أدب المهالبة: القیم الأخلاقیة، والخصائص الفنیة

الباحث المراسلعبد الله بن سعید الحجری وزارة التربية والتعليم

تاريخ نشر البحث :2022-11-13
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك  |   تحميل المقال

إن المطالع فی کتب الأدب القدیمة لیشده ما یجده مبثوثا فی صفحاتها من أقوال رائقة، ومعان عجیبة، تعزى إلى آل المهلب بن أبی صفرة فی حالَی السلم والحرب، وهی مع جزالة لفظها وحسن سبکها تفیض بالحکمة، وتتفجر بالقیم الأخلاقیة النبیلة؛ کالشجاعة، والحزم، والأنفة، والرجولة، والجود، وتنم عن کبَر نفوسهم، وعلوّ هممهم، وما اکتسبوه من حِکَمِ مَن سبقهم، وخبرتهم فی الحیاة التی ذاقوا حلوها ومرها، تابعین ومتبوعین، أمراء وقادة جیوش، وقد جمع الباحث تلک الأقوال من بطون تلک الکتب، مثل: کتاب البیان والتبیین للجاحظ، ومحاضرات الأدباء للأصفهانی، ونثر الدر للآبی، وأدب الکتاب للصولی، وغیرها؛ لما فی جمعها ما یعین على دراستها، ویلفت نظر الباحثین إلى استقصائها ودراستها.

أقوالهم السائرة:

جمعت کتب الأدب خاصة، وبعض کتب اللغة ودواوین شعراء عصر المهالبة الکثیر من أقوال المهالبة السائرة، التی تناقلتها الألسن لما اشتملت علیه من حکم، وما تحلت به من الحث على مکارم الأخلاق وجمیل الصفات، وما نتجت عنه من علو الهمة والسعی إلى المعالی، ویثبت هذا القسم أهم ما ورد من أقوالهم، وهی:

نازع رجلٌ المهلبَ فأربى علیه([1])، فقیل له: لم سکتَّ عنه؟ قال: استحییت من سخف المسابّة ورغبت عن غَلَبة اللئام، وکان إذا سبنی تهلل وجهه واستنار لونه وتبجحت نفسه، فإن غَلب فبفضل القِحَة، ونبذِ المروءة، وخلعِ رِبقة الحیاء، وقلة الاکتراث بسوء الثناء.([2])

 وقال المهلب یا بَنِیَّ تباذلوا تحابُّوا، وإن بَنی الأم یختلفون فکیف بنو العَلّات؟ إن البِرَّ یَنسأ فی الأجل ویزید فی العدد، وإن القطیعة تورث القِلَّة وتعقب النار بعد الذِّلة، واتقوا زلة اللسان فإن الرجل تزل رجله فینتعش، ویزل لسانه فیهلِک، وعلیکم فی الحرب بالمکیدة فإنها أبلغ من النجدة؛ فإن القتال إذا وقع القضاء، فإن ظفر فقد سعد، وإن ظُفر به لم یقولوا فرّط.([3])

قال المهلب: لیس شیء أنمى([4]) من بقیة السیف. فوجد الناس تصدیق قوله فیما نال ولده من السیف وصار فیهم من النماء.([5])

قال المهلب بن أبی صفرة: عجبت لمن یشتری العبید بماله کیف لا یشتری الأحرار بفَعاله؟([6])

قال المهلب: یعجبنی من الرجل الکریم خصلتان: أن أرى عقله زائداً على لسانه، ولا یعجبنی أن أرى لسانه زائداً على عقله.([7])

سمع المهلب رجلا یسبّ آخر، فقال: اکفُف فوالله لا ینقى فوک من سَهَکِها([8]) أبدا.([9])

وکان یقول: أدْنى أخلاق الشریف کتمانُ السِّر، وأعْلى أخلاقه نسیّانُ ما أسِرَّ إلیه.([10])

وقیل للمهلب فی بعض حروبه: لو نمت. فقال: إن صَاحب الحرب إذا نام نامَ جَدُّه.

وقال له رجل: إن لی حَاجةً لا تَرْزَؤک فی مَالک، ولا تنکُدُک فی نفسک، قال: والله لا قَضَیتُها. قال: ولمَ؟ قال: لأن مثلی لا یُسال مثلها.([11])

وذُکرت امرأةٌ عند هندٍ بنت المهلب بجمالٍ، فقالت هند: ما تحلَّین النساء بحلیةٍ أحسن من لبّ ظاهر تحته أدب کامن.([12])

وقال المهلبُ لبنیه: إذا ولیتُم فلینُوا للمُحْسن، واشتدُّوا على المُریب، فإن الناسَ للسُّلطان أهیبُ منهم للقرآن.

وقال کفى بالمرء مسألةً أن یغدُوَ علیک ویرُوح.

ومر بقوم من ربیعة فی مجلس لهم، فقال رجلٌ من القوم: هذا سَیِّدُ الأزد، قیمتُه خمسمائة درهم. فسمعه المهلب، فأرسل إلیه بخمسمائة درهم. قال: دُونک یا ابن قیمةَ عمِّک، ولو کنت زدت فیها لزدتک.

قیل للمهلِّب: مَا النُّبلُ؟ قَالَ أَن یخرج الرجلُ من منزله وَحده ویعودَ فِی جمَاعَة. وَقَالَ: مَا رأیتُ الرجال تضیقُ قلوبُها عِنْد شَیْء کَمَا تضیق عِنْد السرِّ.

قَالَ بَعضهم: مَرَرْت على هِنْد بنت الْمُهلب، فَرَأَیْت بِیَدِهَا مغزلاً تغزل بِهِ، فَقلت لَهَا: تغزلین؟! قَالَت: نعم سَمِعت أبی یذکرهُ عَن رَسُول الله ﷺ، قَالَ: "أعظمکن أجرا أَطْوَلکُنَّ طَاقَة، وَهُوَ یطرد الشَّیْطَان وَیذْهب بِحَدِیث النَّفس".([13])

کانت هند بنت المهلب تقول: إذا رأیتم النعمة مستبدرة([14]) فبادروها بالشکر قبل حلول الزوال.([15])

قیل للمهلب: بم ظفرت؟ قال: بطاعة الحزم وعصیان الهوى.([16])

قال المهلب بن أبی صفرة: خیر مناقب الملوک العفو.([17])

 

وکتب الحجاج إلى المهلب یُعجِله فی حرب الأزارقة ویُسمّعه، فکتب إلیه المهلب: "إن البلاء کل البلاء أن یکون الرأی لمن یملکه دون من یبصره".([18])

من کلام حبیب بن المهلب لبنیه: (لا یقعدن أحدکم فی السوق، فإن کنتم لا بدّ فاعلین، فإلى زَرّاد أو سَرّاج أو وَرّاق).([19])

وَعَنْ یزید قَالَ: مَنْ عُرِفَ بِالصِّدْقِ، جَازَ کَذِبُهُ، وَمَنْ عُرِفَ بِالکَذِبِ، لَمْ یَجُزْ صِدْقُهُ.

وَقِیْلَ لَهُ: أَلاَ تُنْشِئُ لَکَ دَاراً؟ قَالَ: لاَ، إِنْ کُنْتُ مُتَوَلِّیاً، فَدَارُ الإِمَارَةِ، وَإِنَّ کُنْتُ مَعْزُوْلاً، فَالسِّجْنُ.([20])

وروی أنَّ فتى من الأزد دفع إلى المهلّب بن أبی صفرة سیفاً له وقال: یا عمّ! کیف ترى سیفی هذا؟ فقال له المهلّب: سیفک جید إلاَّ أنَّه قصیر، فقال له الفتَى: أُطوِّله یا عمّ بخَطوی، فقال له: والله یا ابن أخی إنّ المشی إلى الصین أو إلى أقصى أذربیجان على أنیاب الأفاعی أسهل من تلک الخطوة. لم یقل المهلّب هذا جبناً، بل على ما توجب الصورة؛ إذ کانت تلک الخطوة قرینة الموت.([21])

ویقال: إن المهلب لما توسم النجابة فی ابنه یزید وهو صغیر أراد أن یختبره، فقال له: یا بنی ما أشد البلاء؟ قال: یا أبتِ معاداة العقلاء، ثم قال: أقلنی، قال: قد أقلتک فقل: فقال: أشد البلاء تأمیر اللؤماء على الکرماء. ثم قال: أقلنی قال: قد أقلتک فقل: فقال: أشد البلاء معاداة العقلاء ومسألة البخلاء وتأمر اللؤماء على الکرماء، فقال المهلب: والله یا بنی ما یسرنی بقولک مقول لقمان، ولا یعدل عندی بقاؤک ملک سلیمان.([22])

یقال أهوت إلى یزید بن المهلب حیة فلم یتوَقّها، فقال له أبوه ضیعت الحزم من حیث حفظت الشجاعة.([23])

وقال المهلب بن أبی صفرة واسم أبی صفرة ظالم بن سرّاق: أناة فی عواقبها دَرَک خیر من عجلة فی عواقبها فَوْت.([24])

حدثنی أحمد بن یزید قال، حدثنا أبی عن عمه حبیب بن المهلب قال: ما رأیت قَطُّ رجلاً مستلئماً فی حربٍ إلا کان عندی بمنزلة رجلین اثنین، ولا رأیت رجلین حاسرین فی حربٍ قط إلا کانا عندی بمنزلة رجلٍ واحدٍ.([25])

قال یزید بن المهلب: الکذاب یخیف نفسه وهو آمن.([26])

قیل لیزید بن المهلّب: بم نلت هذا الأمر؟ قال: بالعلم؛ قالوا: فقد رأینا من هو أعلم منک لم ینل ما نلت؛ قال: ذلک علمٌ أخطئ به مواضعه، وهذا علمٌ أصیب به فرصته.([27])

قال المهلب لبنیه: إیاکم والعینة([28])، فإنها لعینةٌ، وقد تعینت مرةً بأربعمائة درهمٍ، فما تخلصت منها إلا بولایة البصرة.([29])

قال یزید بن المهلب: ما یسرنی أنی کفیت أمر الدنیا کله، قیل: ولم أیها الأمیر؟ قال: أکره عادة العجز.([30])

وقال المهلب: ما ضاقت صدور الرجال عن شیء کما تضیق عن السر.([31])

وقال المهلب بن أبی صفرة: ما السیف الصارم فی ید الرجل الشجاع بأعزَّ له من الصدق.([32])

قال المهلب بن أبی صفرة: من ضاق قلبه اتسع لسانه.([33])

یزید بن المهلب: الحیاة أحب شیء إلى الإنسان، والثناء الحسن أحب إلیّ من الحیاة، ولو أنی أعطیت ما لم یعطه أحد لأحببت أن یکون لی أذن أسمع بها ما یقال غداً إذا مت کریماً.([34])

قال المهلب بن أبی صفرة: الحسد شهابٌ لا یبالی من أصاب، وعلى من وقع.([35])

بلغ سعدا([36]) شیء فعله المهلب فی العدو، والمهلب یومئذ فتى، فقال سعد: اللهم لا تره ذلا!. فیرون أن الذی ناله المهلب بتلک الدعوة.([37])

قیل لیزید بن المهلب: إنک لتلقی نفسک فی المهالک، قال: إن لم آت الموت مسترسلا أتانی مستعجلا، إنی لست آتی الموت من حبه وإنما آتیه من بغضه، ثم تمثل: [من الطویل]([38])

تأخرت أستبقی الحیاة فلم أجد  ‍

  لنفسی حیاة مثل أن أتقدّما

وسأل یزیدَ بنَ المهلَّب رجلٌ من أصحابه حاجةً وذَکَرَ له خَلّة، فقال: أوجِّهُ بها إلیک، ثمَّ حَمَلَ إلیه خمسین ألفَ درهم، ثم کتب إلیه: قد وجَّهتُ إلیک بخمسینَ ألفَ دِرهم، لم أذکُرْها تمنُّناً، ولم أدَعْ ذکرها تجبُّراً، ولم أقْطَعْ بها لک رَجاء، ولم أُرِدْ بها منک جزاء.

وقیل لیزید: ما أحسَنُ ما مُدِحتَ به؟ قال: قول زیاد الأعجم:([39])

فتًى زَادهُ السُّلطان فی الحمد رَغبةً  ‍

  إذا غَیَّرَ السلطانُ کلَّ خلیلِ

قالت خیرة بنت ضمرة القشیریة امرأة المهلب للمهلب: إذا انصرفت من الجمعة فأحب أن تمر بأهلی فقال: إن أخاک أحمق، قالت: فأحب أن تمر بهم. فجاء وأخوها جالس فلم یوسع له، فجلس المهلب ناحیة ثم أقبل علیه وقال: ما فعل ابن عمک فلان؟ قال حاضر، قال: أرسل إلیه، ففعل، فلمّا نظر إلى المهلب غیر مرفوع المجلس قال: یا ابن اللخناء، المهلب جالس ناحیة وأنت فی صدر المجلس؟! وواثبه، فترکه المهلب وانصرف، فقالت له خیرة: أمررت بأهلی؟ قال: نعم، وترکت أخاک الأحمق یُضرب.([40])

قال سلیمان بن عبد الملک لیزید بن المهلب: أکره منک ثلاثاً؛ قال: وما هی؟ قال: طیبک یُرى؛ وطیب الرجال توجد له ریحة ولا یُرى لونه، وخُفّک أبیض؛ وحَقُّ الخف أن یخالف لونه لون الثیاب، وتکثر مس لحیتک. فغیّر الطیب والخف، ولم یدَع مسّ لحیته، وقال: ما رأیت عاقلاً یلم به أمر إلا کان مُعَوّله على لحیته.([41])

خطبهم:

لما کان المهالبة المشهورون أصحاب إمارات، وولایات، وقادة جند، کان لا بد من وجود خطب لهم، ویشتمل هذا القسم على خطبتین من خطبهم وهما یدلان على فصاحتهم، وحسن خطابهم للناس، ورجاحة عقولهم:

لما اسْتخلف المهلبُ ابنه المغیرة على حَرْب الخوارج، وعاد هُو إلى مُصْعب بن الزبیر، جمعَ الناسَ فقال لهم: إنِّی قد استخلفتُ علیکم المغیرة، وهُو أبو صغیرکم رقةً ورحمةً، وابنُ کبیرکم طاعة وبراً وتبجیلا، وأخُو مثله مواساة ومناصحة؛ فلتحُسن له طاعتُکم، ولیِلِنْ له جانبکُم، فوالله ما أردتُ صواباً قطُّ إلا سَبقنی إلیه.([42])

خطبَ یزیدُ بن المهلب بواسط فقال: یا أهل العراق، یا أصحَاب السبق والسِّباق، ومکارم الأخلاق، إن أهل الشام فی أفوَاههم لقمةٌ دَسمةٌ قد زبّبت([43]) لها الأشداق، وقامُوا لها على ساق، وهم غیر تارکیها لکم بالمراءِ والجدال، فالْبُسوا لهم جُلودَ النمور.([44])

 

رسائلهم:

لا بد لمثلهم أن یکون لهم مراسلات إلى من فوقهم من المسؤولین، وإلى من دونهم من العمال، وقد اخترت من مراسلاتهم ما یأتی:

کتب المهلب: أما بعد، فإنه لا یوهن الإسلام خروج من خرج منه، ولا یعیبه إلحاد من ألحد فیه، ومدعوه کثیر ومصیبوه قلیل، ولیس کل من یقاتل عنه من أهله، ولا هو لکل من یقاتل به. وقد کان هذا العدو أصاب فی إخوانکم مصائب أطمعتهم فیکم، فلما استوقد الحرب بنا وبهم، جاءنا القضاء بأمر جاوزت النعمة فیه الأمل، فأصبح ذلک العدو بعد ذلک دریئة رماحنا، وضرائب سیوفنا، ونحن نرجو أن یکون أجر هذه النعمة کافلها، فاحمدوا الله فإن حمده یُتم النعم، وأشکروه فإن شکره یوجب المزید.([45])

ووجه الحجاجُ إلیه الجرّاحَ بن عَبْدالله یستبطئُه فی مناجَزة القوم. وکتب إلیه: أما بعد، فإنک جَبیتَ الخراج بالعلل، وتحصنتَ بالخنادق، وطاولت القوم وأنت أعزُّ ناصراً، وأکثر عَددا، وما أظنُّ بک مع هذا معصیةً ولا جبْناً، ولکنک اتخذتهم أُکْلاً، وکان بقاؤهم أیْسرَ علیک من قتالهم. فناجزْهم، وإلا أنْکرتنی. والسلامُ.

فقال المهلب للجراح: یا أبا عقبة. والله مَا ترکتُ حیلةً إِلاَّ احتلْتُها، ولا مکیدة إلا أعملتُها، وما العجبُ من إبطاء النصر، وتراخی الظفر، ولکن العجب أن یکون الرأیُ لمنْ یملکه دون مَن یبصرهُ.

ثم ناهضهم ثلاثة أیام یُغادیهم القتال، ولا یزالون کذلک إلى العصر، حتى قال الجراح: قد أعذرت وینصرفُ أصحابهُ وبهم قَرْح، وبالخوارج قَرْح وقتل.

وکتب المهلب إلى الحجاج: أتانی کتابُک: تستبطئُنی فی لقاء القوم، على أنک لا تُظنُّ بی معصیةً ولا جبْناً. وقد عاتبْتنی مُعاتبة الجَبان، وأوعدتنی وعیدَ العاصی. فسل الجراح. والسلام.

وکتب إلیه الحجاجُ: أما بعد، فإنک تتراخى عن الحرب حتى یأْتیک رُسلی فیرجعوا بُعذْرک، وذاک أنک تُمسک حتى تبرأ الجِرَاحُ، وتُنَسی القتْلى، ویجُمَّ الناسُ، تلْقاهم فتحتملَ منهم مثْلَ ما یحتملون منک من وْحشة القتل، وألمِ الجراح. ولو کُنت تلْقاهُم بذلک الجِد لکان الداءُ قدْ حُسِم، والقرنُ قد قُصِم. ولعَمْرِی ما أنْت والقومُ سواء؛ لأن مِنْ ورائک رجِالاً، وأمامک أموالاً، ولیس للقوم إلا ما معهم، ولا یُدرَکُ الوجیفُ بالدبیبِ ولا الظفَر بالتعذیر.

فکتب المهلب إلیه: أما بعدُ. فإنِّی لم أعط رسلک على قول الحقِّ أجراً، ولم أحتجْ منهم مع الشهادة إلى تلقین. ذکرت أنی أجمُّ القوم، ولا بد من راحة یستریح فیها الغالب، ویحتال فیها المغلوب، وذکرتَ أن فی الجمام ما یُنسی القتلى، ویْبرِئُ الجراح. وهیهات أنْ یُنَسى ما بیننا وبینهم، تأْبى ذلک قتلى لم تُجَنّ، وقروح لم تُتَقرف. ونحن والقوم على حَالة وهم یرقبُون منا حَالات، وإن طمعُوا حاربوا، وإن مَلُّوا وقفوا، وإن یئسوا انصرَفوا، وعلینا أن نقاتلهم إذا قاتلوا، ونتحرز إذا وَقفُوا، ونطلب إذا هربوا، فإنْ ترکتنی والرأی کان القرن مفصُوما، والداءُ - بإذن الله - محسُوماً، وإن أعجَلتنی لم أطعک، وَلم أعص، وجعلت وجهی إلى بابک وأنا أعوذ بالله من سَخط الله عزّ وجل ومَقت النّاس!

وکان الحجاجُ کتب إلى المهلب وهو فی وَجْه الخوارج: أما بعدُ، فإنه بلغنی أنک قد أقبلت عَلى جبَایة الخراج، وترکت قتال العدُوِّ. وإنی ولَّیْتُک وأنا أرى مکان عبد الله بن حکیمٍ المجاشعی، وعباد بن حصَین الحَبطی، واخترتُک وأنت من أهل عمان، ثم رجل من الأزد. فالْقهُم یوم کذا فی مکان کذا، وإلا أشرعتُ إلیک صَدْر الرماح فشاورَ بنیهِ، فقالوا: إنه أمیرٌ فلا تغْلْظ علیه فی الجواب.

فأجابه المهلبُ: وردَ علیَّ کتابُک، تزعُم أنی أقبلتُ على جبایة الخراج، وترکتُ قتال العدُو. ومَن عجز عن جبایةِ الخراج فهُو عَن قتال العدوِّ أعجَزُ. وزعمتَ أنک ولیتنی، وأنت ترى مکان عَبدِالله بن حکیم وعَبادِ بن حصین، ولوْ ولیْتهُما لکانا مُسْتحقَّیْن لذلک فی فضلهما، وغَنائهما، وبطشِهما. وأنک اخترتنی -وأنا رجلٌ من الأزد- ولعَمَری إن شراً من الأزد لقبیلةٌ تنازعُها ثلاثُ قبائل لم تستقِر فی واحدة منهُن. وزعمت أنی إن لم ألقهُم فی یوم کذا أشرعْت إلی صَدْر الرُّمْح. فلو فعلت لَقلَبْتُ إلیک ظَهْرْ المِجّنِّ، والسلام.([46])

لما ظفر المهلب بالخوارج وفرغ من أمرهم قال الحجاج: الآن یرِد کتاب المهلب طویلاً بوصفه، جامعاً لوصف یشرح أحواله، وإنه لحقیق بکل وصف، وأهل لکل مدح. قال فورد کتابه:

"بسم الله الرحمن الرحیم، الحمد لله الکافیء بالإسلام فقد ما سواه، المعجل النقمة لمن بغاه، الذی یزید من شکره، ویرزق من کفره.

أما بعد، فقد کان من أمرنا ما أغنت جملته عن تفصیله. وکنا نحن وعدونا فی مدة هذا التنازع على حالتین مختلفتین: یسرنا منهم أکثر مما یسوؤنا، ویسوؤهم منا أکثر مما یسرهم؛ على شدة شوکتهم، واجتماع کلمتهم، وانزعاج القلوب لمخافتهم؛ حتى نام بذکرهم الرضیع، وأصم لخوفهم السمیع. فانتهزت منهم الفرصة عند إمکانها، بعد أن تنظرت وقت إبّانها؛ واستدعى النهل عَلله، وبلغ الکتاب أجله، فقُطع دابر القوم الذین ظلموا والحمد لله رب العالمین".([47])

 

وصایاهم:

للمهالبة -کما لغیرهم من الأمراء والقادة والحکماء- وصایا اتسمت بالإیجاز، والبلاغة، والإقناع، واشتملت على الحکمة، وصقلتها التجربة، ومن وصایاهم:

قال المهلب یوصی ابنه یزید: یا بُنی إیاک والسرعة عند المسألة بنعم، فمدخلها سهل ومخرجها وعر، واعلم أن لا وإن قبحت فربما أروحت، فإذا سئلت ما قدرت علیه فأطمع ولا توجب، وإذا علمت معذرة فاعتذر، فالإتیان بالعذر الجمیل خیر من المطل الطویل.([48])

ولما حضرتِ المهلبَ بنَ أبی صُفْرَةَ الوفاةُ، قال لولده وأهله:

"أوصیکم بتقوى الله، وصلة الرحم؛ فإن تقوى الله تُعْقِبُ الجنة؛ وإن صلة الرحم تُنْسِئ الأجل، وتُثری المال، وتجمع الشمل، وتُکَثِّر العدد، وتُعَمِّر الدیار، وتُعِزُّ الجانب.

وأنهاکم عن معصیة الله -تعالى-؛ فإن معصیة الله تعقب النار، وإن قطیعة الرحم تُورِثُ الذلة والقلة، وتُقِلُّ العدد، وتفرِّق الجمع، وتَذَرُ الدیارَ بَلَاقِعَ، وتُذْهِب المال، وتُطْمِعُ العدو، وتُبدی العورة.

یا بَنِیَّ، قومَکم قومَکم؛ إنه لیس لکم فضل علیهم، بل هم أفضل منکم؛ إذ فَضَّلُوکم وسَوَّدُوکم، أَوْطَؤُا أعقابکم، وبَلَّغُوا حاجتکم فیما أردتم وأعانوکم؛ فإنْ طَلَبُوا فاطْلِبُوهم، وإن سألوا فاعطوهم، وإن لم یسألوا فابتدؤوهم، وإن شتموا فاحتملوهم، وإن غَشُّوا أبوابکم فلتُفْتَح لهم ولا تُغْلَق دونهم.

یا بَنی، إنی أُحب للرجل منکم أن یکون لفعله الفضلُ على لسانه، وأکره للرجل منکم أن یکون للسانه الفضل على فعله.

یا بنی، اتقوا الجواب، وزلةَ اللسان؛ فإنی وجدت الرَّجُلَ تَعْثُرُ قدمُه فیقوم من زلته وینتعش منها سویًّا، ویزل لسانه فیُوبِقه ویکون فیه هَلَکَتُهُ.

یا بنی، إذا غدا علیکم رجل وراح فکفى بذلک مسألةً وتذکرةً بنفسه.

یا بنی، ثیابُکم على غیرکم أجملُ منها علیکم، ودوابُّکم تحت غیرکم أجمل منها تحتکم.

یا بَنی، أَحِبُّوا المعروف، وأنکروا المنکر واجتنبوه؛ وآثروا الجود على البخل؛ واصطنعوا العرب وأکرموهم؛ فإن العربی تَعِدُهُ العِدَةَ فیموت دونک، ویشکر لک، فکیف بالصنیعةِ إذا وصلت إلیه فی احتماله لها وشکره، والوفاءِ منه لصاحبها؟

وأَدُّوا حق الله -تعالى- علیکم؛ فإنی قد أبلغت إلیکم فی وصیتی، واتخذت الله حجة علیکم".([49])

 

شعرهم:

روی لبعض المهالبة شیء من الشعر، منه ما یأتی:

قال المفضل بن المهلب: من الطویل([50])

هل الجود إلا أن تجـــود بأنفس  ‍
ومن هَرّ([51]) أطراف القنا خشیة الردى  ‍ 
وما هی إلا رقدة تورث العــلى  ‍

على کل ماضی الشفرتین قضیب
  فلیس لحمد صالح بکسـوب
  لرهطک مـــــا حنت روائم نیـب

وقال أبو الفرج بن الجوزی سمع المهلب فتى یتغنى فی جاریة له، فقال المهلب:

لعمــــــریَ إنی للمحبین راحم  ‍
سأجمع منکم شمل ودّ مبدّد  ‍

وإنی ببر العاشقین حقیـــــق
وإنی بما قد ترجوان خلیق

ثم وهبها له ومعها خمسة آلاف دینار([52])

أبو عُیینة محمّد بن أبی عُیینة بن المهلّب:

من غُرره المستظرفة قوله:

جسْمی مَعی غَیر أن الروح عنْدکمُ  ‍
فَلیعجبِ النــــــــاسُ منّی أن لی بَدَناً  ‍

وقوله:

  فالروحُ فی غُربةٍ والجِسمُ فی وطنِ
  لا روحَ فیـــــــهِ، ولی روحٌ بلا بَدَنِ

أرى عهدَهــــــا کالوردِ لیسَ بدائمِ  ‍
وعهدی لها کالآسِ حُسناً وبهجةً  ‍

وقوله:

  ولا خیرَ فیمن لا یدومُ لـــــــه عهدُ
  لهُ نضرة تبقى إذا ما انقضى الوردُ

أبوکَ لنا غیثٌ نعیش بسَیْبِه  ‍
له أثرٌ فی کل عامٍ یسرُّنا  ‍

  وأنت جرادٌ لست تُبقی ولا تَذَرْ
  وأنتَ تعفّی دائماً ذلک الأَثرْ

ومن ملحه قوله: ولأُشِلیَنَّ على نِعاجِک ذِیبی([53])

 

أخوه عبد اللّه بن محمد بن أبی عیینة من قلائده الفاخرة قوله:

هو الصَّبرُ والتسلیمُ لله والرضا  ‍
إذا نحن أُبْنــــــا سالمیــــن بأنفُسٍ  ‍
فأنفُسُنا خیرُ الغنیمة إنهـــــــــــــــا  ‍

إِذا نَزَلَتْ بی خُطَّــــــةٌ لا أشاؤها
کِرامٍ رَجَتْ أَمراً فخاب رَجاؤُها
تَؤوبُ وفیها ماؤُها وحَیاؤُهــــــا

وقوله أیضاً:

کل المصائبِ قد تمرُّ على الفتى  ‍

  فتهونُ غیرَ شماتةِ الأعداءِ

وقوله فی الهجاء:

ما کنتَ إلا کلَحم مَیْت  ‍

  دعا إلى أکله اضطرارُ([54])

 

ما قیل فیهم شعرا:

من الطبیعی أن یکثر الشعراء من مدیح آل المهلب؛ فاللها تفتح اللها، وقد رویت عنهم الأعاجیب فی الجود، وقیلت فیهم أشعار کثیرة جودتها شدة المنافسة، وکثرة الهبات، إضافة إلى إعجاب بعض الشعراء بهم، أو افتخارهم بهم، ومن تلک الأشعار:

قال ابن درید فی مقصورته:([55])

وقد سمــا قبلی یزید طالبــــــا  ‍
فاعترضت دون التی رام وقد  ‍

شأو العلى فما وهى ولا ونى
جَدَّ بـــــه الجِد اللُّهَیــــم الأربى

قال الفرزدق:([56])

لأمْدَحَنّ بَنی المُهَلَّبِ مِدْحَةً  ‍
مِثْلَ النّجُومِ، أمامَها قَمَرٌ لهَا  ‍
وَرِثوا الطِّعانَ عن المُهلّبِ وَالقِرَى  ‍
أمّا البَنُونَ، فإنّهُمْ لمْ یُورَثُوا  ‍
کلَّ المکارِمِ عَن یَدیهِ تَقَسّموا  ‍
کانَ المُهَلّبُ للعِرَاقِ سَکِینَةً  ‍
کَمْ مِنْ غِنىً فَتَحَ الإلَهُ لهم بهِ  ‍
وَالنَّبلُ مُلجَمَةٌ بِکُلّ مُحَدرَجٍ  ‍
أمّا یَزِیدُ، فإنّهُ تَأبَى لَهُ  ‍
وَرّادَةٌ شُعَبَ المَنِیّةِ بِالقَنَا  ‍
شُعَبَ الوَتِینِ بِکُلّ جائِشَةٍ لهَا  ‍
وَإذا النفوسُ جشأنَ طامنَ جأشهَا  ‍
إنی رَأیْتُ یَزیِدَ عِنْدَ شَبَابِهِ  ‍
مَلِکٌ عَلَیْهِ مَهَابَةُ المَلِکِ التقى  ‍
وَإذا الرّجالُ رَأوْا یَزِیدَ رَأیتَهُمْ  ‍
لأغَرَّ یَنْجَابُ الظّلامُ لِوَجْهِهِ  ‍
أیَزِیدُ إنّکَ للمُهَلّبِ أدْرَکَتْ  ‍
مَا مِنْ یَدَیْ رَجُلٍ أحَقّ بما أتَى  ‍
مِن ساعِدَینِ یَزِید یَقدَحُ زَندَه  ‍
وَلَوَ أنّهَا وُزِنَتْ شَمَامِ بِحِلْمهِ  ‍
وَلَقَدْ رَجَعتَ وَإنّ فارِسَ کُلَّها  ‍
فَتَرَکْتَ أخْوَفَها وَإنّ طَرِیقَها  ‍
أمّا العرَاقُ فلمْ یکُنْ یُرْجَى بهِ  ‍
فَجَمَعتَ بَعْدَ تَفَرّقٍ أجنادَهُ  ‍
وَلْیَنزِلَنّ بجِیلِ جَیْلانَ الّذِی  ‍
جَیشٌ یَسیرُ إلَیهِ مُلتمِسَ القِرَى  ‍
لَجِبٍ یَضِیقُ به الفضَاءُ إذا غدَوْا  ‍
فِیه قَبائِلُ مِنْ ذَوِی یَمَنٍ لَهُ  ‍
وَلَئنْ سَلِمتَ لتَعطِفنّ صُدورَها  ‍
حَتى یَرَى رَتْبِیلُ مِنْهَا غَارَةً  ‍
وَطِئَتْ جِیادُ یَزِیدَ کُلَّ مَدینَةٍ  ‍
شُعْثاً مُسَوَّمَةً، عَلى أکْتَافِهَا  ‍
ما زَالَ مُذْ عَقَدَتْ یَداهُ إزَارَهُ  ‍
یُدنی خَوَافقَ من خَوَافقَ تَلتَقی  ‍
وَلَقَدْ بَنى لبَنی المُهَلّبِ بَیتَهمْ  ‍
بُنِیَتْ دَعَائِمُهُ على جَبَلٍ لهمْ  ‍
تَلقَى فَوَارِسَ للعَتِیکِ کأنّهُمْ  ‍
ذَکَرَینِ مُرْتَدِفَینِ کُلّ تَقَلّص ‍
حَملوا الظُّباتِ على الشؤون وأقسموا  ‍
صَرَعوهُ بیْنَ دکادِکٍ فی مَزْحَفٍ  ‍
مُتَقَلّدی قَلَعِیّةٍ وَصَوَارِمٍ  ‍
وَعَوَاسِلٍ عَسْلَ الذّئابِ کأنّها  ‍
یَقصِمنَ إذْ طَعَنوا بها أقَرانَهُمْ  ‍
تَلْقَى قَبَائِلَ أُمِّ کُل قَبِیلَةٍ  ‍
ولَدَتْ لأزْهَر کلَّ أصْیَدَ یَبتنی  ‍
یَحمی المکارِمَ بِالسّیوفِ إذا عَلا  ‍
مِنْ کلّ ذاتِ حَبَائِکٍ وَمُفَاضَةٍ  ‍
إنّ القُصُورَ بجِیلِ جَیلانَ الّتی  ‍
فُتِحَتْ بسَیفِ بَنی المُهَلّبِ، إنّها  ‍
غَلَبوا بأنّهمُ الفَوَارِسُ فی الوَغَى  ‍
وَالأحلَمونَ إذا الحُلومُ تهَزْهزَتْ  ‍
وَالقائِدُونَ إذا الجِیادُ تَرَوّحَتْ  ‍
حتى یَرِعْنَ وَهُنّ حَوْلَ مُعَمَّمٍ  ‍

  غَرّاءَ ظَاهِرَةً على الأشْعَارِ
  یجلو الدُّجى وَیُضِیءُ لَیلَ السارِی
  وَخَلائِقاً کَتَدَفّقِ الأنْهَارِ
  کَتُرَاثِهِ لِبَنِیهِ یَومَ فَخَارِ
  إذْ ماتَ رِزْقُ أرَامِلِ الأمْصَارِ
  وَحَیَا الرّبِیعِ وَمَعْقِلَ الفُرَّارِ
  وَالخَیْلُ مُقْعِیَةٌ على الأقْتَارِ
  منْ رِجلِ خاصِبَةٍ من الأوْتارِ
  نَفْسٌ مُوَطَّنَةٌ على المِقْدَارِ
  فَیُدِرُّ کُلّ مُعَاندٍ نَعّارِ
  نَفَثٌ یَجیشُ فَماهُ بالمِسْبارِ
  ثِقَةً بِهَا لحِمَایَةِ الأدْبَارِ
  لَبِسَ التّقَى، وَمَهَابَةَ الجَبّارِ
  قَمَرُ التّمامِ بهِ وَشَمْسُ نَهارِ
  خُضُعَ الرّقاب نَوَاکِسَ الأبصَارِ
  وَبه النّفوسُ یَقَعنَ کلَّ قَرَارِ
  کَفّاک خَیْرَ خَلائِقِ الأخْیَارِ
  من مَکُرماتِ عَظایمِ الأخطارِ
  کَفّاهُما وَأشَدّ عَقْدِ جِوَارِ
  لأمَالَ کُلَّ مُقِیمَةٍ حَضْجَارِ
  مِنْ کُرْدِها لخوَائِفُ المُرّارِ
  لَیَجُوزهُ النّبَطیُّ بِالقِنْطارِ
  حَتى رَجَعْتَ، عَوَاقِبُ الأطْهارِ
  وَأقَمْتَ مَیْلَ بِنَائِهِ المُنْهَارِ
  تَرَکَ البُحَیْرَةَ، مُحصَدَ الأمْرَارِ
  غَصْباً بِکُلّ مَسَوَّمٍ جَرّارِ
  وَأرَى السّمَاءَ بِغَابَةٍ وَغُبَارِ
  وَقُضَاعَةَ بنِ مَعَدّها وَنِزَارِ
  للتُّرْکِ، عِطْفَةَ حَازِمٍ مِغْوَارِ
  شَعْوَاءَ غَیْرَ تَرَجّم الأخْبَار
  بَینَ الرُّدُومِ وَبَینَ نَخلِ وَبارِ
  أُسْدٌ هَوَاصِرُ للکُمَاةِ ضَوَارِ
  فَدَنَا فأدرَکَ خَمسَةَ الأشْبَارِ
  فی کُلّ مُعتَبَطِ الغُبارِ مُثَارِ
  فی المَجدِ أطوَلُ أذرُعٍ وَسَوَارِی
  وَعلَتْ فَوَارِعُهُ على الأبْصَارِ
  أُسْدٌ قَطَعْنَ سَوَابِلَ السُّفّارِ
  ذَکَرٍ شَدیدِ إغارَةٍ الإمْرَارِ
  لَیُقنِعُنّ عِمَامَةَ الجَبّارِ
  للخَیْلِ یُقحِمُهُنّ کلَّ خَبارِ
  هندِیّةٍ، وَقَدِیمَةِ الآثَارِ
  أشْطَانُ بَائِنَةٍ مِنَ الآبَارِ
  حَلَقَ الدّرُوعِ وَهنّ غَیرُ قِصَارِ
  أُمُّ العَتِیکِ بِنَاتِقٍ مِذْکَارِ
  بالسّیفِ یَوْمَ تَعانُقٍ وَکِرَارِ
  صَوْتُ الظُّباتِ یُطِرْنَ کُلَّ شرَارِ
  بَیْضَاءَ سَابِغَةٍ على الأظْفَارِ
  أعْیَتْ مَعاقِلُهَا بَنی الأحْرَارِ
  لله عادَتُهُمْ على الکُفّارِ
  والأکْثَرُونَ غَداةَ کُلِّ کِثارِ
  بالقَوْمِ لَیسَ حُلُومُهُمْ بِصغارِ
  وَمَضَینَ بَعد وَجىً على الحِزْوَارِ
  بالتّاجِ فی حَلَقِ المُلوکِ نُضَارِ

تذاکر أهل البصرة من ذوی الآداب والأحساب فی أحسن ما قاله المولدون فی حسن الجوار من غیر تعسف ولا تعجرف، فأجمعوا على بیتی أبی الهندی وهما:([57])

نَزَلتُ عَلــــى آلِ المُــهَلَّب شـــــــاتیاً  ‍
     فَمـــــا زالَ بی إِحســـــانُهم وافتِقــــــــــادُهم

غَریباً عَنِ الأَوطــــانِ فی زَمَــــنِ المحلِ
 وَبِرُّهُـــــــم حَتّــى حَسِبتُهــــــمُ أَهــلی

کان ثابت قطنة مع یزید بن المهلب فی یوم العقر، فلما خذله أهل العراق وفروا عنه فقتل، قال ثابت قطنة یرثیه:([58])

کل القبــــائل بایَعـــــــوک على الذی  ‍
حتى إذا حَمِی الوَغَى وجعلتَهم  ‍
إن یقتلـــــــــوک فإنَّ قتلَک لم یکــــن  ‍

تدعو إلیــــه وتابَعوک وســـاروا
نصبَ الأسنَّة أسلموک وطاروا
عـــاراً علیک وبعضُ قتلٍ عــار

قال الأصمعی: قدم على یزید بن المهلب قوم من قضاعة من بنی ضبة، فقال رجل منهم:

والله مــــــا ندری إذا ما فاتنـــــا  ‍
ولقد ضربنــا فی البلاد فلم نجد  ‍
فاصبر لعادتنــــا التی عودتنـــــــا  ‍

طلب إلیــــــک من الذی نتطلب
أحداً سواک إلى المکارم ینسب
أو لا فأرشدنــــا إلى من نذهب

فأمر له بألف دینار. فلما کان فی العام المقبل وفد علیه فقال:

مالی أرى أبوابهم مهجــــــــــــــــورة  ‍
حابَوک أم هابوک أم شاموا الندى  ‍
إنی رأیتک للمکــــــارم عــــــاشقــــاً  ‍
فأمر له بعشرة آلاف درهم.([59])

 

 وکأن بـــــــابک مجمع الأســــــــواق
 بیدیک فاجتمعــــــــوا من الآفــــاق
 والمکرمــــــــات قلیــــلة العشــــاق

قصیدة لربیعة الرقی مدح فیها یزید بن حاتم المهلبی، وهذه أبیات من أولها:([60])

حلفت یمینــــــــــا غیر ذی مثنویـــــــة  ‍
لشتـــــــان مــا بین الیزیدین فی الندى  ‍
یزید سلیم ســالم المــــــال والفتــــــــى  ‍
فلا یحسب التمتـــــام أنی هجـــــــوته  ‍
فیا أیها الساعی الذی لیــس مدرکا  ‍
ألا إنمـــــــــــا آل المـــــهلب غـــــــــــــرة  ‍
هم الأنف والخرطوم والناس بعدهم  ‍
قضیــــت لکم آل المــــهلب بالعــــــلى  ‍
لکـــم شیم لیـــست لخلق ســــــواکم  ‍

  یمیــــــن امرئ آلى بهــــــــا غیــــر آثم
  یزیـــــد سلیـــم والأغر ابن حـــــــاتم
  أخــــــو الأزد للأموال غیر مســــــالم
  ولکننی فضلت أهـــــل المکـــــــــارم
  بمسعاته سعی البحور الخضــــــــارم
  وفی الحرب قـــــــادات لکم بالخزائــم
  مناسم والخرطــــوم فوق المنـــــــاسم
  وتفضیلکم حقا على کل حــــــــاکم
  مناعیش دفاعون عن کل جـــــــارم

قال أبو حاتم عن الأصمعی: أخبرنی من حضر جَنازة رَوْح بن حاتم، وباکیته تقول:([61])

أسَدٌ أضْبَط یمشـــی  ‍
لُبْسُـــــه من نسج داو  ‍

بین طَرْفـــــاءَ وغِیـــــــلِ
دَ کضَحْضـــاحِ المَسیلِ

قال ابن المبارک یمدح یزید بن حاتم بن قَبیصة بن المهلب بن أبی صفرة: الکامل:([62])

وإذا تُبــــــاع کریمـــــةٌ أو تُشْتَــرى  ‍
وإذا توعَّرَتِ المســـــالکُ لم یکـــن  ‍
وإذا صَنَعْتَ صنیـــــعةً أتمَمْتَهــــا  ‍
وإذا هَمَمْتَ لمُعْتَفِیـــــک بنـــــــائل  ‍
یا واحدَ العرب الذی ما إن لهم  ‍

  فســــواک بائعُهــــــا وأنت المشتری
  فیهــــا السبیـــــــلُ إلى ندَاک بأَوْعَر
  بیدَیْــن لیــــس ندَاهُمـــــــــا بمکدَّر
  قــــال الندى فأَطعْتَـــــه لک: أَکْثِرِ
  من معدَل عنــــــه ولا مـــن مَقْصَرِ

قدم على مَخلد بن یزید بن المهلب رجل کان قد ازداره فأجازه، فقال: ألم تکن قد أتیتنا فأجزناک؟ قال: بلى. قال: فما ردَّک؟ قال: قول الکمیت فیک:([63])

سألنــــاه الجزیــــل فما تلکى  ‍
وأحسن ثم أحسن ثم عدنا  ‍
مراراً لا أعــــود إلیـــــــــه إلا  ‍

  وأعطى فــوق مُنْیتنــــا وزادا
  فأحسن ثم أحسن ثم عــادا
  تبسم ضاحکاً وثنى الوسادا

وحبس الحجاج بن یوسف یزید بن المهلب لباق علیه کان بخراسان، وأقسم لیستأدینّه کل یوم مائة ألف درهم! فبینما هو قد جباها له ذات یوم؛ إذ دخل علیه الأخطل فأنشده:

أبا خالد ضاقت خراسان بعدکم  ‍
ومــــــا قطرت بالشرق بعدک قطرة  ‍
ومــــــا لسریـــر بعد بُعدک بهجــــــة  ‍

  وقـــــال ذوو الحـــــاجات أین یزیـــــــد؟
  ولا اخضرّ بالمرّیـــــن بعدک عـــــــــــود
  ومـــــــا لجــــــواد بعد جــــودک جـــود

فقال: یا غلام أعطه المائة ألف درهم؛ فإنا نصبر على عذاب الحجاج، ولا نخیّب الأخطل. فبلغت الحجاج، فقال: لله در یزید! لو کان تارکاً للسخاء یوماً لترکه الیوم وهو یتوقع الموت.([64])

     وورد أن المنصور قال لبعض ولد المهلب بن أبی صفرة: ما أسرع الناس إلى قومک! فقال: یا أمیر المؤمنین([65])

إن العرانیــــن تلقاهـــــا محسدَّة  ‍
کم حاسد لهم قد رام سعیهم  ‍

  ولا ترى للئــــام النــــــاس حسادا
  ما نـــال مثل مساعیهم، ولا کادا

رأى بکیر بن الأخنس المهلب وهو غلام فقال:

خذونی به إن لم یفق سرواتهم  ‍

  ویبرع حتى لا یکون لـــــــه مثل!

وکان کما قال.([66])

قال حمزة بن بِیض فی مَخْلَد بن المهلب:([67])

بلغتَ لعشر مضت من سِنِیـ  ‍
فهَمّک فی معضلات الأمــــــــو  ‍

  ـک ما یبلغ السید الأشیب
  ر وهم لِداتک أن یلعبــــــــوا

 

للکمیت قصیدة یمدح بها مخلد بن یزید بن المهلب، یقول فیها:([68])

قادَ الجیوشَ لخمسَ عَشْرةَ حِجَّةً  ‍
قَعَدتْ بهم هِماتُهُمْ وسَمَتْ بــــه  ‍
فکأنمـــــا عـــــاشَ المهلَّبُ بینهـــمْ  ‍
فی کَفِّـــــــه قَصَبـــــــــات کلّ مُقَلَّدٍ  ‍
ومتى أزِنْک بمعشــــــر وأَزنهــــــمُ  ‍

  ولِداتُـــــهُ عن ذاک فی أشغـــــــــــال
  همــــــــمُ الملـــــوک وسَوْرة الأبطـــال
  بأغرَّ قــــــــاسَ مثــــــــــالَه بمثـــــــــالِ
  یـــــــومَ الرِّهـــــــــان وفوزُ کلِّ نِصَـالِ([69])
  بک أُلْف وزنک أرجحَ الأثقــــــــــالِ

وقال الفرزدق یرثیه [أی مخلد بن یزید]: من الطویل([70])

وما حملت أیدیهم من جنازة  ‍
أبوک الذی تُستهزَم الخیلُ باسمه  ‍
وقد علموا إذ شد حقویه أنه  ‍

  وما ألبست أثوابها مثل مخلد
  وإن کان فیها قید شهر مطرد
  هو اللیث لیث الغیل لا بالمُعرِّد

قال عمر بن لجأ التیمی:([71])

آلُ المُــــهَلَّب قَــــــوْمٌ خُوِّلُوا کَرَمـــــــا  ‍
لو قِیلَ للمَجْدِ: حِدْ عَنهمْ وخَلِّهِمُ  ‍
إِنَّ المکـــــــارِمَ أَرْواحٌ یکُونُ لهـــــــا  ‍
آلُ المُـــــهَلَّبِ قَــــــوْمٌ إِنْ مَدَحْتُهُـــمُ  ‍
إِنَّ العَرانِیـــــــنَ تَلْقاهــــــا مُحَسَّدَةً  ‍

  مـــــــا نالَــــــــهُ عَرَبیٌّ لا ولا کــادَا
  بما احْتَکَمْتَ مِن الدنْیا، لما حادَا
  آلُ المُــــــهَلَّبِ دُونَ النَّاسِ أَجْسادَا
  کانُـــــوا الأَکـــارِمَ آبــــــاءً وأَجْدادا
  ولا تَرَى للِئــــــامِ النَّــــــاسِ حُسَّـادا

لما قدم المهلب على الحجاج بعد حرب الأزارقة أجلسه على سریره، وقال: هذا کما قال الشاعر: [من البسیط ]

فقلــــــدوا أمرکـــــم لله درکـــــــــــم  ‍
لا مترفاً إن رخاء العیش ساعده  ‍

  رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
  ولا إذا عض مکروه بــــــه خشعـــا

      فقال رجل ممن کان مع المهلب: والله لکأنی أسمع قطری بن الفجاءة وهو یقول: لله در المهلب، والله ما حاربنا مثله، هو کما قال لقیط الإیادی:

صونوا جیــــادکم واجلوا سلاحکم  ‍
وقلـــــدوا أمرکـــــــم لله درکـــــــــــــم  ‍
لا مترفاً إن رخاء العیش ســــاعده  ‍
ما زال یحلب صرف الدهر أشطره  ‍
حتى استمرت على شزر مریرتــــــه  ‍

  ثم افزعوا قد ینـــال الأمن من فزعــا
  رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعـــا
  ولا إذا عض مکــــــروه بــــــه خشعا
  یکــــون متبِعـــــــــاً طــــوراً ومتبَعـــــــا
  مستحکم السن لا قحماً ولا ضرعا

فأعجب الحجاج موافقة قطری إیاه.([72])

 

قالَ الکَلْبِیُّ: أَنْشَدَ زِیَادٌ الأَعْجَمُ یَزِیْدَ بنَ المُهَلَّبِ:

وَمَا مَاتَ المُهَلَّبُ مُذْ رَأَیْنَا  ‍
لَهُ کَفَّانِ کَفُّ نَدَىً وَجُوْدٍ  ‍

  عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ یَزِیْدَا
  وَأُخْرَى تُمْطِرُ العَلَقَ الحَدِیْدَا

فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفِ دِیْنَارٍ.([73])

قول الأشقریّ وقد مرَّ بقبر المهلّب بن أبی صفرة فنفرتْ ناقتُهُ، فقال:([74])

لحاکِ اللهُ یا شرّ البَرایا  ‍
فلولا أنَّنی رجلٌ غریبٌ  ‍

  أعن قبر المهلَّب تَنفِرینا
  لکنتِ على ثلاثٍ تَحْجُلینا

قال کعب بن الأشقریّ فی المغیرة بن المهلَّب:([75])

کم حاسدٍ لک قد عَطلتَ همَّتَهُ  ‍
کأنَّما أنت سهمٌ فی مَفاصله  ‍
کم حسرةٍ منک تَرْدِی فی جَوانحه  ‍
أنتَ الکریمُ الَّذی لا شیءَ یُشبهُهُ  ‍

  مُغرًى بشتم صروف الدَّهر والقدرِ
  إذا رآکَ ثنَى طَرْفاً على عَوَرِ
  لها على القلبِ مثلُ الوخْز بالإبرِ
  لا عیبَ فیک سوَى أنْ قیلَ من بشَرِ

ومن المراثی الجِیاد قصیدة زیاد الأعجم یرثی المغیرة بن المهلَّب، فاستنشده المهلَّب هذه القصیدة حتَّى أتى على قوله:

فإذا مررتَ بقبره فاعْقِرْ بِهِ  ‍

  کُومَ الهِجان وکلَّ طِرفٍ سابِحِ

فقال له المهلَّب: فهل عقرتَ علیه، یا أبا أُمامة، فرسک؟ قال: لا، قال: ولِمَ؟ قال: لأنِّی کنت على مُقْرِف ولو کنتُ على عتیق لفعلت، فاستحسن المهلَّب قوله وقال لمن حضر مجلسه من ولده وموالیه: لیُهد کلُّ واحدٍ منکم إلى زیاد فرساً من خیله، فیقال إنَّه انصرف بأکثر من مائة فرس، وأوَّل هذه القصیدة المختارُ منها قوله:([76])

قلْ للقوافلِ والغُزاة إذا غَزَوا  ‍
إنَّ السماحةَ والمُغیرةَ ضُمِّنا  ‍
فإذا مررتَ بقبرِهِ فاعْقِرْ بِهِ  ‍
وانْضَحْ جوانبَ قبرهِ بدِمائها  ‍
وإذا یُناحُ على فتًى فتعلَّمَنْ  ‍
وأرَى المکارمَ یوم زِیلَ بنَعْشه  ‍
فکفَى لنا حَزَناً ببیتٍ حَلَّهُ  ‍
لعَفَتْ منابِرُهُ وحُطّ سُروجُهُ  ‍
ماتَ المغیرةُ بعد طولِ تعرُّضٍ  ‍
والقتلُ لیس إلى القتالِ ولا أرَى  ‍
للهِ درُّ منِّیَّةٍ فاتتْ بهِ  ‍
الآنَ لمَّا کنتَ أکملَ مَن مَشَى  ‍
وتکامَلَتْ فیک المروءةُ کلّها  ‍
فانْعَ المغیرةَ للمُغیرة إذ بدتْ  ‍
صفَّانِ مختلفانِ حین تلاقَیا  ‍
تَشفی بحِلْمک لابْن عمِّک جهلَهُ  ‍
وإذا الأُمورُ على الرِّجالِ تشابَهَتْ  ‍
فتَلَ السَّحیل بمبْرَمٍ ذی مِرَّة  ‍
صِلٌّ یموتُ سلیمُهُ قبل الرُّقَى  ‍
إنَّ المَهالبَ لا یزالُ لهم فتًى  ‍
ملکٌ أغرُّ متوَّجٌ یَسمو لهُ  ‍
رفَّاعُ ألویة الحروبِ إلى العِدَى  ‍‍

  والباکِرین وللمُجِدّ الرَّائحِ
  قبراً بمروَ على الطَّریقِ الواضحِ
  کُومَ الهِجان وکلَّ طرفٍ سابِحِ
  فلقد یکون أخا ندًى وذبائحِ
  أنَّ المغیرةَ فوق نَوح النَّائحِ
  زالتْ بفضلِ مکارمٍ ومَمادحِ
  أُخرى الزَّمان فلیس عنه ببارحِ
  عن کلِّ طامحةٍ وطِرْفٍ طامِحِ
  للموتِ بین أسنَّةٍ وصفائحِ
  حَیّاً یؤخّرُ للشَّفیق النَّاصِحِ
  فلقد أراهُ یردُّ غَرْب الجامحِ
  وافترَّ نابُکَ عن شَباة القارحِ
  وأعنْتَ ذلک بالفَعال الصَّالحِ
  شَعواءَ مُجْحِرةً نُباحَ النَّابحِ
  آبُوا بوجْه مُطلِّق أو ناکحِ
  وتَرُدُّ عنه کفاحَ کلّ مُکافحِ
  وتُوُزِّعتْ بمغالقٍ ومَفاتحِ
  دون الرِّجال بفضل عقلٍ راجحِ
  ومُخاتِل لعدوّه بتصافُحِ
  یمرِی قوادمَ کلّ حربٍ لاقحِ
  طرفُ الصَّدیق وغُضَّ طرفُ الکاشحِ
  بسُعود طیرِ سوانحٍ وبَوارحِ

وأنشد للطرماح یمدح یزید بن المهلب:([77])

حَمّال أشناقِ دیات الثأى 

  عن عدَفِ الأصل وجشّامها

لحمزة بن بیضٍ فی یزید بن المهلّب مختارةٌ یقول فیها:([78])

أقولُ لمّا رأیتُ محبِسَه  ‍
أُغلقَ دون السمَّاح والجود والـ  ‍
إن متَّ مات الندى یزیدُ فلا  ‍
أصبحَ فی قیدک السَّماحةُ والحا  ‍
فزتَ بقِدح النَّدى على مهلٍ  ‍
یزیدُ أنت الربیعُ نأْمُلُه  ‍
ابنُ ثلاثٍ وأربعینَ مضَتْ  ‍
ولا بَطِرٌ إن تتابعَتْ نعمٌ  ‍

  وعضَّ منّى بالغارب القَتبُ
  ـنَّجدةِ بابٌ خروجهُ أشِبُ
  تُودِ ولا یُودِ بحرُک اللّجبُ
  مل للمعضلاتِ والحسَبُ
  وقصَّرتْ دون سَعیک العربُ
  یرجوک منّا ذو الأهل والعَزَبُ
  لا ضَرَعٌ واهنٌ ولا ثلِبُ
  وصابرٌ فی البلاء محتسِبُ

قام أعرابی بین یدی داود بن المهلب، وقال: إنی قد مدحتک فاسمع. قال: على رسلک، ثم دخل بیته فتقلد سیفه وخرج، ثم قال: قل فإن أحسنت حملناک وإن أسأت قتلناک، فأنشد:

أمنت بداود وجود یمینه  ‍
وأصبحت لا أخشى بداود کبوة  ‍
له حکم دواد وصورة یوسف  ‍
فتى تفرق الأموال من جود کفه  ‍

  من الحدث المخشیّ والبؤس والفقر
  من الدهر لما أن شددت به أزری
  وملک سلیمان وعدل أبی بکر
  کما یفرق الشیطان من لیلة القدر

فقال له: قد حملناک، فإن شئت على قدرنا، وإن شئت على قدرک. قال: بل على قدری. فأعطاه خمسینا. فقال له جلساؤه: هلا احتکمت على قدر الأمیر! قال: لم یکن فی ماله ما یفی بقدره. فقال له داود: أنت فی هذا أشعر منک فی شعرک، وأمر له بمثل ما أعطاه.([79])

وحدثنا إبراهیم بن محمد بن عرفة الأزدی، قال: حدثنا عبید الله بن إسحاق بن سلام، قال: أتى الکمیت باب مخلد بن یزید بن المهلب یمدحه، فصادف على بابه أربعین شاعراً، فقال للآذن: استأذن لی على الأمیر. فاستأذن له علیه فأذن له، فقال له: کم رأیت بالباب من شاعرٍ؟ قال: أربعین شاعراً، قال: فأنت جالب التمر إلى هجر، قال: فإنهم جلبوا دقلاً وجلبت أزاذاً، قال: فهات أزاذک، فأنشد:

هلا سألت منازلاً بالأبرق  ‍
لعبت بها ریحان ریح عجاجةٍ  ‍
والهیف رأئحةٌ لها ینتاحها  ‍
تصل اللقاح إلى النتاج مزیةً  ‍
غیرن عهدک بالدیار ومن یکن  ‍
إلا خوالد فی المحلة بیتها  ‍
متبجحاً ترک الولائد رأسه  ‍
دار التی ترکتک غیر ملومةٍ  ‍
قد کنت قبل تتوق من هجرانها  ‍
والحب فیه حلاوةٌ ومرارة  ‍
ما ذاق بؤس معیشةٍ ونعیمها  ‍
من قال بتّ أخا الهموم ولم یبت  ‍
حتى بلغ إلى قوله:

  درست فکیف سؤال من لم ینطق
  بالسافیات من التراب المعنق
  طَفَل العشی بذی حناتم شرّق
  لحقوق کوکبها وإن لم یحقق
  رهن الحوادث من جدیدٍ یخلق
  کالطیلسان من الرماد الأورق
  مثل السواک ودمه کالمهرق
  دنفا فأرع بها علیک وأشفق
  فالیوم إذ شحط المزار بها تق
  سائل بذلک من تطعم أو ذق
  فیما مضى أحدٌ إذا لم یعشق
  غرض الهموم ونصبهن یؤرق

بشرت نفسی إذ رأیتک بالغنى  ‍

  ووثقت حین سمعت قولک لی: ثق

فأمر بالخلع علیه، فخُلع علیه حتى استغاث، فقال: أتاک الغوث، ارفعوا عنه.

کتب العتابی إلى داود بن یزید بن المهلب: أما بعد، فإنی امرؤ فیّ خلتان: حصرٌ مقید بالحیاء، وعزة نفس شبیهةٌ بالجفاء، ولم أزل أرغب بنفسی فی صحبة غطارفة الرجال، وأبناء ذوی الفعال، فوردت العسکر فرفع إلی أقوام منهم من یرتاش حاله، ولا یشرف إلا بماله، ومنهم من أنحل أدیمه، ولم یصل قدیمه، فی طبقات شتى یضیق عنهم المدح، ویتسع فیهم الذم، ورأیت وجوه القبائل تصدر عنک بأنواع الفضائل فی حمل الدیات، وفضل الهبات، ورأیتک من نبعةٍ أصلها الکرم، وأغصانها الهمم، تثمر الحمد، وترقع المجد، فحططت رحلی بفنائک، وشددت عراه بأطناب وفائک، وقلت فی ذلک:

داود خیر فتىً یعاذ برکنه  ‍
کم من ید لک أصبحت مشهورةً  ‍
فلقلما تلقاه إلا واقفاً  ‍

  ملکٌ یجیر من الزمان القاسی
  بیضاء تجلو ظلمة الإبلاس
  متحرماً بین الندى والباس

قال ابن الکوفی: لما قدم المهلب على الحجاج بعد فراغه من أمر الأزارقة وقتالهم، أکرمه الحجاج وشرفه وبلغ له الغایة، قال: فخرج الحجاج یوماً آخذاً بید المهلب، حتى إذا انتهى إلى المحراب قام ثم قال: یا أبا سعید أنا أطول أم أنت؟ فقال: الأمیر أطول منی وأنا أشخصمنه، فلما انصرف من صلاته أخذ بیده فأدخله معه ثم قال له: سجستان خیر ولایة أم خراسان؟ قال: سجستان قال: وکیف؟ قال: لأنها ثغر کابل وزابلستان، وإن خراسان ثغر الترک، قال أیهما أحب إلیک أن یلیه رجل مثلک؟ قال: إن أمثالی فی الناس لکثیر وما نحن حیث یرى الناس، قال: سر إلى سجستان، قال: غیری خیر لک فیها منی، وأنا بخراسان خیر لک من غیری، قال: ولم؟ قال: لأن بدء نعمة الله علی بعد الإسلام کان فی غزوتی خراسان مع الغفاری، وابن أبی بکرة بسجستان خیر لک منی؛ لأن أهلها أحبوه لحسن أیادیه فیهم، وأنا بخراسان خیر منه، قال: وما کنت تلی من أمر الغفاری؟ قال: کنت فیمن صحبه، فلما نزلنا بیهق ودنونا من عدونا قال الغفاری: هل من فوارس ینظرون لنا أمامنا وإن أصابوا أحداً أتوا به، فانتدب منا مع صاحب شرطته عشرة فوارس، فلقینا عدتنا من عدونا، فقال أصحابی: قد عاینا طلائع القوم فانصرفوا، فقلت: وما علیکم أن نشامهم؟([80]) فأبوا وانصرفوا وتقدمت فقتل الله العشرة على یدی، ثم انصرفت برؤوسهم ودوابهم وأسلابهم معی، وقد کان أصحابی نعونی إلى الغفاری، فلما رآنی ضحک وقال:

کبا القوم عند عیان الرهان  ‍
ففاز المهلب بالمکرمات  ‍

  ونال المهلب حظ الفرس
  وآب عمیر بحد التعس

ثم ولانی شرطته وخرج إلی من أمره. فولاه الحجاج خراسان، وکان والیها حتى هلک بها، فقال نهار بن توسعة یرثیه:([81])

لله درکم غداة دفنتم  ‍
إن تدفنوه فإن مثل بلائه  ‍
کان المدافع دون بیضة مصره  ‍
والکافیَ الثغر المَخوف بحزمه  ‍
أنى لها مثل المهلب بعده  ‍
کل امرئ ولی الرعیة بعده  ‍
ما ساسنا مثل المهلب سائس  ‍
لا لا وأیمن فی الحروب نقیبةً  ‍
وأشد فی حق العراق شکیمةً  ‍
جمع المروءة والسیاسة والتقى  ‍
تجری له الطیر الأیامن عمره  ‍
لما رأى الأمر العظیم وأنه  ‍
وأرنَّت العُوذ المطافل حوله  ‍
ألقى القناع وسار نحو عصابةٍ  ‍
کان المهلب للعراق سکینة  ‍

  سم العداة ونائلاً لا یحظر
  فی المسلمین وذکره لا یقبر
  والجابر العظم الذی لا یُجبر
  وبیمن طائره الذی لا ینکر
  هیهات هیهات الجناب لأخضر
  بدل لعمر أبیک منه أعور
  أعفى عن الذنب الذی لا یغفر
  منه وأعدل فی النهاب وأوقر
  یخشى بوادرها الإمام الأکبر
  ومحاسن الأخلاق منها أکثر
  ولو انه خمسین عاماً یخطر
  سیحل بالمصرین أمر منکر
  حذر السباء وزل عنها المئزر
  خُزرٍ فذاقوا الموت وهو مشمر
  وولی حادثها الذی یستنکر

وقدم السعدی أبو وجزة على المهلب بن أبی صفرة، فقال: أصلح الله الأمیر. إنی قد قطعت إلیک الدهناء، وضربت إلیک آباط الإبل من یثرب. قال: فهل أتیتنا بوسیلة أو عشرة أو قرابة؟ قال: لا، ولکنی رأیتک لحاجتی أهلاً، فإن قمت بها، فأهل ذلک، وإن یحل دونها حائل، لم أذمم یومک، ولم أیأس من غدک. فقال المهلب: یعطى ما فی بیت المال. فوجد مائة ألف درهم، فدفعت إلیه، فأخذها وقال:([82])

یا من على الجود صاغ الله راحته  ‍
عمت عطایاک من بالشرق قاطبةً  ‍

  فلیس یحسن غیر البذل والجود
  فأنت والجود منحوتان من عود

وفد زیاد الأعجم على المهلب بن أبی صفرة وهو یقاتل الأزارقة بتوج، فأکرمه وأنزله على ابنه حبیب، وقال له أحسن قراه، فبینا هما فی بستان إذ غنت حمامة على فنن؛ فطرب لها زیاد، فقال له حبیب: إنها فاقدة إلفا کنت أراه معها، فقال زیاد: هو أشد لشوقها، وأنشأ یقول:

تغنی أنت فی ذممی وعهدی  ‍
فإنک کلما غردت صوتاً  ‍
فإما یقتلوک طلبت ثاراً  ‍

  وذمة والدی أن لا تضاری
  ذکرت أحبتی وذکرت داری
  لأنک یا حمامة فی جواری

فضحک حبیب ودعا بجلاهق فرماها، فسقطت میتة، فنهض زیاد مغضباً وقال: أخفرت أبا بسطام ذمتی وقتلت جاری، فشکا إلى المهلب، فغضب وقال لحبیب: أما علمت أن جار أبی أمامة جاری، وذمته ذمتی، والله لألزمنک دیة الحر والعبد، وأخذها من ماله، ودفعها إلى زیاد، فقال:

فلله عینا من رأى کقضیة  ‍
قضى ألف دینار لجار أجرته  ‍

  قضى لی بها شیخ العراق المهلب
  من الطیر إذ یبکی شجاه ویندب

فرفع خبره إلى الحجاج فقال: لشیء ما سودت العرب المهلب! ویروى: ما أخطأت العرب حین جعلت المهلب رجلها.([83])

ومات مخلد بخناصرة، فخرج عمر بن عبد العزیز فی جنازته وکان معجباً به؛ لأنه کان سیداً جواداً شجاعاً فصلى علیه، ثم تمثل عند قبره:

على مثل عمرو تهلک النفس حسرة  ‍

  وتضحی وجوه القوم مسودة غبرا

وقال: لو أن الله أراد بیزید خیراً لأبقى له هذا الفتى.([84])

ابن حمدون:([85])

آل المهلب معشر أنجاد  ‍
شاد المهلب ما بنى آباؤه  ‍
وکذاک من طابت مغارس نبته  ‍

  ورثوا المکارم والوفاء فسادوا
  وأتى بنوه ما بناه فشادوا
  وبنى له الآباء والأجداد

لثابت قُطنة، فی یزید بن المهلّب:([86])

أبا خالدٍ زدت الحیاة محبّةً  ‍
وحُقَّ لهم أن یرغبوا فی حیاتهم  ‍
تزید الذی یرجو نداک تفضُّلا  ‍

  إلى الناس أنْ کنت الأمیر المتوَّجا
  وبابک مفتوحٌ لمن خاف أو رجا
  وتُؤمن ذا الإجرام إنْ کان مُحرجا

قال یزید بن الحکم لیزید بن المهلب:([87])

أبا خالدٍ قد هجت حرباً مریرةً  ‍
فإن بنی مروان قد زال ملکهم  ‍
فقال: ما شعرت؟ فقال:

  وقد شمّرت حربٌ عوان فشمّر
  فإن کنت لم تشعر بذلک فاشعر

فعش ملکاً أوْ مت کریماً وإن تمتْ  ‍

  وسیفک مشهورٌ بکفِّک تُعْذَرِ

لما بعث خالد بن عبد الله بن خالد بن أسید أخاه عبد العزیز لقتال الأزارقة، قام إلیه عَرْهَمُ أخو بنی العدویة، فقال: أصلح الله الأمیر، إن هذا الحی من تمیم تَئِطّ بقریش منهم رَحِمٌ داسّة ماسّة، وإن الأزارقة ذؤبان العرب وسباعها، ولیس صاحبهم إلا المُباکر المُناکر، المُحَرَّب المُجَرَّب، الذی أرضعته الحرب بلِبانها، وجَرَّسَته وضَرَّسَته، وذلک أخو الأزد المهلب بن أبی صفرة، والله إن غَثَّک أحبُّ إلینا من سمینه، ولکنی أخاف عدوات الدهر وغدره، ولیس المجرَّب کمن لا یُعلَم، ولا الناصح المشفق کالغاش المتَّهَم، قال له خالد: اسکت ما أنت وذا. فلما هزمت الأزارقة عبد العزیز وأخذوا امرأته وفرّ عنها، قال عَرْهَم: الطویل([88])

لعمری لقد ناجیت بالنصح خالدا  ‍
ولج وکانت هفوة من مجرِّب  ‍
وقلت: الحروریون من قد عرفتهم  ‍
فلا ترسلنْ عبد العزیز وسرحنْ  ‍
فتى لا یلاقی الموت إلا بوجهه  ‍
فلما أبى ألقیت حبل نصیحتی  ‍
وشمرت عن ساقیَّ ثوبیَ إذ بدت  ‍
یهزّون أرماحا طوالا بأذرع  ‍

  ونادیته حتى أبى وعصانیا
  عصانی فلاقى ما یسر الأعادیا
  حماة کماة یضربون الهوادیا
  إلیهم فتى الأزد الألدَّ المسامیا
  جریئا على الأعداء للحرب صالیا
  على غارب قد کان زَهمان ناویا
  کتائبهم تزجی إلینا الأفاعیا
  شداد إذا ما القوم هزوا العوالیا

وقال آخر فی آل المهلب:([89])

رأیتکم أعز الناس جاراً  ‍
حمائلکم وإن کانت طِوالاً  ‍

  وأمنعهم، إذا عُدُّوا ذِمارا
  نراها عن شمائلکمْ قِصارا

کان ابن المولى مداحا لجعفر بن سلیمان وقثم بن العباس الهاشمیین، ویزید بن حاتم بن قبیصة بن المهلب، واستفرغ مدحه فی یزید، وقال فیه قصیدته التی یقول فیها:

یا واحدَ العرب الذی دانت له  ‍
إنّی لأرجو إن لقیتُک سالما  ‍
رِشْتَ النَّدَى ولقد تکسَّر رِیشُه  ‍

  قَحطانُ قاطبةً وساد نِزارا
  ألاّ أعالِجَ بعدَک الأسفارا
  فعَلا النّدى فوقَ البلاد وطارا

 ثم قصده بها إلى مصر وأنشده إیاها، فأعطاه حتى رضی.

 ومرض ابن المولى عنده مرضا طویلا، وثقل حتى أشفی، فلما أفاق من علته ونهض، دخل علیه یزید بن حاتم متعرفا خبره، فقال: لوددت والله یا أبا عبد الله ألا تعالج بعدی الأسفار حقا ثم أضعف صلته.([90])

لما انصرف یزید بن حاتم من حرب الأزارقة وقد ظفر، خلع علیه، وعقد له لواء على کور الأهواز وسائر ما افتتحه، فدخل علیه ابن المولى وقد مدحه، فاستأذن فی الإنشاد، فأذن له فأنشده:

ألا یا لقَومی هل لِمَا فات مَطلبُ  ‍
یحِنّ إلى لیلى وقد شَطّت النوى  ‍
تقرّبتُ لیلى کی تُثیب فزادنی  ‍
فداویتُ وجدی باجتنابٍ فلم یکن  ‍
فلا أنا عند النَّأیِ سالٍ لحبها  ‍
وما کنت بالراضی بما غیرُه الرِّضا  ‍
ولیلٍ خُدَارِیّ الرّواق جَشِمتُه  ‍
لأظْفَرَ یوماً من یزید بن حاتم  ‍
بلَوتُ وقلّبتُ الرجال کما بَلاَ  ‍
وصَعَّدنی همّی وصَوَّب مرّةً  ‍
لأعرف ما آتی فلم أر مثله  ‍
أکَرَّ على جیش وأعظمَ هیبةً  ‍
تصدّى رجالٌ فی المعالی لیَلْحَقوا  ‍
ورُمت الذی راموا فأذللتَ صعبه  ‍
ومهما تَناولْ من مَنال سَنّیة  ‍
ومَنصِبُ آباء کِرامِ نَماهُم  ‍
کواکبُ دَجْنِ کلّما انقضَّ کوکبٌ  ‍
أنارَ به آل المهلّب بعدما  ‍
وما زال إلْحاحُ الزمان علیهمُ  ‍
فلو أبقتِ الأیامُ حیّاً نَفاسةً  ‍
وکنتَ لیومَیْ نِعمةٍ ونِکایةٍ  ‍
ألا حبّذا الأحیاءُ منکم وحبّذا  ‍

  وهل یُعْذَرْن ذو صَبْوة وهو أَشْیَبُ
  بلیلَى کما حَنّ الیَراعُ المثقَبُ
  بِعاداً على بعدٍ إلیها التقرّبُ
  دواءً لِما ألقاه منها التجنُّبُ
  ولا أنا منها مُشْتَفٍ حین تَصْقَبُ
  ولکننی أنوی العزاءَ فأُغلَبُ
  إذا هابه السارون لا أتهیّب
  بحبل جِوارٍ ذاک ما کنتُ أطلبُ
  بکفّیه أوسَاطَ القِداح مُقلَّبُ
  وذو الهمّ یوماً مُصْعَدٌ ومُصوَّبُ
  من الناس فیما حاز شرقٌ ومغرِبُ
  وأوهبَ فی جود لما لیس یُوهبُ
  مَداک وما أدرکتَه فتَذَبْذبُوا
  وراموا الذی أذللتَ منه فأصعَبوا
  یساعدْک فیها المُنْتَمى والمُرکّبُ
  إلى المجد آباءٌ کِرامٌ ومنصِبُ
  بدا منهمُ درٌ مُنیرٌ وکوکبُ
  هَوى مَنکِبٌ منهم بلیلٍ ومَنکِبُ
  بنائبةٍ کادت لها الأرض تَخْرَبُ
  لأبقاهمُ للجود نابٌ ومِخْلَبُ
  کما فیهما للنّاس کان المهلَّبُ
  قبورٌ بها مَوتاکُم حین غُیّبوا

فأمر له یزید بن حاتم بعشرة آلاف درهم وفرس بسرجه ولجامه وخلعة، وأقسم على من کان بحضرته أن یجیزوه کل واحد منهم بما یمکنه، فانصرف بملء یده.([91])

حدثنا المغیرة بن محمد المهلبی عن رواة باهلة، أن المهلب بن أبی صفرة لما هزم قطری بن الفجاءة بسابور جلس للناس، فدخل إلیه وجوههم یهنئونه، وقامت الخطباء فأثنت علیه، ومدحته الشعراء، ثم قام المغیرة بن حبناء فی أخریاتهم فأنشده:

حال الشّجا دونَ طَعْم العیش والسهرُ  ‍
واستَحْقَبَتْکَ أمورٌ کنتَ تکرهها  ‍
وفی الموارد للأقوامِ تَهْلُکةٌ  ‍
لیس العزیزُ بمن تُغْشَى محارِمُه  ‍
حتى انتهى إلى قوله:

  واعتاد عینَکَ مِن إدمانها الدِّررُ
  لو کان ینفعُ منها النّأیُ والحذر
  إذا المواردُ لم یُعْلم لها صَدَر
  ولا الکریمُ بمن یُجْفى ویُحْتَقَرُ

 أمسى العِبادُ بشرٍّ لا غِیاثَ لهُمْ  ‍
کلاهما طیّبٌ تُرْجى نوافله  ‍
لا یَجْمُدانِ علیهمْ عند جَهدِهِمُ  ‍
هذا یذودُ ویحمی عن ذِمارِهِمُ  ‍
واستسلم الناسُ إذ حلَّ العدوُّ بهمْ  ‍
وأنت رأسٌ لأهل الدین منتخَبٌ  ‍
إن المهلَّب فی الأیام فضَّله  ‍
حَزْمٌ وجودٌ وأیامٌ له سلفتْ  ‍
ماضٍ على الهولِ ما ینفکُّ مرتحِلاً  ‍
سهلُ الخلائق یعفو عِند قدرتِهِ  ‍
شهابُ حربٍ إذا حلّت بساحته  ‍
تزیدُهُ الحربُ والأهوال إن حضرت  ‍
ما إن یزالُ على أرجاءِ مُظْلِمةٍ  ‍
سهلٌ إلیهمْ حلیمٌ عن مجاهلهمْ  ‍
کَهْفٌ یلوذون من ذُلّ الحیاةِ به  ‍
أَمْنٌ لخائِفِهِمْ فَیْضٌ لسائلهِمْ  ‍

  إلا المهلَّبُ بعد اللَّه والمطرُ
  مبارکٌ سَیْبُهُ یرجى ویُنتظر
  کِلاهما نافعٌ فیهمْ إذا افتقروا
  وذا یعِیش به الأَنعام والشَّجر
  فلا ربیعتُهمْ تُرجَى ولا مضرُ
  والرأسُ فیه یکون السمع والبصر
  على منازلِ أقوام إذا ذُکروا
  فیها یُعَدُّ جسیمُ الأمر والخطرُ
  أسبابَ معضلةٍ یعیا بها البشر
  منه الحیاء ومن أخلاقه الخفَرُ
  یُخْزِی به اللَّه أقواماً إذا غدروا
  حزماً وعزماً ویجلو وجهَه السفر
  لولا یُکَفْکِفُها عن مِصرهمْ دَمَروا
  کأنما بینهُمْ عثمانُ أو عمر
  إذا تکنَّفهم مِن هولها ضرر
  ینتاب نائِلَه البادون والحَضرَ

 فلما أتى على آخرها قال المهلب: هذا والله الشعر لا ما نعلل به! وأمر له بعشرة آلاف درهم وفرس جواد، وزاده فی عطائه خمسمائة درهم.([92])

 وللمغیرة بن حبناء قصیدة مدح بها المهلب بن أبی صفرة أیضا، أولها:

أمِن رسومِ دیارٍ هاجَکَ القِدَمُ  ‍
وما یَهیجُک من أطلالِ مَنْزِلَةٍ  ‍
بئس الخلیفةُ من جارٍ تضنُّ به  ‍
دارُ التی کاد قلبی أن یُجَنَّ بها  ‍
إذا تذکَّرها قلبی تضیّفه  ‍
والبینُ حین یروعُ القلبَ طائِفُه  ‍
إنی امرؤ کفّنی ربی وأکرمنی  ‍
وإنما أنا إنسانٌ أعیش کما  ‍

  أَقْوَتْ وأقفر منها الطَّفُّ والعَلَمُ
  عفَّى معالِمَهَا الأرواحُ والدیمُ
  إذا طرِبْتَ أثافی القِدْرِ والحُمَم
  إذا ألمَّ به مِن ذِکرها لَمَم
  همٌّ تضِیق به الأحشاء والکَظَم
  یبدی ویظهِر منهمْ بعضَ ما کتموا
  عن الأمور التی فی غِبِّهَا وَخَمْ
  عاش الرجال وعاشت قبلیَ الأمم

وهی قصیدة طویلة، کان سبب قوله إیاها أن المهلب کان أنفذ بعض بنیه فی جیش لقتال الأزارقة، وقد شدت منهم طائفة تغیر على نواحی الأهواز، وهو مقیم یومئذ بسابور، وکان فیهم المغیرة بن حبناء، فلما طال مقامه واستقر الجیش لحق بأهله فألم بهم وأقام عندهم شهرا، ثم عاود وقد قفل الجیش إلى المهلب، فقیل له: إن الکتاب خطّوا على اسمه، وکُتب إلى المهلب أنه عصى وفارق مکتبه بغیر إذن، فمضى إلى المهلب، فلما لقیه أنشده هذه القصیدة، واعتذر إلیه فعذره، وأمر بإطلاق عطائه وإزالة العتب عنه.([93])

دخل حاجب الفیل یوما على یزید بن المهلب وعنده ثابت قطنة وکعب الأشقری وکانا لا یفارقان مجلسه، فوقف بین یدیه، فقال له: تکلم یا حاجب. فقال: یأذن لی الأمیر أن أنشده أبیاتا؟ قال: لا حتى تبدأ فتسأل حاجتک. قال: أیها الأمیر، إنه لیس أحد ولو أطنب فی وصفک موفیک حقک، ولکن المجتهد محسن، فلا تَهِجْنی بمنعی الإنشاد، وتأذن لی فیه فإذا سمعت فجودک أوسع من مسألتی. فقال له یزید: هات فما زلت مجیدا محسنا مجملا، فأنشده:([94])

کم من کمیٍّ فی الهِیاج ترکتَه  ‍
جلّلتَ مفرِقَ رأسِه ذا رَونق  ‍
قُدْتَ الجِیادَ وأنت غِرٌّ یافعٌ ‍
کم قد حَرَبْت وقد جَبَرت مَعاشراً  ‍

  یَهوی لِفیه مُجدَّلا مقتولا
  عضْبَ المهزَّة صارِماً مصقولا
  حتى اکتهلتَ ولم تزل مأمولا
  وکم امتننت وکم شفَیتَ غلیلا

فقال له یزید: سل حاجتک. فقال: ما على الأمیر بها خفاء. فقال: قل. قال: إذًا لا أقصر ولا أستعظم عظیما أسأله الأمیر -أعزه الله- مع عظم قدره؟ قال: أجل، فقل یفعل، فلست بما تصیر إلیه أغبط منا. قال: تحملنی وتُخدِمنی وتجزل جائزتی. فأمر له بخمسة تخوت ثیاب وغلامین وجاریتین وفرس وبغل وبرذون وخمسة آلاف درهم، فقال حاجب:

شِم الْغَیْثَ وانْظُرْ وَیْک أین تبعَّجتْ  ‍
یداه یدٌ یُخْزِی بها اللهُ مَن عَصَى  ‍

  کُلاه تَجِدْها فی یَدِ ابن المهلّب
  وفی یَدِهِ الأخْرَى حیاةُ المعصَّب

لما قتل المفضل بن المهلب دخل ثابت قطنة على هند بنت المهلب والناس حولها جلوس یعزونها، فأنشدها:

یا هند کیف بِنُصْبٍ بات یَبْکِینی  ‍
کأنَّ لَیْلِیَ والأصداءُ هاجدةٌ  ‍
لمّا حنى الدهرُ من قَوْسِی وعذَّرنی  ‍
إذا ذکرتُ أبا غَسَّان أرَّقَنِی  ‍
کان المفضَّلُ عِزّاً فی ذوی یَمَنٍ  ‍
ما زلتُ بعدَکَ فی همٍّ تجیش به  ‍
إنِّی تذکَّرْتُ قتلَى لو شهدتُهُم  ‍
لا خیر فی العَیْشِ إن لم أجن بعدَهم  ‍

  وعائِرٍ فی سَواد اللیل یؤذینی
  لیلُ السَّلیم وأعیا من یُداوینی
  شیبی وقاسیت أمرَ الغلْظِ واللینِ
  همٌّ إذا عَرَّس السَّارُونَ یُشجینی
  وعِصمةً وثمالاً للمساکینِ
  نَفْسِی وفی نَصَب قد کادَ یُبْلِیِنی
  فی حَوْمَةِ الموْتِ لم یَصَلوا بها دُونِی
  حرباً تُبِیء بهم قتلی فیشفونی

فقالت له هند: اجلس یا ثابَت فقد قضیت الحق وما من المنیّة بد، وکم من میتة میت أشرف من حیاة حی، ولیست المصیبة فی قتل من استشهد ذابا عن دینه مطیعا لربه، وإنما المصیبة فیمن قلت بصیرته وخمل ذکره بعد موته، وأرجو ألا یکون المفضل عند الله خاملا. یقال إنه ما عزی یومئذ بأحسن من کلامها.([95])

قال القحذمی: دخل ثابت قطنة على بعض أمراء خراسان -أظنه قتیبة بن مسلم- فمدحه وسأله حاجة فلم یقضها له، فخرج من بین یدیه، وقال لأصحابه: لکن یزید بن المهلب لو سألته هذا أو أکثر منه لم یردنی عنه، وأنشأ یقول:([96])

 أبا خالدٍ لم یَبْقَ بعدک سُوقَةٌ  ‍
ولا فاعلٌ یرجو المقلُّونَ فضلَهُ  ‍
لو ان المنایا سامحتْ ذا حَفِیظَة  ‍

  ولا مَلک ممَّن یُعین على الرِّفْدِ
  ولا قاتلٌ یَنْکا العدوَّ على حقدِ
  لأکرمنه أو عُجْن عَنه على عمدِ

قصیدة کعب الأشقری التی یمدح بها المهلب بن أبی صفرة ویذکر قتاله الأزارقة، وفیها یقول:([97])

أتانی والحدیثُ له نَماءٌ  ‍
سلوا أهلَ الأباطِحِ من قریشٍ  ‍
ومَنْ یحمی الثغورَ إذا استحرَّت  ‍
لقومی الأزد فی الغَمَرات أمضى  ‍
هُم قادوا الجِیادَ على وَجَاها  ‍
بکلِّ مفازة وبکلِّ سَهْبٍ  ‍
إلى کرمانَ یحملن المنایا  ‍
شوازب لم یصبن الثأر حتى  ‍
ویشجرن العوالی السُّمْر حتَّى  ‍
غداة ترکن مصرعَ عبد ربٍّ  ‍
ویوم الزحف بالأهواز ظِلْنا  ‍
فقرَّت أعیُنٌ کانت حدیثاً  ‍
صنائعنا السَّوابغ والمذَاکی  ‍
فهنَّ یبحن کلَّ حِمًى عزیزٍ  ‍
طُوالاَتُ المُتونِ یُصَنَّ إلا  ‍
فلولا الشَّیخ بالمِصْرَیْن یَنْفِی  ‍
ولکنْ قارع الأبطالَ حتى  ‍
ومُبْهَمَةٍ یحید الناسُ عنها  ‍
شِهابٌ تنجلی الظَّلماء عنه  ‍
بل الرحمنُ جارُک إذ وَهَنَّا  ‍
بَراک اللهُ حین بَراک بَحْرا  ‍

  مقالةُ جائر أحفى وجارا
  عن العزِّ المؤبَّدِ أین صارا
  حروبٌ لا یَنون لها غِرارا
  وأوفَى ذِمَّةً وأعزُّ جارا
  من الأمصارِ یقذِفْنَ المِهارا
  بَسابِسَ لا یَرَوْنَ لها مَنارا
  بکلِّ ثنیّة یوقِدن نارا
  رددناها مکلَّمةً مِرارا
  تَرَى فیها عن الأَسَلِ ازوِرارا
  یُثِرْنَ علیه من رَهَجٍ عِصارا
  نروِّی منهمُ الأسَل الحِرارا
  ولم یک نومها إلا غِرارا
  ومَن بالمِصر یحتلب العِشارا
  ویَحمین الحقائقَ والذِّمارا
  إذا سار المهلَّب حیث سارا
  عدوَّهُم لقد تَرکوا الدیارا
  أصابوا الأمنَ واجتنبوا الفرارا
  تَشُبُّ الموتَ شدَّ لها الإزارا
  یَرى فی کلِّ مبهمة منارا
  بِدفعِکَ عن محارِمِنا اخْتِیَارا
  وفجَّر منک أنهاراً غِزَارا

خرج العدیل بن الفرخ یرید الحجاج، فلما صار ببابه حجبه الحاجب، فوثب علیه العدیل وقال: إنه لن یدخل على الأمیر بعد رجالات قریش أکبر منی ولا أولى بهذا الباب، فنازعه الحاجب الکلام، فأحفظه وانصرف العدیل عن باب الحجاج إلى یزید بن المهلب، فلما دخل إلیه أنشأ یقول:

لئن أرتج الحجـــاجُ بالبخل بــــــــــابَه  ‍
فتىً لا یبالی الدهرَ مـا قلَّ مـــــــــالُه  ‍
یداه یدٌ بالعـــــرف تُنهبُ مــا حوتْ  ‍
إذا مــــــا أتـــــــــاه المرمِلون تیقَّنـــــوا  ‍
أقــــــام على العافین حُرَّاسَ بــــــابِه  ‍
هلمــــوا إلى سَیْــــبِ الأمیر وَعُرفِه  ‍

  فبــــــاب الفتى الأزدیّ بالعُرف یُفتحُ
  إذا جعلتْ أیدی المکــــــــــارم تسنَح
  وأخرى على الأعداء تَسطو وتجرحُ
  بأّن الغِنَى فیهــم وَشیــــــکاً سَیسرَحُ
  یُنـــــــادونهــــــــم وَالحُرُّ بالحرّ یَفــــــــرحُ
  فإنّ عطـــــــایــــــاه على النــــاس تَنْفَحُ

فقال له یزید: عرضت بنا وخاطرت بدمک، وبالله لا یصل إلیک وأنت فی حیزی، فأمر له بخمسین ألف درهم وحمله على أفراس، وقال له الحق بعلیاء نجد، واحذر أن تعلقک حبائل الحجاج، أو تحتجنک محاجنه، وابعث إلی فی کل عام، فلک علی مثل هذا فارتحل([98])

ولمسلم بن الولید (صریع الغوانی) قصیدة طویلة مدح بها داوود بن حاتم مطلعها:([99])

لا تدعُ بی الشوقَ إنی غیر مَعمودِ  ‍
یقول فیها:

  نَهى النُّهى عن هوى الهِیْفِ الرعادید

إِلى بَنی حاتِمٍ أَدّى رَکائِبَنا  ‍
تَطوی النَهارَ فَإِن لَیلٌ تَخَمَّطَها  ‍
مِثلَ السمامِ بَعیداتِ المَقیلِ إِذا  ‍
حَلَّت بِداوُدَ فَامتاحَت وَأَعجَلَها  ‍
أَعطى فَأَفنى المُنى أَدنى عَطِیَّتِهِ  ‍
وَاللَهُ أَطفَأَ نارَ الحَربِ إِذ سُعِرَت  ‍
لَم یَأتِ أَمراً وَلَم یَظهر عَلى حَدَثٍ  ‍
مُوَحَّدُ الرَأیِ تَنشَقُّ الظُنونُ لَهُ  ‍
تُمنى الأُمورُ لَهُ مِن نَحوِ أَوجُهِها  ‍
وفیها:

  خَوضُ الدُجى وَسُرى المَهرِیَّةِ القُودِ
  باتَت تَخَمَّطُ هاماتِ القَرادیدِ
  أَلقى الهَجیرُ یَداً فی کُلِّ صَیخودِ
  حذرُ النِعالِ عَلى أَینٍ وَتَحریدِ
  وَأَرهَقَ الوَعدَ نُجحاً غَیرَ مَنکودِ
  شَرقاً بِمُوقِدِها فی الغَربِ داوُدِ
  إِلّا أُعینَ بِتَوفیقٍ وَتَسدیدِ
  عَن کُلِّ مُلتَبِسٍ مِنها وَمَعقودِ
  وَإِن سَلَکنَ سَبیلاً غَیرَ مَورودِ

آلُ المُهَلَّبِ قَومٌ لا یَزالُ لَهُم  ‍
مُظَفَّرونَ تُصیبُ الحَربُ أَنفُسَهُم  ‍
نجلٌ مَناجیبُ لَم یَعدَم تِلادُهُمُ  ‍
قَومٌ إِذا هَدأَةٌ شامَت سُیوفَهُمُ  ‍
نَفسی فِداؤکَ یا داودُ إِذ عَلِقَت  ‍
داوَیتَ مِن دائِها کَرمانَ وَاِنتَصَفَت  ‍
مَلَأنَها فَزَعاً أَخلى مَعاقِلَها  ‍
لَمّا نَزَلتَ عَلى أَدنى بِلادِهِمُ  ‍
لَمَستَهُم بِیَدٍ لِلعَفوِ مُتَّصِلٍ  ‍
أَتَیتَهُم مِن وَراءِ الأَمنِ مُطَّلِعاً  ‍
وَطارَ فی إِثرِ مَن طارَ الفِرارُ بِهِ  ‍
فاتوا الرَدى وَظُباتُ المَوتِ تَنشُدُهُم  ‍
وفیها:

  رِقُّ الصَریحِ وَأَسلابُ المَذاویدِ
  إِذا الفِرارُ تَمَطّى بِالمَحاییدِ
  فَتىً یُرَجّى لِنَقضٍ أَو لِتَوکیدِ
  فَإِنَّها عُقُلُ الکومِ المَقاحیدِ
  أَیدی الرَدى بِنَواصی الضُمَّرِ القودِ
  بِکَ المَنونُ لِأَقوامٍ مَجاهیدِ
  مِن کُلِّ أَبلَخَ سامی الطَرفِ صِندیدِ
  أَلقى إِلَیکَ الأَقاصی بِالمَقالیدِ
  بِها الرَدى بَینَ تَلیینٍ وَتَشدیدِ
  بِالخَیلِ تَردی بِأَبطالٍ مَناجیدِ
  خَوفٌ یُعارِضُهُ فی کُلِّ أُخدودِ
  وَأَنتَ نَصبُ المَنایا غَیرُ مَنشودِ

یَومَ اِستَضَبَّت سِجِستانٌ طَوائِفَها  ‍
ناهَضتَهُم ذائِدَ الإِسلامِ تَقرَعُهُم  ‍
تَجودُ بِالنَفسِ إِذ أَنتَ الضَنینُ بِها  ‍
تِلکَ الأَزارِقُ إِذ ضَلَّ الدَلیلُ بِها  ‍
ویختمها بقوله:

  عَلَیکَ مِن طالِبٍ وِتراً وَمَحقودِ
  عَنهُ ثُلاثَ وَمَثنى بِالمَواحیدِ
  وَالجودُ بِالنَفسِ أَقصى غایَةِ الجودِ
  لَم یُخطِها القَصدُ مِن أَسیافِ داودِ

عَوَّدتَ نَفسَکَ عاداتٍ خُلِقتَ لَها  ‍

  صِدقَ الحَدیثِ وَإِنجازَ المَواعیدِ

ما قیل فیهم نثرا:

وکما مدحوا شعرا مدحوا نثرا؛ إذ قال فیهم الخطباء، وکتب عنهم الکتاب. ومما قیل فیهم نثرا ما یلی:

إن المهلب بن أبی صفرة وأولاده من الشجاعة والنجدة بالموضع المعروف، إلا أنّ المغیرة بن المهلب من بینهم کان أشدّ تمکنا، وکان المهلب یقول: ما شهد معی حربا إلا رأیت البشرى فی وجهه، وکان أشدّ ما تکون الحرب أشدّ ما یکون تبسما، وکان إذا نظر إلى الرماح قد تشاجرت فی وجهه نکس على قربوس السرج، وحمل من تحتها فبراها بسیفه، وأثر فی أصحابها.([100])

وقیل للفرزدق: إنک لتمدح آل المهلب وتحبهم بعد أن لم تکن على ذلک. فقال: أما علمت أن إعطاء اللُّها یفتح اللَّها ویغرس الهوى؟([101])

وَرَوَى: الحَسَنُ بنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِی إِسْحَاقَ، قَالَ:

مَا رَأَیْتُ أَمِیْراً قَطُّ أَفَضْلَ وَلاَ أَسْخَى وَلاَ أَشْجَعَ مِنَ المُهَلَّبِ، وَلاَ أَبْعَدَ مِمَّا یَکْرَهُ، وَلاَ أَقْرَبَ مِمَّا یُحِبُّ.([102])

ولما ظهر المهلب بن أبی صفرة على الخوارج أرسل کعب بن معدان الأشقری ومرة بن تلید الأزدی إلى الحجاج؛ لیعلماه بالفتح، فلما طلعا علیه تقدم کعب فأنشد:

یا حفص إنی عدانی عنکم السفر  ‍

  وقد سهرت فأرْدى نومیَ السهر

فقال له الحجاج: أشاعر أم خطیب؟ فقال: کلاهما، ثم أنشده القصیدة، ثم أقبل علیه فقال: خبرنی عن بنی المهلب، فقال: المغیرة فارسهم وسیدهم، وکفى بیزید فارساً شجاعاً، وجوادهم وسخیهم قبیصة، ولا یستحیی الشجاع أن یفر من مدرک، وعبدالملک سم ناقع، وحبیب موت ذعاف، ومحمد لیث غاب، وکفى بالفضل نجدة، قال: فکیف خلفت جماعة الناس؟ قال: قد خلفتهم بخیر، قد أدرکوا ما أملوا، وأمنوا ما خافوا، قال: فکیف کان بنو المهلب فیهم؟ قال: کانوا حماة للسرح نهاراً، فإذا ألیلوا ففرسان للبیات، قال: فأیهم کان أنجد؟ قال: کانوا کالحلقة المفرغة لا یدرى أین طرفاها، قال: فکیف کنتم أنتم وعدوکم؟ قال: کنا إذا أخذنا عفونا وأخذوا عفوهم یئسنا منهم، وإذا اجتهدوا واجتهدنا طمعنا فیهم، فقال الحجاج: (إنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِینَ) کیف أفلتکم قطری؟ قال: کادنا ببعض ما کنا نکیده، قال: فهلا اتبعتموه؟ قال: کان الحد عندنا آثر من الفل. قال: کیف کان لکم المهلب وکنتم له؟ قال: کان لنا منه شفقة الوالد، وله منا بر الولد، قال: فکیف اغتباط الناس؟ قال: فشا فیهم الأمن، وشملهم النفل. قال: أکنت أعددت لی هذا الجواب؟ قال: لا یعلم الغیب إلاّ الله، قال: هکذا والله یکون الرجال، المهلب کان أعلم بک حین وجّهک.

وفی "نوادر القالی" أن الحجاج قال له: کیف کان محاربة المهلب للقوم؟ قال: کان إذا وجد الفرصة سار کما یسور اللیث، وإذا دَهِمَتْه الطحمة راغ کما یروغ الثعلب، وإذا مادَّه القوم صبر صبر الدهر. وأنه قال له: کیف أفلتکم قطریّ؟ قال: کادنا ببعض ما کدناه به، والأجل أحصن جُنَّة، وأنفذ عُدة. قال: وکیف اتبعتم عبد ربه وترکتموه؟ قال: آثرنا الحد على الفل، وکانت سلامة الجند أحب إلینا من شجب العدو.([103])

قال قتیبة لنهار بن توسعة: لست تقول فینا کما تقول فی آل المهلب! قال: إنهم والله کانوا أهدافاً للشعر، قال: هذا والله أشعر مما قلت فیهم.([104])

وثلاثة سادوا فی نسق: المهلب بن أبی صفرة، وابنه یزید، وابن یزید مخلد وهو صبی.([105])

تغدى سلیمان عند یزید بن المهلّب، فقیل له: صف لنا أحسن ما کان فی منزله، فقال: رأیت غلمانه یخدمون بالإشارة دون القول.([106])

وبلغنا عن المدائنی أنه قال: لیس السؤدد بالشرف، وإنما ساد الأحنف بن قیس بحلمه، وحضین بن المنذر برأیه، ومالک بن مسمع بمحبته فی العامة، وسوید بن منجوف بعطفه على أرامل قومه، وساد المهلب بن أبی صفرة بجمیع هذه الخصال.([107])

ومنهم یزید بن المهلب قیل کان هشام بن حسان إذا ذکره قال: کانت السفن تجری فی بحر جوده.([108])

ورجل حلیف اللسان: إذا کان حدید اللسان فصیحاً، یقال: ما أحلف لسانه، ومنه حدیث الحجاج: أنه أتی بیزید بن المهلب یرسف فی حدید؛ فأقبل یخطر بیده، فغاظ ذلک الحجاج، فقال:

جَمِیْلُ المُحَیّا بَخْتَرِیٌّ إذا مَشَى

وقد ولى عنه، فالتفت إلیه، فقال:

وفی الدِّرْعِ ضَخْمُ المَنْکبَیْنِ شِنَاقُ

فقال الحجاج: قتله الله ما أمضى جَنَانَه وأحْلَفَ لسانه.([109])

ومر یزید بن المهلب فی طریق البصرة بأعرابیة، فأهدت إلیه عنزًا فَقَبِلَهَا، وقال لابنه معاویة: معاویة، ما عندک من نفقة؟ قال: ثمانمائة درهم. قال: ادفعها إلیها. قال: إنها لا تعرفک ویرضیها الیسیر. قال: إن کانت لا تعرفنی، فأنا أعرف نفسی، وإن کان یرضیها الیسیر، فأنا لا أرضى إلا بالکثیر.([110])

قال رجل لیزید بن المهلب: قد عظم قدرک من أن یستعان بک، أو یستعان علیک؛ ولست تفعل شیئا من المعروف إلا وأنت أکبر منه وهو أصغر منک، ولیس العجب من أن تفعل، وإنما العجب من ألّا تفعل.([111])

القیم الأخلاقیة والخصائص الفنیة فی أدبهم:

إن المتأمل فی أقوال المهالبة یجد أنها تنطلق من أخلاق عالیة، أهمها: الشجاعة والإقدام، والجود، والحزم، والصدق، والتواضع، والترفع عن الدنایا، والحلم، والعفو. ومن الخصائص الفنیة التی اتسمت بها تلک النصوص فی مجملها:

 صدق العاطفة: فأغلب ما ذکر فی أعلاه حِکم نتجت عن تجارب شخصیة، واستفادةٌ من تجارب السابقین.

عمقها: إذ لم تکن تنبع من مواقف عابرة لا تلبث أن تتغیر وتتبدل.

استمراریتها: فهی تعبّر عن مشاعر إنسانیة خالدة.

سموها: وهذا واضح من الأخلاق الحمیدة التی تنبع منها تلک الأقوال.

أما الأفکار والمعانی فتتسم بالموضوعیة، فهی نابعة من الواقع والبیئة والتجربة لا من الخیال.

عقلیة: فالنصوص یغلب علیها الطابع العقلی لا العاطفی.

إیجابیة: تعالج مشکلات وتوجه إلى حلها.

النصوص السابقة لا تکاد تخلو من الخیال، على الرغم من أن کثیرا منها أشبه بالحکم التی هی بالأسلوب العلمی أشبه؛ فأنت ترى الصور البلاغیة بأنواعها مبثوثة فیها، منتشرة انتشار النور فی شجر الربیع.

وفی تلک النصوص الأسلوبان الإنشائی، والخبری، وهما فیها یتصفان بجزالة الألفاظ، ووضوح العبارات، والخلو من التعقید، ومن اللحن، ومن الغریب.

الخاتمة:

بعد هذه الجولة الممتعة فی ریاض أدب هذه الأسرة العمانیة العریقة، التی ملأت سمع من عاصرها وبصره، وترکت جواهر منظومة ومنثورة، من صوغها ومن صوغ الشعراء والأدباء الذین عاصروا ظهور نجمها فی سماء المسلمین حقبة من الدهر، یجد الباحث نفسه أنه لم یفِ بما وعد به من جمع ما قالوه؛ لکثرة ما وجد، ولضیق الوقت، وإنما سلط الأضواء على جانب مما قیل فیهم شعرا ونثرا. والاطلاع على أدب المهالبة یبین بوضوح قدرهم ومنزلتهم السامقة التی جعلتهم مضرب المثل، ومحط الرحال، ومعقد الآمال، ویوضح کیف یکون القادة والرؤساء أخلاقا وحکمة وفصاحة وبلاغة وعلو همة وبعد نظر. ویدعو الباحث الباحثین إلى استقصاء أدب المهالبة وأخبارهم، ودراسته وتمحیصه؛ لتستفید منه الأجیال، وتتبع خطى آبائها الأشبال، وأهل عمان بذلک أولى، وبه أعرف، کما قال الشاعر:

 

وهل ینبت الخطیُّ إلا وشیجه     وتغرس إلا فی منابتها النخل


 


([1])  أی زاد علیه.

([2])  محاضرات الأدباء ج1 ص489.

([3])  البیان والتبیین ج2 ص188.

([4])  من النماء أی الزیادة، یقصد أن القوم الذین یکثر فیهم القتل ظلما یزیدون عددا.

([5])  البیان والتبیین، ج1، ص370.

([6])  من غاب عنه المطرب للثعالبی، ص110.

([7])  مختصر تاریخ دمشق لابن منظور، ج26، ص45.

([8])  السهک: الریح الکریهة.

([9])  محاضرات الأدباء، ج1، ص465.

([10])  نثر الدر للآبی، ج5، ص46.

([11])  المصدر السابق، ج5، ص48.

([12])  لباب الآداب لأسامة بن منقذ، ج1، ص229.

([13])  نثر الدر للآبی، ج4، ص71.

([14])  لعلها تامة کالقمر وهو بدر.

([15])  بهجة المجالس وأنس المجالس، ص316.

([16])  بهجة المجالس وأنس المجالس، ص811.

([17])  بهجة المجالس وأنس المجالس، ص371.

([18])  البیان والتبیین، ج1، ص253.

([19])  الأعلام للزرکلی، ج2، ص166، یقصد بائع دروع أو سروج أو ورق.

([20])  سیر أعلام النبلاء، ج4، ص504.

([21])  الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمین، ج1، ص43.

([22])  المحاضرات فی اللغة والأدب، ص247.

([23])  غرر الخصائص الواضحة، ص436.

([24])  المصدر نفسه، ص442.

([25])  أخبار أبی تمام، ص146.

([26])  البصائر والذخائر، ج1، ص35.

([27])  المصدر السابق، ج7، ص176.

([28])  الربا.

([29])  التمثیل والمحاضرة، ص434.

([30])  التذکرة الحمدونیة، ج2، ص30.

([31])  المحاسن والأضداد ص49.

([32])  الموشى ص41.

([33])  الموشى ص46.

([34])  ربیع الأبرار ج5 ص103.

([35])  رسائل الجاحظ ج1 ص345.

([36])  هو ابن أبی وقاص، وکان یسمى المستجاب الدعوة. نثر الدر ج2 ص81.

([37])  البیان والتبیین ج3 ص278.

([38])  البصائر والذخائر ج1 ص182.

([39])  الحیوان ج7 ص88.

([40])  التذکرة الحمدونیة ج3 ص254.

([41])  ربیع الأبرار ج2 ص188.

([42])  نثر الدر للآبی ج5 ص46.

([43])  أخذها من قولهم: الزبیبتان: الزَبَدَتانِ فی الشِدقین؛ یقال: تکلم فلان حتى زَبَّبَ شدقاه، أی خرج الزَّبَدُ علیهما.

([44])  نثر الدر للآبی ج5 ص48.

([45])  البصائر والذخائر ج4 ص132.

([46])  نثر الدر للآبی ج5 ص45.

([47])  أدب الکتاب للصولی ص133.

([48])  محاضرات الأدباء ج1 ص648.

([49])  لباب الآداب لأسامة بن منقذ ص29.

([50])  التذکرة الحمدونیة ج2 ص59.

([51])  کره.

([52])  دیوان الصبابة ص60.

([53])  لباب الآداب للثعالبی ص158.

([54])  لباب الآداب للثعالبی ص159.

([55])  دیوانه ص162.

([56])  دیوانه ص265 وما بعدها.

 

(58) الأغانی ج14 ص270.

([59])  العقد الفرید ج4 ص38.

([60])  دیوانه ص34.

([61])  جمهرة اللغة، باب الباء والضاد وما بعدهما.

([62])  زهر الآداب ج4 ص1149.

([63])  غرر الخصائص الواضحة، ص330.

([64])  غرر الخصائص الواضحةً، ص342.

([65])  الموشى ص4.

([66])  محاضرات الأدباء ج 1 ص180.

([67])  ربیع الأبرار ج3 ص49.

([68])  الأغانی ج16 ص441.

([69])  فی الحماسة البصریة نضال بالمعجمة، وهو أوضح.

([70])  مختصر تاریخ دمشق ج24 ص147.

([71])  الحماسة البصریة ج1 ص141.

([72])  مختصر تاریخ دمشق ج 26 ص40.

([73])  سیر أعلام النبلاء ج4 ص504.

([74])  الأشباه والنظائر ج2 ص234.

([75])  الأشباه والنظائر ج2 ص306.

([76])  الأشباه والنظائر ج2 ص357.

([77])  العباب الزاخر ج1 ص472.

([78]) المصون فی الأدب ص134.

([79]) غرر الخصائص الواضحة ص339.

([80])  نقترب منهم ونناوشهم.

([81])  الجلیس الصالح الکافی والأنیس الناصح الشافی ص605.             

([82])  المحاسن والمساوئ ص189(من نسخة الموسوعة الشاملة).

([83]) ربیع الأبرار ج1 ص314.

([84]) التذکرة الحمدونیة ج4 ص213.

([85]) ربیع الأبرار ج5 ص105.  

([86]) رسائل الجاحظ ج2 ص83.

([87]) الزهرة ص691.

([88]) ذیل الأمالی ص32.

([89]) حماسة القرشی ص326.

([90]) الأغانی ج3 ص287.

([91])  الأغانی ج3 ص293، 294.

([92])  الأغانی ج13 ص95 وما بعدها.

([93])  الأغانی ج13 ص97 وما بعدها.

([94])  الأغانی ج14 ص258 وما بعدها.

([95])  الأغانی ج14 ص267.

([96])  الأغانی ج14 ص271.

([97])  الأغانی ج14 ص287.

([98])  الأغانی ج22 ص332.

([99])  دیوانه ص17 وما بعدها.

([100])  التذکرة الحمدونیة ج2 ص412.

([101])  محاضرات الأدباء ج1 ص660.

([102])  سیر أعلام النبلاء ج4 ص384، وفی مختصر تاریخ دمشق (نحب) و(نکره).

([103])  المحاضرات فی اللغة والأدب ص253.

([104])  البصائر والذخائر، ج2، ص200.

([105])  المصدر السابق ج5 ص42.

([106])  المصدر السابق ج7 ص70.

([107])  المحاسن والمساوئ ج1 ص97.

([108])  ثمرات الأوراق، ص45.

([109])  العباب الزاخر، ج1، ص391.

([110])  العقد الفرید ج1، ص257.

([111])  کتاب الصناعتین، ص405.

 

  • ابن حجة الحموی، أبو بکر بن علی: ثمرات الأوراق فی المحاضرات (مطبوع بهامش المستطرف فی کل فن مستظرف للشهاب الأبشیهی)، د.ط، مکتبة الجمهوریة العربیة، مصر، د.ت. (من الموسوعة الشاملة)
  • ابن درید، أبو بکر محمد بن الحسن الأزدی: جمهرة اللغة، تح: رمزی منیر بعلبکی، ط1، دار العلم للملایین، بیروت، لبنان، 1987م
  • ابن درید، أبو بکر محمد بن الحسن بن درید الأزدی: دیوان ابن درید، ط1، دار الکتاب العربی، بیروت، لبنان، 1415هـ/ 1995م.
  • ابن منظور، محمد بن مکرم بن على، أبو الفضل، جمال الدین الانصاری: مختصر تاریخ دمشق لابن عساکر، ط1، تح: روحیة النحاس وریاض عبد الحمید مراد ومحمد مطیع، دار الفکر للطباعة والتوزیع والنشر، دمشق، سوریا، 1402 هـ - 1984م.
  • ابن منقذ، أسامة بن مرشد بن علی بن مقلد بن نصر: لباب الآداب، ط2، تح: أحمد محمد شاکر، مکتبة السنة، القاهرة، مصر، 1407 هـ - 1987م.
  • الآبی، أبو سعد منصور بن الحسین الرازی: نثر الدر فی المحاضرات، تح: خالد عبد الغنی، ط1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1424هـ / 2004م.
  • الأصبهانی، أبو بکر محمد بن داود: الزهرة، تح: إبراهیم السامرائی، ط2، مکتبة المنار، الزرقاء، الأردن، 1406هـ/ 1985م.
  • الأصفهانی، أبو الفرج علی بن الحسین بن محمد: الأغانی، تح: سمیر جابر، ط2، دار الفکر، بیروت، لبنان، (من الموسوعة الشاملة)
  • الأنصاری، مسلم بن الولید شرح دیوان صریع الغوانی، ط3، تح: سامی الدهان، دار المعارف، القاهرة، مصر، د.ت.
  • البصری، أبو الحسن علی بن أبی الفرج بن الحسن: الحماسة البصریة، تح: مختار الدین أحمد، د.ط، عالم الکتب، بیروت، لبنان، د.ت.
  • البغدادی، أبو المعالی محمد بن الحسن بن محمد بن علی بن حمدون: التذکرة الحمدونیة، ط1، دار صادر، بیروت، لبنان، 1417 هـ.
  • البیهقی، إبراهیم بن محمد: المحاسن والمساوئ، تح: محمد أبو الفضل إبراهیم، د.ط، دار المعارف، القاهرة، مصر، د.ت.
  • التوحیدی، أبو حیان علی بن محمد بن العباس: البصائر والذخائر، ط1، تح: وداد القاضی، دار صادر، بیروت، لبنان، 1408هـ - 1988م.
  • الثعالبی، أبو منصور عبد الملک بن محمد بن إسماعیل: التمثیل والمحاضرة، تح: عبد الفتاح محمد الحلو، ط2، الدار العربیة للکتاب، 1401 هـ - 1981م. (من الموسوعة الشاملة)
  • الثعالبی، أبو منصور عبد الملک بن محمد بن إسماعیل: لباب الآداب، تح: أحمد حسن لبج، ط1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1417 هـ - 1997م.
  • الثعالبی، أبو منصور عبد الملک بن محمد بن إسماعیل: من غاب عنه المطرب، د.ط، المطبعة الأدبیة، بیروت، لبنان، 1309هـ.
  • الجاحظ، أبو عثمان عمر بن بحر، البیان والتبیین، تح: عبد السلام هارون، د.ط، دار الجیل، بیروت، لبنان، د.ت.
  • الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب: الحیوان، ط2، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1424هـ.
  • الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب: المحاسن والأضداد، د.ط، دار ومکتبة الهلال، بیروت، لبنان، 1423 هـ.
  • الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب: رسائل الجاحظ، تح: عبد السلام محمد هارون، د.ط، مکتبة الخانجی، القاهرة، مصر، 1384 هـ - 1964م.
  • الجریرى النهروانی، أبو الفرج المعافى بن زکریا بن یحیى: الجلیس الصالح الکافی والأنیس الناصح الشافی، تح: عبد الکریم سامی الجندی، ط1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1426هـ/ 2005م.
  • الحصری القیروانی، أبو إسحاق إبراهیم بن علی: زهر الآداب وثمر الألباب، تح: یوسف علی الطویل، ط1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1417هـ/ 1997م.
  • الخالدیان، أبو بکر محمد وأبو عثمان سعید ابنا هاشم: الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمین والجاهلیة والمخضرمین، تح: السید محمد یوسف د.ط، د.نا، القاهرة، مصر، د. ت.
  • الذهبی، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان: سیر أعلام النبلاء، تح: مجموعة من المحققین بإشراف الشیخ شعیب الأرناؤوط، ط3، مؤسسة الرسالة، 1405 هـ / 1985 م.
  • الراغب الأصفهانی، أبو القاسم الحسین بن محمد: محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، ط1، شرکة دار الأرقم بن أبی الأرقم، بیروت، لبنان، 1420 هـ.
  • الرقی، ربیعة بن ثابت بن لجأ: دیوان ربیعة الرقی، د. بیانات. (من الموسوعة الشاملة)
  • الزرکلی، خیر الدین بن محمود بن محمد بن علی بن فارس: الأعلام، ط15، دار العلم للملایین، بیروت، لبنان، مایو 2002 م.
  • الزمخشری، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر: ربیع الأبرار ونصوصالأخیار، ط1، مؤسسة الأعلمی، بیروت، لبنان، 1412هـ.
  • الصغانی، الحسن بن محمد بن الحسن: العباب الزاخر واللباب الفاخر، د. بیانات. (من الموسوعة الشاملة)
  • الصولی، أبو بکر محمد بن یحیى بن عبد الله: أخبار أبی تمام، تح: بیاتریس جریندلر، د.ط، المکتبة العربیة، د.ت.
  • الصولی، أبو بکر محمد بن یحیى: أدب الکتاب، تح: محمد بهجة الأثری، د.ط، المطبعة السلفیة، مصر، والمکتبة العربیة، بغداد، العراق، 1341هـ.
  • العسکری، أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعید: المصون فی الأدب، تح: عبد السلام محمد هارون، ط2، مطبعة حکومة الکویت، دولة الکویت، 1984م.
  • العسکری، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل: کتاب الصناعتین، تح: علی محمد البجاوی ومحمد أبو الفضل إبراهیم، د.ط، المکتبة العصریة، بیروت، لبنان، 1419هـ.
  • العقد الفرید، ابن عبد ربه، أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه، ط1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1404هـ.
  • الفرزدق، أبو فراس همام بن غالب: دیوان الفرزدق، ط1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1407هـ/ 1987م.
  • القالی، أبو علی إسماعیل بن القاسم: ذیل الأمالی، د.ط، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، د.ت.
  • القرشی، عباس بن محمد بن مسعود: حماسة القرشی، تح: خیر الدین محمود قبلاوی، د.ط، وزارة الثقافة، دمشق، الجمهوریة العربیة السوریة، 1995م.
  • القرطبی، أبو عمر یوسف ابن عبد البر: بهجة المجالس وأنس المجالس، تح: محمد مرسی الخولی، د. ط، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، د. ت.
  • المغربی، شهاب الدین أحمد بن أبی حجلة: دیوان الصبابة، د. بیانات (من الموسوعة الشاملة)
  • الوشاء، أبو الطیب محمد بن أحمد بن إسحاق بن یحیى: الموشى أو الظرف والظرفاء، تح: کمال مصطفى، ط2، مکتبة الخانجی، شارع عبد العزیز، مصر، 1371هـ - 1953م.
  • الوطواط، أبو إسحق محمد بن إبراهیم بن یحیى بن علی: غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائض الفاضحة، تح: إبراهیم شمس الدین، ط1، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1429 هـ/ 2008م.
  • الیوسی، أبو علی الحسن بن مسعود بن محمد المحاضرات فی اللغة والأدب، د.ط، د.نا، د.ت. (من الموسوعة الشاملة).