أنماط التعلق الوالدي وعلاقته بالميل للاستقلالية لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط من وجهة نظر الأمهات

الباحث المراسلداؤد الظفري جامعة نزوى/ جهة العمل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية
د. أحمد الفواعير جامعة نزوى

تاريخ تسليم البحث :2023-03-07
تاريخ تسليم البحث :2023-03-07
تاريخ تسليم البحث :2023-03-26
تاريخ تسليم البحث :2023-03-26
تاريخ تسليم البحث :2023-03-26
تاريخ قبول البحث :2023-05-16
تاريخ نشر البحث :2024-10-08
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك  |   تحميل المقال

مقدمة

إن تربية الأبناء وتنشئتهم النشأة الصالحة والإيجابية أمر في غاية الصعوبة والأهمية، فالأسرة هي الأساس والوسط الأول الذي يؤثر في شخصية الفرد، ويحدد سلوكه المستقبلي، وينشئ هويته، ويبني ذاته، فالفرد يكتسب من الأسرة القيم الثقافية، والعادات والتقاليد، والاتجاهات والميول، وطرق التفكير، وأساليب التعامل والتواصل مع الآخرين، وقد أكدت الكثير من النظريات على أهمية الخبرات الأسرية الأولى في سلوك الأبناء واتجاهاتهم، كنظرية التحليل النفسي لفرويد، ونظرية إريكسون في النمو النفسي الاجتماعي، ونظرية التعلق الإيثولوجية لبولبي (أبو غزال، 2015)وتؤثر هذه الخبرات والعلاقات المصاحبة في نمو الفرد في الأسرة بين الوالدين في تطوير النمو النفسي والاجتماعي لدى الفرد، وتكوين أبعاد شخصيته؛ ولهذا فإن ما يتميز به الفرد في حياته المستقبلية من سمات وصفات إيجابية أو سلبية، إنما قد اكتسبها بعد ولادته نتيجة للعلاقات الأولية، ولتفاعله مع الأساليب التربوية التي عاشها في محيط الأسرة.

يبدأ الطفل بعدها حياته المدرسية التي تعني أنه قد بدأ حياة اجتماعية خارج نطاق الأسرة، مما يجعل لهذه المرحلة أهمية كبرى، وأنها مرحلة حرجة وحساسة للطفل؛ لأنه ينتج عن ذلك تغير كبير في نوعية الحياة، وقد يتعرض الطفل للأزمات والتوترات والانفعالات الحادَّة، فهو يجد نفسه في محيط اجتماعي جديد، مما يفرض عليه إقامة علاقات مع أشخاص جدد ذوي أنماط مختلفة، وممارسة الكثير من الأعمال والمهام التي تلزمه بأن تكون لديه استقلالية ذاتية تساعده على إكمال هذه المهام والأعمال، فمرحلة الطفولة تعتبر ذات أهمية كبرى في تكوين شخصية الطفل وتحديد اتجاهاته وتكوين الأنماط المختلفة لديه، وهذا يعتمد بشكل كبير على نوع الخبرات التي يواجهها، وعلى نوعية التعلق والعلاقات المتبادلة بين الطفل ومقدم الرعاية (العيسوي، 1993).

أثار موضوع التعلق اهتمام العديد من الباحثين والمهتمين بنمو الطفل وتنشئته الاجتماعية. ففي مرحلة الطفولة يعتبر التعلق ذا أهمية شديدة؛ لأنه يمثل البداية لحياة الطفل الاجتماعية وارتباطاته العاطفية مع الآخرين، ويساعده في تكوين سلوكياته واستقلاليته الشخصية وثقته وتعاملاته مع الآخرين، فالتعلق يلعب دورًا أساسيًّا وحيويًّا في حياة الطفل (أبو غزال، 2015). فالتعلق يعد مظهرًا من مظاهر النمو النفسي المؤثرة والفعالة، والمنبع الأساسي والحيوي في تكوين شخصية الفرد في المستقبل، فخلال مرحلة الطفولة يتلقى الفرد خبرات مبكرة تؤثر بشكل كبير في تكوين قدرته على إقامة علاقات جيدة مع الآخرين، وجميع الأفراد في طفولتهم المبكرة  ينبغي أن يتعرضوا للاهتمام وتبادل الحب وعدم التعرض للإهمال والإساءة، فهذا يعتبر من الخصائص الأساسية للخبرات التفاعلية؛ إذ إن الشخص السويَّ هو الذي تكون بينه وبين مقدم الرعاية خبرات تعلق إيجابية وسوية في مرحلة الطفولة المبكرة، وهذا التعلق يؤثر على جوانب كثيرة في حياته الشخصية والاجتماعية (Waters et al, 2000).

تعتبر نظرية التعلق التي قام "بولبي" بتحسينها وتطويرها من أهم نظريات التطور في العقود الأخيرة، والتي يستلهم منها العلماء والباحثون المختصون في علم النفس علاقة الأسرة بالطفل والتركيز على التطور الطبيعي. ويعرف بولبي التعلق بأنه "علاقة عاطفية ثابتة ومتواصلة بين الطفل والمعتني به الذي يمنحه الأمان والحماية". وتقوم هذه النظرية على فكرة أساسية، وهي أنه خلال انتقال الطفل من مرحلة إلى أخرى من مراحل حياته، يكون لديه تطور في الميول والسلوكيات المختلفة الحيوية للبقاء؛ كالبكاء والضحك وغيرها، وأن هذه السلوكيات تشير إلى مقدم الرعاية الأساسية بأن لدى الطفل حاجة للاتصال به، فلذلك يعتبر التعلق منظومة سلوكيات للبقاء توجد لدى جميع الأطفال، هدفها تعزيز تقرب الطفل من مقدم الرعاية الأساسية بهدف جعل الطفل يحس بالأمان والحماية في الأوقات الصعبة (سروان، 2015). 

كما ساهمت أينسورث "Ainsworth" في نظرية التعلق من خلال الدراسة التي قامت بها والتي تسمى "الموقف الغريب"، حيث قامت بتصنيف أنماط التعلق بين الطفل ومقدم الرعاية إلى ثلاثة أنماط وهي: الآمن والقلق والتجنبي، وقد أشارت نتائج الدراسة إلى أنه عندما يجتمع الطفل مع أمه أو مقدم الرعاية بعد فترة انفصال، فإن الطفل الذي لديه تعلق آمن يصبح مرتاحًا في لقاء أمه أو مقدم الرعاية، ويقوم باستكشاف بيئته بِحُرِّيَّة، أما الطفل الذي لديه تعلق قلق فتكون علاقته بمقدم الرعاية متناقضة، ويسعى إلى الاتصال الجسدي الوثيق بمقدم الرعاية، ويحافظ أيضا على القرب منه خوفًا من مغادرته مرة أخرى، وأما الطفل الذي لديه تعلق تجنبي فإنه لا يبدي شعورًا بالارتياح أو السعادة عند اجتماعه بمقدم الرعاية، ويظهر بأنه لا يرغب في علاقة الارتباط (Waddleton, 2017)؛ إذ أكدت هذه الدراسة أن الأطفال الذين لديهم أنماط تعلق آمن تكون لديهم شخصية منتظمة ومتسقة ومتجاوبة مع احتياجاتهم الجسدية والعاطفية، وتكون لديهم ثقة كبيرة بأنفسهم ويستطيعون أن يتكيفوا اجتماعيًّا مع الأطفال والانخراط في تعلم جديد، وأما الأطفال الذين لديهم أنماط تعلق غير آمنة، فإنهم يعانون من صعوبة في التنظيم العاطفي والتعبير السلبي ويكون لديهم موقف من الشك فيما يتعلق باستجابة شخصية التعلق، كما أنهم يجدون صعوبة في تكوين روابط عاطفية حميمة، ويظهرون أنهم غير مبالين وغير مستقلين (Moreira et al, 2021).

لذلك يتضح أن الأفراد الذين كانت لديهم أنماط أو ارتباطات آمنة مع مقدم الرعاية، لديهم صعوبة أقل في الانتقال من بيئة البيت إلى الخارج، مما يكسبهم قدرة على التعامل بشكل ناجح مع تحديات الحياة الجديدة وتطوير الاستقلال لديهم من غير الرجوع أو الحاجة للاستشارة لمقدم الرعاية أو طلب المساعدة في غالب التحديات (Waddleton, 2017).

يؤثر التعلق على الاستقلال الذاتي لدى الفرد؛ إما على نحوٍ سلبي أو إيجابي. إذ يعرف الاستقلال الذاتي بأنه عبارة عن مجموعة من الممارسات المقصودة التي تعطي الفرد القوة في التصرف، مما يجعله عاملا أساسيًّا وأوليًّا للحفاظ على الحياة وجعلها أكثر قوة وجودة. ويشير الاستقلال الذاتي لدى الفرد إلى قدرته على أن يتجاوز ويتجاهل قرارات الأشخاص المسؤولين عنه أو المحددين لسلوكياته، وأن يستطيع بقدرته الذاتية وإرادته الخاصة استخدام وتنفيذ قراراته الحياتية (الخولي، 2020).

يحاول الطفل منذ صغره أن يؤكد ذاته بأنه إنسان له عقل وإرادة خاصة به، حتى يصبح أكثر استقلالا بنفسه ولا يعتمد على الآخرين؛ لذلك فإن من أهم مهام النمو النفسي، شعور الطفل بأنه إنسان مستقل، فالاستقلال الذاتي يعتبر من مطالب النمو النفسي ومن أهم مكونات الشخصية السويَّة، وخاصة في المرحلة العمرية التي ينتقل فيها الطفل من البيئة الأسرية إلى البيئة المدرسية ويبتعد عن والديه ويمارس بعض الأفعال بمفرده، كما يدخل في علاقات جديدة ومختلفة (محمود، 2020).

يتضح لدى الباحثين بأن الأسرة تعتبر سببًا رئيسيًّا ومؤثرًا مهمًّا في تكوين شخصية الطفل، وتحديد اتجاهاته، كما أن نمو التعلق وتكونه لدى الطفل -بصورة آمنة أو غير آمنة- يعتمد على نوعية العلاقات والتفاعلات التي يتبادلها الطفل مع والديه؛ فالتعلق بنوعيه -الآمن وغير الآمن- يؤثر في استقلالية الطفل واعتماده على ذاته، وقدرته على القيام بالأنشطة والمهام اليومية؛ إذ تعتبر الاستقلالية من مطالب النمو النفسي ومن أهم مكونات الشخصية السوية

لذلك فإنه من خلال الرجوع إلى الأدب النظري والدراسات التي تحدثت عن أنماط التعلق بشكل مفصل، يتبين بوضوح وجود علاقة بين أنماط التعلق وتكوين شخصية الطفل واستقلاليته الشخصية وقدرته على تكوين صداقات وعلاقات اجتماعية سواء داخل الأسرة أو خارجها. كما أن المرحلة العمرية لعينة الدراسة لها أهمية كبرى في حياة الفرد؛ فهي تعتبر المرحلة الأولى في بداية التعاملات الخارجية وتكوين العلاقات التي تكون خارج نطاق الأسرة، وابتعاد الطفل عن أمه أو مقدم الرعاية، مما يتوجب على الطفل بأن تكون لديه القدرة على الاستقلالية الشخصية والاعتماد على نفسه في القيام بالكثير من الأعمال والمهام، والقدرة على التكيف الاجتماعي وتكوين الروابط العاطفية والصداقات بين الأقران التي تساعده في تأدية المهام ومواجهة تحديات الحياة الصعبة.

وقد أشار الأدب النظري إلى ندرة الدراسات بشكل كبير والتي جمعت بين متغير أنماط التعلق والميل للاستقلالية عند هذه العينة التي تم اختيارها؛ فقد وجد الباحثان دراسة واحدة عربية قريبة من متغيرات الدراسة وهي دراسة الخطيب (2019). وهذا ما يميز الدراسة الحالية لاستقصاء العلاقة بين هذين المتغيرين على عينة الدراسة. وعلى هذا الأساس المنطقي، فإن الدراسة الحالية تبحث للتعرف والكشف عن العلاقة بين أنماط التعلق والميل للاستقلالية لدى الأطفال والذين هم طلبة الحلقة الأولى، وعلى ضوء ما سبق تتحدد مشكلة الدراسة في السؤال الرئيسي الآتي: (ما العلاقة بين أنماط التعلق الوالدي والميل للاستقلالية لدى عينة من أمهات طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط؟).

ويتفرع من السؤال الرئيسي الأسئلة التالية:

1- ما أنماط التعلق الوالدي السائدة لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط من وجهة نظر الأمهات؟

2- ما هو مستوى الميل للاستقلالية لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط من وجهة نظر الأمهات؟

3- هل توجد علاقة ارتباطية دالة إحصائياً بين أنماط التعلق الوالدي والميل للاستقلالية لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط؟

أهداف الدراسة

تهدف الدراسة إلى الآتي:

1- التعرف على أنماط التعلق الوالدي السائدة لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط من وجهة نظر الأمهات.

2- التعرف على مستوى الميل للاستقلالية لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط من وجهة نظر الأمهات.

3- الكشف عن العلاقة بين أنماط التعلق الوالدي، والميل للاستقلالية لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط.

أهمية الدراسة

الأهمية النظرية: تكمن أهمية الدراسة في التعرف على العلاقة بين أنماط التعلق الوالدي والميل للاستقلالية لدى طلبة الحلقة الأولى. كما تبرز أهمية الدراسة في أهمية متغيراتها والفئة المستهدفة؛ فالدراسات التي تناولت العلاقة بين أنماط التعلق الوالدي والميل للاستقلالية هي نادرة بشكل كبير حسب اطلاع الباحثَين، وذلك من حيث اجتماع هذين المتغيرين والعينة المذكورة، وهي مرحلة عمرية مهمة؛ لأنها متوسطة بين المراحل العمرية الأولى والمراحل العمرية المتأخرة، وبالأخص في سلطنة عمان والدراسات العربية وكذلك الدراسات الأجنبية. كذلك تتمثل أهمية هذه الدراسة في تقديم فائدة علمية تربوية، وإضافة جديدة إلى ما هو متاح من أدبيات ومعلومات نظرية متعلقة بمتغيراتها، وجمع هذه المعلومات وإتاحتها للباحثين والمهتمين.

الأهمية التطبيقية: قد تسهم الدراسة الحالية في مساعدة الباحثين المختصين ومن لهم دور في ذلك  لتقديم وإعداد برامج توعوية ووقائية وإرشادية للأسرة والمجتمع، وذلك لرفع مستوى المعرفة فيما يتعلق بأنماط التعلق وما لها من آثار إيجابية وسلبية في تكوين الاستقلالية لدى الطفل. كما تسهم بتزويد الوالدين العديد من الإرشادات المتعلقة بالمعاملات والعلاقات الوالدية، وبضرورة استخدام الأنماط الإيجابية التي تسهم في زيادة الثقة لدى أبنائهم، وجعلهم أعضاء فاعلين في مجتمعهم، والابتعاد عن استخدام الأنماط السلبية. كما تبرز أهمية الدراسة في كونها تزود المجتمع العلمي -لا سيما العماني- بأدوات الدراسة لقياس مستوى أنماط التعلق الوالدي والميل للاستقلالية، والتي تتمتع بخصائص سيكومترية ومناسبة للبيئة العمانية.

مصطلحات الدراسة

أنماط التعلق

عرفت بأنها "عاطفة قوة متبادلة بين الطفل ومقدم الرعاية، تعكس رغبة كل منهما في المحافظة على القرب منهما، وتعد الأساس الذي تبنى عليه العلاقات الحميمة اللاحقة والتفاعلات الاجتماعية بشكل عام (أبو غزال، جرادات، 2009، ص45).

وإجرائياً هي: الدرجة التي تحصل عليها أمهات طلبة الحلقة الأولى من خلال الإجابة على فقرات مقياس أنماط التعلق في موضع الدراسة.

الميل للاستقلالية

عرفها إلبورت بأنها: سمة لدى الشخص تمثل استعداده الشخصي وتظهر على شكل سلوك استقلالي يتفرد به الفرد ويميزه عن غيره في كفايته الذاتية واتخاذ قراراته، ويمتلك سلوكاً إيجابياً وحرية في الرأي والاختيار والتعبير (Allport, 1961).

وإجرائياً هي: الدرجة التي تحصل عليها أمهات طلبة الحلقة الأولى خلال الإجابة على فقرات مقياس الميل الاستقلالية موضع الدراسة.

حدود الدراسة

تتحدد هذه الدراسة بالحدود الآتية:

الحدود الموضوعية: أنماط التعلق الوالدي وعلاقته بالميل للاستقلالية في محافظة مسقط.

الحدود البشرية: تتحدد عينة الدراسة بأمهات طلبة الحلقة الأولى في محافظة مسقط.

الحدود المكانية: سلطنة عمان - محافظة مسقط.

الحدود الزمانية: العام الدراسي 2021/2022.

الإطار النظري

أولاً: أنماط التعلق

لقد أعطت نظرية التعلق لـ"جون بولبي" دورا أساسيا في التنمية البشرية التكيفية للعلاقات الشخصية الداعمة بين الطفل ومقدم الرعاية من مرحلة الطفولة الأولى إلى المرحلة الأخيرة، وذكر بولبي أن الصحة العقلية والتفاعلات والشخصية الذاتية للطفل مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعلاقات مع شخصيات التعلق الذين يقدمون الدعم العاطفي والحماية الجسدية (Bretherton & Munholland, 2008). كما زاد الاهتمام بشكل كبير بنظرية التعلق، وخاصة من قبل المحللين النفسيين المهتمين بالبحث التجريبي، فنظرية التعلق تركز وتتعامل مع ارتباط الطفل بمقدم الرعاية له، وشرح الفروق الفردية في صفات التعلق، وأشارت النظرية من خلال التجارب التي أقيمت من خلالها إلى الفرق بين الطفل الذي تكون عنده قاعدة آمنة، فإنه ينطلق بحرية تامة واعتمادية وثقة ذاتية بنفسه ليستكشف ما حوله ويتعرف على العالم، بينما الطفل الذي تكون عنده قاعدة غير آمنة، فإنه لا يأخذ حريته في اللعب واستكشاف العالم ويكون في قلق واضطراب وخوف، مما يجعله يجد صعوبة في التعايش والتكيف الاجتماعي بشكل تام وسليم (Gullestad, 2001).

قدمت نظرية التعلق لـ"بولبي" وسيلة لفهم كيف يمكن للتنوع في بيئة تقديم الرعاية المبكرة أن يؤثر على نمو الطفل والاعتراف بأن الطفل ليس هو فقط الذي يتأثر بتجارب التعلق، وإنما كذلك سياق التنمية اللاحق ومسارها، كما أن تجارب التعلق والعمليات التي تحدث هي ديناميكية للغاية، لأن بيئة تقديم الرعاية لا تشكل فقط توقعات الطفل حول العالم، ولكن هذه التوقعات بدورها تؤثر على الطريقة التي يتعامل بها الناس في العالم الاجتماعي مع الطفل، ونتيجة لذلك، من المحتمل أن يكون هناك تماسك قابل للاكتشاف بمرور الوقت في الطريقة التي يعمل بها الطفل، وعلى الرغم من أن السلوكيات المحددة التي لوحظت بمرور الوقت قد تتغير، إلا أن الموضوعات الأساسية التي تميز سلوك الطفل قد تكون مستقرة نسبيا (Fraley & Spieker, 2003).

وقد ذكر عبد النبي (2014، ص23-24) أن نظرية "بولبي" تقوم على أسس رئيسية وهي كالتالي:

أولًا:التعلق حاجة إنسانية أساسية؛ من أجل نمو الإنسان. ثانيًا:الطفل يقترب من الأبوين أو مقدمي الرعاية، طالباً المساعدة والدعم الانفعالي، عندما يشعر بالخطر، وفي أوقات المحن، وعلى حسب رد فعل الأبوين يشكل الطفل نمطاً للرابطة الانفعالية بالأبوين. ثالثًا:السلوك الوالدي الذي يكون فيه نقص في الرعاية يرتبط بالتعلق غير الآمن، بينما الاهتمام والرعاية والتدعيم من جانب الأبوين للطفل، يرتبط بالتعلق الآمن. رابعًا: العلاقات الوطيدة والوثيقة بالأبوين أو مقدمي الرعاية، تعطي إحساسًا وشعورًا بالأمن في الطفولة، وهذا يرسخ الثقة لدى الطفل. خامسًا:عندما يمنح أحد الوالدين الأمن للطفل؛ فإن ذلك يشجعه على تنمية مهارات الاستكشاف للعالم، ويتعلم مستويات من الاستقلالية عندما يتعامل بمفرده مع من حوله، ويكون لديه ثقة بأن الآخرين ممن حوله سيساعدونه عندما يحتاج إليهم. سادسًا: العلاقة مع مقدمي الرعاية، وأنماط التعلق، وجودة التعلق، تشكل اعتقادات الفرد عن نفسه وعن الآخرين، ويستمر ذلك طول حياته، ويؤثر على العلاقات مع الآخرين، و يؤثر على الاستجابة للضغوط والصدمات في الحياة.

أنماط التعلق

التعلق الآمن: إن الأطفال الذين يكون لديهم نمط التعلق الآمن يتميزون برعاية حساسة ومتوافقة، لهذا فهم قادرون على الثقة والاعتماد على الأفراد لتلبية احتياجاتهم، ونتيجة لذلك يشعرون بالثقة في تكوين علاقات مع الآخرين لها أهداف محددة، ليحققوا أقصى استفادة من فرص التعلم، واستكشاف العالم المحيط بهم، والمشاركة في الأنشطة الإنتاجية، وحل المشكلات، فهؤلاء الأطفال مرنون عاطفيًّا ولديهم وعي ذاتي بأنفسهم (Finegan et al, 2014). كما يتميز أطفال هذا النمط بأنهم عندما يحتاجون إلى الراحة والمساعدة يتوجهون إلى أمهاتهم، وأحيانا يبتعدون عنهن لكي يستكشفوا البيئة المحيطة، ولكن عندما تختفي أمهاتهم لفترة قصيرة يظهرون قليلا من القلق، ومع ذلك عند عودة الأمهات يشعرون بالسعادة (أبو غزال، 2015).

التعلق التجنبي: إن الأطفال الذين يكون لديهم هذا النمط من التعلق يعانون من تقديم الرعاية غير الحساسة أو الرافضة، فهم مستقلون عن مقدم الرعاية أو الاعتماد عليه، وموجهون نحو أداء المهمة، ويعتمدون على أنفسهم ويحققون نجاحًا كبيرًا في بعض الجوانب، لكنهم في المقابل غير مرتاحين اجتماعيًّا، ويظهرون اللامبالاة ويتجنبون العلاقات الوثيقة، وقد يجدون صعوبة في طلب المساعدة، ولديهم إبداع محدود وقد يكونون عرضة للنوبات المفاجئة (Finegan et al, 2014).

 التعلق القلق: يعاني الأطفال الذين يكون لديهم نمط التعلق القلق من تقديم الرعاية غير المتسقة وغير المستجيبة لحد كبير، وفي بداية التعلق يشعرون بالراحة، أما عند الانفصال فيصبحون في غاية الحزن، وعندما يجتمعون بمقدم الرعاية بعد ذلك يجد مقدم الرعاية صعوبة في تهدئة الطفل، وغالبا ما يظهر الطفل سلوكيات متضاربة تشير إلى أنه يريد أن يشعر بالراحة، ولكنه يريد أيضًا معاقبة مقدم الرعاية على المغادرة (Frale & Spieker, 2003). 

التعلق غير المنتظم: يتكون هذا النمط عند الأطفال الذين لا يدركون أو لا يتنبؤون بالذي يتوقعونه من آبائهم، فيعانون من التضارب بين الاستجابة وعدم الاستجابة، أو الاستجابة بشكل خاطئ من مقدم الرعاية، فيتصف سلوك الأطفال بالافتقار إلى الوضوح، وغالبا ما يكون ممزوجًا بالتجنب أو العناد، وأحيانا يظهرون أحد الأمرين الرفض أو العصبية عند حضور مقدم الرعاية، حيث ينتج عن تلك السلوكيات غير المنظمة تمثيلات عقلية غير متكاملة تجاه مقدم الرعاية باعتباره مصدرًا للخوف والراحة على حد سواء، فسلوكهم يتميز بالسلبية وغياب التماسك والتنظيم (القدسي، 2017).

النظريات المفسرة للتعلق

نظرية التحليل النفسي (Psychoanalytic Theory)

تعتبر نظرية التحليل النفسي في مقدمة النظريات التي فسرت العلاقة بين إشباع الحاجات العاطفية – الأمنية لدى الطفل وبين سعيه إلى إشباع حاجاته المعرفية – الاستطلاعية، كما أنها ترى بأن الفرد البشري في عملية التعلق لا يكون دوره فعالا، وإنما يقوم بدور سلبي يكون فيه عرضة لتأثيرات سلوكيات الأمومة وما ينجم عنها من نتائج عاطفية واجتماعية (Beck et al, 2005). لكن توجهات فرويد النظرية لم تؤيدها الأبحاث الميدانية التي لم تبين أن إشباع الحاجات البيولوجية هي سبب التعلق لدى الأطفال، وإنما الدفء العاطفي وتزويد الطفل بشعور الأمن هو سبب أقوى للتعلق كما أظهرت دراسات "هارلو" عام (1959)، كما أن نظريته أشارت إلى أنه عندما ينتقل الطفل إلى المرحلة الشرجية يجعله يتجه إلى السلوك الاستقلالي، ولم تفسر الانزعاج الذي يبدو على الأطفال عندما يتم فصلهم عن أمهاتهم (بني عرابة، 2017). ولهذا أشارت دراسة شيفر وإميرسون (Schaffer & Emerson, 1964) التي أجريت على عينة من الأطفال، والتي أظهرت أن الأشخاص يتعلقون لمن يستجيب لهم بسرعة ويقدم لهم خبرات الملامسة والاحتضان واللعب أكثر من أن يتعلقوا بمن يقدم لهم التغذية والاستحمام وتبديل الملابس، فعملية التعلق لا تنشأ فقط عندما يتم إشباع الحاجات البيولوجية، وإنما تنتج أيضًا عن سلوكيات العناية والقرب والملامسة والعناية العاطفية (Eysenck, 2001). 

نظرية جون بولبي (Jon Bowlby Theory)

لقد قام بولبي (Bowlby, 1969) بتطوير نظرية التعلق - الإيثولوجية وساهم معه العديد من الباحثين لتوسيع النظرية عبر الثقافات. ووفقًا لبولبي فإن الارتباط بالآخرين هو آلية بقاء عبر الثقافات يفصلها التطور، ولقد افترض بأنه على الرغم من أن أنماط التعلق الفردية قد تتغير خلال العمر، إلا أنها في العادة تبقى ولا تتغير، ويتم تعريف التعلق من خلال الطرق التي يتفاعل بها الناس مع الآخرين في أوقات التوتر، ومن خلال التفاعل مع مقدم الرعاية يطور الأطفال نماذج عمل داخلية توضح كيفية تفاعلهم مع مقدمي الرعاية وغيرهم طوال مراحل حياتهم، كما أكد بولبي على أهمية استجابة مقدم الرعاية في تطوير التعلق، وافترض أن البحث عن القرب وتنشيط نظام التعلق أساسيان للأداء الداخلي والشخصي (Kietaibl, 2012).

ترتكز نظرية التعلق لبولبي على ثلاثة ادعاءات مركزية ينبع أحدها من الآخر: الركيزة الأولى تشدد على الحاجة الإنسانية العامة في بناء علاقات ودية وثيقة، حيث يصل الطفل إلى العالم مزودًا بمنظومة سلوكيات هدفها خلق تقارب لمقدم الرعاية الأساسية، وادعى بولبي أن هذا السلوك يزداد عندما يشعر الطفل بالتهديد والخطر وعندما يقع في حالات ضغط، إضافة إلى حاجته لسد احتياجاته الجسدية والعاطفية، كما أن هذا السلوك ينخفض عندما يشعر الطفل بالأمان ويستعين بمقدم الرعاية الأساسية كقاعدة آمنة تساعده على الانطلاق لتفحص العالم. الركيزة الثانية تشدد على أهمية وجود مقدم الرعاية الأساسية وعلى مدى حساسيته للإشارات الصادرة من الطفل، وعلى قدرته للاستجابة لتلك الإشارات بشكل مناسب، من خلال التعبير الإيجابي تجاه الطفل واحتياجاته، فقد افترض بولبي (Bowlby, 1973) أن التفاعل مع شخصية حساسة ومستجيبة وداعمة للحاجة تجعل منظومة التعلق تعمل على أحسن وجه وتخلق لدى الطفل شعورًا بالأمان مما ينتج عن ذلك رؤية إيجابية للذات وللآخرين. الركيزة الثالثة تفترض أن الطريقة التي يستوعب فيها الطفل ردود فعل مقدم الرعاية الأساسية والتي تكونت "كنماذج داخلية عامة" وتحتوي على مكونات عقلية، وعاطفية، ودافعية، ووصفية، تعمل أساسا في مستوى غير واعٍ، وتشمل توقعات الطفل بالنسبة لقيمته الذاتية وقيمة الآخر في إطار العلاقة، بالمقابل يبني الطفل نماذج فكرية لمفهوم "الذات" تعكس الطريقة التي يستوعب بها ذاته ويقدرها في مجالات مختلفة (سروان، 2015).

ثانياً: الميل للاستقلالية

خلال مرور الطفل بالمراحل العمرية ومن ضمنها مرحلة الطفولة الوسطى تتولد لدى الطفل حاجات عديدة، ومنها الحاجات النفسية، وأهمها الحاجة إلى الحرية والاستقلال والاعتماد على النفس، والتي يسعى إليها الطفل في نموه، فهو يحتاج إلى تحمل بعض المسؤوليات بشكل جزئي أو بشكل كامل، كما يحتاج إلى أن يكون لديه شعور بالحرية والاستقلالية وإكمال مهامه بنفسه دون أن يساعده الآخرون مما يزيد من ثقته بنفسه (زهران،1986).

"وقد لاقى مفهوم الاستقلالية اهتمامًا كبيرًا بوصفه أحد القيم العليا في العلوم الاجتماعية، ولأنه يمثل قوة الفكر في مواجهة الأفكار المضادة والتبعية؛ ولذلك اهتم علماء النفس -وبالأخص الإنسانيون منهم- كأمثال "إيريك فروم" و"هورني" بهذا المفهوم لما له من علاقة في مواجهة صعوبات الحياة وتحدياتها، وقد اتفقوا إلى حد ما على أهميته في الحياة" (الزيدي، 2021، ص386). لذلك يمكن القول: إن نمو الاستقلال الذاتي لدى الطفل يؤثر بشكل إيجابي، وإن الدافع الأساسي لهذا النمو هو شعور الطفل بالكفاءة والسيطرة على البيئة، وإذا كان الشعور بالاستقلالية والقدرة على المبادرة هو الوسيلة المثلى لتحقيق ذلك الدافع فإنه يجب الاهتمام بكيفية تنمية روح الاستقلالية لدى الطفل، وذلك من خلال تدريبه وتوجيهه للاعتماد على نفسه بأن تهيئ له الأسرة الفرص وتوفر له الخبرات التي يمر بها وتساعده في تحقيق الاستقلالية عنها (بوشلالق، 2006). وتعتبر الاستقلالية من المطالب والحاجات الأساسية لدى الطفل عبر مراحل الطفولة التي يمر بها، فهي أساسية حتى تنمو شخصية الطفل ويستطيع إكمال بعض مهامه، مما يمنحه الشعور بالثقة وبالتالي يعزز شخصيته، أما الطفل الذي يفتقر إلى الثقة فهو لا يقوى على المبادرة والمواجهة. فالطفل كلما تقدم في العمر كان انفصاله عن والديه أكثر، والاتساع في دائرة العلاقات الاجتماعية أكبر؛ ونتيجة لذلك يقل اعتماده على والديه مما يلزمه الاعتماد على النفس والاستقلال عن الآخرين (الحواس، 2017).

"إذ أكد العالم "وليمز" على أن سمة الاستقلالية ليست حاجة موروثة أو سمة فطرية عند الفرد، بل هي سمة مكتسبة يتعلمها الفرد من خلال التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، وهذا يتفق مع ما ذهب إليه العالم "روجرز" (Rogers) الذي أكد على أن الاستقلالية سمة تتحقق من خلال تفاعل الفرد مع البيئة وتنمو من خلال عمليتي النضج والتعلم، وحدد العالم "جوردن ألبورت" سمة الاستقلالية بأنها تمثل استعدادات شخصية تظهر على شكل سلوك استقلالي يتفرد به الفرد ويميزه عن غيره في اتخاذ القرار، وتحمل المسؤولية والثقة بالنفس وحرية الرأي والكفاية الذاتية ويمتلك سلوكًا إيجابيًّا" (الضفيري، 2018، ص326). كما أن "كوري" قد أكد على أن الاستقلالية تعلم الفرد السيطرة على الحياة، وهذا يشمل قدرته على تلبية الحاجات الشخصية، بحيث إنه لا يتعدى على حاجات الآخرين أو يحرمهم منها، أما الشخص الذي يتكل على الآخرين أو يعتمد عليهم فسوف يسعى لإشباع حاجاته بأي طريقة كانت حتى لو أضر بالآخرين (Corey, 2011).

النظريات المفسرة للاستقلال الذاتي                           

نظرية إيريك فروم (Eric Fromm)

يرى "فروم" أن الفرد في تدرجه في مراحل النمو من الطفولة إلى الرشد فإنه يحقق الاستقلال، إلا أن ذلك يعتمد على الشعور بالأمن لدى الفرد؛ فالمجتمع في اتجاهه نحو مزيد من الحركة والتعقيد وإلغاء الشخصية الفردية يؤدي بذلك إلى فقد "العلاقات الآمنة مع الجماعات الأساسية" مثل الأسرة والعشيرة أو القرية التي ينتمي إليها، وفقدان العلاقات الآمنة مع الطبيعة النفسية يورث الشعور بالوحدة والانعزال؛ لذلك يرى "فروم" أن الفرد يهرب من هذه الحرية إلى مكان أكثر أمنا، ويرى أن القوة التي تدفع الإنسان ليست إرضاء للدوافع الغريزية، وإنما في تحقيق ما أسماه "الاعتمادية"، ففي سيادة النظام النازي في ألمانيا أشار "فروم" إلى أن النازية تجتذب الناس لأنها قدمت لهم هروبًا من الحرية غير المحتملة التي يعيشونها، وقدمت لهم أسلوبًا للعودة إلى الاعتمادية وإلى الشعور بالأمن. (هربدى، 2011).

اقترح "فروم" ثلاثة أنواع من آليات الهروب وهي: أولا: علاقة روابط تعايشية ففيها لا يحقق الفرد الاستقلالية فهو يتجنب الوحدة وعدم الأمان حتى يصبح جزءا من شخص آخر، فيبقى الطفل متكلا على الوالدين منكرًا لنفسه ومضحيًا بها، وإما أن يستعيد الأمان عن طريق التلاعب واستغلال الوالدين واستسلامهما لرغباته (الزيدي، 2021). ثانيا: تفاعلات الانعزال، إذ تتميز بالابتعاد عن الآخرين، وقد أوضح "فروم" أن الانسحاب والهدم هما أشكال سالبة وموجبة لنوع العلاقة بالوالدين نفسها؛ بمعنى أنها أشكال من السلوك يتخذها الطفل معتمدًا على سلوك الوالدين؛ كأن يتصرف الوالدان بشكل هدمي نحو الطفل محاولين إخضاعه فيشعر الطفل بأنه غير قادر على عمل شيء دون مساعدة خارجية. ثالثا: الحب وهو أفضل أنواع الارتباط بين الطفل ووالديه، إذ يهيئ الوالدان في هذا النوع أعظم فرصة للطفل لنمو ذاته عن طريق تقديم الاحترام المناسب بين الأمان والمسؤولية؛ ونتيجة لذلك لا يشعر الطفل بالحاجة للهروب من حريته المتنامية (Fromm, 2020).

نظرية إريكسون (Erikson) للنمو الاجتماعي:

تناولت نظرية إريكسون الدوافع الحيوية والانفعالية وكيفية التوفيق بينها وبين متطلبات البيئة الاجتماعية، فلهذا يطلق عليها أحيانا، النظرية النفسية الاجتماعية في النمو. وتعتبر نظرية إريكسون هي الوحيدة التي درست النمو من الميلاد حتى المرحلة الأخيرة من حياة الفرد. وقد تناول إريكسون مراحل نمو الأنا وتكون الشخصية على نسق نمو الجنين، فكما أن الأعضاء تظهر وتتطور في مرحلة يمر بها الطفل فكذلك يسير مخطط نمو الشخصية، حيث يتتابع النمو والتطور على مدى المراحل التي ينتقل فيها حتى تتكون في النهاية الشخصية ككل.

في حديث إريكسون عن مراحل النمو النفسي للفرد، ذكر في المرحلة الثانية، والتي يكون عمر الطفل فيها ما بين السنة الثانية والثالثة، أنه يتطور لدى الفرد الشعور بالاستقلالية والتغلب على مشاعر الشك والخجل. ويظهر التميز في هذه المرحلة من خلال التطور الكبير في قدرة الطفل على التحكم بأعضاء جسمه وعضلاته، والاعتماد على نفسه في أغلب مهام حياته، فإن فشل في هذا التحكم، وكان هناك اصطدام قوي من الوالدين تجاهه أو من ينوب عنهما، فسوف يتطور لديه شعور بالخجل من نفسه والشك بقدراته، أما إن نجح في ذلك التحكم فإنه سيكون قد طور شعورًا بالاستقلال، مما يسهل عليه الانتقال بشكل سليم إلى المرحلة الثالثة، والتي يكون فيها ما بين الرابعة والخامسة من عمره، حيث يطوِّر فيها الشعور بالمبادأة (المبادرة) والتغلب على الشعور بالذنب. فبعد أن يطور الطفل قدرته الكبيرة على التحكم بحركات جسمه، عندها يجب عليه أن يتحرك في بيئته وينطلق في عالم جديد من الخبرة دون أن يعتمد على الوالدين أو من يقوم مقامهما في كل عمل يرغب بالقيام به. فإن نجح في ذلك فقد طور شعورًا بالمبادأة، أما إذا استمر في الاعتماد الشديد على والديه ولم يخرج إلى العالم المحيط به دون موافقتهما المسبقة فسوف يطور شعورا بالذنب؛ لأن الطفل يعلم بأن المجتمع في هذه المرحلة يتوقع منه أن يتفاعل مع بيئته مستقلا عن والديه (علاونة، 2004).

النظريات الإنسانية (Humanistic theories)

إن أصحاب هذا الاتجاه يرون أن الإنسان هو صاحب السلطة على نفسه، وأنه يمتلك القدرة والإرادة والحرية في الاختيار، ويستطيع قيادة نفسه والتحكم بها، ويقولون بأن كل أنواع السلوك الإنساني هي نتيجة دافع واحد هو تحقيق الذات. كما أن ماسلو (Maslow) يرى أن الشخص الذي يمتلك دافعًا للإبداع هو من يحقق ذاته، ويستخدم قدراته بطريقة مناسبة، وقد اتفق معه "روجرز" الذي يرى أن تحقيق الذات بالنسبة للإنسان يعتبر دافعا فطريا، وأن الفشل والإحباط يعتبران حاجزًا في طريق تحقيق الذات، وهو ما يؤدي إلى ظهور الأعراض والمشكلات المرضية.

يعتقد روجرز (Rogers) أن الاستقلالية تتحقق عندما يتفاعل الفرد مع بيئته، وأن نموها يتماشى مع النضج والتعلم الذي يتم في مراحل النمو، بالإضافة إلى تجارب الفرد وخبراته، وعلاقاته بالأشياء المحيطة به من أشخاص وجماعات ومبادئ، ويعتبر "روجرز" الاستقلالية إحدى خصائص الفرد المتكامل في الوظائف، وأن الفرد السليم يتميز بالإبداع والبحث عن خبرات، وتحديات جديدة، يهدف من خلالها إلى تحقيق ذاته بصورة مستمرة، والقدرة على التخلي عن السلوك الذي اعتاد عليه باختيار طريق الاستقلال (Rogers, 1995).

الدراسات السابقة

الدراسات التي تناولت أنماط التعلق

قامت هوكينز وآخرون (Hawkins et al, 2007) بدراسة في البرتغال تهدف إلى التعرف على نمط التعلق الوالدي الآمن والكفايات الاجتماعية لدى طلبة الروضة، وتكونت عينة الدراسة من (147) طالبا وطالبة من طلبة الروضة، وتم استخدام مهمة إكمال قصة نمط التعلق الخاص بالأطفال، وبطاقة ملاحظة الكفايات الاجتماعية لدى الأطفال والمقابلات الاجتماعية القياسية في عملية جمع البيانات، وتوصلت نتائج الدراسة إلى وجود علاقة ارتباطية موجبة بين نمط التعلق الآمن وبين مستوى الكفايات الاجتماعية لدى طلبة مرحلة الروضة؛ إذ إن الطلبة الذين لديهم نمط تعلق والدي آمن أكثر قدرة على إظهار المهارات الاجتماعية والانفعالية والمعرفية، مما يؤدي إلى قبولهم أكثر في مجموعة الأقران.

سعت دراسة السلحوت (2016) إلى الكشف عن العلاقة بين أنماط تعلق أطفال الروضة وكفاءتهم الاجتماعية مع الأقران في مدينة عمّان. تكونت عينة الدراسة من (38 ذكور، و30 إناث) تراوحت أعمارهم ما بين الرابعة والسادسة، كما استعملت  الباحثة مقياس أنماط التعلق الذي تم تطويره، ومقياسًا للكفاءة الاجتماعية. وقد أظهرت النتائج أن نمط التعلق السائد هو النمط التجنبي تلاه النمط الآمن، ثم النمط المقاوم، وأخيرا النمط المضطرب، وأشارت النتائج أيضا إلى أن الأطفال ذوي التعلق الآمن يتمتعون بكفاءة اجتماعية أفضل من ذوي التعلق غير الآمن.

هدفت دراسة كالتسوجلو وريبانا (Kallitsoglou & Repana, 2021) إلى الكشف عن العلاقة بين عدم تنظيم أنماط التعلق وضعف الانضباط الأمومي وعلاقته بمشاكل السلوك في مرحلة الطفولة المبكرة في اليونان، وكانت عينة الدراسة مكونة من (66) طفلا يبلغ عمرهم من (4 – 6) سنوات، وقد استعمل الباحث مقياس/ الاستبانة، وأجابت الأمهات عن ذلك. وأشارت نتائج الدراسة إلى وجود ارتباط بين أنماط التعلق غير الآمنة وعدم تنظيم أنماط التعلق بالشلل الدماغي، كما أشارت أيضا إلى أن عدم تنظيم أنماط التعلق وجوانب ضعف الانضباط الأمومي في الطفولة المبكرة يعكس عمليات موازية لها مساهمات فريدة في الإنتاج الأنظف.

كما هدفت دراسة الوهيب (2022) إلى التعرف على أنماط التعلق وعلاقتها بالتوافق الشخصي والاجتماعي في مرحلة الطفولة من (6 – 12) سنة من وجهة نظر الأمهات. وتكونت عينة الدراسة من (852) طالبا وطالبة من المدارس الابتدائية في منطقة الرياض، كما تم استخدام مقياس أنماط التعلق، ومقياس التوافق الشخصي. أشارت نتائج الدراسة إلى أن نمط التعلق الآمن هو الأكثر شيوعا لدى أفراد العينة، يليه نمط التعلق القلق، يليه نمط التعلق التجنبي، ثم نمط التعلق غير المنتظم، كما أظهرت النتائج أنه لا توجد علاقة بين بعد التعلق الآمن للأطفال وبين التوافق الشخصي، بينما كانت هناك علاقة عكسية سالبة بين أنماط التعلق الثلاثة الأخرى وبين التوافق الشخصي للأطفال، كذلك أشارت إلى وجود علاقة طردية موجبة بين بعد التعلق الآمن وبين التوافق الاجتماعي لدى أفراد العينة، وأنه توجد علاقة عكسية سالبة بين أنماط التعلق الثلاثة الأخرى وبين التوافق الاجتماعي لدى أفراد العينة.

الدراسات التي تناولت الميل للاستقلالية

هدفت دراسة عبد الأمير (2018) إلى التعرف على الاستقلالية وعلاقتها بالتذكر لدى أطفال الروضة. وقد تكونت عينة الدراسة من (150) طفلا وطفلة في مدينة بغداد، وطبقت الباحثة على العينة مقياس الاستقلالية، وتبنت اختبارا لقياس التذكر. وأظهرت نتائج الدراسة أن عينة البحث من أطفال الرياض تتمتع باستقلالية بدرجة متوسطة، وأظهرت النتائج أيضا وجود علاقة ارتباطية بين الاستقلالية والتذكر لدى أطفال الرياض.

أجريت دراسة الحداد (2019) لمعرفة مدى استقلالية الأطفال للمرحلة العمرية بين (6 – 9) سنوات، وإيجاد علاقتها بعمل المرأة في مدينة جدة. وكانت عينة الدراسة مكونة من (125) أمّ، واستعملت  الباحثة استبانة ومقابلات لتحقيق أهداف الدراسة. ومن أهم نتائج الدراسة: أن أبناء الأمهات العاملات في المجال التربوي لديهم استقلالية عالية في القيام بالكفاءة الذاتية، مثل: تبديل الملابس بمفردهم أو أن يحضر الطعام بنفسه في حال غياب الأم، كذلك أشارت النتائج إلى أن طبيعة عمل الأم في المجال التربوي وساعات عملها لا تؤثر على استقلالية أطفالها، وأن الأساليب التي تستخدمها الأم العاملة في المجال التربوي لمساعدة أطفالها على الاستقلالية هي (الديموقراطية، الحوار والنقاش، توكيل المهام، الثقة بالطفل).

هدفت دراسة الصرايره (2020) إلى التعرف على مستوى التفكير الإيجابي وعلاقته بالاستقلالية الذاتية لدى طلبة صعوبات التعلم في لواء المزار الجنوبي، في ضوء متغيري الجنس والصف، واستعملت  الباحثة مقياسين: التفكير الإيجابي، ومقياس الاستقلالية الذاتية، وطبقا على عينة تكونت من (100) طالب وطالبة، تراوحت أعمارهم بين (10 – 12) عاما، وقد توصلت نتائج الدراسة إلى أن مستوى الاستقلالية الذاتية لدى الطلبة ذوي صعوبات التعلم جاء مرتفعا، وأظهرت كذلك وجود علاقة ارتباطية طردية بين مستوى التفكير الإيجابي ومستوى الاستقلالية الذاتية لدى الطلبة ذوي صعوبات التعلم.

هدفت دراسة الزيدي (2021) إلى التعرف على الاستقلالية وعلاقتها بالمهارات الاجتماعية لدى أطفال الرياض، وكانت عينة الدراسة مكونة من (75) طفلا من الذكور والإناث. وقد استعمل الباحث المنهج الوصفي الارتباطي، كما استعمل الباحث أداتين للدراسة: مقياس الاستقلالية، ومقياس المهارات الاجتماعية. وأشارت نتائج الدراسة إلى أن أفراد العينة لا يتمتعون بالاستقلالية، وأظهرت النتائج أيضًا أنه لا توجد علاقة ارتباطية بين الاستقلالية والمهارات الاجتماعية.

هدفت دراسة الخطيب (2019) إلى معرفة مدى مساهمة أنماط التعلق الوالدي بالاستقلالية والرفاهية النفسية من وجهة نظر الأمهات لدى عينة من الأطفال ذوي صعوبات التعلم الملتحقين في غرف المصادر في المدارس الحكومية لواء القصر في محافظة الكرك. أجريت الدراسة على عينة من أمهات الطلبة الذين تتراوح أعمارهم بين (8 – 12) عاما، وبلغ عددهن (354) أمًّا، وتم استخدام المنهج الوصفي الارتباطي، كما استعملت  الباحثة ثلاثة مقاييس (أنماط التعلق الوالدي والاستقلالية والرفاهية النفسية). وقد أظهرت نتائج الدراسة أن النمط الآمن احتل المرتبة الأولى، ثم النمط القلق، ثم النمط التجنبي، وأظهرت النتائج أيضا وجود علاقة ارتباطية طردية دالة إحصائيا بين نمط التعلق الآمن، والميل للاستقلالية، على الدرجة الكلية والأبعاد، ووجود علاقة عكسية بين نمط التعلق القلق، والتجنبي وبعض أبعاد الاستقلالية.

منهج الدراسة

تم استخدام المنهج الوصفي الارتباطي، لمناسبته طبيعة الدراسة؛ وذلك لأنها تسعى لدراسة العلاقة بين بعض من المتغيرات مما يحقق أهداف الدراسة، ويجيب عن أسئلتها، والأسلوب الارتباطي يمكّن الباحثين من معرفة طبيعة العلاقات بين المتغيرات في ضوء بعض المتغيرات (دشلي، 2016).

مجتمع الدراسة

تكون مجتمع الدراسة من جميع أمهات طلبة صفوف الحلقة الأولى للتعليم الأساسي بمدارس محافظة مسقط، بسلطنة عمان، وقد بلغ عدد الطلبة والطالبات (39597)، بواقع (19915) طالباً و(19682) طالبة (الكتاب السنوي للإحصاءات التعليمية، 2021). ولعدم وجود إحصاءات تقدر عدد الأمهات، فقد تم تقدير عددهن بواقع (39597) أمًّا لكل طالب وطالبة من طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط.

عينة الدراسة

تم اختيار عينة الدراسة الأساسية بالطريقة العشوائية العنقودية، فقد تكونت محافظة مسقط من ست ولايات، وتم اختيار أربع ولايات من بينهن بالطريقة العشوائية، بعد ذلك تم اختيار بعض مدارس تلك الولايات وتوزيع الاستبانة الإلكترونية على أمهات طلبة الحلقة الأولى، وتكونت العينة من (416) أمًّا من أمهات طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط.

أدوات الدراسة

من أجل تحقيق أهداف الدراسة فقد تم تكييف الأدوات الآتية:

مقياس أنماط التعلق الوالدي

الاطلاع على الأدب النظري والدراسات السابقة كدراسة أبو غزال وجرادات (2009) والسلحوت(2016). وتم اعتماد مقياس أنماط التعلق الوالدي لأبو غزال وجرادات (2009)، وتحديد أبعاد أنماط التعلق التي يمكن أن توجد لدى أفراد الدراسة وهي كالآتي: نمط التعلق الآمن: وتمثله الفقرات (1-11). ونمط التعلق التجنبي: وتمثله الفقرات (12-22). ونمط التعلق القلق: وتمثله الفقرات (23-33). بعدها تم صياغة فقرات المقياس بحيث تناسب فئة أمهات طلبة الحلقة الأولى بسلطنة عمان، وكان عدد الفقرات (33) فقرة مصاغة بالصورة الأولية. وتم استخدام تدرج ليكرت الخماسي، وأعطيت الأوزان الدرجات التالية: (5) أوافق بشدة، (4) أوافق، (3) محايد، (2) لا أوافق، (1) لا أوافق بشدة.

صدق المقياس

تم حساب صدق المقياس بطريقتين، هما: طريقة الصدق الظاهري، وحساب صدق الفقرات وهي درجة الارتباط بين الفقرات والدرجة الكلية للبعد الذي تنتمي إليه.

الصدق الظاهري

تم عرض المقياس على مجموعة من المتخصصين، وقد طلب من المحكمين إبداء آرائهم وملاحظاتهم عن مدى ملاءمة فقرات المقياس لغرض الدراسة، ودرجة انتماء الفقرات له، ومدى وضوح الصياغة اللغوية لكل فقرة من فقرات المقياس، كذلك إبداء ملاحظاتهم واقتراحاتهم، وإضافة أي تعديلات يرونها مناسبة، وقد تم استرجاع (11) نسخة من مجموعة الاستمارات الموزعة على لجنة التحكيم، وتم تعديل بعض الصياغات والعبارات من حيث الصياغة اللغوية؛ لتكون واضحة وسهلة على الفهم، كما تم حذف عبارتين من المقياس وذلك لعدم ملاءمتهما أو تكرارهما، وبذلك خرجت الاستبانة في صورتها النهائية، وأصبح عدد الفقرات مكوناً من (31) فقرة.

صدق الفقرات

بعد التأكد من الصدق الظاهري لأداة الدراسة، تم حساب صدق الفقرات للمقياس، وتم تطبيق المقياس على عينة استطلاعية مكونة من (50) أمًّا لكل طالب وطالبة، من مجتمع الدراسة الأصلي؛ وذلك لبيان مدى اتساق فقرات المقياس مع بعضها البعض عن طريق حساب معاملات ارتباط بيرسون لمعرفة درجة ارتباط كل فقرة من فقرات المقياس مع درجة البعد الكلي الذي تنتمي له.

وتبين من خلال ذلك أن معاملات الارتباط دالة إحصائياً عند مستوى دلالة (0.01) و(0.05)، وقد تراوحت معاملات ارتباط الفقرات مع النمط الذي تنتمي إليه (0.34 – 0.73)، لذا لم يتم حذف أي من هذه الفقرات، وبذلك يعتبر المجال صادقاً لما وضع لقياسه.

ثبات المقياس 

للتحقق من ثبات مقياس أنماط التعلق الوالدي، فقد تم حساب معامل الثبات لكل بعد من أبعاد المقياس على حدة، باستخدام معامل ألفا لكرونباخ (Cronbach's Alpha). واتضح أن معامل ألفا لكرونباخ لمقياس أنماط التعلق الوالدي، قد بلغ لبعد نمط التعلق القلق (0.86)، أما بعد نمط التعلق الآمن فبلغ (0.75)، وأما بعد نمط التعلق التجنبي فبلغ (0.71)، مما يشير إلى أن المقياس يتمتع بثبات نسبي جيد، وصالح لأغراض الدراسة.

مقياس الميل للاستقلالية

تم اعتماد مقياس الميل للاستقلالية الخطيب (2019)، وتحديد أبعاد الميل للاستقلالية لدى أفراد الدراسة، وهي كالآتي: بعد الاعتماد على النفس: ويمثل هذا البعد الفقرات (1-14). وبعد القدرة على تكوين علاقات اجتماعية: وتم تمثيله بالفقرات (15-26). بعدها تم صياغة فقرات المقياس بحيث تناسب فئة أمهات طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط، وكان عدد الفقرات (26) فقرة مصاغة بالصورة الأولية. وتم استخدام تدرج ليكرتالخماسي، وأعطيت الأوزان الدرجات التالية: (5) أوافق بشدة، (4) أوافق، (3) محايد، (2) لا أوافق، (1) لا أوافق بشدة.

صدق المقياس

تم حساب صدق المقياس بطريقتين، هما: طريقة الصدق الظاهري، وحساب صدق الفقرات وهي درجة الارتباط بين الفقرات والدرجة الكلية للبعد، وبين الأبعاد والدرجة الكلية للمقياس.

الصدق الظاهري

تم عرض المقياس على مجموعة من المتخصصين ، وقد طلب من المحكمين إبداء آرائهم وملاحظاتهم عن مدى ملاءمة فقرات المقياس لغرض الدراسة، ودرجة انتماء الفقرات له، ومدى وضوح الصياغة اللغوية لكل فقرة من فقرات المقياس، كذلك إبداء ملاحظاتهم واقتراحاتهم، وإضافة أي تعديلات يرونها مناسبة، وقد تم استرجاع (11) نسخة من مجموعة الاستمارات الموزعة على لجنة التحكيم، وتم تعديل بعض الصياغات والعبارات من حيث الصياغة اللغوية؛ لتكون واضحة وسهلة على الفهم، وكذلك تم حذف عبارة واحدة وذلك لتكرار معناها، وبذلك خرجت الاستبانة في صورتها النهائية، وأصبح عدد الفقرات مكون من (25) فقرة.       

صدق الفقرات

بعد التأكد من الصدق الظاهري لأداة الدراسة، تم حساب صدق الفقرات للمقياس، وتم تطبيق المقياس على عينة استطلاعية مكونة من (50) أمًّا لكل طالب وطالبة، من مجتمع الدراسة الأصلي؛ وذلك لبيان مدى اتساق فقرات المقياس مع بعضها البعض عن طريق الإجراءات التالية:

- حساب معاملات ارتباط بيرسون لمعرفة درجة ارتباط كل فقرة من فقرات المقياس مع درجة البعد الكلي الذي تنتمي له. واتضح أن جميع فقرات مقياس الميل للاستقلالية تتمتع بمعامل ارتباط مرتفع ودال إحصائيًا عند مستوى دلالة (0.01) و (0.05)، مما يشير إلى معامل ارتباط مناسب للفقرات.

- حساب معامل الارتباط لكل بعد من أبعاد المقياس مع الدرجة الكلية للمقياس ككل. وتبين أن جميع فقرات مقياس الميل للاستقلالية تتمتع بمعامل ارتباط مرتفع ودال إحصائيًا عند مستوى دلالة (0.01) و(0.05)، مما يشير إلى معامل ارتباط مناسب للفقرات.

 

ثبات المقياس 

للتحقق من ثبات مقياس الميل للاستقلالية، تم حساب معامل الثبات لكل بعد من أبعاد المقياس على حدة، وتم كذلك حساب معامل ثبات المقياس ككل باستخدام معامل ألفا لكرونباخ (Cronbach's Alpha). واتضح من خلال ذلك أن معامل ألفا لكرونباخ لمقياس الميل للاستقلالية للبعدين الاعتماد على النفس، والقدرة على تكوين علاقات اجتماعية، قد بلغ (0.85)، وبلغ معامل ألفا لكرو نباخ ككل (0.91) مما يشير إلى أن مقياس الميل للاستقلالية يتمتع بثبات مرتفع ومناسب لأغراض الدراسة.

 

نتائج الدراسة ومناقشتها

أولا: النتائج المتعلقة بالسؤال الأول، والذي ينص على التالي: ما أنماط التعلق الوالدي السائدة لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط من وجهة نظر الأمهات؟

للإجابة عن هذا السؤال تم حساب المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لمستوى أبعاد مقياس أنماط التعلق الوالدي، وللمقياس ككل لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط حسب أبعاد مقياس أنماط التعلق. والجدول (1) يوضح ذلك.

جدول (1)

المتوسطات الحسابية، والانحرافات المعيارية لأنماط التعلق الوالدي

المستوى

الترتيب

الانحراف المعياري

المتوسط الحسابي

البعد

الرقم

مرتفع

1

0.44

4.13

نمط التعلق الآمن

1

متوسط

2

0.52

3.12

نمط التعلق التجنبي

2

متوسط

3

0.71

2.72

نمط التعلق القلق

3

 

يتضح من الجدول (1) أن المتوسطات الحسابية لأنماط التعلق الوالدي قد تراوحت بين (2.72 – 4.13)، حيث جاء نمط التعلق الآمن في المرتبة الأولى بدرجة مرتفعة بمتوسط حسابي (4.13)، والتعلق التجنبي في المرتبة الثانية بدرجة متوسطة بمتوسط حسابي (3.12)، والتعلق القلق في المرتبة الثالثة بدرجة متوسطة بمتوسط حسابي (2.72).

يتضح من خلال ما سبق أن نمط التعلق الآمن قد احتل المرتبة الأولى بين أفراد العينة وهم طلبة الحلقة الأولى من وجهة نظر الأمهات، وهذا يدل على أن الطلبة يتصفون بالتعلق الآمن بدرجة مرتفعة. ويرى الباحثان أن هذا يشير إلى أن غالبية أفراد العينة من طلبة الحلقة الأولى يمارسون التعلق الآمن في علاقتهم بأمهاتهم، أي أن هناك اهتماما وتقبلا وتعاطفا متبادلا بين الأمهات وأبنائهن، مما يولّد شعورًا بالأمن والاستقرار لدى الطفل بجانب أمه، وهذا يؤكد ما أشار إليه أبو غزال (2015) من أن التعلق الآمن هو النمط الأكثر انتشارا، إذ يصنف حوالي 0.66 من أطفال أمريكا تحت هذا النمط، ونوعان من التعلق غير الآمن، وهما التعلق التجنبي، والتعلق القلق، كما أنه يتفق مع الأطر النظرية، وأغلب الدراسات العلمية، ويرى الباحثان أن تمتع غالبية أفراد العينة من الطلبة بنمط التعلق الآمن من بين الأنماط الأخرى يعد أمرًا إيجابيًّا. 

يؤكد هذه النتيجة ما يراه بولبي في نظريته (Bowlby, 1982) أن تطور نمط التعلق الآمن لدى الطفل من الأمور الفطرية التي تكون مغروسة في طبيعته، وتظهر بعد ذلك بسبب التفاعلات بين الطفل وأمه، فيقوم الطفل بإظهار بعض المثيرات، مثل: البكاء والابتسامة وغيرها حتى يحصل على اهتمام الوالدين، مما يعزز ظهور العلاقة القوية بينهما وتستمر لفترات عمرية طويلة من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة. فالتعلق الآمن يعتبر حاجة أساسية لا يمكن تجاهلها أو عدم الاهتمام في إشباعها؛ لأن الأفراد يولدون ولديهم حاجة إلى الحب والأمان والانتماء، وتكوين علاقات اجتماعية متبادلة مع الآخرين (بني أرشيد وجرادات، 2014).

كما يفسر الباحثان ظهور هذه النتيجة، بأن مجتمع الدراسة يتميز أو يتصف بثقافة التماسك الأسري والاجتماعي الذي يتخلله الحب والاهتمام والاحتواء والتعاون بشتى أنواعه النفسية والجسدية والثقافية، وهذا مستمد من العادات والتقاليد والثقافات الموروثة في هذا المجتمع، ومن التوجيهات والتشريعات الإسلامية، التي كرمت مكانة المرأة بشكل عام والأم بشكل خاص، وبأنها السبب الرئيسي في نجاح الأبناء وتكوين شخصياتهم السليمة والمتزنة، مما نتج عن ذلك وجود أمهات في هذا المجتمع يتابعن أبناءهن ويشاركنهم في حياتهم داخل المنزل وخارجه، وبالأخص المدرسة، وبالتالي يشعر الطفل بالراحة والسعادة ويشارك أمه مشاعره والقيام بالأنشطة والمهام.

اتفقت هذه النتيجة مع نتائج دراسة الخطيب (2019) والوهيب (2022)  التي أظهرت أن نمط التعلق الآمن احتل المرتبة الأولى، ثم النمط القلق، ثم النمط التجنبي، بينما اختلفت نتيجة الدراسة مع نتائج دراسة السلحوت (2016) التي أظهرت أن نمط التعلق السائد هو النمط التجنبي تلاه النمط الآمن، ثم النمط المقاوم، وأخيرا النمط المضطرب.

ثانيا: النتائج المتعلقة بالسؤال الثاني، والذي ينص على التالي: ما مستوى الميل للاستقلالية لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط من وجهة نظر الأمهات؟

للإجابة عن هذا السؤال، تم حساب المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية، لمستوى أبعاد مقياس الميل للاستقلالية، وللمقياس ككل لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط. والجدول (2) يوضح النتائج.

                                          جدول (2)             

المتوسطات الحسابية، والانحرافات المعيارية للميل للاستقلالية

المستوى

الترتيب

الانحراف المعياري

المتوسط الحسابي

البعد

الرقم

مرتفع

2

0.49

4.08

الاعتماد على النفس

1

مرتفع

1

0.51

4.16

القدرة على تكوين علاقات اجتماعية

2

مرتفع

 

0.47

4.11

الدرجة الكلية

 

 

يتضح من الجدول (2) أن مستوى الميل للاستقلالية جاء مرتفعا على المقياس ككل بمتوسط حسابي مقداره (4.11)، وكذلك الميل للاستقلالية على مستوى الأبعاد فقد جاءت مرتفعة أيضا، حيث جاء بعده (القدرة على تكوين علاقات اجتماعية) في الترتيب الأول بمتوسط حسابي مقداره (4.16)، وجاء بعده (الاعتماد على النفس) في الترتيب الثاني بمتوسط حسابي مقداره (4.08).

يعزو الباحثان ارتفاع الميل للاستقلالية لدى أفراد العينة إلى دور أساليب التنشئة الأسرية وطرق التعامل التي يتخذها الوالدان في تربية الأبناء؛ حيث إن مجتمع أفراد عينة الدراسة، يتميز أولا بالعادات والقيم والثقافات التي من شأنها أن تعزز وتنمي الاستقلالية لدى الأبناء منذ الصغر، فمجتمع الدراسة يتميز بتعويد وتدريب الأبناء منذ الصغر على تأدية بعض المهام ومساعدة الوالدين في بعض الأعمال؛ كالتجارة والصناعة، والمساعدة سواءً في المنزل أو في المزارع، وتشجِّعهم على الاختلاط بالمجتمع بشكل كبير في الأفراح والأحزان، مما يؤدي إلى تنمية الاستقلالية لديهم بشكل فعَّال، أو دفع أبنائهم للمشاركة في بعض الأنشطة التي تعزز لديهم سمة الاستقلالية ومنها: نوادي التدريب على السباحة وركوب الخيل أو المشاركة في رياضة التايكوندو والكاراتيه وغيرها من الرياضات، وعندما ننظر إلى بعض الممارسات التي يقوم الوالدان والمجتمع بتوجيه الأبناء لفعلها، فهي مستمدة من الشريعة الإسلامية والتي لها الدور الكبير في تعزيز الاستقلالية عند الفرد.

هذا ينسجم مع ما أكده العالم "وليمز" بأن الفرد لا يرث الاستقلالية، وأن الاستقلالية ليست سمة فطرية لديه، بل هي سمة مكتسبة يتعلمها الفرد من خلال التفاعل الاجتماعي مع الآخرين. وقد حدد العالم "جوردن ألبورت" أن سمة الاستقلالية تمثل استعدادات شخصية تظهر على شكل سلوك استقلالي يتفرد به الفرد ويميزه عن غيره في اتخاذ القرار، وتحمل المسؤولية والثقة بالنفس وحرية الرأي والكفاية الذاتية ويمتلك سلوكًا إيجابيًّا (الضفيري، 2018).

كما يعزو الباحثان ارتفاع الاستقلالية إلى المرحلة العمرية التي ينتمي إليها أفراد عينة الدراسة، ففي مرحلة الطفولة الوسطى ينتقل الطفل من البيئة الأسرية إلى البيئة المدرسية، ليبدأ حياته الجديدة والتي تتميز باتساع البيئة الاجتماعية والخروج الفعلي إلى المدرسة والمجتمع والانضمام لجماعات جديدة وتكوين صداقات كثيرة، والقيام بالمشاركة في المجموعات الطلابية والأنشطة اللاصفية، كما تتميز هذه المرحلة باطراد وضوح فردية الطالب، واكتساب اتجاه سليم نحو الذات، وزيادة الاستقلالية للطالب عن الوالدين، وذلك لحاجته الأساسية لها، حتى يستطيع مواجهة المواقف والخبرات الجديدة وإتمام الأنشطة وتكوين الصداقات السليمة. فخلال مرور الطفل بالمراحل العمرية، ومن ضمنها مرحلة الطفولة الوسطى، تتولد لديه حاجات نفسية عديدة، أهمها: الحاجة إلى الاستقلال والاعتماد على النفس، والتي يسعى إليها الطفل في نموه، فهو يحتاج إلى تحمل بعض المسؤوليات بشكل جزئي أو بشكل كامل، كما يحتاج إلى أن يكون لديه شعور بالاستقلالية وإكمال مهامه بنفسه مما يزيد من ثقته بنفسه (زهران، 1986). وهذا ما أكد عليه "بياجيه" إذ يرى أن الطفل في المرحلة الابتدائية يمتاز بالتصرف عن طريق الاتصال بالمجموعة، ويعمل معهم ويشارك فيما يوكل إليه من أعمال ونشاطات ومشاريع، فتظهر لديه بوادر الاستقلالية في هذه المرحلة (الزيدي، 2021).

اتفقت هذه النتيجة مع نتائج دراسة عبد الأمير(2018) والحداد(2019)  والصرايره(2020) التي أظهرت أن مستوى الاستقلالية عند أفراد الدراسة كان مرتفعًا وبعضهم متوسطا، بينما اختلفت نتيجة الدراسة مع دراسة الزيدي(2021) التي أظهرت أن أطفال رياض لا يتمتعون بالاستقلالية.

ثالثا: النتائج المتعلقة بالسؤال الثالث، والذي نص على التالي: هل توجد علاقة ارتباطية دالة إحصائيًا بين أنماط التعلق الوالدي والميل للاستقلالية لدى طلبة الحلقة الأولى بمحافظة مسقط؟

ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال، تم استخدام معامل ارتباط بيرسون كما هو موضح في الجدول (3).

جدول (3)

معامل ارتباط بيرسون لمقياس أنماط التعلق الوالدي ومقياس الميل للاستقلالية

الميل للاستقلالية ككل

القدرة على تكوين علاقات اجتماعية

الاعتماد على النفس

أبعاد الميل للاستقلالية

أنماط التعلق الوالدي

0.512**

0.464**

0.498**

نمط التعلق الآمن

0.182**

0.147**

0.191**

نمط التعلق التجنبي

-0.093*

-0.101*

-0.077

نمط التعلق القلق

 

يتضح من الجدول (3) وجود علاقة ارتباطية طردية بين نمط التعلق الآمن وبين أبعاد الميل للاستقلالية لدى العينة والتي تراوحت بين (0.464 – 0.498)، كما توجد علاقة ارتباطية طردية بين نمط التعلق التجنبي وأبعاد الميل للاستقلالية وتراوحت بين (0.147 – 0.191)، ووجود علاقة عكسية غير دالة إحصائيا بين نمط التعلق القلق وبعد الاعتماد على النفس (0.077-)، ووجود علاقة عكسية ذات دلالة إحصائية  بين نمط التعلق القلق وبعد القدرة على تكوين علاقات اجتماعية عند درجة (0.101-)، وبين الميل للاستقلالية ككل (*0.093-).

يفسر الباحثان وجود العلاقة بين نمط التعلق الآمن والميل للاستقلالية، بأن الطلبة الذين يتصفون بهذا النمط يتميزون برعاية حساسة ومتوافقة ومتوازنة ودعم من قبل مقدم الرعاية، مما يجعل الطالب يتخذ من مقدم الرعاية قاعدةً وأساسًا آمنًا يتميز الطالب من خلاله، بأن تكون لديه ثقة كبيرة بنفسه ويمتلك أيضا قدرة على الثقة والاعتماد على الآخرين لتلبية احتياجاته، فقد تكونت لديه صورة إيجابية تجاه نفسه وتجاه الآخرين، فينتج عن ذلك الشعور بالثقة في تكوين علاقات إيجابية مع الآخرين، والتعامل مع المهام والواجبات والضغوطات التي تواجههم في حياتهم اليومية، وكذلك يستطيعون من خلال ذلك أن يحققوا أقصى استفادة من فرص التعلم، واستكشاف العالم المحيط بهم، وحل المشكلات، فكل ما سبق يعتبر مؤشرًا ودافعًا لتنمية وتعزيز الاستقلالية لدى عينة الدراسة.

يؤكد هذا ما أظهرته تجربة Ainsworth التي تسمى "الموقف الغريب"، حيث أشارت إلى أن الطفل الذي لديه تعلق آمن عندما يجتمع مع أمه أو مقدم الرعاية بعد فترة انفصال يصبح مرتاحًا في لقاء أمه أو مقدم الرعاية، ويقوم باستكشاف بيئته أو المحيط به بحرية نتيجة اتخاذ أمه قاعدة آمنة. لذلك يظهر لدينا أن الأطفال الذين يتصفون بنمط أو ارتباط آمن مع مقدم الرعاية تكون لديهم صعوبة أقل في الانتقال من بيئة البيت إلى الخارج، مما يكسبهم قدرة في التعامل بشكل ناجح مع تحديات الحياة الجديدة وتطوير الاستقلال لديهم من غير الرجوع أو الحاجة للاستشارة لمقدم الرعاية أو طلب المساعدة في غالبية التحديات (Waddleton, 2017).

كما أنه حسب اعتقاد "فرويد" فإن التفاعل الطبيعي بين الطفل ووالديه يكوِّن الشخصية في الطفولة، ويحاول الطفل أن يحصل على الحد الأعلى من اللذة عن طريق إشباع متطلبات الهو، في المقابل يحاول الوالدان أن يفرضا الواقع وقيوده الأخلاقية على الطفل؛ لذلك قد تكون الشخصية مبنية على مجموعة من العلاقات الفريدة المستقلة، التي كانت لدى الأشخاص وهم أطفال، ونتيجة لذلك تتكون مجموعة خاصة من السمات التي تندرج ضمنها سمة الاستقلالية في الشخصية، وهو يعتبر نمطًا دائمًا من السلوك يميز ويحدد الأفراد (الخطيب، 2019).

وهذا يتفق مع نظرة العالم "فروم" حيث ينظر إلى أن تحقيق الاستقلال لدى الفرد يعتمد على الشعور بالأمن لديه في محيطه، وفقدان العلاقات الآمنة مع الطبيعة النفسية يورث الشعور بالوحدة والتفاهة؛ لذلك يرى "فروم" أن الفرد يهرب من هذه الحرية إلى وجود أكثر أمانًا، ويرى أن القوة الدافعة في الإنسان ليست إرضاء للدوافع الغريزية وإنما في تحقيق ما أسماه "الاعتمادية"، الطبيعة الإنسانية تحددها العوامل الاجتماعية الحضارية وليست العوامل البيولوجية.      

اتفقت هذه النتيجة مع نتائج دراسة الخطيب (2019) التي أشارت إلى وجود علاقة ارتباطية طردية دالة إحصائيا بين نمط التعلق الآمن والميل للاستقلالية على الدرجة الكلية والأبعاد، ووجود علاقة عكسية بين نمط التعلق القلق والتجنبي وبعض أبعاد الاستقلالية.

التوصيات والمقترحات:

- توعية أولياء الأمور في المحاضرات أو مجالس الآباء والأمهات التي تقام في المدارس، ومناقشتهم بأهمية أنماط التعلق وأنواعها، وأثرها على الأبناء عن طريق الأخصائي الاجتماعي والمرشد النفسي. وتزويد الإداريين والأخصائي الاجتماعي في المدارس، بنشرات تربوية تتعلق بأنماط التعلق وأهميتها، وأثرها في تكوين شخصية الابن.

- القيام بورش تدريبية وبرامج إرشادية للأمهات في كيفية إكساب الأبناء الثقة بأنفسهم، وتعليمهم الاستقلالية والاعتماد على أنفسهم، وتوعية أولياء الأمور ومناقشتهم بأهمية إكساب الأبناء المهارة الاستقلالية، وأثرها على حياتهم اليومية.

- تزويد الإداريين والأخصائي الاجتماعي في المدارس، بنشرات تربوية تتعلق بالاستقلالية والاعتماد على النفس، وأهمية اتصاف الابن بهذه السمة، ودور الوالدين وبالأخص الأم في إكساب ابنهم ذلك.

- دراسة أنماط التعلق الوالدي وعلاقتها بالميل للاستقلالية لجميع محافظات السلطنة.

- دراسة أنماط التعلق الوالدي وعلاقتها بالميل للاستقلالية من وجهة نظر الطلاب.

- دراسة أنماط التعلق الوالدي بنفس عينة الدراسة وعلاقتها ببعض المتغيرات، مثل: (المهارات الاجتماعية، الكفاءة الاجتماعية، التحصيل الدراسي).

- دراسة أساليب المعاملة أو التنشئة الأسرية وعلاقتها بالميل للاستقلالية.

- دراسة أنماط التعلق الوالدي وعلاقتها بالميل للاستقلالية، وإضافة متغير طبيعة عمل الأم والمؤهل العلمي لها.

 

المراجع

أولاً:المراجع العربية

أبو غزال، معاوية محمود. (2015). علم النفس العام. (ط،2). عمان: دار وائل للنشر.

بني أرشيد، عبدالله محمد وجرادات، عبدالكريم محمد. (2014). أثر تعديل العبارات الذاتية السلبية وتحسين مهارات الاتصال في تعديل أنماط التعلق غير الآمنة لدى طلبة الصفين التاسع والعاشر في محافظة إربد. مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات التربوية والنفسية،2(8)، 195- 224.

 بني عرابة، هلال خلفان ناصر. (2017). أنماط التعلق وعلاقتها بالصحة النفسية لدى طلبة الصفين العاشر والحادي عشر بمدارس محافظة شمال الشرقية [رسالة ماجستير غير منشورة]. جامعة نزوى.

الحداد، تغريد ربحي. (2019). مدى استقلالية الطفل بعمل الأم في المجال التربوي: دراسة استطلاعية من وجهة نظر الأم. المجلة الدولية للعلوم التربوية والنفسية، (29)، 301-262.

الحواس، ريم محمد. (2017). فاعلية برنامج لتنمية بعض المهارات الاستقلالية لدى طفل الروضة. مجلة الطفولة والتربية،9(30)،319-289.

الخطيب، حنان عمر. (2019). مدى مساهمة أنماط التعلق الوالدي بالميل للاستقلالية والرفاهية النفسية من وجهة نظر الأمهات لدى عينة من أبنائهن ذوي صعوبات التعلم. [اطروحة دكتوراه منشورة، جامعة مؤتة]. قاعدة معلومات دار المنظومة. http://search.mandumah.com.masader.idm.oclc.org/MyResearch/Home 

الخولي، هشام عبد الرحمن والفقي، آمال إبراهيم وعبدالفتاح، شيماء السيد وجاب الله، منال عبدالخالق. (2020). مهارات الاستقلال الذاتي لدى عينة من المراهقين ذوي الإعاقة السمعية في ضوء بعض المتغيرات. مجلة كلية التربية،31(122)،428-409.

زهران، حامد عبد السلام. (1986). علم نفس النمو “الطفولة والمراهقة". القاهرة:دار المعارف.

الزيدي، قيس رشيد خواف. (2019). الاستقلالية وعلاقتها بالمهارات الاجتماعية لدى أطفال الرياض. مجلة الكلية الإسلامية الجامعية، (59)، 407-379.

دشلي، كمال. (2016). منهجية البحث العلمي. جامعة حماة. مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية.

سروان، ابتسام مرعي. (2015). نظرية التعلق العاطفي من منظور ثفاقي. النبراس مجلة تربوية علمية واجتماعية. (9)، 197-207.

السلحوت، كوثر موسى. (2016). أنماط التعلق لدى أطفال الروضة وعلاقتها بالكفاءة الاجتماعية مع الأقران. [رسالة ماجستير منشورة، الجامعة الأردنية]. قاعدة معلومات دار المنظومة.http://search.mandumah.com.masader.idm.oclc.org/MyResearch/Home

الضفيري، عبد الرحمن معجون حميد. (2018). فاعلية مقياس لبعض المهارات الاستقلالية لدى المراهقين. العلوم التربوية،26(2)،336-320.

عبد الأمير، سمر عدنان. (2018). الاستقلالية وعلاقتها بالتذكر لدى أطفال الرياض. دراسات عربية في التربية وعلم النفس، (93)، 396-375.

 علاونة، شفيق فلاح. (2009). سيكولوجية التطور الإنساني من الطفولة إلى الرشد(ط،2). عمان:دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.

العيسوي، عبد الرحمن. (1993). مشكلات الطفولة والمراهقة أسسها الفيسيولوجية والنفسية. بيروت:دار العلوم العربية.

محمود، بهاء الدين وحسن، أحمد عبده. (2020). السلوك العدواني وعلاقته بالاستقلال الذاتي للممارسين وغير الممارسين للأنشطة الرياضية من تلاميذ التربية الفكرية "القابلين للتعلم". مجلة أسيوط لعلوم وفنون التربية الرياضية، عدد خاص،1006-972.

الوهيب، نعيمة بنت فهد. (2022).أنماط التعلق وعلاقتها بالتوافق الشخصي والاجتماعي في مرحلة الطفولة من وجهة نظر الأمهات. مجلة كلية التربية،38(4)،250-292.

 

ثانياً:المراجع الأجنبية

Allport, G. W. (1961). Pattern and growth in personality.

Beck, A. T., Emery, G., & Greenberg, R. L. (2005). Anxiety disorders and phobias: A cognitive perspective. Basic books.

Bretherton, I., & Munholland, K. A. (2008). Internal working models in attachment relationships: Elaborating a central construct in attachment theory.

Corey, G. (2011). Theory and practice of counseling and psychotherapy. Cengage learning.

Eysenck, M. W. (2001). Principles of cognitive psychology. Psychology Press.

Finegan, P., Rose, J., & Parker, R. (2014). An introduction to attachment and the implications for learning and behaviour.

Fraley, R. C., & Spieker, S. J. (2003). Are infant attachment patterns continuously or categorically distributed? A taxometric analysis of strange situation behavior. Developmental psychology39(3), 387.

Fromm, E. (2020). Man for himself: An inquiry into the psychology of ethics. Routledge.

Gullestad, S. E. (2001). Attachment theory and psychoanalysis: controversial issues. The Scandinavian Psychoanalytic Review, 24(1), 3-16.

Hawkins, A. C., Howard, R. A., & Oyebode, J. R. (2007). Stress and coping in hospice nursing staff. The impact of attachment styles. PsychoOncology: Journal of the Psychological, Social and Behavioral Dimensions of Cancer16(6), 563-572.

Kallitsoglou, A., & Repana, V. (2021). Attachment disorganisation and poor maternal discipline in early childhood: independent contributions to symptoms of conduct problems. Emotional and Behavioural Difficulties26(4), 436-448.

Kietaibl, C. M. (2012). A review of attachment and its relationship to the working alliance. Canadian Journal of Counselling and Psychotherapy46(2).

 Moreira, P., Pedras, S., Silva, M., Moreira, M., & Oliveira, J. (2021). Personality, attachment, and well-being in adolescents: The independent effect of attachment after controlling for personality. Journal of Happiness Studies22(4), 1855-1888.

Rogers, C. R. (1995). On becoming a person: A therapist's view of psychotherapy. Houghton Mifflin Harcourt.

Waddleton, K. M. (2017). Student Independent Projects Psychology 2017: The Developmental Role of Attachment in Anxiety and Depression.

Waters, E., Hamilton, C. E., & Weinfield, N. S. (2000). The stability of attachment security from infancy to adolescence and early adulthood: General introduction. Child development71(3), 678-683.