توظیف الشاهد القرآني في کتاب المدخل إلى تقویم اللسان لابن هشام اللخمي.

الباحث المراسلد. أحمد بن عبدلرحمن بالخیر

تاريخ نشر البحث :2022-11-13
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك  |   تحميل المقال

 

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على أشرف المرسلین سیدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعین. أما بعد:

فقد قامت الدارسات اللغویة قدیماً على أسس عدیدة، أهمها: الرحلة إلى البوادی لمشافهة الأعراب الخلّص، وتلقی النصوص المسموعة من أفواه الرواة القادمین من مختلف القبائل العربیة، ومقابلة فصحاء الحواضر، ومشافهتهم فی الأسواق العربیة المشهورة، التی کانت مخصّصة لهذا الغرض، مثل: سوق عکاظ، وسوق مجنّة، وذو المجاز؛ مما أدى إلى اتساع نطاق عملیة الاستقراء، وثمّة إمکانیة استنباط القواعد اللغویة.

لقد أثارت ظاهرة الاستشهاد اهتمام العلماء قدیماً وحدیثاً، وبلغت عنایتهم به أن ألَّفوا کتباً مستقلة، وقد قام أبو جعفر النحاس (ت 338هـ) بأوّل محاولة للتألیف فی هذا الباب، إذ ألّف کتاباً یشرح فیه شواهد سیبویه، وسار على نهجه السیرافی(ت368هـ)، إذ ألّف کتاباً یشرح فیه کتاب سیبویه، ویُسجّل له إدراج کل شاهد فی الباب النحوی الذی ورد فیه، کما ألّف الأعلم الشّنتمری کتاباً یشرح فیه أبیات سیبویه أیضا وسمّاه: "تحصیل عین الذّهب من معدن جوهر الأدب فی علم مجازات العرب"، وغیرها من المؤلفات القدیمة التی خصّت الشواهد اللغویة بالدراسة.

لقد کان ابن هشام اللخمی یحتج فی کتابه (المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم البیان) بالقرآن الکریم والشعر وأقوال العرب والأحادیث النبویة، فقد اتخذ من آیات القرآن الکریم معیاراً لتحدید الخطأ والصواب فی الکلام، ومن هنا کانت أهمیة هذا البحث؛ الذی یهدف إلى التعرّف على توظیف ابن هشام اللخمی للشاهد القرآنی فی کتابه السابق الذکر، واتخاذه معیاراً للحکم على اللهجات المستعملة فی عصره.

کما یرمی البحث إلى دراسة القضایا اللغویة فی الشاهد القرآنی فی ضوء مجالات البحث اللغوی الحدیث. کذلک یسعى البحث إلى الکشف عن أهمیة الشاهد القرآنی بوصفه معیاراً للفصاحة فی کتاب المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم البیان. إن دراسة القراءات القرآنیة التی تناولها ابن هشام اللخمی، کانت من أهم مرتکزات هذا البحث، إذ اتخذ ابن هشام اللخمی من قراءة بعض القرّاء معیاراً للفصاحة.

تعتمد مادة هذا البحث على الشواهد القرآنیة التی احتج بها ابن هشام اللخمی فی کتابه؛ لتصحیح ظاهرة من الظواهر اللغویة، وقد بلغ عدد هذه الآیات ستاً وخمسین آیة.

من هنا تولّدت لدى الباحث العدید من الأسئلة الدافعة إلى سبر تلک الشواهد القرآنیة، منها: ما معیار الفصاحة عند ابن هشام فی کتابه المدخل إلى تقویم اللسان؟ وما موقف ابن هشام من القراءات القرآنیة على تعدّد أنواعها؟ وما آلیة الحکم على فصاحة لغة عصره من عدمها؟

وسعیاً من الباحث للوصول إلى إجابات لأسئلة الدراسة، فقد اقتضت طبیعة الدراسة اتباع المنهج الوصفی التحلیلی: وذلک لوصف وتحلیل الشاهد القرآنی وتوظیفه لدى ابن هشام اللخمی فی کتابه تقویم اللسان.

المبحث الأول: ابن هشام اللخمی وکتابه المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم  البیان:

أولاً: ابن هشام اللخمی... سیرة حیاة:

اسمه ونسبه:

هو أبوعبدالله محمد بن أحمد بن هشام بن إبراهیم بن خلف اللخمی، نحوی لغوی، ولد فی إشبیلیة، وأقام فی سبته[1].

شیوخه وتلامیذه:

أخذ العلم عن أبی بکر بن العربی ت543هـ، وأبی طاهر السلفی ت576هـ، وابن مضاء اللخمی القرطبی ت592هـ[2].

أما تلامیذه فقد ذکر صاحب الذیل والتکملة[3] أن من تلامیذه: أبو الحسن بن أحمد الخولانی، وأبو عبدالله بن عبدالله بن سعید الکتانی، وأبو العابد بن غاز السبتی، وأبو علی حسن بن محمد الجذامی، وأبو عمر یوسف بن عبدالله الغافقی.

ثقافته وآثاره:

ذکر ابن الأبّار محمد بن عبدالله القضاعی أن ابن هشام اللخمی کان مؤدباً بالعربیة، وأنه کان قائماً علیها وعلى اللغات والآداب[4].

کما ذکر محمد بن عبدالله الأنصاری صاحب کتاب الذیل والتکملة أن ابن هشام اللخمی کان نحویاً لغویاً أدیباً تاریخیاً ذاکراً أخبار الناس قدیماً وحدیثاً وأیامه[5].

لقد ترک ابن هشام اللخمی مؤلفات عدیدة، منها[6]:

-    الدر المنظوم: فی سیرة النبی ﷺ، وهو مخطوط.

-    الفصول والجمل فی شرح أبیات الجمل وإصلاح ما وقع فی أبیات سیبویه وفی شرحها للأعلم من الوهم والخلل، وهو مخطوط.

-    شرح الفصیح: وهو مطبوع.

-    شرح مقصورة ابن درید (الفوائد المحصورة فی شرح المقصورة): مطبوع.

-    شرح المقصورة الکبرى أو کتاب المقصور والممدود: مطبوع.

-    المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم البیان: وهو مطبوع.

وفاته:

یذکر صاحب الذیل والتکملة أن وفات ابن هشام اللخمی کانت سنة (577هـ)، وبهذا یکون محمد بن عبدالله الأنصاری[7] أقدم من أشار إلى تاریخ وفاته، إذ لم یذکر ابن الأبّار[8] صاحب کتاب التکملة لکتاب الصلة فی ترجمته لابن هشام اللخمی تاریخ وفاته، واکتفى بقوله: وجدت الأخذ عنه والسماع منه فی سنة 557 هـ[9]. أما الصفدی[10] فقد جعل سنة وفاته 570هـ[11]، فی حین أشار الفیروزأبادی[12] إلى أن وفاته کانت فی سنة 557هـ[13]، وهو وهم فیما یبدو؛ لأن ابن الأبار کما ذکرت سلفاً قد أخذ عنه وسمع منه فی هذه السنة.

ثانیاً: کتاب المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم البیان:

لکتاب ابن هشام اللخمی أهمیة کبرى فی تاریخ التألیف فی لحن العامة، فقد ألّفه لیرد على کل من الزبیدی (ت379هـ) فی کتابه لحن العامة، وابن مکی الصقلی (ت501هـ) فی کتابه تثقیف اللسان وتلقیح الجنان، ثم أورد بعد ذلک مباحث تمثل ما آلت إلیه العربیة فی الأندلس فی القرن السادس الهجری. ویمکن أن ننظر إلى هذا الکتاب على أنه مکوّن من ثلاثة أقسام:

القسم الأول: جعله ابن هشام اللخمی فی الرد على کلٍّ من: الزبیدی وابن مکی الصقلی، وقد صرّح المؤلّف نفسه بذلک حین قال: "وألّف الزبیدی -رحمه الله- فی لحن عامة زمانه، وما تکلمت به فی أوانه، فتعسّف علیهم فی بعض الألفاظ، وأنحى علیه بالإغلاظ، وخطّأهم فیما استعمل فیه وجهان، وللعرب فیه لغتان. فأوردت فی هذا الکتاب جمیع ذلک، وما تعسّف علیهم هنالک، وبیّنت ما وقع فی کلامه من السهو والغلط، والتعنیت والشطط. وأردفته بذکر أوهام ابن مکی فی کتابه المسمى بتثقیف اللسان وتلقیح الجنان. وابتدأت بالرد علیهما فیما أنکراه..."[14].

القسم الثانی: أفرده ابن هشام الللخمی لیذکر فیه أخطاء عامة زمانه فی الأندلس، یقول: "وأضفت إلى ذلک کثیراً مما لم یذکراه مما غُیِّر فی زماننا، ولحنت فیه عوامّنا"[15]، ویضم هذا القسم ثلاثة أبواب[16]:

أ. باب ما جاء عن العرب فیه لغتان فأکثر، استعملت العامة منها أضعفها، وربما استعملت أقواها، وربما عدلت عن الصواب فی ذلک ونطقت باللحن.

ب. باب ما تلحن فیه العامة مما لا یحتمل التأویل، ولا علیه من لسان العرب دلیل.

ج. باب ما جاء لشیئین أو أشیاء، فقصروه على واحد.

القسم الثالث: ذکر فیه ما تمثلت به العامة فی أقوالهم، ثم ردّه إلى ما أُخذ منه من أقوال الشعراء، وقد جاء هذا القسم تحت عنوان: "مما تمثّلت به العامة، مما وقع فی أشعار المتقدّمین والمحدثین، تلقّنوها من الفصحاء، وهم لا یعرفون الأشعار التی أُخذت منها، وربما حرّفوا بعض ألفاظها"[17].

المبحث الثانی: الشاهد النحوی:

الشاهد النحوی للنحاة ذخیرة وحجة وبرهان، بل هو النحو بعینه[18]؛ لذا نال الشاهد مکانة رفیعة عند النحاة، وظل المعیار الذی اعتمد علیه النحاة فی تقعید القواعد ودلیل الحکم وسند القاعدة التی یعتمدونها. ولأن الشاهد لسان النحوی فی إثبات صحّة القاعدة وتقریرها أو تجویز ما جاء مخالفاً للقیاس، أو الرد على المخالف وتفنید رأیه وإظهار ضعف مذهبه النحوی أو عدم جوازه اشترطوا فیه أن تکون دلالته واضحة، ولیس له روایة تخالف تلک الدلالة، وإلا کان غیر مقبول لأنه شهادة، والشهادة إذا دخلها الاحتمال سقط بها الاستدلال[19]. من هنا کان الاعتداد بالشاهد عند کل النحویین، متقدّمیهم ومتأخّریهم، فرفدوا النحو بشواهد غزیرة استخرجوها من القرآن الکریم والحدیث النبوی الشریف ومن کلام العرب ودواوین الأدب حتى "باتت قیمة العالم تتجلى فی معرفته بالشواهد واستخراجه لها من الکلام الفصیح واستحضاره إیّاها عند الحاجة"[20].

أولاً: تعریف الشاهد لغة واصطلاحاً:

   لغة: ورد فی الصحاح "الشهادة خبر قاطع، تقول منه: شهد الرجل على کذا ... والمشاهدة المعاینة، وشهده شهوداً أی حضره فهو شاهد، وقوم شهود أی حضور ... وأشهدنی إملاکه أی أحضرنی ..."[21].

وفی لسان العرب "الشاهد: العَالم الذی یبیّن ما علمه ... والشّهادة خبر قاطع ... والشّاهد؛ اللسان من قولهم لفلان شاهدٌ حسنٌ أی عبارة جمیلة"[22].

أما الفیروز أبادی، فقد أضاف معنى آخر لهذه المعانی، إذ قال: "واستشهده، سأله أن یشهد ... والشاهد الأمین فی شهادة"[23].

ویضیف أبو بکر الرازی "وقولهم: أشهد بکذا أی أحلف"[24].

فمن طریق هذه المفاهیم یتبین لنا أن المقصود بالاستشهاد هو الإخبار بما یفید القطع. وقد ورد مفهوم الاستشهاد فی کتاب الفروق فی اللغة لأبی هلال العسکری، إذ یقول: "الشاهد نقیض الغائب فی المعنى؛ ولهذا سُمیَ ما یُدرک بالحواس ویُعلم ضرورة شاهداً، وسُمِیَ ما یعلمُ بشیء غیره، وهو الدلالة غائباً، مثل: الحیاة، والقدرة، وسُمِیَ القدیم شاهداً لکل نجوى؛ لأنه یعلم جمیع الموجودات بذاته فالشهادة علم یتناول الموجود"[25].

   أما المعنى الاصطلاحی للشّاهد فهو "الدلیل الذی یُعتمد علیه فی الأخذ بقاعدة ما، ورفض أخرى، أو هو ما یذکرُ لإثبات قاعدة کلیّة؛ من کتابٍ أو سنّة، أو کلام عربی فصیح"[26].

وقد أجمع الدارسون على أن الشاهد هو الدلیل الذی یؤخذ من الکلام العربی الفصیح؛ قصد إثبات صحّة قاعدة نحویة أو نفیها من المادة المحتجّ بها، ویرى الدکتور محمد عید أن الاستشهاد هو: "الإخبار بما هو قاطع فی الدلالة على القاعدة من شعر ونثر، فالشاهد فی المصطلح النحوی ما یسوقه النحاة من أدلة لغویة یستنبطونها من لغة العرب الفصحاء؛ شعراً کانت أو نثراً؛ لتکون شاهداً على قواعدهم النحویة"[27]. فالاستشهاد هو توظیف اللغوی لمجموعة من الأقوال التی بلغت مستوى عالٍ من الفصاحة.

ثانیاً: شروط الاحتجاج بالشواهد:

للاحتجاج فی اللغة العربیة غرضان اثنان:

- لفظی: ویورد لإثبات صحّة استعمال لفظة أو ترکیب أو ما یتبع ذلک من قواعد فی علم اللغة والنحو والصرف.

- معنوی: لإثبات معنى کلمة ما، وما یتبع ذلک من قواعد بلاغیة فی علم المعانی والبیان والبدیع.

لقد وضع علماء اللغة أطراً متعددة لقبول الشاهد من عدمه نستطیع أن نجملها فی:

   الإطار الزمانی: إذ لم یقبل علماء اللغة من الشواهد الشعریة والنثریة إلا ما کان واقعاً بین العصر الجاهلی إلى منتصف القرن الثانی الهجری، وعلى ضوء ذلک قسّموا الشعراء إلى أربع طبقات تخضع للترتیب الزمانی على النحو الآتی:

الطبقة الأولى: طبقة الشعراء الجاهلیین، مثل: امرئ القیس والأعشى وغیرهم ممن ماتوا قبل ظهور الإسلام.

الطبقة الثانیة: طبقة المخضرمین، وهم أدرکوا الجاهلیة والإسلام، مثل: حسّان ولبید.

الطبقة الثالثة: طبقة الإسلامیین، وهم الذین کانوا فی صدر الإسلام، مثل: جریر والفرزدق.

الطبقة الرابعة: طبقة المولّدین أو المحدثین، وهم الذین جاءوا بعد الطبقة الثالثة، مثل: بشار بن برد وأبی نواس.

فأجمعوا على صحّة الاستشهاد بطبقة الجاهلیین والمخضرمین، واختلفوا فی طبقة الإسلامیین، فالأغلب على صحّة الاستشهاد بشعرهم حتى منتصف المائة الثانیة للهجرة، وجعلوا إبراهیم بن هرمة المتوفى سنة 150 من الهجرة آخر الشعراء الإسلامیین المحتجّ بشعرهم.

أما الطبقة الرابعة فلا یحتجّ بکلامهم للغرض اللفظی مطلقاً، وجعلوا بشار بن برد رأس المحدثین غیر المحتج بکلامهم، وعلّلوا استشهاد سیبویه ببعض شعر بشار فی (الکتاب) بـ "التقرّب إلیه واتقاء شر لسانه؛ لأنه کان قد هجاه لترکه الاحتجاج بشعره"[28].

   الإطار المکانی: وأعنی به الحدود المکانیّة أو القبائل التی أخذوا عنها، فقد اختلفت درجاتها فی الاحتجاج حسب قربها أو بعدها عن الاختلاط بالأمم المجاورة، فاعتمدوا کلام القبائل الواقعة فی قلب الجزیرة، وردّوا کلام القبائل التی على السواحل، أو فی الحواضر، أو فی جوار غیر العرب من الأمم الأخرى، وقد صنّف أبو نصر الفارابی فی (الاحتجاج) فذکر أن أجود العرب انتقاء للأفصح هم قریش، ویتبعهم قیس وتمیم وأسد وهذیل وبعض کنانة وبعض الطائیین، ولم یؤخذ من غیرهم من سائر القبائل؛ وذلک لأسباب المخالطة مع الأمم الأخرى؛ مما یترتب علیه اختلاط لغتهم بغیر لغة العرب[29].

وعلى هذا الأساس استثنوا القبائل القاطنة بجوار الیونان، مثل: تغلب والنمر، والقبائل المجاروة لأهل مصر، مثل: لخم وجذام، والقبائل المجاروة لأهل الشام، مثل: قضاعة وغسان وإیاد، والقبائل المجاروة للنبط والفرس والهند والحبشة، مثل: بکر وعبدالقیس وأزد عمان وأهل الیمن، والقبائل المخالطة لتجار الأمم المقیمین عندهم، مثل: بنی حنیفة وسکّان الیمامة وثقیف وسکّان الطائف وحاضرة الحجاز[30].

   الإطار الحضری:

کان المجتمع العربی مکوناً من طبقة من البدو وهم أهل الفصاحة والبیان، وطبقة الحضر والقرویین وهؤلاء یتمیّزون بهبوط مستوى الفصاحة لدیهم، فقصد العلماء البوادی لأخذ اللغة من أهلها، فکانت البداوة معیاراً للاحتجاج، یقول الفارابی: "وبالجملة لم یؤخذ عن حضری قط"[31].

ومما یشار إلیه أن هذا الإطار کان السبب وراء عدم الاستشهاد بأولئک الشعراء الذین أقاموا فی الحواضر، مثل: الکمیت والطرّماح وعدیّ بن زید وعبید الله بن قیس الرقیات؛ رغم دخولهم ضمن الإطار الزمنی الذی حدّدوه بمنتصف القرن الثانی الهجری.

ثالثاً: أنواع الشواهد من حیث أجناسها الأدبیة:

یمکن حصر مصادر الاستشهاد فی ثلاثة أنواع ثابتة عن الفصحاء الموثوق بعربیّتهم، فقد قرر العلماء بعد جمعهم وتصنیفهم للمادة اللغویة أن روافدها تنحصر فی ثلاثة أصول أو مصادر هی: القرآن الکریم، والحدیث النبوی الشریف، وکلام العرب وینقسم إلى قسمین اثنین هما: الشعر والنثر.

‌أ.القرآن الکریم: "هو الوحی المنزّل على محمد ﷺ للبیان والإعجاز"[32]. والقرآن الکریم یمثّل أوثق نص لغوی فی العربیة، فقد نال الحظوة العالیة من العنایة والضبط والدقة فی الأداء زمن الرسول ﷺ وعند أصحابه من بعده، کما یمثّل اللغة المثالیة الرفیعة، ومن هنا کان الأخذ بالشاهد القرآنی بلا أدنى خلاف بین النحویین، فکلام الله U هو المنبع الذی استلهم منه اللغویون والنحاة والشعراء مادّتهم، فهو مصدر المصادر اللغویة المعتمدة فی الاستشهاد، وکذلک بقراءاته أصحّ أصول اللغة والنحو، قال البغدادی: "فکلامه عزّ اسمه أفصح کلام وأبلغه، یجوز الاستشهاد بمتواتره وشاذه کما بیّنه ابن جنی فی أول کتاب المحتسب وأجاد القول فیه"[33] إلا أن ذلک لم یمنع من وقوع الاختلاف فی الاستشهاد بآیات القرآن الکریم فی اللغة والنحو، وأرى أن ذلک الاختلاف یرتکز على القراءات القرآنیة التی اختلفت فیها وجهات نظر العلماء، فذهب بعضهم إلى قبول القراءة وأخضع القاعدة للنص القرآنی، فی حین ذهب فریق آخر إلى قبول القراءة فی ذلک الحرف مع مخالفتها للقیاس ولکن لا یقاس علیها، وذهب فریق ثالث إلى تخطئة القرّاء الثقات واتهامهم باللحن ما لم تستقر القراءات مع قاعدتهم وقیاسهم، ورحم الله العلامة سعید الأفغانی حین قال: "قراءات القرآن جمیعها حجة فی العربیة، متواترها وآحادها وشاذّها، وأکبر عیب یوجّه إلى النحاة عدم استیعابهم إیاها"[34].

‌ب.الحدیث النبوی الشریف: یعرّف على أنه ما أثر عن الرسول ﷺ من قول أو فعل أو تقریر أو صفة، إلا أن ما یعنینا هنا هو القول المأثور عنه ﷺ. وقد بیّن الشیخ محمد الخضر حسین المقصود بهذا المصدر من مصادر الاحتجاج بقوله: "وتشتمل کتب الحدیث على أقوال النبی ﷺ، وعلى أقوال الصحابة تحکی فعلاً من أفعاله، أو حالاً من أحواله، أو تحکی ما سوى ذلک من شؤون عامة أو خاصة تتصل بالدین، بل توجد فی کثیر من کتب الحدیث أقوال صادرة عن بعض التابعین، وکذلک نرى المؤلفین فی غریب الحدیث یوردون ألفاظاً من أقوال رسول الله ﷺ، أو أقوال الصحابة أو أقوال بعض التابعین، مثل: عمر بن عبدالعزیز، وهذه الأقوال المنسوبة إلى الصحابة أو التابعین متى جاءت من طریق المحدّثین تأخذ حکم الأقوال المرفوعة إلى رسول الله ﷺ، من جهة الاحتجاج بها فی إثبات لفظ لغوی، أو صنع قاعدة نحویة"[35]. وقد احتجّ النحاة الأوائل بالحدیث النبوی الشریف، وإن کان هذا الاحتجاج قلیلاً -ومثال ذلک الإمام المبرد لم یحتج فی المقتضب سوى بأربعة أحادیث فقط- وتابعهم فی ذلک النحاة الذین جاءوا بعدهم على اختلاف أمصارهم، وإن کان متأخروهم قد زادوا من عدد الأحادیث المحتجِّ بها، إلا أنهم لم یتوسعوا فیه، أما نحاة الأندلس، مثل: السهلی وابن خروف وابن مالک فقد توسعوا فی الاحتجاج به.

‌ج.کلام العرب: وهو المصدر الثالث من مصادر الاستشهاد عند علماء اللغة، ویشمل هذا المصدر ما تکلّمت به العرب شعراً ونثراً فی حدود الإطار الزمانی والمکانی والحضری؛ أی فی زمن الفصاحة. فالنحویون عندما یتحدثون عن حجّیّة کلام العرب إنما یقصدون هذا المعنى، یقول جلال الدین السیوطی: "وأما کلام العرب فیحتج منه بما ثبت عن الفصحاء الموثوق بعربیّتهم"[36]. علیه یمکننا تقسیم ذلک الکلام إلى:

1.النثر: ویشمل:

أ‌.لغة الخطاب الیومی المستعملة فی البادیة طوال عصور الفصاحة.

ب‌.لغة الأمثال: وهی اللغة التی تستعمل من قبل فئة معیّنة فی المجتمع تمتلک القدرة على التعبیر عن المناسبات بأسلوب أدبی راق، "والمثل لا یعکس لغة الاستعمال الدارج، ولا یمثّل أسلوباً فی الکلام المطّرد، وإنما هو متن ثابت یمثّل لغة خاصة انتهت إلى استعمال عام"[37]. قال أبو عبیدة: "الأمثال حکمة العرب فی الجاهلیة والإسلام، وبها کانت تعارض کلامها فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها فی المنطق بکنایة غیر تصریح، فیجتمع لها بذلک ثلاث خلال: إیجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبیه، وقد ضربها النبی ﷺ، وتمثّل بها هو ومن بعده من السلف"[38].

2.الشعر: نال هذا النوع من الشواهد الحظوة والاهتمام أکثر من أنواع الشواهد الأخرى، فقد أنس النحویون إلى الشعر، وشعروا بتمثیله للغة العرب؛ مما جعل الشواهد الشعریة فی مرتبة متقدمة من اهتمام النحاة والدارسین، وظهرت على إثر ذلک مؤلفات کثیرة تخوض فی هذا المضمار، مثل: (شرح أبیات سیبویه) لأبی جعفر النحاس، وکذلک لأبی سعید السیرافی. ومما تجدر الإشارة إلیه أن عدد الشواهد الشعریة فی المقتضب بلغت سبعمائة وواحد وخمسین بیتاً شعریاً.

المبحث الثالث: القضایا اللغویة فی الشاهد القرآنی عند ابن هشام اللخمی:

تکمن أهمیة الشاهد القرآنی عند ابن هشام اللخمی فی کونه معیاراً للفصاحة، فقد کان ابن هشام اللخمی یذکر استعمالات أهل الأندلس فی القرن السادس الهجری، ثم یصوّب هذا الاستعمال أو ذاک اعتماداً على ما ورد فی القرآن الکریم، ومن هنا فإن معیار الفصاحة عند ابن هشام اللخمی یرتبط بالشاهد القرآنی ارتباطاً وثیقاً.

ویمکن تصنیف القضایا اللغویة التی تناولها واستشهد علیها بشواهد قرآنیة فی کتابه المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم البیان؛ وفق مجالات الدرس اللغوی الآتیة:

أولاً: الأصوات والرسم الإملائی:

استشهد ابن هشام اللخمی فی کتابه المدخل بشواهد قرآنیة تناولت قضایا تتصل بالأصوات من ناحیة، وبالرسم الإملائی من ناحیة أخرى.

أ‌.       القضایا التی تتصل بالأصوات:

   التخفیف:

وقد تمثلت هذه الظاهرة فی تخفیف الهمزة کما یأتی:

ذکر ابن هشام اللخمی أن العامة تقول فی (المائدة): مَیْدَة، ووصفها بأنها أضعف من (المائدة)، واستشهد على فصاحة المائدة بقوله تعالى: (قَالَ عِیسَى ابْنُ مَرْیَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَیْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَکُونُ لَنَا عِیدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآیَةً مِنْکَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ) (المائدة:14) یقول: "والمائدة: وفیها لغتان: مائدة، وهی أفصح، وهی لغة القرآن قال الله تعالى: (قَالَ عِیسَى ابْنُ مَرْیَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَیْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَکُونُ لَنَا عِیدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآیَةً مِنْکَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ)، والجمع: موائد. ویقال لها أیضاً: مَیْدَة، کما تنطق به العامة، وهی أضعف"[39].

ویفهم من هذا النص المیل إلى تخفیف الهمزة بإبدالها حرف لین، فکلمة (مائدة) صارت (مَیْدَة)؛ ولعل السبب فی هذا میل اللغة إلى السهولة والتیسیر، فالهمزة من أشد الحروف "لأنه بعُد مخرجها ولأنها نبرة فی الصدر تخرج باجتهاد، فهی أبعد الحروف مخرجاً فثقل علیهم ذلک؛ لأنها کالتهوّع"[40].

ویذکر الدکتور إبراهیم أنیس[41] أن الهمزة المحققة مخرجها من المزمار نفسه، فعند النطق بها تنطبق فتحة المزمار انطباقاً تاماً؛ فلا یسمح بمرور الهواء إلى الحلق، ثم تنفرج فتحة المزمار فیسمع صوت انفجاری هو ما نعبّر عنه بالهمزة. فالهمزة إذن صوت شدید لا هو بالمجهور ولا بالمهموس؛ لأن فتحة المزمار معها مغلقة إغلاقاً تاماً، فلا نسمع لها ذبذبة الوترین الصوتیین، ولا یسمح للهواء بالمرور إلى الحلق إلا حین تنفرج فتحة المزمار ذلک الانفراج الفجائی الذی ینتج الهمزة.

ومعنى هذا أن کون الهمزة صوتاً شدیداً من ناحیة، فضلاً عن أنه یحتاج إلى جهد عضلی قد یزید على أی صوت آخر من ناحیة أخرى، کل هذا جعل بعض مستعملی اللغة یمیلون إلى التخلص من الهمز میلاً للسهولة والتیسیر. یقول الدکتور إبراهیم أنیس: "ولا شک أن انحباس الهواء عند المزمار انحباساً عاماً ثم انفراج المزمار فجأة، عملیة تحتاج إلى جهد عضلی قد یزید على ما یحتاج إلیه أی صوت آخر؛ مما یجعلنا نعد الهمزة أشد الأصوات، ومما جعل للهمزة أحکاماً مختلفة "[42].

2.الإدغام:

وقد تمثّلت هذه الظاهرة فی إدغام التاء فی الدال، کما یأتی:

استشهد ابن هشام اللخمی بقوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَکَائِکُم مَّن یَهْدِی إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ یَهْدِی لِلْحَقِّ أَفَمَن یَهْدِی إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن یُتَّبَعَ أَمَّن لَّا یَهِدِّی إِلَّا أَن یُهْدَىٰ فَمَا لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ) (یونس:35) على إدغام التاء فی الدال من (یهتدی) التی صارت (یهدِّی)، یقول: "ویقولون للسائل: رجلٌ مُکَدِّی، بتشدید الدال. والصواب: مُکْدٍ، بإسکان الکاف وتخفیف الدال، من قولهم: حَفَرَ فأکْدَى؛ أی بلغ الکُدْیة فلم یُنْبِط ماءً. وقال بعضهم: إنما أصله مُجَدٍّ، من الاجتداء، وهو طلب المعروف، فصحّفته العامة فأبدلت من الجیم کافاً. وکان الأصل فی المُجدِّی: المُجْتدی، فأدغمت التاء فی الدال ثم أُلقیت حرکةُ الحرف المدغم على ما قبله، کما فعل ذلک من قرأ (أَمَّن لَّا یَهِدِّی)، والأصل فیه یهتدی"[43].

لقد استشهد ابن هشام اللخمی بهذه الآیة فی معرض کلامه عن قول عامة أهل الأندلس فی القرن السادس الهجری (مُکَدِّی) للسائل بتشدید الدال، بدلاً من (مُکْدٍ) بإسکان الکاف وتخفیف الدال، فإن کان أصل الکلمة کذلک، فهذا معناه أن العامة حرّکت الساکن وهو الکاف، وشدّدت ما حقّه التخفیف وهو الدال.

ثم ذهب أنه قد ذهب فریق إلى أن أصل (مُکْدٍ) مُجَدٍّ من الاجتداء فصحّفته العامة فأبدلت من الجیم کافاً، وکان الأصل فی (المُجدِّی) المُجْتدی، فأدغمت التاء فی الدال ثم ألقیت حرکة الحرف المدغم على ما قبله، وهنا ذکر الآیة الکریمة موضع الشاهد.

وإبدال الجیم کافاً أمر وارد، فقد ذکر ابن السکّیت کلمات کثیرة تعرّضت لمثل هذا الإبدال[44].

3.الإبدال:

وقد تمثلت هذه الظاهرة فی إبدال صوت مکان صوت آخر، وذلک کما یأتی:

- إبدال الهمزة واواً:

نقل ابن هشام اللخمی عن ابن مکی الصقلی –فی معرض ردّه علیه– ما ذکره من أن الناس "یقولون: واسیتُک بمالی، وواکلتُ فلاناً، ووازیتُه، وواجرتُ دابتی، وواخذتُه بذنبه، وواتیتُه على ما یرید، والصواب: آسیتُک بمالی، وآکلتُ فلاناً، وآزیتُه: إذا جلست بإزائه، وآجرتُ دابتی، وآخذتُه بذنبه، وآتیتُک على ما ترید"[45].

وقد ذهب ابن هشام اللخمی إلى أن ما ذکره ابن مکی هو القیاس[46]، وإن کان یرى أنه غیر ممتنع أن یأتی بالواو، فقد حکى عن "الأخفش: آخذتُه بذنبه وواخذته، وقد قرأ ورش (لاَّ یُواخِذُکُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِی أَیْمَانِکُمْ) (البقرة:55)"[47].

ویبدو أن قلب الهمزة إلى واو راجع إلى السهولة والتیسیر، فالهمزة صوت حلقی مخرجه من أقصى الحلق، أما الواو فهو صوت شفوی، یخرج من بین الشفتین، والهمزة تعدّ من أشد الأصوات، یقول الدکتور إبراهیم أنیس: "فالهمزة ... صوت شدید لا هو بالمجهور ولا بالمهموس؛ لأن فتحة المزمار معها مغلقة إغلاقاً تاماً ... ولا یسمح للهواء بالمرور إلى الحلق إلا حین تنفرج فتحة المزمار؛ ذلک الانفراج الفجائی الذی ینتج الهمزة، ولا شک أن انحباس الهواء عند المزمار انحباساً عاماً ثم انفراج المزمار فجأة، عملیة تحتاج إلى جهد عضلی قد یزید على ما یحتاج إلیه أی صوت آخر؛ مما یجعلنا نعد الهمزة أشد الأصوات، ومما جعل للهمزة أحکاماً مختلفة فی کتب القراءات"[48].

وقد عرفت العربیة کلمات کثیرة أبدلت فیها الهمزة إلى واو، مثل: أَرَّختُ الکتاب وورَّختُه، وأَکَّدتُ العهد ووکَّدتُه، وآخیتُه وواخیتُه[49]. ولا شک أن هذا کله مما یدخل فی إطار السهولة والتیسیر.

- إبدال العین غیناً:

ذکر ابن هشام اللخمی أن الناس یقولون: "بحرٌ غمیق، ووادٍ غمیق، بالغین معجمة. والصواب: عمیق، بالعین غیر معجمة. وقد قیل إنه یُقال بالغین معجمة. وقُرئ فی الشاذ (مِن کُلِّ فَجٍّ غَمِیقٍ) (الحج:27). وزعم قوم أن کل ما کان منبسطاً على وجه الأرض قیل له: عمیق بعین غیر معجمة. وما کان هاویاً إلى أسفل قیل فیه: غمیق، بالغین معجمة. یقال: فجّ عمیق، وبئر غمیقة. ولکن العین غیر معجمة أشهر وأعرف فی کل شیء"[50].

وقد أورد ابن السکیت أمثلة کثیرة لکلمات قلبت فیها العین إلى غین[51].

إن السمة التی تجمع بین العین والغین تتمثل فی أنهما من الأصوات الحلقیة، فالغین صوت رخو مجهور، مخرجه أدنى الحلق إلى الفم، أما العین فهی صوت مجهور، مخرجه وسط الحلق، وهو أقل رخاوة من الغین[52].

- إبدال القاف کافاً:

ذکر ابن هشام اللخمی أن الناس یقولون "للعظْم المشرِف على الصدر: تَرَکَةٌ. والصواب: تَرْقُوَة، والجمع: التراقی، قال الله تعالى: (کَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِیَ) (القیامة:26)[53].

وقد أورد ابن السکیت أمثلة کثیرة لهذا القلب[54].

والقاف والکاف کلاهما من أصوات أقصى الحنک، وکلاهما صوت شدید مهموس[55].

4. الحذف:

وقد تمثلت هذه الظاهرة فی حذف التنوین لالتقاء الساکنین، وذلک کما: یأتی:

أورد ابن هشام اللخمی قراءة بعض القرّاء (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ اللَّهُ الصَّمَدُ) (الإخلاص:1-2) شاهداً على حذف التنوین من (أحد) لالتقاء الساکنین ... إذ ذکر هذه القراءة فی معرض ردّه على ابن مکی الصقلی من أن الناس "یقولون فی التاریخ: وذلک فی ربیعِ الأولِ، بحذف التنوین من ربیع، یجعلونه على الإضافة، والصواب: فی ربیعٍ الأولِ، على النعت. قال الرّادّ: أما قوله فی ربیعِ الأولِ: فإنهم فی حذف التنوین یجعلونه على الإضافة فلیس بصحیح، بل هم یقصدون النعت، وإن کان التنوین محذوفاً؛ وذلک أن التنوین هنا لم یحذف لمعاقبة الإضافة، وإنما حذف لالتقاء الساکنین، وکان الوجه أن یحرّک بالکسر ولا یحذف، إلا أن حذفه لیس بخطأ؛ کونه مسموعاً فاشیاً فی کثیر من الکلام والشعر، حتى کأنه لکثرته یکون أصلا مطّرداً یقاس علیه ... وقرأ بعض القرّاء (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ اللَّهُ الصَّمَدُ)، بحذف التنوین من (أحد) لالتقاء الساکنین. وإنما حذف التنوین فی هذا کله؛ لأنه ضارع حروف المدّ واللین بما فیه من الغنّة. وقد وجب فی حروف المد واللین أنها تحذف إذا سکنت ولاقت ساکناً، فحُمل التنوین علیها بالشبه، فحُذف کما حُذفت"[56].

وقد عدّ ابن خالویه قراءة حذف التنوین من الشواذ، وذکر أنها لنصر بن عاصم، وأبی عمرو، وقد رویت عن عمر[57].

وکان الفراء یرى أن التنوین أجود، وأن الحذف لیس الوجه، یقول: "والذی قرأ (أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ) بحذف النون من (أحد) یقول: النون نون الإعراب إذا استقبلتها الألف واللام حذفت. وکذلک إذا استقبلها ساکن، فربما حذفت ولیس بالوجه قد قرأت القرّاء: (وَقالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللَّهِ) والتنوین أجود"[58].

وأکثر النحویین یذهبون إلى أن التنوین إنما حذف لالتقاء الساکنین، وکان فی هذا لازماً؛ لأنهما بمنزلة شیء واحد[59].

وسیبویه یرى أن المختار فی التنوین التحریک لالتقاء الساکنین، وعقد لذلک باباً سمّاه (هذا باب ما یذهب التنوین فیه من الأسماء لغیر إضافة ولا دخول الألف واللام؛ لأنه لا ینصرف، وکان القیاس أن یثبت التنوین فیه)، وقد جاء فی هذا الباب قول سیبویه: "وسائر تنوین الأسماء یحرّک إذا کانت بعده ألفٌ موصولة؛ لأنهما ساکنان یلتقیان فیحرّک الأول کما یحرّک المسکّن فی الأمر والنهی"[60].

وذهب المبرّد إلى أن الوجه فی الآیة إثبات التنوین، وأن حذفه جائز، وکان یرى أن الوجه فی التنوین التحریک؛ لالتقاء الساکنین؛ لأن الحذف إنما یکون فی حروف المد واللین خاصة، وإنما جاز فی التنوین لمضارعته إیاها، وأنه یقع کثیراً بدلاً منها، وتزاد فی الموضع الذی تزاد فیه، فلما أشبهها وجرى معها أُجری مجراها[61].

5. الإشباع:

وقد تمثّلت هذه الظاهرة فی إشباع الحرکة کما یأتی:

استشهد ابن هشام اللخمی بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ یَسْتَحْیِی أَن یَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) (البقرة:26)، على أن بعوضة دون ألف هی الصواب، وباعوضة غلط، یقول: "ویقولون: بَاعُوضَة، وفی الجمع: بَاعُوض، والصواب: بَعُوضة، وفی الجمع: بَعُوض، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ یَسْتَحْیِی أَن یَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا)[62].

فالألف المنشأة عن إشباع الفتحة ما أنشدناه أبو علی لابن هرمة یرثی ابنه‏:‏ من قوله‏:‏

فأنت من الغوائل حین ترمى              ومن ذم الرجال بمنتزاح

أراد‏:‏ بمنتزح‏:‏ مفتعَل من النازح‏[63].

ب‌.   القضایا التی تتصل بالرسم الإملائی:

یتّصل بالرسم الإملائی قضیتان اثنتان، الأولى: مدّ ما حقّه القصر والهمز، والثانیة: استعمال الهاء بدلاً من التاء فی الکتابة، وفیما یأتی بیان ذلک:

   مدّ ما حقّه القصر والهمز:

ذکر ابن هشام اللخمی[64] أن (الخطأ) بالقصر والهمز هی اللغة العلیا، و(الخَطَاء) بالمدّ دونها، وعدّ من ذلک قراءة الحسن (وَمَا کَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن یَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَاء) (النساء:92).

وقد عدّ الفرّاء (الخطأ) من المهموز المقصور الذی لا نظیر له[65].

وعدّ ابن خالویه قراءة المدّ من الشواذ[66].

وقد جاء فی لسان العرب "الخَطَأُ والخَطاءُ: ضدُّ الصواب.

وقد أَخْطَأَ، وفی التنزیل: (ولیسَ علیکم جُناحٌ فیما أَخْطَأْتُم به) عدَّاه بالباء لأَنه فی معنى عَثَرْتُم أَو غَلِطْتُم؛ وقول رؤْبة: یا رَبِّ إِنْ أَخْطَأْتُ، أَو نَسِیتُ * فأَنتَ لا تَنْسَى ولا تمُوتُ ... وقد یُمدُّ الخَطَأُ وقُرئَ بهما قوله تعالى: (ومَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً[67].

وکلمة (خطأ) هکذا الصواب فی کتابتها، فالهمزة إذا کانت آخراً وقبلها فتحة کتبت ألفاً على کل حال، یقول ابن السرّاج: "تکتب جمیع هذا فی الرفع والنصب والخفض بالألف، فإن أضفت الحرف إلى اسم ظاهر فهو على حاله تکتبه بألف نحو: هذا خطأ زید، ورأیت خطأ زید، وسمعت خطأ زید، فإن أضفته إلى مضمر کتبت الهمزة على حرکتها، تکتبها فی الخفض بالیاء، وفی الرفع بالواو، وفی النصب بالألف، تکتب: هذا خطؤه بواو، ومن خطئه بیاء، ورأیت خطأه بالألف ... "([68]).

   ما کتب بالهاء بدلاً من التاء:

نقل ابن هشام اللخمی فی ردّه على الزبیدی تخطئته لکتابة (مناه) بالهاء بدلاً من التاء فی قول حبیب[69]:

إِحْدَى بنِی بکرِ بن عبدِ مَنَاهِ         بیْنَ الکثیبِ الفَرْدِ فالأمْوَاهِ

إذ احتجّ الزبیدی بقوله تعالى: (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) (النجم:20)، ونقل ابن هشام اللخمی عنه "والصواب: عبد مناة، بالتاء، مثل: عبد یغوث، وعبد وَدّ، وعبد العُزَّى، وهی أصنام کانت العرب تتعبّد لها. قال الله U: ) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ("[70].

وقد ردّ ابن هشام اللخمی على الزبیدی بأن أبا تمام لم یغلط، ولکنه أجرى الوصل مجرى الوقف ضرورة، إذ قال: "لم یغلط حبیبٌ فی هذا الاسم، کما زعم، وإنما أجرى الوصل مجرى الوقف ضرورة، فلمّا کان الوقف على منها بالهاء، کما یُوقف على اللات بالهاء، أجراها فی الوصل ذلک المجرى. والعرب کثیراً ما تفعل ذلک، تُجری الوصل مجرى الوقف، والوقف مجرى الوصل"[71].

ولم یکتف ابن هشام اللخمی بذلک؛ بل أورد أمثلة تعضّد ما ذهب إلیه، ومن ذلک قوله: "فمما أُجری فیه الوصل مجرى الوقف قول الشاعر:

بِـــــبـــــــازِلٍ وَجْـــــنـــــــاءَ أو عَــــیـْـــــهَـــــــلِّ

وإنما یرید العَیْهَل ..."[72].

ثانیاً: بناء الکلمة:

استشهد ابن هشام اللخمی فی کتابه المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم البیان بشواهد قرآنیة على بعض الظواهر المتعلقة ببناء الکلمة والتصریف، ویمکن أن ننظر إلى هذه الظواهر من حیث التشدید والتخفیف، وتغییر الحرکة، والزیادة والحذف، والجمع، وبناء فعَّال ومفعول، وفیما یأتی بیان ذلک:

أ‌.       التشدید والتخفیف:

استشهد ابن هشام اللخمی بآیات قرآنیة على أن الناس یشددون ما حقّه التخفیف أو العکس؛ أی یخففون ما حقه التشدید، وبیان ذلک کما یأتی:

   تشدید ما حقّه التخفیف:

ذکر ابن هشام اللخمی فی (باب ما تلحن فیه العامة مما لا یحتمل التأویل ولا علیه من لسان العرب دلیل)، ویقولون: "(نَکَّسَ) رأسه، بتشدید الکاف، والصواب: نَکَسَ، بتخفیفها، قال الله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاکِسُوا رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) (السجدة:12)، إلا أن یکثر الفعل"[73].

ومثل ذلک قوله تعالى: (وَإِنَّ الَّذِینَ لَا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاکِبُونَ) (المؤمنون:74)، فقد استشهد ابن هشام اللخمی بهذه الآیة على أن الصواب أن یقال: نَکَبَ بالتخفیف بدلاً من نکَّب إلا أن یکثر الفعل[74].

ویفهم من تلک النصوص أن التخفیف فصیح، وأن التشدید غیر صواب، ویبدو أن الناس استعملوا التشدید لغرض التکثیر، ذلک أن (نَکَسَ رأسه) معناه "طأْطأَه من ذُلٍّ"[75]، ثم لما کانت الکلمة تفید هذا المعنى فقد أرادوا فیها معنى المبالغة، ومن هنا شددوا الکاف لغرض التکثیر، وقد أکّد ابن هشام اللخمی هذا بقوله (إلا أن یکثر الفعل).

   تخفیف ما حقّه التشدید:

وهو عکس الظاهرة السابقة، ویتمثّل فیما ذکره ابن هشام اللخمی فی معرض ردّه على الزبیدی من أن الصواب (أغلقته)؛ إذ قال ابن هشام اللخمی: "أما أغلقت الباب فقد حکى ابن درید فیه: غلقتُ، وهی لغة ضعیفة. والأفصح فی ذلک: غَلَّقت، قال الله تعالى: (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) (یوسف:23) ثم أغلقت ثم غَلَقتُ، وهی وإن کانت لغة ضعیفة فلا یجب أن تلحّن بها العامة؛ لأنها من کلام العرب، وإن قلّت وضعُفت"[76].

وسیبویه یرى أن (غلَّقت) تفید الکثرة، ولا یمنع استعمال (أغلقت)، یقول: "وقالوا: أغلقتُ الباب، وغلَّقت الأبواب حین کثروا العمل... وإن قلت أغلقت الأبواب کان عربیاً جیداً، وقال الفرزدق:

ما زلْتُ أُغلِقُ أبوابا وأفتحها      حتى أتیت أبا عمرو بن عمار

ومثل غلَّقت وأغلقت أجدت وجوّدت وأشباهه"[77].

وعقد سیبویه لذلک باباً سمّاه (باب دخول فعَّلت على فعَلت)، وقد أوضح فیه أن فعّلت تفید الکثرة، وأن التخفیف عربی جائز[78].

ومثل ذلک قوله تعالى: (وَأَلْفَیَا سَیِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) (یوسف:25)، فقد استشهد ابن هشام اللخمی بهذه الآیة على أن الصواب (سیِّدی) بتشدید الیاء بدلاً من (سِیدِی) بتخفیفها، یقول ابن هشام اللخمی: "ویقولون: سِیدِی، والصواب: سیِّدی، قال الله تعالى: (وَأَلْفَیَا سَیِّدَهَا لَدَى الْبَابِ).

وکذلک یقولون فی المرأة سِتِّی، والصواب: سیِّدتی"[79].

ویفهم من هاتین الآیتین أن التشدید فصیح، وأن التخفیف لیس صواباً، وإذا نظرنا إلى کلمتی (غلَّقت) بالتشدید، و(سیِّد) بالتشدید، وقد استعملتا بالتخفیف لاستطعنا أن نرجع ظاهرة التخفیف هنا إلى السهولة والتیسیر فی النطق؛ ذلک أن تشدید اللام فی (غلَّقت) یحتاج جهداً عضلیاً مضاعفاً، فمخرج اللام کما ذکر سیبویه "من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بینها وبین ما: یأتیها من الحنک الأعلى وما فویق الضاحک والناب والرباعیة والثنیة"[80]، وقد وُصف هذا الصوت بأنه منحرف "لانحراف اللسان مع الصوت"[81]. ولا شک أن هذا الانحراف للسان الذی یحدث مع هذا الصوت یصعب على اللسان تکراره مرة أخرى، ومن هنا نطق الناس الکلمة دون تشدید اللام جریاً وراء السهولة والتیسیر.

وکذلک کلمة (سیِّد) التی یقولونها (سِیدِی) بالتخفیف بدلاً من التشدید من أجل السهولة والتیسیر، فالیاء منقلبة من واو، وأصلها: سَیْوِد على وزن فَیْعِل، فلما کان لدینا یاءان أدغموا إحدى الیائین فی الأخرى، ثمّ کرهوا التشدید للتخفیف.

وأما کسرة السین فالظاهر أنها لمجانسة الیاء بعدها، ثم کانت حرکتها من جنس الیاء وهی الکسرة، وقد تنبّه سیبویه إلى هذا، وعقد باباً سمّاه (هذا باب ما تقلب الواو فیه یاءً، إذا کانت متحرکة والیاء قبلها ساکنة، أو کانت ساکنة والیاء بعدها متحرّکة)[82]، یقول فیه: "وذلک لأن الیاء والواو بمنزلة التی تدانت مخارجها لکثرة استعمالهم إیاهما وممرهما على ألسنتهم، فلما کانت الواو لیس بینها وبین الیاء حاجزٌ بعد الیاء ولا قبلها، کان العمل من وجهٍ واحد ورفع اللسان من موضع واحد، أخف علیهم. وکانت الیاء الغالبة فی القلب لا الواو؛ لأنها أخف علیهم، لشبهها بالألف. وذلک قولک فی فیعلٍ: سیدٌ وصیبٌ، وإنما أصلهما سَیْوِدٌ وصَیْوِبٌ"[83].

ثم أشار سیبویه إلى تغیّر حرکة الحرف الأول من الفتح إلى الکسر، ولکنه لم یشر إلى المجانسة بمعنى أن حرکة الحرف الأول صارت کسرة لمجانسة الیاء بعدها، وسیبویه وإن کان لم یشر إلى المجانسة، إلا أنه نقل ردّ أحد العلماء دون أن یذکر اسمه على الخلیل بن أحمد فیما ذهب إلیه من أنه کان یجب أن تبقى حرکة الحرف الأول مفتوحة، یقول سیبویه: "وقد قال غیره: هو فَیْعِلٌ؛ لأنه لیس فی غیر المعتل فیعلٌ. وقالوا: غُیِّرت الحرکة لأن الحرکة قد تقلب إذا غُیِّر الاسم. ألا تراهم قالوا بِصریٌّ، وقالو أَمَوِیٌّ، وقالوا أُخْتٌ، وأصله الفتح. وقالوا دُهْرِیٌّ. فکذلک غیّروا حرکة فَیْعلٍ"[84].

ت‌.    تغییر الحرکة:

أورد ابن هشام اللخمی آیات قرآنیة کثیرة تؤکّد أن ثمّة تغیرات حدثت فی ضبط بنیة الکلمة على ألسنة العامة فی الأندلس فی القرن السادس الهجری، ثم ذکر الضبط الصحیح للبنیة اعتماداً على ما استشهد به من القرآن الکریم... وفیما یأتی بیان ذلک:

   کسر ما حقّه الفتح:

ذکر ابن هشام اللخمی أن فتح نون کلمة (النَّوى) لا کسرها هو الصواب، واستشهد على ذلک بقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَیِّتِ مِنَ الْحَیِّ ذَلِکُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَکُونَ) (الأنعام:95) ... یقول: "ویقولون: النِّوى، بکسر النون، والصواب: النَّوى بفتحها، قال الله تعالى: (فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى)[85].

   فتح ما حقّه الکسر:

ذکر ابن هشام اللخمی أن کسر الزای من کلمة (مَعْزِل) لا فتحها هو الصواب، وذلک فی قولهم: "جلست بمعزَل، والصواب: بمعزِل"[86] واستشهد على ذلک بقوله تعالى: (وَهِیَ تَجْرِی بِهِمْ فِی مَوْجٍ کَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَکَانَ فِی مَعْزِلٍ یَا بُنَیَّ ارْکَب مَّعَنَا وَلاَ تَکُن مَّعَ الْکَافِرِینَ) (هود:42).

   فتح ما حقّه الضم:

ذکر ابن هشام اللخمی أن الناس یفتحون الباء من کلمة (السُّنبَلة)، والصواب ضمّها ... یقول: "ویقولون للذی فیه حَبُّ الزرع: السُّنْبَلَة، بفتح الباء، والصواب: السُّنْبُلة بضمِّها. قال الله تعالى: (فِی کُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ) (البقرة:261) وجمعها: سنابِل. ویُقال لها أیضاً: سُبُولَة کما تنطق بها العامّة، والجمع سُبُول"[87].

ویبدو أن السبب فی هذه الظاهرة تأثّر الباء بحرکة اللام المفتوحة بعدها، ثم حرّکتها العامة بالفتح.

ومثل ذلک قول الناس (عَرْجُون) بفتح العین، والصواب کما ذکر ابن هشام اللخمی ضمها، یقول: "ویقولون: عَرْجُون بفتح العین، والصواب: عُرجون بضمّها، قال الله تعالى: (حَتَّى عَادَ کَالْعُرْجُونِ الْقَدِیمِ) (یس:39)، وهو الإهان، والجمع: أُهُن[88].

   فتح ما حقّه الإسکان:

ذکر ابن هشام اللخمی أن عامّة أهل زمانه یقولون: "النَّمَل بفتح المیم، والصواب: النَّمْل بإسکانها، والواحدة: نَمْلَة[89]، واستشهد على ذلک بقوله تعالى: (قَالَتْ نَمْلَةٌ یَا أَیُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاکِنَکُمْ) (النمل:18).

ومثل ذلک تحریک الزای من قولهم (الهَزَل) ضد الجِدّ "والصواب: الهَزْل، بإسکان الزای، قال الله تعالى: (وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ)"(الطارق:14)[90].

وشبیه به إسکان الهاء من کلمة (لَهْو) بدلاً من تحریکها کما تقول العامة[91]، وقد استشهد ابن هشام اللخمی على صحّة الإسکان بقوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَیْهَا) (الجمعة:11).

5.ضمّ ما حقّه الفتح:

ذکر ابن هشام اللخمی أن الناس یضمّون الضاد من کلمة (الضَّر) والصواب: فتحها، واستشهد على ذلک بقوله تعالى: (یَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ) (الحج:13)، فالصواب فتح الضاد من کلمة (الضَّر) بدلاً من ضمّها.

ثم ذکر أن الضاد تضمّ إذا وردت الکلمة من غیر النَّفْع، واستشهد على ذلک بقوله تعالى: (مَسَّنِیَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ) (الأنبیاء:83)، یقول ابن هشام اللخمی: "ویقولون: النَّفْعُ والضُّرُّ، بضمّ الضاد، والصواب: النَّفْعُ والضَّرُّ، بفتحها، قال الله تعالى: ) یَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ(، فإن لم تذکر النَّفْع ضممت الضاد، قال الله تعالى إخباراً عن أیوب: (مَسَّنِیَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ)، فضمَّ لمَّا لم یقترن مع النَّفْع"[92].

ومثل ذلک ما ذکره من أن الناس یضمّون الراء من کلمة (الرُّماد) والصواب فتحها، واستشهد على صحّة فتح الراء بقوله تعالى: (کَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ) (إبراهیم:18)[93].

6.ضمّ ما حقّه الإسکان:

ذکر ابن هشام اللخمی أن إسکان اللام من کلمة (دَلْو) لا فتحها هو الصواب، واستشهد على ذلک بقوله تعالى: (فَأَدْلَى دَلْوَهُ) (یوسف:19)، یقول: "یقولون: الدّلُوْ بضمّ اللام وإسکان الواو، والصواب: الدَّلْوُ بإسکان اللام وإعراب الواو، قال الله تعالى: (فَأَدْلَى دَلْوَهُ)"[94].

ویبدو أن السبب فی هذه الظاهرة أنهم اتبعوا حرکة اللام لصوت الواو التی بعدها، فصارت حرکة اللام الضمّ.

7.إسکان ما حقّه الفتح:

ذکر ابن هشام اللخمی فی (الأُتْرُجَّة) ثلاث لغات[95]، ثم ذکر أنه "یقال لها أیضاً: (المُتْک)، قال الله تعالى: (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْکاً) (یوسف:31)، فی قراءة من قرأ بإسکان التاء"[96].

وقد احتج ابن هشام اللخمی بهذه القراءة دون أن ینسبها إلى قارئها؛ ولکنها لأبی جعفر المخزومی المدنیّ أحد القرّاء العشرة، فقد قرأها بحذف الهمزة فیصیر النطق بکاف منصوبة منونة بعد التاء[97].

8.ما یجوز فیه الضمّ والکسر والفتح:

ذکر ابن هشام اللخمی أن "(مِلْکُ الیمینِ) ... فیه ثلاث لغات: مَلْکٌ، بفتح المیم، ومِلْکٌ، بکسرها، ومُلْکٌ، بضمّها. وقد قرأ القرّاء: (مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَکَ بِمَلْکِنَا) (طه:87) بضمّ المیم وکسرها وفتحها"[98].

وقد أکّد الفرّاء کون قراءة الضمّ للقرّاء، فقال: " (مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَکَ بِمُلْکِنَا)، برفع المیم، هذه قراءة القرّاء، ولو قرئت (بمِلکنا)، و (مَلکنا) کان صواباً، ومعنى (مُلکنا) فی التفسیر أنّا لم نملک الصَّواب إنما أخطأنا... ومن قرأ (بمِلکنا) بکسر المیم فهو المِلک یملکه الرجل تقول: لکل شیء ملکته: هذا مِلک یمینی للمملوک وغیره مما مُلکَ.

والمَلْک مصدر مَلَکته مَلْکاً ومَلَکَة: مثل غلبته غَلْبا وغَلَبَةً. والمُلْک السُّلطان وبعض بنی أسَدٍ یقول: مَالی مُلْک، یقول: مالی شیء أملکه"[99].

وقد ذکر العلماء أن الفتح قراءة نافع، وعاصم، وأبی جعفر، وقرأ حمزة، والکسائی، وخلف بضمّها، وقرأ الباقون بکسرها، وکلها لغات فی مصدر ملک یملک، وهی بمعنى قدرتنا أو أمرنا[100].

وقد نقل ابن منظور فی لسان العرب "وهذا مِلْکُ یمِینی، ومَلْکُها، ومُلْکُها؛ أی ما أملِکه، قال الجوهری: والفتح أفصح"[101].

9.ما یجوز فیه الفتح والضمّ:

استشهد ابن هشام اللخمی بقراءة بعض القرّاء (عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ) (الواقعة:15) على أن ضمّ الراء فصیح، وفتحها کما فی قراءة (سُرَر) جائز. وقد ذکر ذلک فی معرض ردّه على ابن مکی الصقلی[102] ... یقول ابن هشام اللخمی: "وقوله فی هذا الباب: ویقولون: ثیاب جُدَد، بفتح الدال، والصواب: جُدُد، کما تقول العامة.

قال الرّاد: قد أجاز المبرّد وغیره فی کلِّ ما جُمِع من المضاعف على (فُعَل) الضمّ والفتح؛ لثقل التضعیف، فأجاز أن یقال: جُدُد و جُدَد، وسُرُر و سُرَر، وقد قرأ بعض القرّاء (عَلَى سُرَرٍ مَّوْضُونَةٍ)"[103].

ویفهم من هذا النص أن الضمّ جائز وأن الفتح جائز أیضاً، ویبدو أن قول الناس (سُرُر) بالضمّ فیه نوع من إتباع الحرکة بمعنى أنهم یتبعون الضمة الضمة. ومن قال (سُرَر) بالفتح فذلک لأن الفتح أخف الحرکات، وقد جاء فی اللسان" وبعضهم یستثقل اجتماع الضَّمتین مع التضعیف، فیردّ الأول منهما إلى الفتح لخفته، فیقول: سُرَر، وکذلک ما أشبهه من الجمع مثل ذلیل وذُلَل ونحوه"[104].

ث‌.    الزیادة:

استشهد ابن هشام اللخمی بآیات قرآنیة على أن الناس قد یزیدون فی الکلمة ما لیس حقّه أن یزاد فیها، وقد استدل على ذلک بشواهد من القرآن الکریم، ویتّضح ذلک فیما یأتی:

1.زیادة التاء فی کلمة (عصاتی):

ذکر ابن هشام اللخمی فی باب (ما تلحن فیه العامة مما لا یحتمل التأویل ولا علیه من لسان العرب دلیل) أن الناس یقولون: عَصَاتِی، وعَصَاتُکَ، والصواب عَصَایَ وعَصَاکَ. قال الله تعالى إخباراً عن موسى علیه السلام: (قَالَ هِیَ عَصَایَ أَتَوَکَّأُ عَلَیْهَا) (طه:18)[105].

ویبدو أن السبب فی هذه الظاهرة أن الناس ظنّوا أن الکلمة مؤنّثة بالتاء (عصاة)، ثم ذکروا التاء مع الألف المقصور فقالوا: عصاتی؛ لأن الکلمة مؤنثة بالألف المقصورة، ثم زادوا علیها التاء أیضاً، فقالوا: عصاتی.

وقد ذکر ابن منظور نقلاً عن الأزهری "قال الأزهری: ویقال للعصا عصاة -بالهاء- یقال أخذت عصاتَه، قال: ومنهم من کره هذه اللغة. روى الأصمعی عن بعض البصریین قال: سمیت العصا عصا؛ لأن الید والأصابع تجتمع علیها، مأخوذ من قول العرب عصوت القوم أعصوهم إذا جمعتهم على خیر أو شر، قال: ولا یجوز مدّ العصا ولا إدخال التاء معها، وقال الفرّاء: أول لحن سمع بالعراق هذه عصاتی بالتاء"[106].

2.زیادة الألف واللام فی کلمة (الکافة):

خطّأ ابن هشام اللخمی إدخال الألف واللام على (کافّة) وذهب إلى أن هذا "لا یجوز، وقد غلطوا فی قولهم: یرویه الکافّةُ عن الکافّةِ، والصواب: رواه الناس کافّةً، کما قال سبحانه: (ادْخُلُواْ فِی السِّلْمِ کَافَّةً) (البقرة:208)"[107].

د. الحذف:

ویتمثّل فی حذف تاء التأنیث من کلمة (زوج) مع المؤنث، وقد عدّه ابن هشام اللخمی أفصح من ذکرها اعتماداً على قوله تعالى: (اسْکُنْ أَنتَ وَزَوْجُکَ الْجَنَّةَ) (البقرة:35)، یقول ابن هشام اللخمی: "زَوْج الرجلِ: وفیها لغتان: زَوْج، وهی أفصح، وزَوْجة وهی أضعف"[108].

هـ. الجمع:

أورد ابن هشام اللخمی آیات قرآنیة للاستشهاد بها على تصویب ما یستعمله عامة أهل الأندلس فی القرن السادس الهجری من صیغ الجمع، وبیان ذلک فیما یأتی:

1.جمع مَفْعِلة:

نقل ابن هشام اللخمی عن ابن مکی الصقلی أن الناس "یقولون فی جمع مَنَارة: مَنَایر، والصواب: مناور"[109].

وقد أکّد ابن هشام اللخمی أن "هذا الذی ذکر هو القیاس؛ لأنک إذا جمعت (مَفْعِلَة) أو ما کان على بنائها لم تهمز، نحو: معیشة ومَعَایش، ومصیبة ومصایب. فإن جمعت (فَعِیلة، وفَعُولة، وفِعالة، وفاعِلة) همزت، نحو: سَفِینة وسفائن، ورَکُوبة ورکائب، وعَجُوزة وعجائز، ورِسَالة ورسائل، ودائِرة ودوائر"[110].

ثم أورد ابن هشام اللخمی جواز (منائر) نقلاً عن الفرّاء فقال: "قال الفرّاء: ولکن العرب قد قالت: منائر، ومزائد جمع مزادة، بالهمز، شبَّهوهما بفَعِیلة. قال: والوجه إظهار الواو إن کان من الواو، والیاء إن کان من الیاء. وقد قرأ أکثر القرّاء: (وَجَعَلْنَا لَکُمْ فِیهَا مَعَایِشَ) (الأعراف:10)، بغیر همز؛ لأنها جمع مَفْعِلَة، وقد همزها بعضهم بتوهّم أنها فَعِیلَة"[111].

ومعنى هذا أن الهمز غیر فصیح، وأن الناس ظنّوها فَعِیلَة توهّماً، ثم قاسوها فی الجمع من طریق القیاس الخاطئ على جمع فَعِیلَة، ثم همزوها، مثل: کتیبة وکتائب وسفینة وسفائن؛ ومما یؤکّد هذا ما ذکره الفرّاء بقوله: "وربما همزت العرب هذا وشبهه، یتوهّمون أنها فَعِیلَة لشبهها بوزنها فی اللفظ وعدّة الحروف ... وقد همزت العرب المصائب وواحدتها مصیبة، شبّهت بفَعِیلَة لکثرتها فی الکلام"[112].

ویرى ابن هشام اللخمی أن العرب إذا قالت: "منائر، بالهمز، لم یجب أن تلحّن بها العامة؛ لنطق العرب بها، وإن کان القیاس ترک الهمز"[113].

2.جمع قَرْیة:

ذکر ابن هشام اللخمی أن الناس یقولون: القَرِیَّة بالتشدید، ویجمعونها على قَرَایا، "والصواب: قَرْیَة، بالتخفیف، والجمع: قُرًى، قال الله تعالى: (قُرًى مُّحَصَّنَةٍ) (الحشر:14)[114].

وکان الزبیدی قد ذکر فی لحن العامة أن الناس یقولون لجمع القریة: قرایا، وکأنهم تابعوا فی الجمع من شدّد القریة؛ وذلک خطأ، ثم ذکر أن الصواب قرًى وقَرَیات[115].

3.جمع عشار:

أورد ابن هشام اللخمی[116] قول الله تعالى: (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) (التکویر:4)، فی معرض ردّه على ابن مکی الصقلی[117]، یقول ابن هشام اللخمی: "وقوله: (ویقولون: امرأة نافِسَة، والصواب: نُفَساء. یقال: نُفِسَت، بضمّ النون، إذا ولدت. ونَفِسَت، بفتحها، إذا حاضت).

قال الرّادّ: یُقال: نَفِسَت، بفتح النون. ونُفِسَت، بضمّها، إذا ولدت، وإذا حاضت. ویقال أیضاً: نُفَساء، ونَفَساء، بضمّ النون وفتحها. وقالوا: نَفْساء، بفتح النون وإسکان الفاء. والجمع نُفَساوات، ونُفَّاس، ونُفَّس، ونِفاس، کعُشراء وعِشار"[118].

4.جمع أهل:

استشهد ابن هشام اللخمی بقوله تعالى: (شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا) (الفتح:11) على أن جمع أَهْل أهلُون، یقول: "والأهْل: وفیه لغتان: أهْلٌ وأهْلَةٌ، فجمعه أهْل: أهلُون، وجمع أهْلَة: أهلات"[119].

و. بناء فَعَّال ومَفْعُول:

1.فَعَّال:

ذهب ابن هشام اللخمی فی معرض حدیثه عن (نشَّاء) التی تطلق على صانع السفن إلى أن (رَشَّاد) بتشدید الشین من (أَرْشَدَ)[120]، واحتجّ على ذلک بقراءة من قرأ (وَمَا أَهْدِیکُمْ إِلَّا سَبِیلَ الرَّشَادِ) (غافر:29)، بتشدید الشین، یرید الله.

لم ینسب ابن هشام اللخمی القراءة السابقة إلى صاحبها؛ ولکنها لمعاذ بن جبل[121]، وقد ذکر ابن جنی أنه قرأها على المنبر[122].

وإذا کان ابن هشام اللخمی یرى أن (رشَّاد) من الرباعی (أرشد) فإن ابن جنی یذهب إلى أنه "لا ینبغی أن یحمل على أنه من أرشد یرشد؛ لأن (فَعّالاً) لم یأت إلا فی أحرف محفوظة، وهی أجبر فهو جبّار، وأسأر فهو سأّر، وأقصر فهو قصّار، أدرک فهو درّاک"[123]. علیه فقد خرّج (رشَّاد) أی (رَشَدَ) بمعنى (أرشد) تقدیراً لا استعمالاً، ثم ذهب إلى أن المعنى راجع فیما بعد إلى أنه (مُرشِد)، وذلک لأنه إذا رَشِدَ أَرْشَد؛ لأن الإرشاد من الرشد، فکأنه من باب الاکتفاء بذکر السبب من المسبب [124].

2.مَفْعُول:

خطّأ ابن هشام اللخمی الذین یقولون: رجلٌ موسوعٌ علیه مستشهداً بقوله تعالى: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) (البقرة:236)، یقول: "ویقولون: رجلٌ موسوعٌ علیه، والصواب: مُوسَّع علیه، بتشدید السین، وقد أوسعَ الرجلُ، إذا استغنى"[125].

ویبدو أن السبب فی هذه الظاهرة هو الخلط فی اسم المفعول بین ما کان من الثلاثی وما کان من الرباعی، فیقولون: موسوع، والصواب موسِع.

وقد جاءت بعض المصادر على مفعول، مثل کلمة المفتون، وقد عدّ ابن هشام اللخمی من ذلک قوله تعالى: (بِأَییِّکُمُ الْمَفْتُونُ) (القلم:6)، یقول: "ویقولون: مالی فیه منفوع، فیغلطون فیه؛ لأن المنفوع من أُوصِل إلیه النفع، والصواب أن یقال: ما لی فیه نفعٌ أو منفعةٌ؛ لأنه لم یجیء من المصادر على (مفعول) إلا أسماء قلیلة .... وقد ألحق بها قوم المفتون"[126].

ثالثاً: الترکیب:

اقتصرت الشواهد القرآنیة التی استشهد بها ابن هشام اللخمی فی کتابه المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم البیان، على قضایا الاستعمال النحوی التی تؤکّد أن عامة أهل الأندلس فی القرن السادس الهجری، کانوا یستعملون بعض الظواهر النحویة بنظام یغایر ما ورد فی القرآن الکریم، وقد اقتصرت هذه الظواهر على ثلاث قضایا، وفیما یأتی بیان ذلک:

أ‌.       الجمع بین تاء المضارعة ونون النسوة:

ذکر ابن هشام اللخمی أن عامة أهل الأندلس یقولون: "الهنداتُ تَخْرُجْنَ، بالتاء، والصواب: یخرجن بالیاء؛ لأنه لا یجمع فی هذا القبیل بین تاء المضارعة والنون، ووجه الکلام أن یُلفظ فیه بیاء المضارعة"[127]، واستشهد على ذلک بقوله تعالى: (یَکَادُ السَّمَاوَاتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) (مریم:90).

وقد عدّ ابن خالویه هذه القراءة؛ أی بالیاء شاذّة، ونسبها لابن مسعود[128]. أما ابن الجزری فقد ذکر أنها قراءة نافع والکسائی[129]، وقرأ الباقون بالتاء على التأنیث، وذهب إلى أنه جاز تذکیر الفعل وتأنیثه؛ لأن الفاعل مؤنّث غیر حقیقی.

ب‌.   إضمار الفعل بعد لو:

استشهد ابن هشام اللخمی بقول الله تعالى: (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِکُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّی) (الإسراء:100)؛ وذلک فی معرض ردّه على الزبیدی لما قاله فی بیت عثمان بن عفان t:

فَلَوْ لی قلوبُ العالَمینَ بأسرها      لَمَا مَلأَتْ لی مِنْهُ مَعْتِبَةٌ قلْبا

قال الزبیدی: "هکذا قال: فلو لی قلوب، وأنا أستریبُ به؛ لأن لو لا: یأتیها إلا الفعل ظاهراً أو مضمراً"[130].

وفی الشاهد القرآنی الذی أورده ابن هشام اللخمی قد ولی (لو) فعل مضمر، وارتفع الاسم الذی بعدها به، فاعل بفعل مضمر دل علیه (تملکون) ([131]).

ثم أعقب ابن هشام اللخمی بقوله: "وکذلک (لو) فی البیت ولیها الفعل مضمراً، وارتفاع الاسم الذی بعدها به"([132])، وأورد شواهد شعریة تعضّد ما ذهب إلیه قائلاً: "فهذه کلها محمولة على الفعل المضمر عند البصریین. فإذا کان هذا فممّ استراب؟ لکنه لم یدر کیف یقدّره إذا لم یقع بعد (القلوب) فعل یفسّره، فاستراب لذلک. وتقدیر الفعل: لو کانت لی، أو خُلقت لی، أو استقرت لی أو ما شاکل هذا مما یدل علیه السیاق"([133]).

ج‌.   المتعدی بنفسه والمتعدی بحرف الجر:

ذکر ابن هشام اللخمی أن عامة أهل الأندلس یقولون: بعثتُ إلیه بغلام، وأرسلت إلیه بعبد [134]، هکذا بتعدی الفعلین (بعث، وأرسل) بحرف الجر.

ثم ذکر أن الصواب تعدیهما دون حرف الجر، فقال: "والصواب: بعثتُ إلیه غلاماً، وأرسلتُ إلیه عبداً؛ لأن العرب تقول فیما یتصرّف بنفسه: بعثته وأرسلته، وفیما یُحمل: بعثت به وأرسلت به"[135]، واستشهد على ذلک بقول الله سبحانه إخباراً عن بلقیس: (وَإِنِّی مُرْسِلَةٌ إِلَیْهِم بِهَدِیَّةٍ) (النمل:35)، وقال فیما یتصرّف بنفسه: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا) (المؤمنون:44).

ویفهم من هذا أن تعدِّی الفعل بحرف الجر أو دونه مرتبط بدلالته، فإن کان مما یُحمل فهو متعدٍّ بحرف الجر، وإن کان مما یتصرّف بنفسه فهو متعدٍّ دون حرف الجر، مثل (أرسلنا رسلنا، وأرسلت عبداً).

رابعاً: الدلالة:

ترتبط الشواهد القرآنیة المتصلة بالدلالة عند ابن هشام اللخمی فی کتابه (المدخل إلى تقوین اللسان وتعلیم البیان) بما یصوّر دلالة کلمة من الکلمات، وفیما یأتی بیان ذلک:

أ. دلالة بعض الکلمات:

1.دلالة (أرسى):

أورد ابن هشام اللخمی قول الله تعالى: (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) (النازعات:32) مستشهداً به على أن دلالة کلمة أرسى، أی ثبّتها ... یقول: "أرست السفینة، وهی لغة قلیلة حکاها أبوعبیدة، والأکثر: رست رَسْواً ورُسُوّاً، إذا انتهى أسفلها غلى قرار الماء. وأرسیتها أنت إذا فعلت بها ذلک .... ولم تقل العرب: مُرْسٍ من أرسى، اکتفت براسٍ. فقول العامة: قاربٌ مُرْسٍ وسفینة مرسیة، خطأ، والصواب: قاربٌ راسٍ وسفینة راسیة"[136].

2.دلالة (جُمَّل):

ذکر ابن هشام اللخمی أن عامة أهل الأندلس یقولون لحبل السفینة: (طَوْنَس)، ثم ذکر أن العرب تقول له: جُمَّل، بضمّ الجیم وتشدید المیم[137]، واستشهد على ذلک بقراءة من قرأ: (حَتَّى یَلِجَ الْجُمَّلُ فِی سَمِّ الْخِیَاطِ) (الأعراف:40).

3.دلالة (عِنْدَ):

أورد ابن هشام اللخمی فی معرض تصویبه لاستعمال العامة (مضیت إلى عنده، وجاء إلى عندی) أن الفعل یتعدى إلى (عند) بنفسه دون حرف الجر إلا (من) فإنهم أجازوا (جئت من عنده) ... ثم ذکر أن (عند) تأت لمعانٍ عدة، منها بمعنى الفضل والإحسان[138]، واستشهد على ذلک بقول الله تعالى: (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِکَ) (القصص:27).

4.دلالة (باء) الجر:

رأینا فیما سبق کیف کان ابن هشام یستشهد بآیات قرآنیة على دلالة کلمة من الکلمات، وهنا نجده یوضح دلالة بعض الحروف اعتماداً على ما ورد فی القرآن الکریم.

ومن ذلک ما أوضحه من أن (الباء) جاءت بمعنى (عن) فی قوله تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) (المعارج:1)... ثم ذکر أنها جاءت بمعنى (على) فی قوله تعالى: (وَقَالَ ارْکَبُواْ فِیهَا بِسْمِ اللّهِ) (هود:41)... وکان ذلک فی معرض تصویبه لما تخطئ به العامة فی قولهم:(رمیتُ بالقوس)، والصواب أن یقال: رمیتُ عن القوس أو على القوس، موضِّحاً أن إقامة حروف الجرّ مقام بعض إنما جُوِّز فی الموضع الذی ینتفی فیه اللبس ولا یستحیل المعنى الذی صیغ له اللفظ، ولو قیل هنا: رمى بالقوس؛ لدلّ ظاهر الکلمة على أنه نبذها من یده، وهو ضدّ المراد بلفظه، فلهذا لم یجز التأویل للباء فیه[139].

ت‌.   تعمیم الدلالة:

تؤکّد الشواهد القرآنیة التی استشهد بها ابن هشام اللخمی على دلالة بعض الکلمات أنها تعرّضت للتطور الدلالی؛ وذلک بتعمیم دلالتها بعد أن کانت مقیّدة بدلالة بعینها.

ویتّضح ذلک فیما یأتی:

1.تعمیم دلالة (أرملة):

ذهب ابن هشام اللخمی إلى أن کلمة (أرملة) خاصة بالنساء إذ قال: "إنما ذلک واقع بالنساء، إذ کان الرجال هم المنفقون علیهن"[140] مستنداً فی ذلک إلى قوله تعالى: (وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء:34)، وأورد الزبیدی فی کتابه لحن العامة "ویقولون: امرأة أرملة ونسوة أرامل، للنساء اللاتی هلک عنهنَّ أزواجهنَّ. والأرملة: المحتاجة"[141].

وهذا معناه أن تعمیم دلالة کلمة أرملة عرفه الزبیدی فی القرن الرابع الهجری، وظل موجوداً حتى عصر ابن هشام اللخمی؛ أی فی القرن السادس الهجری.

ومن هنا فقد ردّ ابن هشام اللخمی على الزبیدی تعمیم دلالة (أرملة) احتجاجاً بالشاهد القرآنی السابق. ویرى ابن هشام اللخمی أنه کان ینبغی على الزبیدی ألا یدخل مثل هذا فی لحن العامة؛ لأنه قد قال به کثیر من اللغویین، وما حکاه بعض أهل اللغة لا تلحَّن به العامة، ونقل عن ابن الأعرابی، أن الأرملة التی مات عنها زوجها، ثم قال: "وهذا الذی قاله ابن الأعرابی هو المعروف الذی یستعمله الناس قدیماً وحدیثاً"[142].

2.تعمیم دلالة (بور):

ذکر ابن هشام اللخمی أن کلمة (بُور) بضم الباء تکون بمعنى الهلاک؛ مستشهداً بقوله تعالى: (وَکُنتُمْ قَوْمًا بُورًا) (الفتح:12)، ثم نقل عن أهل الأندلس أنهم یقولون للأرض التی لم تزرع بُور، بضم الباء.

یقول ابن هشام اللخمی: "ویقولون للأرض التی لم تزرع: بُور، بضم الباء، والصواب: بَوْر، بفتحها"[143].

3.تعمیم دلالة (فرث):

ذکر ابن هشام اللخمی أن (الفَرْث) یکون فی الکَرِش[144] اعتماداً على قوله تعالى: (مِن بَیْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ) (النحل:66).

یقول ابن هشام اللخمی: "ویقولون لما یخرج من الکَرِش: الفَرْث، وهو لا یُسمّى فرثاً إلا مادام فی الکَرِش ... فإذا لُفظ منها سُمِّی: السِّرْجین"[145].

ث‌.   تخصیص الدلالة:

أوضحت الشواهد القرآنیة التی أوردها ابن هشام اللخمی فی کتابه (المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم البیان) تخصیص دلالة بعض الکلمات، ویتّضح ذلک فیما یأتی:

1.تخصیص دلالة (مثقال):

ذکر ابن هشام اللخمی أن (المثقال) زِنَة الشیء الذی یُثقل به[146] اعتماداً على قوله تعالى: (فَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ) (الزلزلة:7).

وقد نقل ابن هشام اللخمی عن عامة أهل الأندلس فی القرن السادس الهجری أنهم یستعملون الکلمة للدلالة على الدینار، یقول: "ویقولون للدینار من الذهب: مِثْقال، وإنما المثقال زِنة الشیء الذی یُثقل به ... وثِقَل الشیء: وزنه"[147].

2.تخصیص دلالة (الحِلْم):

أورد ابن هشام اللخمی أن عامة أهل الأندلس لا یعرفون للحِلم إلا الصفح والتغاضی[148].

ثم ذکر "والحلیمُ یکون الصَّفُوح، ویکون العاقِل، وإن کان منتصفاً لنفسه غیر صفوح، قال الله تعالى: (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا) (الطور:32) أی عقولهم"[149].

3.تخصیص دلالة (الأیِّم):

نقل ابن هشام اللخمی عن عامة أهل الأندلس فی القرن السادس الهجری أنهم یقولون: الأیّم لمن مات عنها زوجها أو طلّقها[150].

ثم ذکر ابن هشام اللخمی أن الأمر لیس کذلک "إنما الأیِّم التی لا زوج لها، کانت بِکْراً أو ثیِّباً"[151]، واستشهد على ذلک بقوله تعالى: (وَأَنکِحُوا الْأَیَامَى مِنکُمْ) (النور:32) ... ویقال للرجل أیضاً (أیِّم) إذا لم تکن له زوجة.

ومعنى هذا أن دلالة الکلمة أعمّ مما کان یستعمل فی القرن السادس الهجری، فهی تستعمل للمرأة التی لا زوج لها بکراً کانت أو ثیّباً، وتستعمل للرجل إذا لم تکن له زوجة... ولکن العامة خصّوها فی القرن السادس الهجری بالمرأة التی مات زوجها أو طلّقها.

4.تخصیص دلالة (قواریر):

ذکر ابن هشام اللخمی أن عامة أهل الأندلس "یقولون لظرْف صغیر من زجاج یُجعل فیه الطِّیب: قارورة. یُقال فیها أیضاً: قارور، بغیر تاء تأنیث"[152].

ثم ذکر أن کل ما قرَّ فیه الشراب وغیره فهو قارور، سواء کان من زجاج أم غیره، وقیل لا یکون إلا من زجاج خاصة[153].

ثم نقل عن بعض المفسِّرین فی قوله تعالى: (قَوَارِیرَ مِن فِضَّةٍ) (الإنسان:16)، أنها أوانٍ یُقرُّ فیها الشراب، وقیل إنها أوانٍ من فضة فی صفاء القواریر، ثم نقل عن ابن درید قوله: وهذا أعجب التفسیرین إلیّ[154].

الخاتمة:

   فی ختام هذا البحث یتبیّن لنا توظیف ابن هشام اللخمی للشاهد القرآنی کونه معیاراً للفصاحة، فقد کان ابن هشام اللخمی یذکر الاستعمالات اللغویة، ثم یصوّب هذا الاستعمال أو ذاک اعتماداً على ما ورد فی القرآن الکریم. من هنا فإن معیار الفصاحة عند ابن هشام اللخمی یرتبط بالشاهد القرآنی ارتباطاً وثیقاً.
   لقد کان ابن هشام اللخمی یمیل إلى الاستشهاد بالقراءات القرآنیة، ناسباً بعض القراءات إلى أصحابها، ومن ذلک استشهاده بقراءة ورش (لا یُواخِذُکُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِی أَیْمَانِکُمْ) على أن ما ذکره ابن مکی الصقلی فی تثقیف اللسان من قول العامة (واسیتک)، هو القیاس وغیر ممتنع أن یأتی بالواو کما حکاه الأخفش... ولکن بعض القراءات أوردها غیر منسوبة إلى أصحابها، ومن ذلک قراءة (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْکاً)، وهذه القراءة لأبی جعفر المخزومی المدنی أحد القرّاء العشرة.

کما أن ابن هشام اللخمی کان ینسب بعض القراءات بعبارة (وقد قرأت القرّاء) ومن ذلک ما ذکره من أن میم کلمة (مُلْک) یجوز فیها فتح المیم، وکسرها، وضمّها ... وقد استشهد على ذلک بقراءة القرّاء (مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَکَ بِمُلْکِنَا) بضمّ المیم وکسرها وفتحها. وقد أثبت البحث أن الفتح قراءة نافع وعاصم وأبی جعفر، وقرأ حمزة والکسائی وخلف بضمّها، وقرأ الباقون بکسرها.

وهناک قراءات أوردها ابن هشام اللخمی منسوبة لبعض القرّاء، ومن ذلک قوله: وقد قرأ بعض القرّاء (عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ)، فقد استشهد بهذه القراءة على جواز ضمّ الراء وفتحها من کلمة (سُرُر).

   لقد احتجّ ابن هشام اللخمی بالقراءات الشاذة، ومن ذلک مثلاً ما ذکره من أن الناس یقولون (بحر غمیق، وواد غمیق، والصواب عمیق بالعین)، ثم ذکر أنه قد قرئ فی الشاذ (مِن کُلِّ فَجٍّ غَمِیقٍ).
   لقد کان ابن هشام اللخمی یکتفی بذکر موضع الشاهد من الآیة، دون أن یذکر نص الآیة کاملاً، وفی بعض الأحیان کان یتخذ من الشاهد القرآنی مدخلاً للرد على کل من الزبیدی فی کتابه لحن العامة، وابن مکی الصقلی فی کتابه تثقیف اللسان وتلقیح الجنان.

وبعد ... فقد تبیّن لنا توظیف الشاهد القرآنی فی کتاب المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم البیان) لابن هشام اللخمی، الذی کان معیاراً لتحدید فصاحة الکلمة فی الاستعمال لدیه.
 

الهوامش والإحالات:

 

1)    انظر: التکملة لکتاب الصلة لأبی عبدالله محمد بن عبدالله القضاعی المعروف بابن الأبار، 2، ص675 ... کما ینظر فی ترجمته: إشارة التعیین فی تراجم النحاة واللغویین لعبدالباقی بن عبدالمجید الیمانی، ص298، والذیل والتکملة لکتابی الموصول والصلة لمحمد بن عبدالله الأنصاری، 6، ص70، والوافی بالوفیات لصلاح الدین الصفدی، 2، ص131، والبلغة فی تراجم أئمة النحو واللغة لمجد الدین الفیروزآبادی، ص209، وکشف الظنون لحاجی خلیفة، 2، ص1807، وهدیة العارفین أسماء المؤلفین وآثار المصنفین لإسماعیل بن محمد البغدادی، 2، ص97، والأعلام لخیر الدین الزرکلی، 5، ص318.

2)    انظر: السابق نفسه، والذیل والتکملة لمحمد بن عبدالله الأنصاری، 6، ص70.

3)    انظر: الذیل والتکملة، 6، ص70.

4)    انظر: التکملة لکتاب الصلة، 2، ص675.

5)    انظر: الذیل والتکملة لکتابی الموصول والصلة، 6، ص71.

6)    انظر: المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم البیان، تح: الدکتور حاتم صالح الضامن، ص9 ص 10.

7)    هو محمد بن عبدالله بن عبدالملک الأنصاری صاحب کتاب الذیل والتکملة توفی سنة 703هـ.

8)    هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبی بکر بن عبد الله بن عبد الرحمن القضاعی البلنسی المعروف بابن الأبار توفی سنة 658هـ.

9)    انظر: التکملة لکتاب الصلة، 2، ص676.

10) هو صلاح الدین أبو الصفاء خلیل بن أیبک بن عبد الله الصفدی توفی سنة 764هـ.

11) انظر: الوافی بالوفیات، 2، ص131.

12) هو أبو طاهر مجد الدین محمد بن یعقوب بن محمد بن إبراهیم الشیرازی الفیروزآبادی توفی سنة 817هـ.

13) انظر: البلغة فی تراجم أئمة النحو واللغة، ص209.

14) انظر: المدخل إلى تثقیف اللسان وتعلیم البیان، تحقیق: الأستاذ الدکتور حاتم صالح الضامن، دار البشائر الإسلامیة، بیروت، الطبعة الأولى، 1424هـ/2003م، ص26.

15) انظر: المدخل إلى تثقیف اللسان وتعلیم البیان، ص26.

16) انظر: السابق، الصفحات: 137-512.

17) انظر: السابق، ص513.

18) انظر: نشأة النحو وتاریخ أشهر النحاة، ص211.

19) تاریخ الاحتجاج النحوی بالحدیث الشریف، ص34.

20) الشواهد والاستشهاد فی النحو، ص23.

21) الصحاح (شهد).

22) لسان العرب (شهد).

23) القاموس المحیط (شهد).

24)  مختار الصحاح، ص349.

25) الفروق فی اللغة، ص88.

26) شرح التصریح على التوضیح، 1، ص16.

27)  الاستشهاد والاحتجاج باللغة، ص86 ص87.

28) المزهر فی اللغة، 1، ص167، وانظر: الموجز فی قواعد اللغة العربیة وشواهدها للأستاذ سعید الأفغانی، الصفحات: 5-9.

29)  انظر: المزهر فی اللغة1، الصفحات: 227-229.

30) انظر: عصور الاحتجاج، 1، ص172 ص173.

31) انظر: الاقتراح فی علم أصول النحو، ص56.

32) البرهان فی علوم القرآن، 1، ص318.

33) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، 1، ص4.

34) فی أصول النحو، ص45.

35) الاستشهاد بالحدیث فی اللغة (مقال منشور فی مجمع اللغة العربیة الملکی) بالقاهرة، المطبعة الأمیریة ببولاق، 1355هـ/1937م، العدد الثالث، ص197.

36) الاقتراح، ص33.

37) القیاس فی النحو العربی نشأته وتطوره، ص83.

38) المزهر فی علوم اللغة، 1، ص486.

39) المدخل إلى تقویم اللسان، ص139.

40) الکتاب، 3، ص548.

41) انظر: الأصوات اللغویة، ص72.

42)  السابق نفسه، وانظر: فی اللهجات العربیة، ص77.

43) المدخل إلى تقویم اللسان، ص47 ص48.

44) انظر: الإبدال، باب الکاف والجیم، ص118.

45) المدخل إلى تقویم اللسان، ص114.

46) إذ قال: "قال الرّاد: هذا الذی قاله هو القیاس، وقد جاء بالواو" ... انظر: السابق نفسه.

47) انظر: السابق، ص115.

48) انظر: الأصوات اللغویة، ص72.

49) انظر: الإبدال لابن السکیت، باب الهمزة، ص138.

50) المدخل إلى تقویم اللسان، ص258 ص259.

51) انظر: الإبدال باب العین والغین، ص111.

52) انظر: الأصوات اللغویة، ص71.

53) انظر: المدخل إلى تقویم اللسان، ص347.

54) انظر: الإبدال، باب القاف والکاف، ص113.

55) انظر: الأصوات اللغویة، ص67.

56) المدخل إلى تقویم اللسان، ص134 ص135.

57) انظر: مختصر فی شواذ القرآن، ص182.

58) انظر: معانی القرآن، 3، ص300.

59)  انظر: المقتضب، 2، ص311، والبیان فی إعراب غریب القرآن لابن الأنباری، 1، ص397، والإنصاف فی مسائل الخلاف لابن الأنباری، 2، ص659، ومغنی البیب لابن هشام، ص844.

60) الکتاب، 3، ص504.

61) انظر: المقتضب، 2، الصفحات: 311-313.

62) المدخل إلى تقویم اللسان، ص271.

63) انظر: الخصائص لابن جنی، 3، ص122.

64) انظر: المدخل إلى تقویم اللسان، ص149.

65) انظر: المنقوص والممدود، ص50.

66) انظر: مختصر فی شواذ القرآن، ص28.

67) انظر: لسان العرب لابن منظور، مادة (خطأ).

68) انظر: باب الهجاء لابن الدهان، ص120.

69) هو: حبیب بن أوس بن الحارث الطائی، أبو تمام (ت231هـ) ... والبیت فی دیوانه، 3، ص343.

70) انظر: المدخل إلى تقویم اللسان، ص85.

71) السابق نفسه.

72) السابق، ص85 ص86.

73) المدخل إلى تقویم اللسان، ص292 ص293.

74) انظر: السابق نفسه.

75)انظر: لسان العرب (نکس).

76) المدخل إلى تقویم اللسان، ص63.

77) الکتاب، 4، ص63.

78) انظر: السابق، 4، ص64.

79) المدخل إلى تقویم اللسان، ص422.

80) انظر: الکتاب، 4، ص433.

81) السابق، 4، ص435.

82) انظر: السابق، 4، ص365.

83) السابق نفسه.

84) انظر: السابق نفسه.

85) المدخل إلى تقویم اللسان، ص391.

86) السابق، ص278.

87) السابق، ص418.

88)السابق، ص400.

89) السابق، ص392.

90) انظر: السابق، ص426.

91) انظر: السابق، ص282.

92) السابق، ص399 ص400.

93) انظر: السابق، ص278 ص279.

94) السابق، ص465.

95) انظر: السابق، ص138.

96) انظر: السابق، ص138 ص139.

97) انظر: المهذب فی القراءات العشر وتوجیهها من طریق طیبة النشر، 1، ص336.

98) المدخل إلى تقویم اللسان، ص193.

99) انظر: معانی القرآن، 2، ص189.

100)انظر: المهذب فی القراءات العشر وتوجیهها من طریق طیبة النشر، 2، ص25.

101) لسان العرب، مادة (ملک).

102) انظر: تثقیف اللسان وتلقیح الجنان، ص246.

103) المدخل إلى تقویم اللسان، ص105.

104) انظر: لسان العرب، مادة (سرر).

105) انظر: المدخل إلى تقویم اللسان، ص267.

106) انظر: لسان العرب، مادة (عصا).

107) انظر: المدخل إلى تقویم اللسان، ص440.

108) السابق، ص180.

109) انظر: السابق، ص127، وانظر: تثقیف اللسان وتلقیح الجنان، ص97.

110) المدخل إلى تقویم اللسان، ص127.

111) السابق، ص128.

112) معانی القرآن، 1، ص373.

113) المدخل إلى تقویم اللسان، ص128.

114)  انظر: السابق، ص453.

115) انظر: لحن العامة، ص145.

116) انظر: المدخل إلى تقویم اللسان، ص121.

117) انظر: تثقیف اللسان وتلقیح الجنان، ص172.

118)المدخل إلى تقویم اللسان، ص121.

119)  السابق، ص206.

120) انظر: السابق، ص493.

121)  انظر: مختصر فی شواذ القرآن، ص132، والمحتسب لابن جنی، 2، ص241.

122) انظر: المحتسب فی تبیین وجوه شواذ القراءات والإیضاح عنها، 2، ص241.

123) السابق نفسه.

124)  انظر: السابق، 2، ص242.

125)المدخل إلى تقویم اللسان، ص246.

126)  السابق، ص451.

127)  السابق، ص344.

128) انظر: مختصر فی شواذ القرآن، ص85.

129) انظر: المهذّب فی القراءات العشر، 1، ص12.

130) لحن العامة، ص90، وانظر: المدخل إلى تقویم السان، ص55.

131) انظر: المدخل إلى تقویم اللسان، ص55.

132)السابق، ص56.

133) السابق نفسه.

134) انظر: السابق، ص419.

135) السابق نفسه.

136) انظر: السابق، ص234.

137) السابق، ص350.

138) انظر: السابق، ص300.

139) انظر: السابق، ص281 ص282.

140) السابق، ص51.

141) لحن العامة، ص229.

142)  المدخل إلى تقویم اللسان، ص49.

143) السابق، ص342.

144) انظر: السابق، ص410.

145) السابق، ص410.

146) انظر: السابق، ص459.

147) السابق، ص459 ص460.

148) انظر: السابق، ص325.

149) السابق نفسه.

150) انظر: السابق، ص311.

151) السابق نفسه.

152) السابق، ص392.

153) انظر: السابق نفسه.

154)  انظر: السابق، ص392 ص393.

المصادر والمراجع:

•        القرآن الکریم.

•        الأزهری، الشیخ خالد بن عبد الله، شرح التصریح على التوضیح، مطبعة الاستقامة، القاهرة، ط1، 1954م.

•        الأفغانی، سعید، الموجز فی قواعد اللغة العربیة وشواهدها، دار الفکر، دمشق، ط1، 1390هـ/ 1981م.

•        ابن الأنباری، کمال الدین أبی البرکات عبد الرحمن بن محمد بن أبی سعید الأنباری، الإنصاف فی مسائل الخلاف، تحقیق: محمد محیی الدین عبدالحمید، مطبعة السعادة، القاهرة، 1961م.

•        البیان فی غریب إعراب القرآن، تحقیق: طه عبدالحمید ومصطفى السقا، الهیئة المصریة العامة للکتاب، القاهرة، 1400هـ، 1980م.

•        أنیس، إبراهیم، الأصوات اللغویة، دار النهضة العربیة، القاهرة، ط3، سنة 1961م.

•        فی اللهجات العربیة، مکتبة الأنجلو المصریة، ط1، 1965م.

•        البغدادی، عبد القادر بن عمر، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، تحقیق وشرح: عبد السلام محمد هارون، مکتبة الخانجی، القاهرة، ط4، 1418هـ، 1997م.

•        الجندی، أحمد علم الدین، اللهجات العربیة فی التراث، الدار العربیة للکتاب، لیبیا، 1983م.

•        ابن جنی، أبو الفتح عثمان، الخصائص، تحقیق: محمد علی النجار، عالم الکتب، بیروت، ط3، 1403هـ/1983م.

•        المحتسب فی تبیین وجوه شواذ القراءات والإیضاح عنها، تحقیق: علی النجدی ناصف وآخرین، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامیة، القاهرة، 1969م.

•        الجوهری، إسماعیل بن حمّاد، صحاح اللغة وتاج العربیة، تحقیق: أحمد عبد الغفور عطار، ط2، بیروت، 1979م.

•        ابن خالویه، أبو عبد الله الحسین بن أحمد، مختصر فی شواذ القرآن من کتاب البدیع، نشره: برجشتراسر، مکتبة المتنبی، القاهرة، 1995م.

•        ابن الدهان، أبو محمد سعید بن المبارک بن علی الأنصاری، باب الهجاء، تحقیق: فایز فارس، مؤسسة الرسالة، بیروت، ط1986، م1.

•        الزبیدی، أبو بکر محمد بن الحسن، لحن العامّة، تحقیق: د. عبد العزیز مطر، دار المعارف، القاهرة، 1967م.

•        الزبیدی، سعید جاسم، القیاس فی النحو العربی نشأته وتطوره، دار الشروق، عمّان، ط1، 1997م.

•        الزرکشی، بدر الدین محمد بن عبدالله، البرهان فی علوم القرآن، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، دار إحیاء الکتب العربیة، القاهرة، ط1، 1376هـ.

•        ابن السکیت، أبو یوسف یعقوب بن إسحاق، کتاب الإبدال، تحقیق: الدکتور حسین محمد شرف، الهیئة العامة لشؤون المطابع الأمیریة، القاهرة، 1398هـ.

•        سیبویه، أبو البشر عمرو بن عثمان بن قنبر، الکتاب، تحقیق: عبد السّلام محمد هارون، مکتبة الخانجی، القاهرة، ط3، 1408هـ/ 1988م.

•        السیوطی، جلال الدین عبد الرحمن بن الکمال أبی بکر بن محمد، الاقتراح، تحقیق: محمد حسن الشافعی، دار الکتب العلمیة، بیروت، ط1، 1418هـ/ 1998م.

•        المزهر فی علوم اللغة وأنواعها؛ شرحه وضبطه وصححه وعنون حواشیه محمد أحمد جاد المولى، وعلی محمد البجاوی، ومحمد أبو الفضل إبراهیم، دار الجیل، بیروت، د.ط، د.ت.

•        الطنطاوی، محمد، نشأة النحو وتاریخ أشهر النحاة، مکتبة إحیاء التراث الإسلامی، مکة المکرمة، ط1، 1426هـ/2005م.

•        عبادة، محمد إبراهیم، عصور الاحتجاج فی النحو العربی، دار المعارف، القاهرة، 1980م.

•        العسکری، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعید بن یحیى، الفروق فی اللغة، تحقیق: لجنة إحیاء التراث العربی فی دار الآفاق الجدیدة، بیروت، ط 5، 1401هـ/1981م.

•        الفراء، أبو زکریا یحیى بن زیاد بن عبد الله، معانی القرآن، تحقیق: أحمد یوسف نجاتی وآخرین، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1980م.

•        المنقوص والممدود، تحقیق: عبدالعزیز المیمنی، دار المعارف، القاهرة، 1967م.

•        الفیروزآبادی، مجد الدین محمد بن یعقوب، القاموس المحیط، دار الفکر، بیروت، 1403هـ.

•        قباوة، فخر الدین، تاریخ الاحتجاج النحوی بالحدیث الشریف، دار الملتقى، حلب، ط1، 1425هـ/2004م.

•        المبرد، أبو العباس محمد بن یزید، المقتضب، تحقیق: محمد عضیمة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامیة، القاهرة، 1415هـ/1994م.

•        محیسن، محمد سالم، المهذب فی القراءات العشر وتوجیهها من طریق طیبة النشر لابن الجزری، تهذیب وتصحیح وتعلیق: الشیخ السادات السید منصور أحمد، المکتبة الأزهریة للتراث، القاهرة، 2002م.

•        ابن مکی الصقلی، أبو جعفر عمر بن خلف، تثقیف اللسان وتلقیح الجنان، قدّم له وقابل مخطوطاته وضبطه مصطفى عبد القادر عطا، دار الکتب العلمیة، بیروت، ط1، 1410هـ/1990م.

•        ابن منظور، أبو الفضل جمال الدین محمد بن مکرم، لسان العرب، طبعة دار صادر، بیروت، 1955م.

•        النایلة، عبدالجبار علوان: الشواهد والاستشهاد فی النحو، مطبعة الزهراء، بغداد، ط1، 1390هـ/ 1970م.

•        ابن هشام اللخمی، أبوعبدالله محمد بن أحمد بن هشام بن إبراهیم بن خلف، المدخل إلى تقویم اللسان وتعلیم البیان، تحقیق: الأستاذ الدکتور حاتم صالح الضامن، دار البشائر الإسلامیة، بیروت، ط1، 1424هـ/ 2003م.