراب من ساحة الشرک والبعد عنها کل البعد، وهذا یمثل أهم شیء فی صلاح النفس وهو إصلاح العقیدة وتنقیتها مما قد یشوبها من أدران الشرک. إن إصلاح العقیدة هو أول ما یجب على المربی أن یُعنى به فی تربیة أبنائه، فإذا فسدت عقیدة المرء فلا خیر له فی عملٍ أو خلق یتحلى به و "النفس المعرضة للتزکیة والکمال یجب أن یُقدّم لها قبل ذلک تخلِّیتها عن مبادئ الفساد أو الضلال، فإن إصلاح الاعتقاد أصل لإصلاح العمل"([120]) وهو بذلک یطهر قلبه ویزکی نیته. ومن الحکمة أن تبدأ الوصایا بالنهی عن الشرک؛ لأن التوحید هو أساس قبول الأعمال قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشَاءُ﴾([121]) ومن ذلک قوله U: ﴿إِنَّهُ مَن یُشْرِکْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِینَ مِنْ أَنصَار﴾ٍ([122])، فما دامت أعماله کلها لن تقبل، وسیکون مصیره النار بسبب شرکه فلا فائدة من حثه على فعل الخیر.

   وقد اختار فی نهیه عن الشرک لفظ الجلالة "الله" الدال على الألوهیة لأن المقام مقام إفراد بالألوهیة والعبادة، وهو لفظ مختص به وحده، مثلما هو الحال مع "الرحمن" ([123]). وفی الحقیقة إن نهیه ابنه عن الشرک بالله فی ابتداء موعظته حمل بعضهم على القول إن ابنه کان مشرکًا فما زال یعظه حتى وحد الله تعالى، وهذا محتمل، ولکن من جهة أخرى من الممکن أن یعظ الأب ابنه بنهیه عن الشرک بالله وإن کان موحدًا، لیثبته على الطریق الصواب، ولیضمن عدم حیاده عنه. إن من تقنیات الإقناع والتأثیر فی المخاطَب أن یُذکر له عقب نهیه عن القیام بفعل ما، تعلیل سبب هذا النهی، فینتهی وهو على اقتناع بأهمیة الابتعاد عن ساحة المنهی عنه، ویمثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ﴾، هذا الدور على أکمل وجه، فبعد أن نهاه عن الشرک بالله تعالى: ﴿لَا تُشْرِکْ بِاللَّهِ﴾ جاء قوله: ﴿إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ ﴾ معللا سبب النهی، فلا یشرک بالله لأن الشرک ظلم عظیم، فتقبح صورته فی نفسه وتنفر منه وتتحرز من الوقوع فیه بأی وضع من الأوضاع وعلى أی شکل من الأشکال. إن تعلیل المنهی عنه -فی حد ذاته- یقوی النهی ویزیده تأکیدًا وتنفیرًا من مغبة القیام به، وعندما ننهى شخصًا عن القیام بفعل ما ونکتفی بذلک، لا یکون بقوّة أن ننهاه عن القیام بالفعل ونردف ذلک بتعلیل سبب النهی، فهذا التعلیل یقنعه بمخاطر المنهی عنه فیبتعد عنه باقتناع.

والملاحظ فی الآیة الکریمة أن التعلیل -الذی یمثل تقویة للنهی- جاء مؤکدًا بعدة مؤکدات، لتصویر حقیقة الشرک وأن کونه ظلمًا صفة مستقرة فیه لا تتغیر عنه ولا تتبدل. ومن هذه المؤکدات: "إن" التی هی أداة من أدوات التوکید فی اللغة العربیة، واسمیة الجملة الدالة على الثبات والاستقرار والاستمرار، بالإضافة إلى مجیء خبر هذه الجملة مفردًا، وهذا أیضًا یؤکد ثبات کونه ظلمًا عظیمًا، أضف إلى ذلک "اللام فی "لظلم"، ووصفه بأنه عظیم، کل ذلک یتعاضد فی تقبیح صورة الشرک وتهویله، فلا یجرؤ من مجرد التفکیر فیه، وفی هذا تنفیر شدید من الشرک بالله I، وتهویل لشأنه مما یجعل الابن لا یدانیه ولا یقترب من ساحته، فتنفر نفسه منه وتتحرز من الوقوع فیه بأی وضع من الأوضاع وعلى أی شکل من الأشکال وهو تنفیر فیه ما فیه من الرقة والتلطف المتمثل بالنداء بـ "یَا بُنَیَّ"، الذی یطرق قلب الابن ونفسه ویملک خلجات قلبه، بالإضافة إلى التأثیر الإقناعی الذی یجعل الابن واثقًا متأکدًا من خطر الشرک بالله.

   إنه أسلوب حکیم فی التربیة والدعوة إلى الله تعالى یراعی النفس والشعور کما یراعی العقل والإدراک. والسؤال الذی یتبادر إلى أذهاننا فی هذا المقام: لماذا وصف الشرک بالظلم؟ ومن الظالم ومن المظلوم؟ إن الظلم لغة هو: "وضع الشیء فی غیر موضعه... وأصل الظلم الجَوْرُ ومجاوزة الحد... والظلم: المَیْلُ عن القصدِ"([124]والإنسان بشرکه بالله -عزوجل- إنما ینسب الخلق لغیر خالقه ویوجه العبادة والألوهیة فی غیر موضعها الصحیح، وهو بذلک یقلب حقائق الوجود([125])، وهو جائر فی ذلک متجاوز لحده، فما خلقه الله إلا لعبادته قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ﴾ ([126])؛ فقد خلقهم لیفردوه بالعبادة لا أن یشرکوا معه أحدًا من خلقه. وقد أکد الله U فی القرآن بأنه لا یظلم ولا یُظلم فمن ذلک قوله: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَکِنْ کَانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ﴾ ([127]) وکذلک قوله: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَکِنْ کَانُوا أَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ﴾ ([128]). فلا یتوهم متوهم أنهم بشرکهم یظلمون الله U. والمشرک بشرکه بالله I یظلم نفسه بأن یضعها "فی حضیض العبودیة لأخس الجمادات"([129])، "فبعد أن کرمه الله تعالى بعبادته لخالق الکون وموجده یحید بالعبادة إلى مخلوق لا یملک له ضرًا ولا نفعًا، فکیف یترک الرقی فی العبادة ویتجه إلى حضیض العبودیة؟"([130]) وهو یظلم نفسه، وذلک بأن یوردها موارد الهلاک والعذاب الشدید الدائم یوم القیامة فتکون عاقبته الخلود فی نار جهنم.

    لقد استُئنف مشهد خطاب لقمان u بقوله تعالى: ﴿یَا بُنَیَّ إِنَّهَا إِنْ تَکُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَکُنْ فِی صَخْرَةٍ أَوْ فِی السَّمَوَاتِ أَوْ فِی الْأَرْضِ یَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرٌ﴾([131]) وذلک بعد اعتراضه بقوله تعالى: ﴿وَوَصَّیْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَیْهِ﴾ إلى قوله: ﴿ثُمَّ إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ففی هذه الآیة أکد له قدرة الله المطلقة وعلمه الدقیق والمحیط وعدله فی حکمه فهو یقضی بین الخلائق فلا یفوته شیء ولا یخفى علیه ما عملوه مهما خفی هذا العمل أو دقَّ، وقد نحى فی ذلک ألطف عبارة واستعمل لذلک أنسب الأسالیب، فقد ناداه وضرب له مثلًا وأکد له المعنى بأدوات التوکید، فنجده قد استهل المثل بالنداء برغم أنه قد کان فی حال خطاب معه قبل ضرب المثل فقد کان من المتوقع أن یستغنی عن النداء لأنه فی العرف البلاغی إنما هو تنبیه للمخاطب وطلب لإقباله و بحکم أن ضرب هذا المثل لم یرد ابتداء وإنما سبقه خطاب سابق ونداء فقد کان من المتوقع الاکتفاء باستعماله فی مستهل الخطاب إلا أن لقمان u لم یکتفِ بذلک إنما کرر نداءه لابنه عندما أراد أن یضرب له المثل ولهذا التکریر أثره فی نفس المخاطَب فهو یعمل على زیادة تنشیط ذهنه لوعی الخطاب مع ما یوحیه من إشعار بأهمیة المنادَى له وتأکیده لذلک، واستعماله لـ "یا" بما تحمله من مد صوتی یوحی بمکانة الابن، بالإضافة إلى کلمة "ابن" وما تشیر إلیه من تربیة ورعایة وإحاطة بالعطف والاهتمام، أضف إلى ذلک التودد والتحبب والتلطف والشفقة المستفادة من إیثار "بُنَیّ" على "ابنی"، والتذکیر بالعلاقة التی تربطهما، کل هذه الأمور تجعل الابن فی حال من الیقظة والاهتمام والإصغاء، وتهیئه لاستیعاب المثل، وهذا الاستیعاب سیترتب علیه سرعة التنفیذ، والاقتناع بمراقبة الله U وقدرته وسیتأکد لدیه أن من سیکون مرجعنا إلیه ومن سینبئنا یوم القیامة بما عملنا فی حیاتنا، علمه مطلق یتسم بالدقة والإحاطة والشمول.

    بعد النداء جاء قوله: (إنها) وهو مکون من "إنَّ" الدالة على التوکید، والضمیر "ها" فی "إنها" المسمى بـــــ"ضمیر القصة" وهو یُستعمل لجذب الانتباه والتأکید على أهمیة ما یُقص وهو یفیدُ الاهتمام بإقبال المخاطَب على ما سیرد بعده من خبرٍ، بالإضافة إلى اسمیة الجملة الداخل علیها وهذا یؤکد المعنى ویصوره على أنه من الحقائق الثابتة التی لا مراء فیها. إن هذه المؤکدات فی مستهل ضرب المثل تتعاضد لإثبات المعنى والتأکید على أنه من الحقائق الثابتة مما یهیئ المخاطب لتلقی المثل ویجعله فی حال من الیقظة والانتباه، والتشویق للخبر، والیقین بصدق ما سیُحکى ویُقص علیه. یقول ابن عاشور: "فاجتمع فی هذه الجملة ثلاثة مؤکدات: النداء، وإن، وضمیر القصة؛ لعظم خطر ما بعده المفید تقریر وصفه تعالى بالعلم المحیط بجمیع المعلومات من الکائنات ووصفه بالقدرة المحیطة بجمیع الکائنات"([132])، ولکن لماذا اختار حبة الخردل لیجعلها عنصرًا من عناصر هذا المثل الذی ضربه لابنه؟ وما دلالة کونها "فِی صَخْرَةٍ أَوْ فِی السَّمَوَاتِ أَوْ فِی الْأَرْضِ"؟ وهل لضرب هذا المثل ارتباط بالآیة المعترضة قبله؟ أو بالوصیة الأولى التی سبقته الناهیة عن الشرک فی قوله: ﴿لَا تُشْرِکْ بِاللَّهِ﴾ ؟ وکذلک بالوصایا التی تلته والتی یمثلها قوله: ﴿یَا بُنَیَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ ...﴾ ([133])، وما أثر هذا المثل فی الخطاب؟

    إن عناصر المثل الذی ضربه لقمان u لابنه هی: حبة الخردل، والصخرة، والسماوات، والأرض، فالخردل نبات یتمیز بصفتین صغر الحجم والخفة، فإذا ما وضعنا هذه الحبة فی یدنا فلا نکاد نشعر بوزنها لخفتها، أما الصخرة فهی رمز الصلابة والتمنع وهنا یجتمع أمران: شیء دقیق صغیر الجرم، مختف فی مکان لا تراه العین ولا تدرکه الحواس، وهذا المکان متمنع بعید المنال، بسبب شدة صلابة الصخرة وقسوتها، فالذی سیأتی بهذا الشیء لا یخفى علیه الدقیق، ولا یعجزه الاستکنان ولو جمع مع ذلک بُعد المنال فکان نطاق الوجود هو البعد العلوی (السماوات) أو البعد السفلی (الأرض) مع ظلمة وعدم ظهور واتساع فی مجال البحث، إنه تصویر دقیق لقدرة مطلقة وعلم محیط.

وأمام الصورة التی یرسمها هذا المثل، المکونة من عناصر دنیویة: حبة خردل، وصخرة، والسماوات، والأرض، یُطلق العنان للعقل لیرسم مشهدًا موازیًا له متعلقًا بیوم القیامة، فلو استبدلنا حبة الخردل بالأعمال التی لا یُلقی لها المرء بالًا، التی یعتقد أنها أمور صغیرة لا وزن لها فی میزان الحسنات أو السیئات فسیدرک أن هذه الأمور الصغیرة ستکون حاضرة فی المیزان سلبًا إن کانت سیئة وإیجابًا إن کانت حسنة، فالأعمال مهما دقت أو صغرت واستحقرت فهی لن تفوت الله ولن تخفى علیه وسیحاسب صاحبها. ولو استبدل الاستکنان فی أشد رموز الکون قوة وقسوة وصلابة، والبعد بأشد المساحات اتساعًا "السماوات والأرض" بالاختباء عن الرقباء فإنه سیدرک أن هذه الأعمال مهما أخفاها عن علم الخلق فإن الله I لن تخفى علیه.

    ویأتی الجزء الأخیر من المشهد وهو حضور هذه الأعمال بما توحیه قوة الاستحضار فی قوله: ﴿یَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ وما یصوره المرکب الشرطی "إنها إن تک" "یأت بها" من سرعة فی القیام بالفعل، وسهولة ویسر فی ذلک، فیدرک حینها أن هذه الأعمال سیُظهرها الله یوم القیامة وتکون حاضرة فی الموازین، فما یلبث المخاطَب إلا أن یقتنع وتعظم فی نفسه هذه القدرة فیستحضر الیوم الآخر وأعماله التی کان یراها صغیرة حقیرة فیعتقد أنها قد لا تؤثر فی میزان حسناته أو سیئاته أو التی أخفاها بإحکام واطمأن أنه لم یره أحد، فإذا بها حاضرة لها مکان ووجود فی المیزان، وهنا یدرک أن علیه الحرص أن تکون أعماله کلها صالحة فالقادر على الدقیق منها قادر على الظاهر والعظیم. والملاحظ فی قوله U: "﴿یَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ استعمل "یَأْتِ بِهَا" دون "یجیء بها" أو "یستحضرها" أو "یعلمها"؛ لأن "الإتیان" یحمل معنى الاستحضار بالإضافة إلى السهولة والیسر فی ذلک، أما "یجیء بها" فقد یحتمل بذل مجهود فی ذلک، فی حین أن الاستحضار لا یوحی بالسهولة والیسر کما هو الحال مع "یأت"، بالإضافة إلى قوّة التمکن من الشیء المأتی به، فمن یستطیع الإتیان بالشیء بسهولة ویسر فهو متمکن منه أشد تمکن، وهذا ما تؤکده الباء فی "بِهَا"، وکذلک المعنى المعجمی لــ(یأت). ومن جهة أخرى فإن "یأت" أشد فی إثبات قدرته وإحاطته من "یعلم" فالذی یأتی بالشیء لا بد وأنه یعلمه، وبذلک جمع "یأت" الاستحضار والتمکن والعلم فی کلمة واحدة.

    إن موقع هذا المثل من جهة وروده عقب الآیتین المعترضتین یؤکد أن لضرب المثل فی هذه الآیة مناسبته مع قوله تعالى فی الآیة السابقة: ﴿إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فالذی یراقب هذه الأعمال ویجازی علیها والذی سیکون مرجعنا إلیه والذی سینبئنا بأعمالنا متصف بأنه لطیف خبیر، لا یخفى علیه من أعمالنا شیء، ولا یعجزه شیء فی الأرض ولا فی السماء، فضرب هذا المثل عقب ذکر اختصاص الله U بالمرجع والحساب، یربی لدى المخاطَب بالقرآن الخشیة من الله والحرص على أن تکون الأعمال صالحة. أما ترتیب المثل ضمن الوصایا، فقد جاء بعد النهی عن الشرک بالله، وقبل الأوامر والنواهی؛ لیؤکد للمخاطَب قدرة الله الذی نهاه عن الشرک به فی الوصیة الأولى؛ مما یجعله یدرک قدرة الله ولا یقترب من ساحة الشرک، وقد ضرب له هذا المثل قبل أن یأمر ابنه أو ینهاه لیؤکد له ابتداءً بأن الله لن یخفى علیه شیء مما یحثه على الإخلاص فی تأدیة الأعمال التی حثه على القیام بها على أکمل وجه، والبعد عما نهاه عنه.

    إن تکرار لفظ الجلالة "الله" فی قوله: ﴿یَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرٌ" إذ لم یقل: "یأت بها الله إنه لطیف خبیر"؛ یضفی على التعبیر هیبة وجلالاً بما یوحیه من معنى الألوهیة، وفیه إلماح إلى صفات الإله الحق الذی یجب أن یکون لطیفًا خبیرًا. وفی هذا المثل ربط لقمان بین شیء محسوس مدرک "حبة الخردل الصغیرة الخفیفة المستکنة فی صخرة أو البعیدة فی البعدین العلوی والسفلی، مع إدراک لمدى قوة الاستکنان ومدى اتساع السماوات والأرض، لإثبات قدرة الله على الاستحضار والإحاطة فی العلم، فیجعله یمسک بطرف من هذه المعرفة فیتغلل فی نفسه الخوف من الله ومراقبته فی کل أعماله فینشط للطاعات ویبتعد عن المعاصی، وبعد هذا المثل یکون مهیأ لما سیأتی بعده من أوامر ونواهٍ. وأخیرًا یمکن القول إن لقمان قد ضرب لابنه هذا المثل لیثبت له قدرة الله، وأنه فی علمه لا تخفى علیه حبة الخردل الصغیرة المستکنة فی داخل صخرة وهو فی قدرته لا یعجزه أن یأتی بها وإن کانت فی مکان بعید متسع الحدود والأرجاء کالسماوات والأرض فذکر السماوات والأرض یوحی بأنه لا یعجزه شیء فیهما.

    وهذه حالة من الممکن تخیلها تقابلها حالة أخرى غائبة وهی العلم بدقائق الأعمال واستحضارها یوم القیامة على اتساع الزمان وکثرة المحاسبین، فمهما دق شیء واستکن ومهما بعد وطال أمده فإن الله لطیف خبیر. إن ضرب المثل أسلوب من أسالیب الإقناع والتأثیر النفسی؛ فهو یملک العقل والوجدان معًا فتتغلغل حقیقة علم الله وقدرته المطلقة، وتُعدّ الأمثال من أسالیب التعلیم والتوجیه التی تجعل المعنى یرسخ فی الذهن ویأخذ بشغاف القلب ویقرب المعنى ویولجه فی الذهن. فهو لم یأت بالمعنى مجردًا وإنما جاء به فی صورة محسوسة منتزعة من الواقع والکون المحیط، فیدرک أن الله لا استحالة علیه فیما صغر أو کبر فالقادر على استحضار الدقیق المختفی قادر على استحضار الکبیر البارز، وهنا یرسخ المعنى فی ذهنه فلا یفارقه.

إن لقمان u یکرر النداء ونجد هذا التکرار فی مفاصل مهمة من وعظه ابنه فقد ناداه ابتداءً قبیل البدء بالوعظ والنهی عن الشرک بالله تعالى، ثم ناداه مرة أخرى عندما أراد أن یضرب له المثل لیثبت له قدرة المعبود الحق الذی نهاه أن یشرک به شیئًا والذی إلیه المرجع والذی سیحکم على الأعمال. وناداه مرة ثالثة قبل التوجه إلیه بالأوامر والنواهی. ولهذا التکریر فوائده فی کل موضع احتله فی الخطاب فهو ینشط المخاطّب ویبعد عن نفسه الملل بسبب طول الخطاب، ویؤکد له فی کل مرة یتکرر فیها أهمیة المنادَى له وأن هذا المنادى له مختلف فی کل مرة یتکرر فیها النداء برغم ثبات المنادِی والمنادَى له، وهو یصور للمخاطَب اهتمام المخاطِب الشدید وعنایته به إلى جانب ما یحمله من تلطف وترفق وتودد... إلخ. وکل نداء من هذه النداءات جاء بأسلوب لطیف یوحی بالشفقة والتودد والتحبب وعلو المنزلة.

    لقد رتب لقمان u أوامره ونواهیه ترتیبًا دقیقًا، فبدأ بإقامة الصلاة "وإقامة الصلاة إدامتها والمحافظة على أدائها فی وقتها"([134]). وهی تمثل عمود الدین، وتحتل الرکن الثانی من أرکان الإسلام، وأول ما یحاسب علیه العبد یوم القیامة، کما تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنکر، وهی أول ما یجب على المسلم أن یتعلمه من أمور دینه، وتجعل القلب آمنًا مطمئنًا خاشعًا. إن حکایة أمر لقمان لابنه بإقامة الصلاة یحمل رسالة لمتلقی القرآن بأن الصلاة رکن أساس فی عقیدة المؤمن أمر بها المؤمنون بالله قبل الإسلام، وهی من أسس التربیة القویمة للأبناء، لما لها من أثر عظیم فی النشء. أما الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فهما علاقة الإنسان بمجتمعه فلا یکفی أن یکون صالحًا فی نفسه وإنما یتوجب علیه أن یکون أیضًا مصلحًا لمجتمعه، وبذلک یتجاوز لقمان بابنه من صلاح الذات إلى إصلاح المجتمع، وکأنه یجعل من ابنه بذرة خیر تنمو وتزهر فیفوح شذاها للجمیع.

    وقدم إقامة الصلاة على الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر؛ لأن الصلاة تطهر النفس وتسمو بصاحبها والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر تطهیر للمجتمع فالأولى أن یقدم ما یطهر به نفسه ثم ما یطهر به مجتمعه. أما قوله: "وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَکَ"([135]) فیوجد ثلاثة احتمالات للمراد منه: فمن المحتمل الصبر على ما یصیبه فی سبیل الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر أو الصبر على ما یصیبه فی الحیاة، ومن الممکن أن یقصد به الصبر على تأدیة جمیع ما ذکر من إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فعلى الاعتبار الأول فإن "الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر قد یجران للقائم بهما معاداة من بعض الناس أو أذىً من بعض، فإذا لم یصبر على ما یصیبه من جراء الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر أو شک أن یترکهما"([136]) فالصبر سلاح التحمل والمداومة لاستکمال طریق الإصلاح. وعلى الاعتبار الثانی أن الحیاة حفت بالمکاره والمصاعب والکدر فلا بد من مواجهتها بالصبر ولیس کل إنسان قادرًا على تحمل کدر الحیاة ومشاقها؛ لذا نجد فی المجتمعات التی لا تؤمن بقضاء الله وقدره یکثر فیها الانتحار لدرجة أنه قد یحدث لأسباب تافهة جدًا ومنهم من یحاول الهروب من واقعه بتناول المسکرات وهناک من یعیش حیاته کئیبًا حزینًا... إلخ، وکل هذا ینبئ عن عدم القدرة على الصبر وانعدام الإیمان بالله الذی یجری الأقدار کیفما یشاء.

    إن صبر الإنسان على ما یصیبه یقوی من عزیمته، والله مدح الصابرین فی القرآن وبشرهم. وبناء على هذا التأویل فإن لقمان انتقل من علاقة الإنسان بربه فی الصلاة إلى علاقته بمجتمعه فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر إلى علاقته بنفسه وما یحدث له فی رحلة حیاته. وعلى الاعتبار الثالث، یمکن القول إن الصلاة لها أرکان وشروط وهی تؤدى خمس مرات فی الیوم، وکذلک الآمر بالمعروف والناهی عن المنکر یحتاج إلى اختیار الزمان والمکان المناسبین لذلک، والأسالیب الفعَّالة والطریقة المثلى لیضمن تحقیق مقاصده والناس مختلفون فی مدارکهم ونفسیاتهم، فلا بد من دعوتهم بما یتناسب معهم، فکأنه أمره بصلاح نفسه وتطهیرها بالصلاة إلى صلاح مجتمعه وتطهیره بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر إلى تسلیحه بالصبر والعزیمة فی أداء جمیع ما ذُکِر.

    وتأتی الإشارة بــ﴿إِنَّ ذَلِکَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾، فیُحتمل أن یکون المشار إلیه باسم الإشارة "ذلک"، الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر باعتبار أنهما أقرب مذکور، ومن المحتمل أیضًا أن یکون عائدًا على جمیع ما ذُکِرَ سباقًا من إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، والمقصود بعزم الأمور؛ "أی قطعه قطع إیجاب وإلزام... وحقیقته أنه من تسمیة المفعول بالمصدر وأصله من معزومات الأمور أی مقطوعها ومفروضها"([137]) أو تعبیر آخر الأمور التی عزمها الله U وأکدها لعباده فی رسالاته، "ویجوز أن یکون مصدرًا فی معنى الفاعل أصله من عازمات الأمور"([138]) فهی تحتاج إلى عزیمة وإصرار فی تأدیتها، وکلا المعنیین محتملین. وبعد ذلک انتقل لقمان u فی وعظه إلى آداب تعامله مع الناس فی حرکة وجهه ومشیته وصوته وقد نوَّع خطابه فاستعمل الأمر والنهی والتعلیل، والتوکید.

وقد نهاه عن أمرین هما: التصعُّر هو: "المیل فی الخدِّ خاصة"([139]) أو هو: "میلٌ فی العنق"([140]) على اعتبار أن الصَعَر داء یصیب الإبل یلوی عنقها، ولیس المقصود هنا النهی عن لی العنق أو الخد وإنما النهی عن التکبر فالمتکبر یشیح بوجهه عن الناس احتقارًا لهم وافتخارًا علیهم. وهذه صورة منفرة للإنسان المتعالی، فهوه ینهاه عن التصعّر مع رسم صورة منفرة لمن یتخلق به، وقد عبّر بالتصعّر دون أن یقول له لا تشح بوجهک عن الناس، لأن هذا اللفظ یوحی بالداء الذی تصاب به الإبل مما یجعل نفس الابن تعافه. ومن المعلوم أن الوجه هو أول ما یواجه الإنسان به الناس فمن یلقاهم بوجه طلق بشوش لیس مثل من یلقاهم بوجه عبوس وتقطیب وإشاحة. وقد جاء "تصعِّر" على وزن "تفعِّل" للدلالة على التکلف والتصنع والتعمد؛ "لأنه یفعله ولا داء به"([141])، کما یدل "على التکثیر"([142]) والمبالغة فی ذلک. ونهاه کذلک عن المشی مرحًا، والمرح "فرط النشاط من فرحٍ وازدهاءٍ ویظهر ذلک فی المشی تبخترًا واختیالاً"([143]) وهی "حرکة کریهة یمقتها الله ویمقتها الخلق وهی تعبیر عن شعور مریض بالذات یتنفس فی مشیة الخیلاء"([144])، إن فی قوله: ﴿وَلَا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ لقد استعمل المصدر "مَرَحًا" دون اسم الفاعل "مَرِحًا" ومعلوم أن المصدر أوکد من اسم الفاعل من جهة دلالته على الحدث دون تقیید بزمن معین، أضف إلى ذلک أن مجیء هذا المصدر حالًا "یراد منه المبالغة فی الاتصاف" ([145]).

والملاحظ استعمال حرف الجر "فی" حیث قال: "وَلَا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ" وهذا ما نجده کذلک فی قوله تعالى فی سورة الإسراء: ﴿وَلَا تَمْشِ فِی الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّکَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ ([146]) ولکن فی سورة الفرقان استُعمل حرف الجر "على" قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ ([147]) ومع "السیر" جاء بحرف الجر "فی" قال تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِکُمْ سُنَنٌ فَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ﴾ ([148]) فلماذا عبَّر فی موضع بــ"فی" وفی موضع آخر بـ"على"؟ وما الفرق بین "المشی" و"السیر"؟

إن الحدیث فی آیتی لقمان والإسراء عن نوع معین من المشی وهو المشی مرحًا ومن تکون هذه مشیته فإنه یضرب الأرض بشدة وکأنه یرید أن یخرقها بقدمیه، یقول ابن عاشور: "المشی مرحًا أن یکون فی المشی شدة وطء على الأرض وتطاول فی بدن الماشی"([149]) لذلک عقب النهی عن هذه المشیة فی سورة الإسراء بنفی أن یکون بمقدوره أن یخرق الأرض أو أن یبلغ الجبال طولا. وبناء على ذلک فالأنسب فی هذا المقام استعمال "فی" لدلالته على الظرفیة، أما آیة الفرقان، فهی مدح لعباد الرحمن بمشیتهم حیث یمشون بسکینة ووقار وترفق وخفة وکأنهم یعلون الأرض، فاستعمل "على" وهی تدل على الاستعلاء حقیقة أو مجازًا. أما استعمال "فی" مع السیر فی آیة آل عمران فراجع إلى المعنى اللغوی للسیر یقول ابن فارس(395هـ - 1005م): "السین والیاء والراء أصل یدل على مضیٍ وجریان"([150]) وبناء على ذلک فالأنسب استعمال "فی" لدلالتها على الظرفیة لأن الجریان إنما یکون فی مسار، أضف إلى ذلک أن السیر فیه امتداد فی الجهة یقول ابن منظور(711هـ - 1311م): "یقال: سار القوم یسیرون سیرًا إذا امتد بهم السیر فی جهة توجهوا لها."([151]) والتساؤل الذی یتبادر إلى الذهن لماذا نهى لقمان u ابنه عن هاتین الصفتین فی تعامله مع الناس؟ إن هاتین الصفتین تؤدیان إلى ضعف المجتمع وتفککه والتباعد بین أفراده وإذا ما فقد المجتمع تلاحمه وترابطه ضعف، کما أن من یأمر بالمعروف وینهى عن المنکر یجب أن یکون محبوبًا بین الناس قریبًا من قلوبهم ولیس متعالیًا متکبرًا علیهم. إن قوله: ﴿ ِإِنَّ اللَّهَ لَا یُحِبُّ کُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ یعلل النهی عن هاتین الصفتین بأسلوب توکیدی مما یحفز المخاطَب على الابتعاد عنهما ویزیده تنفیرًا أن الله لا یحب من یتصف بهاتین الصفتین وهو بذلک یتبع طریق الإقناع، المبنی على مراقبة الله وتجنب ما لا یحبه، فالسبب الرئیس الذی یجب أن یکون سورًا له ومانعًا من التخلق بهاتین الصفتین هو أن الله لا یحب المتصف بهما، وفی هذا تربیة للابن بأن یراعی الله لیس فقط فی صلاته وإنما أیضًا فی تعامله مع الناس. وقد جیء بفعل یحب منفیًا؛ لأنه لا تسند إلى الله U الأفعال السلبیة فلا یقال: إن الله یکره. وبعد ذلک انتقل لقمان فی قوله: ﴿وَاقْصِدْ فِی مَشْیِکَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ إِنَّ أَنْکَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِیرِ﴾([152]) من آداب التعامل مع الناس إلى أدب النفس من جهة التوسط والاعتدال، فقد هیئة المشیة الصحیحة الدالة على الهیبة والوقار والتواضع، والقصد فی المشی یکون بالاعتدال فیه فلا إسراع ولا إبطاء. فإذا کانت مشیة المختال تکون بفرط نشاط وازدهاء فإن مشیة المقتصد بالتوسط والاعتدال فلا إسراع ولا إبطاء.

    ولم یتوقف لقمان عند الحرکة فی المشی وإنما تجاوزه إلى الصوت فی خطابه مع الناس، إذ نهاه عن رفع الصوت وقد ربطه بصوت الحمیر، ویسمى صوتها نهیقًا وهو مرتفع عالٍ فی کل أحواله وهو غیر مستساغ للآذان، وفی الحقیقة إن التشبیه بالحمیر فی حد ذاته منفر. إن تشبیه الصوت العالی بصوت الحمیر من باب الاستعارة وقد جاء من باب الإلماح ولیس التصریح، فهو مفهوم ضمنًا فقد جاء قوله: ﴿إِنَّ أَنْکَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِیرِ﴾، مباشرة عقب الأمر بخفض الصوت فی ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ﴾ والملاحظ أنه قد جاء بصورة قاعدة عامة، وإحالة إلى معهود سابق، وکأننا أمام تذکیر بقاعدة تألفها النفوس وتعیها الأسماع؛ فمن المعلوم أن النفوس تعاف الصوت العالی، أضف إلى ذلک أن التشبیه بالحمار أو متعلقاته کالوجه والأذنین... إلخ، من باب التحقیر والسخریة.

الخاتمة

  • إن أی خطاب یؤتی ثمره ویحقق أهدافه إذا ما اهتم بالتأثیر الوجدانی والتأثیر الفکری أو الإقناعی لدى المخاطَب، وقد اتضح أن هذین التأثیرین متحققان فی الآیات موضع الدراسة سواء من جهة عرض المشهد وتقدیمه للمتلقی، أو من جهة الخطاب الذی وجهه لقمان u لابنه.
  • إن القرآن الکریم یعلمنا من طریق المشاهد الخطابیة التی یصورها طرق الدعوة إلى الله على اختلاف المخاطبین: کافر معاند، أو مشرک، أوملک جائر، أو ابن، أو أب... إلخ، ویُعد خطاب لقمان لابنه أنموذجًا رائعًا یُحتذى للدعوة إلى الله، وأنموذجًا فی خطاب الأبناء وتربیتهم وتوجیههم إلى صلاح الدنیا ونجاة الآخرة، بأسلوب رقیق لطیف یؤنس القلب ویریح النفس ویقنع العقل، من طریق توظیف طاقات اللغة لتحقیق المقاصد والغایات والتأثیر على المخاطَب من الناحیتین: النفسیة الوجدانیة، والفکریة الإقناعیة.
  • لقد انتقى لقمان مواعظه بعنایة ورتبها بنظام دقیق، ووجها بأسلوب لطیف مؤثر فی النفس ومقنع للعقل.
  • إن أسلوب لقمان فی وعظه ابنه لو اتبعه الوعَّاظ والمربون لأنشؤوا جیلاً واعیًا متفتحًا یسعى إلى الخیر والفلاح بقلب منشرح وعقل مدرک، حیث قدم أبهى صورة فی الدعوة إلى الله U بألطف السبل دعوة فیها ما فیها من التلطف والترفق، والرقة، فقد اعتمد فی خطابه لابنه على التأثیر فی النفس والوجدان بأسلوب أخذ بالقلب والنفس ولم ینس نصیب العقل من الإقناع.
  • إن النسیج الذی بنیت علیه الوصایا یؤکد أن التأثیر النفسی والـتأثیر الإقناعی کانا حاضرین بقوة فی ترتیبها.
 

الهوامش والإحلات

 

([1]) الرازی (فخر الدین محمد بن عمر): التفسیر الکبیر "مفاتیح الغیب"، تح: عماد زکی البارودی، د.ط، المکتبة التوفیقیة، القاهرة، مصر، د.ت، م4،ج 7،ص 106.

([2]) الجرجانی، (أبو بکر عبد القاهر بن عبد الرحمن)، دلائل الإعجاز، تح: محمود محمد شاکر، الطبعة 3، مطبعة المدنی، القاهرة، مصر، ودار المدنی، جدة، المملکة العربیة السعودیة، 1992م، ص 89.

([3]) الزرکشی (أبو عبد الله بدر الدین محمد بن عبد الله) البرهان فی علوم القرآن، تح: مصطفى عبد القادر عطا، د.ط، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، د.ت، ص136: 48.

([4]) البقاعی، (برهان الدین أبو الحسن إبراهیم بن عمر)، نظم الدرر فی تناسب الآیات والسور، تح: عبد الرزاق غالب المهدی، الطبعة 4، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 2011م.

([5]) المرجع نفسه، ج 1، ص 6.

([6]) السیوطی (أبو الفضل جلال الدین عبد الرحمن)، معترک الأقران فی إعجاز القرآن، تح: أحمد شمس الدین، الطبعة1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1988م، ج 1، ص43.

([7]) المؤلف نفسه، تناسق الدرر فی تناسب السور، تح: عبد الله محمد الدرویش، الطبعة2، عالم الکتب، بیروت، لبنان، 1987م.

([8]) یُکتفی هنا بالإشارة إلى بعض الدراسات الحدیثة إلى جانب ما تم ذکره من دراسات القدماء:  فضل (صلاح)، بلاغة الخطاب وعلم النص، عالم المعرفة، الکویت،1992م، خطابی (محمد)، لسانیات النص "مدخل إلى انسجام الخطاب"، الطبعة1، المرکز الثقافی العربی، بیروت/ لبنان، 1991م، الفقی (صبحی إبراهیم)، علم اللغة النصی بین النظریة والتطبیق "دراسة تطبیقیة على السور المکیة"، الطبعة1، دار قباء، القاهرة،  مصر، 2000م.

([9]) سورة لقمان، الآیة12.

([10]) الزمخشری (أبو القاسم محمود بن عمر)، الکشاف عن حقائق التنزیل وعیون الأقاویل فی وجوه التأویل، تح: عبد الرزاق المهدی، الطبعة2، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، لبنان، 2001م،ج3، ص 497، وابن عاشور (محمد الطاهر)، التحریر والتنویر، الطبعة10، دار سحنون، تونس، د.ت، م 10، ج 21 ، ص138.

([11]) الآیة 2.

([12]) الآیة 9.

([13]) الآیة 12.

([14]) الراغب الأصفهانی (أبو القاسم الحسین بن محمد)، معجم مفردات ألفاظ القرآن، تحقیق: إبراهیم شمس الدین، ط4، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 2013م، مادة "حَکَمَ".

([15]) التفسیر الکبیر،م 13،ج 25، ص 126.

([16]) نظم الدرر، 4، 149.

([17]) سورة لقمان، الآیات 2: 3.

([18]) السورة نفسها، الآیات 3: 5.

([19]) السورة نفسها، الآیات 6: 7.

([20]) السورة نفسها، الآیة 11.

([21]) السورة نفسها، من الآیة 11.

([22]) السورة نفسها، من الآیة 13.

([23]) السورة نفسها، من الآیة11.

([24]) السورة نفسها، من الآیة13.

([25]) السورة نفسها، الآیة10.

([26]) السورة نفسها، من الآیة12 .

([27]) السورة نفسها، من الآیة 14.

([28]) السورة نفسها، الآیات 12: 13.

([29]) السورة نفسها، ، الآیة12.

([30]) قسم مقدر.

([31]) البرهان فی علوم القرآن، الزرکشی، ج 4، ص 85.

([32]) م.ن، ص.ن.

([33]) م.ن، ص.ن.

([34]) الزمخشری، الکشاف،ج 3، ص 499، وأبو حیان (محمد بن یوسف)، البحر المحیط فی التفسیر، د.ط، دار الفکر، بیروت، لبنان، 2005، ج8 ، ص412.

([35]) سورة لقمان، الآیة12.

([36]) سورة البقرة، الآیة 269.

([37]) ابن الجوزی (جمال الدین أبو الفرج عبد الرحمن)، زاد المسیر فی علم التفسیر، تح: عبد الرزاق المهدی، الطبعة1، دار الکتاب العربی، بیروت، لبنان، 2001م. ص 1100.

([38]) مفاتیح الغیب، م 13، ج 25، ص 126.

([39]) ابن عاشور، التحریر والتنویر، م 10، ج21، ص 152.

([40]) سورة النحل، الآیة 125.

([41]) الفیروزآبادی، بصائر ذوی التمییز، مادة "شَکَرَ".

([42]) المرجع نفسه، المادة نفسها.

([43]) ابن عاشور، التحریر والتنویر، م 10، ج21، ص 152.

([44]) سورة إبراهیم، الآیة 7.

([45]) ص 38.

([46]) الفیروز آبادی، بصائر ذوی التمییز، مادة "شکر".

([47]) سورة الأعراف، الآیة 17.

([48]) معجم مفردات ألفاظ القرآن، مادة "شَکَرَ".

([49]) المرجع نفسه، المادة نفسها.

([50]) السمین الحلبی، المادة نفسها.

([51]) سورة إبراهیم، الآیة 7.

([52]) سورة الروم، الآیة 44

([53]) مفاتیح الغیب، م 13، ج 25، ص 127.

([54]) سورة إبراهیم، الآیة 34.

([55]) سورة النحل، الآیة18.

([56]) السمین الحلبی، عمدة الحفاظ، مادة "شَکرَ" و الفیروز آبادی، بصائر ذوی التمییز، المادة نفسها.

([57]) مفاتیح الغیب، م 13، ج 25، ص 127.

([58]) الألوسی (أبو الفضل شهاب الدین السید محمود) روح المعانی فی تفسیر القرآن العظیم والسبع المثانی، الطبعة1، دار الفکر، بیروت، لبنان، 2003م، ج 21، ص 114.

([59]) م.ن، ص.ن.

([60]) سورة النساء، من الآیة11.

([61]) سورة البقرة، الآیة 233.

([62]) سورة سبأ الآیة 35.

([63]) سورة الحدید، من الآیة 20.

([64]) سورة المجادلة، الآیة 17.

([65]) العسکری (أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل)، الفروق اللغویة، تح: جمال عبد الغنی، الطبعة1، مؤسسة الرسالة، بیروت/لبنان، 2002م، ص13.

([66]) سورة یوسف، الآیة 38.

([67]) سورة البقرة، الآیة 133.

([68]) الراغب الأصفهانی (أبو القاسم الحسین بن محمد)، المفردات فی غریب القرآن، تح: محمد سید کیلانی، د.ط، دار المعرفة، بیروت، لبنان، د.ت، مادة "أَبَوَ".

([69]) سورة عبس، الآیات 34: 36.

([70]) سورة المعارج، الآیات 11: 14.

([71]) سورة هود، الآیة 42.

([72]) سورة مریم، الآیات 41: 45.

([73]) السورة نفسها، الآیة 46.

([74]) الخلیل (أبو عبد الرحمن الخلیل بن أحمد الفراهیدی)، کتاب العین، تح: مهدی المخزومی، وإبراهیم السامرائی، د.ط، دار ومکتبة الهلال، 2007م، مادة "وَعَظَ".

([75]) الجوهری (أبو نصر إسماعیل بن حمَّاد)، الصحاح "تاج اللغة وصحاح العربیة"، تح: إیمیل بدیع یعقوب ومحمد نبیل طریفی، د.ط، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، د.ت، مادة "وَعَظَ".

([76]) ابن فارس، مادة "وَعَظَ".

([77]) ابن منظور (محمد بن مکرم بن علی أبو الفضل جمال الدین)، لسان العرب، الطبعة1، دار صادر، بیروت، لبنان، 1997م، مادة "وَعَظَ".

([78]) السمین الحلبی (أبو العباس شهاب الدین أحمد بن یوسف)، عمدة الحفاظ فی تفسیر أشرف الألفاظ، تح: محمد باسل عیون السود، دار الکتب العلمیة، الطبعة1، القاهرة، مصر، 1996م، مادة "وَعَظَ".

([79]) الفیومی (أحمد بن محمد بن علی)، المصباح المنیر، تح: یوسف الشیخ محمد، د.ط، المکتبة العصریة، بیروت، لبنان، 2014م، مادة "وَعَظَ".

([80]) الفیروز آبادی (مجد الدین أبو طاهر محمد بن یعقوب)، لقاموس المحیط، تح: مکتب تحقیق التراث فی مؤسسة الرسالة، الطبعة8، مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، 2005م، مادة "وَعَظَ".

([81]) المؤلف نفسه، بصائر ذوی التمییز فی لطائف الکتاب العزیز، تحقیق: محمد علی النجار، وعبد العلیم الطحاوی، الطبعة3، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامیة، القاهرة، مصر، 1996م، مادة "وَعَظَ".

([82]) الأصفهانی، معجم مفردات ألفاظ القرآن، مادة "زَجَرَ".

([83]) الفیروز آبادی، مادة " زَجَرَ".

([84]) الزجاج (إبراهیم بن السری بن سهل أبو إسحاق)، معانی القرآن وإعرابه، الطبعة1، عالم الکتب، بیروت، لبنان، 1988م، ج 4، ص196.

([85]) سورة النحل، من الآیة 125.

([86]) سورة لقمان، الآیات 14: 15.

([87]) السورة نفسها، ، من الآیة 13.

([88]) قیل أیضًا: إنها قد تکون من جملة وصایا لقمان لابنه، أبو حیان، البحر المحیط،ج 8، ص 413.

([89]) الزمخشری، الکشاف، ج 3، ص 501.

([90]) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

([91]) معانی القرآن وإعرابه،ج 4، ص196.

([92]) الکشاف، ج 3، ص501.

([93]) زاد المسیر، 1103.

([94]) التحریر والتنویر، م 10، ج21، ص 157.

([95]) مادة "وَصَى".

([96]) سورة البقرة، من الآیة 83.

([97]) سورة لقمان، من الآیة14.

([98]) معجم مفردات ألفاظ القرآن، مادة "أَنَسَ".

([99]) ابن عاشور، التحریر والتنویر، م 10، ج21، ص 157.

([100]) سورة لقمان، من الآیة14.

([101]) معجم مفردات القرآن، الأصفهانی، مادة "وَهَنَ".

([102]) التحریر والتنویر م 10، ج21، ص 157.

([103]) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

([104]) المرجع نفسه، 10 م 10، ج21، ص 158.

([105]) المرجع نفسه، ابن عاشور، م 10، ج21، ص 160.

([106]) المرجع نفسه، م 10، ج21، ص 161.

([107]) فی ظلال القرآن، ج 5، ص2781.

([108]) مادة "صَحب".

([109]) معجم مفردات ألفاظ القرآن، المادة نفسها.

([110]) الفروق اللغویة، 285.

([111]) مقاییس اللغة، مادة "عرف".

([112]) معجم ألفاظ القرآن، مدة "عرف"، وعمدة الحفاظ، المادة نفسها، وبصائر ذوی التمییز، المادة نفسها.

([113]) ابن فارس (أبو الحسین أحمد) مقاییس اللغة، تح: إبراهیم شمس الدین، الطبعة1، شرکة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، لبنان، 2012م. المادة "سَبَلَ".

([114]) الأصفهانی، معجم مفردات ألفاظ القرآن، المادة نفسها.

([115]) التحریر والتنویر، م 10، ج21، ص 161.

([116]) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

([117]) سورة لقمان، من الآیة 13.

([118]) سنتناول کل نداء فی موضعه الوارد فیه.

([119]) التحریر والتنویر، م 10، ج21، ص 155.

([120]) م.ن، ص.ن

([121]) سورة النساء، الآیة 48.

([122]) سورة المائدة، من الآیة 72.

([123]) لمزید من المعلومات حول لفظ الجلالة "الله" ، السنباطی (أحمد بن أحمد)، شرح البسملة والحمدلة، تح: مها عبد العزیز عبد الغنی الحبَّار، الطبعة1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 2018م، ص 165: 177، والمحوجب، (أبو عبد الله محمد بن محمد بن حمدون الفاسی) الفوائد المسجلة فی شرح البسملة والحمدلة، تح: علی قاسمی التمسمانی، الطبعة1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 2018م، ص172: 197.

([124]) ابن منظور، لسان العرب، مادة (ظَلَمَ).

([125]) الزجاج، معانی القرآن وإعرابه،ج 4، ص 197، الرازی، التفسیر الکبیر، م13، ج 25، ص 127. وابن عاشور، التحریر والتنویر، م 10، ج21، ص 155.

([126]) سورة الذاریات، الآیة 56.

([127]) سورة البقرة من الآیة 57، وسورة الأعراف من الآیة 160.

([128]) سورة النحل من الآیة 118.

([129]) ابن عاشور، التحریر والتنویر، م 10، ج21، ص 155.

([130]) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

([131]) سورة لقمان، الآیة 16

([132]) التحریر والتنویر، م 10، ج21، ص 162.

([133]) سورة لقمان، الآیات 17: 19.

([134]) التحریر والتنویر، ابن عاشور، م 10، ج21، ص 164.

([135]) سورة لقمان، من الآیة17.

([136]) التحریر والتنویر م 10، ج21، ص 165.

([137]) الکشاف، الزمخشری، ج 3، ص 503.

([138]) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

([139]) الجوهری، الصحاح، مادة (صَعَرَ).

([140]) الأصفهانی، معجم مفردات ألفاظ القرآن، مادة ( صَعَرَ).

([141]) النحاس (أبو جعفر أحمد بن محمد)، معانی القرآن، تح: محمد علی الصابونی، الطبعة1، جامعة أم القرى، مکة المکرمة، المملکة العربیة السعودیة، 1409هــ،ج 5، ص 288.

([142]) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

([143]) التحریر والتنویر، ابن عاشور، م 10، ج21، ص 167.

([144]) فی ظلال القرآن، سید قطب، ج 5، ص2790.

([145]) التحریر والتنویر، ابن عاشور،م 7، ج 15، ص 103.

([146]) سورة الإسراء، الآیة 37.

([147]) سورة الفرقان، من الآیة 63.

([148]) سورة آل عمران، من الآیة 137.

([149]) التحریر والتنویر، م 7، ج 15، ص 103.

([150]) مقاییس اللغة، مادة "سَیَرَ".

([151]) لسان العرب، المادة نفسها.

([152]) سورة لقمان، الآیة 19.

 

المراجع والمصادر

_______________

1. ابن الجوزی (جمال الدین أبو الفرج عبد الرحمن)، زاد المسیر فی علم التفسیر، تحقیق: عبد الرزاق المهدی، الطبعة1، دار الکتاب العربی، بیروت، لبنان، 2001م.

  1. 2.  ابن عاشور (محمد الطاهر)، التحریر والتنویر، الطبعة10، دار سحنون، تونس، د.ت.
  2. 3.  ابن فارس (أبو الحسین أحمد) مقاییس اللغة، تحقیق: إبراهیم شمس الدین، الطبعة1، شرکة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، لبنان، 2012م.

4. ابن منظور (محمد بن مکرم بن علی أبو الفضل جمال الدین)، لسان العرب، الطبعة1، دار صادر، بیروت، لبنان، 1997م.

  1. 5.  أبو حیان (محمد بن یوسف)، البحر المحیط فی التفسیر، د.ط، دار الفکر، بیروت، لبنان، 2005.
  2. 6.  الألوسی (أبو الفضل شهاب الدین السید محمود) روح المعانی فی تفسیر القرآن العظیم والسبع المثانی، الطبعة1، دار الفکر، بیروت، لبنان، 2003م.

7. البقاعی (برهان الدین أبو الحسن إبراهیم بن عمر)، نظم الدرر فی تناسب الآیات والسور، تحقیق: عبد الرزاق غالب المهدی، الطبعة 4، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 2011م.

  1. 8.  الجرجانی، (أبو بکر عبد القاهر بن عبد الرحمن)، دلائل الإعجاز، تحقیق: محمود محمد شاکر، الطبعة 3، مطبعة المدنی، القاهرة، مصر، ودار المدنی، جدة، المملکة العربیة السعودیة، 1992م.

9. الجوهری (أبو نصر إسماعیل بن حمَّاد)، الصحاح "تاج اللغة وصحاح العربیة"، تحقیق: إیمیل بدیع یعقوب ومحمد نبیل طریفی، د.ط، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، د.ت.

  1. 10.  حجاج (جهاد)، الوصایا "وصایا لقمان - الوصایا العشر- من وصایا الرسول"، د.ط، دار العلم والإیمان، مصر، دسوق، 2007.
  2. 11.  خطابی (محمد)، لسانیات النص "مدخل إلى انسجام الخطاب"، الطبعة1، المرکز الثقافی العربی، بیروت، لبنان، 1991م.
  3. 12.  الخلیل (أبو عبد الرحمن الخلیل بن أحمد الفراهیدی)، کتاب العین، تحقیق: مهدی المخزومی، وإبراهیم السامرائی، د.ط، دار ومکتبة الهلال، 2007م.
  4. 13.  الرازی (فخر الدین محمد بن عمر): التفسیر الکبیر "مفاتیح الغیب"، تحقیق: عماد زکی البارودی، د.ط، المکتبة التوفیقیة، القاهرة، مصر، د.ت.

14. الراغب الأصفهانی (أبو القاسم الحسین بن محمد):                                               

 -معجم مفردات ألفاظ القرآن، تحقیق: إبراهیم شمس الدین، ط4، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 2013م.                                                                                                          - المفردات فی غریب القرآن، تحقیق: محمد سید کیلانی، د.ط، دار المعرفة، بیروت، لبنان، د.ت.

15. الزجاج (إبراهیم بن السری بن سهل أبو إسحاق)، معانی القرآن وإعرابه، عالم الکتب، بیروت، لبنان، الطبعة1، 1988م.

16. الزرکشی (أبو عبد الله بدر الدین محمد بن عبد الله) البرهان فی علوم القرآن، تحقیق: مصطفى عبد القادر عطا، د.ط، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، د.ت

  1. 17.  الزمخشری (أبو القاسم محمود بن عمر)، الکشاف عن حقائق التنزیل وعیون الأقاویل فی وجوه التأویل، تحقیق: عبد الرزاق المهدی، الطبعة2، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، لبنان، 2001م.

18. السمین الحلبی (أبو العباس شهاب الدین أحمد بن یوسف)، عمدة الحفاظ فی تفسیر أشرف الألفاظ، تحقیق: محمد باسل عیون السود، دار الکتب العلمیة، الطبعة1، القاهرة، مصر، 1996م.

  1. 19.  السنباطی (أحمد بن أحمد)، شرح البسملة والحمدلة، تحقیق: مها عبد العزیز عبد الغنی الحبَّار، الطبعة1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 2018م.
  2. 20.  السیوطی (أبو الفضل جلال الدین عبد الرحمن):                                        

- معترک الأقران فی إعجاز القرآن، تحقیق: أحمد شمس الدین، الطبعة1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1988م.                                                           

-تناسق الدرر فی تناسب السور، تحقیق: عبد الله محمد الدرویش، الطبعة2، عالم الکتب، بیروت، لبنان، 1987م.

  1. 21.  الطهطاوی (علی أحمد عبد العال) هدایة الولدان شرح وصایا لقمان، الطبعة1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 2004م.

22. العسکری (أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل)، الفروق اللغویة، تحقیق: جمال عبد الغنی، الطبعة1، مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، 2002م.

  1. 23.  العواجی (محمد عبد العزیز)، نظرات وتأملات إیمانیة فی وصایا لقمان فی القرآن " دراسة تفسیریة موضوعیة"، د.ط، الجامعة الإسلامیة بالمدینة النبویة، 2006م.
  2. 24.   فضل (صلاح)، بلاغة الخطاب وعلم النص، عالم المعرفة، الکویت،1992م.

25. الفقی (صبحی إبراهیم)، علم اللغة النصی بین النظریة والتطبیق "دراسة تطبیقیة على السور المکیة"، الطبعة1، دار قباء، القاهرة، مصر، 2000م.

26. الفیروز آبادی (مجد الدین أبو طاهر محمد بن یعقوب):                                       

-بصائر ذوی التمییز فی لطائف الکتاب العزیز، تحقیق: محمد علی النجار، وعبد العلیم الطحاوی، الطبعة3، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامیة، القاهرة، مصر، 1996م.

 -القاموس المحیط، تحقیق: مکتب تحقیق التراث فی مؤسسة الرسالة، الطبعة8، مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، 2005م.

  1. 27.  الفیومی (أحمد بن محمد بن علی)، المصباح المنیر، تحقیق: یوسف الشیخ محمد، د.ط، المکتبة العصریة، بیروت، لبنان، 2014م.

28. قطب (سید)، فی ظلال القرآن، الطبعة25، دار الشروق، مصر، 1996م.

  1. 29.  المحوجب، (أبو عبد الله محمد بن محمد بن حمدون الفاسی) الفوائد المسجلة فی شرح البسملة والحمدلة، تحقیق: علی قاسمی التمسمانی، الطبعة1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 2018م.

30. النحاس (أبو جعفر أحمد بن محمد)، معانی القرآن، تحقیق: محمد علی الصابونی، الطبعة1، جامعة أم القرى، مکة المکرمة، المملکة العربیة السعودیة، 1409هــ.