الواقع المعزز كمدخل تجريبى مستحدث في التصوير المعاصر. (دراسة بينية)

الباحث المراسلنادية وهدان كلية التربية الفنية جامعة حلوان

تاريخ قبول البحث :2023-04-03
تاريخ نشر البحث :2024-12-24
الإحالة إلى هذه المقالة   |   إحصائيات   |   شارك  |   تحميل المقال

مقدمة:
    تعد تقنية الواقع المعزز (Augmented Reality) من أهم إفرازات الثورة التكنولوجية المعلوماتية والتحوّل الرقمي، التي تسمح بإنشاء عوالم افتراضية تفاعلية، مليئة بالمعلومات والتفاصيل الدقيقة حول مكوناتها. فهذه التقنية تسمح لك بفعل ذلك عبر إسقاط طبقات افتراضية من المعلومات الرقمية على العالم المادي، والتي يمكن عرضها من خلال الأجهزة الذكية التي أصبحت في متناول الجميع. ويعتبر نوع من الواقع الافتراضي، الذي يهدف إلى إنشاء عرض مركب يمزج بين الواقع الحقيقي الذي ينظر إليه المستخدم، والواقع الافتراضي الذي تم إنشاؤه بواسطة الحاسوب، الذي يعزز الواقع الحقيقي بمعلومات إضافية، ويهدف إلى تحسين الإدراك الحسي للعالم الحقيقي  الذي يراه أو يتفاعل معه المستخدم.


    يعود تاريخ ظهور تقنية الواقع المعزز إلى بداية ستينيات القرن الماضي؛ ففي عام [1962] قام المصور السينمائي {مورتون هيليج - Morton Heilig} [1926- 1997] بتصميم جهاز محاكاة لدراجة نارية بالصوت والصورة. كما شهد عام [1975] ابتكار عالم الحاسوب الأمريكي {مايرون كروجر- Myron Kruegr} [1942-] جهازا يتيح للمستخدمين التفاعل مع العناصر الافتراضية. "أما صياغة المصطلح فعلياً فيعتبر حديث نسبياً، ففي عام [1990] قام {توماس كوديل - Thomas Caudell} الباحث في شركة (بوينج) الأمريكية بإطلاق مصطلح (الواقع المعزز) على شاشة عرض رقمية كانت ترشد العمال أثناء عملهم على تجميع الأسلاك الكهربائية في الطائرات"(Arai, 2022, pp.11)، وتعتمد تقنية الواقع المعزز على نظام يربط معالم من الواقع الحقيقي بالعنصر الافتراضي المناسب لها، والذي تم تخزينه مسبقاً في ذاكرة هذا النظام عن طريق البرمجة، كصور المكان أو فيديو تعريفي أو أي أصوات أو مؤثرات أخرى تعزز الواقع الحقيقي  معلوماتياً وفنياً، عن طريق عمل ارتباطات تشعيبية للمعلومات شديدة التعقيد ومدخلات دقيقة ومحددة. "وهناك طريقتان لعمل الواقع المعزز؛ الطريقة الأولى باستعمال (علامات -Markers ) تستطيع الكاميرا التقاطها وتمييزها لعرض المعلومات المرتبطة بها، والطريقة الثانية من خلال برامج (تمييز الصورة (Image Recognition -  لعرض المعلومات ويتم ذلك من خلال كاميرا الهاتف المحمول أو الجهاز اللوحي لرؤية الواقع الحقيقي، ثم تحليله تبعاً لما هو مطلوب من البرنامج والعمل على دمج العناصر الافتراضية به"(Wahdan, 2019).

    إن ثراء التجريب والفكر لدى الفنان يسهم في ثراء العمل الفني، حيث إن فهم التطور في الأفكار والخصائص الذهنية خلال الممارسات العملية التي تعتمد على المداخل التجريبية الرقمية يسهم في موثوقية ما يجيء به الفنان من قيم جمالية تتسم بالإثارة والإبهار، وصنع بيئات افتراضية تفاعلية، ويتضح ذلك في أعمال شركة (أدريان وكلير ـ Adrien & Claire )، تأسست عام [2004]، وتتخصص في العروض الرقمية. "يملك الشركة الفنانان (أدريان موندوت ـ Adrien Mondot )[1979- ]،(كلير بارديان ـ Claire Bardainne) [1981- ]اللذان يعتمدان في أعمالهما على الرسومات المعززة رقميا، والأومهم الثلاثية الأبعاد، سماعات الواقع الافتراضي، إسقاطات الفيديو، سلسلة من المنشآت الافتراضية بواسطة الروحانية الرقمية" (Farook. 2018, pp. 176). وقد أقاما معرضا عام [2017] باستعمال تقنية الواقع المعزز، ففي العمل شكل (1)، نجد أنه عبارة عن رسم على ورق، وقد دعم بتطبيق يستطيع المتلقي تحميله على جهاز الهاتف، ومن خلال تسليط كاميرا الجهاز على العمل المطبوع فتتحول إلى واقع افتراضي يتسم بالحركة والحياة، وتضاف إليها أشكالا تتحرك في الفراغ، كما يظهر في شكل (2) استعمال المتلقي لتقنية الواقع المعزز للتفاعل مع العمل الفني، والشعور بما هو حقيقي وافتراضي. "فيكاد يستمع إلى صمت الأشكال، أو يمكنه سماعهم يتحدثون، يتحدثون عن القوى التي ملكتهم وجعلت منهم حركة وحياة عبر نافذة الواقع المعزز الذي تظهر فيه الصور مرئية، متحركة، رشيقة - تجسد وجود وهمي سحري عجيب ولا يمكن تصديقه، وتكشف عن ردة فعل المتلقي الغنية بالاهتمام والاستمتاع والتفاعل" (Farook. 2018, pp. 177). 
 

شكل 1: أدريان وكلير، طباعة جرافيك، 
        متحف لينز 2017.        
   شكل 2: أدريان وكلير، استعمال تقنية الواقع المعزز . 
                        

 

     تضيف التكنولوجيا كل يوم مداخل تجريبية جديدة تتيح للفنانين طرقا جديدة ومختلفة للتعبير عن أنفسهم، يتحدثون من خلالها عن قضايا تشغلهم ليجدوا لغة مشتركة مع المتلقي، وسبل للتواصل والتفاعل داخل المجتمع، هذا ما سعت إليه الفنانة المكسيكية (يونيوين اسبارزا - Yunuen Esparza) [1975- ] في معرضها عام [2018] والذي شمل مجموعة من الأعمال ذات الوسائط المتعددة التي اعتمدت على الخيال والطبيعة، ودعمتها بواقع افتراضي لتقنية الواقع المعزز لمجموعة من الرسوم والصور المتغيرة التي تطير في الهواء، "فقد استطاعت نقل خطوط الألوان الزيتية إلى الخارج باستعمال الواقع المعزز مع اللوحات، يخلق هذا التزاوج تجربة متعددة الأبعاد ومدهشة للمتلقي، ويسمح له بإدراك الأعمال بطريقة مختلفة. فالفن والتكنولوجيا يتطوران ويتغيران باستمرار لتغذية بعضهما البعض، وأن يصبحا نسخة أفضل من أنفسهما"A.R.E., 2017)). وكما نلاحظ في عمل شكل (3)، وهو عبارة عن خامات مختلفة على توال، ومن خلال تطبيق خاص بالفنانة، يعتمد على تقنية الواقع المعزز التي تربط بين أجزاء لعناصر العمل الفني الحقيقي  والأجزاء المعززة افتراضيا، مما يثري العمل الفني ويجعل المتلقي يدخل في تجربة من الاستمتاع والدهشة، والدخول إلى عالم افتراضي رائع كما هو مبين في شكل (4).

شكل 3: يونيوين اسبارزا، خامات مختلفة على توال، 2018.     
شكل 4: يونيوين اسبارزا، استعمال تقنية الواقع المعزز.
https://www.yunuene.com/art/index.php?loc=en

 


   كما تسمح تقنية الواقع المعزز للفنان بتغطية العالم الحقيقي بطبقات من المعلومات الحسية، فتتضمن طبقات مرئية مضافة متحركة لتحفيز ما يراه الجمهور، وإضافة طبقات سمعية تؤثر في إدراك المتلقي للعمل الفني، وهذا مثير للاهتمام بشكل خاص للفنانين الذين يعتمدون على القيمة العاطفية للصوت والموسيقى في عملهم لإثارة أعمق للعاطفة لدى المتلقي عندما يشاهدون العمل الفني (Artivive, 2022)، وهذه الخصائص تتحقق في أعمال الفنانة (كاميلا ماجران -Camila Magrane ) في معرضها (آثار) عام [2021] كما هو في شكل (5)، حيث تدمج الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد مع الصور الفوتوغرافية، مع خلفية من المؤثرات السمعية، وتصور الفنانة (ماجران) أعمالها الفنية المستوحاة من التراكيب السريالية المتجذرة في اللاوعي، الشبيهة بالحلم، وتظهر في صورة أكثر واقعية باستعمال تقنية الواقع المعزز، فأثناء مشاهدة معرض (آثار) كما في شكل(6)، حيث يكون الهاتف أو الجهاز اللوحي بمثابة سفينة لاستكشاف القصة الكاملة للفن على جدران المعرض، وهنا نلاحظ أن الأعمال تنبض بالحياة من خلال شاشة جهازك؛ وتصبح الصور الثابتة مراحل متحركة للروايات البصرية شكل(7) (أ، ب ،جـ ،د ،هـ ،و). وتقول (ماجران): ‘ن "الأمر المثير حقًا بالنسبة لي في هذا النوع من العمل واستعمال هذه الوسائط المختلطة هو أنه يوجد حوارًا بين المادي والافتراضي، وأن الهاتف أو الجهاز اللوحي هو مجرد وسيط بين هذين العالمين"(Blinder, 2023).
 

  شكل 5:  كاميلا ماجران، سكون، معرض (اثار)،.جاليرى العلوم الإنسانية، جامعة ميشيغان، 2021.       
  شكل 6: كاميلا ماجران، استعمال تقنية الواقع المعزز
  https://arts.umich.edu/news-features/augmented-reality-art-exhibit-on-view-at-u-m-humanities-gallery

ونلاحظ على الأشكال (أ، ب، جـ، د، هـ، و) في شكل (7)، أن الفنانة إضافة تضاف لتلك الأشكال مفردات متحركة ومؤثرات سمعية وبصرية، حتى يرى المتلقي أن القطعة المادية أمامه هي جسد العمل، ويكون المحتوى الافتراضي للواقع المعزز بمثابة أفكار ذلك الجسد.

شكل 7: كاميلا ماجران، مراحل الطبقات الافتراضية للعمل الفني (سكون) والتي تشكلت باستعمال الكولاج الرقمى، 
https://www.camilamagrane.com/stillness

 

ومن هنا جاءت فكرة البحث الحالي في محاولة أكيدة من الباحثة لتقديم تجربة فنية تعتمد على الواقع المعزز كمدخل تجريبي مستحدث في التصوير المعاصر؛ وذلك من خلال توظيف منطلقات فنية جديدة لتوظيف واستعمال التكنولوجيا الحديثة في مجال التصوير المعاصر وتقديم خبرة عملية لتنظير معرض شخصي للباحثة يحمل عنوان "معرض ألوان الروح" بصفته نموذجاً لاستعمال تنقية الواقع المعزز في الإنتاج الفني.

مشكلة البحث:
نظرا لأهمية الواقع المعزز (Augmented Reality) والإمكانيات الفنية والجمالية التي يمكن أن يحدثها في عالم الفن التشكيلي والعلاقة المباشرة مع المتلقي والجمهور بشكل عام، وتتحدد مشكلة الدراسة الحالية في محاولة الإجابة بصورة فنية وجمالية عن التساؤل الآتي: 
كيف يمكن الاستفادة من تقنية الواقع المعزز كمدخل تجريبي مستحدث في إثراء التصوير المعاصر وتنمية الجانب الإبداعي لتوظيف واستعمال التكنولوجيا الرقمية؟
وعليه فإن البحث الحالي يقوم على عدد من الفرضيات التي تحرك من خلاله التجربة الفنية، وهذه الفرضيات هي: 
• أن التجريب باستعمال تقنية الواقع المعزز المستحدثة يثري التصوير المعاصر.
• أن للدراسات البينية بين الفن التشكيلي والتكنولوجيا الرقمية دور مهم في تنمية الجانب الإبداعي.


أهداف البحث:
- تجريب استعمال أساليب ووسائط مستحدثة تتمثل في تقنية الواقع المعزز لإثراء التصوير المعاصر.
- استعراض جوانب العلاقة المتبادلة بين الفنون والتكنولوجيا من خلال أعمال فنية تجسد أفكاراً عن الواقع والعصر.
- الكشف عن التغير في طريقة تناول العمل الفني التصويري، والتي تتطلب فكرا جديدا ومستوى غير مألوف في الرؤية يكون له دور مهم في تنمية الجانب الإبداعي.
- التعبير عن المرأة من خلال منطلقات فنية جديدة لتوظيف واستعمال التكنولوجيا الحديثة.


أهمية البحث:
- يسهم في الإثراء العلمي والمعرفي فيما يتعلق باستعمال أساليب وتقنيات ووسائط مستحدثة للوصول إلى مداخل فنية جديدة في التصوير المعاصر.
- التأكيد على المستجدات الفكرية والتكنولوجية والتعبيرية التي تساعد في تكوين رؤية واضحة تعين دارس ومعلم الفن وكذلك الفنان على تنمية الجانب الإبداعى. 
- نشر الوعي الجمالي لتكنولوجيا الواقع الافتراضي وخاصة الواقع المعزز.
- تقديم إضافة جديدة للدراسات البينية في مجال تخصص الرسم والتصوير والمجالات ذات العلاقة مثل التكنولوجيا الحديثة.


مصطلحات البحث:
الواقع المعزز:
    وفقًا لويكيبيديا: "الواقع المعزز (AR) هو تجربة تفاعلية لبيئة العالم الحقيقي حيث يتم "تعزيز" الأشياء الموجودة في العالم الحقيقي من خلال المعلومات الإدراكية المولدة بواسطة الكمبيوتر، وأحيانًا عبر طرائق حسية متعددة، بما في ذلك البصرية والسمعية والبصرية. اللمسية والحسية الجسدية والشمية"(Wikipedia, 2023).
    وعرفته شركة مايكروسوفت على أنه "نسخة تفاعلية محسّنة لبيئة العالم الحقيقي يتم تحقيقها من خلال العناصر المرئية الرقمية والأصوات والمحفزات الحسية الأخرى عبر تقنية التصوير المجسم. يتضمن الواقع المعزز ثلاث ميزات: مزيج من العوالم الرقمية والمادية، والتفاعلات التي تتم في الوقت الفعلي، وتحديد دقيق ثلاثي الأبعاد للأشياء الافتراضية والحقيقية". (Microsoft, 2023)


التجريب:
    جاء تعريف ومعنى التجريب في معجم المعاني الجامع، "تَجْريب(اسم): مصدر جَرَّبَ، مصدر جَرَّبَ (إحدى مراحل عمليّة تبنِّي الأفكار المستحدثة يحاول فيه الفرد تطبيق الفكرة المستحدثة وتجديد فائدتها والتأكُّد من مناسبتها لظروفه الخاصّة)" (Almaany, 2023). 
    كما عُرف في لسان العرب على النحو الآتي: "جرّب يُجرّب تجربة، وتجريبا الشيء حاول واختبره مرة بعد مرّة، ورجل مجرّب قد عرف الأمور وجرّبها، والمجرّب الذي جرّب في الأمور وعُرف ما عنده، ودراهم مجرّبة موزونة" (Ebn Manzor, 1990, pp. 261).
    وجاء تعريفه اصطلاحا على أنه "استحداث مجموعة من الحلول والمعالجات الفنية تجمع بين استمرارية التفكير الإبداعي والابتكاري"(Abd Elsalam, 2018). كما عُرف على أنه "لا یقتصر على الشكل، بل یتجاوزه ولا یكتفي بالمضمون، بل یتعداه، فهو مشروع وواقع یبحث دائما عن الاختبارات الأساسية في جمال التجربة، لیشكل بوتقة یتزاوج فيها الماضي بالحاضر" (Yossef, 1997, pp.26).


التصوير المعاصر:
    يشير مصطلح التصوير المعاصر إلى "الفن الذي صنعه وأنتجه فنانون يعيشون اليوم. يعملون في بيئة عالمية متنوعة ثقافيًا، ومتقدمة تقنيًا، ويعتمدون على مجموعة واسعة من الوسائط" (Getty, 2023).
    كما تعرف المعاصرة على أنها "علاقة مفردة مع زمنها الخاص الذي تنتمي إليه، آخذين كل أبعاده، بالتحديد العلاقة مع الزمن الذي ننتمي إليه" (Ghazawy, 2021).


منهج البحث:  
استعمل البحث المنهج الوصفي التحليلي، والمنهج التجريبي العملية من خلال تقديم تجربة فنية وجمالية؛ وهذان المنهجان مناسبان لأهداف وطبيعة الدراسة الحالية. ويُعتبر البحث دراسة تنظيرية للجانب التطبيقي لتجربة الباحثة في مجال التصوير المعاصر باستعمال الواقع المعزز والذي يتيح الفرص للمتلقي التفاعل والاندماج مع المسطح التصويري المعاصر باستعمال التقنية الحديثة.


أولاً: الإطار النظري للتجربة الفنية
يُنشئ الواقع المعزز تجربة غامرة لجميع مستخدميه وخاصة الفنان التشكيلي، ومن أجل الحدث الجوهري لعمل وإدراك الواقع المعزز هناك خمس مكونات مهمة للواقع المعزز تتمثل في: الذكاء الاصطناعي، وبرنامج الواقع المعزز، والمعالجة، والأعمال المادية، وأجهزة الاستشعار، وشكل (1) يوضح العلاقة بين هذه المكونات بهدف إيجاد تجربة فنية ثرية تعتمد على الواقع المعزز في مجال التصوير المعاصر.  
 

شكل 8: العلاقة بين المكونات الخمس للواقع المعزز

 

وفيما يلي شرح مبسط لتلك المكونات:
1. الذكاء الاصطناعي:
    إن معظم الحلول الممكنة للواقع المعزز تحتاج إلى الذكاء الاصطناعي (AI) للعمل، مما يسمح للفنان بإكمال الإجراءات باستعمال المطالبات الصوتية، الفيديو. كما يمكن أن يساعد AI أيضا في معالجة المعلومات لتطبيق الواقع المعزز.
2. برنامج الواقع المعزز:
    وهي الأدوات والتطبيقات المستعملة للوصول إلى الواقع المعزز، ويمكن لبعض الشركات إنشاء نموذج خاص بها من برامج الواقع المعزز، وإتاحتها للمستخدمين لإنشاء مشروعاتهم الفنية من خلالها.
3. المعالجة:
    يقوم الفنان بتقديم برمجة ومعالجة لمفرداته من صور ورسوم وملفات صوتية وفيديو قام بأعدادها مسبقا تتلاءم مع برنامج الواقع المعزز لتعمل تكنولوجيا .AR 
4. الأعمال المادية:
   ستحتاج هذه المرحلة إلى الأعمال المادية للفنان من صور ولوحات لعرض المحتوى الخاص بالعمل الفني. 
5. أجهزة الاستشعار:
    ويقصد بأجهزة الاستشعار بأنها هي أجهزة الهاتف أو الجهاز اللوحي التي تحتاج اليها أنظمة الواقع المعزز؛ لكي تسمح باستيعاب البيانات المتعلقة ببيئتها لمواءمة العالمين الحقيقي والافتراضي، فعندما ترصد كاميرا الجهاز المعلومات المبرمجة، فإنها ترسلها عبر البرنامج للمعالجة، وتظهر على الشاشة أكثر واقعية.

تقنية الواقع المعزز كمدخل تجريبي مستحدث في مجال التصوير المعاصر:
    تعتمد الدراسات البينية على رفع الحواجز بين العلوم المختلفة، وتتمثل أهميتها في مواجهة وحل المشكلات المجتمعية، والتحديات المحلية الإقليمية والعالمية التي تهتم بتجاوز الحدود التقليدية فيما بين العلوم المختلفة، خاصة بين التكنولوجية الرقمية والفنون التشكيلية، لذلك استعانة الباحثة بتقنية (الواقع المعزز AR) للسعي إلى مواكبة المستجدات التكنولوجية الحديثة وربطها بالمفاهيم الخاصة بتخصص التصوير، وذلك إيمانا منها بأن العملية الفنية تعتمد على حساسية الفنان وتعتمد أيضاً على تغير ثقافة المتلقي ومتطلبات المجتمع، وما يتضمنهما من إدراك للقيم الجمالية المعاصرة، التي تعد شرارة الابتكار التي تقود الفنان إلى إيجاد صيغ جديدة ومتعددة تفاجئ وتدهش المتلقي، خاصة جمهور الشباب من دارسي الفن، وتسعى الباحثة في هذا المعرض إلى استعمال الواقع المعزز كمدخل تجريبي مستحدث في التصوير المعاصر، وذلك لنشر الوعي الجمالي بوسائط التكنولوجيا المعاصرة.


    أرادت الباحثة أن تسمح لأفكارها التي تسبح وتدور في مخيلتها أن تصبح واقعاً ممثلاً في لوحة فنية؛ ذلك ما دعاها إلى دراسة كيفية استعمال تقنية الواقع المعزز عن طريق الاستعانة بمتخصصين في مجال هندسة البرمجيات لتتعلم منهم أسس ولغات البرمجة. وقد استطاعت الباحثة إنشاء تطبيق خاص بأعمال معرض (ألوان الروح) عام [2019] يحمل اسم (N.Wahdan)، والذي يمكن تحميله من (Google Play) شكل (9)، او استعمال الكود شكل (10) لتحميل التطبيق من على شبكة الانترنت، وذلك لدمج الواقع الحقيقي  للأعمال الفنية التشكيلية مع عالم افتراضي تضيف فيه الباحثة ما يروق لها من عناصر متحركة ومؤثرات صوتية مناسبة، تتحرك وتنطلق من العمل الفني ذاته، والتي تجعل المتلقي أكثر تفاعلاً مع العمل الفنى. 
 

    شكل 9: لوجو تطبيق الواقع المعزز الخاص بمعرض (ألوان الروح) على (Google Play).
شكل 10: كود لتحميل تطبيق الواقع المعزز  

 

المعاني الروحية لصورة المرأة بين التشكيل والتعبير باستعمال الواقع المعزز.    
    دأبت الباحثة على إيجاد مدخل تجريبي مستحدث كوسيط للتعبير عن المعاني الروحية لصورة المرأة، ووجدت أن هذه المعاني ما هي إلّا حالة من الماورائيات؛ لذلك فقد استعانت بدمج أجواء العمل الفني الحقيقي بالواقع الافتراضي، الذي حمّلته الكثير من العناصر الخيالية والمؤثرات الصوتية التي تأخد المتلقي إلى عوالم أخرى لا نهائية. وقد وجدت الفنانة أن تناول صورة المرأة في التصوير المعاصر هو مجال خصب يتحقق بواسطته هدفها المنشود؛ من خلال التعبير عن أحلامها وآمالها في تحقيق ذاتها، التي ترتبط بقوة بالبيئة والطبيعة من حولها، والتعبير عما تحمله من مشاعر وأحاسيس في إطار من الخيال. وقد اعتمدت في أعمالها الفنية على أسلوب مبتكر يجمع بين البساطة والتعقيد كأحد أساليب الفن المعاصر، الذي يعتمد على الفكر أكثر من مجرد الشكل، فتبدو شخوص أعمالها وكأنها تمثيل لجوهر الروح من خلال تأثيرها الحسي على العالم المادي، وكتجسيد للمعاني الروحية التي تصل إلى المتلقي من خلال تعبيرات الوجوه وحركات الجسد، فيما يوثق الصلة بين الفنون البصرية والأفكار والعواطف المتعلقة بها.


    قد استخدمت الباحثة الوسائط المختلفة على الورق أو القماش، وسعت إلى التجريب في الخامات وكذلك التقنيات، المتمثلة في تقنيات الخدش، وتكثيف الخطوط، وأيضاً الدقة في دمج الخامات جاهزة الصنع من خيوط ودانتيل بشكل محسوب، كي تظهر وكأنها زخارف نابعة من روح شخوص العمل الفني، وبذلك فإن هذه الزخارف لا تُرى على أنها أشياء مادية؛ بل هي تخرج من حالتها التي كانت عليها وتظهر في العمل على أنها أفكار ورؤى مجازية، تتحول إلى دلالات رمزية عميقة تحمل عاطفة تصل سريعاً إلى المتلقي؛ وبذلك فإن الزخارف التي تعودناها مسطحةً تكتسب أبعاداً عاطفية روحية؛ لأنها تكسر انتظامها الزخرفي وهيئتها في الطبيعة، لكي تدخل في سياق تعبيري ورمزي موحٍ. وقد عملت الباحثة على دمج عالم الفن بالتكنولوجيا باستعمال تقنية الواقع المعزز من أجل خلق بيئة أكثر تفاعلية، تؤثر بقوّة على حواس المتلقي فينشأ حوار بينه وبين العمل الفني يدعو إلى التفكير والتأمل.


دور الدراسات البينية في تحفيز التفكير الإبداعي لدى دارسي الفن:
    إن الفنان المعاصر يبحث دائما عن مداخل جديدة للتعبير الفني لكي تتناسب مع متطلبات العصر الرقمي، الذي يناشد بتشجع الدراسات البينية في جميع المجالات، وخاصة تجريب الوسائط التكنولوجية المستحدثة، والتي يسعى الفنان للاستفادة منها في تحقيق أفكاره ومفاهيمه، مما أوجب عليه أن يلجأ إلى استعمال تقنيات جديدة تجعل المتلقي أكثر تفاعلاً مع العمل الفني، ومن ثمّ فإن التطورات التكنولوجية غيرت في طبيعة استعمال بعض الفنانين للأدوات التقليدية داخل اسـتوديو الفـن، وسمحت لهم بالدمج بين الأساليب التقنية القديمة وتطلعاتهم الفكرية الخيالية؛ وكانت هذه هي نقطة الانطلاق التي تناولتها الباحثة للاستفادة من الدراسات البينية بين الرسم والتصوير والمجالات الأخرى ذات العلاقة؛ أهمها مجال التكنولوجيا الرقمية، وإن مشاركة دراسي الفن في التجربة التفاعلية لعرض الأعمال الفنية باستعمال تقنية الواقع المعزز (AR) فتح مجالا للمناقشة حول ماهية الواقع المعزز وكيفية الاستفادة من التكنولوجية الرقمية في التصوير بشكل عام والتصوير المعاصر بشكل خاص؛ لذلك تعمدت الباحثة إقامة هذا المعرض الفني بقاعة كلية التربية الفنية بجامعة حلوان بهدف إشراك طلبة الكلية في التجربة بشكل واقعي تفاعلي مع الأعمال الفنية باستعمال تقنية الواقع المعزز (AR) كما هو في شكل (11)، وفتح مجال للمناقشة حول الواقع المعزز والاستفادة منه في التصوير.  


    وترى الباحثة أن التفاعل المباشر وإيجاد حوار فعال قائم على تناول المعلومات وتفسير وإجابة التساؤلات، يساعد على تنمية روح الابتكار والتفكير الإبداعي لدى الطلبة، بما يتواكب مع الثقافة التكنولوجية لديهم، بالإضافة إلى الإمكانيات الرقمية المتاحة عندهم، حيث إن التطوير في المقررات الدراسية ينادي بالاستفادة من معطيات التكنولوجية الحديثة. كما أصبح الفنان ذاته يستخدم الحاسوب بجانب الأدوات التقليدية فـي الإنتاج الفني، وكذلك يستخدمه كوسـيط لإنتاج أشـكال فنية رقمية نادرة، فمـن عمليـة التصوير الرقمي والرسم بالحاسب الآلي لأشـكال ثنائية وثلاثية الأبعاد إلى الأشكال المتحركة الجذابة التي يتفاعل معها الجمهور، إلى تقنية الواقع المعزز والتي من خلالها يمكن تحريك مفردات اللوحة الفنية واكسابها طبقات افتراضية تفاعلية تنبض بالحياة.
 

شكل 11: مشاهد لتفاعل طلبة كلية التربية الفنية مع أعمال المعرض باستعمال تطبيق الواقع المعزز (AR)، قاعة عرض كلية التربية الفنية، القاهرة، 2019.


ثانيا: الإطار التطبيقي
التجربة الفنية:
    تعتمد التجربة الفنية على إثراء التصوير المعاصر من خلال الاستفادة من المستجدات التكنولوجية الحديثة وربطها بالمفاهيم الفنية والجمالية لفن التصوير، واستعمال تقنية الواقع المعزز كمدخل تجريبي مستحدث في إنتاج أعمال فنية تعبر عن المرأة، وعلاقتها بالطبيعة والبيئة من حولها، بأساليب وتقنيات تشكيلية، وتوظيف الوسائط المتعددة، وإيجاد مدخل من القيم الفنية والجمالية للفن المعاصر انطلاقا من أهميتها بالنسبة للفرد والمجتمع. 


وفي معرض (ألوان الروح) والذي عرض بقاعة كلية التربية الفنية عام [2019]، ارادت الباحثة من خلاله أن تبحث عن ألوان الروح؛ ولا تقصد هنا الألوان باعتبارها مثير بصري صريح؛ بل تعني الاختلاف بين البشر فهم ألوان مختلفة في كل شيء، ثقافتهم، معتقداتهم، اختياراتهم، وحتى لونهم المفضل، وإذا أظهرت الروح تفضيل لون معين فهذا يعني أنها تتطابق مع اهتزازات هذا اللون، وأنه يتردد بقوة مع الروح؛ لأن الحياة مليئة بروح التفاعل التي تتداخل فيها أنماط الشخصيات مع البيئة المحيطة.


الهدف من التجربة الفنية:
    يتركز الهدف الأساسي من التجربة الفنية على استعراض جوانب العلاقة المتبادلة بين الفنون والثقافة والتكنولوجيا من خلال ابتكار أعمال فنية تجسد أفكاراً عن الواقع والعصر، والتغير في طريقة تناول الشكل التي تتطلب فكرا جديدا ومستوى غير مألوف في الرؤية. وقد جاء اختيار قاعة المعارض بالكلية لعرض الأعمال الفنية لهذا المعرض عن قصد؛ فقد أرادت الباحثة إتاحة الفرصة للطلبة من دارسي الفن للتعرف - والتفاعل وبشكل تطبيقي - على تقنية الواقع المعزز، وكذلك الكشف عن العالم المنفتح على الآخر، ومتابعة المستحدثات في الفن التشكيلي والاستمتاع بالتفاعل مع الأعمال الفنية التصويرية، وكذلك طرح التساؤلات، والاستفادة الفنية، والعلمية، والتقنية أيضاً. ولعلها نقطة انطلاق لشباب الفنانين المتطلعين إلى المستقبل؛ والذين ننتظر منهم النهوض بالفن التشكيلي المصري والارتقاء بالذوق والفكر والوجدان للمجتمع.  

 
    كما تهدف التجربة الفنية إلى إثراء التصوير المعاصر من خلال استعمال أساليب وتقنيات ووسائط مستحدثة تعبر عن المرأة، والوصول إلى منطلقات فنية جديدة، لتوظيف واستعمال التكنولوجيا الحديثة، وتقديمها خلال أعمال فنية تواكب العصر، وتخاطب الأفراد داخل هذا المجتمع وما أصبح فيه من تغير للمعايير والقيم. كما تهدف التجربة الفنية للوصول إلى جمهور الشباب، وإزاحة الحواجز والتحرر من طرق التعبير التقليدية في الفن التشكيلي، وكذلك استعمال الوسائط الرقمية بلغة بصرية تناسب ثقافتهم من خلال نمط جديد لالتقاء الفن بالمجتمع، وتخطى الأنماط التقليدية في التعبير، وأيضا التحفيز إلى تجريب تقنيات وأساليب جديدة في التعبير الفني، والاستفادة من الوسائط التكنولوجية الحديثة في التصوير كاستجابة للحاجات الجديدة للجمهور.

أهمية التجربة الفنية:
    تكمن أهمية التجربة الفنية في محاولة مخاطبة الجمهور من الشباب، ودمج استعمال مستحدثات التكنولوجية بالقيم الفنية المعاصرة، خلال إضافة مدخل تجريبي جديد في مجال التصوير، والذي يستقي خصائصه من المفاهيم الفنية والجمالية لتقنية الواقع المعزز، كما تؤكد أهمية التجربة على تشجيع عملية التجريب من أجل الوصول إلى حلول فنية وتقنية جديدة، حيث أن فكرة الدمج والتي تنادي بها الدراسات البينية، تؤدي إلى نوع من التفهم لإمكانات توظيف المفاهيم الفنية والجمالية، وأيضا الحلول التقنية والرقمية الحديثة؛ مما يؤدي بدوره إلى إنتاج أعمال فنية بعيدة عن ثوابت الأنماط المتعارف عليها. كما تسهم هذه التجربة في تحقيق التكامل بين المعرفة وطرق التفكير في تخصص التصوير، كما تساعد على إيجاد طرائق ومداخل مستحدثة للتعبير الفني، كذلك تسهم في وضع توصيات تعمل على توجيه البحوث والدراسات المستقبلية في الحقل التربوي وخاصة التصوير لتكون أكثر بينية بما يلبي الاحتياجات المتجددة في سوق العمل.

مداخل التجربة:
اعتمدت التجربة الفنية للباحثة على عدد من المداخل والتي يمكن حصرها في مدخلين أساسين هما: المدخل الفكري، والمدخل التقني ويندرج تحت كل منها مداخل فرعية. وفيما يلي استعراض لمحتوى هذين المدخلين الأساسين في التجربة الفنية.
(أ‌) مداخل فكرية:
• إثراء التصوير المعاصر من خلال مدخل تجريبي مستحدث في التعبير الفني.
• حاجة المجتمع وسوق العمل للدراسات البينية بين الفن التشكيلي والعلوم والتكنولوجيا.
• السعي إلى مواكبة المستجدات التكنولوجية الحديثة وربطها بالمفاهيم الخاصة لتخصص التصوير.
• نشر الوعي بوسائط التكنولوجيا المعاصرة والاستفادة منها في مجال التصوير.

(ب‌) مداخل تقنية:
• استعمال تقنية الواقع المعزز (AR)، وذلك من خلال برنامج (unity)، وهو محرك ألعاب متعدد المنصات، يدعم الهاتف المحمول والمشغلات والواقع الافتراضي، لعمل أصوات وتأثيرات افتراضية متحركة رقمية تثري التصوير المعاصر.
• إضافة تركيبات من الفيديو والصور والأديو في برمجة التطبيق، والتي تناسب كل شخصية في العمل الفني.
• استعمال الخامات المألوفة بشكل غير مألوف؛ فهي لا تستخدم في الزينة فقط، بل هي أداة للتعبير عن الدلالات الرمزية للأثر الوجداني للشخصية الفنية.
• استعمال اللون لتجسيد مكنون الشخصية الفنية التي يجسدها العمل الفني.

ثالثا: تحليل نماذج من أعمال التجربة الفنية من معرض (ألوان الروح)
العمل الفني الأول: بعنوان الجزء الفيروزي
    يتناول العمل الفني- شكل 12- مشهدا لامرأة وقد غطت الزهور المختلفة الأحجام كل جسدها ووجهها ويمتد من وراء رأسها إلى خارج اللوحة، التي تندمج مع الفراغ الفيروزي في الخلفية. واعتمدت الباحثة على الدمج بين المرسوم بالألوان الأكريليك والباستيل الزيتي، لأشكال كثيرة ومختلفة من الأزهار والورود والفراشات من خلال مجموعة لونية مضيئة من الألوان الوردي والفيروزي والفسفوري والأزرق السماوي، وتضيف عليها الباحثة قطع الدانتيل المختلفة، التي تحمل تقريبا نفس أشكال وألوان الورود والأزهار وتثبيتها بالخياطة في التوال بدقة، فتظهر للمشاهد وكأنها مرسومة، وأحياناً يتوقع بأن الزهور المرسومة هي البارزة، ولذلك يحتاج المتلقي إلى إطالة زمن التأمل، للتعرف على المزج بين التقليدي واللاتقليدي، من أجل أن يكشف أثر الحوار بين العناصر العقلية مع الأخرى الانفعالية والعاطفية بحس مرهف، حيث سيطرت العناصر النباتية على وحدة العمل، وكذلك ارتقى التوريق إلى مستوى الهيئة البشرية، وتحوطت النباتات بهالات اكسبتها صفة سحرية.

 

شكل 12: عمل فني بعنوان "الجزء الفيروزي"، الخامات المستخدمة: أكريليك، باستيل زيتي، أقلام ملونة، دانتيل على توال، 85×120سم، 2019.

 

سمحت تقنية الواقع المعزز في العمل الفني السابق- شكل 12- بتحريك الورود والفراشات داخل العمل التصويري التي تميزت بالتحريفات المجازية، بفيض من الرقة مع الخيال، بعيدا عن الحدود المادية، مما جعل الصور تتحول من هيئة حقيقية إلى هيئة أخرى افتراضية أكثر ادهاشاُ وتفاعلاً، اكتسبت فيها مفردات العمل الفني قوة ونبضا وتعبيرا كما في اللوحات التصويرية المرقمة بـ (أ، ب، جـ، د) في شكل 13. في هذه التجربة الفنية، استطاعت الباحثة إضافة بُعدٍ انفعالي معبرٍ للصورة التقليدية للمرأة؛ لتحقق تقنية الواقع المعزز قيما جمالية غير عادية، يشعر بها المتلقي وتعطيه بهجة جمالية بفضل إدراكه للعمل من خلال استعمال حواسه المختلفة، يشاهد ويسمع ويتحرك في المكان، وتختلط مشاعره بأبعاد عاطفية شعورية مع مسطح تصوير تفاعلي معاصر، يظهر فيها التوافق بين الحقيقي والمعنى والافتراضي في وحدة إدراكية واحدة.

 

شكل 13: حلول إبداعية مبكرة باستعمال مراحل الطبقات الافتراضية للعمل الفني الموسوم بـ (الجزء الفيروزى شكل 12) التقنية المستخدمة الكولاج الرقمي، 85×120سم، 2019.

نلاحظ على الأعمال التصويرية التفاعلية في شكل 13 أنها تم إنتاجها عبر مراحل الطبقات الافتراضية للعمل الفني بصفتها أعمال منبثة من العمل الفني السابق والذي يحمل عنوان "الجزء الفيروزي" - شكل 12- وقد تشكلت تلك الأعمال باستعمال الكولاج الرقمي، وتم إضافة مفردات متحركة ومؤثرات سمعية وبصرية بهدف إثارة مشاعر المتلقي ومنحه إحساسا بأن اللوحة أمامه هي جسد العمل، ويكون المحتوى الافتراضي للواقع المعزز بمثابة أفكار ومفردات ذلك الجسد.

العمل الفني الثاني: بعنوان المرأة الزرقاء
   يعتمد هذا العمل الفني - شكل 14- على علاقات بصرية وروحية تشكلت بواسطة اللون الأزرق، وتكوین من امرأة بوضع جانبي في حالة انسجام وشفافية مع أشكال الزهور والنباتات والطيور، المستوحاة من الفن الإسلامي، مما كان لها الأثر الكبير في الكشف عن الجمال الأخَّاذ للعناصر الزخرفية النباتية ذات الخطوط الانسيابية مع خطوط رسم الشخصية. إن الألوان الصافية والتناغمات الحيوية، اكسبت الخطوط قوة في التعبير عن الأفكار والمشاعر التي تتعلق بالمرأة بصورة غير مباشرة، إذ أعادت الباحثة صياغتها برمزية مستخدمة أساليب المجاز والتورية، معتمدة على أساليب الإيحاء بالجمال الحسي، مع التحرر من الذاكرة البصرية عن العالم المرئي، والتحول بالرمز إلى المستوى الأسطوري، كما اعتمدت الباحثة على  إيجاد علاقات تربط بین الوجود الدرامي للغة الجسد على سطح العمل الفني، واستعمال  خامات جاهزة الصنع، وإضافة ألوان الأكريليك والباستيل الزيتي، وقد استخدمت أشكالا مختلفة من الدانتيل لزهور مستقطعة ومجمعة بدقة ومثبتة بالخياطة على التوال، مما يعطي ثراء جماليا بصريا.
 

شكل 14: عمل فني بعنوان "المرأة الزرقاء"، أكريليك، باستيل زيتي، أقلام ملونة، دانتيل وخيوط على توال، 100×100سم، 2019.

     تجمع الباحثة في هذا العمل الفني –شكل 14- بين الواقع الحقيقي المرئي والواقع الافتراضي، من خلال تطبيق تم تنفيذه لتقنية الواقع المعزز، ويسمح بقراءة العمل الفني  وتحريك عناصره، فقد قامت بعمل معالجات رقمية افتراضية ومزج القديم والمعاصر، من خلال استعمال مفردات تراثية مع عناصر شكلية معالجة بتقنيات تكنولوجية، ودمجها في تكوين واحد في أريَحيّة بصرية، بالقدر الذي استلزم ابتداع صياغات تتناسب مع مفردات الطبيعة وأخرى تتشكل بإضافة مفردات من الزهور والتأثيرات المتحركة، وإضافة أصوات لطيور وآلات موسيقية، تعبر أغوار النفس دون التقيد بمسطح العمل في رؤى خيالية.

العمل الفني الثالث: بعنوان المرأة الأمل     
يستعرض العمل الفني –شكل 15- تكوين تظهر فيه امرأة بوجه ملائكي هادى، وتزين رأسها الزهور وأوراق الشجر البيضاء، وحولها نقاط من الدانتيل وكأنها على رأسها تاج ، وتنسجم مع خلفية تظهر بها أوراق الشجر والزهور المتناثرة في كل مكان، مع أشكال من الحيوانات المختلفة، تزينها نهايات لزهرة اللوتس المستوحاة من الفن المصري القديم، وتأتي وراء هذه الشخصية النسائية بقعة ضوء تشع نورا قويا أرادت بها الباحثة أن تبرز عنصر السيادة في العمل الفني واعتبرته رمزاً للأمل، الذي تتعلق به كل فتاة في انتظار تحقيق ذاتها وكيانها، فمهما ظلمت الحياة أمامها فلابد أن ترى النور، فالأمل يبعث الحياة والوجود.
 

شكل 15: عمل فني بعنوان "الأمل"، أكريليك، باستيل زيتي، أقلام ملونة، دانتيل وخيوط على توال، 100×100سم، 2019.

 

     لقد عبرت الباحثة خلال هذا العمل الفني – شكل 15- عن رسالة أمل وحياة للتجربة الوجودية للمرأة، وتفاعلها في الحياة مع الطبيعة، فيظهر العمل مترابطاً ومتوحداً من خلال الوحدة البصرية بين العناصر في الشكل والأرضية، وتماسك النسق الفكري والجمالي في الخطوط والألوان، وتتميز وحدته التخيلية بعمقها؛ لذلك استخدمت الباحثة درجات اللون الأحمر والمكمل الأخضر، والبرتقالي الذي يعطي الشعور بالثقة في النفس والانسجام بين الأشياء، كما يعطى الإحساس بالعمق. وكذلك استعمال اللون الفيروزي لتلوين ورسم أوراق الشجر في الخلفية للتعبير عن العاطفة وحب الحياة، والتأكيد على التأثير الإيجابي لشعور الأمل في الحياة. وقد أكدت الباحثة على العناصر المشاعرية المتمثلة في الزهور وأشكال الكائنات من خلال إضافة تأثيرات متحركة لها باستعمال تطبيقات الواقع المعزز، وتحريك خصلات الشعر التي تزيّن رأسها وكأنه شلال مياه متدفق، كما أضافت الباحثة في التطبيق أشكالا لطيور تأتي من خارج اللوحة وتطير في مسار دائري داخلها مع إضافة أصوات للطيور وموسيقى في الخلفية، إذ إن الغاية هي الإيحاء بحالات روحية خلاقة يتفاعل معها المتلقي، وتترابط فيها الوحدة العاطفية بقيمها الجمالية.

العمل الفني الرابع: بعنوان امرأة خضراء
العمل الرابع يحمل عنوان "امرأة خضراء" - شكل 16- ويعتمد التكوين في هذا العمل على اللون الأخضر، وما يتعلق به من أجواء روحانية، استخدمتها الباحثة كوسيلة للتعبير عن مشاعر المرأة، وتظهر صورة نصفية جانبية لامرأة تتوسط العمل الفني، يندمج جسدها مع خلفية من الزخارف النباتية الإسلامية، لتؤكد على المظهر البصري للموضوع، من حيث الوضعية الشكلية والعلاقات الناشئة فيما بينها، من مدخل یعتمد على لغة الجسد، وأثره في التعبير عن أفكار الباحثة، التي تريد أن تحققها من خلال عناصر العمل الفني التشكيلي، وبين العناصر المضافة من خلال استعمال الواقع المعزز، التي تضيف بعد خيالي تفاعلي يثري العمل الفني، وقد دمجت الباحثة ذلك خلال صيغ شاعرية من الخطوط والألوان والتركيبات المتداخلة، لابتداع صورة تحقق الاستمتاع الحسي المباشر، ومطلقة لخيالها العمل بحرية وعفوية، وقد أضافت الباحثة خامات جاهزة الصنع من الورود المختلفة الأحجام من الدانتيل، والتي تضيف بُعدًا تجسيميًّا للعمل المسطح، كما تضيف آفاقا جديدة للرؤية.
 

شكل 16: عمل فني بعنوان "امرأة خضراء"، أكريليك، باستيل زيتي، أقلام ملونة، دانتيل وخيوط على توال، 80×80سم، 2018.

 

     واعتمدت الباحثة في هذا العمل الفني-شكل 16- على استعمال نفس مفردات العمل الفني وتحريكها خلال إنشائها لتطبيق الواقع المعزز، مع إضافة عناصر مكملة متحركة وأصوات مختلفة، وتكيفها مع سياق التعبير الفني، فتصنع متعة بصرية حيث ثراء الألوان وتألقها، وحيث الصياغات التشكيلية التي تتحرك في تناغم مع الجانب السمعي ليضيف أبعادا روحية وسحرا وخيالا شاعريا، دفعت بتركيبات إبداعية وصياغات تشكيلية غير تقليدية، تتطلب من المتلقي التدقيق في تفاصيلها مقتربا من سطحها، فيكتشف حدودا للأشكال سرعان ما تختفي فيتحور الشكل في طور آخر، وتؤكد الباحثة على تفرد التجربة الفنية ودلالتها المبتكرة غير التقليدية، كما أنها تتخذ معاني رمزية وروحية وأعماقا وجدانية تفاعلية خاصة.

العمل الفني الخامس: بعنوان وجود
    يحمل العمل الفني الخامس عنوان "وجود" - شكل 17- ويستعرض تكوين يتصدره جسم شفاف لفتاة تكسوها الورود والزخارف، یحیطها أجواء من الغموض الممزوج بالعاطفة والنابع من قوة الخطوط وكثافتها، والتي ازدادت مع العلاقات اللونية حركة من خلال مسارات عشوائية في فراغ اللوحة، مما يعطي قوة تعبيرية عفوية للألوان والخطوط والملامس، التي تثبت الفاعلیة في تحریك الانفعالات، وتعبر عن أحد الأبعاد الروحانية لذات المرأة، وقد أتى التكوین معتمداً على مجموع العلاقات اللونية التي اتسمت بنوع من الدمج سواء بین المساحات اللونية التي اعتمدت في تقنية بنائها على الضربات الخطية السريعة لألوان الباستيل الزيتي، التي تعتمد على التعبيرية في الأداء، وبین المساحات المعالجة بتقنيات التهشیر والبقع اللونية في الخلفية، وإضافة بقعة ضوء تأتي من خلف رأسها تعبر عن الطاقة الكامنة في كينونة المرأة.
 

شكل 17: عمل فني بعنوان "وجود"، أكريليك، باستيل زيتي، أقلام ملونة، دانتيل وخيوط على توال، 80×80سم، 2018.  

 

     اعتمدت الباحثة في العمل الفني -شكل 17-على الكشف عن مشاعر وانفعالات خفیة داخل المرأة، لتتميز بالانفعالية والقوى الروحية، والتي بمقدورها أن تنقل الرائي إلى روعة العالم اللامادي. فرغم الحالة الشفافة الذي عليها جسد المرأة والتي قصدتها الباحثة لمحاولة التعبير عن كل امرأة، إلّا أنها تمتلئ بالمشاعر والحركة، وجعل الضوء والظل يؤكدان على الخصائص الدرامية ويحققان الأجواء العاطفية، بالإضافة إلى تحريك المفردات والعناصر النباتية المندمجة على جسد الشخصية، والممتدة للخلفية إلى ما لا نهاية، فيتيح تطبيق الواقع المعزز إظهار القوة الخفية بصورة أكبر للطاقة التعبيرية عن المرأة، وإضافة أصوات مختلفة مع نغمات الموسيقى، مما يطوع الخيال لفكرة العالم اللامادي، فتصل إلى أعماق الإحساس من خلال ارتباط الخيال بالواقع، فيمثل الخيال قوة تصل بين الرؤيتين الحسية والروحية.

 

الخاتمة:
    سعى البحث الحالي إلى استعراض جوانب العلاقة المتبادلة بين الفنون والثقافة والتكنولوجيا من خلال إنتاج أعمال فنية تصويرية معاصرة تحمل فكر جديد ومستوى غير مألوف في الرؤية. واستعمال تقنية الواقع المعزز كمدخل تجريبي مستحدث لإثراء التصوير المعاصر، كما هدفت التجربة الفنية إلى استعمال أساليب وتقنيات ووسائط مستحدثة تعبر عن المرأة، والوصول إلى منطلقات فنية جديدة لتوظيف واستعمال التكنولوجيا الحديثة، وتقديمها خلال أعمال فنية تواكب العصر، وفن التصوير المعاصر المعتمد على الواقع المعزز.


النتائج:
في ضوء استعراض الإطار النظري والتجربة الفنية الذاتية للباحث، يمكن الخروج بعدد من النقاط تمثل نتائج للبحث الفني المعتمد على التطبيق والممارسة الفنية وفق استعمال تكنولوجيات الواقع المعزز، ويمكن إجمال النتائج في النقاط الآتية:
• أن التجريب باستعمال تقنية الواقع المعزز المستحدثة من التجارب الإبداعية المهمة التي تثري التصوير المعاصر.
• للدراسات البينية بين الفن التشكيلي والتكنولوجيا الرقمية دور مهم في تنمية الجانب الإبداعي.
• هناك مداخل تجريبية متنوعة تظهر للفنان عند استعمال الوسائل والأدوات التكنولوجية المستحدثة، والتي لها دور مهم لنشر الوعي الجمالي والفني عند فئات المجتمع، أهمها المداخل الفكرية، والمداخل التقنية.
• إن للتجربة الفنية أهمية في إثراء التصوير المعاصر من خلال استعمال أساليب وتقنيات ووسائط مستحدثة تعبر عن المفاهيم الفنية والجمالية.
• إن استعمال التقنيات والوسائط التكنولوجية المستحدثة للتعبير عن المرأة يعمل على تقديم أعمال فنية تواكب العصر.


أهم التوصيات:
- تحفيز دارسي الفن والفنانين على تجريب تقنيات وأساليب جديدة، والاستفادة من الوسائط التكنولوجية الحديثة في الفن بشكل عام ومجال التصوير بشكل خاص.
- الاهتمام بجمهور الشباب، وإزاحة الحواجز بينهم بلغة بصرية تناسب ثقافتهم من خلال استحداث أنماط جديدة من الفن لنشر الوعي الفني والجمالي.
 

المراجع:
Abd Elsalam, A. M. (2018, yuliu). Estehdath Baadh al Madakhel al Tagribeya al Teknikeya men al Osloub al Timary al Yabaneya wal efadah menha fi Ithraa al Mashghoula al Fanneya. Magallet al Fonon al Tashkeeleya wal-      Tarbeya al Fanneia. (Mugallad2). (A.2). [In Arabic]
Almaany. (2023). [In Arabic] https://www.almaany.com/ar/dict/ar-

A.R.E. (2017). Technology and Art. https://www.augmentedrealityexperts.com.au/news/technology-and-art, July 31.
Arai, Kohei. ed. (2021). Augmented Reality: Reflections at Thirty Years. Proceedings of the Future Technologies Conference (FTC). Volume 1.
Artivive. (2022). Why AR Is Better Than VR For Artists and Creatives.
     https://artivive.com/ar_vs_vr_for_art/

Blinder, Jamie. (2023). Augmented reality art exhibit on view at Humanities Gallery.
     https://arts.umich.edu/news-features/augmented-reality-art-exhibit-on-view-at-u-m-
     humanities-gallery.

Ibn Manzour, Gamal El-Deen. (1990). Lesan el Arab. (G.1). (T.1). Dar Sader. Bairoot. [In Arabic].

Farook, Samir. (2018, Abril). Bedagogia al Hewar al Basary fel-Fann al Tashkeely al Moaaser. al Magallah al Elmeyah le Gameyat AmeSea.167-192. [In Arabic] https://amesea.journals.ekb.eg/article_75868_b185b461034459b2c9087101eaad348e.pdf

Foster (2022). Leonard: Gateway to the Future: Visual artist Yunuen Esparza talks AR. art, metaverse and working Honor.

Getty, J. Paul Museum (2023). About Contemporary Art. https://www.getty.edu/education/teachers/classroom_resources/curricula/contemporary_art/background1.html

Ghazzawy, Yousef. (2021). fi Maana al Moaaser, aw al Moaasara.Gareedat al Nabaa. [In Arabic].

Microsoft. (2023). https://dynamics.microsoft.com/ar-sa/mixed-reality/guides/what-is-augmented-reality-ar/

Wahdan, Nadia. (2019). al Waqea al Moaazaz wa Mostaqbal allawhah al Tashkeeleya. Magallat Sabah el Khear. (A). [In Arabic]

Wikipedia. (2023). Augmented reality. https://en.wikipedia.org/wiki/Augmented_reality
Wikipedia. (2023). Contemporary Art. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%86_%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D8%B1

Yousef, Shawqi. Badr.(1997). al Rwaya al Tagribeya enda Idward el-Kharrat "Ramato wal Tenneen anmozagan" Magallat al Mada. (5). (A15). [In Arabic]