المهلب بن أبي صفرة وإشکالیة نسبه في کتابات الشیخ سیف بن حمود البطاشي

الباحث المراسلد. سالم بن سعید بن ناصر البوسعیدی وزارة التربية والتعليم

تاريخ نشر البحث :2022-11-13
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك  |   تحميل المقال

مثّلت کتابات الشیخ البطاشی وتصحیحاته التاریخیة إسهاما بارزا فی المکتبة التاریخیة العمانیة، بشکل یجعل تجاوزه أمرا صعبا. وقد حضر المهلب بن أبی صفرة فی کتابات الشیخ البطاشی بشکل لافت. وکان للشیخ اجتهادات وآراء حول هذه الشخصیة تستحق النظر والتأمل والتقدیر. ومن هذا المنطلق، تأتی هذه الورقة لتحقّق أمرین مهمین:

الأول: إثارة الاهتمام بکتابات الشیخ وتحقیقاته التی لم ینصفها الجیل بعد، خاصة بما قدمه من تحلیلات واستنتاجات وتحقیقات تاریخیة مهمة، قصده منها تنقیة التاریخ ومحاکمة الأقوال فی ضوء المعطیات المعاصرة.

الثانی: تجلیة إشکالیة نسب المهلب عن طریق کتابات الشیخ البطاشی وتحقیقاته، وهی مثال حی لقدرة الباحث النبیه على تبیین الحقائق.

 

إضاءة حول الشیخ البطاشی، ومؤلفاته المتعلّقة بالمهلب بن أبی صفرة:

الشیخ سیف بن حمود بن حامد بن حبیب البطاشی، ولد بوادی الطائیین فی 23 رمضان (1347هـ / 2 مارس 1929م)، وتوفی عام (1420هـ / 1999م). وقد نشأ الشیخ فی وادی الطائیین وتعلّم فیه القرآن وعلوم اللغة، ثم رحل إلى نزوى والتحق بمدرسة الإمام الخلیلی. وجالس الشیخ البطاشی علماء عصره وباحثهم، ومنهم: إبراهیم بن سعید العبری (ت1975م)، وخلفان بن جمیّل السیابی (ت1972م)، وسالم بن حمود السیابی (ت1993م). ثم رحل إلى زنجبار ومکث بها ثلاث سنوات، تزود خلالها بالمخطوطات ونوادر المطبوعات، وجالس العلماء.

عمل الشیخ البطاشی فی القضاء عام (1380هـ/ 1960م)، فعُیّن قاضیا فی جعلان بنی بو حسن وضنک وإبراء وقریات والسیب وبوشر ودما والطائیین، ثم عُیّن سنة (1401هـ / 1981م) عضوا فی لجنة تصحیح المخطوطات العمانیة، ومراجعة المطبوع منها بوزارة التراث القومی والثقافة مدة ست سنوات. ثم عمل سنة ( 1410هـ / 1990م) فی دیوان البلاط السلطانی فی مکتب السید محمد بن أحمد البوسعیدی -المستشار الخاص لجلالة السلطان قابوس للشؤون الدینیة والتاریخیة، مصححا وباحثا؛ إذ لقی جوا علمیا مکّنه من التفرّغ للتألیف، وساعدته أعماله السابقة فی الاطلاع على کثیر من المخطوطات العمانیة فی وزارة التراث ومکتبة السید محمد بن أحمد البوسعیدی.

لقد ترک الشیخ سیف بن حمود البطاشی مکتبة غنیة بالمخطوطات[1]. وتعد کتابات الشیخ البطاشی فی مقدمة مصادر تاریخ عمان المعتمدة، ویراها الباحثون أنموذجا جیدا لاستخلاص المعلومات التاریخیة من المخطوطات والوثائق، ومثالا معتبرا فی إعادة کتابة التاریخ العمانی. ومن یطالع مؤلفات الشیخ یکبر فی هذا الرجل جدیته فی البحث، وتقصیه عن الحقیقة، وشجاعته فی إبداء رأیه ولو خالف الاتجاه العام. ویؤکد البحث الحالی على أمرین مهمین یتسم بهما الجهد العلمی للشیخ البطاشی، وهما: کثرة التحقیقات التاریخیة والتراجم التی قام بها، وعدم التزامه بالنقل فیها، بل کان ینقد ویحقق کعادته. والثانی: اهتمامه البارز بآل المهلب.

وقد وقع اختیار الباحث على ثلاثة من کتب الشیخ بسبب أهمیتها للموضوع، وهی:

کتاب تاریخ المهلب وآل المهلب. یقع هذا الکتاب فی 231 صفحة، وهو تراجم لأهم شخصیات المهالبة بدءا من أبی صفرة، وجاء مزیجا من التراجم والأدب والاستطرادات على نمط التألیف القدیم مع تحقیقات الشیخ.

الطالع السعید: نبذة من تاریخ الإمام أحمد بن سعید. ویقع هذا الکتاب فی 454 صفحة، وهو مخصص فی سیرة الإمام الفاتح أحمد بن سعید مع استطرادات أدبیة وتاریخیة، وملحق فی نسب ألبوسعید.

کتاب إتحاف الأعیان فی تاریخ بعض علماء عمان. وهذا الکتاب من أهم کتب التراجم والتاریخ العمانی على الإطلاق، وهو مرجع لا غنى عنه للباحث فی التاریخ والأدب والحضارة العمانیة. ویقع فی أجزاء خرج منها ثلاثة، وهمنا الجزء الأول؛ إذ ترجمه أبی صفرة العتکی.

ویمکن إرجاع سبب اهتمام الشیخ البطاشی بالمهلب وآل المهلب لعدة أمور، هی:

 1- قیمة المهلب وآله وأثرهم فی التاریخ والحضارة؛ فیقول العوتبی: "لو جعل الله أحدًا یأخذ نصف أحوال المهلب، وخصاله الکریمة، لم یقدر أن یحوی شیئا من ذلک؛ لأنه لیس من کتاب أُلِّفَ بعده، فی أی جنس کان من العلوم، إلاّ وقع فیه من أخبار المهلب وأحکامه وبلاغته وسیاسته وجُوده". وقیل عنه أیضا: "ساد الأحنف بحلمه، ومالک بن مسمع بمحبته للعشیرة، وقتیبة بدهائه، وساد المهلب بهذه الخلال جمیعاً، إلى ما زاد فیها من الکرم والشجاعة والحزم والعفة والعلم". 

2- قلة المصادر العمانیة المعنیة بسیرة المهلب، وقلة اهتمام العمانیین بتاریخهم؛ فیقول البطاشی: "إذ یجد من یطالع کتب التاریخ وتراجم الرجال، أن رجالا کثیرین من حملة العلم ورجال الحدیث والزعماء هم من أهل عمان نشأوا وعاشوا خارجها، ولکن اختفى نسبهم الأصلی، فضاع فیما ضاع من تاریخ علماء ورجال عمان نفسها؛ لعدم عنایة أوائلهم بالتاریخ فصاروا لا یعرفون"[2].

3- تشتت أخبار آل المهلب فی المصادر العربیة؛ فیقول البطاشی: "أخبارهم لا تجدها متصلة مجتمعة؛ بل تراها منقطعة ومبعثرة هنا وهناک. ولم أطلع إلى الآن على تاریخ مستقل فی المهلب وآل المهلب یجمع شتات أخبارهم؛ فشمرت لجمع وترتیب ما اطلعت علیه"[3].

4- کثرة النجباء من العائلة وأبنائهم فی السیاسة والعلوم؛ یقول البطاشی: "ربما یظن کثیر من الناس أن المشهورین من آل المهلب قلیلون لا یتجاوزن عدد الأصابع، والواقع خلاف ذلک، فإن من یطالع کتب التاریخ والسیر، وکتب الحدیث وتراجم رجال الحدیث، یجد أن آل المهلب کثیرون، وأنهم ضربوا فی کل فضیلة بسهم، فمنهم حملة العلم ورواة الحدیث، ومنهم الوزراء والثائرون فی بعض الأحیان، وأدباء وشعراء"[4].

5- إشکالیة النسب وخاصة مع أسرة البوسعید؛ یقول البطاشی: "أقول ینتسب آلبوسعید فی عمان ومنهم الأسرة المالکة التی کانت قد حکمت زنجبار وغیرها من شرق أفریقیا، ینتسبون إلى أبی سعید المهلب بن أبی صفرة الأزدی العتکی العمانی، وهذا هو المشهور المعروف؛ وعلیه فتکون هذه القبیلة واسطة عقد آل المهلب، وإن تأخر بظهورهم الزمن، فقد ارتبط حاضر مجدها التلید بماضیها المجید؛ بما أنجبته من رجال أفذاذ من علماء وأئمة وملوک وفقهاء وأفاضل وأدباء"[5].

إشکالیة نسب المهلب وموطنه:

یناقش البطاشی نسب المهلب بن أبی صفرة؛ إذ یقول: "والصحیح فی نسب أبی صفرة هو ما ذکره ابن الکلبی وغیره، وذکره العوتبی فی الأنساب أنه من العتیک"[6]. وتروی کتب التاریخ أنه حینما أراد سامة بن لؤی القرشی الخروج من مکة إلى عُمان، اجتمع إلیه وجوه قومه وکرهوا علیه الخروج. فقال لهم: ما تخافون علیّ؟

قالوا: نخاف علیک أن تجاور ذلیلا أو تزوج لئیماً.

فقال: آمنوا من الخصلتین.

فلم یستطیعوا ثنیه. فخرج مارا بکل البلدان والقفار، تارکا إیاها وراء ظهره قاصدا عمان، فنزل توام (البریمی). فلما تسامع به وجوده الأزد أتوا للسلام علیه، مرحبین، ومقدّرین، ومکرّمین. ولزیادة الود والقربى خطبوا ابنته هند بنت سامة، فردهم ردا جمیلا، حتى ورد إلیه عمران بن عمرو بن عامر ماء السماء بن حارثة ومعه ابناه الحجر والأسد، فخطبها لأحد ابنیه. فوافق سامة وزوّجها للأسد. وکان زواجا ثمرته ولدٌ فیه خیرة ما فی القحطانیین والعدنانیین من الخصال الحمیدة، إنّه العتیک. وتکاثر أبناء العتیک، ویبدو أنّ سامة کان سعیداً بإقامته فی عمان؛ إذ بعث إلى قومه قریش شعراً" (الرمل):

ساکنی الأبطح إنی بعدکم
خطب القوم إلیّ أختکم
فرددتُ القوم لما خطبوا
سید القوم وبانی مجدهم

 

فی جوار الأزد مثلوج الکبدْ
وهم فی الدار أرباب معدْ
 رغبةً منهمْ، وزوّجتُ الأسدْ
ما انتوى فی الغرب من بطنٍ أحدْ[7]

ولا شک أن المنطقة التی قطنها العتیک تمتد من البریمی إلى أدم. والقبائل تتحرک وتستوطن. فأبناء العتیک تکاثروا؛ إذ استوطن بعض منهم بهلا وعبری وهم من خرج من نسلهم النباهنة، واستوطن بعضهم أدم؛ لیکون منهم بعد فترة أبو صفرة العتکی وابنه المهلب بن أبی صفرة. فوالد المهلب هو أبو صفرة العتکی، واسمه ظالم بن سارق، وقیل ظالم بن سراق وقیل ظالم بن سارف[8]. ویرى مجموعة من المؤرخین، ومنهم ابن حجر وابن السکن وابن هشام، أن أبا صفرة صحابی التقى بالرسول صلى الله علیه وسلم. ویرى ابن السکن أن الرسول هو الذی کناه بأبی صفرة. فیروى أن أبا صفرة قدم على النبی بالمدینة کی یبایعه، وعلیه حلة صفراء یسحبها خلفه ذراعین، وله طول وجثة وجمال وفصاحة لسان، فلما رآه النبی أعجبه ما رأى من جماله، فقال له: من أنت؟

قال: أنا قاطع بن سارق بن ظالم، أنا الملک بن الملک،

فقال له النبی صلى الله علیه وسلم: أنت أبو صفرة، دع عنک سارقاً وظالماً،

فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنک عبده ورسوله، حقاً یا رسول الله، إن لی ثمانیة عشر ولداً ورزقت بنتاً سمیتها صفرة[9].

وذکر البطاشی روایة ثانیة یثبتها ابن عبد البر فی الاستیعاب، أن أبا صفرة أسلم على عهد النبی ولم یره، ووفد على عمر فی عشرة من ولده، منهم المهلب، فقال له عمر: "هذا سید ولدک. والصحیح أن المهلب -ابنه- ولد عام الفتح، أی قبل وفاة الرسول بسنتین"[10]

وهناک روایة ثالثة ترى أن أبا صفرة من أهل دبا، وکان ضمن الأسرى بعد وقعة ردة أهل دبا، وکان غلاما صغیرا حسب روایة الواقدی. ویرد البطاشی هذا القول مستشهدا برد ابن قتیبة عن کلام الواقدی: "هذا حدیث باطل أخطأ فیه الواقدی؛ لم یکن أبا صفرة فی هؤلاء ولا رآه أبو بکر قط، وإنما وفد على عمر وهو شیخ أبیض الرأس واللحیة، فأمره أن یخضب فخضب، فکیف یکون غلاما فی زمن أبی بکر وقد ولد المهلب وهو من أصاغر ولده قبل وفاة الرسول بسنتین". وعقب البطاشی قائلا انتهى کلام ابن قتیبة وهو ظاهر الصواب.

ثم یناقش البطاشی قضیتین مهمتین ضمن السیاق: أولا: قضیة ردة أهل دبا. ثانیا: ادعاء أن أبا صفرة من أهل دبا والسبی. ومما یرد هذه الروایات أن عمرو بن العاص حین قرر مغادرة عمان للالتحاق بالمدینة بعد وفاة الرسول صلى الله علیه وسلم، فأبى الأزد إلا مرافقته عرفانا لجمیله، وتعزیة للخلیفة أبی بکر، وإظهارا للولاء للدولة الراشدة فی المدینة، وحمایة له من قطّاع الطرق والمرتدین فی ظل الاضطرابات التی شاعت بین القبائل بعد وفاة الرسول، فصحبه وفد أزدی رفیع المستوى یرأسه عبد بن الجلندى أحد ملکی عمان، وجعفر بن جشم العتکی، وأبو صفرة سارق بن ظالم العتکی، ومعهم سبعون فارسا، وحین وصلوا المدینة بایعوا أبا بکر، وقد تحدث أبو صفرة نیابة عن العمانیین (وهو أیضا مما یظهر مکانة الرجل تقدمه)؛ إذ قال للخلیفة: "یا خلیفة رسول الله صلى الله علیه وسلم، ویا معشر قریش: هذه أمانة کانت فی أیدینا وفی ذمتنا وودیعة لرسول الله صلى الله علیه وسلم، وقد برئنا إلیکم منها. فقال أبو بکر "جزاکم الله خیرا"[11].

وقد ذکر البطاشی إسهام أبی صفرة فی الفتوحات الإسلامیة؛ إذ تروی المصادر أنه لما ولى عمر بن الخطاب عثمان بن أبی العاص (عام 15هـ) على عمان أمره بمقابلة الفرس، فطلب عثمان المشاورة من أهل عمان فدلوه على أبی صفرة (مما یدل على مکانة الرجل وخبرته وقوته ومعرفته بشؤون البحر)، فسأله عن اسمه، فقال: ظالم بن سارق، فکره عثمان الاسمین، وقال: اسمان من أسماء الجاهلیة ولم یشاوره.

ولما جهز عثمان بن أبی العاص الجیش، کان أبو صفرة أحد رؤساء ذلک الجیش؛ إذ کان رئیسا وقائدا لقوة من قومه بنی عمران. "وأبلى فی الجهاد بلاء حسنا واشترک فی قتل (شهرک) قائد الفرس[12]. وبعد الحملة استقر أبو صفرة بتوج بمن معه من الأزد، ثم  نزل البصرة، وکان منهم کعب بن سور الذی عینه الفاروق عمر قاضیا على البصرة[13].  وروی أن أبا صفرة وفد على عمر بن الخطاب ومعه عشرة من ولده ، المهلب أصغرهم، فجعل عمر ینظر إلیهم و یتوسمهم، ثم قال لأبى صفرة: هذا سید ولدک، یعنى المهلب[14]. ثم خرج أبو صفرة فی جیش عبد الرحمن بن سمرة عامل الخلیفة عثمان على سجستان ومعه ابنه المهلب[15]، وبعد معارک عنیفة انتصر المسلمون وفتحوا سجستان. بعد ذلک عاد إلى البصرة، وکانت عودته بعد واقعة الجمل بثلاثة أیام، وقد ظهر الإمام علی، والتقى الإمام علی الذی قال له: "یا أبا صفرة ما لقیت من أحد مثل الذی لقیته من قومک، فقال أبو صفرة: والله یا أمیر المؤمنین لو کنت حاضراً ما اختلفت علیک منهم سیفان. فدعا له وولاه نرتیرت ومناذرة الکبرى، وولاه أیضاً رئاسة الأزد، وقال: ائتنی ببعض ولدک لأعقد له لواء یکون له شرفا له، فجاء بالمهلب بعد أن کره ابنه النجف الذی قال: ما کنت لآتی رجلا جعل قومی أقل العرب، وقتل منهم بالأمس ألفین وخمسمائة رجل على غیر ذنب. فترکه وعدل إلى المهلب وهو غلام ابن نیف وعشرین سنة، فعرض علیه الأمر فأجاب، فدخل على الإمام علی فمسح مقدم رأسه إلى قدمیه، ومن ذوابته إلى عقبیه، وعقد له رایة وقال: اللهم ارزقه الشجاعة والسخاء والنهى. واعقد له رایة الأمان، وأمره أن یسیر نحو الأهواز والبادیة لأمنهم، وأمرهم أن یرجعوا لمنازلهم، ورجع معظم الفارین إلى البصرة وتیمن الناس برایة المهلب[16] . وقد توفی أبو صفرة بالبصرة فی أیام ولایة ابن عباس علیها لعلی ابن أبی طالب، وصلى علیه ابن عباس وقال: "دفنا سید هذه الثغرة"[17].

أدلة عمانیة آل المهلب:

یقول الشیخ البطاشی: "مما لا شک فیه أن آل المهلب عمانیون حیثما حلوا، وأینما کانوا نشأوا فی العراق أو خراسان أو غیرهما، فالهجرة والخروج من بلد إلى آخر کثیر فی القبائل والبیوتات"[18]. فبهذه العبارة الحازمة یصدّر الشیخ کلامه عن موطن المهالبة، ویورد دلائل تاریخیة مهمة تثبت عمانیة آل المهلب منها:

1-      کان الحجاج بن یوسف الثقفی یقول لیزید بن المهلب: یا مزونی؛ أی یا عمانی لأن عمان کانت تسمى مزونا[19].

2-      سمع مسلمة بن عبد الملک رجلا من أهل الشام یقول: ماذا لقینا من ابن حائک کندة -یعنی ابن الأشعث- ثم أنساناه هذا المزونی، یعنی یزید بن المهلب؛ وذلک بعد وقعة العقر ببابل وقتل آل المهلب. ولما سمع مسلمة کلام الرجل قال له: اسکت فوالله لولا حسد العرب له ومشی فارس قریش إلیه[20] ما کان خلیفتک غیره.

3-      ومن أدلة ذلک قول الکمیت فی المهلب:

أما الأزد أزد أبی سعیدٍ

 

فأکره أن أسمیها المزونا[21]

4-      وقول جریر فیهم:

وأطفأت نیران المزون وأهلها
ولم تبق منهم رایة یرفعونها

 

وقد حاولوها فتنة أن تسعّرا
ولم تبق من آل المهلب عسکرا[22]

5-      ومنه قول عمر بن عبدالله الأنصاری عامل عمر بن عبد العزیز، رحمه الله، على عمان، لما أراد الخروج من عمان بعد موت عمر قال لزیاد بن المهلب: "هذه بلاد قومک فشأنک بها"[23]

6-      ویقول نور الدین السالمی فی وصف أهل عمان: "ولهم السیاسة التی یحار فی وصفها الواصفون، وناهیک بسیاسة المهلب بن أبی صفرة وحربه وشجاعته فإنه کان من أهل عمان"[24].

  • ولما هجا أبو عیینة المهلبی -وهو أحد أحفاد المهلب- نزارا، وفضّل علیها قحطان، ردّ علیه أحد الشعراء قائلا:

أعبد من عبید عمان
أتهجو الغر من مضر

 

عاب مناقب السبط
کفى هذا من الشطط

وحین بلغ المأمون هجاءه لنزار أهدر دمه، فهرب من البصرة إلى عمان، فلم یزل متواریا فی الأزد حتى مات المأمون[25] وهذا یثبت عمانیتهم. إضافة إلى ما سبق، هناک دلائل أخرى تثبت عمانیة آل المهلب منها: خطابات الحجاج للمهلب، وفیها یذکره بقوله: «واخترتک وأنت من أهل عُمان». وفی عهد الإمام الوارث بن کعب قام المهالبة بمراسلة أهل عمان وإخبارهم بأمر حملات هارون علیهم فاستعدوا لها

أدلة أن موطن المهالبة مدینة أدم:

ویرى الشیخ البطاشی أن المهلب لیس من أهل دبا، بل من أدم؛ مستندا على أمور أهمها:

1-     لم یرد ذکر أبی صفرة فی حادثة الردة، مع أنه سید بنی عمران، ولم یذکره علماء أهل عمان وهم أدرى ببلدانهم. لا بد لسید بنی عمران لو کان فی دبا وهو أبو صفرة أن یکون له موقف من اثنین: إما مناهضة سوء الفهم الحاصل، أو الوقوف معه، وهو ما لم تذکره کتب التاریخ، بل تذکر أنه کان فی الوفد العالی الذی التقى أبا بکر، وکان خطیبهم.

2-    کان لحبیب من المهلب حروب بعمان، ومنها معرکة فی سیجا، فأین سیجا من دبا؟[26]

3-    لهم بأدم بقیة، ولهم بها آثار قدیمة تشهد بنشأتهم ووجودهم بها منذ زمن بعید منها:

  • مسجد المهلبیة الذی بنتههند بنت المهلب بن أبی صفرة، یقع غرب حجرة الجامع التی تعود لآل أبی سعید. وذکر هذا المسجد الشیخ العالم سالم بن حمد البراشدی الأدمی المعاصر للإمام بلعرب بن سلطان الیعربی، وذکره کذلک الشیخ العالم درویش بن جمعه المحروقی  فی قسمة وقف بیر الراکیمیة[27].
  • ویوجد بحجرة آلبوسعید مسجد الجامع الذی بناه الشیخ أبو الحسن محمد بن نوح الأزدی على نفقته الخاصة سنة 717هـ.
  • وبحجرة الجامع نشأ الإمام أحمد بن سعید. فالبوسعیدیون هم أحفاد آل المهلب.

أحفاد المهالبة فی عمان:

یرى الشیخ سیف بن حمود البطاشی أن نسب آلبوسعید یرجع إلى المهلب فیقول: "أقول ینتسب آلبوسعید فی عمان، ومنهم الأسرة المالکة التی حکمت زنجبار، وغیرها من شرق أفریقیا ینتسبون إلى أبی سعید المهلب بن أبی صفرة الأزدی العتکی العمانی، وهذا هو المشهور المعروف، وعلیه تکون هذه القبیلة هی واسطة عقد آل المهلب وإن تأخر بظهور دولتهم الزمن فقد ارتبط حاضر مجدها التلید بماضیها المجید بما أنجبته من رجال أفذاذ من علماء وأئمة وملوک وفقهاء وأفاضل وأدباء"[28]. ویقدم على ذلک عدة أدلة:

1-      سمعت الشیخ العلامة محمد بن شامس البطاشی یقول إنه سمع الشیخ سعید بن محمد بن مسعود البوسعیدی من أهل منح یقول: "آل بوسعید یتصل نسبهم بالمهلب" والشیخ سعید هذا رجل عارف نسّابة[29].

2-      وأخبرنی الشیخ محمد أیضا أن المهلب من أهل أدم[30].

3-      ذکر نسب آلبوسعید القاضی حمد بن سیف بن محمد البوسعیدى فی کتابه الموجز المفید "نبذ من تاریخ البوسعید"، ونسبهم إلى الأزد من سلالة المهلب بن أبی صفرة العتکی الأزدی[31].

4-      کما ذکرهم المؤرخ والأدیب الشیخ سلیمان بن خلف بن محمد الخروصی فی کتابه ملامح من التاریخ العمانی . ونسب آل بوسعید إلى الأزد، وقال عن أول سلطان هو أحمد بن سعید بن أحمد بن محمد بن خلف بن سعید بن مبارک البوسعیدی، ثم رفعه إلى القائد العمانی المهلب بن أبی صفرة.

5-      قال الشیخ محمد بن شامس البطاشی فى کتابه سلاسل الذهب:

نسبتهم إلى المهلب العلم
وهو الذی یکنى أبا سعید

 

نجل أبی صفرة والطود الأشمْ
کذا روى لنا أولو التمجید[32]

ویقول:

ولا أرى صواب ما قال به 
حیث غدا ینسبهم إلى خلف
فخلف المذکور فی التعیین
أیام أملاک بنی نبهانا
وأل بوسعیدٍ قد تکوّنوا
وانتشروا على عمان من قدم
وسمد وغیرها من القرى

 

بعض أولی العلوم فی کتابه
نجل أبی سعید العالی الشرف
کان بحادی العشر من قرون
المتأخرین فی عمانا
من قبل ذلکم وقد تبیّنوا
فی منحٍ ونزوةٍ وفی أدمْ
وذاک واضحٌ یراه من یرى

6-      یرد الشیخ على من نسب البوسعید إلى خلف بن أبی سعید، وسیف بن محمد بن أبی سعید، فذکر أن هذین الرجلین هما نبهانیان، عاشا زمن النباهنة المتأخرین، فی النصف الثانی من القرن العاشر، وأوائل القرن الحادی عشر. أما آلبوسیعد فهم منتشرون فی بقاع لا تحصى من عمان، فیستبعد أن یبتدئ أصل کل هؤلاء من فرد فی أوائل القرن الحادی عشر، موجودون بعمان قبل ذلک،[33] والأمر الثانی آثار بعض أعلامهم یرد على ذلک، مثل کتاب "زاد المسافر فی الرد على من جاء یناظر" للشیخ سلیمان بن بلعرب بن محمد بن بلعرب بن أبی القاسم بن یزید بن محمد بن یعرب بن أبی بکر بن دهمان بن أبی سعید آلبوسعیدی الحممتی، والکتاب منسوخ سنة 1085م، أیام الإمام سلطان بن سیف بن مالک الیعربی، وأیضا کتاب "خلاصة الآثار" بخط الشیخ بلعرب بن أحمد بن سلیمان بن عزان بن سعید بن یزید بن محمد بن یزید بن یعرب بن أبی بکر بن دهمان بن أبی سعید آلبوسعیدی الحممتی البوسعیدی، والی الإمام سلطان بن سیف بن مالک الیعربی على قریات، وقد ذکر المؤلف الأول أحد عشر أبا، والثانی ثلاثة عشر أبا لهما، فمن أمعن النظر فی مقدار حیاة المذکورین عرف بمقتضى التاریخ أن آلبوسعید لیسوا من ذریة خلف أو أخیه محمد بن أبی سعید، بل أقدم منهما بکثیر، کما أنهما لم یذکرا ضمن هذا النسب[34]

ملامح من حیاة المهلب بن أبی صفرة:

ولد المهلب عام الفتح سنة تسع للهجرة؛ وذلک تناسبا مع قولهم إنه عاش ثلاثا وسبعین سنة؛ إذ أنهم أرّخوا وفاته عام 82هـ وقیل 83هـ. وعدّ بعضهم المهلب من الصحابة، وهذا لا یستقیم مع تاریخ وفاته المذکور[35].

وعندما خرج المهلب مع والده فی جیش عبد الرحمن بن سمرة عامل الخلیفة عثمان بن عفان على سجستان وکان عمره عشرین سنة[36]، استصغره عبد الرحمن فأراد أن یرده فقال: أصلح الله الأمیر إنی رغبت فی الغزو فلا تکرهن ما ترى من حداثة سنی عن وجهی. فقال له عبد الرحمن: والله لولا ما تحتک ما أذنت لک فی الغزو. وکانت تحته فرس رائعة[37]. کما شارک المهلب فی فتح کابل، وکان أحد فرسان الجیش، إن لم یکن أوفاهم حظا بالإشارة یومذاک، فقد استطاع بشجاعته مقارعة أحد فرسان کابل الذی لم یبرز له أحد من المسلمین إلا صرعه، فاعترضه المهلب وطعنه طعنة شدیدة[38]. وعندما عاد إلى البصرة مع والده بعد وقعة الجمل بثلاثة أیام، التقى أبو صفرة الأمام علی الذی قال له: ائتنی ببعض ولدک لأعقد له لواء یکون له شرفا له. فجاء بالمهلب وهو غلام ابن نیف وعشرین سنة فعرض علیه الأمر فأجاب، فدخل على الإمام علی فمسح مقدم رأسه إلى قدمیه ومن ذوابته إلى عقبیه وعقد له رایة وقال: اللهم ارزقه الشجاعة والسخاء والنهى. وعقد له رایة الأمان، وأمره أن یسیر نحو الأهواز والبادیة لأمنهم، وأمرهم أن یرجعوا لمنازلهم ورجع معظم الفارین إلى البصرة وتیمن الناس برایة المهلب[39].

وحین ولى معاویة أخاه زیادا العراق، ثم جعل على خراسان الحکم بن عمرو الغفاری على أرض الهند سنة أربع وأربعین، غزا هراة وفتح الجوزجان، کان المهلب بن أبی صفرة مشارکا فی تلک المعارک، وأظهر بأسا ومهارة فی قتال العدو؛ إذ استطاع أن یقتل الفیل بعد أن أخاف جیش المسلمین. وحین رجع المسلمون أصابهم البرد والثلج، فجعل العدو یتعقبهم ویقتل منهم، مما جعل المهلب یتأخر فی ساقة الجیش لحمایته. وکان المهلب یحمی الجیش، ویعالج الجرحى، فبلغ معاویة شجاعة المهلب، وکان معه سعد بن أبی وقاص، فقال سعد: اللهم لا تره ذلا أبدا وأکثر ماله وولده[40].

وحین غزا الحکم بن عمرو الترک (47هـ) کان المهلب أحد قادة حملته، بل وحین حاصر الترک الحکم أسند قیادة الجیش للمهلب الذی تمکن عن طریق الحیلة من أسر أحد زعماء الترک لیدله على مخرج الکمین[41]، مما جعل کل ولاة خراسان یتمسکون بالمهلب. ففی عام 56هـ فتح سعید بن عثمان بن عفان سمرقند، وکان أحد أبرز قادته المهلب. وفی تلک الغزوة قلعت عین المهلب کما قلعت عین سعید وعین طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعی المعروف بطلحة الطلحات المشهور بالکرم والجود، وفی ذلک یقول المهلب:

لئن ذهبت عینی لقد بقین نفسی .........وفیها بحمد الله عن تلک ما ینسی

إذا ما جاء أمر الله أعیا خیولنا ........ولا بد أن تعمى العیون لدى الرمس[42]

وأصبح المهلب قائد جیش سلم بن زیاد الذی ولاه یزید بن معاویة فی (61هـ) ولایة خراسان وسجستان[43]. وحین مات یزید ولم یبایع خلیفة من بعده اضطربت أمور خراسان فخرج سلم خائفا، واستخلف علیها المهلب، غیر أن ذلک لم یعجب القبائل القیسیة؛ إذ وجد سلیمان بن مرثد سلما وهو عائد فی طریقه، فقال له من ولیت على خراسان، فقال له المهلب، فامتعض وغضب، وکذلک عبدالله بن خازم السلمی قال لسلم: من ترکت على خراسان؟ فقال: المهلب، فقال له غاضبا: أما وجدت فی مضر رجلا تستعمله حتى فرقت خراسان بین بکر بن وائل ومزون عمان، وطلب منه أن یکتب له کتابا على ولایة خراسان. فرأى المهلب أن الأمور غیر مستقرة ومنصب الخلافة شاغر، فهداه عقله أن یعتزل الأمر ویعود للبصرة إذ تدخل خراسان فی حروب قبلیة[44].

وحین بویع عبدالله بن الزبیر خلیفة فی  الحجاز والعراق وتلک النواحی، أرسل إلى المهلب یطلب منه القدوم إلیه، وهو یومئذ بمکة، فخلا به عبد الله یشاوره، فدخل علیه عبد الله بن صفوان بن أمیة بن خلف بن وهب القرشی الجمحی فقال: من هذا الذی قد شغلک یا أمیر المؤمنین یومک هذا؟ قال: أو ما تعرفه؟ قال: لا، قال: هذا سید أهل العراق، قال: فهو المهلب بن أبی صفرة، قال: نعم، فقال المهلب: من هذا یا أمیر المؤمنین؟ قال: هذا سید قریش، فقال: فهو عبد الله بن صفوان، قال: نعم[45].

وقلد عبدالله ابن الزبیر المهلب ولایة خراسان، لکنه فی الطریق إلیها اعترضه أهل البصرة بتزکیة من الأحنف بن قیس طالبین منه حمایتهم من خطر الأزارقة الذین یحاصرون البصرة، قائلین له: "أنت شیخ الناس وسیف العراق، وقد ترى ما فیه أهل مصرک من هذه الخوارج المارقة والإقامة فی بلدک والذب عن حریمک أولى من خراسان"[46]. ثم وصله کتاب ابن الزبیر وفیه: " لقد رأیت أن تکون أنت من تلی قتالهم؛ لأنک میمون الطلعة مبارک على أهل مصرک"[47].  فدرات بین المهلب والخوارج الأزارقة معارک عنیفة  طویلة استمرت إلى وقت مقتل مصعب بن الزبیر على ید الأمویین. والحقیقة لم یکن المهلب یهمه من هو الخلیفة، فلا هو مقتنع بمعاویة ولا ابنه ولا عبد الملک، غیر أنه یحب الفتح والغزو والجهاد لنشر الإسلام؛ وذلک ما جعله محل احترام الجمیع. ویبدو أن المهلب کان یحب أن یواصل الجهاد وقتال الأزارقة، فأعلن البیعة لعبد الملک بن مروان الذی شکره وأفرده على ولایة الولایات التی تحت یده.

ویستمر المهلب فی عهد عبد الملک بن مروان فی قتال الأزارقة منذ سنة 71 إلى 77هـ. وکان المهلب وآله موضع حسد لکرمهم وشجاعتهم وانتصاراتهم المتتالیة، وکانت الخلافة الأمویة تعلم أنه لا أحد بمقدوره الانتصار على الأزارقة إلا المهالبة. ومن أبرز الحاسدین لهم الحجاج بن یوسف والی العراق الذی کان یستفز المهلب، والمهلب یداریه حتى حقق النصر النهائی على الأزارقة [48]. وبعد هزیمة المهلب للأزارقة أصبح المهلب والی  خراسان حتى أدرکته الوفاة هناک.

ترک المهلب 23 ابنا ذکرا وإحدى عشر بنتا، وهم سعید، وکان أکبرهم وبه یکنى المهلب، قیل ولا عقب له، وعده بعضهم من أهل الحدیث، روى عن سعید ابن جبیر وعنه الفضل بن القاسم الحدانی. قال الحافظ ابن حجر ذکره ابن حبان فی الثقات، وزعم أنه ابن المهلب بن أبی صفرة. ومن أولاد المهلب: المغیرة وقبیصة ویزید وحبیب والحجاج والبحتری والمفضل وعبدالملک وعمر وأبو عیینه وجعفر وعطاء ومدرک ومروان وزیاد وعباد ومعاویة وعبدالله ومحمد وشبیب والشماخ[49].

معالم شخصیة المهلب بن ابی صفرة:

کان المهلب بن أبی صفرة یتمتع بکثیر من الصفات الحمیدة منها: الشجاعة والقدرة الفائقة على القتال، وإدارة المعارک بکفاءة منقطعة النظیر، إضافة إلى العلم والحکمة والحلم والکرم والبلاغة، ویمکن القول الشیخ البطاشی لم یعتن کثیرا بهذه النقطة، وإنما یمکن تبین بعض من معالم شخصیة المهلب من خلال ذکره المواقف الآتیة:

الشجاعة:

ومن المواقف الدالة على هذه الخصلة، حین ولّى خالد بن عبدالله على البصرة أراد عزل المهلب عن حرب الأزارقة، فأشار علیه الناس ألا یفعل ([50])، فلم یسمع لهم وجعله على الجبایة وولى أخاه عبد العزیز على القتال، فهزم، فقال خالد للمهلب ما ترى أمیر المؤمنین صانعا بی؟ قال یعزلک، قال أتراه قاطعا رحمی؟ قال نعم قد أتته هزیمة أمیة أخیک ففعل؛ یعنی هرب أمیة من سجستان فکتب عبد الملک إلى خالد: أما بعد، فإنی کنت حددت لک حدا فی أمر المهلب، فلما ملکت أمرک نبذت طاعتی وراءک، واستبددت برأیک فولیت المهلب الجبایة، وولیت أخاک حرب الأزارقة، فقبح الله هذا رأیا! أتبعث غلاما غرا لم یجرب الأمور والحروب وتترک سیدا شجاعا مدبرا حازما قد مارس الحروب ففلج فشغلته بالجبایة؟ أما لو کافأتک على قدر ذنبک لأتاک من نکیری ما لا بقیة لک معه؟ و لکن تذکرت رحمک فکفتنی عنک، وقد جعلت عقوبتک عزلک و السلام[51]

العلم:

یقول البطاشی: "بالإضافة إلى ما اشتهر به المهلب من الشجاعة والإقدام والحنکة السیاسیة فی تدبیر الحروب وإیقاع المکائد فی أعدائه، فهو إلى جانب ذلک معدون من رجال الحدیث، فقد ترجم له الحافظ فی الإصابة وفی تهذیب التهذیب، وقال عنه المهلب بن أبی صفرة أبو سعید البصری روى عن عبدالله بن عمرو بن العاص وابن عمر وسمره بن جندب والبراء بن عازب وعن من سمع من الرسول."[52]

البلاغة:

"قیل للمهلب بم نلت ما نلت، قال بطاعة الحزم ونسیان الهوى[53]. یقول المهلب: "یعجبنی الرجل أن أرى عقله زائدا على لسانه". وقال الحجاج للمهلب: أنا أطول أم أنت؟ فقال: الأمیر أطول وأنا أبسط قامة". یقول ابن خلکان  للمهلب کلمات لطیفة وإشارات ملیحة تدل على مکارمه ورغبته فی حسن السمعة والثناء الجمیل، فمن ذلک قوله: الحیاة خیر من الموت، والثناء الحسن خیر من الحیاة، ولو أعطیت ما لم یعطه أحد لأحببت أن تکون لی أذنا أسمع بها ما یقال فیّ غدا إذا مت. وکان یقول لبنیه: یا بنی أحسن ثیابکم ما کان على غیرکم، وإلى هذا أشار أبو تمام فیما کتبه إلى من یطلب منه الکسوة:

فانت العلیم الطب أی وصیة........بها کان أوصى فی الثیاب المهلب[54]

الکرم:

یقول الشاعر الأخنس الطائی:

نزلت على آل المهلب شاتیا
فما زال بی معروفهم وافتقادهم

 

بعیدا عن الأوطان فی الزمن المحل
وبرهم حتى حسبتهم أهلی[55]

الخاتمة:

تمثّل کتابات الشیخ سیف بن حمود البطاشی مجالا خصبا للباحثین؛ لما تثیره من نقاش ونقد وتحلیل. وقد ناقش الشیخ فی کتاباته عن المهلب أهم القضایا الإشکالیة حول حیاته ونسبه، ولم تکن غایاته استقصاء أحداث حیاته ومعالم شخصیته. واتضح من خلال البحث قوة العناصر التی اعتمد علیها الشیخ البطاشی فی إثبات عمانیة المهلب وأبنائه، وقوة الدلیل والحجة التی اعتمدها فی إثبات أنه لیس من دبا؛ إذ یرى الشیخ  البطاشی أن المهلب ووالده من أدم، وأن البوسعیدیین هم امتداد المهالبة فی عمان. وأثبت الشیخ البطاشی رغبة المهلب فی الابتعاد عن الفتن، وذکر أهم العناصر التی تتسم بها شخصیته. ویمیل الشیخ البطاشی فی أسلوبه إلى الاستطراد، فیذکر الحوادث التاریخیة، ویستطرد أحیانا فی التراجم والمقطوعات الأدبیة. ویوصی البحث بضرورة العنایة بکتابات الشیخ البطاشی، وإعادة طباعة مؤلفاته التی نفدت من الأسواق منذ زمن. کما یوصی بضرورة تکریم شخصیة المهلب بتسمیة معالم البلد الحضاریة باسمه.


 


[1] مجموعة باحثین، 2013م، الموسوعة العمانیة، وزارة التراث والثقافة، مسقط، م5،ص ص 1946-1947

 

[2] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، مسقط، بلا تاریخ ص10-11.

[3] المصدر نفسه، ص 5-6

[4] المصدر نفسه، ص 6

[5] المصدر نفسه، ص 13

[6] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص17-18.

[7] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص14-15.

[8] البطاشی، سیف بن حمود، مرجع سابق، ص17

[9] المصدر نفسه، ص17 ، ویرى صاحب الأغانی أن سبب تسمیته بأبی صفرة أنه کان یصفر لحیته أنظر الأغانی:ج2،ص76

[10] البطاشی، سیف بن حمود، مرجع سابق، ص18

[11] قصص وأخبار جرت فی عمان، ص 82-83

[12] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص23.

[13] المصدر نفسه، ص 34

[14] المصدر نفسه، ص 18

[15] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص25.

[16] المصدر نفسه، ص 25

[17] المصدر نفسه، ص 25

[18] المصدر نفسه، ص 8

[19] المصدر نفسه، ص8-9.

[20] یعنی نفسه

[21] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص 9

[22] المصدر نفسه، ص 9

[23] المصدر نفسه، ص 9

[24] المصدر نفسه، ص 8

[25] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص10.

[26] المصدر نفسه، ص 396

[27] البوسعیدی، الموجز المفید، ص 8.

[28] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص13.

[29] المصدر نفسه، ص 13

[30] یقصد الشیخ محمد بن شامس ص13

[31] البطاشی، سیف بن حمود، الطالع السعید، مسقط، بلا تاریخ، ص396.

[32] المصدر نفسه، ص 400

[33] البطاشی، سیف بن حمود، الطالع السعید، ص396.

[34] المصدر نفسه، ص 398-399

[35] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص27.

[36] المصدر نفسه، ص 29

[37] المصدر نفسه، ص 29 والفرس من خیول عمان

[38] المصدر نفسه، ص 29

[39] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص30.

[40] المصدر نفسه، ص30-31

[41] المصدر نفسه، ص 31-32

[42] المصدر نفسه، ص 32

[43] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص23-33.

[44] المصدر نفسه، ص 33-34

[45] المصدر نفسه، ص 34

[46] المصدر نفسه، ص34.

[47] المصدر نفسه، ص 34

[48] أخبار المهلب  وحرب الخوارج أفرد لها البطاشی صفحات کثیرة انظر البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص34-72

[49] المصدر نفسه، ص 27

[50] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص43.

[51] المصدر نفسه، ص 47

[52] المصدر نفسه، ص 28

[53] المصدر نفسه، ص74.

[54] البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب، ص 76

[55] المصدر نفسه، ص 76

 

  • البطاشی، سیف بن حمود، الطالع السعید: نبذة من تاریخ أفمام أحمد بن سعید، بلا، ط1، 1417/1997م، ؟
  • البطاشی، سیف بن حمود، تاریخ المهلب القائد وآل المهلب،بلا ، ؟
  •  البطاشی، سیف بن حمود، إتحاف الأعیان فی تاریخ بعض علماء عمان، ج1، ط1، 1413/1992م، ؟
  • مجموعة مؤلفین، الموسوعة العمانیة، مجلد5، مسقط، وزارة التراث والثقافة، ط1، 1434/2013م.
  • المعولی، محمد بن عامر، قصص وأخبار جرت فی عمان، تحقیق سعید بن محمد الهاشمی، مسقط، وزارة التراث والثقافة، ط2، 1435/2014م.